اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 01:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة حمور زيادة(حمور زيادة)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-04-2009, 09:28 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق

    د. أحمد خالد توفيق كاتب مصري مبدع ..
    اشتهر بكتابة عدة سلاسل من القصص للشباب تصدر عن المؤسسة العربية للنشر في القاهرة ..
    و هي سلسلة " ما وراء الطبيعة " ببطلها المحبوب العجوز رفعت اسماعيل.
    و سلسلة " سفاري " ببطلها الشاب علاء عبد العظيم.
    و سلسلة " فنتازيا " ببطلتها الحالمة عبير عبد الرحمن.
    و بدأ مؤخرا في نشر سلسلة "WWW " و بطلها فايروس كمبيوتر .. تخيل !!
    و له عدة اعمال روائية منشورة ..
    و قد لا يعرف كثير من محبيه أن دكتور أحمد يكتب مقالات اسبوعية بصحيفة الدستور المصرية.
    و هي المقالات التي أحرص على متابعتها اسبوعيا مع ما ينشره الرائع بلال فضل في الدستور و المصري اليوم.

    أنا من محبي دكتور أحمد بلا تحفظ ..
    و أسعد كثيرا حين يقول لي الاصدقاء أن كتابتي تحمل الكثير من رائحة كتاباته.
    أعتبر هذا مدحا لا بعده.
    هنا ساقوم بنقل بعض مقالات دكتور أحمد خالد باسلوبه الموسوعي الساخر المميز في محاولة لتقديمه لبعض من لا يعرفونه في السودان.
    و هي أيضا هدية قيمة - في تقديري - لمحبي ذلك الطبيب الطنطاوي المبدع.
    هل نبدأ ؟
    استعدوا فانتم على وشك دخول عالم احمد خالد توفيق الممتع.
                  

05-04-2009, 09:33 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    إذن هو الدلاي لاما



    مصر بلد جميل ذو تاريخ عريق، وقد حباها الله بشمس دافئة طيلة العام، مع هواء عليل ومناظر خلابة، لهذا يقصدها السياح من أرجاء الأرض لينعموا برؤية آثارها العظيمة التي تنطق بعظمة التاريخ، وينعموا بالسباحة في مياهها الجميلة أو يمارسوا رياضة الغطس في البحر الأحمر حيث الشعاب المرجانية رائعة الجمال. وقد قال مصطفى كامل: لو لم أكن مصريًا لوددت أن أكون مصريًا ، لهذا يبكي السياح لأنهم ليسوا مصريين، ويحقدون على مصر كثيرًا. ولقد عاشت في مصر شعوب كثيرة شربت من مائها وامتزجت بحضارتها، لهذا نقول بحق أن مصر أم الدنيا، و ..

    أراك تتساءل: هل جن الرجل ؟... ما هذا الكلام الذي يكتبه ؟. أقول لك إنني لم أجن لكني اكتسبت الحكمة فجأة، وقد تعلمت الكثير من رأس الذئب الطائر لو افترضنا جدلاً أن إبراهيم عيسى ذئب. لقد قررت أن أكتب كلامًا يحقق لي المعادلة الصعبة: ألا أسجن أو أثير غضب أحد ممن نستعيذ بالله من غضبهم، وفي الوقت نفسه يحفظ لي مكاني في جريدة الدستور.

