لقد كانوا موجودين .. و بكثرة. شكلوا طفولتنا و حياتنا. ثم فجأة و في سنوات قليلة جداً انقرضوا أو كادوا. يمكنني أن احلف غير خاش لحنث أن أغلب شباب اليوم لم يرهم و كل شباب الغد الذين هم على أعتاب المراهقة لم يعرفوهم. من حقي إذن أن اسأل هل هذا هو ذات العالم الذي ولدت و نشأت فيه ؟ ما الذي أصابه ؟
01-23-2011, 01:26 AM
حمور زيادة
حمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116
بائع الترمس و الكبكي. كان يدخل حينا عصر أيام محددة في الأسبوع. رجل في الأربعين من عمره. غالباً ما يكون من غرب السودان. يحمل جردلين أبيضين يغطيهما بقطعتي قماش نظيفتين و يربطهما بدوبارة. ينادي على مهل و هو يمشي الهوينى " ترمس .. كبكبيق ". نسمعه في بيوتنا فنخرج بسرعة و نحن نحمل ما يجود به أهلنا من نقود لنشتري أكياس الترمس و الكبكبي و نرجع فرحين. أين ذهب هذا الرجل ؟ كانت له ابتسامة وضيئة كأنه ملاك حنون. ثيابه نظيفة ناصعة رغم مهنته المتدنية. اختفى هذا الرجل. لم تعد تراه في أي حي أو شارع.
01-23-2011, 01:27 AM
حمور زيادة
حمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116
بائع النبق. بجمله و عدلين مليئين بالنبق اللين. يمشي في وسط الطريق لا يخشى سيارات فارهة تزعج جمله. هو غالباً أعرابي. صموت متجهم. يدخل المدينة ليبع النبق فقط ثم يذهب. الى أين يذهب ؟ الى ذلك المكان الذي يأتي منه الأعراب المتجهمون باعة النبق. اختفى باعة النبق. و اختفت الجمال التي كانت تثير خوفنا و نحن اطفال. كان بائع النبق معجزة حية. إنه يبيع النبق و يسيطر على الجمل الضخم. لا أظن أطفال أمريكا الشمالية يفرحون برؤية سانتا كلوز كفرحتنا برؤية بائع النبق.
01-23-2011, 01:29 AM
حمور زيادة
حمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116
حين تسمع الصفارة تعرف فوراً أن بائع حلاوة قطن قد جاء. مازلت حتى اليوم لا أعرف كيف تصنع حلاوة قطن. رأيت الماكينات التي تصنعها من السكر و تلفها حول أعواد من البلاستيك. لكنها خفيفة ماسخة لا تقارن بحلاوة قطن التي كان يدخل بها البائع أحياء ام درمان قديما و هو يعلق أكياسه على عصا خشبية و ينفخ بوقاً مميزا. كانت حلواه أكثف و تترك لوناً على لسان من يأكلها. ليست خفيفة و ماسخة كتلك التي تباع في ملاهي العالم باسم غزل البنات. كانت كسحب ملونة مليئة بالحلم. اختفى هو أيضاً و ذهبت هذه الحلوى.
01-23-2011, 01:30 AM
حمور زيادة
حمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116
بائع التسالي الذي يقف على ناصية الشارع. كان التسالي يباع في قرطاس من الورق. أشد ملوحة مما هو اليوم. و بعد أن تشتري التسالي بخمسة قروش تستحق الزيادة. و الزيادة هي ملء كف من التسالي. باعة التسالي كانوا لطافاً يعرفوننا بالأسماء. و ما كانوا يمانعون أن يمر عابر فيملأ كفه من التسالي دون أن يدفع. كانوا من أعراق شتى. جلهم من أبناء الجنوب الشباب. و بعضهم من رجال الغرب الكهول. في المدرسة الثانوية اكتشفت أن عم موسى بائع التسالي أمام المدرسة يعمل مع جهاز الأمن. ففقدت ثقتي في باعة التسالي. لكنهم اختفوا فجأة. ما عدت تراهم في الأحياء على رأس كل شارع كما كانوا قديماً.
01-23-2011, 01:32 AM
حمور زيادة
حمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116
أين اختفى طائر القمري ؟ في طفولتنا كان من طقوس الرجولة أن تصطاد القمري. هل أبدناه كله بشراكنا المصنوعة من السلك ؟ لا أظن. كان القمري في كل بيت و كل شارع. نراه على الأرض و على أسطح البيوت و على إيريل التلفزيونات. و عند العصر كنا نسمع رجعه الحنون. كان للقمري الذي نصطاده قلادة من الريش زرقاء اللون. قيل لنا أن هذه هي الإناث. لم نعد نرى القمري ولا نسمع صوته كل عصر. ماذا يصطاد أطفال هذا الزمن إذن ؟ أم إنهم لا يصطادون ولا يخوضون طقوس الرجولة مثلنا ؟
01-23-2011, 01:33 AM
حمور زيادة
حمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116
بائعة الحمام. نسيت اسمها للأسف. كانت امرأة عجوز مغضنة كأنها ثوب علكه الزمن. كانت قصيرة القامة قمحية اللون. تزور بيتنا كل خميس. كنت أتعجب أنها حية مع كل هذا العمر الذي تحمله على كتفيها. تبيعنا الحمام للأكل. ثم توفيت إلى رحمة الله و ظهرت ابنتها مكانها. ثم اختفت الابنة و اختفى باعة الحمام. من أين يحصلون على الحمام اليوم للأكل ؟ أم إنهم لا يأكلون الحمام ؟ كانت تجلس على الأرض تنتظر أمي كي تحضر لها النقود. دائماً على الأرض. ترفض أن تجلس على أي كرسي أو سرير. و كنت أجلس جوارها على الأرض أستمع لحكاويها. كانت تحب قصص الأنبياء. و منها سمعت عن حوت يونس و براق الإسراء و من نورك خلقت العالم يا محمد. كانت تحكي على الأنبياء بمحبة من عاشرهم و عرفهم. و حين يمر أبي كانت تجر ثوبها على وجهها و يحمر خداها كأنها عذراء في خدرها.
01-23-2011, 01:35 AM
حمور زيادة
حمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116
الجدات كليات المعرفة. هذا جنس مهدد بالانقراض فعلاً. و خطر فقده ظاهر. الجدة التي تعرف أن الطفل يبكي لأنه "مفقوه" و تعرف كيف "تسنده " من عنقه دون أن تفصل رأسه عن جسده في تلك العملية الخطيرة. الجدة التي تحفظ الأحاجي و حكايات محمد و فاطنة السمحة و الغول، و تقرأ القرآن كثيراً جداً. تلك الجدة التي تعرف ماذا يحتاج الطفل من الأكل عند طهورته و تصر على أخذه للبحر و ربط الهلال على جبينه. هذا النوع من الجدات على وشك الانقراض. ترى اليوم الجدة "المودرن" التي تحمل الجوال و ترقص في الحفلات و تلبس أحدث صيحات الثياب السويسرية. جدات زمان المنقرضات يلبسن الثوب أب قجيجة الأبيض لا غير. كيف يمكن أن يتربى طفل دون جدة تلبس أب قجيجة ؟
01-23-2011, 01:36 AM
حمور زيادة
حمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116
هذه كائنات انقرضت .. أو كادت تنقرض. بعد خمسة سنوات من اليوم لن تجد أياً منهم. إن العالم يتقدم إلى الأمام دوماً. يتطور بسرعة. أفهم هذا و أقدره. لكن هل لابد أن يكون هذا على حساب هذه الكائنات الجميلة ؟ ألم يستطيعوا الصمود ؟ من المؤسف أن تنقرض هذه الكائنات. فهي التي جعلت لطفولتنا معنى. إني أسأل بصدق عن هؤلاء الأطفال الذين لم يعرفوا هذه الكائنات .. كيف وجدوا لطفولتهم طعماً بدونهم ؟
