دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
ليإلى القبة النشوانة (قصة )
|
المنشد يهزج طرباً . - يا رب بهم وبآلهم .. عجل بالنصر وبالفرج . يتجاوب صوت المريدين المصطفين ثملاً بالإيمان . - عجل بالنصر وبالفرج .. عجل بالنصر وبالفرج . يتماوجون ترنحاً بوجوه أثقلها الجهد والرغائب .. غبار الاجتهاد في الذكر ينعقد متكاثفا حائماً حول رؤوسهم .. دوى الطار يعوى شاقاً جسم الليل رتيباً والثياب الخضر برقعها الملونة تهتز يمنة ويسرة .. الصبي ورّاق يتمايل معهم مهموماً بأحلام الضباب . - الحى قيوم والرز مردوم .. الفتة أم توم .. حمتنا ننوم . - عجل بالنصر وبالفرج . - عجل بالنصر وبالفرج . الفرج ثريد تشتاقه نفسه .. بعينين أضلهما الجوع يرمق الوجوه المكتنزة والعرق يغطيها .. فقراء مثله يحفون بأثرياء الطريقة الذين جاءوا يترنحون ذكراً .. يهزون بطوناً ملئها الدنيا ونعمائها .
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
صبية في مثل عمره – دون الخامسة عشر – يغالبون أشواقهم النشوانة كحاله أملاً في الفرج القريب ، فينشغلون بالتماوج وسط جموع الذاكرين . - عجل بالنصر وبالفرج . " عجل بالفته وبالبلح " همس لنفسه . - طهر قلبك من الدنيا .. تجد النعيم .. قال له الشيخ صبير . ما لم يجرؤ علي الرد به يتكاثف في معدة خاوية فيصعد إلى دماغ أجنّه الجوع . طهر الدنيا من النعيم .. أجد قلبي .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
الصبي ورّاق يهتز مع الإيقاع المتناغم يحركه الشوق لأطباق الثريد التي ملّها الانتظار وملّته . أصحاب الوجوه المكتنزة لا يغشاهم شوق للثريد إذ جاؤا فراراً من دنياهم وثريدها الذي يشتاق . في ليلة المولد نفحه أحدهم صدقة يتقرّب بها إلى الله فتقرّب بها ورّاق إلى الدنيا . قال لصاحبه الماحي متمنياً : - لو أن لي من الدنيا ما لهم ! ابتسم الماحي قابضاً علي بضع من الدنيا نالها من وجه مكتنز آخر ، وسأله : - ما كنت من سكان الحوش ؟! - الدنيا وحوش القبة .. لا يجتمعان . رمقه الماحي ملياً .. صمت لبرهة ثم أضاء وجهه بطفولة عابثة : - الخليفة بحر يملك الحوش ويتقلّب في الدنيا ظهراً لبطن.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
الإيقاع يتواصل كأن النهاية حلم لا يُدرك .. من للثريد والبلح .. الشوق المجنون للقمة .. من يُسكت قرقرة المعدة . قال له الشيخ صبير عندما أمسك به يتسلل إلى المخزن : - لمَا يدخل الإيمان قلبك بعد . - دخل الإيمان قلبي لكنه لم يصل بطني بعد . صكه على وجهه فنسي الجوع واللجاجة . أمه جاءت به تجره إلى الحوش يسكرها الإيمان بالقبة والخليفة بحر .. عندما بكى واسته : - هنا تجد نور الإيمان . تطلّع إليها حائراً ، فأضافت باقتضاب متآمر : - والطعام . علمته التجارب أن الطعام دونه ذكر لا يدركه فتور .. الماحي بجواره همس مواسياً نفسه وإياه : - حُفت الجنة بالمكاره والثريد بالمسابح . عجل بالنصر وبالفرج .. عجل بالنصر وبالفرج
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
جلس الخليفة بحر متربعاً على السجادة الإيرانية الموشاة .. أنامله الناعمة تداعب حبات مسبحة الكهرمان . وجهه لا تبدو منه سوى العينان البراقتان وفمه المائل في حسم وقور .. أما باقيه فغاب مناصفة خلف اللحية الكثة والشارب المتهدل وتحت العمامة الخضراء المخملية . متدثرة رهبة الرجل التي لا تُنكر والخوف من الغرفة المظلمة إلا من ضوء شاحب يتدلى من مصباح صغير تخنقه الظلمات فيحتضر قبل أن يبددها كلياً وقفت المرأة في حضرته . - تكلمي يا أختاه مقضية حاجتك بإذن الله .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
صوته الآمر المتلفع بالثقة والطمأنينة خالط في أذنيها أصوات الإنشاد التي تتسلل إلى الغرفة متحدية بعدها عن ساحة الذكر . أحكمت إسدال ثوبها على وجنتيها اللامعتين بالنعمة وقالت : - أنا منيرة . - اسم حسنٌ لمريدة مخلصة إن شاء الله . ترددت حائرة كيف تذكره بنفسها .. إنها لا تُنسى .. أموالها التي دُفعت لا تُنسى . - أنا .. جئت من قبل .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
الصمت المهيب كان جوابه .. ظنت أنه يدعوها لمواصلة الحديث فاتبعت ظنها دليلا في ظلمات الحجرة والتردد . - جئت منذ شهرين .. أنا متزوجة منذ سبعة أعوام .. زوجي غاضب ويرغب في الزواج من أخرى .. وعدتني .. غص حلقها بأن تقول ( عبثاً ) فاحتمت بالصمت . لدقائق لم تسمع منه سوى صوت أنفاسه المترددة في رتابة متناغمة مع دقات حبات الكهرمان بعضها فوق بعض . تهدج صوتها وهي تواصل : - أريد طفلاً .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
منذ أيامه الأولى في الحوش تعلم الصبي ورّاق أذكار النوم.. يقرأها حدراً دون وعي ، ثم يتمتم : - في حماية سيدي الشيخ أزرق أبو زريبة وضعت جنبي . لم يجد صعوبة في حفظ الذكر إذ طالما داعب سمعه ليلاً في كنف أمه .. ما كانت تنام دون تلاوته .. أخبرته أكثر من مرة أن الشيخ أزرق يغادر مرقده تحت القبة كل ليلة ليحيط مريديه بزريبته المتينة مانعاً عنهم الأذى .. ذات ليلة حكت له ورأسه يتوسد فخذها العظمي الجاف : نسيت يوماً تلاوة الذكر وسرقني شيطان النوم .. عند منتصف الليل صحوت فزعةً لأتلوه .. في الصباح وجدنا اللص مذعوراً يجوس في الفناء وقد ضل طريق الخروج .. سيدي الأزرق قفل الزريبة واللص بالداخل .. اقتدناه كحمل إلى الشرطة .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
ورّاق لم يكن يخاف اللصوص لكنه يخاف كوابيس الجوع .. وجلاً كان يكتشف أن زريبة الشيخ أزرق تمنع حتى طعام الملائكة من أن يغازل أحلام معدته . غيره ممن هم أكبر سناً يجدون في الطريقة ما يشغلهم .. أما هو.. فالثريد دينه ودنياه .. في أحد الدروس سأل الشيخ صبير : - هل في الجنة ثريد ؟!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
ذكرى العالم خارج الحوش تناوش جوعه لتزيد اشتغاله عن الذكر . عالم ممتد فسيح .. رائحة من عمق الذاكرة أطلّت بحضور شهي في دواخله .. محل شواء كان يمر عليه قديماً في زمن يبدو كأنه الأساطير .. شارع عريض تغطيه السيارات والمارة ولا منشدين. منذ سنوات تمنى أن يخطف قطعة شواء فمنعه ورع طفولي ساذج ، لكنه يجد لذعة الندم الآن . طال الذكر وبرد الثريد .. الوجوه المكتنزة تشخص أبصارها كأنها ترى المغفرة فيشتعل حماسها أكثر وآلاف الأفكار المجنونة ترمح في رأس ورّاق كأنها خيول جامحة . لكنه يردد مع الجموع : - عجل بالنصر وبالفرج .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
- فعلت ما أمرناك به في المرة السابقة ؟ سألها الخليفة بحر . - بحذافيره يا مولانا . عيناه تنزهتا طويلاً في رياض وجهها قبل أن يأتيها صوته عميقاً : - إن الله مع الصابرين . - الصبر يوشك أن يخرب بيتي . - الصبر مفتاح الفرْج . نطق الفرج بسكون الراء لا فتحها فوقعت منها موقعاً غريباً كالزلازل .. وزحزحت في دواخلها حُجباً دون مستور .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
بتوجس تابعت العواصف تتجمع وعيناه تنسالآن – في ثقة صاحب الحق – من وجهها نزولاً إلى صدرها ، ثم توقفتا عند خصرها .. منيرة كانت تدرك أن سنوات عمرها التي جاوزت الأربعين لم تزد جمال صباها إلا رسوخاً .. ومنحتها سنوات الزوجية جسداً أنثوياً متفجراً أتقن زوجها صياغته ببراعته لولا فشلها في إكمال المراد . - أثقلنا عليك بطول الوقوف فتفضلي بالجلوس . أشار إلى وسادة على يساره فسارت إليها مولية جنبها إلى جهته .. دون أن تنظر إليه أحست وقع عينيه على رابيتيها فزاد تزحزح الحُجُب وأوشكت الأنثى في داخلها أن تكشف عن ساق.. وفي سماء الحجرة تمطّت العواصف .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
عندما اعتصرت الوسادة بضخامة نصفها الأسفل أضاء وجهه بابتسامة كأنها ليلة القدر .. في تواطؤ مؤمن قال لها : - ما شاء الله .. امرأة مباركة هي أنت . تأملت لحيته الكثة وشعر يديه النافر في غزارة .. وصرخت الأنثى تحت الحُجُب تقول لها شيئاً ما عن بركة رجل مشعر وامرأة مقعرة .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
تنهدت نفساً حاراً كبركان ، وقالت إذ رأت العواصف تنذر ببرقها: - مللت الخوف يا مولانا .. أريد حلاً .. أي شيء خير من حالتي هذه .. يقتلني شعور الآنثى الناقصة . تأمل بساتينها التي تضج بها ثيابها وقال : - شاءت حكمة الله أن تكوني زائدة عن غيرك من النساء فلا تجحدي نعمائه . - أحتاج معجزة . - ما أكثر المعجزات و أسهلها ، لكن أين من يستحقونها ؟ - أنا أستحق معجزة .. إن حياتي هي الجحيم . - تتطلّب المعجزات إيماناً . - مؤمنة أنا كأشد الإيمان . - دليل الإيمان تسليم تام .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
هذه لغة تعرفها لكنها تدثر ثوباً لم تألفه فيها .. الأنثى في أعماقها منعتها أن تصلح ثوبها الذي انزاح تحت نظراته الثقيلة .. وفي دواخلها تشبثت بالجرأة علّها تجد الأمل . - هل تأمرني بالصبر مرة أخرى ؟! وضع المسبحة على الأرض وتزحزح نحوها . - زعمت أنك فعلك . - عذابي يشهد على ذلك . أنفاسه لفحتها وهو يفح قريباً من أذنها : - فلتلجي من مقام الصبر إلى مقام التسليم .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
دنيا واسعة تاقت نفسه إليها فتحفّز لينالها .. صرخ إيمانه المصروع تحت وطأة الحلم : - ستجوع خارجاً كما تجوع هنا . لكنه انتهره : - عندها سأسرق قطعة شواء لأشبع . - ويلك ! تصبح سارقاً وتأثم . - أعود حينها إلى الحوش لأنشد حتى أتصبب عرقاً فيغفر لي الله . قال له محاولاً : - والشيخ صبير ؟! - سينساني . - هو مسئول عنك أمام الله فلن ينساك . لكنه قال بحسم : - في المريدات من يشغلنه حتى ينسى الله .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
تراجع خارجاً عن الصف في حذر وعيناه معلقتان بالشيخ صبير .. مسبحة الألفية الضخمة تتدلى من عنقه وتتماوج في الهواء مع تمايله .. عيناه مغمضتان .. لحظة ثم غاب عن نظره.. أولى المنشدين ظهره وجرى مبتعداً .. قفز سور الحوش القصير وتوقف خارجاً . نظر إلى القبة التي تلوح في الأضواء المتسلقة إلى قمتها من أسفل مهيبة .. عاود المصروع الحركة لكن الحلم المجنون سبقه إلى جوهرة روحه .. ضم قبضته وخاطب القبة : - يا سيدي الشيخ أزرق ! لم أجد نور الإيمان هنا وأعلم أنه ليس حيث أذهب .. لكن الضلال مع الشبع خير منه مع الجوع. أنبتت كلماته شجاعة بداخله هي للنزق أقرب .. بحماس حلّ سرواله ورفع ثوبه وقال : - ها أنا أجزيك أجر ما حفظتني ما مضى من عمري . أطلق لطبيعته العنان فاندفع الماء المالح أصفراً رغوياً ليسقي السور . وعندما انقطع .. أمسك سرواله بيده دون أن يربطه وجرى مسلماً للريح نفسه .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليإلى القبة النشوانة (قصة ) (Re: حمور زيادة)
|
Quote: هذه القصة نشرت ضمن المجموعة القصصية للاستاذ حمور زيادة في كتابه سيرة امدرمانية |
و هي أثيرة عندي يا عمر بأنها كتبت خصيصا لمسابقة جائزة الاديب اسحق ابراهيم .. و أسعدتني بأن نالتها.
| |
|
|
|
|
|
|
|