    الحقيقة أن هناك حلولاً أسهل مثل أن أتفرغ للكتابة في مجلة (ميكي)، لكنهم لا ينشرون صورة الكاتب هناك، وهذا سيقلل من مكانتي في البيت كما تعلم. بحثت كثيرًا جدًا عن قضية لا تثير حفيظة أولي الأمر .. مستحيل .. كل شيء زفت وهباب ولابد أن يغريك بإبداء الغضب فالتورط في كلام يودي في ستين داهية .. يبدو أن العرب الذين كانوا يكتبون في وصف الأطلال والناقة كانوا يفعلون هذا كي لا يسجنهم سادة القبيلة لو تكلموا عن شيء آخر . لو تكلمت عن إسرائيل كالعادة فأنا أقع في عش الدبابير، خاصة أنني سأكتب وأنا أغلي تحت تأثير مقال الأستاذ هويدي الذي كشف عن قيامنا بتصدير الغاز الطبيعي النادر لإسرائيل بملاليم، مع الالتزام بالتصدير حتى بعد نفاده عندنا.. يعني لن يكون عندنا غاز لكننا سنشتري غازًا بسعر باهظ نصدره لها بملاليم ، والأدهى ان دولة مثل أسبانيا ستأخذ الغاز منا بذات السعر الرخيص لتبيعه بسعر السوق ... ليه كده ؟.. هل إسرائيل تبتزنا بشيء ما ؟... هل معها (النيجاتيف) على رأي استيفان روستي ؟.. لماذا تبيعون حق ابني في الحياة ؟ .. أنا متنازل عن حقي لكن ماذا عنه هو ؟. لماذا تصرون على ذبح الدجاجة وسرقة كل مسمار في السفينة ؟... لماذا لا تبقونها طافية ؟.. محمد علي أراد حلب مصر لكنه قرر أن يسمنها ويحسن تغذيتها جيدًا أولاً.. فلماذا لا تتعلمون منه ؟

    هل أتكلم عن الرغيف وأزمته و الرجل النحيل البائس ممزق الثياب الذي رأيته يركض في الشارع وهو يحتضن عشرة أرغفة فاز بها من الطابور، حتى ليوشك على البكاء، فقط لينقض عليه صبي على دراجة ليخطف منه رغيفين ؟.. هل هي المجاعة إذن ؟.. هل نحن مقبلون على ذلك العصر الرهيب الذي قرأنا عنه (أكل حمار الوالي ثم أكل جثة اللص الذي أكل حمار الوالي) ؟
    هل تتكلم عن البطالة ؟..
    عن المستقبل ؟...
    عن أزمة التعليم ؟
    .. عن المرور ؟
    .. عن ؟... عن ..؟..
    هل تتكلم عن انتخابات المحليات ؟..
    أنت تعرف جيدًا أنك لم تعد تتابع حرفًا من هذه الأمور منذ 73 سنة.
    ربما تتكلم عن كرة القدم وتشتم في الحضري قليلاً ، لكن هذا مجال خطر ..
    قد تدوس على لغم لا تعرف أنه لغم . هل أتكلم عن قصة حب شبابي الفاشلة ؟.. محاسن التي تخلت عني بعد ما تقدم لها مهراجا يملك طائرة بوينج وعدة جزر وقدم لها ماسة الكوهينور على سبيل الشبكة ؟ .. بدا لي الأمر رقيعًا، خاصة وأنا لا أكف عن ابتلاع أقراص ضغط الدم ولا توجد ثلاث شعرات سوداء متجاورة في رأسي ..حب ايه وزفت ايه ؟.. دعك من أن المقال قد يقع في يد أم العيال، وهذا يجعلني في موقف لا يقل خطورة عن غضب الكبار علي .. على الأقل غضب الكبار معناه أن أموت مناضلاً، أما غضب أم العيال فمعناه أن أموت نذلاً منكرًا للنعمة.