01-23-2011, 01:37 AM
حمور زيادة
حمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116
هذه كائنات انقرضت .. أو كادت تنقرض. بعد خمسة سنوات من اليوم لن تجد أياً منهم. إن العالم يتقدم إلى الأمام دوماً. يتطور بسرعة. أفهم هذا و أقدره. لكن هل لابد أن يكون هذا على حساب هذه الكائنات الجميلة ؟ ألم يستطيعوا الصمود ؟ من المؤسف أن تنقرض هذه الكائنات. فهي التي جعلت لطفولتنا معنى. إني أسأل بصدق عن هؤلاء الأطفال الذين لم يعرفوا هذه الكائنات .. كيف وجدوا لطفولتهم طعماً بدونهم ؟
01-23-2011, 01:37 AM
حمور زيادة
حمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116
الأستاذ حمور زياده من الكائنات التي انقرضت أيضا إبن الأخت المحترم ، الما بقل أدبو علي خالو ولا بشرب قدامو سجاير و لا ممكن يقول لخالو - الجاهو مخصوص من الأف الأميال - أنا تعبان أمشي براك و لا يوديه مطاعم هو ما عايزها يمشيها و لا محلات ما عايز يشوفها ...
01-23-2011, 02:15 AM
أمين محمد سليمان
أمين محمد سليمان
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 8437
و من الكائنات التي انقرضت أيضا : ود الأخت اللي لو كلفته بحاجه يعملها ليك : بعملها و يكلمك إنو عملها بدل ما تستني منو ايميلات لم - و شكلها لن - تاتي ابدا !!
01-23-2011, 02:19 AM
أمين محمد سليمان
أمين محمد سليمان
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 8437
سيدي حمور زيادة أستميحك في أن أزيد إلى تلك الكائنات ما رواه لي الثعلب: أن أحد زملائه "خطب" فتاة مشلخة فقال له أصدقاؤه "يعني في السودان ده كله ما لقيت غير المشلخة دي" فكان رده: "يا عورا دي عملة نادرة الزيها ديل صنف منقرض" فزد على المنقرضين والمنقرضات صنف الفتيات المشلخات
01-23-2011, 02:18 AM
ناصر فراج
ناصر فراج
تاريخ التسجيل: 10-23-2009
مجموع المشاركات: 290
الاخ العزيز/حمور كثير من كثير انقرض ولكن الذمن يمضى ولا تمضى الذكريات الحلوة و تعرف قبل قراة هذا البوست بعدة ساعات كنت اتحدث الى ابنائى عن اشياء يدور فلكها فى كل ما ذكرت ولكن الاهم ان لا تنقرض الاخلاق السوداينة الجميلة بارغم من بدات اشك فى امكانية صمودها الى فى عالم العمولمة والتى نحن صعدنا الى دفتها فى اعتى الامواج بسب الهجرة والترحال. ولك الود والتقدير
01-23-2011, 02:31 AM
Balla Musa
Balla Musa
تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 15238
لا أدرى إن كان تسمية البشر بكائنات صحيح أم لا ولكنى لم استسغها..
بعدين بتاع الترمس وبتاع النبق وبتاع حلاوة قطن وبتاع التسالى والبتبيع الحمام ربما يكون الآباء انتهى زمن خدمتهم الإفتراضى وأولادم تعلموا وبحكم ما اكتسبوه من شهادات أصبحوا فى وظائف أفضل لكسب لقمة العيش..
أو ربما الزمن نفسه تطور وظهرت بدائل لتقديم نفس الخدمات بصورة أفضل وأسرع وأريح. يعنى ماممكن بعد انتشار شبكة المياه نقول السقا انقرض ولكن مهنته هى التى انقرضت بحكم عدم الحوجة لها وكذلك البصلح العناقريب فى زمن الموبيليا دا.
