^ حدثنا أولا عن تجربة الاعتقال الأخيرة وما استخلصتموه منها ؟ • تجربة الاعتقال لمدة قاربت الشهرين وتحديدا من 23 يونيو إلى 16 أغسطس 2012 كانت صعبة ببعض المقاييس وجميلة ببعض آخر ... فهي صعبة باعتبار ما يواجهه المعتقل من قهر وإذلال ممنهج وتعطيل وحجب كامل عن العالم الخارجي وهي جميلة بذات الوقت لأنها كشفت لنا عن عمق الخراب والخوف والتآكل الذي يعيشه النظام من الداخل وكشفت بذات الوقت عن أن ثمة أسرة ثورية كبيرة تشد وتؤازر بعضها بعضا في جسد سياسي اجتماعي واحد .هاتان حقيقتان لم تكونا بهذا الاتضاح واليقين في أذهاننا قبل الاعتقال ... لقد برهن الشعب السوداني أنه يريد وبشدة إسقاط النظام الحالي بهذه المساندة الواسعة والكريمة التي تلقاها المعتقلون وأسرهم ولقد قال لي أحد الذين كانوا وراء تنظيم وترتيب هذه المساندة أنهم قصدوا بوضوح أن يوجهوا رسالة لهؤلاء المعتقلين بأنه لا طريق لهم للتراجع أو النكوص أو الانكسار ... اعتقل الإنقاذيون بمنتهى الذعر والتخبط ما يزيد عن 3000 ناشطا وسياسيا من مختلف الأعمار والتوجهات فتحركت بالضبط أكثر من 3000 دائرة و3000 شبكة اجتماعية ضدهم في تناغم وانسجام وإصرار إضافة إلى ما خلقه هذا الاعتقال من أجواء دبلوماسية دولية واقليمية سلبية للنظام اضطرته للكذب أكثر من مرة بشأن المعتقلين وأجبرت قادته أن يمنحوا الناس حرياتهم (التي ولدتهم أمهاتهم متشحين بها كما في القول القديم المأثور) عن يد وهم صاغرون
^ تريد أن تقول أن الرئيس البشير كان مكرها وهو يصدر توجيهاته بإطلاق سراح الـ80 معتقلا في 28 رمضان والذين كنتم من ضمنهم ؟ • لا لم يكونوا ثمانين ... لقد رأيت بأم عيني في ذلك اليوم مئات المعتقلين الذين اضطر النظام لإطلاق سراحهم مرغما دون شك ... ومسألة أن النظام مكره في هذا لا يأتيها الشك من بين يديها ولا من خلفها وقل لي ما الذي تغير ليجعل القوم مطمئنين لوجودنا خارج المعتقلات: حالة الالتهاب السياسي هي هي .. الوضع المعيشي المزري للمواطن هو هو .. مواقف القوى السياسية الداعية لاسقاط النظام هي هي ..عزلة النظام وأهله داخليا وإقليميا ودوليا (فيما عدا بعض الجيوب الصغيرة هنا وهناك والتي تربطها مصالح آثمة بالنظام والتي أخذت تنفض يدها تدريجيا عن البشير ونظام حكمه تدريجيا) هي هي فلماذا يطلقون سراحنا طائعين ؟ ما حدث هو انتصار حقيقي وحتمي للثورة المباركة المستمرة ولقد عجز النظام عن إبقائنا داخل معتقلاته لهذا الأمر أو ذاك ولهذا الضغط أو ذاك فاضطر لإطلاق سراحنا مكرها كما ترى.
