قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 07:29 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة حمور زيادة(حمور زيادة)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-15-2009, 02:43 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية)

    هذه فصول متفرقة من رواية ظننتها اكتملت قديما فأغلقتها ..
    ثم حين عدت اليها مؤخرا و في ظني أنها جاهزة للنشر و الطباعة فوجدتها بعد تحتاج الى كثير من عمل و مراجعات.
    لا أجد سببا منطقيا لنشرها الان هنا ..
    لكنه هاجس ..
    و أنا مولع باتباع الهواجس الشخصية ..
    ربما نشر بعضها يجعلها التزاما يجبرني على مراجعتها ..
    ربما نشر بعضها هنا يفيدني تصويبات و تعليقات تساعدني عليها اذ استعصت ..
    ربما نشرها هنا يخرج ضجيجها من رأسي فأكمل اختيها التين اكتبهما الان " الغابة " و " الممتهنة "..
    ربما و ربما ..

    الآن انوي نشر بعض فصولها ..
    غالبا لن انشرها مرتبة ..
    فاعطي منها شذرات ..
    اقفز بين الفصول ..
    أو قد انشرها مرتبة ..
    لا ادري ..
    سأبدأ ..
    و اثناء المسير سأجد طريقي ..
    او هكذا أحسب ..
                  

03-15-2009, 02:47 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)


    [ 1 ]



    داخلته اليقظة رويداً .. حين بدأت الأحلام رحيلها على مهل تسلل اليه الصحو كظل متوجس . نبض بالألم رأسه . و قرعته الحيرة . أين هو ؟! مشوشاً ثقيل الرأس ضائعاً في اللا مكان . لبرهة أبقاه التساؤل معلقاً في الفراغ . على صراط ليس بالنوم و لا هو بالصحو . خيل إليه أنه يستلقي في فراغ لا متناه . فراغ كأنه الكون قبل الخلق.

    مهتزة شاحبة أخذت الأشياء تبرز حوله . تتكون كأنما هي دخان يتكثف فيخلق وجوداً مادياً .
    اكتسى الفراغ جهاتاً ، و امتلأ أثاثاً أحس نحوه بوحشة اللقاء الأول . تنبه الى سقف فوقه تتدلى منه مروحة تصدر أزيزاً رتيباً . تعلق بصره بمحورها فكاد يدهمه الغثيان . ضجيج خض رأسه فأعجزه أن يحوله على جنبه . نثر بصره حذراً أن يهيّج الرمق توحش الوجع .
    قبالته رأى دولاباً مسوحه ذكريات إلفة .
    لكأنه يتعرف غرفته .
    و عند حدود بصره تشكل الجسد الممد الى جواره فتسللت اليه ذكريات الليلة الماضية . تكسوها غبرة عتق كأنما مرت عليها دهور متطاولات .

    معانداً الخدر المعيق – و بحرص محاذراً الوجع – عدّل وضعه على السرير . عاري الصدر تغطي نصفه الأسفل ملاءة تشي تجاعيدها بأسرار ليلته . جواره تمددت فتاة على وجهها و ردفاها العاريان يتلقيان هواء المروحة في ترحاب . سرّح بصره عليها . بالأمس ملاءة هذا الجسد نشوة و أوعده سروراً . نبش الذكريات في فتور فألفاها أكثر إثارة من حضور الجسد الممد بجواره .

    مد يده يبحث عن ساعته فلم يصادفها . على معصم الفتاة رأى ساعة نسائية بلون ذهبي شاحب . ساعة أساء اليها الدهر أشد مما فعل بصاحبتها . تناول المعصم و نظر في الساعة . ولّى الظهر . أتراه عبث الجسد أم وطأة المشروب ما مدد نومهما الى هذه الساعة ؟
                  

03-15-2009, 02:52 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    تنبهت الفتاة حين ترك يدها تسقط على الفراش . تململت قليلاً ثم رفعت رأسها . شعرها الخشن تناثر على وجهها ، و لمح ثدييها العاريين يعانقان الفراش و يسحلهما الجسد الذي اليه ينتميان .
    يكره رائحة أنفاس النساء حين يستيقظن . و لم تعفه الفتاة من خبث أنفاسها اذ استوت على مرفقها فاقترب وجهها منه . رائحة فمها كرائحة السمك الميت. عيناها كانتا ميتتين. يذكر أنها أكثرت التاؤه ليلاً . ايقاع زفراتها لم يكن يتفق و صخب تحركهما . كان تأوها نشازاً لا يتناسق مع شئ مما يفعلان. لكنها فقط كانت تؤدي دوراً متقناً كما تقتضي أمانة المهنة .

    سألته :
    - مازال لديك سجائر ؟
    أدار رأسه ينظر فوجد ساعته ملقاة على الأرض لكنه لم يعثر على سجائره . تحركت في مكانها و أدخلت يدها تحت جسدها . بحثت بين فخذيها . عثرت على العلبة هناك . هل وضعها هو هناك في غمرة عبث السُكر أم أوصلتها الصدفة الى ذاك المستقر . كانت العلبة فارغة فلم يبعد عنه أنه وضعها هناك في تيه سُكره حاسباً فرجها سلة قمامة . اعتصرت العلبة الفارغة ثم قذفتها بعيداً . لم يول فعلتها اهتماماً . لديه بعد أيام ثلاثة من الوحدة يصلح فيها ما أفسدته أسابيع نزقه الماضية قبل أن يعود اهله .

    غاصت الفتاة بوجهها في الفراش مجدداً و تنهدت . جاءه صوتها مكتوماً .
    - لا أذكر اسمك !!
    أجابها متسائلا :
    - هل أخبرتك به ؟
    رفعت اليه نظرة ماكرة مستخفة و قالت :
    - حين ركبت معك قدمت نفسك باسم .. فاذا انت آخر حين استبد بنا السُكر .
    أجابها باستخفاف :
    - اختاري أيهما شئت .
    قطبت جبينها كأنما تستدعي ذكريات عصية ، قالت متردده يكبلها تشوش من بقايا الخمر :
    - محمد الذي قدمت به نفسك أولاً شائع موحي بالكذب .. أما عثمان ( غمزته في غنج و واصلت) عثمان يبدوا حقيقياً غير مختلق . كل من اعرفه يدعو نفسه محمداً كذباً.
    و ما أدراك ما الاختلاق ؟! حياته كلها كذبة متجدده يختلق لها كل يوم ما يناسبها .
                  

03-15-2009, 02:57 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    قفزت واقفة فتبدت في عريها مبتذلة. علم لماذا لم يشته آدم زوجه قبل أن تخصف عليها من ورق الجنة . قضت عليه حكمة لا يدركها أن يستلذ الطريق دون الوصول .
    تناولت حقيبتها و نظرت بداخلها مطمئنة على ما نقدها من مال . بلا تردد أو حياء حملتها و اتجهت الى الحمام . كأنما تخشى على مالها – الذي كان له – لصاً لا وجود له سواه .
    مد عثمان يده مرة أخرى يبحث عن هاتفه هذه المره . عثر به أسفل السرير . استعرض المكالمات الفائتة سريعاً ثم أعاد وضعه جانبا . جلها من صاحبيه الأثيرين و بعضها من فتاة تعرفها منذ أيام . لا شئ يغريه باتصال الان ، فكل همه أن يخرج تلك التي تحتل حمامه الى الطريق الذي منه جلبها و ينام بلا احلام .

    تسلل إليه صوت الفتاة من الحمام تغني " شتلوك وين يا العنب " .
    هل هي سعيدة حقاً أم تراها مازالت تؤدي دورها المتقن ؟ التاؤهات الرتيبة كطرقات وقحة على صفيح صدئ . ينظر في عينيها فيرى كل شئ الا اللذه . لكنه مثلها يصطنع النشوة . كفي أيتها الحمقاء فقد انتهت المسرحية و أسدل الستار .
    بصق ذكرياته و أفكاره متقززاً . نهض متكاسلاً فتبدا عارياً في ضوء النهار الفتي . ارتطم بزجاجة الخمر البلاستيكية التي استنفذاها في ليلتهما . رفعها ينظر ما بداخلها فلم ير فيها ما يغني . وضع الزجاجة جانباً و جلس على طرف السرير فارجا ساقيه ضاماً كفيه بينهما .

    الصداع يعصف بذهنه لكنه سيتماسك لزمن قليل بعد . يخرج الفتاة ثم يرحل الى عالم الغيبوبة السرمدي . لكن عليه أن لا ينسى الاتصال بالحبشية التي تنظف المنزل . لابد أن يعود كل شئ الى ألقه و نظافته قبل عودة أمه و أختيه .

    خرجت الفتاة من الحمام و قد ارتدت ثيابها . نظر اليها فألفاها مثيرة كأنه يلقاها للمرة الأولى . لكن تشوشه زهده فيها . قالت له مبتسمة :
    - سنلتقي مرة أخرى ؟
    - بلا شك .
    - لديك رقمي فلا تتردد في الاتصال بي في أي وقت .
    وعدها خيراً كما يعد غيرها ثم سرحها . و حين أغلق الباب خلفها فكر هل يستدعي الحبشية غداً للتنظيف أولا ثم يضاجعها أم يضاجعها أولاً ثم تنظف ؟
    قبل أن يتخذ قراره بعثر النوم غباره السحري على عقله ، فرحل تاركاً كل ضوضاء الوجود خلفه .
    عثمان سليمان كان يسعد بنومه دوماً لأنه نوم بلا أحلام .
                  

03-15-2009, 03:00 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    [ 2 ]


    تناثرت غلائل المساء موشحة الكون . انزوى النهار ينزف أخر دماءه على الأفق . الظلام جاء يزحف و خلفه جاء الأصدقاء الى الكافتريا فاجتمع شملهم .
    كافتريا " برادياس" كانت المجلس الدائم للصحاب و لها في نفوسهم حباً و الفة لم يتزعزعا.
    بحديقتها الهادئة و صالتها خافتة الإضاءة و اللون المعدني اللامع لأثاثها كانت تبعث الهدوء و السلام في نفوسهم القلقة.

    عثمان سليمان كان أول الحضور. ثم تبعه راشد سعد و فياض قرشي سوياً .
    ضمهم المجلس فتبادلوا التحايا و الدعابات لفترة قبل أن تقحم الحقائق نفسها عليهم .
    - ها هي مرحلة جديدة من حياتنا تبدأ .
    قال عثمان سليمان و السعادة بادية عليه .
    تنهد فياض قرشي قلقاً لا يخفى على صاحبيه و قال :
    - أتراها تكون خيراً مما خلفنا وراءنا ؟!
    عابثه راشد سعد قائلاً :
    - في كل حركة بركة أيها الشيخ .
    قال عثمان :
    - حدثت المعجزة و ولت أيام الجامعة فماذا تخبئ الأيام لنا ؟!
    رمقه فياض قرشي بنظرة عابثة و قال متهكماً :
    - أما لك فمزيداً من الفتيات .
    ضحك عثمان في صخب فخور على حين ابتسم راشد سعد بوقار قلما يجاوزه .
                  

03-15-2009, 03:05 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    قلّب فياض نظره بينهما متأملا الفوارق التي تباعد صاحبيه و تجعل اجتماعهم سوياً معجزة في حد ذاتها .
    عثمان سليمان بجسده النحيل الأسمر ، و طبعه العصبي ، ملء عينيه حزن لا باعث له في حياته حقيقة ، و لا يبدو في تصرف أو تفكير . إنما هو هبة وهبها فأحسن – أو أساء – استخدامها مع النساء اذ يظهر لهن بصورة البطل المهزوم في بسالة . و المرأة التي لا يجتذبها الباسل الحزين لم تخلق بعد . فكن شراكه تلج اليهن الفتيات طوعاً متناسيات رأسه الضخم الذي كساه صلع مبكر . لا يكاد فياض رغم قدم عهد صداقتهما يذكر صاحبه الا بشعر زاحف الى الوراء مبشراً بصلع شامل . تعارفا منذ زمن قديم . آلفت بينهما المدرسة الثانوية في أيامها الأولى ، و توطدت علاقتهما مع مرور السنوات الثلاث ، ثم توجت صداقة لا انفصام لها حين تصادفا في ذات الجامعة و الكلية .
    أما راشد سعد شوقي بجسده البدين و لون بشرته الأبيض المشرب بحمرة و شعره الناعم فكان ممن وثقت الكلية أواصر الصداقة بينهم . و كانت تلك معجزة لم يدر لها أحد سببا. فعلى حين اشتهر فياض قرشي و عثمان سليمان في المدرسة و الجامعة - بعدها - بأنهما ثنائي لا يقبل الاختراق ، تضمهما صداقة لا تقبل القسمة على أكثر من اثنين فوجئ الجميع – بمن فيهم الصاحبان – براشد سعد يقتحم ثنائيتهما و يضحي مع الأيام ركناً لا تقوم صداقتهما من غيره .

    كان راشد مختلفاً عنهما في كل شئ . أصله الذي يعود الى أصول مصرية / تركية قديمة ، نشأته الخرطومية المرفهة على خلاف أم درمانية الصاحبين الصميمة . هدوءه الدائم و وقار ارستقراطي يلتحفه أبداً فكأنه جلد ثاني له نقيضاً لفوضاهما و ميلهما للصخب و المجون .
    كثيراً ما جلس صاحبا العهد القديم وحدهما – في انتظار صاحبها الأنيق ذي البشرة البيضاء – و أزجيا وقتهما بالتساؤل عن سر تعلقهما براشد سعد شوقي ؟! اذ لم يكد يمر شهر على اقتحامه حصن ثنائيتهما حتى صارا لا يطيقان جمعاً بدونه . و يرجئان نقاش كثير من الأشياء حتى يحضرهما ، حتى إن كانت أشياء لا يخوض فيها معهما . كان يكفيهما حضوره دون نقاش او مشاركة .

    امتاز راشد سعد شوقي على صاحبيه – أو للدقة على كل أبناء الدفعة في الجامعة – بأدبه الجم الى درجة الحياء ، و تزمته الأخلاقي و بعده عن النزوات النسائية و المغامرات سواء العاطفية أو الجنسية . و تبدا أصله المورق بالثراء في نفقاته و ملبسه فلزمه لقب راشد ابن العز حتى كاد يطغى على اسمه الكامل ، بل فعل . فلا يكاد أحد يتنكب هذا اللقب سوى صاحبيه الذين تركاه اكراماً له اذ امتعض منه دون أسباب واضحة .
                  

03-15-2009, 03:09 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    - أين وصلت ؟!
    اجتذب السؤال فياض من أفكاره بغتة فنظر الى عثمان متسائلا . انحنى راشد سعد نحوه موضحاً ما فاته :
    - شرد ذهنك عنا زماناً فاتهمك عثمان أنك تركتنا لتحلق في رحاب بعيدة .
    ضحك فياض قرشي للتضمين اللطيف لاسم رحاب في حديث صاحبه . لكنه قال دافعاً عن نفسه التهمة :
    - أنا معكما . لكنكما جائران مدعيان كما عهدتكما .
    ساءله عثمان سليمان متحدياً :
    - فيم كان شرودك اذن ؟!
    تحول ينظر في عيني صاحبه بمزاح متحدي مماثل :
    - في معجزة نجاحك رغم ما عرف عنك و كان منك .
    توثب عثمان سليمان للدفاع عن نفسه لكن راشد سعد تدخل بينهما قائلاً :
    - الحق أن التفكر في ما مر علينا من عجائب و معجزات خليق لأن نحيي به اجتماعنا هذا .

    تبادل عثمان و فياض النظرات . لم تكن تلك المرة الأولى التي يحول فيها صاحبهما مجرى أحاديثهم المبعثرة الى موضوع نقاش فلسفي جاد ملئ بالتفكر و العظات . كأنه يجمع فيضاناً جامحاً ليصبه في مجرى نهر ذي معالم و حدود . انقلبا ينظران اليه ، و قال عثمان سليمان بلسانه النزق :
    - مرت علينا أشيا كثيرة أعجبها صداقتنا .
    ابتسم راشد سعد في هدوء اذ لمح المعنى المتواري خلف مقولة عثمان لكنه تجاهل أن يعلق عليها بأدب ، و قال كأنه يواصل ما ابتدأه صاحبه :
    - و ايمان صاحبنا فياض عجيبة أخرى ادخرها لنا القدر حتى نهاية السنة الأخيرة .
    - ليست تلك بعجيبة ، فاذا عرف السبب بطل العجب .
    اندفع فياض قرشي للدفاع عن نفسه بسرعة ضد مشاكسة عثمان :
    - ليس الأمر كما تظنان .
    - و ماذا نظن ؟!
    - تلمحون خلف صلاتي رحاب المجتبى كأنما هي قبلتي أو كأنها من ابتدع الصلاة .
    - أتنكر أنها النبي الذي نبهك الى الصلاة و الصيام و مكارم الأخلاق و قد كنت قبلها جاهلياً كأن الشرائع لم تنزل بعد ؟!
    ذم راشد سعد شفتيه امتعاضا من وصف عثمان للفتاة بالنبوة لكن امتعاضه لم يعق تدفق الجدال .
    - لعلك تطلب نبية مثلها بين فتياتك فلا تجد .
    - انا اذن أعظم أجراً منك اذ ابحث عن الايمان حثيثاً و أصلي في كل محراب يصادفني .
    رفع راشد سعد كفيه معترضاً و صاح في جزع :
    - حسبكما !!
    تراجع فياض قرشي في ضيق لتدخل راشد دون دفاعه عن نفسه . لكن عثمان خفف عنه حين حول دفة الحديث نحو ثالثهما مهاجماً :
    - لك ان تحتج فالنساء عندك جنس لم يخلق بعد . الأرض عندك يسكنها رجال و كائنات أخرى. أما الفتيات فلم يتم تصنيفهن لديك قط .
    - أما هذا فبهتان بين . لكن للنساء وظيفة أؤمن بها لا يدركها مثلك .
    تحول فياض قرشي سريعاً الى موقف الهجوم على راشد و قال :
    - و ما وظيفتهن لديك يا صاحب السمو ؟!
    - المرأة صمام أمان لحياة الرجل الناجح . وجودها حقيق بأن تسبقه ترتيبات و يليه جد خليق بها . أما عثمان فيعبث بالنساء كأنهن ما خلقن الا للهو . و هذا امتهان لمخلوقات كريمة كما هو امتهان للنفس .
    قال عثمان :
    - اعلم أن المرأة التي تستحق كل ما تتحدث عنه لم تخلق بعد .
    - سل عن ذلك فياض .

    توقف الهجوم أمام الثغرة . الحقيقة أن حب فياض قرشي المفاجئ لرحاب المجتبى أفسد على عثمان سليمان كثيراً من نزقه و حبه للخوض في أعراض النساء جملة ، فألزمه حذراً أن يصيب من مشاعر صاحبه سوءاً ، كما أصبح حدثاً يهرع اليه دوماً راشد سعد للاستشهاد اذا ما ضيق عليه عثمان بجداله .
    لكن فياض لم يقنع بتوقف الجدل هذه المرة عند سد حبيبته فقال محاولاً مد أمد الجولة :
    - رحاب لا مثيل لها فلا تقس عليها سواها .
    نظر راشد سعد الى عيني صاحبه ملياً ثم ساءله :
    - قل لي كيف تحس نحوها ؟!
    ضحك فياض مرتبكاً و قلّب مشاعره بحثاً عن احساس يصلح أن يصاغ في كلمة دون أن ينقص قدره لكنه فشل ، فقلب كفيه و قال :
    - أنا احبها ، و كفى .
    قال راشد :
    - و انا انتظر هذا الحب ليطل على حياتي .
    بادره عثمان قائلاً :
    - الحب لا يُنتظر . عليك بالسعي خلفه .
    - هل تسعى خلفه أنت ؟
    - بكل جهدي .
    - بل قل بجهد سيارتك يا صاحبي ، و غفر الله للتظليل .
    رددت الكافتريا ضحك فياض و عثمان الصاخب الذي احتوى ضحكة راشد سعد الوقور في ثناياه .
                  

03-15-2009, 03:10 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    و كأنما خشي عثمان ضعف موقفه فأعاد الحديث الى مجراه الأول :
    - ذكرنا - في أحداث سنواتنا التي مرت - صحبتنا التي استعصت على التحليل و سمت على السببيه ، و ايمان فياض قرشي المنافق طمعاً في ثواب رحاب ، و نجاحي الذي أوافقكما أنه معجزة سببها دعاء والدتي لا أكثر ، فماذا غير هذا ؟!
    ألفى فياض قرشي نفسه أمام الحيرة ثانية فألقاها الى صاحبيه :
    - أنا أسأل نفسي عن ما بعد هذا.
    - الوظيفة. أو البحث عنها ان شئت الدقة .
    - قد أعيت الوظائف من كان قبلنا فلم يبتسم لنا حظ لم يعر غيرنا التفاتاً ؟!
    أشفق صاحباه أن يجادلاه لعلمهما بحاله الذي يخالف حاليهما .

    راشد سعد لم يكن يخشى غائلة الأيام و لا تؤرقه البطالة ، فمنذ أمد ينتظره مكتب جاهز في شركة والده بمنصب و مسؤوليات مفصلة عليه .
    و يتكئ عثمان سليمان على ميراث عريض من العلاقات الأسرية وصداقات والده التي بقيت بعد وفاته غضة فتية ، فلم يمسه طائف خوف من المستقبل .

    أما فياض قرشي !!

    تبادل الثلاثة النظرات قبل أن يشعل عثمان سليمان سيجارة شرد مع دخانها هرباً من الحرج الذي زحف عليهم. فكر أن يلهيهم بخبره مع فتاة البارحة فاعتدل ليفعل .
    لكنه قبل أن ينبس بكلمة تساءل رغماً عنه :
    - ماذا تخبئ لنا الأيام ؟!















    .
                  

03-15-2009, 03:16 AM

محمد الطيب يوسف

تاريخ التسجيل: 02-22-2008
مجموع المشاركات: 3088

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    حضور قبل طابور الصباح
                  

03-15-2009, 04:41 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: محمد الطيب يوسف)

    شكرا للحضور المبكر يا محمد
                  

03-15-2009, 04:43 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    [ 3 ]


    لم يستطع راشد أن يخفي تبرمه و ضيقه . واصل نقل قدميه على الأرض من وضع الى أخر علّه ينفس عن بركان مشاعره المكبوت .
    رفع عينيه فاصطدم بالنظرات المعلقة عليه . رغماً عنه توردت وجنتاه من الإنفعال .
    لا ينتظرون منه سوى موافقة مطلقة . خدعة نقاش مستقبله أكذوبة مفضوحة يعلمها جميع من في المجلس ، لكنهم يمثلون أدوارهم في احتراف و صرامة .
    قال ناظم:
    - نحن ننتظر قرارك .

    أي قرار هذا الذي يساق اليه كالسوائم ؟!

    قبل أن تدعوه والدته الى محضر والده و أخويه أوصته كدائبها :
    - لا تعترض يا بني و لا تركب رأسك .
    - انها حياتي يا أمي .
    - انهم يهبونك السعادة فعلام تحرص على طلب الشقاء ؟!
    قال محتداً رغماً عنه :
    - دعوني أجرب حظي و نفسي و لو مرة واحدة .
    - سامحك الله يا بني . لا يرومون الا مصلحتك . الا ترى أخويك ؟!
    كيف لا يراهما ؟! حياته كلها نظر اليهما . مقارنات لا تتوقف . وضع رغماً عنه في قضيب حديدي لا يقود إلا إلى محطة أخويه. أو هكذا خطط له .

    لم يحظ يوماً برأي و لا اتخذ قراراً يخصه . ثيابه – رغم طفولته – لا بد أن تكون نظيفة كثياب أخويه . لابد له من التفوق في الدراسة كما تفوق أخواه . دراسته لابد أن تؤهله للعمل الاداري في شركة والده كما فعل أخواه . حتى أصدقاءه – على قلة من اتخذهم منهم في حياته الموحشة الباردة – كان عليه أن يعرضهم دوماً على مجلس العائلة . فيقلبون في سيرهم الذاتية و أصولهم و يزنون بحرص الفوائد المترتبة على صحبتهم ثم يصدرون قرارات الموافقة – نادراً – على بعضهم و يطردون آخرين كأنهم حثالة.

    يذكر حين سمى صاحبي الجامعة لمجلس العائلة بعد الغداء .
    ضمهم الصالون الفخم المطعم بلون الذهب – معبود الأسرة – كما هي العادة المقدسة يومياً . بعد تناول الشاي قدم أخواه تقارير يومهما الى عتبات والده المقدسة فصادق عليها بالرضا التام و باركهما .

    ثم التفت المجلس اليه .
                  

03-15-2009, 04:46 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    أصغر أعضاء الأسرة ذات النظام الفلكي الدقيق المبشر بالمتاعب و يحمل في كل خطوة يخطوها بادرة لعجيبة لا تطيقها الأسرة فيتداركونها بحسم قبل أن تقع .
    قدم عرضاً سريعاً ليومه الجامعي الجديد ثم تلعثم أمام اسمي الصديقين . فكر في كتم الأمر لكنه عجز فباح به واجفاً . خشي على الالفة الواعدة من حرمان صكوك القبول . نطق الاسمين بتردد و راقب تقطيب جبين والده حذراً . سأله :
    - ما اسم هذا الولد عثمان كاملاً ؟!
    - عثمان سليمان وقيع الله .
    ردد والده الاسم مرتين ثم بدا عليه الاهتمام و هو يسأله :
    - من أين هو ؟
    - من أم درمان . لست واثقاً لكني أظنه يسكن بيت المال .
    لانت أسارير الوالد قليلاً و تساءل باهتمام متزايد :
    - هل هو نجل المرحوم سليمان وقيع الله وزير التجارة الأسبق ؟!
    لاحت للفتى بارقة أمل ، لكنه خشي الكذب بالايجاب كما خشي صدقه بالجهل .
    - لا أدري يا أبي .
    - سل عن هذا . فإن كان هو فلا بأس .
    تمتم بالخضوع أنه سيفعل .
    - و الأخر ؟!
    رجف قلبه و هو يقول :
    - لا أدري . اسمه فياض قرشي ، و هو صديق لعثمان سليمان منذ المدرسة الثانوية . لا أعلم عنه أكثر من هذا .
    - ان كان عثمان هذا نجلاً للمرحوم سليمان وقيع الله فهو لا يصاحب الا فاضلاً مثله . لكن يعوزك التأكد من هذا .
    تذكر معلومة صغيرة بدت له تافهة فألقاها مستسلماً :
    - له أخ أكبر ضابط ، كما سمعته ينوه .
    بدا الاهتمام على وجه اخيه الأكبر ناظم فتدخل في التحقيق متسائلا :
    - أهو أمين قرشي ؟! ضابط في سلاح الاشارة ؟!
    - أظنه في سلاح الإشارة و ان كنت أجهل اسمه .
    التفت ناظم الى والدهم و قال :
    - ان كان هو فقد زاملته في المرحلة الابتدائية ، و سمعت مؤخراً أنه ضابط كفؤ مشهود له . لا ينتمي الى أسرة معروفة لكنه ذو خلق . و لعل رتبته و حسن صيته شفيعان له .
    نطق والده حكمه الذي لا يقبل النقض منهياً التحقيق :
    - استقصي عن صاحبيك . ان كانا من ظننا فنعم بهما و الا فاقطع علاقتك بهما فوراً .
    - سمعاً و طاعة .
    - ذكرني ما هو شعارك في الحياة ؟!
    ردد كجندي يهتف في طابور عرض :
    - الالتزام و التفوق .
    لانت ملامح والده و هو يقول :
    - بوركت من فتى . ستقفو خطى أخويك و لن تخيب ظني فيك .
                  

03-15-2009, 04:48 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    على هذا مضت سنوات الجامعة و ان لم تخلو من تمرد خفي كرجل يكتم ايمانه . فتعلم التدخين سراً و مضى خلف صاحبيه الى اعتياد الشيشة . و ظل ذاك سراً لم ينكشف . لكن ارتياده الكافيتريات العامة في أمسيات صيفية شاع فاضحاً أمره فكان امتحاناً قاسياُ لم يجتزه الا بشفاعة والدته و طمعاً من ناظم أخيه في توثيقه عرى الصداقة مع فياض قرشي حرصاً على نفوذ أخيه المقدم أمين المتزايد. لكن الطمع و الحرص وؤدا بخطب مفاجئ أورث فياض قرشي حسرة ، و كاد اسمه يحذف من قائمة أصدقاء راشد سعد شوقي لولا معجزة . و سبقت المعجزة زلازل لم يطلع عليها الصاحبان قط .

    لكنه اليوم أمام امتحان عسر . في داخله يحس استسلاماً و ميلاً للخضوع الذي اعتاد دوماً . لكن رغبة نزقة في كسر قيوده كانت تؤرقه . اليوم ينتظرون منه – و قد أكمل مرحلة من الرق و استشرف أخرى – أن يجدد العهد بالسير في الطريق المرسوم سلفاً على خطى الأخوين النجيبين . لكن تمرداً قلقاً كضرس نخر يؤلم استسلامه .

    قال ناظم سعد – و كان ميالاً لاظهار قوته مولعاً بالصدام بخلاف شقيقهما الأوسط نادر – محتداً :
    - هل ننتظرك المساء بطوله لتتفضل علينا بالاجابة ؟
    - عفوا ما جرى لي ذاك على بال . اني أفكر فحسب .
    - فيم تفكر أيها الغر ؟ ان القرار واضح لا تغشاه غبرة .
    - ظننت أن المرء لابد أن يحسن لقدمه تقدير موضعها في أمر هام كهذا .
    تساءل نادر مبتسماً ، داساً السم في طيات كلماته :
    - أتراك تظن عملك في شركة والدنا خطوة غير مأمونة العواقب ؟!
    سلط والده نظراته عليه منتظراً جوابه على هذا الاتهام ، لكنه آثر الصمت . لم يجد الأب بداً من التدخل اذ يعلم أن من المحال أن يتجاهل راشد اجابته كما صار يفعل مع اخوته مؤخراً .
    - قل ما بداخلك صراحة . هل ترفض العمل في شركتي ؟!

    أيجروء على قول بلى ؟!
    أمام والده يكون أجبن من هذا. بل و في غيابه تطارده عيناه المقتحمتان فيركبه ذعر عن مخالفته الا قليلاً .

    - حاشا لله يا أبي. لكني ظننت أن فرصة عمل في مكان آخر ربما ..
    غص حلقه بالكلام و عجز عن ايجاد عبارة مناسبة للمقصود لا توقعه تحت طائلة غضب والده الذي يراه يحتشد في عينيه كغيوم منذرة بالطوفان . لكن نادر لم يمهله فاكمل العبارة بهدوء :
    - ربما كانت خيراً لك من العمل في شركة والدنا !!
    ثقبت الكلمة المرسلة بمهارة ثعالب السد فانهمر الغضب بلا مانع . صاح والده :
    - أيها الغرير !! أيوجد من يقبل بتوظيفك ساعياً في هذا الزمان النحس ؟! لديك وظيفة مدير مطلق السلطان و تجيبني عنها بهذا الهذيان ؟! قل لي شيئاً واحداً يميزك عن غيرك من حشود العاطلين الذين يملؤون هذا البلد ؟!
    ابتلع ريقه في وجل و بحث عن شئ يقال ، لكن والده بادره مواصلاً :
    - لا شئ . لا شئ الا أنك ابن سعد شوقي توفيق . ابني أنا . و في زمان الكلاب هذا لن تجد من يحفظ لك هذه المكرمة .
    - أبي .. !!
    - أنت ابن كلب .
    صعق للسبة و لدرجة الغضب الذي نطق به وجه والده ، و اندفعت أمه من باب الصالون الذي كانت تتسمع من خلفه :
    - رفقاً بنفسك يا حاج . الأمر لا يصل بك حد هذا الغضب . تذكر الضغط . لا تنس وصاة الطبيب .
    أشار الى راشد بحدة حتى تمنى الفتى أن تخسف به الأرض و صاح :
    - فليتذكر هذا الأحمق هذه الحقيقة . اليوم أنا هنا و غداً من يدري . أيريد أن يرثني بارداً طيباً ؟! لا و ألف لا . عليه أن يعمل و يعرق ليستحق من ثروتي مليماً واحداً . مليم ؟! أي مليم في هذا الزمن النكد . اسمع ( كأنه يحتاج الى تنبيه و صراخ والده يسمع الجدران الصم فتقشعر ) لديك مهلة حتى أخر الشهر هي مكافأتك على تفوقك . بعدها ستسبق أخويك الى الشركة . وظيفتك تنتظرك . مفهوم ؟!

    أخر الشهر !! أقل من اسبوعين . هي فرصة الحرية الأخيرة ، و بعدها .. !!
    صاح والده مرة أخرى :
    - مفهوم ؟!
    تمتم بصوت لا يكاد يبين :
    - مفهوم يا أبي .
    وحين انفض المجلس العاصف كانت العبرة تخنق راشد سعد ابن العز و بداخله أمنية خفية لا يجرؤ أن يهمسها لنفسه .
    ليته ما كان ابن عز .







    .
                  

03-15-2009, 04:54 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    [ 4 ]


    تتصادم بداخله الأحاسيس . تندفع جامحة فترتطم ببعضها البعض فلا يجد فسحة ليمسك أيها . شئ من غضب يخالطه مقت ، لا يخلو من خضوع يورثه راحة تحنقه و تحفزاً لتمرد يعجز عنه .
    جلس راشد سعد في الكافتيرا برادايس وحيداً في ركن قصي يجتر أحزانه و يهتز بتدافع الاحاسيس بداخله .

    لم تكن تلك المرة الأولى التي يقدم فيها على هذه الخيانة. أن يأتي وحده دون أن يخطر صاحبيه . كثيراً ما ألجأته همومه أن يخلو الى نفسه في مكان اجتماعهم الحبيب يلوك حسرته و عجزه .
    يخادع نفسه أنه يطلب لأحزانه مكاناً عاماً ليحبس دمع عينيه أن يفيض . لكن يعلم يقيناً أن مآقيه عاجزة عن الدمع . كف عن البكاء منذ زمن . و أضحى الاستسلام الصاخب بالحنق المكتوم رفيق انهزاماته الدائم .

    يصغر راشد سعد شوقي أخيه نادر بأحد عشرة عاماً، و يصغر ناظماً الأكبر بثلاث عشرة عاماً. أعوام تمكن فيها الكبر من والديه، و تبدت لهما فيها ثمار تربيتهما لناظم و نادر يانعة مرضية.
    و حين رزقا راشداً على غرة من نزوة لم يحسنا تقديرها لم يكونا على استعداد لتغيير أسلوبهما في التربية الذي أتى أكله مرتين. فأخذا راشد بذات الشدة و المثل – من جانب الأب – و الالتزام و التدين – من جانب الأم – ليصنعا منه نسخة ثالثة لأخويه ، يؤكدان بها نجاحهما في أداء رسالتهما في الحياة تأكيداً بالثلاث .

    لكن راشد كان شيئاً آخراً .
    بداخله كانت بذرة تمرد و ميل للاستقلال لم تجد عناية بل كُبتت كما هو خليق بالنوازع الشريرة و الآثام . لعله وباء سربه الى داخله الزمان الجديد الذي ولد و تربى فيه . لعلها نفحة من روح غامضة تشربها كما الأسطورة في لحظة أفلتت منه أن يؤرخ لها بما تستحق .
    لكن يقينه كان من شئ واحد . هو غير أخويه . لا يتلقى أوامر والده بذات الخشوع ، و لا يكاد يسلم له بسيطرته على حياته .
    بيد ان مأساته كمنت في عجزه عن ابداء التمرد في أي شأن ، عظم أو هان . بل أورثه تمرده حنقاً داخلياً يتلظى به بلا معين من شجاعة لينفثه . ما كان له بخلاف والدة قوة ، و لا يأوى بحنقه الى ركن شديد .

    ربما كانت تلك هي الأسباب التي جعلته يهفو الى ولوج عالم صاحبيه المصطفين عثمان و فياض .
    رأى راشد – منذ أيامه الأولى بالجامعة – في صاحبيه كل ما كان يهفو أن يكونه . راقبهما وجلاً و هما يرتكبان كل ما يشتهي و يخاف دون وازع أو كابت.
    كانا ينفجران ضحكاً في أي مكان و متى عن لهما. و نشأ هو في جو صموت متهيب كأنه قداس كاثوليكي يعد فيه الضحك الصاخب جرماً شنيعاً .
    رأى الصاحبين يوزعان غزلهما على الفتيات و يلقيان المعاكسات بروح مرحة تظللها خبائث لا يعنيان باخفائها . أما هو فكانت الأحلام تحمّله آثاماً و تورثه انكساراً .
    كان الأمدرمانيان يسبان الدين و يطلقان لسانيهما على كل أحد غمزاً و دعابة ، و ينطلقان في سماء رحبة لا قيود فيها و لا قواعد . فسعى اليهما يجر قيوده و تثقله القواعد .

    صدق رغبته و شدة احتياجه الى تنفيس ذاته في صاحبيه مكنته من اختراق حصن ثنائيتهما . لكنه صحبهما بوجه واحد فقط . ما عرفا عنه – رغم طول العشرة و عمقها – سوى الوجه الارستقراطي المهذب يجلله الوقار و الادب . عجز رغم مودته الصادقة لهما أن يدخلهما حجرات أسراره . فلم يحدثهما أبداً – و لا تعريضاً – عن سطوة الأب و مثال الأخوين ، و تقديس الأسرة ، و التدين الذي زرعته به والدته بتسلط لا يخالف سلوك والده الا في ارتدائه ثوب الحنان جلد أفعى .
    فتحمل جراء سره هذا اتهامهما له بالبرود و الترفع و تكليف ذاته فوق ما ينبغي . دون أن يعلما أنه يحمل ما لا يرغب و يُكلّف بما لا يسعه اداءه أو مخالفته على حد السواء .

    إلا أن هذا – سواء السر المكبوت أو الاتهام الظلوم – لم يفسد عليه وده معهما . بل هيأ له جهلهما بحقيقة أمره أن يخلق في معيتهما شخصاً جديداً ما كان له قبلهما وجود . فولد بين أحضان الصداقة الحديثة عبداً يحسن ادعاء الرضى بقيوده و يفاخر أن قضبان قفصه من غرسه هو عن رغبة صميمة.

    معهما أنشأ ذاتاً أخرى لا تعيش التمزق و الضاد . ذاتاً كلفت بلزوم ما لا يلزم طوعاً بلا فرض . حتى كاد ينسى – حقاً – في حضرتهما بيته و ديكتاتوره ، و البطش المسلط على كل خاطرة خارجة عن رغبة مجلس الأسرة المقدس .
    و أشفى نفسه قربه من شخصين مثلهما يرتكبان كل محرم عند والده و محظور في بيته – و ان لم يشارك فيه – على كثب منه ، كأنما هو من يفعل متحدياً في صاحبيه سطوة أبيه و سلطانه عليه .

    غير أن توازنه في صحبتهما لم يخل من هزات عنيفات – كهذه – كن يلجئنه إلى الوحدة حيناً فيهرب الى ملاذ ذكرياتهم المشتركة ، كأنما يفر من حضورهما الجسدي و يلتذ بحصار طيفيهما .
                  

03-15-2009, 04:58 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    رن هاتفه مراراً – بلا صوت – فأضاء أمامه على الطاولة . اتصل فياض قرشي أكثر من مرة دون أن يعبأ بالرد عليه .
    يعلم أن صاحبه يبحث عنه في أمسيات كهذه اذا نأى عثمان سليمان يطلب لفورانة فتاة عابرة يسكت بها ألام ادمانه العجيب للنساء . غير أنه لم يرغب في صحبة أحدهما . كان يلتذ بعقاب نفسه بالحرمان من صاحبيه جزاء حنقه على سطوة أبيه . فانزوى بين التجريم و التمرد على نفسه في ركنه .
    خاطب نفسه :
    - ماذا تريد أيها العاجز ؟!
    سطوة والده و تسلطه على تفاصيل حياته أورثاه دعة و اتكلاً ما عاد يجد في نفسه الجرأة لمخالفته . يخشى – صدقاً – ان تمرد أن يذعن له والده في معجزة ما فيجد نفسه فجأة مسؤولاً عن قراراته و اختياراته . و تلك طامة لا يدري كيف يواجهها ان وقعت رغم ما يبدو من استحالتها . لكنه في ذات الوقت يتطلع اليها . جزعاً يطلبها ، و خوفاً يرفضها .

    أتراه حقاً يقدر على اجتياز عقبات القرارات مهما صغرت ؟ ذلك شئ لم يجربه من قبل . هبة لم تختبر و لعله لا يملكها .
    العمل في شركة والده – كمثال حاضر – حقيقة تقررت منذ زمن . و لا يسعه أن ينكر أنها نعمة لا تجحد . حتى فياض قرشي قال له في شئ من حسد :
    - هنيئاً لك أبوة من أنت ابن له.
                  

03-15-2009, 05:01 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    شرد يتذكر زماناً تعملقت فيه رغبة التمرد فأقدم على جرم أعجب من الأساطير .
    كان زمان المراهقة الفتية . شياطين تتواثب بداخله بأسرع مما يستطيع والده و أخويه اصطيادها و تدجينها . استفزته السطوة و اللاحيلة فانتزع صورة والده التى تزين – أو تشين كما فكر لحظتها – جدار حجرته ، كأنما هي تذكار دائم بالوجود المطلق و القدرة الكلية . هوي بها على حافة سريره فتحطم الاطار متناثراً الى شظايا . و انتزع الصورة فصيرها مزقاً بنشوة جنونية . و حين فرغ من فعلته اكتشف أنه ما عاد يقدر على البكاء . من يومها غارت عيناه فعجزتا عن افراز الدمع رغماً عن كل عبرة مرت عليه بعدها .
    لجأ إلى تبرير جريمة الصورة جزعاً بالكذب المفضوح . استمسك بحجة العاجز . أنكر جهده و زعم أنه يجهل من فعلها . كأنما شبح اقتحم حجرته و مزق الصورة المقدسة و حطم الاطار الثمين . صدقت الأسرة الأكذوبة مدفوعة بعجزها عن تصديق الضد . لم تكن فكرة الاعتداء على صنم العائلة بهذه الوحشية مما يمكن تخيله . و لعله لو اقدم على الاعتراف بما اقترفت يداه لاتهموه بالكذب و الخبال . لذا مرت فعلته دون عقاب ، و ظل لغز الصورة المحطمة نادرة يتحدثون بها كلما عرض حديث عن الخوارق و الغيبيات و الأمور التي لا تفسير لها .
    رن هاتفه مرة أخرى فمد يده ليطفئه نهائياً .
    كان قد بلغ في هواجسه بحر اللاعودة المتلاطم . و رغما عنه لم يكن يرغب في البحث عن مخرج . أطفأ هاتفه قاطعاً صلته بالعالم ، ثم أغلق ذاته على تنازع مشاعره ملتذاً – و هو لا يدري – بالحريق المتمدد داخله .
    بركان لا يجد منفذاً و لا يريد .







    .
                  

03-15-2009, 07:00 AM

عبدالرحمن فضل الكريم

تاريخ التسجيل: 04-17-2008
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    الاستاذ زيادة....
    لك الود والتحايا...
    استمتع دائما بما تكتب فى هذا المقام او فى غيره ولا زلت مشدوها ومنستحا(كما يقول بدو الجزيرة العربية )
    فى بوست المتنبى (الرجل الذى لا ادرى لماذا لم يتنبأ؟؟؟)...
    اما بخصوص هذا العمل فقد صادف هوى فى نفسى اذ منه اشتم انفاس الانجليزى الاروع سومرست موم فى تغلغله بين
    بين ثنايا الروح وبحثه عن ازمات الشخوص الدفينة...يعجبنى هذا الضرب من الرواية الذى يمضى واثقا وينم عن وعى
    كاتبه....وان كان لى ان ابدى ملاحظة فهى عن الحوار_ دارجى ام فصيح ايهما تفضل_ .... سؤال مزمن وعصى اسمح لى ان ندير حوله نقاشا ان امكننا ذلك..
                  

03-16-2009, 00:55 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: عبدالرحمن فضل الكريم)

    مرحب استاذ عبد الرحمن ..
    غالبا ما اميل للحوار الفصيح في القصة.
    يكون فخيما مقعرا في بعض الأعمال و ينحو للتبسيط في اعمال اخرى.
    لم احبذ كتابة الحوار بالدراجية الا في اربعة اعمال فقط حتى الان ( أحدها منشور ).
    اظن أن القصحى أقدر على التعبير و أبلغ في تحميل المعاني و اشمل للقارئ من الدارجية التي تتنوع بتنوع المتحدثين.
    و هو باب اختلف فيه الناس طويلا من قبل.
    لكني أميل لمدرسة نجيب محفوظ و رأيه في هذه المسألة.
                  

03-16-2009, 00:57 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    [ 5 ]


    سرّح عثمان سليمان نظره في الطريق يتصيد نظرة من الاجساد المبعثرة . فتيات وحيدات خرجن لحاجة او أسر بكمالها ، نسوة بمعية أزواجهن ، لم يعبأ بتمييز .

    تبدت له فتاة تسير هوينى واعدة على حافة الطوار ، و انسابت أضواء سيارته على ردفيها المهتزين . غريزة الصياد بداخله استشعرت حالها . هدأ من سرعة السيارة حتى كادت تتوقف ليحاذي الفتاة .
    بهدوء أنزل زجاج النافذة المحاذية لها و مال قائلاً بمودة :
    - أتسمحين لي بالشرف ؟!
    توقفت الفتاة و أولت السيارة نظرة فاحصة أولاً ثم رمقت الطريق حولها بنظرة سريعة . رسمت على شفتهيا ابتسامة مرحبة . مدت يدها نحو الباب فضغط عثمان الكابح ليوقف السيارة تماماً . فتحت الباب و ألقت نفسها على المقعد متنهدة بلا داع سوى اشهار التفاهم التام . رفع عثمان الزجاج مرة أخرى فلفتهما عزلة تامة عن العالم . تنكسر الأضواء على زجاج السيارة المكسو باللون الأسود ، و تختنق أصوات ضجيج الطريق فلا تصل اليهما الا مكتومة .

    سألها :
    - الى أين ؟!
    - الى لا مكان . ضاقت نفسي فخرجت قليلاً لأروح عنها ، فاذا بك تعترض طريقي بقلة أدب .
    - أنعم بها من قلة أدب قادت الى التعرف بك .
    كانت على شئ من الحسن ، يخالط سمارها شحوب يشي بجهد فاشل في اضفاء لون أبيض على بشرتها . ريانة بها شئ من ابتذال .
    ضحكت و هي تنظر اليه للمرة الأولى . قال :
    - ماذا عندك ؟
    قال و قد التقط طرف الحديث لكنه آثر التروي :
    - كل خير .
    - هل لديك مكان آمن أم ترغب في التجوال بالسيارة ؟!
    تذكر منزلهم الذي يغص بأمه و أختيه فامتعض . مد يده بلا تردد أو مقدمات فرفع طرف ثيابها فتبدا فخذاها الأسمران ممتلئان واعدان .
    حركت ردفيها لتعينه و فرجت فخذيها بلا مبالاة فبان سروالها الداخلي بلون أحمر يمقته ، و قالت :
    - أتهجم عليّ بلا استئذان ؟ حقاً انك لوقح .
    - أردت أن أتخذ قراري عن بينة .
    ضحكت .
    - و ماذا وجدت ؟!
    - جسداً خليقاً بأن يمضي ليلته معي .
    - ليلة ؟! ( قالت مستنكرة في مزاح لا يخفى ، ثم واصلت ) ماذا تحسبني ؟ انا بنت أسرة محترمة . يُقطع عنقي ان تأخرت عن موعد عودتي الى المنزل .
    سره هذا المخرج من ابداء عجزه عن توفير الملاذ الأمن لهما فقال متظاهراً بالاصرار :
    - لا أقنع من جسد كهذا بسويعات عابرة . و اني لأشدد على طلبي أن تشرفي منزلي ليزدان بك .
    - أتسكن وحدك ؟!
    كذب دون مبالاة :
    - نعم . و تقتلني الوحدة .
    - يا لك من مسكين .
    قالتها في سخرية ، ثم أردفت في جد يخالطه دلال :
    - لكن لندع أمر قضاء ليلة معك لوقت أخر . فمن يدري ما تجود به الأيام .
    - ماذا تقترحين لصب مثلي أصابة جسدك المثير في مقتل ؟!
    مدت يدها اليسرى فوضعت كفها بين فخذيه قائلة :
    - لنرى ما أصبت منك .
    صادفته في قمة فورانه فلامست منه صلابة تشي بالكثير، فضحكت في غنج .
    - ما هذا ؟! ألديك ترخيص بحمل سلاح ثقيل كهذا الشئ ؟
    - إني أحسن مواراته حيث لا يجده إلا باحث راغب مثلك.

    اعتدلت في جلستها لتلحق يمناها بيسراها ممسكة بسحاب بنطاله ، و قالت مشيرة بذقنها الى شارع جانبي مظلم :
    - عليك بذاك الطريق .
    انحرف فجأة بلا تردد نحو الشارع المظلم على حين استخرجت ذكورته من مخابئ الثياب ، و قالت بهمس مسموع و هي تميل بفهما :
    - ويلي منك .
    غشيته النشوة فارتعش لوقع الشفتين المبللتين على جلده لكنه لم يغفل عن الطريق . و دهمته أذنيه التأوهات النشاز التي يبغض .









    .
                  

03-16-2009, 00:59 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    [ 6 ]


    كما تشرق شمس الخريف فجأة فتبعثر السحب الموعدة بالأمطار فتجعلها وهماً جاءت رحاب .
    في محضرها تتلاشى كل همومه و يغفل حتى عن ذاته.
    ما أن يراها حتى ينسى مشاكله و يحس نفسه خلقاً جديداً كأنما فرغ الله من تصويره للتو و قال له كن. فلا يذكر الا أنه في عوالم الملكوت قبل الخلق قد أخذ عليه الميثاق أن يتعشق تلك الفتاة .

    صافحها في شوق و أفلت يدها الناعمة البض مرغماً حذر أن يسئ الى قداسة وجودها . أعاد النظر الى حسنها فاترعت نفسه بكثير من بهجة . استشعر الفخار . هذا الحسن له وحده . يتزين لعينيه و يقول له في حياء " أحبك " .

    لم تتحلل رحاب من خفرها رغم علاقتهما التي قاربت العام . و لأجلها هجر ظاهر النزق ، و استمسك بوصاتها فواظب على صلاته ما وسعه و أظهر الصوم في أول رمضان اجتازاه سوياً . حبها الذي تسلل اليه رويداً غيّر بداخله أشياء كثيرة لكنه حرص على ارضاءها أكثر مما تحتمل قناعاته و نوازعه .
    و حين خدعها بأنه أقلع عن الشرب و عاف لأجلها الفتيات لم يؤنبه ضميره أبداً . كان حبه لها طاهراً نقياً معجزاً ، حتى آمن أن الحفاظ عليه غاية تبيح كل محظور . كما أنه لم يرتكب شيئاً تستهجنه بيئته او تربيته .
    فهو قد نشأ مؤمناً بحق الذكورة المطلق و انفلاتها من كل قيد . فلم يعدّ كذبه عليها شيئاً ذي بال . و أستغفر حبه بأن العشق ما وقر في القلب و صدّقه ظاهر العمل . أما ما خفي فذاك لمم يجبه اخلاص العاطفة .

    لم تكن رحاب المجتبى حبه الأول . عشق قبلها ثلاث مرات كذوبات . و مرة صميمة الصدق . حين أحس ببلوغة عتبات الذكورة العاطفية اجتبى فتاة من أهله أحبها لبضعة أشهر . حباً لم يهتم بموقفها منه . فما كادت الفتاة تنتبه اليه و تبدي قبولاً خجولاً حتى انصرف عنها .
    و تكرر الحب بذات الأسلوب مع زميلة في كورس صيفي ، ثم قريبة أخرى كان من نصيبها أن تحظى بالقبلة الأولى في حياته فيخلدها تاريخه كبوابة لعوالم النشوة الجسدية .
    ثم عرف الحب الصادق في السنة الأخيرة من المدرسة الثانوية – في ذات الوقت الذي اقتاده فيه عثمان سليمان الى بيوت الدعارة و دربه على اصطياد الفراشات الشبقات من شوارع ام ردمان و زحام المولد – فتعلق ابنة للجيران صديقة لشقيقته الصغرى .
    جرفه الحب حتى كاد يشغله عن دراسته لولا أن الفتاة بذلت له صرامتها فشجعته على الانتظام و التركيز على الامتحانات القادمة. و كلما استحسنت منه جهداً كافأته بقبلة طويلة ينقطع لها نفسه .
    و حين نجح في الامتحانات و اجتازها بتفوق كافأته بأن سمحت له أن يتفخذها و يعبث بردفيها ، ثم تزوجت بعد أسبوع .
    بكى حبه و أقسم لصاحبه عثمان – بين دموعه – أن لا يسمح لفتاة بأن تدلف قلبة ثانية . و ظن زماناً أنه لن ينسى تلك الحبيبة الخائنة و أحس عالمه ينهار من حوله. لكنه اليوم – إن صادفها في حيهم تزور آلها – يبحث متعجباً عن تلك المشاعر القديمة فلا يجد.

    أما رحاب المجتبى فكانت حديث خرافة حتى أجبره قلبه أن يقر به.
                  

03-16-2009, 01:02 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    أحكمت وضع خمارها على رأسها مخفية شعرها الحريري – أو هكذا يراه – عن نظراته الملتهبة بالعشق .
    تبادلا أحاديث أشواق خجولة من جانبها ، مترددة خشية الانفلات من جانبه . طلب لها مشروباً ثم عاد الى حضرتها ليغسل روحه في روضة الهوى .
    - كم أنا حانق على نفسي اذ تخرجت .
    ابتسمت و سألته :
    - علام الحنق ؟! أيزعجك النجاح ؟
    - حرمني ذاك من رؤيتك كل يوم على حين ينعم بها زملائك . ما ضرني لو رسبت فلحقتي بي لأسعد بصحبتك في الكلية عامك المتبقي فيها .
    - و بأي شئ كنت تبرر لأهلك رسوبك ؟؟
    - أقول لهم عاشق أضر به الهوى ، فلي فيه عذر .
    غطت وجهها بكفيها كاتمة ضحكة كادت تثب خارجة فسعد برؤية أصابعها البضة متممدة على صفحة وجهها . أطربه المشهد فدهمته فكرة مباغتة .
    - رحاب !! سنذهب الى السوق لشراء خاتمين .
    انزلت كفيها و نظرت اليه متعجبة ، فواصل :
    - سنرتدي خاتمي خطبة .
    أشرق وجهها بالسعادة لكنها قالت بحياءها الذي لا يفارقها :
    - لا أظنك جاداً . أهكذا تكون الخطبة ؟!
    - انما ذاك جهد المقل حتى يقضي الله أمره . اعتديها خطوة جديدة في درب حبنا .

    نظرت إليه طويلاً فشرق بالهناء، ثم سألته بتوتر جهدت أن تخفيه محاولة تغيير موضوع الحديث :
    - هل صليت الظهر اليوم ؟!
    دهمه السؤال كمن فوجئ بمحكمة تفتيش تقتحم ضميره ، فلجأ الى الكذب سريعاً :
    - بلا شك . ما فوت فرضاً مذ اتفقنا على ذلك .
    تبدت في عينيها نظرة فاحصة فشرع يستغفر هواه أولاً ثم ربه ثانياً عن كذبه .
    لم يكن صاحبيه مجحفين حين اتهماه مرة في هزل أنه يشرك رحاب بالله .
    و قال عثمان سليمان :
    - هذه حقيقة لا نزاع فيها . لكن السؤال الذي يحتاج الى اجابة هل أشركت الله برحاب أم أشركت بالله رحاب ؟ أيهما معبودك الحق الذي أشركت به غيره .
    - اشربي عصيرك . أريد أن نسرع لشراء الخاتمين .
    قال لها فاراً من أفكاره . و سره أنها لم تجادله فتناولت الكوب و عيناها تشعان بالسرور و الحب .
    قال لنفسه :
    - أنا أسعد أهل الأرض ، فعلام يحزنني كرب ؟!








    .
                  

03-16-2009, 01:03 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    [ 7 ]


    تعرف فياض قرشي رحاب المجتبى قبل عام من تخرجه.
    سنواته الجامعية مضت في ركاب عثمان سليمان مزاحماً اياه في علاقاته و إن تخلف عنه دوماً بخطوة و أكثر .
    كان عثمان صياداً يبحث عن طرائده صباح مساء .همه الغزوات و شغله الفتوحات ، و مقاصده القلوب و الأجساد .
    أما فياض فيقنع بما يجود عليه به القدر من أجساد دون القلوب. و لا يحاول هتك ستر حياء ظاهر أو التزام بادي.
    و على خلافه كان عثمان سليمان يقتنص على مضض - من الجامعة - كل فتاة ظاهرها الابتذال، و يعشق اصطياد ذوات العفاف الكاذب اللائي يكذب خُبرهن خَبرهن، أو العفاف الصادق اللائي يغرهن حزن البطل الباسل المهزوم. فلم يكن يقدم على علاقة مع فتاة مشهورة السلوك الا حفاظاً على سمعته – السيئة التي يفاخر بها – و عجزاً عن صد نفسه عن أي أنثى كانت .

    فلإن كان عثمان سليمان صياداً محترفاً فإن صاحبه فياض كان صياداً هاوياً . يقدر لقدمه موضعها و لا يفخر بتغرير و لا يسعد بخداع . لذا حرص على اصطياد المنحرفات من زميلات الجامعة اللائي يقدمن أجسادهن مقابل مال أو أجل نزوة يسميها عثمان سليمان ساخراً الخدمة الاجتماعية.

    على هذا مرت سنوات فياض قرشي في الجامعة . التقط كل ساقطة قذفها القدر في طريقه و حافظ على علاقة طيبة قوامها الصداقة مع كل متشحة بأدب لا يخالج ظاهر سلوكها شبهة، و إن غزاها عثمان كاشفاً له ما جهل.
    كان طبعه قد جُبل على اعتماد الظاهر و تكل السرائر لأصحابها.
                  

03-16-2009, 01:05 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    الصدفة كانت ما قاده الى رحاب المجتبى . أو قادتها اليه .
    يوم خريفي مكفهر لا يبشر بخير ، ألقى على الجامعة – على غرة – أمطاراً حبست كل شخص حيث صادف وجوده حين اندلقت مزاريب السماء .
    حُبس فياض وحيداً – دون صاحبيه – في أسفل درج سلم في مساحة ضيقة مع عدد من الطلبة و الطالبات. و حين لعلع الرعد صرخت احداهن فزعاً فضحك أكثر من شاب .
    نظر إلى الصارخة فرأى عينين حلوتين يحوطهما كحل خفيف كمس الطيف .
    طالبة تحكم خمارها على ذقنها و جزء من وجنتيها و يتحدى صدرها الكاعب كل قيد و ثوب . جميلة كانت لكن عيناها كانتا تشعان روحاً أجمل من جغرافيا جسدها المكتسي بثياب أنيقة.
    حول اهتمامه عنها سريعاً اذ أشفق عليها حين رأى أكثر من عين تلتهمها في اهتمامات متفاوتة فخفف عنها وقع عينيه .

    بعد أيام – و السماء محتشدة بالغيوم أيضاً – صادفها مع زميلة له . قدمتها له سريعاً و عرف أنها طالبة في الدفعة التي تليه بذات الكلية . و أن زميلته صديقة لابنة خالتها . علاقة صداقة معقدة من تلك التي يجدنها الفتيات دوماً . تبادل معها تحية مهذبة مجاملة ، و لم يبد عليها أنها ذكرت فيه صراخها تحت الدرج . ثرثر مع زميلته في أشياء تافهات فرَط في تسجيلهن إذ لم يحظ بفضيلة الإطلاع على الغيب .
    وكان الغيب يدخر له أن يلتقي رحاب المجتبى – مصادفة أيضاً – مرات عدة في أنحاء الجامعة . و كانت من المرات مرة يصحبه رفيقاه ففات عثمان سليمان بمعجزة ما أن يطلق لسانه في صدر رحاب بل بدا كما لو أنه لم يرها أصلاً.
    تدرجا من تبادل التحية المجاملة الى تبادل المزاح حيناً . ثم زف اليه راشد سعد خبر أنه لقيها في كافتريا الجامعة فتطوع بدفع ثمن مشروبها اكراماً لصداقتها به .
    فوجئ فياض أن علاقته مع رحاب وصلت الى ما يمكن أن يسمى صداقة . لكنه لم يعبأ كثيراً بالمسميات فقد تنبأ – خطأ – أنها معرفة ستزول سريعاً مع الأيام القادمات .

    كان مخطئاً . اذ أصبح من المعتاد أن يضبطه صاحباه متلبساً بانتظارهما في معية رحاب المجتبى و عيناه تضيئان المكان من السعادة . و كانت تستأذن بهدوء عند قدوم صاحبيه بأعذار شتى متنوعات مقنعات، ثم تذهب مخلفة وخزاً غريباً في صدر فياض.
                  

03-16-2009, 01:07 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    راقب عثمان سليمان بوجل – و ذكرى دموع المدرسة الثانوية لم تفارقه بعد – خطوات صاحبه و هي تنغرس في رمال الحب المتحركة و هو غافل . لكنه لم ينبس بتحذير رغم توجسه . و راقب العلاقة و هي تتوطد و تزداد حميمية . فكثيراً ما كان هاتف فياض يقطع اجتماعهم فيشرق وجهه رغماً عنه و يعلن لصاحبيه أنها رحاب . يجيب على الهاتف أمامهم ثم تتطاول المحادثه فيفارقهم – غافلاً منساقاً بلا قصد – منزوياً الى ركن ليتحدث بانشراح و مرح . فإن عاد اليهما لمح عثمان سليمان في أعطافه سرور طفل بصباحات العيد .
    لفت عثمان سليمان نظر راشد الى ما ظنه غافلاً عنه . لكن راشد سعد بدا سعيداً بسرور صاحبهما برفقة رحاب المجتبى . و اتهم عثمان أنه لا يفهم علاقة مع أمرأة ما لم تكن تحته في سرير أو في طريقها اليه .
    صوب له عثمان في ضيق متجاوزاً الموضوع الرئيسي :
    - أحيانا أترك للمرأة أن تكون هي من بالأعلى . لكني أتفق معك بشأن السرير.

    ثم أخذت العلامات التي لا تخفى على أحد تظهر .
    هاتف فياض المشغول لساعات طوال ليلاً حتى عجز صاحباه أن يتصلا به بعد العاشرة ليلاً . ثم أقدم على الغاء خدمة انتظار المكالمات معلناً – و العجب دون أن يدري – أنه يخص رحاب المجتبى بوقت مستقطع لا يسمح لكائن من كان أن يقتحمه . و صار أسمها يغرس في كل الأحاديث بغته بداعي – وهو نادر – و بلا داعي – و هو الأغلب – مشمولا بالمدح و الثناء .
    الغريب أن فياض قرشي كان آخر من تنبه لحبه بعد فوات الآوان ، و بعد أن استفحل الأمر فأصبح حالة لا عارضاً . بدون مقدمات – كما خيل اليه – اكتشف أنه يحب هذه الفتاة . أدلى بهذا التصريح لصاحبيه فتلقياه بالدعابات و المزاح .
    قال عثمان سليمان :
    - مرحباً بعودتك من الفضاء . سيدهشك التطور الذي أصاب هذا الكوكب في غيابك . هل سمعت باكتشاف قارة جديدة اسمها امريكا ؟ لقد فاتك الكثير .
    و مازحه راشد سعد قائلاً :
    - سيثير اختلاف العملات ذهولك بعد طول هذا النوم في الكهف فلا تجعل ذلك يرعبك . ستعتاد سريعاً .
    عرف منهما أن اكتشافه - الخطير- قد تأخر عدة قرون و أن الجامعة كلها تتحدث عن هذا . فتركهما سريعاً ليعترف لصاحبة الشأن .

    بذل صاحباه جهدهما فيما بعد أن يخبرهما ما دار بينه و رحاب المجتبى لكنهما فشلا في الحصول على أي معلومة مفيدة منه. لا لحرصه على اخفاء الأمر عنهما بل لأنه – صدقاً – لا يذكر حرفاً مما قال أو قالت . ما علمه يقيناً و علمه صاحباه و علمه الطلاب و اللبخ الجامعي و صبية الورنيش أن رحاب المجتبى صارت حبيبة رسمية لفياض قرشي .

    شهدت أركان الجامعة لقاءاتهما بعيداً عن أعين الرقباء و الحاسدين . لكن الحب نمام يشي بنفسه . و كان يبثها حبه سيولاً فتجود عليه بالتجاوب رزازاً حيياً . ثم انتقلا الى اللقاءات الخارجية ، فالمشاوير المشتركة . تبعته في جولاته الخاصة لقضاء حوائجه، و تبعها في جولاتها للتسوق و ما أكثرها.

    خشي صاحباه أن ينقص ذلك من حقهما عليه، و وجلا أن يجرفه الحب بعيداً عنهما. و كشف عثمان سليمان عن غيرته التي تستر عليها زماناً لما وجد في قلق راشد ما يشد عضده ، فقال :
    - هكذا النساء . يذهلن الخليل عن خليله . الحب قيامة صغرى و لو تغنى فيه المغنون بغير ذلك و أشعر الشعراء . من أحب فقد قامت قيامته .
    لكن فياض بدد خشيتهما بحفاظه على صحبتهما حفاظه على حبه . و قضى لكل علاقة بحقها من الزمن و الود و الجهد دون أن يجحف في حق الأخرى . و إن كلفه ذلك كل فائض من وقت أو طاقة . فبدا كزوج اثنتين يحسن العدل بينهما، فماتت مخاوف الصاحبين اذ لم تجد ما يبررها .

    و انطلق مع رحاب في سماوات الحب التي كان أقسم أن لا يحلق فيها يوماً.
    حدثها عن بيتهم . عن والده الموظف الذي كان مرموقاً في يوم ما فهبط به الزمان الى رتبة الفقراء فجرهم خلفه . حدثها عن والدته التقية الصبور . المرأة الباسلة المدبرة كنملة شغالة . تختزن شتاءاً و صيفاً . و تفيض خيراتها عسراً و يسراً . حدثها عن شقيقاته الكبرى آمال المقيمة في السويد و غضبها ، و الصغريات لبنى و وفاء . حدثها عن حب ابنة الجيران صديقة لبنى ، و ضحك و هو يرى أسفها حين قص عليها خبر الفراق الذي آلمه في حينها . رثت له بصدق فازداد لها حباً .
    حدثها بألم عن شقيقه أمين قرشي كبير البيت بكل معنى الكلمة . الذي غرته الرتبة و الدنيا فأقدم على الإشتراك في انقلاب عسكري فاشل أعدم على اثره دون محاكمة كما تصر الأسرة و بعد محاكمة عادلة كما تصر الدولة .
                  

03-16-2009, 01:10 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    خاضت رحاب المجتبى في تفاصيل حياته و دقائقها . لم يترك حجرة أسرار لم يفتحها لها و يدعوها لدخولها . ما ترك حجراً في حياته لم يقلبه ليريها ما تحته .
    عاشت معه ماضيه فشاركته ذكرياته و شهدت ما فاتها فكأنها تلمسه و تسمعه و تشمه . كان يحدثها باندفاع كأنما انتظرها العمر كله ليبوح لها . كأنه ما عاش حياته الا ليدخرها للحظة السرد التي تحتضنهما . حزنت لأحزانه التي مرت عليها سنوات . فرحت لافراحه التي مضت منذ زمن . شجعته على عثرات تجاوزها قبل أن يلتقيا.

    و حدثته هي عن والدها الطبيب و شقيقاتها الأربعة – اللائي يصغرنها – و شقيقها المدلل هنودي حبوب البيت كله . أهدته تفاصيلها و باحت له بأحلامها.

    و سوياً تشاركا بناء غد يضمهما معاً . اتفقا على تفاصيل الزواج . اختلفا على عدد الأبناء . حلما بدخل مادي طيب يجنيانه سوياً من عملهما ، و ادخرا فكرة الاغتراب كمخزون احتياطي ان احبطتهما البلد .

    أمرته بالصلاة و الصيام و قويم الأخلاق . و أولاها طاعة مستلذة ، و ان لم يعن بالحرص على التنفيذ . فنافقها غير خادش لحبه لها ، مؤمناً أن حبها أفضل ما حدث له في حياته . و كان كلما أوغل في درب الغزل و ذكر الهوى تشكمه رحاب بلطف بذكر الزواج و الحياة المشتركة.

    ما أغضبها سوى مرتين . كانت الأولى حين تخبطا في زحام السوق العربي في وسط الخرطوم فابتلعهما طوفان المارة و الباعة و المتحرشين ، أمسك يدها ليجتازا فوضى البشر . و حين حاول الاحتفاظ بكفها الدافئ في يده بعد عبور المحيط البشري انتهرته . حاول أن يبرر فعله كأمر عادي لا غبار عليه ، لكنها كانت غاضبة بحق . قالت له :
    - لا أحب مثل هذه الأفعال .
    - لم أقصد ما يشين حبيبتي . رغبت فقط أن احتفظ بكفك لديّ فترة أطول. اني احب قربك .
    - هذا في حد ذاته مشين بما يكفي . أتراني أحسنت بك ظناً في غير موضعه ؟
    جزع لقولها فهرع يقسم لها أنه ما قصد عيباً أو سوءاً . لكنها عادت تقول مؤكدة :
    - لا أحب مثل هذه الأفعال .

    أما المرة الثانية فكانت طامة لا يدري كيف أقدم عليها و لا كيف تجاوز زلزالها.
    كانا يجلسان في ركن قصي في الجامعة مع اقتراب المساء . ينزف عشقاً و لسانه لا يفتر عن ترديد هواه ، حين استفزه الشوق بوجعه فصارح رحاب بما في نفسه :
    - أشتهي أن أقبلك .
    لم تجب فظن منها القبول ، فمال نحوها و ألصق شفتيه بشفتيها منتظراً تجاوباً . لكنه ألفاها باردة ميتة . و حين أبعد وجهه لينظر اليها متعجباً دهمته نظرة الغضب في عينيها . مد كفه ليمسك بخدها مهدئاً لكنها صاحت في شراسة :
    - لا تلمسني .
    انتفضت قائمة و نظرت نحوه في توحش :
    - أنت ككل الرجال . لا فرق بينكم .
    و قبل أن تذهب حذرته قائلة :
    - هذا الفراق بيننا . حذار أن تحاول الاتصال بي أو محادثتي بعد اللحظة .
    هجرته لأيام تبدا فيها كالمجنون .
    صار هائماً محتاراً فاقداً اتزانه .
    بث مصابه الى صاحبيه فلامه راشد سعد ، على حين تحفظ عثمان سليمان على موقفها الذي وصفه بالمتعنت دون ان يصرح بلومها أو لومه .
    حاول محادثتها مراراً في الجامعة لكنها صدته على مرأى من الطلاب حتى نصحه راشد سعد أن يراعي سمعته. و تراكمت مكالماته في هاتفها ضمن قائمة المكالمات التي لم يرد عليها حتى جاوزت الألفين . و كاد يدركه اليأس و هو يتصل بها كما اعتاد و هاتفها يرن دون مجيب حين فوجئ بصوتها يأتيه بارداً خشناً .
    كانت أيام الهجر قد استكملت العشر.
    دهمته المفاجأة فتحدث بلا تفكير او ترتيب .
    لم يدر ما قال و لم يهتم بسماع اجاباتها .
    كان يفجر حمم اشتياقه و أسفه و حبه كيفما اتفق.
    بركان يشق طرقه بلا ضابط أو رقيب.
    استمرت المكالمة لأكثر من ساعتين صمتت هي فيهما بعد الدقائق الخمس الأولى اذ ايقنت أنه لا يسمعها . شرّق بحبه و غرّب بشوقه . حمله الندم الى عوالم بعيدة فتقطر حديثة ندى كدموع الزهر تعتذر للفراش .
    و حين أفرغ كل ما بداخله لم يكن قد تبقت في قواميسه سوى كلمة واحدة . نطقها بصوت متهدج و جسده يرتعش :
    - أحبك .
    ثم أغلق الخط قبل أن تغرق دموعه شبكة الاتصالات.

    في الصباح التقيا في الجامعة . كان مهدماً فارغاً اذ بذل كل ما لديه في محادثة البارحة . لكنها ابتدرته قائلة :
    - لن تعود الى فعل ذلك مرة أخرى ؟!
    أقسم لها بحبه و جمال عينيها ، لكنها قالت :
    - اقسم لي بالله .
    أرضاها بقسم حار لم يضمر له حنث . غفرت له و جرى حبهما في قديم مجاريه كأنما ما توقف لحظة . و حين لحق بصاحبيه لمحا في أعطافه سرور طفل بصباحات العيد ، فعرفا أنه نال مغفرة معبودته .













    .
                  

03-16-2009, 07:19 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    [ 8 ]


    حاملاً بداخله الربيع و أفراح الفراشات السعيدة بزفاف الزهور و صباحات العيد عاد الى منزله .
    حين أغلق فياض قرشي الباب خلفه لمع الخاتم الفضي في يده اليمنى عاكساً أضواء الحوش . ترنم في سعادة بأغنية يحبها و هو يستحضر ذكريات يومه مع رحاب . كنائم يقبض جفنيه على حلم جميل يخشى عليه أن يبدده الصحو.

    انه ليس هنا. لم يفارقها في الخرطوم و يمتطي ثلاث مواصلات ليصل منزلهم بأبو روف . لازال معها . يتخبطان تحت شمس السوق العربي يخوضان الزحام سوياً – دون أن يمسك بيدها – ليلجا الى دكان ذهب لينتقيا منه خاتميهما .

    ما أرّق حلم يومه السعيد سوى شيئين.
    حدثان تافهان لا يعيرهما التفاتاً لكنهما يأبيان أن يتواريا خلف رياض السعادة الندية بداخله .
    محادثتان هاتفيتان.
    الأولى جاءتها و هما يلجان دكان الذهب فرمقت هاتفها ملياً كالمترددة، ثم أجابت على مضض لم يخفى عليه. لم يسمع من حديثها – الذي كان همساً و سريعاً مقتضباً – الا عبارتها الأخيرة :
    - سأتصل بك لاحقاً .
    ثم أغلقت الهاتف و أقبلت عليه بعينيها الحلوتين و ملئهما البرأة و السعادة . سألها – عرضاً – عن المتصل فقالت بلا مبالاة :
    - صديقة .
    ثم خاضا في ما جاءا لأجله .

    كانت سعيدة توشك على التقافز في الدكان فرحاً و هي تختار خاتمها. و أكبر فيها حرصها على اختيار خاتم متوسط الثمن لا يرهق ميزانيته المترنحة التي تعلم حالها . لكنها لم تعف حلي الذهب من نظرة تشوق استردتها سريعاً لتعيش معه سعادة اللحظة .
    الاتصال الثاني – الذي أرقه – كان حين أوشك على فراقها فاتصلت بها والدتها . أقلق تأخرها أمها فاتصلت بها طلباً للطمائنينة . أجابتها رحاب بثقة كأنها لا تكذب :
    - تأخرت في الجامعة لمحاضرة طارئة . انا مع صديقتي شيراز الآن و سأعود خلال ساعة على الأكثر .

    ثقتها و عدم ترددها فاجئه .
    كما أزعجه تقديرها للزمن المتبقي لعودتها بنحو الساعة . فمنزلها لا يبعد أكثر من نصف ساعة حتى لو امتلأت كل الطرق بالسيارات و خنقها الزحام .
    لكنه دفع بقلقه – غير المبرر – الى قاع اهتمامه ليغرقه مستمسكاً بهناء يومه و صفاء عينيها الحلوتين التين بثتاه من الحب أضعاف ما نطق لسانها .
                  

03-16-2009, 07:22 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    ماذا تعني الهواجس الحمقاء حين يمتلك المرء كل هذه الحقائق من السعادة ؟!
    تفلسف يوماً راشد سعد عن شئ كهذا فأسماه لذة التعذيب ، و صاغه عثمان سليمان في قالب شخصيته الهوائية المطبوعة على سوء الظن فأطلق عليه غريزة الحقيقة . لكن ، ألا تباً للرأيين و صاحبيهما . رحاب معبود مقدس ، و سعادته بحبها جنة لن يخرجه منها شيطان هواجس .
    ان كذبت على أمها فلأجله و لأجل حبهما فعلت . و ان خفضت صوتها محادثة صديقتها فإن للفتيات أسرار لا يطلع عليها حتى الزوج .

    حمل أفكاره – و السعيدة منها تقتل غيرها – و دلف الى ردهة المنزل .
    وجد شقيقتيه تجلسان سوياً في ترقب و تحفز . ما أن رأته الصغرى وفاء حتى صاحت :
    - جئت في وقتك المطلوب . الحق باجتماع والدينا فما أحوجنا لجاسوس مثلك يسرع الينا بالأنباء السعيدة .
    لم يفقه مغزى كلامها ، فغشيته حيرة استمدها من حاله أولاً . هل أترع بالسعادة حتى تعدته الى كل الدنيا حتى منزلهم الذي لم يعرف سوى الأحزان منذ ثلاثة أعوام ؟!
    - ما الأمر ؟!
    - لبنى استقدمت عريساً .
    ابتسم لغرابة تعبير وفاء ، و نظر الى لبنى قائلاً :
    - استقدمت ؟! أتقصدين أن مجنوناً طرق بابنا ليطلب الزواج منها ؟ً
    - هو ذاك يا أخي الحبيب هو ذاك.
    - و متى كانت الفتاة تستقدم عريساً ؟
    حدجته لبنى بنظرة غاضبة على حين ضحكت وفاء و قالت :
    - يا لك من متخلف . خبرني أين أوقفت الديناصور الذي جئت تمتطيه ؟! حذار أن يمس سيارة جارنا خليل ، فأنت تعلم حبه للشجار .
    - هلا كففتي عني لسانك الطويل و حدثتني ما الأمر !!
    - الأمر يا أخي العزيز أن لبنى حدثت والدتنا ، و والدتنا حدثت والدنا أن عريساً يطلبها . و غضب والدك من هذا الزمان المعكوس الذي تحضر فيه الفتاة عريسها . و ها هما – ابيك و أمك – مجتمعان في قمة مغلقة ليقررا ، هل يقبلان بهذا العريس الذي أتى البيوت من نوافذها أم يرفضان !!

    التفت فياض إلى شقيقته لبنى التي غاصت في مجلسها تأكل أظافرها قلقاً . هل حقاً بلغت مبلغ الزواج و صار من أمرها أن تستقدم عريساً كما قالت وفاء ؟
    تذكر أن صاحبات عدة لها – و منهن حبيبة الزمن القديم – سبقنها الى الزواج منذ زمن . فسأل الفتاة التي يكاد يرى النيران تأكلها :
    - أظن أنك تعرفين العريس جيداً .
    هزت رأسها بالإيجاب . حياءً أم أعجزها التوتر عن النطق ؟ لا يدري .
    - و سأفترض أنك توافقين عليه ؟
    ابتلعت ريقها بصورة ملحوظة و هزت رأسها بالإيجاب مرة أخرى ، و ضحكت وفاء و قالت ساخرة :
    - بل ترفضه و أخبرت والدتنا على سبيل الشكوة .
    تردد قبل أن يسألها السؤال الأهم في رأيه متجاهلاً سخرية وفاء :
    - و هل تحبينه ؟
    انفجرت وفاء في ضحك هستيري حتى سالت دموعها و غضت لبنى بصرها دون أن تجيب .
    قالت وفاء بين ضحكاتها و دموعها التي تغالبها :
    - يا لك من أخ !! نعم هي تحبه . ألم تلحظ أن الأخ كاظم الساهر صار يغني في مسجل بيتنا أكثر من اللازم مؤخراً ؟ هل أقول لك منذ متى تحبه ؟
    رفعت لبنى عينيها الى أختها محذرة و نطقت للمرة الأولى صائحة بحدة :
    - وفاء !!
    تنهد و قال مستسلماً :
    - حسناً . أظن أن أي سؤال سألقيه عليك لن يجد اجابة الا بلغة البكم هذه ، أو يتولى الإجابة عنك الناطق الرسمي الذي لا أرى أنه يحظى برضاك لطول لسانه . فمن الأجدى أن ألحق بوالدينا لأرى ما يحدث بالداخل و أنعم – على الأقل – بصحبة عاقلين .
    تركهما متجهاً الى حجرة والديه . و قبل أن يطرق الباب صاحت لبنى فجأة من خلفه برجاء :
    - فياض !! أرجوك حاول اقناعهما .

    ابتسم رغماً عنه و ضحكات وفاء تخالط طرقاته على باب الحجرة .








    .
                  

04-13-2009, 09:16 PM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    [ 11 ]


    أي فائدة لأي شئ ؟
    ما جدوى كل هذا ؟
    الضياع هو الهدف الوحيد المقدس.
    تمر الأيام تتبعها أخر بلا معنى.
    و هو يكرر كل يوم ذات العبث الذي سبق و كرره في يوم مضى.
    أتراه ما خُلق إلا لهذا الألم ؟
    وحشة السير بلا هُدى و التبعية الموجعة.

    استكمل راشد سعد شهراً في عمله.
    وظيفة مأمونة مرموقة ذات مركز و مكانة. هي السعادة إن قيست بحال فياض قرشي. لكنه لا يجد تلك الطمأنينة الخادعة التي تخبره أنه سعيد.
    حرك كرسيه الوثير يمنة و يسرة و أنامله تداعب لوحة مفاتيح جهاز حاسوبه.
    كان يجلس على مقعد جلدي أسود اللون و أمامه مكتب عريض استقر عليه جهاز حاسوب إلى يساره و ثلاث ملفات ورقية متراصة فوق بعضها و يستلقى فوقها قلم يتيم حائر كحاله. و إلى يمينه جهازي هاتف لم يستعمل – منذ يومه الأول – إلا احدهما فظل الآخر أصماً اخرساً يزين المكتب.
    - ما أعجزك أيها البغيض.
    همس لنفسه في شئ من غل و رثاء.
    لا يدري هل يأسى على نفسه أم يحنق عليها لاستسلامها.

    كان يتقلب – طوال الشهر الذي مضى – بين قيود والده الفولاذية و شباك والدته الحريرية.
    و لم يكف شقيقاه عن بث سمومهما و إظهارهما استخفافهما به رغم ما تخيل انه سيكون بعد استسلامه المخزي. ظن أنهما سيرحبان بركوعه لكنها لم يبديا أي إشارة لتقدير هذا الخضوع.
    في نهاية المهلة التي منحها له والده متفضلاً جلس راشد في مجلس العائلة كعهده قلقاً منقبضاً خافضاً بصره إلى الأرض، و بصوت واجف لا يسمع أعلن استسلامه غير المشروط و انه سيذهب إلى العمل من غده.
    لمح شبح ابتسامة على شفتي والده لكنه تخيلها ابتسامة تقزز و ازدراء أكثر منها ابتسامة رضا.
    أما أمه فقد هتفت في سعادة :
    - الحمد لله أن كمَلك الله بعقلك . وفقك الله.
    لم يهتم راشد بكل ذلك. القي مخاوفه و هواجسه و تمرده خلف ظهره و استشرف قدره بقلب ميت.
    كانت أيام المهلة قد أنبأته أنه اعجز من أن يقاوم.
    الثورة بداخله استكملت أسبابها و تهيأت أن تنفجر لكنه افتقد الحافز لها. كأنها قنبلة أحسن إعدادها لكن زنادها القادح ظل مفقوداً لا يعلم له مكان. فاحتفظ بها في صدره محسناً إخفائها معللاً نفسه أن يوم تفجيرها آت لا محالة.
    ستأتي لحظة يقبض فيها على الحافز و يفجر ثورته في وجه كل جبار يسترقه.
    لكن حتى ذلك الوقت سيظل كما هو.
    خانعاً قانعاً يقاد إلى حيث يراد له.

    لكنه ما صدق نفسه و إن تظاهر بذلك.
    هو جيفة لا تحسن إلا الخضوع. فليقم بما يحسنه.

    دلف ناظم إلى مكتبه بلا استئذان كما اعتاد. ألقى عليه تحية عجلة بلا معنى ثم جلس قبالته.
    سأله :
    - هل ستنصرف مبكراً اليوم أيضاً ؟
    - لابد لي من ذلك. اليوم زفاف لبنى.
    نقر ناظم بأنامله على سطح المكتب متمهلاً و قال :
    - احمل اعتذارنا لفياض.
    - قد أبلغته أمس أنكم لن تتمكنوا من الحضور.
    - أراك قد قمت مقامنا جميعاً لديه فما تركت لحضورنا حاجة. منذ أكثر من أسبوع لا تكاد ترجع إلى البيت إلا لتنام متعللاً بخدمة صاحبك.
    لمح العواصف قادمة. أهي نذر الأعاصير خلف هذه العبارة ؟
    قال بتثاقل :
    - تعلم أن فياض بمثابة أخ لي.
    ابتسم ناظم كأنه وقع على هدفه :
    - اعلم أنت أن والدك لا يبدي قبولا لهذه الصداقة التي استمرت أكثر مما يجب. و لولا إكرامه لتوسلات والدتنا لأمرك بقطع أسبابها فوراً.
    ثم غرس عينيه في عيني أخيه و قال مواصلاً :
    - ربما حان الوقت لإعادة النظر في صداقاتك و تقديم دليل لوالدك على انك أقلعت عن سلوكك المتمرد.
    الجبروت لم يرض بالقرابين التي قدمها له و يبغي أن يحصل على المزيد.
    قال :
    - أصدقائي هم أصدقائي أنا.
    - أصدقائك هم سمعتك و محيطك. علام تسبح في محيط لا يجدي ؟
    - ليست الصداقة علاقات منفعة.
    ضحك ناظم ساخراً :
    - يا لك من غر . كل ما في الدنيا علاقات منفعة حتى الصداقات و الزواج.

    صمت راشد في ضيق.
    لا جدوى من نقاش أخيه في أفكاره. ليته يتركه و شانه.
    اذهب.
    دعني وحدي.
    مالهم لا يتركونه و شأنه.
    نهض ناظم كأنه سمع أفكاره ، اتجه نحو الباب ثم توقف. التفت إليه في بطء. قال :
    - هل فكرت في الزواج ؟
    لم ينتظر إجابة. ابتسم و عبر الباب خارجاً.
    دق قلب راشد في فزع. الزواج ؟
    أهذا ما يعدونه له ؟
    هل ينوون تزويجه ؟
    لكن ..
    أحس الفزع و الخوف.
    اجتاحه رعب لا محدود.
    بقي في مكانه ذاهلاً لزمن.
    و حين استرد روحه أقدم على الفرار.
    تناول هاتفه و سلسلة مفاتيحه و عدا خارجاً.
    لا يدري إلى أين لكن البقاء هنا يقتله.
    ربما يذهب إلى فياض.
                  

04-13-2009, 11:28 PM

حامد محمد حامد
<aحامد محمد حامد
تاريخ التسجيل: 11-18-2008
مجموع المشاركات: 3085

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    حمور يا صاحب لك الود والاحترام

    بالرغم من عدم رؤيتى لهذا البوست من قبل ربما بداعى السفر فى تلك الفترة الا وانى قرات اليوم كل ما جاء فيه من روائع ما تكتب

    وبالرغم من اشارتك انها رواية لم تكتمل وتعرضها بدون ترتيب وربما تخرج فى النهاية كما هى الا وانى قد وجدت الاتى :

    حظى انى قرات ما كتبته مرة واحدة فادركت الشخوص والاماكن والازمنة ولكن تكاثرت على الشخوص فى البداية واربكتنى وانا القارى العادى لبعض الوقت حتى فرزت الكيمان بوضوح.

    تنقلك كان سريعا فى البداية من ناحية تعريفك لشخصية ما واحيانا تستفيض مع اخرى واخال انها هى المحور ولكن لا اجدها هكذا

    تدور الاحداث من منطلق سردك فى صلب الواقع وانا كقارى كمن عايشت تلك الشخصيات ولك القدرة فى ذلك ابتدرته بمهنية واكسبتك خبرتك فى الكتابة تلك المرونة الفائقةفى جذب قراؤك, هذا وعطفا فى ما كان لك منها اضفاء روح الدعابة فى مواقف عدة مما اكسبت الرواية رونقا ونكهة ( فانتشيت)

    حمور يا زيادة انت فعلا اضافة للكتاب المحترمين .... روح الهى ينور طريقك
                  

04-14-2009, 02:11 PM

حامد محمد حامد
<aحامد محمد حامد
تاريخ التسجيل: 11-18-2008
مجموع المشاركات: 3085

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حامد محمد حامد)

    ياخى ما تعبرنى

    الا ما برضى التجاهل( وش ضاحك) تقول انا اللى سرقت مقالاتك
                  

04-15-2009, 06:38 PM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حامد محمد حامد)

    حامد معليش ..
    و الله بس زحمة و حالة صعبة ..
    شكرا لتعليقاتك و ملاحظاتك
    الشخصيات فعلا كتيرة و هي بتستمر معاك لغاية نهاية الرواية.
    لا توجد شخصية غير مهمة لكن اعتمدت في بناء الشخصية على البناء الروائي واحدة واحدة
    يعني لو وقفت من الرواية قبل نهايتا حتلقى روحك ما فهمت كتير من الشخصيات.
    حيلة كده بعيد عنك عشان اجذب القارئ انو يواصل معاي و ما يزهج.


    التنقل السريع ده فعلا خلل ما قدرت اتجاوزو.
    النقلة السريعة مشكلة و لازم القى ليها حل. عشان القارئ ما يطش و لا يخلط بين الشخصيات.
    شكرا للتنبيه.


    تقبل تحياتي
                  

04-15-2009, 07:02 PM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال الهوى .. (فصول متفرقة من رواية) (Re: حمور زيادة)

    Quote: و أنا مولع باتباع الهواجس الشخصية ..

    حقيقة..
    لامن يوم حجرك يغتس(:

    أنا لسة ما قريت الرواية
    لكن حتكون شنو يعني؟؟
    أكيد جيدة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de