|
دار جعل دار فور ورب الكعبة مهمشون !!!
|
بعد رحلة من الخرطوم تقلّ عن السّاعتين بالسيّارة، تظهر قرىّ متباعدة في قفارٍ شاسعة ملساء.قرىّ لم تمسّها يد التنميّة منذ الحضارة المرويّة...منذ أن كانت المنطقة بيرمنجهام أفريقيا» تضجّ بالمناجم وتعدين الحديد.في سجلات الامم المتحدة أنّ أوّل مسكن بشري و «موئل»، حضاري، قد تّم اكتشافه في تلك المنطقة. تظهر بيوت متواضعة في معظمها من الطيّن ترفّعت عن الشكوى، ودوابّ تفرّ مذعورة في الفيافي الواسعة تجرى وهى لا تعرف الإتجاه.السبب كان صوت الطائرة العموديّة.غير أنّ تلك الدّيار آمنة مطمئنة.إذ يمكن المشي سيراً على الأقدام، من حلفاية الملوك إلى حدود السّودان الشماليّة، في سلام وأمان.أسواق المنطقة في المتمة والنوّراب والمكنيّة، لاتصدّر شيئاً إلى الأسواق الخارجيّة.من مطار الفاشر الدولىّ تنطلق سفريات الركّاب والشحنات الجويّة،إلى الجماهيرية الليبيّة والأردن ودول الخليج والحجّ في الاراضي المقدسة.فى مطار نيالا الدّولي حيث يستقبل الطائرات على مدار الـ24ساعة، يتكرّر مشهد السفريات الجوية تنقل الركّاب والبضائع، من وإلى الاقطار الخارجيّة المجاورة وغير المجاورة.وافتتحت 5 شركات طيران مكاتباً في مدينة نيالا. هى سودانير، سبرت أوف أفريكا، شركة مارسلاند للطيران، شركة إير إكسبريس، الخطوط الجوية الليبيّة.لم تفتتح أىّ من تلك الشركات مكتباً لها في محليّة المتمّة.إذا كنت من مواطني «قرين حجر» وأردت أداء فريضة الحجّ هذا العام، تلك محنة جغرافيّة برّاً وجوّاً وبحراً. إذا كنت من مواطني «عَقَبة فنقول» فإنّ معدّل دخل الفرد السنويّ، بحسابات البنك الدوليّ، يجب أن تنظر إليه بالمايكروسكوب.ولكن لم تنطلق عصابات نهب مسلّح لتدمّر مصفاة الجيلي، وهى غير بعيدة.ولم تتدخّل بريطانيا لإرسال قوات دولية إلى «قَرِّي» و«السَّيّال» و«كَلِى» و«طيبة الخوّاض» !ولم تصدر أمنستي والوكالات المشبوهة، بياناً بعد بيان، للدفاع عن عصابات التّمرّد في «بقروس» و «الكمير».ولم تهبط طائرة عسكريّة، مسجّلة في شركة مقرّها لندن، تحمل السّلاح والذّخائر في «الرَّحماب» و «حوض سلوة».تضمّ ولايات دارفور 40% من المطارات والمهابط الدولية خارج العاصمة.حيث توجد 3 مطارات دولية، مطار في الفاشر، مطار نيالا، مطار زالنجي. و3 مهابط، مهبط الضّعين، مهبط زالنجي، مهبط نجاما. كم تضمّ ولاية النيل من المطارات والمهابط الدولية خارج العاصمة.كنظيره في زالنجي، هل صدّر تاجر من شندي أو مزارع من كبوشيّة بضائعه أو منتجاته، من مطار «ديم القرأي» الدوليّ؟قادمة من دول الخليج، هل هبطت طائرات تحمل المغتربين، من «شرّفت العبدلاّب».. و«التّبنة» على مطار «وادي النّقع»؟هل غادر المغتربون من ذلك المطار، في رحلة الإياب؟إذا كانت 40% من المهابط والمطارات الدولية أنشأتها ثورة الانقاذ في دارفور، وتسميّ عصابات دارفور المنجزات تهميشاً،فبماذا تسمّي عصابات دارفور الأوضاع في محليّة المتمّة؟؟رحلة محليّة المتمّة من التهميش إلى التنمية تعيد إلى الأذهان رحلة «أغاني البلوز».فقد كانت أغاني «البلوز» وموسيقي «البلوز» تعكس معاناة الآفرو ـ أمريكيين، من ظلم تاريخيّ مرير، من العبودية والعنصريّة والاقطاع الزّراعيّ، تعكسها بأريحيّة موسيقيّة تهدى الفرح السّاطع ملوّناً بالحزن العميق.وتتماوج فى «موسيقي البلوز» ثقافات أفريقية ، في وسط أناس مـظلومين، محظور عليهم التعبير علناً عن طموحهم ومشاعرهم وثقافتهم. وبصدقها الجميل أصبحت «موسيقي البلوز» موسيقي الأحزان، تراثاً أمريكياً وطنيّاً، يمتزج اليوم بقاعات الإستقبال في الفنادق، والترانيم الدينيّة والنّغمات الريفيّة، ووحدات سلاح الموسيقي وفرق الجاز الصغيرة.تلك التجربة الإنسانيّة النضيرة، أعادت محليّة المتمّة إنتاجها. أعادت «مملكة الأخلاق» إنتاج معاناة التهميش الحقيقي، بالصّبر الجميل...المضئ، صبر المتصوِّفة الزاهدين، من «خوّاض البحر بالفروة» إلى «ود برّي»... حتَّى بدأت خيوط فجر التنميّة تتسلّل أخيراً ، إلى قفارها الشاسعة وفضائها الصامت هذا المقال ورد في صحيفة الأنباء الحكومية بقلم محمود الكرنكي رئيس التحرير تاريخ 20/7/2004م.
|
|
|
|
|
|