|
هِزَّةُ رأسٍ أُفقيَّة !
|
هِزَّةُ رأسٍ أُفقيَّة ! شاذلي جعفر شقَّاق [email protected]
علَّقتُ ابتسامةً بلهاءَ في شِعْبةِ الفراغ الأرعن مثل يدٍ مُدَّتْ للمصافحة بينما لاذت نظيرتُها بجيْبِ بنطال الإعراض ! حاولتُ أنْ أُعيدَ كرامتي إلى بيتِ الطاعة ، بيد أنَّها علَّقتْ – أيضاً – ابتسامةً خاويةً إلاَّ من انفراجِ الشفتين وبروزِ الأسنان ، لتهزَّ رأسها المُطأطأةَ أُفقيَّاً ! انصرف بصري دونما استئذان من الابتسامة إلى هزَّة الرأس ..انتابني شكٌّ في مصداقية المرآة ، أو بالأحرى اaحترتُ في أيِّهما يهتزُّ أمامي ؛ الرأس أم المرآة أم كلاهما ؟والحقيقة أنَّ قناعتي هي التي بدأتْ تهتزُّ ، لا بالمتغيِّرات والمرائي والخيالات فحسب ، ولا بالثوابت أيضاً !إنَّما بالرسالة البصَريَّة التي لن تصل إلى الظلامِ في ظلِّ غيابِ الضوءِ المتثيِّب ! الضوء الذي يوقِّع حضوره باكراً على صفحة المرآةِ الصقيلة ثم ينسربُ بين ردهات العتمة هارباً من كلِّ سطحٍ يُمكن أنْ تنعكسُ صورتَه للبصر . الضوء الذي ينفلتُ بأُعجوبةٍ أو بغير أُعجوبة كلَّما لاح أمامه وجهٌ من وجوه الحقيقة !الضوءُ الذي يُغلق نفسَه داخل قاعة الوهم الكبير بلا أجنْدة غير أنْ يتمدَّد دون أنْ يُقلقَ خلوتَه أحد ! لم يكن الضوءُ – كما رافع عن نفسه من وراء حجاب - متمترساً إقصائيَّاً أو متمرِّداً أو ضامراً عداوته لمركز المرآة لأيِّ صورةٍ كانت ، إنما كان ولا يزال مأموراً ينفِّذ الأوامر ويجتنب النواهي ! قلتُ صائحاً من قلب العتمة : يا هذا إنَّ الصورة الوحيدة التي تحفظها هذه المرآة اللعينة أمامي منذ عامٍ كاملٍ وأنا مصلوبٌ كالمسيح هي صورة الرأس التي تهتز أفقيَّاً مثل دُمية دُبٍّ قُطبيٍّ لا تملّ ولا تفتر ! قال : لنكن واضحيْن ! قلتُ :( قلوبُهم غُلْفٌ .. وعلى أعينِهم غشاوة ..وفى آذاهم وقْرٌ ..أقول : هاؤم إقرأوا كتابِىَ ..يقولون : دعْهُ جانباً ريثما نغتسل من جنابة مآربنـــا !!!) قال : (وقفتُ ببابِ القُبح المُزيَّن .. أغمضْتُ عينَيْيَّ .. هزَزْتُ رأسيَ يُمْنةً ويُسرة ..انتفضتُ كنعجةٍ تُخلِّصُ وبرَها من بلَلٍ ، ثم صحتُ : يا سلااااااام .. قالوا لي : أحسنْتَ !!! هنــا تقهقرتُ راجعاً إلى صالة الانتظار التي لم يكن بها أحدٌ سواي ..وحدي جلستُ .. قضمتُ ظفرى بطَرَفَى قاطِعَىَّ .. ثفلتُه بلا وعى أمام عينين راتعتين فى موضع الذهول .. قفزتُ ناكصاً عن غفلتى ، تحيَّزتُ إلى أخرى ، فاندلعتْ هواجسُ لا هُوادة فيها .. اختلط حابل الأعشى بنابل الضرير ..وتحت مثار النَّقْع ينتظم طابور من النمل الزاحف بهِمَّةِ مَنْ وَجد شيئاً على مشارف اليأس ! النملةُ الجموح خرجتْ مِن الصف واستدارت لتخطو حثيثاً فى الاتجاه المعاكس ..حارتْ .. حادتْ يميناً .. عافَتْه .. صبأتْ .. توغَّلتْ يساراً .. قبَّلتْ حصاةً نصفها داخل الأرض ونصفٌ معفَّرٌ بطين الانتظار الطويل .. استشعرتْ ظفرى المقضوم .. اشتمَّته ثم غرستْ فيه نائبيها الصغيرين ثم أخذت تجرُّه حيناً وتدفعه حيناً أخراً .. نبشتُ فضيلة الدَّفن مِن قاع ذاكرتى .. كفَّنتُها بالتأسِّى ثم هرولتُ متشمِّراً بالتدارك ، غير أنَّ النملة ومتاعها غارا فى المجهول ! انتشلتْنى فجيعتى الحُبلى مِن غيبوبتى ؛ انتزعتْ كَفِّى بسرعة .. دسَّتْها تحت سُرَّتِها ، ثم أوعذتْ إلىَّ بالإصغاء .. بشَّرتنى بدُنُوِّ مولودٍ جديدٍ اتحسَّسُ فرفراتِه بكفٍّ نازفةٍ وإصبعٍ أخلى موقعَه !
** نُشر بالوفاق اليوم الخميس 27/9/2012م
|
|
|
|
|
|