^ تحدث بعض المعتقلين عن أن المعاملة داخل المعتقلات كانت ممتازة ... ما تعليقكم ؟ • الحديث عن معاملة ممتازة – مع احترامنا لمن تبنوه ، وإن كنت أشك في تصحيف وبتر لتصريحات من قالوا ذلك – يفتقر في حالتنا هذه إلى العمق والمصداقية فمن ناحية لن تستطيع أن تحمل الناس على عدم اعتقاد أنه ناتج عن شكل من أشكال التسوية أو المساومة أو التهديد وكل ذلك غير أخلاقي ويفرغ مثل هذه الشهادات من مضمونها ومن ناحية أخرى كيف يمكن وصف أي معاملة عناصر أمن النظام لأي شخص تحت إطار انتهاك صارخ وصريح لحريات وحقوق أساسية منصوص عليها في دستور البلاد بأنها ممتازة ؟؟ الأمر اليقيني أن المعتقلين تعرضوا كلهم أو معظمهم للضرب على الأقل وهذا شهدناه ولمسناه وهناك معتقلون تم ضربهم حتى تقيأوا دما وآخرون تحدثوا عن تعذيب بوضعهم في الحبس الانفرادي لفترات طويلة جدا داخل غرف مظلمة ودرجة تبريد لحد التجمد ثم يتم تغيير التكييف إلى ساخن حتى شارف بعضهم على الموت وتم نقله للعناية المركزة من جراء ذلك فكيف يتحدث البعض عن معاملة ممتازة في المعتقلات ؟؟ لسنا هنا بصدد سرد كل الإفادات التي أدلى بها الذين تعرضوا للاعتقال ولكن المؤكد أن المعاملة في مجملها كانت دون المستوى الإنساني بكثير.
^ تحدث البعض عن أنك شخصيا تعرضت للتعذيب بينما قال بعض آخر أنك أصبت في أذنك اليمنى من جراء الضرب ؟؟ • تعرضت للضرب في أكثر من موقع لجهاز الأمن في امدرمان ثم في موقع جوار القصر الجمهوري ولكن بعد وصولنا لسجن كوبر لم نتعرض لأي شكل من أشكال الضرب إلا أن أذني اليمنى ظلت تتألم وتفرز صديدا وقيحا حتى الآن ورفضت بشكل قاطع نصائح زملائي في الزنزانة بأن استفيد من الخدمات العلاجية التي يقدمها جهاز الأمن للمعتقلين وذلك لأنني أحببت تثبيت حقيقة أن الجهة التي تعتقل الناس وتنتهك حرياتهم وحقوقهم بهذا الشكل السافر غير جديرة على الإطلاق بأي ثقة في أنها يمكن أن تقدم لهم علاجا ما. أضف إلى ذلك أن هذه الخدمات الطبية كانت تقدم بشكل مضحك ويظهر بجلاء أن الهدف منها ليس العلاج بقدر ما هو تجميل الوجه القبيح للأجهزة التي صممت لقتل الناس وإذلالهم ؛ لا لأي شيء آخر.
^ لأي مدى تعتقدون أنكم استفدتم من علاقات حزب الخضر السوداني الوليد بأحزاب الخضر في الدول الأخرى في إحداث ضغوط أكبر على النظام لإطلاق سراح المعتقلين ، لاسيما المنتمين منهم لحزبكم؟ • بذل أعضاء الحزب بالمهاجر المختلفة مجهودات مقدرة في إحاطة الخضر حول العالم بحادثة الاعتقال ولم يتوان الخضر العالميون في تحريك الضغوط الدبلوماسية والسياسية نصرة للثوار السودانيين كافة وليس للخضر منهم وحدهم ونخص بالشكر هنا الإخوة الخضر بالبرلمان الهولندي الذين طالبوا الدبلوماسية الهولندية أن تتدخل لإطلاق سراحنا كما لا يفوتنا أن نشكر الخضر العراقيين والتونسيين على ما أبدوه من تضامن فاعل ومؤثر... كل ذلك إن دل فإنما يدل على أن الفكرة الخضراء شكلت الآن بديلا حيويا وفاعلا للمأزق السوداني الذي ظل يتأرجح بين ديكتاتوريات قمعية وأحزاب ديمقراطية تقليدية وشكلية تستند إلى شعارات رجعية تستلب إرادة الجماهير وتذهب بها بعيدا عن تحقيق مصالح ذات هذه الجماهير .. حزب الخضر السوداني يأخذ مكانه الطبيعي الآن في طليعة القوى الثورية الحديثة المنافحة عن المصالح الفعلية والحقيقية لكافة جماهير الشعب السوداني دون شعارات أو مزايدات وهو يأخذ مكانه الطبيعي الآن في طليعة أحزاب الخضر العربية والإفريقية لتعزيز القيم والمبادئ الخضراء في هذه المنطقة التي تشهد تحولات مفصلية