فمحتمل يكون بتاع الترمس شغال فى شركة طيران دلتا.. أو يكون بتاع النبق كابتن طيار فى دلتا.. أو تكون بتاعة التسالى مضيفة فى طيران دلتا.. وبتاع حلاوة قطن أخد لجوء سياسى فى أمريكا..
كل شئ وارد
01-23-2011, 02:44 AM
احمد الامين احمد
احمد الامين احمد
تاريخ التسجيل: 08-06-2006
مجموع المشاركات: 4782
Quote: الجدات كليات المعرفة. هذا جنس مهدد بالانقراض فعلاً. و خطر فقده ظاهر. الجدة التي تعرف أن الطفل يبكي لأنه "مفقوه" و تعرف كيف "تسنده " من عنقه دون أن تفصل رأسه عن جسده في تلك العملية الخطيرة. الجدة التي تحفظ الأحاجي و حكايات محمد و فاطنة السمحة و الغول، و تقرأ القرآن كثيراً جداً. تلك الجدة التي تعرف ماذا يحتاج الطفل من الأكل عند طهورته و تصر على أخذه للبحر و ربط الهلال على جبينه. هذا النوع من الجدات على وشك الانقراض. ترى اليوم الجدة "المودرن" التي تحمل الجوال و ترقص في الحفلات و تلبس أحدث صيحات الثياب السويسرية. جدات زمان المنقرضات يلبسن الثوب أب قجيجة الأبيض لا غير. كيف يمكن أن يتربى طفل دون جدة تلبس أب قجيجة
بالفعل أوشك عالم الحبوبات أن يتلاشى وينقرض من تركيبة العائلة رغم الدور التربوى والنفسى والثقافى الهام الذى تلعبه الحبوبة فى تنشئة الحفيد والكثير من الادباء تشكل وعيهم الاسطورى والجمالى ومخزون معرفتهم عموما عبر تجربه الحياة مع الحبوبة يتجلى ذلك عند كتاب غرب افريقيا تحديدا السنغالى شيخ حميدو كين الذى هاجرت صلوات جدته منذ طفولته إلى متن روياته الفلسفية المعقدة... المفكر عبدالله على إبراهيم تنبه قديما إلى ضمور حضور الحبوبات فى عصر الاسرة الراهنه وله مقال مشهور جدا فى احد كتابيه " أنس الكتب " او "عبير الامكنه " يدور حول الغروب الثقافى لمؤسسة الحبوبة فى تنشئه الطفل بفضل تلاشى او إنقراض الحبوبة حديثا .... على مستوى الشخصى اكثر أفراد عائلتى حتى الراهن تاثيرا فى شخصيتى وتربيتى عموما هى حبوبتى أم أمى رحمها الله رحمه واسعة عبر قصصها وسفرها للحج وعلاقاتها فى الحله ولغتها واسلوب حياتها عموما ...
01-23-2011, 06:15 AM
احمد خليل
احمد خليل
تاريخ التسجيل: 08-11-2009
مجموع المشاركات: 531
العزيز حمور سلام ممتع كالعادة ليه نسيت بتاع الدندرومة ده كان بفرح القلب وبيعلمنا توفير القروش وفي كمان البنت بتاعت الجنه جداد كانت بتجي من اشلاق البوليس وتقوم الوالدة باختبار البيض بوضعة في كورية بها ماء
اما القمري يا حمور يالله من صوته حبوبتي كانت بتقول انه القمري بكلمها لما يكون في ضيوف جايين
حمور الله يسامحك قلبتا علينا المواجع
كسره يا حمور سيد الترمس ما كان عنده اكياس كان اسمها قراطيس وكلها قدر بعض التقول معموله بمكنة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة