دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
أبيي ... من الذي قطع الخيط؟ ؟/ د منصور خالد_ المقال التاسع
|
بروتوكولات نيفاشا ... البدايات والمآلات- المقال
المقال التاسع (1-2) د. منصور خالد أبيي ... من الذي قطع الخيط؟ قد يقول قائل بعد توقيع الحركة الشعبية والحكومة في السادس والعشرين من مايو 2004 على البروتوكول المتعلق بمنطقة أبيي فلتطوى الصفحة إذ ''قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان''. ولكن ثمة أسباباً ذاتية وموضوعية تحملني على القول أن لا تطوى الصفحة قبل استعلان الحقائق المقموعة. أقول هذا لأن أُذني لم تتعرض لتلويث سمعي بقدر ذلك الذي تعرضت له مما كان يردد حول هذه القضية خلال مفاوضات نيفاشا. ولئن تجاوز المرء الغلواء التي شابت مواقف عامة الناس من طرفي النزاع فلربما يفعل ذلك لأن القضية بالنسبة لكليهما قضية وجود. الذي لا يغتفر هو اندفاع بعض المعلقين في أجهزة الإعلام، وبعض السياسيين لإصدار أحكام فاصلة حول القضية اعتماداً على المعرفة السماعية، أو البينات الحكائية.anecdotal evidence لا تغتفر أيضاً ولا تجوز الانفعالات الجامحة التي صدرت ممن كان للناس فيهم رَجية، وبخاصة محص الأمور واستداد الأحكام. ولا عذر في الحالتين للخطئ، إذ ليس من بين كل القضايا التي دار حولها النقاش في نيفاشا قضية توفرت حولها الدراسات الأكاديمية، والبحوث العلمية، والوثائق الرسمية مثل قضية أبيي، وكلها في متناول اليد في مراكز التوثيق وعلى رأسها جامعة الخرطوم ودار الوثائق المركزية. لقد صورت الروايات المحكية القضية وكأنها واحدة من تاكتيكات الحركة لإعاقة السلام، أو أحبولة من أحابيلها لمد سلطانها للشمال، أو هي طماعية واشتهاء لبترول المنطقة الذي أخذ يتدفق. ولتأكيد تلك الدعاوى استنجد المعلقون ببروتوكول مشاكوس الذي حسم في ظنهم قضية الجنوب وأقر حدوده فيما كانت عليه حدود المديريات الجنوبية في 1/1/1956، وتلك، في ظنهم أيضاً، لا تشمل أبيي. فما هي حقيقة أبيي؟ أبيي منطقة يختلف الطرفان في مساحتها، وتحدها شمالاً المناطق التي يسكنها المسيرية والنوبة، وجنوباً بحر العرب الذي يطلق عليه الدينكا اسم كيير. وتقع المنطقة، فيما يقول أهلها على بعد مائة ميل من مناطق استقرار المسيرية، وتفصل بين المنطقتين أرض جرداء. عدد السكان أيضاً فيه خلاف كبير، إذ يرفض الطرفان التقديرات التي بنيت على إحصاء 1955/1956 الذي حدد عدد السكان في ذلك التاريخ على الوجه التالي: 63000 مسيرية حُمر، 59000 مسيرية زرق، 30000 دينكا. ذلك الإحصاء بُني على عينات عشوائية وإن أخذناه معياراً فمن السهل تقدير عدد السكان الحالي على اعتبار أن معدل نمو السكان هو (28%). وعلى أي، لا يعني إحصاء السكان كثيراً اليوم بالنسبة للدينكا إذ أن الغالبية العظمى منهم تعيش بسبب الحرب خارج المنطقة (في الشمال والمناطق المجاورة في بحر الغزال كما في بقية الجنوب والملاجئ). وحسب تقديرات يونيسيف (حملات التطعيم ضد شلل الأطفال) لا يزيد الذين بقوا منهم في المناطق التي تسيطر عليها الحركة عن الخمسين ألفاً. الإحصائيات ليست بذات بال بالنسبة لهذا البحث حيث أن الإحصاء القومي المرتقب الذي سيُجرى بعد عودة أغلب النازحين إلى مناطقهم قد يحسم الأمر. بيد أن الأمر الذي أقلقني حقاً إبان التفاوض بشأن أبيي كان هو الجدل الساخن الذي التهب بين الطرفين حول آيالة المنطقة وملكيتها، وما كان أي منهما هَزَالاً في ذلك الجدل. يبعث على الاستهزاء في هذا النوع من المماحكة أن كلا الجماعتين (الدينكا والمسيرية) حديثو عهد نسبياً في المنطقة، فإلى حين حلول هاتين المجموعتين ـ أياً كان التاريخ الذي حلوا فيه ـ كان أهل المنطقة الأصليون هم النوبة والداجو ومجموعة ثالثة تسمى الشات يقال إن لها نسباً بالنوبة في الجبال وبالجور في بحر الغزال. والداجو أنفسهم وافدون إلى المنطقة هربوا إليها من دارفور بعد أن اجلاهم عنها سلاطين الكيرا، من بعد أن كانوا أهل سلطان في دارفور حتى القرن الخامس عشر. وللإداري البريطاني الباحث ك.د.د هندرسون بحث مستفيض حول تاريخ المسيرية وقصة نزوحهم إلى المنطقة التي يقطنون فيها الآن (السودان مذكرات ومدونات، العدد 23، 1939)، كما للانثربولوجي المعروف بول هاول بحث آخر مستفيض عن الدينكا والمسيرية نشره في نفس المصدر (العدد 32، 1951)، ولهاول خبرة مباشرة بالمنطقة إذ عمل فيها كمفتش مركز. على أي، يتكون دينكا أبيي من سبع شياخات من قبيلة الدينكا (يطلق على مجموعها دينكا انقوك œ ccNgok نزحوا إلى المنطقة من الجزء الشمالي في بحر الزراف بعد أن أجلاهم عنها النوير في صراعاتهم العديدة مع الدينكا حول الماشية والمراعي في تاريخ يختلف عليه المؤرخون. فحين يرجعه بعض إلى القرن الثامن عشر (1740) يرده آخرون إلى القرن التاسع عشر (1830). والانقوك فرع من قبيلة الدينكا الكبرى التي تمثل في مجموعها قرابة خمسة وثلاثين بالمائة من سكان الجنوب وتنشطر إلى بطون وأفخاذ مثل الاقار في رمبيك، والمالوال في اويل، والعالياب غرب النيل في بور، والتويج والرييق في بور بأعالي النيل وقوقريال ببحر الغزال. في الجانب الآخر، ينتمي المسيرية إلى جماعة أكبر هي البقارة وينقسمون، هم الآخرون، إلى فرعي الحُمر والزُرق، وينقسم هؤلاء، بدورهم إلى عموديات (الحُمر 7 والزُرق 6). وتقول المصادر التاريخية، بل ورواياتهم أنفسهم، أنهم وفدوا إلى المنطقة من وداي عند بحيرة تشاد التي انتقلوا إليها عبر فزان بعد هجرتهم الطويلة من الجزيرة العربية عبر البحر. ولكنهم سرعان ما تركوا المنطقة هرباً من الاتاوات الباهظة التي كان يفرضها سلاطين وداي وانتهوا إلى دارفور في عهد ملوك التُنجر وما زالت منهم مجموعات تعيش في تشاد ودارفور مثل عرب السلامات. مسيرة العرب النازحين غرباً لم توقفها إلا الجبال التي استنجد النوبة بقممها، كما انتهى الداجو إلى سفوح الجبال كرقيق أرض. والداجو ليسوا محاربين كالنوبة، أو رعاة كالعرب ولهذا لازموا الزراعة حتى أصبحوا القوة العاملة الأولى في مزارع القطن. هذا هو التاريخ الذي لا يختلف كثيراً عن تاريخ نزوح أغلب القبائل العربية للسودان واستقرارها حيث استقرت. ولكن الذي كان يقلق في الأمر هو تمادي الطرفين في اللجاجة حول أيهما سبق الآخر إلى المنطقة، حتى يصلا عبر الرد على ذلك السؤال إلى استنتاج يؤكد به كل واحد منهما حقه في الأرض أكثر من الآخر. ولو كانت مصائر الشعوب تقرر بمثل هذا التبسيط للأمور لتغيرت خريطة العالم، بل لو طبقنا نفس المعيار على القضية موضع البحث، وأدخلنا القبائل الأخرى في المعادلة، لاجلى النوبة والداجو كلا الجماعتين عن تلك الأرض. فالشعوب ـ في السودان وغيره ـ تهاجر من مكان إلى مكان وحيثما بقعة من بقاع الله ألقت فيها عصا التسيار ثم استقرت وعَمَرت وتناسلت في رحابها أصبحت تلك البقعة وطناً لها. فالذي وفد في القرن السابع عشر إلى سفوح جبال النوبة، كالذي جاء إليها في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر ليستقر فيها ويقيم يصبح بالتقادم وطول الأمد صاحب حق فيها. لم تكن العلاقة بين المجموعتين في بداهة الأمر، خاصة في فترة الحكم التركي، علاقة مريحة، إذ كان العرب يَستَرقون الدينكا إما لحسابهم (كرقيق أرض)، أو لحساب سلاطين الفور الذين كانوا يؤدون للحكم التركي ما عليهم من ضرائب وجبايات باهظة بالعبيد بدلاً عن المال. وكانت مناطق استقرار القبائل العربية في مبدئها نقاط الارتكاز لغزوات الرقيق. ولكن، لما يَمضِ زمان حتى أدرك الطرفان حاجتهما لبعضهما البعض، وبفضل ذلك الإدراك وحكمة قيادتيهما نمت بينهما علائق جديدة أساسها المصالح المشتركة. تلك العلاقة أنشأها في البدء الناظر اروب بيونق، كبير الدينكا مع كبير المسيرية، الناظر عزوزه حيث قررا التساند لإيقاف الحملات ضد بعضهما البعض. ويروي فرانسيس دينق كيف أدمى عزوزه واروب بيونق يديهما ومزجا دمهما تأكيداً للعلاقة التي أضحت، في تقديرهما، علاقة دم. وبعد عزل الإدارة البريطانية لعزوزه وايلاء السلطة لأحد ملازمي الخليفة، الشيخ علي الجلة، استمرت العلاقة. هذا أيضاً جزء من التاريخ. بارتحال المسيرية، وهم رعاة إبل، إلى تلك المنطقة تأقلموا على طبيعتها واستجابوا لظروفها فاستبدلوا الإبل بالأبقار لتصبح عماد الثراء ورمز القوة والجاهة. وكان لطبيعة الأرض