^ ما تقييمكم لما تم من احتجاجات وتحركات سياسية وشبابية حتى الآن وهل تعتقدون أن مهمة إسقاط نظام الإنقاذ ممكنة الإنجاز خلال هذا العام؟ • لا أدري ما الذي يجعل الحالمين والمرتبطين بمصالح آثمة مع هذا النظام يطمئنون إلى هذه الدرجة أن ذلك لن يحدث ..البشير ونظامه ليس أقل فسادا ولا أقل ضررا بمواطنيه ولا أقل ضعفا من الأنظمة التي تهاوت تحت أقدام الشعوب في العامين الماضيين ... أرفض شخصيا ربط هذه المهمة الآخذة في التحقق على مدار الثانية بتوقيت محدد.. المهم أن النظام يسقط الآن ويتفتت يوما بيوم ولحظة بلحظة .. أما متى يكتمل ذلك فليس أمرا بهذه الأهمية .. وما يهمنا كخضر تحديدا هو أن لا يتسبب هذا السقوط الحتمي في المزيد من الدمار لبنيات ولإنسان السودان .. بمعنى أن يتم بقدر أقل من العنف والفوضى - ولكن بنفس الوقت بقدر أكبر من زرع الثقة في نفوس الجماهير، ولا سيما الشباب ، أنها قادرة على التغيير السلمي الإيجابي وأنها جديرة به - وهذا لا يتم إلا بالكنكنشة القصوى في الحقوق السياسية لا سيما حقوق التعبير والتنظيم والتجمع والنشر إلخ وأن يتم باستمرار دعم وتطوير وسائل الاحتجاج اللاعنفي وتمليك تقنياتها وخبراتها لعامة الناس وتفعيلها وتجريبها باستمرار ... ولقد وضح بما لا يدع مجالا للشك أن النظام لا طاقة له بالحرب اللاعنفية الضروس التي تشنها عليه بلا هوادة مجموعات ونخب حزبية وشبابية ومدنية .. هذا النزال السلمي يستقطب مع مرور الوقت أعدادا متزايدة من الجماهير والمجموعات فأين المفر؟؟
^ ولكن ، الا تعتقد أن ثمة فراغ سياسي سينشأ إذا انهار النظام بشكل مفاجئ تحت ضربات هذه المقاومة السلمية المتصاعدة ؟ * سؤالك هذا استنساخ لفرية النظام التي تبثها أجهزته الأمنية بين الناس وأنه لا يوجد بديل للبشير ونظامه وبالله عليك ماهو – في الدنيا – ما يمكن أن يكون أسوأ من نظام يتحكم فيه 7 أو 8 لصوص كبار في مفاصل الدولة والمجتمع بهذا الشكل الفوضوي السخيف المذل؟ أقول لك بكل ثقة أن مرحلة ما بعد البشير ونظامه آتية بقوة وبهدوء لا ريب فيهما وأن القوى السودانية الحية والمستنيرة جاهزة لهذه المرحلة ولمتطلباتها تمام الجاهزية .. فالرؤية جلية بما يكفي ودوي السقوط سيستدعي بالضرورة نقائض سوءات النظام ومخازيه من صياغة وحدة وجدانية جديدة لهذا الشعب وإعادة إعمار ما دمره البشير من بنيات في التعليم والزراعة والخدمة المدنية وأخلاق الناس ... وصدقني كل سوداني هو هدف مشروع للتغيير بما في ذلك أفراد الأمن الذين يحتاجون قطعا لإعادة تأهيل وإدماج في المجتمع السوداني الذي ترفض تركيبة أبنائه بالفطرة قهر النساء والرجال وإذلالهم لأي شأن كان ... ناهيك عن خروجهم من أجل خير هذا البلد وخير إنسانه العظيم .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة