|
يا وطن عز الشدائد ...!
|
غير أنه
ما من ونسة ها الأيام سوي إرتفاع الأسعار وتظاهرات الطلاب وكلام ربيع عبد العاطي الذي أكرمنا كسودانيين وعلي هواء الجزيرة المباشر بحديثه عن متوسط دخل الفرد ـ صديقي رأفت ساخر بطبيعة الحال ناقشني بالأمس ثم وبطريقته الخاصة في الكلام قال أن ربيع عبد العاطي ربما قصد أن الـــ 1800 دولار هو متوسط دخل الفرد السوداني من محياه الي مماته ـ ثم لم نجد بداً أن نغني سوياً وعلي أطلال هذا السودان قسم (بي محيك البدري غرامك منو ضاق صدري حبيبي البي لو تدري) . بلاد غريبة يموت مبدعيها ويظل سدنتها ليمطرونا بوابل الأكاذيب .
في المساء كنت برفقة صديق آخر نناديه نحن أصدقائه تحبباً بـ أشرف لون ـ كونه فناناً مكتمل النمو تشكيلياً ورساماً وعازفاً لأكثر من آلة موسيقية كل ذلك إضافة لتفرده في مجال الغناء ـ غير أن أشرف لون عرف بيننا كونه أكثرنا سخريةً وأدقنا تعبيراً في الوصف ـ المهم وأثناء مرورنا من أمام إحدي الجزارات فاجأني بكلام بدأ لي غريباً أول الأمر غير أنني ضحكت حتي نفضت عن روحي أتربة الهموم قال أشرف :
والله عارف اللحمة دي حقوا ينقبوها لأنها بتجرح أحساس الواحد ثم ... ثم غنينا مرةً أخري (وتجرح إحساسوا النبيل والريدة يا حنين كدة) .
في المساء صبت مطرة ـ أوان عودتي كانت السماء ولكأنها إمرأةٌ في شهرها التاسع ـ أوجعتنا بالبروق والرعود ونقطة نقطتتين نقطة نقطتين وشوية شويتين إرتاحت السماء من حملها ـ برد الجو ـ خرج الناس للشوارع باحثين عن الرغيف ـ أليل ليل الخرطوم وبتاع الدكان يـ(كورك) بزهج لا يخفي : ياخوانا كاروا الرغيف ما جاني الليلاااااا ـ والناس ولا شغالين بيهو الشغلة ـ تسمع همهمات الناس ـ همهمات ودندنات ـ هكذا تبدأ الثوارت هكذا ـ يخرج الناس باحثين عن الحد الأدني لا للإجور وحسب بل للحياة ـ الرغيف هو الحياة وقد يتنازل الناس بطيب خاطر عن كثير حقوق غير أن الرغيف ها زول ها .
خربشات علي شباك غرفتي ومواء (قطتنا) وهي للأمانة (قطة) جاءتنا مؤخراً لتقضي معنا ما تبقي من عمرها تغيب أحيانا لأيام ثم تعود بذات خربشاتها وموائها الذي لا نملك أمامه سوي الإستجابة لرغائبها والتي لا تخرج علي الإطلاق من ربع رغيفة .
فتحت الشباك ـ دون إنتظار قفزت القطة ـ ثم للغرابة واصلت المواء ـ بدأ لي أن قطتنا هزلت علي هزالها ـ ضعفت القطة وصارت أقرب للهياكل العظمية التي يستخدمها طلاب الدراسات الطبية والعلمية والفنية هزلت وأظنها شاخت ولم يبق من أيامها سوي أمسيتنا تلك ـ فرحت كون أن باطن الأرض قد تبللت ورحت في خيالي أهيئ أمر جنازتها ـ سيمر الموكب من غرفتي مروراً بالزقاق ـ سنأخذ القطة بعدها لجولة داخل الحي ـ يتوقف الموكب أمام دكان الحي ـ الموكب سيكون صامتاً فالهتاف ممنوع ها الأيام ـ بعدها يتوجه الموكب لشجرة لأقدم شجرة نيم في حينا ـ سنشيع قطتنا تشيعاً لم يدر بخلد قط في كوكب الأرض .
سنحفر لها قبراً وسيعاً وسنزرع في حواف القبر زهور صباح الخير والريحان ـ سأرمي لها كل مساء ما تبقي من كوارع ليلة أمسي ـ قطتي تحب الكوارع وتتلذذ بمص التجاويف التي تظل ملتصقة بالعظام ـ
كل تلك المشاهد كنت قد رسمتها بعناية فائقة . إنتظرت خروج الروح منها ـ ساعة مضت والقطة في موائها العجيب ـ وأخري مرت ، الآن فهمت ـ كان مواء قطتنا لجوع حل بها ليس إلا ـ تأكدت من ذلك وهي تتجه بخطي ثابتة ومن ثم عبثها بمحتويات كيس (التمباك) يا إلاهي ـ حسناً ها هي القطط قد خرجت لإنتزاع الحقوق .
نهضت وحمدت الرب كثيراً كون أن قطتنا جائعة ليس إلا وكون أن موائها لم يكن لسكرات موت أو شئ من هذا القبيل ـ خرجت من غرفتي تسبقي القطة ـ تسبقني بموائها الذي بدأ يتزايد ـ سبقتني القطة للمطبخ ـ كان التيار الكهربائي قد إنفصل بسبب الأمطار ـ ووحدنا في الظلام ـ أتحسس الأشياء من خلال عينا القطة ـ وقطتي لا تري أبعد من الجوع ـ وانا أبحث عن شئ أقدمه للقطة ـ دهستها دون قصد ـ درات بعدها معركة قصيرة ـ خرجت إثرها بجروح مميزة ـ دماء سالت مني ـ حاولت بعد ذلك أن أنتقم منها ـ فكيف لها أن تعض (القدم) التي سعت لإطعامها ـ ؟ كيف لها ذلك ؟ حاولت أن أفعل ذلك غير أنها مضت تاركةً إياي وسط بركة كونتها بدمائي .
مضت القطة بعد أن فعلت فعلتها ـ بحثت عنها ولم أجدها ـ قليل ملح وضعته علي جروحي ـ ثم نمت . .
ـــــــــــــــــــــــ ملحوظة :
أكد لي صديقي الطبيب أن علي مراقبة القطة لثلاث ليالي تباعاً عليه وبما أن القطة لن تعود قريباً يرجي شاكراً من الجمهور الكريم التبليغ حال عثورهم علي القطة ـ فشينة والله إنو الواحد يبقي سعران سعر كدايس ـ وأظنكم تعلمون إنو رطل اللبن عامل كم . ووفقنا الله وإياكم ويا وطن عز الشدائد
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: يا وطن عز الشدائد ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
وأتذكر السياب حين أصاب بالحمي وأهذي : إخوتي كان يعدون العشاء لجيش هولاكو ولا خدم سواهم ... إخوتي أتذكر السياب لم نحلم بما لا يستحق النحل من قوتٍ ولم نحلم بأكثر من يدين صغيرتين تصافحان غيابنا أتذكر السياب حدادون موتي ينهضون من القبور ويصنعون قيودنا ونحن لم نحلم بأكثر من حياةٍ كالحياة وأن نموت علي طريقتنا
(درويش/ لا تعتذر عن ما فعلت)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يا وطن عز الشدائد ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
يا خضر لون انت يا اخ مبدع والله في زمن الكدائس........تعرف انا مرات بفتكر انو الحيوانات دي ليها علينا حق مش لانها كبدة رطبة فحسب.........ولكنها تساهم بقدر جميل انتاج النفط وهجليج ويييييييييييييييQuote: فاجأني بكلام بدأ لي غريباً أول الأمر غير أنني ضحكت حتي نفضت عن روحي أتربة الهموم قال أشرف :
والله عارف اللحمة دي حقوا ينقبوها لأنها بتجرح أحساس الواحد |
| |
|
|
|
|
|
|
|