أثر في تنسيل قطعان الماشية التي اقتنوها، وحسب ما روى ايان كينيسون العالم الاجتماعي وواحد من أهم الباحثين في شأن البقارة تتميز ابقار المسيرية بالقوة والقدرة على السير في أراضي القوز ولكنها لا تتحمل الأراضي الطينية مثل أبقار الدينكا (السودان مذكرات ومدونات فبراير 1954). لهذا أصبحت المنطقة التي تلتقي فيها الأراضي الطينية بالرملية هي المنطقة الطبيعية الفاصلة بين المجموعتين وهي أرض منبسطة رتيبة لا تحد من رتابتها إلا أشجار من الفصيلة السنطية. وكانت الإدارة البريطانية، بسبب ذلك التقسيم الطبيعي تلزم المسيرية بتعبيد الطريق عبر القوز شمالاً حتى مناطق إقامتهم الدائمة، في حين تلزم الدينكا بالعناية بالطريق إلى نهاية الأرض الطينية عند البحر أو الجرف كما يسميه المسيرية . في سعيهم وراء المرعى يرتحل المسيرية جنوباً في بداية فترة الجفاف (أكتوبر/نوفمبر) بعد قضاء فترة الخريف في بابنوسة ليلتقوا مع جموع الدينكا في بحر العرب (الكير). وبذلك يتنقل المسيرية في العام الواحد في أربع مناطق مختلفة المناخ والتربة والنبات: بابنوسة، المجلد، القوز. البحر (بحر العرب). من جانبهم يرتحل الدينكا شمالاً بعد موسم الحصاد في يناير ثم يقفلون راجعين جنوباً لينتهوا في مناطق الدينكا تويج وريك في (منطقة قوقريال) حتى شهر مايو. ورغم تنوع ضروب الترحال وتعددها كانت مسارات الرعي معروفة، كما كانت المداخل والمخارج إلى المنطقتين محددة ومتفقاً عليها. ولم يكن التحرك الموسمي في تلك المسارات طولياً بل دائرياً لا يشارك فيه كل السكان، فالنساء والأطفال والمسنون من الرجال يمكثون في تجمعات شبه مستقرة في حين يرتحل الشباب والرجال القادرون مع قطعان الماشية. وفي نهاية كل رحلة كان الزعماء وكبار القبيلتين يعقدون الندوات لمعالجة المشاكل التي تقع خلال الترحال، ما تعلق منها بأذى للحيوان أو اعتداء على البشر. في تلك الندوات تتم مجالس الصلح لتسوية الخلافات وفق أعراف سائدة مثل الدية في القتل، والتعويض عن الخسائر، ورد المسروق. من الجلي، إذن، أن المجموعتين ظلتا تتعايشان في وئام لم تكدره التجارب الأليمة في عهود غزوات الرق، وهي غزوات تعرضت لها كل القبائل غير العربية من القبائل المحادة لها في الشمال، فمن أين إذن جاء المشكل؟ أجاد الأكاديمي محمد عبد الرحيم محمد صالح، وهو أحد أبناء المنطقة، عندما كتب يقول ''الصراعات بين دينكا انقوك والمسيرية ليست حالة منعزلة لصراع إثني ولكنها ذات علاقة أوسع بطبيعة الدولة السودانية، وهياكل السلطة القومية، والتفاوت بين الأقاليم، وهيمنة مستعربة الشمال على القوميات الأخرى غير العربية. كما أن الصراع بين الانقوك والحُمر هو جزء من صراع الجنوبيين من أجل البقاء كمواطنين ذوي حقوق متساوية. لا يمكن أيضاً عزل الصراعات عن الذكريات القبيحة لحملات الخيالة الحُمر ضد قرى الدينكا ومعسكرات ماشيتهم في عهود الاسترقاق، أو عن سياسات الاستعمار في الثلاثينات حينما قُسم القطر إلى شمال وجنوب، أو فقدان الأنظمة الحاكمة في الخرطوم للحساسية'' (فصل عن الصراع بين دينكا أنقوك والحُمر في كتاب الصراع والانهيار: الرعوية في القرن الأفريقي، تحرير جون ماراكاكيس). هذا تلخيص جيد للمشكل، ويعنينا منه في هذا المقال الجانب المعاصر: الصراع بين الفريقين كرد فعل على التفاوت الإقليمي، وكنتيجة للضغوط على الموارد الطبيعية، ثم كمُحصل للسياسات القومية نحو المنطقة، بل ربما لفقدان أنظمة الحكم المتعاقبة في الخرطوم لأية حساسية سياسية تجاهها، إن لم يكن إسهامها في تعميق الأزمة. من جانب آخر نمكث قليلاً عند السياسات الاستعمارية تجاه المنطقة، خاصة تلك التي تتعلق بتبعيتها الإدارية. ومن الطريف أن المتفاوضين من الجانبين لم يجدوا مراجع يلجأون إليها أو يستدلون بها لإفحام الطرف الآخر غير تقارير الإدارة الاستعمارية. تقول تقارير الإدارة الاستعمارية أن منطقة أبيي وكل منطقة بحر العرب كانتا حتى عام 1905 جزءاً من بحر الغزال رغم أن المنطقة كانت منطقة رعي مشترك بين الدينكا والقبائل العربية. والمعروف أن الحكم الاستعماري بدأ الهجوم على بحر الغزال فور استيلائه على فاشودة حين تحركت الكتيبة (الفوج) الرابع عشر بقيادة الكولونيل سباركس باشا من مشرع الرق في يوم 12/12/1900 وانتهى بالسيطرة عليها بعد أربع سنوات بإقامة مركز كافيا كنجي والتمكن من ''دار فرتيت''. أياً كان الأمر، في عام 1905 ضُمت المنطقة التي يسكنها دينكا انقوك ومنطقة قوقريال (دينكا تويج وروينق) إلى كردفان وظل ذلك هو الحال حتى عام 1931 حين أجرى تعديل إداري أبقى أبيي (دينكا انقوك) في كردفان، وأعاد قوقريال (دينكا تويج) إلى بحر الغزال، كما ضم دينكا روينق إلى أعالي النيل. ما هي الدوافع لتلك الإجراءات؟ الأسباب إدارية بحتة حسبما أوردت التقارير الرسمية، فمثلاً، جاء في واحد من التقارير إن رحلة سلاطين الدينكا في منطقة أبيي أو قوقريال لاقرب مركز في بحر الغزال للشكاة ضد جيرانهم العرب كانت تستغرق ثلاثة وعشرين يوماً ولهذا رؤى ضمهم إلى كردفان (تقرير المخابرات رقم 127، فبراير 1905). وفي تقرير آخر جاء أن السلطان اروب الذي تقع منطقته على نهر كير (سلطان الانقوك) والسلطان ريحان (سلطان التويج) اشتكيا من غزوات عرب جنوب كردفان على منطقتيهما ولذلك أصبح من الحكمة وضع المنطقتين تحت سلطة نفس مدير المديرية الذي يمتد إشرافه على هؤلاء العرب (تقرير المخابرات 128، مارس 1905). وعندما قررت الإدارة الاستعمارية إعادة دينكا قوقريال في عام 1930 إلى بحر الغزال كان من رأي مدير كردفان، المستر بروك، أن يعود معهم اخوتهم دينكا انقوك (تقرير المخابرات 1927) إلا أن شيخهم السلطان كوال اروب آثر البقاء في كردفان. نتيجة لهذا الإصرار أصدر السكرتير الإداري، السير هارولد ماكما يكل قراراً بوضع حد إداري فاصل بين القبيلتين (من الشرق إلى الغرب) يتمثل في طريق نيامليل/سفاهة. ويدعي خصوم السلطان كوال من أهله الدينكا أنه لم يوثر البقاء في الشمال إلا ليصبح كبيراً للسلاطين paramount chief في منطقة يسيطر عليها بمفرده بدلاً من أن يذوب في مجموعات الدينكا الأخرى فيذوى سلطانه. خلال هذه الفترة منح ناظر الدينكا سلطة واسعة ولم يكن يخضع لكبير نظار المنطقة (ناظر عموم المسيرية عندما أنشئ ذلك المنصب). كما كانت المنطقة كلها تدار بواسطة مفتش غرب كردفان (النهود) وكان له مساعدان في دار مسيرية أحدهما في لقاوة والثاني في رجل الفولة في حين ظل ناظر الدينكا خاضعاً للإشراف المباشر لمفتش المركز، لا لهذين المساعدين. استمرت تلك الترتيبات حتى قبيل خروج الاستعمار حين تقرر انشاء مجلس ريفي للمنطقة (باعتبارها منطقة قبائل رحل تدار عن طريق مجلس ريفي لا مفتش مركز مثل المراكز الحضرية). أول مجلس ريفي للمنطقة أنشئ في مطلع العام 1954، وافتتحه الحاكم العام، السير روبرت هاو في يوم 14/1/1971، خطاب الحاكم العام الافتتاحي احتشد بالرموز إذ جاء فيه: ''أن هذا المجلس، في وجه ما، يشبه السودان بأعراقه المختلفة التي تتعايش جنباً إلى جنب: العرب، الدينكا، النوبة، الداجو. وحتى عهد قريب كان كل جزء يسير على طريقته أما الآن فعلى اختلاف أصواتكم وأعراقكم وأديانكم وتقاليدكم يضمكم مجلس واحد يعمل لأجل خيركم المشترك''. ''إن التسامح والصبر واحترام وجهة نظر الآخرين صفات مهمة وأنني لكبير الثقة إنكم ستحرصون على هذه الصفات''. افتتاح المجلس توفي السلطان كوال اروب وتولى الحكم بعده ابنه دينق ماجوك (والد فرانسيس دينق)، وكان له فضل كبير في تطوير المنطقة خاصة في ميدان التعليم وإدخال المنطقة في الاقتصادي النقدي. وقبيل الاستقلال (1952) عرض عليه مدير كردفان إعادة منطقته إلى بحر الغزال فرفض الرجل ظاناً أن بقاءه في الشمال سيوفر فرصاً أفضل لأبناء المنطقة من أجل التعليم والترقي الاجتماعي. ولكنه قبل اتخاذ القرار قام بجولة في بحر الغزال للتشاور مع إخوته السلاطين، وحسبما روى فرانسيس دينق كان هناك شبه إجماع من سلاطين بحر الغزال على أن يعود أهل أبيي إلى إخوتهم في بحر الغزال، ، بل أن بعضهم حذر من الاطمئنان المفرط في ''الجلابة''. رغم ذلك عقد الرجل العزم على البقاء في الشمال، ولعل للعلاقات الحميمة التي نشأت بينه وبين الناظر بابو نمر أثراً في ذلك. وكان البابو رجلاً عميق الغور، كثيف الحضور، حاضر البديهة. قرار الناظر لم يقابل بالرضا من شباب أبيي فأرسلوا وفداً منهم يضم اثنين من المتعلمين هما جستن دينق بيونق وعثمان كوج لينقلا نيابة عنهم عريضة إلى مركز رجل الفولة تطالب بعودة ابيي لبحر الغزال فالقي القبض على الشابين. قضية الشابين أصبحت مثار اهتمام الرأي العام الكردفاني لدرجة أنها شغلت جريدة كردفان لبضعة أيام إذ حسبوا العريضة بداية لـ ''تمرد انفصالي''. ولم يتم الإفراج عن الشابين إلا بعد توسط الناظر دينق ماجوك. ترى ما الذي صنعناه بعد الاستقلال لنولي الرعاية لهذه المنطقة التي كان من الممكن أن تصبح نموذجاً بديعاً للتفاعل بين الشمال والجنوب. فأبيي هي المنطقة الوحيدة في الشمال التي قررت مجموعة مقدرة من أهل الجنوب، بل ومن أكبر قبائله، البقاء فيها طوعاً والانصهار وسط أهلها. هي أيضاً منطقة حبى الله قياداتها الطبيعية بقدر كبير من الحكمة وظفتها للحد من التناشز وتكثيف التعاون. نعم، ما الذي فعلناه بعد الاستقلال في تطوير ما أسماه السير روبرت هاو عند افتتاح مجلس ريفي المسيرية ''العمل من أجل الخير المشترك'' بين العرب والدينكا والنوبة والداجو؟ هنا كانت بدايات المأساة والتي لا أجد وصفاً لها أدق مما قاله، مرة أخرى، الدكتور محمد عبد الرحيم. قال في الكتاب الذي سلفت الإشارة إليه: ''لو كان مسلك الأحزاب السياسية مسلكاً مسئولاً ووجد دينكا انقوك طريقهم إلى مسرح السياسة القومية لهلل الناس للناظر دينق ماجوك باعتباره أب التكامل القومي بين الشمال والجنوب. فبفلسفته السياسية كزعيم جنوبي آثر البقاء في الشمال كان أبعد نظراً من كل قيادات الشمال والجنوب في ذلك الوقت''. كان الناظر دينق يقول: ''أبيي هي الخيط الذي يربط بين الشمال والجنوب''. هل انقطع الخيط؟ وإن حدث هذا فمن الذي قطعه؟ منذ الاستقلال توالت الأخطاء، فبالرغم من أن دينكا أبيي كانوا يمثلون مجموعة متجانسة وكان من الممكن أن يصبحوا دائرة انتخابية واحدة وزعت جموعهم على دائرتين بالشكل الذي حرمهم من التمثيل في البرلمان. ومنذ أول برلمان (مثل فيه الدائرة المشتركة السيد الفاضل محمود) وحتى آخر انتخابات عام 1986 لم يمثل المنطقة أي واحد من أبنائها، علماً أن اغلب الرعيل الأول من مثقفي الدينكا كانوا إما من بور أو أبيي. هذا الإقصاء (حتى وإن جاء بصورة غير مقصودة) كان له أثره النفسي على أبناء المنطقة، خاصة بعد أن رأوا من هم دونهم تعليماً من دينكا الجنوب يشقون طريقهم إلى مسرح السياسة القومية. المرة الأولى التي أصبح فيها للمنطقة نائب من أبنائها كانت في العام 1968 عندما استقال احمد دينق ماجوك، ابن الناظر، من وظيفته كضابط مجلس ليترشح في الدائرة نائباً عن حزب الأمة. في عهد عبود بدأت الأمور تأخذ منحنى آخر، خاصة بعد أن بدأ ذلك العهد حملات الإكراه الديني في الجنوب. فمن بين القرارات التي أصدرها النظام قراره بإغلاق مركز التبشير المسيحي (مركز مادينق) وإغلاق الكنيسة الوحيدة في المنطقة. ومن الغريب أن الدين لم يكن يشكل أية عقبة في التعامل بين العرب المسلمين والدينكا، ولا حتى بين الدينكا أنفسهم إذ كانت جموعهم تضم المسلم وغير المسلم، ويشمل هذا حتى أبناء الناظر دينق ماجوك إذ كان فيهم المسلم، وفيهم المسيحي، وفيهم من بقى على دياناته التقليدية. ومن المفارقات أن احمد دينق ماجوك، ابن الناظر لم يجد بين التنظيمات الشبابية تنظيماً يتجه طوعاً إليه غير الأخوان المسلمين. أو ترى ما تقود إليه رعونات السياسة؟ فما الذي كسبه الإسلام من إغلاق كنيسة في أبيي في الوقت الذي ما انفكت فيه نواقيس الكنائس تدق في العاصمة؟ منذ تلك اللحظة لم تعد النظرة لدينكا أبيي هي نظرة لمواطنين سودانيين ذوي أصل جنوبي وديانات مختلفة أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي لمنطقة سودانية تقع في الشمال، وإنما كجنوبيين غير مسلمين ينبغي أن يتمسلموا، ومن لم يقبل الإكراه منهم ينظر إليه بعين الشك في ''دولة الشمال المسـلمة''، ثم امـتـدت الريـب حتــى للمسلم منهم. الأمر تجاوز الريب إلى الاستحقار عندما رفضت حكومة عبود اعتماد ناظر الدينكا كعضو في مجلس المديرية ممثلاً عن المنطقة. جاء هذا بعد واقعة غريبة هي انتخاب دينق ماجوك رئيساً لمجلس ريفي المسيرية، ربما لأسباب تتعلق بصراعات المسيرية الداخلية التي دفعت بعض شيوخها لاختيار ناظر الدينكا رئيساً للمجلس بدلاً من ناظر عموم المسيرية، الشيخ بابو. ورغم أن موقعه كرئيس للمجلس يؤهله لعضوية مجلس المديرية إلا أن الحاكم العسكري في الأبيض رفض اعتماد دينق ماجوك وأصر على أن لا يمثل المنطقة غير الشيخ بابو. موقف الحاكم العسكري دفع دينق ماجوك للانتقال بشكاته إلى الخرطوم يطالب بالنصفة. تلك الأزمة لم يعالجها إلا إداري قديم عمل دينق ماجوك تحت إمرته هو المرحوم احمد حسن الضو الذي أفلح، من موقعه كرئيس لديوان الرئاسة، في إقناع عبود باعتماد دينق ماجوك ممثلاً للمنطقة، وتعيين بابو نمر عضواً في المجلس بموجب السلطات التي تخول له ذلك التعيين. اتفاقية أديس أبابا 1972 كانت إيذاناً ببداية مرحلة جديدة لأبيي، وإن كان هناك من يظن أن الاتفاق على حدود جنوب السودان في ذلك الاتفاق قد أنهى المشكلة فعليه أن يعيد قراءة الاتفاق. وكما ذكرنا في مقال سابق فإن النص على حدود الإقليم الجنوبي يشير إلى الحدود التي كانت عليها المديريات الثلاث (أعالي النيل، بحر الغزال، الاستوائية) في يناير 1956 ويضيف إلى ذلك ''وأية مناطق أخرى تُعتبر ثقافياً أو جغرافياً جزءاً من الجنوب بموجب استفتاء عام. وإن كانت هناك مناطق ينطبق عليها ذلك الوصف فأبيي على رأسها. ولكن، دون إخلال بما جاء به الاتفاق، حرصنا منذ الوهلة الأولى على أن نجعل من أبيي مثالاً للتمازج بين الشمال والجنوب، وليس فقط منطقة تماس كما درجنا على القول. وهنا يجئ ما أسميته الدوافع الذاتية للاهتمام بقضية أبيي. لتحقيق الهدف الذي كنا نرمي إليه ابتدع الدكتور جعفر بخيت صيغاً ومؤسسات لتطوير المنطقة فكَوَن في البدء لجنة لإعداد برنامج لتطوير المنطقة ضمت كل الوزراء ذوي الشأن وانتدب لعضويتها الدكتور فرانسيس دينق، وكان وقتها سفيراً للسودان بالسويد. وكان من بين القرارات الأولى التي أصدرها تعيين تسعة إداريين تم انتدابهم من الجنوب للعمل في منطقة أبيي بموافقة ابيل الير، كما قام بتسمية أحد أبناء المنطقة، جستن دينق، نائباً للمحافظ، تلك القرارات لم تُرضِ الإداريين الشماليين فأطلقوا عليها وصف جنوبة أبيي، كما أثار الاهتمام الكبير بالمنطقة غيرة القبائل العربية، خاصة وقد تزامن ذلك الاهتمام مع برنامج تحديث مشروعات زراعة القطن في جبال النوبة والذي تمثل في إنشاء جمعيات زراعية تعاونية، وتوفير البذور المجانية للمزارعين، وإعادة تأهيل المحالج، وكان النوبة والداجو هم وحدهم المنتفعون. وفي إطار تحديث منطقة أبيي تبنى الدكتور فرانسيس دينق عقب اتفاق أديس أبابا مشروعاً للتنمية الشاملة للمنطقة بالتعاون مع معهد هارفرد للتنمية الدولية بدأ بإرسال بعثة استكشافية تضم مدير المعهد بروفيسور ليستر قوردون، ورئيس قسم الصحة بالمعهد، الدكتور ستيفن جوزيف. الخبيران الزائران قاما برحلة للمنطقة تبعها إرسال فريق متكامل ضم خبراء في الصحة العامة، التعليم، الزراعة، الانثروبولوجي، كما تأسست لجنة وزارية لمتابعة المشروع تحت اشراف وزير الدولة للزراعة، الدكتور حسين إدريس. ذلك المشروع الرائد لم يُكتب له النجاح بصورة رئيسة للأسباب السياسية التي سنورد. ولكن ثمة أسباباً أخرى أعاقت المشروع مثل غياب المعلومات، صعوبة الاتصالات، اختناقات النقل، تضارب الاختصاصات في نظام للسلطة المركزية فيه رأي، وللحكم الشعبي المحلي رأي، وللاتحاد الاشتراكي آراء، وقلما تتطابق تلك الآراء مع ما يريده أهل المنطقة. ثم هناك أهل المنطقة أنفسهم (العنصر الثقافي)، فقد كان من أكبر المصاعب التي قاسى منها فريق هارفرد إقناع الدينكا باستخدام الأبقار في جر المحاريث، فما لمثل هذا خلق الله البقر في عُرف الدينكا. وحول تضارب الاختصاصات أذكر اتفاقي مع د. فرانسيس دينق (وكنت وقتها برئاسة الجمهورية) على إضافة فقرة إلى خطاب الرئيس نميري في عيد الاستقلال بمدينة كادقلي يوجه فيها الأجهزة بالتنسيق فيما بينها في تنفيذ مشروعات التنمية بجنوب كردفان حتى تصبح التنمية في تلك المنطقة نموذجاً للتكامل القطاعي والإداري والإنساني والثقافي. وما يجعلني استعيد تلك الفقرة الإشارة الخاصة فيها لأبيي على هذا النحو: ''أبيي للسودان كالسودان لأفريقيا'' هذه العبارة تلخص نظرتنا للموضوع كله. أياً كان الأمر، انهار المشروع وصار أثراً بعد عين لهذا لم يجانب رتشارد كول مدير معهد هارفرد، وزميله رتشارد هنتنقتون الحقيقة عندما قالا إن مشكلة أبيي ''ليست مشكلة محلية ذات تداعيات قومية بل مشكلة قومية تُركت لتتقيح على المستوى المحلي''. وقد ألف الأستاذان كتاباً ضخماً حول تلك التجربة أصدره معهد هارفرد للتنمية الدولية في عام 1985 بالعنوان التالي: African Rural Development: Lessons from Abyei, 1985. من بين المشاكل ذات الطابع الإداري التي لم يكن يستحيل علاجها لو توفرت الإرادة السياسية الصادقة، تلك المتعلقة بإدارة النزاعات حول الموارد. هذه الصراعات زادت حدة في أواخر السبعينات لأسباب عدة منها تقلص المراعي بسبب الجفاف، مضاعفة قطعان الماشية نتيجة لتحسن الخدمات البيطرية إذ ارتفع عدد الماشية من مليون في نهاية الخمسينات إلى اثنين مليون ونصف المليون في نهاية السبعينيات، زحف الزراعة الآلية مما أدى إلى انتزاع بعض المراعي لتصبح مناطق زراعة، خاصة في المناطق شمال أبيي (لقاوة مثلاً). وكما أبنا في أكثر من موقع فإن الدولة، لا القبائل وزعاماتها، تتحمل النصيب الأكبر من المسئولية عن النزاعات لأنها إما شجعت التوسع الزراعي بأسلوب غير مخطط، أو عجزت عن إدارة الأزمة عند وقوعها لضعف آليات الإدارة التي استحدثتها كبديل لآليات التوسط التقليدية traditional mediation mechanisms. الآليات التقليدية هي الحكم الأهلي الذي ألغى بصدور قانون الحكم المحلي 1971 واستبدل بمجالس الحكم الشعبي المحلي. وفي الوقت الذي انتهت فيه الإدارة المحلية في الشمال بما في ذلك جنوب كردفان، ظلت باقية في جنوب السودان مما خلق حالة من عدم التوازي الإداري ليس فقط في المؤسسات، بل أيضاً في لغة التخاطب. وإن كان بين كل أقاليم السودان إقليماً واحداً لعبت فيه الإدارة المحلية الدور المركزي في الحفاظ على النسيج الاجتماعي والوئام بين القبائل لكان هو إقليم كردفان. صحيح أن الاستعمار جَهِد في الحفاظ على الهويات القبلية في ذلك الإقليم كأداة للتحكم الإداري فيها وذهب في ذلك مذهباً بعيداً (احمد إبراهيم أبو شوك: كردفان من القبائل للنظارات في كتاب Kordofan Invaded, Brill, 1990. إلا أن ذلك الإقليم بتنوع قبائله، وتضارب مصالح أهلها، واختلاف تضاريسه الجغرافية ما كان ليبقى متماسكاً لولا دور قياداته الطبيعية. وفي بحث الدكتور أبو شوك المشار إليه أعلاه تفصيل دقيق لما لحق بأداء الدولة نتيجة لإلغاء النخب الحاكمة في الخرطوم للإدارة الأهلية منذ أول قرار اتخذته حكومة أكتوبر بإلغاء الإدارة الأهلية، ثم تردد حكومة الديمقراطية الثانية في هذا الموضوع حيث كانت بين الكفر والإيمان، هي مع الإدارة الأهلية في الاجتماعات المغلقة مع زعماء القبائل، وضدها في الليالي السياسية، ثم جاءت قوانين نظام مايو التي أجهزت على المؤسسة تماماً. ففي كردفان، مثلاً، أبان كيف انخفض حجم الضرائب المُحَصلة (العشور والقطعان) عن طريق الإدارة الأهلية من 240000 و 338000 جنيهاً في سنتي 1963، 1964 على التوالي إلى 104251 في العام 1965 بعد إلغائها. ولا يقل أهميةً عن التدهور الذي لحق بتحصيل الضرائب موضوعُ إدارة النزاعات، ففي تقرير لحاكم كردفان، الفاتح بشارة (1984) زادت تلك النزاعات بعشرة أضعاف في الفترة 1971 - 1981 عما كانت عليه في الفترة التي سبقت منذ الاستقلال، مما حمل الحاكم على المطالبة كل بإعادة الإدارة الأهلية.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أبيي ... من الذي قطع الخيط؟ ؟/ د منصور خالد_ المقال التاسع (Re: ahmed haneen)
|
ابيي حقائق ووثائق تكشف لاول مرة-١- محمود الدقم-اليونان
المقدمات: *واخيرا اعلنت مجموعة من السياسين البارزين بشمال البلاد ان لحظة انفصال الجنوب الان عن شماله اصبح ضروريا اكثر من اي وقت مضى بعد ان دخلت المفاوضات النيفاشاوية مراحل معقدة وغامضة واصبح امر الانفصال هذه المرة يعلن عنه من الخرطوم لا من المناطق المهمشة الثلاث.
*وهنا يطل موضوع ابيي مرة ثانية للواجهة لكن هذه المرة موضوع الاستفتاء ربما يتم تنحيته جانبا ليحل محله الالحاق والضم الى بحر الغزال وهذا لامر ان تم خارج الاستفتاء فان العاصمة القومية للبلاد ستكون في خطر.
*وعليه فالوثائق التي بين يدي والتي استلمتها من الناشط بشؤون السلام الدكتور ادم بريمة الحريكة المقيم باحدى الدول الخليجية لا تكشف فقط تبعية ابيي لغرب كردفان والسودان الشمالي فحسب بل وتسلط الضوء لاول مرة اعترافات سلاطين دينكا انقوك بانهم كانو لاجئين عند المسيرية ووجدو-اي الانقوك- نعم الضيافة والكرم والامان.
موضوعات الدراسة الوثيقة:- تقع الدراسة التي تحمل عنوان (ابيي وثائق وحقائق- ترجمة الاستاذ ابراهيم سعيد محمد احمد معتمد لدى معهة اللغويين بلندن) في ثمان موضوعات مهمة سنستعرض في هذه الحلقة اربع من هذه الموضوعات وتشتغل في الموضوع الاول-ااجغرافيا و السكان الموضوع الثاني-وهو من الاهمية بمكان يتحدث عن التاريخ القديم وهجرة المسيرية الى تلك الجغرافيات عام ١٧٠٠م قبيل دينكا انقوك بمئاتي عام الموضوع الثالث-التاريخ الحديث الذي يبدا من العام ١٩٠٥ حيث ارخ الرحالة والباحثة وعلماء الانثربولجيا البريطانيين لبدايات الهجرة لدينكا انقوك لابيي وبدايات تبلور العلاقات بين المسيرية ودنيكا انقوك عبرالمواثيق والعهود التي ابرمت والتي تتحدث عن حق المرعى والجواروالامان لدنيكا انقوك الوافدين الجدد والمسيرية اهل الدار.
الموضوع الاول: عن جغرافيا ابيي وسكانها تقول الوثيقة(١-١ تمتد ابيي الواقعة في ولاية غرب كردفان من الحدود الشمالية لبحر الغزال الى خط العرض ٥٠ز١١ شمالا وتغطي مساحة تبلغ حوالي ٠٠٠-٢٥ كيلومتر مربع غير ان حركة الجيش لتحرير السودان تتحدث عن مساحة صغبره تقل عن ٠٠٠-١٠ كيلومتر مربع ٢-١ اهم معلم جغرافي في المنطقة هو نهر بحر العرب اذ يطلق عليه الجرف بلهجة المسيرية وكير بلغة الدينكا هنالك ايضا نهران موسميان هما الرقبة والزرقا ورقبة ام برو ان هذه المنطقة الواقعة ضمن حزام السافنا غنية بالنباتات وبها سهول ممتدة في جزئها الشمالي ومستنقعات سبخة في جزئها الجنوبي ٣-١ خلال موسم الجفاف الطويل الذي يمتد من اكتوبر الي مايو يقيم في هذه المنطقة المسيرية الحمر الرعوين مع قطعانهم الكبيرة التي يتجاوز عددها العشرة مليون راس من الماشية ورغم ان المنطقة تكاد تكون مهجورة في موسم الامطار الا انها تزدهر وتعج بالانشطة التجارية في موسم الجفاف حيث تباع السلع الاستهلاكية. ٤-١ دينكا انقوك هم مقيمون مستقرون بالمنطقة خلال اشهر موسم الامطار الاربعة يصبحون اغلبية السكان لكن سرعان ما يفوقهم المسيرة الحمر عددا خلال بقية السنة يقيم الان في المنطقة يصور دائمة الفلاتة ومجموعات اخرى من غرب السودان لكن باعداد قليلة)
اما بخصوص الخارطة السكانية فقد تحدثت الوثيقة قائلة( وفقا لاحصاء عام ١٩٥٦ فقد بلغ عدد المسيرية الحمر في ابيي ٠٠٠-١٠٢ نسمة بينما بلغ عدد عدد دينكا انقوك ٥٠٠-٣٨ نسمة الا ان عدد الدنيكا بدا بالتناقص المستمر حتى قبل نشوء النزاع الحالي)
اما عن التنمية فان الوثيقة تقول التالي(حلم العمر دينكا انقوك كان هو ربط مدينة ابيي مع المجلد شمالا بطريق مفتوح طوال العام لقد تحقق ذلك الحلم عام ٢٠٠٣ بينما المسيرية الحمر فان الاولوية هي لحفر الابار والحفائر وبناء سدود صغيرة الجزء الشمالي من المنطقة ليتوفر الماء حيث توجد مراعي جيدة )
الموضوع الثاني(التاريخ القديم): يحدد البحث- الوثيقة التاريخ الذي بدات فية المسيرية بالانسياب نحو غرب كردفان ومن ضمنها منطقة ابيي مشفوعا بالوثائق التي تتكلم بنفسها حيث انهم بداو بالانتقال من مملكة وداي الواقعة بين دارفور والكفرة الى وطنهم الحالي خلال القرن السابع عشر وذلك تجنبا لدفع الضرائب والاتاوات الى السلطان صابون وسلاطين صارمين اخرين ويستند الباحث في هذا الامر على راي كيه.دي.دي هندرسون في مقالة بعنوان "مذكرة حول هجرة المسيرية الى جنوب غرب كردفان مذكرات السودان وسجلاته (اس اس ار) المجلد رقم ٢٢ " عندما قال (كان الغرض من انتقال البقارة والذين يشملهم المسيرية وغيرهم هو تجنب دفع الاتاوت الى السلاطين) ويمضي البحث يقول (ان مخطوطة الفكي النور موسى المؤرخة ١١١٠للهجرة اي ١٧٠٠للميلاد تعتبر اقدم اثر للمسيرية في وطنهم الجديد تفيد بانه في ذلك التاريخ كان المسيرية قد استقرو سلفا في بلدهم الجديد وبداوا في بناء المساجد) دليل اخر ساقه البحث هو ما جاء في مذكرات التونسي الرحال والمؤرخ الذي زار المنطقة في القرن الثامن عشر حيث ان المسيرية(تحالفوا مع السلطان هاشم سلطان المسبعات في كرفان لرد عدوان تيراب سلطان دارفور في العام ١٧٨٥م )
(وجد المسيرية هناك في وطنهم الجديد الداجو والشات هاجم المسيرية ملك الشات وطاردوه جنوبا الى ان قتل في حسوبة وهو جبل قرب ابيي تحقق هندرسون من هذه الواقعة التي تروي في تراث المسيرية وقال(دينقا البيجاوي ملك شات هزم في اول معركة وهرب عن طرق التردة عينه القادم السيرية طاردة وقتله بجوار حسوبة والى هذا اليوم يشير المسيرية الحمرالى ريف المجلد باسم دينقا ام الديار)
- ام عن ابيي فتقول الوثائق ادناه ما يلي(لاحظ المسيرية عند مطاردتهم الملك دينق خلوا ارض بحر العرب وجاذبيتها وبداو فورا في ارتيادها سنويا خلال موسم الجفاف وحقيقة ان ضريح الشيخ علي ابو قرون الزعيم الروحي للمسيرية الحمر موجود في ابو نفيسة وهو اسم اخر لابي قرون نفسه جنوب بحر العرب هي دليل مقنع على وصول المسيرية الى تلك المناطق منذ اياهم الاولى في كردفان قال هندرسون (ان الشيخ على ابو قرون تزعم المسيرية الحمر لسبعين عاما بعد طرد الملك دينقا البيجاوي)
(خلال الحكم التركي كان زعيم المسيرية هو قائدهم الاسطوري الاكبر الناظر على مسار تمكن علي مسار الذي حكم حوالي عام ١٨٥٠م واتخذ من رجل الفولة مقرا له من توحيد دار اي وطن المسيرية في عهد علي مسار امتدت دار المسيرية جنوبا حتى نهر اللول والذي كان يمسى في ذلك الوقت بحر الحمر حسبما كشفت الخرائط القديمة (على سيبل المثال خرائط ماردون لعامي ١٩٠١-١٩٠٣ ولغاية عهد الناظر على مسار لم يكن دينكا انقوك قد وصلوا الى المنطقة ومدينة ابيي لم تكن قد تاسست بعد بينما وصل المسيرية الى وطنهم الجديد -ابيي- في القرن الثامن عشر فان دينكا انقوك وصلوا الى المنطقة نحو نهاية القرن التاسع عشر)
-(لعقود من الزمن ظل دينكا انقوك مستقرين حول وداي الزراف مع دينكا اخرين وفي مطلع القرن التاسع عشر اجبرو على الرحيل شمالا ثم غربا لسببين متداخلين هما عبور النوير العظيم للنيل- والفيضانات التي اجتاحت وادي الزراف)
-(اتفق المؤرخون والرحالة ان الحدثين وقعا في مطلع القرن التاسع عشر فقد قال جيه- اي- دو- سي- هامتلون في كتابه السودان الانجليزي المصري من الداخل (خلال القرن التاسع عشر عبر النوير النيل من وطنهم في الضفة الغربية وطروا معظم الدنيكا الى شرق النيل او استوعبوهم) وقال دي كينسون دينكا نقورك الذين كانوا يقطنون الجزء الشمالي من جزيرة الزراف باعالي النيل تم تفريقهم وطردهم خارج وطنهم من قبل نوير الو ومنذ القرن التاسع عشر استعلموا الارض حول ابيي كموطن لهم)
(حاول بي- بي- هاول في بحثه المعنون مذكرات دينكا انقورك بغرب كردفان الذي نشر في عام ١٩٥١ في المجلد ٣٠ اس ان ار تحديد الوقت الذي بدات فيه هجرة دينكا انقوك فقال : "يتعذر تقديم تاريخ دقيق لهذا الحدث ولكن من خلال الدراسة المقارنة لاجيال ومجموعات عمرة وسط النوير وخرائط الرحالة الاوائل فان غزو النوير لوادي الزراف لا بد ان يكون قد تم في القرن التاسع عشر)
-وحول هجرة دينكا انقوك الى ابيي عدد هندرسون وهاول سته قادة دينكا انقوك خلال هجرتهم الزعيم الاول جوك وابنه اويل دي جوك قادا قبيلهتما لعبور بحيرة نو والاقامة جنوب بحيرة ابيض وقال هندروسون في وقت لاحق تحت قيادة كوال ديت من قرع ابيور رحل دينكا نقوك غربا على امتداد انقو الرقبة الزرقا وطروا الشات اماهم واستقروا في المنطقة الممتدة من تبوسايا الى حقنة ابو عرف وفيما بعد بعد رحل الور حفيد كوال ديت جنوبا الى وفيما بعد الى كيريتا لكي لا ينفصل عن تويج ولا يعلق بين النوير والبقارة وقال هندروسن بعد ذلك ايضا عندما تم طرد الرونق اجويا من بحيرة ابيض بسبب عداوات داخلية او هجمات الحوازمة قام بيونق بن الور بتسلميهم كيريتا الجزء الغيرمحبذ من المنطقة وحل غربا الى الموقع المسمى الان سلطان اروب تيمنا بابنه استمرت هذه الهجرة المتطاولة لقرن تقريبا نوحتى عندما هم دينكا نقوك بالقدوم لابيي لم يذهبوا اليها في دفعة واحدة اشار مستر دي هوكيسوورث الذي درس مجتمع دينكا نقوك الى انهم قدموا في مجموعتين المجموعة الاولى واسموها كويجي وتعني-الطماعين- حسبما قيل لي-الكلام لدي هوكيسوورث- والمجموعة الثانية اسموها باشينق وتعن-القادمين مؤخرا او اللاحقين-)
-(في الحقيقة بقى سلطان السلطان اروب في المكان الذي سمى تيمنا به جنوب بحر العرب الى ان اعلن في عام ١٩٠٤ انهم يتبعون الى لكردفان وليس بحر الغزال فقد اشار تقرير استخبارات السودان رقم ١٢٨ بتاريخ مارس ١٩٠٥ الى انه لقد تقرر انه يتبع لمديرية كردفان السلطان روب الذي وطنه على نهر كير والشيخ ريحان شيخ التود الذي ذكر في اخر تقرير استخبارات)
تعقيب: يتضح مما ذكر الاتي -ان هجرة المسيرية الى جنوب بحر وتبعية ابيي لهم حقيقة اكدتها الخرائط القديمة -ان دنيكا انقوك قدموا الى ابيي بعد حلول المسيرية بقرن من الزمان كما اقر بذلك علماء الانثربلوجيا بي بي هاول هندرسون- مستر دي كسيوورث- دي كينسون وغيرهم -حضور دنيكا انقوك الى ابيي لم يكن دفعة واحدة بل في مجموعتين كما ذكر انفا الكويجي الطماعين-والباشينق -نزوح انقوك الى ابيي كان بفعل سببين الهروب من بطش النوير والفيضانات
الموضوع الثالث-التاريخ الحديث: يتحدث هذا الفصل للدور السياسي لدينكا انقوك ومن جهة اخرى بداية التعايش السلمي والاخوة التي بدات تنشا بين مكوك دينكا انقوك والمسيرية والتحالفات والمواثيق وتاثر دينكا انقوك بالمهدية ولا سيما في عهد السلطان اروب بيونق جد السلطان الشهير دينق مجوك اول زعيم لدنيكا انقوك في بحر العرب السلطان اورب عاصر الامام المهدي وسافر الى قدير-كما جاء في البحث- لمقابلة المهدي ومبايعته استقبل الامام المهدي السلطان اروب محسنا وفادته وشرفه بان اطلق سراح بعض المواطنين الجنوبيين قد اشاد الدكتور فرانسيس دينق بهذه الحادثة وكتب مرات عديدة حيث قال( جدي الاكبر الزعيم اروب بيونق قابل المهدي واطلق سراح جنوبين كانو اخذو كعبيد وعاد بهم الى ابيي واسكنهم في مكان اصبح يعرف باسم متروك سحب السياج ودعا زعماء جنوبيين ليحضروا ويحددوا رعاياهم ويعودوا بهم الى وطنهم) ثم بدات اول علاقة مباشرة بين دينكا انقوك والمسيرية بين الناظر نمر على الجلة والسلطان كوال اروب كان ذلك عام ١٩٠٥ كان تم تنصيبه حديثا وبدات صيغ التعايش الاهلي الاخوي تتنزل بينهما وقد اشاد الدكتور فرانسيس دينق بهذا الامر في كتابه دنميكية التعارف الذاتي
- نتيجة للالفة التي جمعت بين القبيلتين اطمئن الدينكا للمسيرية وبدات لاحقا اذدياد هجرة الدينكا الى ابيي وجاء في هذا السياق التالي(استمرت هجرة دينكا انقوك الى ابيي بصور حسنة خلال القرن العشرين حتى ان مفتش المركز ديبوري قد ذكر في تقريره لعام ١٩٢٠-١٩٢١م ان ميثاق الاخاء نتج عنه مزيد من هجرة دينكا انقوك الى ابيي كما حدد مدير مديرية بحر الغزال في خطاب بتاريخ ٢١-٧-١٩٢٧م موعد هجرة فرع النقو من دينكا نقوك الى ابيي )
-(عام ١٩٤٠ لاحظ مفتش غرب كردفان ان ا لعلاقة بين القبليتين هي مصدر استقرار حيث قال حقيقة ان نقوك سببو لنا عموما متعاعب قليلة في الماضي اتعقد انها تعود جزيئا الى شخصية الزعيم كوال ولكن بصورة رئيسية الى التواصل الحميم بين هؤلاء الدينكا وعبر الحمر)
-(في عام ١٩٥٣ تم تتويج هذه العلاقة المثالية بقرار دينكا نقوك الانضمام الى مجلس ريفي المسيرية)
التعقيب: -منذ ان بدا دنيكا نقوك الاستيطان في وطنهم الجديد ابيي عام ١٩٠٤م حيث سبقهم اليها المسيرية كما اوضحنا سابقا بنحو قرن من الزمان نجد ان حكماء المسيرية قررو تتويج هذا النمط الاجتماعي الجديد بميثاق اخوة بينهما
- لعب المسيرية دورا مهما في الثورة المهدية ولان روحية التسامح كانت بين انقوك والمسيرية نجد ان تاثير المهدية كان واضحا وسط قبيلة انقوك حيث بداو بلعب دورا سياسيا مهما في عهد السلطان اروب.
-ولما كانت انقوك فعلا تعد نفسها جزءا اصيلا من المسيرية والعكس اعلنوا بوضوح انهم وبدون اي ضغط خارجي قررو الانضمام الى مجلس ريفي المسيرية.
الموضوع الرابع التاريخ الاداري: يتناول هذا الموضوع الجغرافيا الخرائطية لمنطقة ابيي منذ العام ١٩٠١ والى العام ١٩٥٦ وطرح الادارة البريطانية لسلاطين دينكا انقوك ما اذا كانوا يفضلون الانضمام الى الجنوب ام الى شمال السودان وكان ذلك عام اواخر الثلاثينات ولماذا طلب السلطان اروب ان ينضم الى كردفان وان تكون ابيي ملكا للشمال؟ وراي الدكتور فرانسيس دينق في هذا الامر وتنصيب السلطان الشهير دينق مجوك.
جاء في البحث الوثيقة التالي(في عام ١٨٨٩م قسم الحكم الثنائي السودان الى ست مديريات الخرطوم وبربر ودنقلا وكسلا وكردفان بينما اعتبرت سواكن ووداي حلفا وفشودة مراكز ادارية تم الحاق منطقة بحر الغزال بالسودان فيما بعد عام ١٩٠٢م -غازيتة السودان-الجريدية الرسمية-العدد ٣٤-ابريل١٩٠٢- وحسبما تظهر الخرائط الاولى للحكم الثنائي فان الحدود الجنوبية لكردفان تمتد لغاية بحر العرب ان الخريطة التي رسمها ماردون في عام ١٩٠١ م وتم تعديلها في العام ١٩٠٣ تظهر بوضوح ان المنطقة المعروفة الان ب ابيي باستثناء المثلث الصغير الى الجنوب من بحر العرب كانت ضمن كردفان منذ البداية مباشرة)
-(بعد الحاق بحر الغزال بالسودان عام ١٩٠٢م بقى الوضع الاداري للمنطقة جنوب بحر العرب غير محدد طالما ان جميع حدود المديرية تترك نوعا ما غير محددة الى ان نقوم بسمحها بدقة ونعرف الحدود القبلية حسبما نقلت دالي امبراطورية على النيل ص ٧٢ عن الحاكم العام سير ويجنالد وينجت بعد اكتمال مسح الحدود القبلية في عام ١٩٠٤م تقرر ان يتبع لمديرية كردفان السلطان اروب الذي يقع وطنه على نهر كير والشيخ ريحان شيخ التوج الذي ذكر في اخر تقرير استخبارات اس اي ار رقم ١٢٨ مارس ١٩٠٥م)
-في اواخر الثلاثينات تم تخير السلطان اروب من قبل الادارة البريطانية الانضمام الى الجنوب ام الشمال وبما ان هناك مواثيق بين سلاطين دنيكا انقوك والمسيرية تؤكد على ان انقوك لا يملكون الحق في التصرف بالارض-ابيي- فان السلطان اروب حافظ على هذه المواثيق وفضل بالتالي ان تذهب ابيي الى كردفان بالرغم من الضغوطات التي مارسها عليه سلاطين من الدينكا والادارة البريطانية.
- علق الدكتور فرانسيس دينق على هذه الحادثة بالتالي(صرح كوال اروب لاحقا لزعماء الدينكا في اجتماع خاص بان اختياره لم يكن تفضيلا للعرب على اهله الدينكا لكنه كان وسيلة لحماية ارضهم ومصالحهم واذا كان نقوك قد قرروا الانضمام الى الجنوب فانه كان يخشى ان يطالب العرب بالارض على انها ملكهم ويتحولوا الى جيران معاديين ويجبروا الدينكا على الخروج)
- اهم نقطة ينبغى اخذها بالاعتبار هنا ان صيغ التعايش السلمي والاخوة التي نشات بين المسيرية والدينكا جعلت انقوك يقفوا جنبا لجنب في خندق واحد ضد الاغارات التي شنها دنيكا اويل والتويج وبهذا الصدد نقرا (سجلت تقارير الادارة البريطانية حوادث عديدة من هذا القبيل-التضامن عسكريا- من اجل حماية الارض- ابرزها حادث عام ١٩٤٨م عندما وقف دينكا نقوك الى جانب المسيرية لايقاف تعدي دنيكا اويل ودينكا تويج على مراعي ابيي)
-(بعد وفاة السلطان كوال اروب وتعين ابنه دينق مجوك سلطانا جديدا وفي اطار الاستعدات لمؤتمر جوبا ١٩٤٧م التقى المفتش البريطاني للمركز بالسلطان دينق مجوك وطلب منه مراجعة قرار والده رفض السلطان دينق مجوك واكد الموقف التقليدي لعائلته)
-(تم الشروع فورا في مفاوضات لضم دنيكا نقوك الى المجلس الجديد-مجلس ريفي المسيرية- استشارة دينكا نقوك مرتين في عام ١٩٥٠م قام مفتش المركز مايكل تيبس بزيارة الى ابيي مع مسؤولين بريطانيين اخرين وقدم لدينكا نقوك ثلاث خيارات الانضمام الى مجلس المسيرية او الى مجلس قوقريال في بحر الغزال او الى مجلس جديد يتم تاسيسه في بانتيو باعالي النيل- مديرية كردفان-سجل اليومية الشهرية يناير١٩٥١م النقطة رقم ٤٠٧٣- رفض سلاطين دينكا انقوك فكرة الانضمام الى مجلس في اي من بحر الغزال او اعالي النيل وفضلوا الانضمام الى مجلس المسيرية)
في عام 1951م، عُقد اجتماع إداري آخر في أبيي ونوقشت المسألة باستفاضة من قبل الإداريين البريطانيين وزعماء دينكا نقوك. وبعد مناقشات موسّعة، أفاد الإداريون البريطانيون المجلس بأنهم تركوا نهائياً فكرة إلحاق أبيي بمجلس في بحر الغزال. "…بدا ارتياح كبير على زعماء وأهالي الدينكا عندما تم إبلاغهم بهذا في مجلس". (مديرية كردفان، سجل اليومية الشهري، إبريل 1951م، النقطة رقم 4073).
بعد ما تقدم ذكره، أجرى الناظر بابو نمر والسلطان دينق مجوك مشاورات كثيفة وتم إدخال دينكا نقوك في مجلس ريفي دار المسيرية. وفي مطلع عام 1953م، حضر السلطان دينق مجوك أول اجتماع له في المجلس. وأخيراً تحقق حلم المسيرية في توحيد دار أبو سلمان، أي الناظر علي مسار، كما كانت خلال عهده قبل قرنٍ مضى. اختارت الإدارة البريطانية رِجل الفولة حاضرةً للمجلس لأنها كانت مقر الناظر علي مسار. ورد في التقرير الإداري لمجلس ريفي دار المسيرية لعام 1954م، ما يلي:
"لرِجل الفولة صلة تاريخية لأنها كانت مركز القبيلة في التركية عندما كان علي مسار ناظراً."
قال مايكل تيبس، المفتش الذي أسس المجلس، في مذكراته، غروب شمسٍ في السودان، 1999م، أُعطِي المجلس ذلك الاسم لأنه كان الخيار الواقعي الوحيد فقط.
تعقيب مما ذكر اعلاه فاننا نستخلص التالي -التاكيد على وحدة المسار والمصير بين دنيكا انقوك والمسيرية والرغبة الاكيدة من الطرفين الى ضرورة الحفاظ على مجموعة القيم والمواثيق بين الطرفين بالرغم من دينكا انقوك مسيحيين والمسيرية مسملين لم يقف هذا الامر عائقا بينهما
- بلغت قمة الحفاظ على هذه المواثيق بين المسيرية ودينكا انقوك عندما وقف انقوك جنبا الى جنب مع المسيرية لصد عدوان دنيكا اويل والتويج
- الاصرار الشديد والدائم من قبل انقوك على ان يكونوا ضمن المسيرية والعكس بالرغم من المحاولات الماراثونية من قبل الادارات البريطانية وسلاطين الدنيكا الاخرين بضرورة فك الارتباط مع المسيرية والالتحاق فورا الى ادارات بحر الغزال وهذا يؤكد بما لايدع مجالا للشك بان الوافدين دينكا انقوك الى ابيي والمسيرية سكان ابيي الاصليين برسم التاريخ والجغرافيا واراء البحاثة الانثربولجيين والخرائط القديمة يؤكدون على حقيقة واحقية المنطقة الى اهلها.
from sudanile.com
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أبيي ... من الذي قطع الخيط؟ ؟/ د منصور خالد_ المقال التاسع (Re: ahmed haneen)
|
مخلص ما نشر سابقا: اولا- تبيعة ابيي لغرب كردفان والوثائق قد تحدثت عن ذلك بكل جلاء ووضوح وخرائط ماردون التي تعود الى العام ١٩٠٢ واستعرضنا اراء علماء الاجناس مثل هندرسون./ بي. بي. هاول والادارات البريطانية التي عززت تلك الحقائق بعد ان اخفقت في ضم ابيي الى بحر الغزال
ثانيا-كثافة صيغ التعايش الاهلي السلمي الكائن بين دينكا انقوك والمسيرية والذي تجلى في عقد اخاء بين المسيرية وانقوك عام ١٩٠٥ يعطي الوافدين انقوك على المنطقة حق المرعى جنبا لجنب مع قطعان المسيرية اهل دار ابيي
-كذلك استعرضنا الاحصائية التي اجريت عام ١٩٥٦ والتي جاءت نتائجها على النحو التالي بلغ عدد المسيرية في ابيي مائة الف واثنين نسمة بينما عدد دينكا انقوك ثماني وثلاثين الفا وهنا نعتذر عن الخطا المطبعي الذي ورد في مقالنا الاول
في هذا المقال نستعرض الدراسة التي تحمل عنوان (ابيي وثائق وحقائق- ترجمة الاستاذ ابراهيم سعيد محمد احمد معتمد لدى معهة اللغويين بلندن( المحاولات الحثيثة التي قامت بها منظمة الانانيا بشقيها "ا" وانانيا "٢" في نسف الجهود وكافة صيغ التعايش السلمي ومحاولات الانانيا تمزيق المواثيق والعهود التي ابرمت بين الطرفين والالتفاف عليها لاحقا واستحقار مرجعيات انقوك من قبل مثقفي الانانيا
أبيي وأنيانيا 1:
في عام 1955م، شعر نظار وشيوخ المسيرية بالمجهول الذي قد يأتي مع إعلان استقلال البلاد وأثره المرجّح على وضع أبيي الإداري، خاصة بعد علمهم بأن تمرداً قد بدأ بالفعل في الجنوب. لذا، اختاروا السلطان دينق مجوك لمنصب رئيس مجلس دار المسيرية. وقَبِـل الناظر بابو نمر، زعيم المسيرية الأكبر، بروح طيبة منصب نائب الرئيس. اعتُبر ذلك بادرة حسن نية وتأكيد بأن أبيي باقية ضمن مجلس ريفي دار المسيرية.
لكن السلطان دينق مجوك لم يستمر في احتكار شؤون قبيلته مثلما كان يفعل في الماضي، حيث أراد شباب دينكا نقوك الجدد، الذين نالوا حظاً من التعليم، المشاركة في تسيير أمورهم القبلية وعبروا عن سخطهم من قرار كبارهم بأن يكونوا جزءاً من دار المسيرية. انضم بعض أولئك إلى التمرّد الأول في مراحل مبكّرة للغاية. في ديسمبر 1955م، عقدت مجموعة من أبناء دينكا نقوك المتعلمين، بقيادة أحمد دينق مجوك، اجتماعاً في بحر الغزال للنظر في السبل والأساليب اللازمة لإلحاق أبيي بالجنوب. قاد أحمد دينق مجوك وفداً إلى مدينة الأُبيّض لشرح الموقف الجديد ليتم اعتقاله من قبل السلطات الاستعمارية. وحالما تم إطلاق سراحه، قاد مجموعته للانضمام إلى الانيانيا 1. ومنذ ذلك الحين، وقع انقسام متواصل بين أبناء دينكا نقوك المتعلمين الذين بدأوا يؤيدون فكرة الانضمام إلى الجنوب، وكبارهم وزعمائهم القبليين الذين بقوا على ولائهم لموقفهم التقليدي.
حاول متمردو دينكا نقوك جاهدين جر أبيي إلى النزاع. وبعد سنوات، نجحت جهودهم في النهاية. في شتاء عام 1964م، قتل متمردو دينكا نقوك أربعة تجار ماشية من المسيرية، قرب ميوم ونهبوا بعض قطعان المسيرية بجوار قوقريال. وكما خططت الانيانيا 1، أصبح الوضع في أبيي متوتراً للغاية ونتج عنه قيام بعض صبية المسيرية بقتل اثنين من دينكا نقوك في الرقبة الزرقا. عندئذٍ قامت انيانيا 1 وطابورها الخامس بترويج إشاعة مفادها أن صبية المسيرية مثّلوا بجثث الضحايا. أثارت تلك الإشاعة المشاعر العامة لدينكا نقوك الذين شنّوا هجوماً شاملاً في مارس 1965م على عشيرة أولاد عمران الغافلين في الرقبة الزرقا وقتلوا 142 منهم. ولم ينسوا التمثيل ببعض جثثهم انتقاماً لما اعتقدوا أنه قد حدث.
المسيرية، الذين أذهلهم الحادث، تصرفوا تحت تأثير الصدمة وقاموا فوراً بمهاجمة دينكا نقوك في أبيي ومدن وقرى أخرى بالمنطقة. وقد نتج عن السخط العام انهيار محتوم للقانون والنظام لأيام عديدة أصبحت هي الأسوأ في تاريخ تلك المنطقة. كانت تلك هي النهاية المحزنة للحقبة الناصعة من تاريخ أبيي والبداية لحقبة جديدة لا تزال تتكشّف
تعقيب:-
اولا- تضح مما ذكر في مقدمة الجزء الثاني من الدراسة مضافا اليه السيرة الذاتية للمشروع الانانيوي الهادف الى تكريس الحرب العرقية وتفتيت النسيج الاجتماعي الكائن بين دينكا انقوك والمسيرية وفرض معادلات تزويرية ينتج عنها ضم والحاق ابيي الى بحرالغزال وهذا يجعلنا ان نقول وبكل وضوح وشفافية ان حركات الانانيا تتحمل المسؤولية الكاملة للاضطرابات التي حدثت في المنطقة ولاحقاتها
. ثانيا-المحاولات الحثيثة والجنونية من قبل متثاقفي الانانيا لضم ابيي خارج البعد الديمقراطي الحر انطلاقا من استفتاء قبيلتي المسيرية ودينكا انقوك بل اعتمدت وتوسلت الوسيلة الدموية وسياسة حرق الارض او ضمها قسرا
ثالثا- سنتناول في المستقبل القريب العلاقات بين جيش الدفاع الاسرائيلي والانانيا والتواجد الاسرائيلي في جنوب السودان انطلاقا من الانانيا التي كانت النواة الاولى في هذا السياق علما ان اسرائيل كانت تخطط لفصل الجنوب من الشمال لبعد جيو-ديني اولا وجيو-اقتصادي-سياسي.. لاحقا
آلية حل النزاعات التقليدية:-
بُنيت آلية حل النزاعات التقليدية، التي ظلت تعمل بكفاءة حتى منتصف الستينيات، أي لحوالي ستين سنة، على المبادئ التالية:
-يجب على كلّ من القبيلتين احترام ميثاق الإخاء المبرم بين الناظر نمر علي الجُلّة والسلطان كوال اروب في 1905م. ويأمر الميثاق كلّ قبيلة بتبجيل أعيان القبيلة الأخرى والنزول عند رغباتهم.
-إن طبيعة العلاقة بين القبيلتين هي علاقة ضيافة، حيث استضاف المسيرية دينكا نقوك في دارهم. وبالتالي، وجب على كل قبيلة واجبات الضيف/المستضيف عن إرادة وكرم. (أكد سلاطين دينكا نقوك مؤخراً، في أواخر التسعينيات، هذه القاعدة الرفيعة للاحترام واللياقة في رسالة خطيّة إلى رئيس الجمهورية).
-هنالك مسارات معروفة للرُحَّل من القبيلتين ومقرات معروفة للمجتمعات المستقرة. ووقت الخروج والدخول محدد لمختلف العشائر الرعوية، وكذلك وقت الزراعة والحصاد للمجتمعات الزراعية.
-وفي حالة وقوع اعتداء من قبل أفراد من أيٍّ من الطرفين على أفراد من الطرف الآخر، يبادر الزعماء القبليون للمعتدين بالتحقيق والبحث عن مرتكبي الخطأ واعتقالهم إلى أن يتم الصلح في النهاية. وكذلك عليهم واجب حماية المعتدى عليهم ومرافقتهم حتى يبلغوا مأمنهم.
-هنالك مقادير خاصة محددة للتعويضات والضمانات والديّة. فعلى سبيل المثال، تبلغ الديّة بين المسيرية وأبناء عمومتهم الرزيقات 71 بقرة، وهي 31 بقرة بينهم ودينكا نقوك.
-يُحاكَم المخطئون من قبل عُمَدهم في إحدى المحاكم الأهلية العشر بدار المسيرية، واحدة منها لدينكا نقوك ويرأسها السلطان بنفسه، وتسع للمسيرية. كانت الأحكام قابلة للاستئناف لدى الناظر المعني والذي كانت قراراته أيضاً قابلة للاستئناف لدى ناظر عموم المسيرية، الناظر بابو نمر. المحاكم الأهلية تطبق العرف، لكن قراراتها تخضع للمراجعة من قبل القاضي المقيم الذي بمقدوره إحالة هذه القرارات إلى قاضي المديرية. وكانت قرارات محكمة دينكا نقوك تحال إلى مفتش المركز بدلاً من الناظر بابو نمر. وكان مجلس ريفي دار المسيرية مسؤولاً عن إدارة المحاكم واستلام الغرامات التي تفرضها.
كانت آخر مرة شهدت فاعلية هذه الآلية هي في عام 1964م، عندما رافق السلطان ماكير ريحان، بناءاً على وصيّة السلطان دينق مجوك، أُسَر ضحايا حادث قوقريال إلى المُجلَد وسلّمهم إلى الناظر بابو نمر.
لقد ثبت أن الإرث الثقيل والعواقب الهائلة لاضطرابات 1965م كانت أكبر ممّا تتحمّله الآلية التقليدية. وفي الواقع، أُخضِعت بعض المفاهيم الأساسية للآلية إلى امتحان عسير من تلك المحنة. لذلك، تدخّلت الحكومة لاستكمال الآلية التقليدية وتعزيزها. عُقد مؤتمر أبيي الأول في عام 1965م ودُعيت له جميع القبائل المجاورة، من الشمال والجنوب. وقد خُصِّص المؤتمر بصورة رئيسية للصلح والعفو القبليين.
في عام 1966م، عُقد مؤتمر أبيي الثاني لإبرام ميثاق جديد بين القبيلتين يستهدف إحياء الميثاق القديم وتقويته. فقد نصت ديباجة اتفاق 1966م على ما يلي:
"وفاءاً لميثاق الإخاء وللود الذي ساد بين المسيرية ودينكا ماريق (أي، نقوك) لأجيال وسنين،عُقد اجتماع قبلي مهيب في أبيي بتاريخ 20 و21 و22 مارس 1966م، اتفق فيه ممثلو دينكا ماريق والمسيرية، الموقعون أدناه، على ما يلي…".
الميثاق الجديد عدّل الآلية التقليدية وأورد المبادئ الجديدة التالية:
-أنه يحق للمسيرية ارتياد جميع الرقبات وموارد الماء والمراعي في المنطقة بأكملها.
-أنه يحق لدينكا نقوك مساكنهم ومزارعهم في الرقبة الزرقا وأماكن أخرى.
-دينكا الرِّيك ودينكا روينق وعشائر النوير يجوز السماح لهم بدخول المنطقة فقط من قبل السلطات الأمنية، بعد أن يقبل السلطان دينق مجوك المسؤولية عنهم.
-أن يكون أمن وسلام المواطنين من مسؤولية الزعماء القبليين من كل جانب الذين يضمنون أمن الدينكا في "دار" المسيرية وأمن المسيرية في "منطقة" الدينكا. وبالتالي، لا يسمح للأفراد بحمل الأسلحة إلا تلك الضرورية للدفاع عن النفس.
-في حالات القتال بين الأشخاص، عُهِد إلى الزعماء بواجبات إجراء تحقيقات فورية واتخاذ الإجراءات الضرورية لبحث الحوادث من أجل منع تطورها إلى قتال قبلي أوسع. وبعد ذلك، تحال حوادث القتال إلى المحاكم النظامية لتطبيق القانون حسب الأصول.
فيما يتعلق بالقتلى والخسائر التي وقعت عامي 1964م و 1965م، تم إعلان عفـو قبلي عام وأُطلق سراح جميع المعتقلين.
أدخلت الاتفاقية الجديدة تغييرات هامة في النظام القبلي والآلية التقليدية. وبالرغم من أن حقوق الدار الخاصة بالمسيرية لم تُمَس، فقد أُعطي دينكا نقوك الآن حقوق الاستقرار والزراعة في منطقة معينة ومحددة يمارس فيها سلاطينهم مسؤوليات أمنية على كل شخص هناك. العلاقة القديمة التي اتسمت بالضيافة الكريمة تحوّلت إلى علاقة حسن جوار. القبائل الجنوبية الأخرى التي كانت تعتبر في الماضي "دخيلة" تم منحهم الآن، كمواطنين، الحق في وجود منظم يخضع لاعتراف كبير زعماء دينكا نقوك. تلك الأهلية الجديدة حرّكها مفهوم المواطنة الناشئ الذي جاء مع مشاركة الحكومة المتزايدة واكتسب بعض الأهمية. تنص المادة 3 من الاتفاق القبلي لعام 1966م على ما يلي:
" يـُلزِم زعماء الطرفين أنفسهم بالحفاظ على الأمن والسلم للمواطنين من أبناء الدينكا في دار المسيرية ومن أبناء المسيرية في منطقة الدينكا."
وإجمالا، بدأت الآلية التقليدية في الاعتراف تدريجياً بمفاهيم جديدة من مواطنة وحقوق وواجبات متساوية. كما أنها أتاحت مجالاً أكبر لأجهزة تنفيذ القانون النظامية وتحديداً المحاكم والسلطات الأمنية. أما صلاحية الأمن والتحقيقات ككل فبقيت عموماً ضمن نطاق الآلية التقليدية.
في عام 1969م مات السلطان دينق مجوك في ذلك الوقت الحرج بينما كان الوضع لا يزال هشاً والآلية المعززة لم تكن قد اختبرت بعد. خلفه ابنه عبد الله الذي كان صغير السن وقليل الخبرة لكنه قُتل بعد فترة وجيزة في نزاع عائلي داخلي قسّم عائلة السلطان وضعضع مكانتها وأضعف دورها التقليدي.
في ديسمبر 1972م، ألغى الرئيس نميري سلطنة دينكا نقوك عندما كان في زيارة إلى أبيي. ذلك القرار، الذي أتي ساخناً في أعقاب قرار حلّ نظارة المسيرية مع جميع نظارات العرب، دقّ المسمار الأخير في نعش الآلية التقليدية. ورغم ذلك، استمر السكان المحليون يحنّون إلى الماضي وحافظوا على التقاليد القديمة. كانوا يتقيدون بهذه التقاليد طوعاً في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، عندما قَتل بعض المسيرية شخصين من دينكا نقوك في عام 1977م وأطلقت المحكمة النظامية سراح المتهم بسبب رفضها للأدلة، اجتمعت عشائر المخطئين وعشائر المجني عليهما، بدون تدخل أحد لتسهيل ذلك اللقاء، وطبّقوا العرف القديم الذي دُفعت بموجبه الدية وبالتالي تم تجنب قيام دينكا نقوك بأي عمل ثأري.
بعد انهيار الآلية التقليدية، وجدت الحكومة بديلاً مناسباً في فكرة عقد المؤتمرات. مؤتمر أبيينم ومؤتمر كادوقلي ومؤتمر الأُبيّض، وسوى ذلك … عُقدت كلُّها خلال السبعينيات لاستبدال الآلية التقليدية. القضايا التي نوقشت في تلك المؤتمرات ظلت هي تلك القضايا القديمة التي تناولتها الآلية التقليدية في الماضي، على سبيل المثال تحديد التعويضات والديّة، وتحديد مسارات الرعاة وتعيين مواقع للاستقرار في الشتاء والصيف ورسم الحدود الزراعية للمجتمعات المستقرة وتحديد تواريخ الدخول والخروج والنقاط اللازمة للرُحّل … وما شابه ذلك. لكن نظراً لأن المؤتمرات كان يعوزها الاعتبار المعنوي للآلية التقليدية، لم تكن قراراتها تُحترم دائماً. وبالفعل انهارت بعض قرارات تلك المؤتمرات تماماً إما لأنه كان هنالك خلافاً تاماً حول طبيعتها أو لأنه تم التشويش عليها بتجدّد القتال. كان ذلك هو ما حدث بالتحديد بعد مؤتمر أبيينم في عام 1974م.
انهيار الآلية التقليدية أضعف نظرية مِلكية الأرض القديمة التي شكّلت أساس تلك الآلية. مفهوم حسن الجوار الجديد بين القبيلتين اكتسب أهمية على مفهوم الضيافة الكريمة القديم، لسبب بسيط هو أن عقد مؤتمر من قبل الحكومة لم يكن ممكناً على أي افتراض سوى الاعتراف بحقوق متساوية في الأرض لجميع المواطنين. تنص ديباجة قرارات مؤتمر أبيينم لعام 1974م على ما يلي:
"عُقد هذا المؤتمر التداولي لإعادة تنظيم العلاقة بين المجتمعات القبلية للعرب المسيرية الحُمر والنوير والدينكا على أساس جديد يحفظ المصالح المستقلة لكل مجموعة، التي عليها رؤية الحقائق المحيطة بمنظور أكبر من الإطار القبلي الضيق، وتحديداً إطار الإقليم الذي يعتبر المواطنة مبدأً له واحتياجات الإنسان والحيوان قاعدةً له والعلاقة بالأرض ملاذاً وملكاً مشاعاً، والحاجة لتحقيق وتأكيد حسن الجوار."
(النص الوارد أعلاه هو ترجمة للنص العربي الذي لم يكن نفسه حسن الصياغة).
لم يرض مثقفو دينكا نقوك عن التطور الجديد. في الواقع، ذلك التطور أغراهم على تبنّي موقف أكثر تشدداً هو الإدّعاء بأن الأرض مملوكة لدينكا نقوك مع استبعاد الآخرين. وفي الآونة الأخيرة، قال د. فرانسيس دينق ما يلي:
"الأسوأ أن مديرية كردفان والعرب شوهوا التطور المقترح لأبيي كنموذج للوحدة الوطنية ليعني أن المنطقة يجب أن تكون مفتوحة للعرب ليستقروا ويندمجوا مع الدينكا، محولين أرضهم، عملياً، إلى ملك مشاع للجميع."
أصبح هذا الموقف الجديد لمثقفي دينكا نقوك أساساً لموقف الحركة حول أبيي. وقد تفرّع من هذا الادعاء كلٌّ من الموقف القديم للحركة الذي أعطى دينكا نقوك لوحدهم الحق في المشاركة في الاستفتاء، وكذلك موقف الحركة الجديد الذي يسمح للمسيرية الحمر الرعاة الذين، هم ليسوا أهالي أصليين، بحقوق الرعي فقط. فالمسيرية الحمر، وفقاً للحركة، لا يستحقون التمتع بحقوق المواطنة في المنطقة.
تعقيب:- اولا- من المتعارف عليه والى الان ان المواثيق والعهود التي تم ابرامهما بين اعيان المسيرية وسلاطين دينكا انقوك كانت تقوم اصلا على قاعدة المضيفين "المسيرية" قاطني ابيي الاصليين -وبين "الانقوك" المستضافين الوافدين اليها وقد تناولنا هذا الامر بالوثائق واعترافات سلاطين دينكا انقوك في المقال السابق واهم عقد اخاء يمكن استحضاره من الذاكرة في هذا المقام العقد الموقع وبرضاء تام بين الناظر نمر علي الجلة ناظر المسيرية والسلطان كوال اروب زعيم دينكا الانقوك عام ١٩٠٥
ثانيا-العهود السابقة وما اضيف اليها توسدت عقد الاخاء الموقع عام ١٩٠٥ كصيغة اساسية واجب احترامها وتقديرها وكشرط بنيوي اخوي لاي علاقة اخوية تتم في هذا الاطار وحتى اليات فض النزاع الاهلي التي اوجدت كانت تنطلق من هذا الاساس و التاكيد على ان اليات فض النزاعات ليست بدعة حسنة تماسست بين دينكا الانفوك والمسيرية بل هي انماط اجتماعية متوفرة بين الكثير من المجتمعات القبلية سواء كان في الجنوب او الشمال او الغرب والشرق وهي اليات تنزع في ترطيب وتلطيف الاجواء بشكل ودي يحفظ الحقوق والمكتسبات لكل طرف و راب اي تصدعات تنشا في النسيج الاخوي الناشيء بين مجموعتين قبيلين تشتركان في الكلاء او كافة مسارات الرعي
ثالثا- وهو الامر المهم هنا مرة اخرى كانت حركات الانانيا تعمل في شق وضرب هذه الاليات التقليدية لانجاز واقع جديد يؤطر في اتجاه ان المسيرية هم قوم عابري سبيل في ابيي وهي حقيقة تدحضها المواثيق والعهود والواقع واراء البحاثة وعلماء الانثربولجيا
رابعا- برغم كل تلك المحاولات كانت اليات فض المنازعات التقليدية تشق طريقها بصعوبة للحفاظ على المنجز الاخوي والتعايش السلمي مما جعل الانانيا ان تلجا الى وسيلة خطيرة جدا وهي قتل اكثر من مائة مواطن من المسيرية -اولاد عمران- وتمثل بجثثهم اثار هذا التطور الخطير ردت فعل عنيفة لدى المسيرية وتبادل الطرفان كرة الدم واللهب ونجحت للاسف الشديد منظمة الانانيا اخيرا في الوقعية بين الانقوك والمسيرية وجعلت من اليات فض النزاع التقليدية مجرد اداة ليس لها مكان في ارض الواقع
خامسا- تعتبر فترة حكم جعفر نميري من اسواء الفترات التي مرت بها المنطقة عاما وابيي خاصة خصوصا بعد القاءه فكرة النظارة بالنسبة للمسيرية وفكرة السلطنة بالنسبة لدينكا انقوك مما اقعد باليات فض النزاعات التقليدية وجعلها شبه كسيحة وهذا بدوره قدم خدمة وجائزة ثمينة بالنسبة للانانيا اذ فرضت واقع مؤلم يقول ان ابيي ارض مشاع للجميع وليس للمسيرية حقا في ذلك وان النميري عندما اقدم على ذلك لانه كان يعلم ان المسيرية هم الخزان البشري للثورة المهدية وكان يعتقد انهم بالتالي من اتباع الصادق المهدي وحزب الامة وبالتالي اراد ان ينتقم منهم وهذا القرار جعل النميري يدفع الثمن غاليا فيما بعد.
| |
|
|
|
|
|
|
|