    وجدتها .. ! .. الحل العبقري الوحيد هو أن أكتب عن مشكلة الدلاي لاما... سوف اكتب عن الصين المفترية التي تمنع هذا الزعيم الروحي البوذي من العودة إلى التبت حيث ينتظره المؤمنون. أمريكا قلقة وتطالب بتفسيرات من الصين.. جميل جدًا .. هكذا انا عرفت اتجاه الريح وأين أكون آمنًا .. سوف أشتم في الصين للصبح. سوف أتضامن مع سكان التبت وأسود الصفحات من أجلهم. لم لا ؟.. لماذا نتوقع أن يتعاطف العالم معنا ولا نتعاطف مع العالم ؟... أليس هذا أقرب للتحضر ؟ قلت لصديقي إنني سأحلق شعري زيرو وأحمل كيسًا خيشيًا للشحاذة وأخرج حافي القدمين إلى الشارع كما رأيت الناشطين الأوروبيين يفعلون في التلفزيون. قال لي إن هذا ليس عملاً عاقلاً لأن رجال الأمن سيعتبرونني مجنونًا أو شيئًا آخر لا أستطيع كتابته هنا، ولسوف يعتنون بي فعلاً. بتحب الدلاي لاما يا روح أمك ؟.. طيب تعال !.. هكذا عدلت عن هذه الفكرة وقررت أن اكتب مطالبًا الصين بأن تعيد الدلاي لاما للتبت وأن تسمح بالحرية الدينية لسكان هذا البلد. حتى أنني بدأت تأليف أغنية جديدة لشعبان عبد الرحيم تناسب طريقته في مواكبة الأحداث كأنه نشرة التاسعة: فيه ناس كتيرة ياما ..خلاص حتتنقط ما تسيبوا الدلاي لاما..يرجع للتبت.. يا صين رجعي جيشك..وبلاش الافترا خليكي في فوانيسك..والشنط والورق ... هيييييييه ! حقًا هي ليست أغنية جيدة لكنها تؤدي الغرض، وأرجو ألا يتجاهلها شعبان كما تجاهل رائعتي السابقة (قتلوا بناظير بوتو .. كل الحلوين بيموتوا .. ما تخلوا باكستان تختار لنفسها .. نووية من زمان ولا حدش قدها.. هيييييه !).. نعم .. صدقني .. بعد الحكم الصادر ضد إبراهيم عيسى وزكيبة القضايا التي تنتظره، لم أعد طفلاً.. كنت بحاجة لهذا الدرس كي أعرف طريقي وكي أعرف عن أي شيء أكتب بالضبط . كنت أعتقد أنني ذكي بما يكفي وأنني يمكن أن أقتدي بالكاتب الشهير (.....) والكاتب الشهير (.....) الذين يكتبون بطريقة (الحكومة سيئة وتضيع كل جهود مبارك للإصلاح)، وهي طريقة خبيثة ناجحة تضمن لك رضا الجميع، وتحتفظ لك لدى رجل الشارع بصورة المناضل الذي لا يخشى في الحق لومة لائم. هذه مدرسة تختلف تماما عن مدرسة عيسى وقنديل التي نعرفها حيث لا سقف من أي نوع، لكن من الواضح أن سقف الحرية يهبط يومًا بعد يوم، وأن هذه المدرسة الخبيثة نفسها خطرة.. إذن هو الدلاي لاما حتى إشعار آخر ...


                  

05-04-2009, 09:37 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    عبقرية النفاق


    عندما قلت في الأسبوع الماضي إنني قررت التفرغ للكتابة عن الدلاي لاما وحكومة الصين، منعًا لانزلاق قدمي في قول كلام يغضب الكبار، كتب لي أحد القراء: "هناك حل ثالث وهو أن تنافق .. الأمر سهل ..". فعلاً لم يخطر هذا ببالي من قبل لكن الفكرة بدت جديرة بالتأمل.
    النفاق ليس عملاً سهلاً أو هينًا بل هو يحتاج إلى أكبر قدر ممكن من التحكم في العواطف وفي تعبيرات الوجه وانتقاء الكلمات. عندما يجلس الرجل مع امرأة يمقتها ويشمئز منها، فإن خروج أبسط كلمة مجاملة تغدو كالولادة المتعسرة .. الكلمات لها ثقل الحجارة ووعورتها. فقط يجتاز هذا الاختبار الرجال الموهوبون الذين يستحقون لقب جيجولو أو Womanizer كما يقول الغربيون.. هذا رجل استطاع أن يتحكم في لسانه وملامح وجهه كي يخرج الكلمة الثقيلة. بعض هؤلاء العباقرة ينجح في برمجة عواطفه كذلك بحيث يعتقد صادقًا أنه يحب هذه المرأة ..

    باختصار: النفاق ليس لعبة للهواة، ومن يحسن النفاق يستحق المكافأة التي سينالها من حظوة ونفوذ وثراء ..
    رأيت منذ أيام على إحدى الفضائيات مناظرة ثلاثية على الهواء بين أحد قيادات الأخوان وأحد رؤساء التحرير الحكوميين وسيدة حقوقية أوروبية، وكان الكلام عن المعجزة التي جعلت عشرة آلاف مرشح أخواني للمحليات يذوبون فلا يبقى منهم إلا بضعة عشرات، سوف يذوبون بدورهم فلا يبقى منهم أحد. كانت تهمة (تزوير الانتخابات قبل أن تبدأ) قوية وكلام السيدة منطقيًا ومرتبًا .. هنا وضعت يدي على قلبي تعاطفًا مع رئيس التحرير الذي يواجه سيل الاتهامات هذا، خاصة وقد انضم المذيع نفسه لمن يتهمون الحكومة المصرية بالقمع والتزوير. ماذا سيقول ؟.. هذا رجل يعتمد مستقبله ونفوذه وثراء أولاده وفيلا الساحل الشمالي وزفاف البنت في أكبر فنادق القاهرة على الكلمات التي سيقولها حالاً .. لكن الرجل بدأ يتكلم .. قال إن هذا دليل على أن الأحزاب المصرية – باستثناء الحزب الوطني - لم تستطع تربية كوادر صالحة لخوض التجربة، ولم تستطع خوض عملية الانتخاب الطبيعي الدارويني فالموت للفاشلين .. الخ. لم يكن مقتنعًا .. كانت عيناه تحويان عدم التصديق، ومن الواضح أنه غير سعيد بما يقول، والأسوأ أنه الرجل الذي يأتون به دومًا للدفاع عن الحكومة في أي شيء تفعله .. وضع عصا في مؤخرة المعتقلين .. تعرية الصحفيات .. تزوير الانتخابات .. تصدير الغاز لإسرائيل .. الخ .. هو دائمًا هناك ليرد وليبدي إعجابه بحكمة الحكومة وغباء المعارضين وقلة أدبهم. لا شك في أنه تنفس الصعداء عندما انتهى البرنامج وتخلص من هؤلاء المزعجين الثلاثة، لكني أسألك بصراحة: هل تستطيع أن تحل محله ؟ .. هل يمكنك أن تدافع بهذه الكفاءة عن شيء لا تؤمن به ؟.. أنت لا تستطيع.. هو استطاع ولهذا استحق أن يظفر بكل ما ظفر به .. ربما أوصلته العبقرية فيما بعد إلى أن يقنع نفسه بأنه يحب الحكومة فعلاً، لكن عينيه – كما قلت لك – كانتا تشيان بأنه لا يصدق حرفًا مما يقول .. إنه ما زال في مرحلة مغالبة النفس قبل أن يصل إلى حالة السلام النهائي أو النيرفانا ، وعندها يحب الأخ الأكبر على رأي الخواجة أورويل..
    هناك خبر قرأته منذ أعوام – ولست متأكدًا من صحته بصراحة – عن مذيع نيجيري كان يقدم نشرة الأخبار، وفجأة تصلب وصمت .. ثم قال للمشاهدين: "معذرة .. لا أستطيع المضي في قراءة هذه الأكاذيب".. هذا الخبر لو صح حدث في نيجيريا، أي أنه يحدث في بلد أفريقي نام لا يتمتع بوجود هؤلاء العباقرة الموهوبين ... كنت أقرأ ما يكتبه بعض رؤساء التحرير الحكوميين في صفحة جريدة كاملة لابد أنها تلتهم ثلاثة أو أربعة آلاف كلمة بلا مبالغة .. كلام لا أول له ولا آخر ولا رأس ولا ذيل .. أسأل نفسي عن الموهبة الخارقة فوق البشرية التي أوتيها هؤلاء لكتابة كل هذا الهراء .. الأمر قد تجاوز مجال الأحكام الأخلاقية إلى مجال الانبهار بقدرات بشرية خارقة، مثل ذلك الساحر من جزر الكاريبي الذي رأيته يلتهم عشرين ضفدعة حية دون أن يموت أو يقيء .. ألا يستحق هذا المجهود مالاً ونفوذًا ؟ أحيانًا يكون دافع النفاق هو الخوف .. منذ أعوام قبل غزو العراق رأيت مناظرة على شاشة الجزيرة بين دبلوماسي كويتي هادئ الأعصاب قوي الحجة، ورئيس تحرير جريدة عراقية متوتر عصبي .. الموضوع كان عن احتلال الكويت، وقد كان العراقي يعرف أنه يدافع عن قضية باطلة أصلاً، لكنه كان يدافع عن حياته أولاً.. وتساءلت عما كان سيقوله لو كانت الحلقة تذاع من بلد غير العراق .. أعتقد أنه كان سيقول ما يقوله الكويتي بالضبط .. يذكر التاريخ للشاعر ابن هاني الأندلسي بيتين مدح بهما الخليفة الفاطمي المعز لدين الله قائلاً:

    ماشئت لا ماشاءت الاقدار....فاحكم فأنت الواحد القهار
    وكأنما أنت النبي محمد .....وكأنما أنصارك الانصار !!

    قيل إن هذين البيتين كانا شؤمًا أدى لسقوط دولة المسلمين في الأندلس، لكن لا تنكر أن الرجل ضحى بالكثير جدًا .. لقد قبل أن يستحق الاحتقار طيلة حياته، وأن يظل دارسو الأدب العربي يلعنونه، وأن يصير اسمه نموذجًا للنفاق للأبد، خاصة والشعر لا يموت وسيظل يطاردك حتى يوم القيامة. وأعتقد أنه نال الكثير مقابل هذين البيتين .. هذا رجل قبل أن يصير غريبًا وسط أهله وقومه وأن ينعزل وأن يعتبره عامة الناس كلبًا، وأن يربطوا بين صورته وصورة فتاة الليل المستندة على عامود نور وبين شفتيها المصبوغتين سيجارة.. قبل الرجل هذا كله فهل ترضون له أن يبيع نفسه مقابل لا شيء ؟. عم أحمد فؤاد نجم يقول: "نبدأ كلامنا عن الأشعار واللي زانوها .. بيرم وخيري وكل الناس اللي صانوها . أما الكلاب عند الجواسيس واللي خانوها .. فدول كلاب وما يتذكروش هنا بالمرة .. الله الله يا بدوي جاب اليسرى". قد تلصق بعم نجم تهمًا كثيرة لكن تهمة النفاق لن تكون بالتأكيد من بينها. نعم .. للنفاق ناسه وقومه الموهوبون القادرون على أن يكونوا مكروهين. ليس لعبة للهواة ولا يمكن تعلمه في سن متأخرة.. لهذا لا يبقى أمامي سوى المجال الذي أعتقد أنني يمكن أن أبرع فيه: لماذا لا تسمح الصين للدلاي لاما بالعودة للتبت ؟.. ولماذا لا تسحب جيوشها من هذا البلد الصغير التعس ؟... سؤال وجيه جدًا ارجو أن أتلقى عنه ردًا أكثر وجاهة ..





                  

05-04-2009, 09:40 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    رجل لا يتعب




    كل عام وأنتم بخير.
    مقالات هذا الرجل تنهمر علينا من كل صوب بحيث لا يمكن ألا تعلق عليها. وبرغم إدراكك التام لعدم جدية ما يقول وصعوبة التعامل معه كرأي، فإن كثرة الشيء وغزارته تعطيانه أهمية لا شك فيها.. عندما يكثر البعوض فلا يمكن أن تتجاهله مهما حاولت والرجل يدرك ذلك.

    اسم الرجل هو موريس صادق المحامى الذي يصف نفسه بأنه المستشار القانونى بالولايات المتحدة الامريكية ورئيس الجمعية الوطنية القبطية بالولايات المتحدة. يكتب الكثير من المثقفين عن التعصب الكريه الذي يجتاح المجتمع المصري، ويطالبون بأن يعم الجميع حق المواطنة، هنا يأتي رجل كالأخ موريس يجعل هذه الرسالة شبه مستحيلة، لأنه وهو قابع في واشنطن يرسل رسائل كراهية لا تنقطع يشعل بها الداخل المصري، وعندما تتكلم عن نبذ التعصب يبرز لك أحدهم هذه الخطابات ويقول لك: "فلتر كيف يكرهوننا.. فلتر ما يقولونه سرًا بعيدًا عن عدسات التلفزيون ومكبرات الصوت !".

    للأخ موريس آراء عميقة جدًا في السياسة والتاريخ صححتْ الكثير مما كنت أعتقده، ومنها:



    1- جماعة الأخوان المسلمين لم يؤسسها حسن البنا وإنما وجدت منذ أن غزا العرب مصر واحتلوها.

    2- عبد الناصر كان من أهم دعاة الخلافة الإسلامية وقد أعلن قيام الدولة الإسلامية عام 1952.. !.. معلوماتي أن عبد الناصر (بهدل) الأخوان المسلمين، وكان حكمه أقرب للعلمانية، لكني كنت مخطئًا كما يبدو. لكن الأجمل لم يأت بعد: " ونهبوا ثروات الأقباط واجبروهم على محاربة إسرائيل الدولة المسالمة والتى تعيش فى أرض الميعاد بعد أن حرروها من الفلسطينيين المسلمين الغزاة لها". إسرائيل مسالمة ؟.. هذه معلومة جديدة أخرى.

    3- عبد الناصر طرده والده من منزله بعد زواجه من أخرى فكفله عمه وعطف عليه الاقباط فعلموه على نفقتهم.

    4- في عام 67 اعلن عبد الناصر الحرب على دولة اسرائيل المسالمة وتدفق جيشه من المسيحيين والمسلمين وعبروا قناة السويس بأحدث الأسلحة فحطمته اسرائيل فى ست ساعات وقتلت مائة ألف. لماذا عبر ناصر القناة عام 67 إذا كان جيشنا يقف على الضفتين ؟! موريس يعرف.

    5- اضطر الأقباط الى الدخول فى حرب 1973 ضد إسرائيل وبفضلهم وبفضل أمريكا عادت سيناء لمصر.

    6- مسجد السيد البدوى كان كنيسة أيام الغزو العربى لمصر وحوله الغزاة الى مسجد وأطلقوا عليه السيد البدوى رمزا للحاكم المحتل .

    7- من يفكر في إلغاء مولد أبي حصيرة يفعل هذا تمهيدًا لإلغاء مولد مار جرجس المسيحي!

    8- حاول المجرم أحمد عرابى إقامة دولة الخلافة الاسلامية فضربه الانجليز واحتلوا مصر وأنقذوا الأقباط.

    9- الإنجليز طردوا من مصر بعد ثورة 1919 ..

    يقول كذلك: " سأدافع عن أهل بلدى المسيحيين الغلابة من أشرار مسلمين يقتلون ويذبحون البشر بكل الطرق وخاصة بعد صلاة الجمعة ". تصور هذا !.. المسلمون يذبحون البشر خاصة بعد صلاة الجمعة !... لم يحدث هذا الجمعة الماضية على ما أذكر ..

    ثم يقول: " ان عدد الاقباط 18 مليونًا يواجهون نفس المشاكل من الإرهاب الإسلامى الذى يواجهه اليهود الخمسة ملايين داخل اسرائيل". لأ بأه .. هل الرجل قال هذا الكلام فعلاً ؟.. أنا أشك في أن هذه الخطابات مدسوسة عليه ويجب التأكد من أنه كتبها، ولو كان كتبها يجب التأكد من أنه يعي ما يقول، لأنه بهذا يفصل أقباط مصر ليضعهم في وعاء واحد مع يهود إسرائيل .. ويعتقد أنه بهذا يقدم لهم خدمة !..

    هناك الأخت مارينا ميخائيل التي تقول في مقال بالإنجليزية: "منذ غزا الإسلام مصر والأقباط يعاملون كالكلاب .. تخيل هذا .. ثم تخيل أن من يعاملك هكذا هم أجانب !.. تخيل أن قومك يقتلون ويهانون ويعذبون .. تخيل أن تعامل كالفلاحين peasants من قوم يحتلون وطنك". لا أفهم كيف يُعامل الفلاحون، إلا إن كانت الأخت مارينا إقطاعية ممن يضربون الفلاحين بالسياط ويربطونهم في الساقية. ثم هل رأيت قبطيًا يُعامل كالكلاب من قبل ؟.. هذه جعجعة تقصد بها إرضاء الأمريكيين لا أكثر ولتذهب الدقة والأمانة للجحيم.

    أذكر واحدًا من هؤلاء اتصل بقناة الجزيرة ليقول إن الأدب العربي (كله عُهر) وعلينا أن نرجع للأدب الفرعوني العظيم !..هكذا ببساطة قرر أن ما كتبه المتنبي وأبو العلاء المعري وطه حسين و.. و .. كله عهر .. فقط قال مداخلته بالعربية ولم يقلها بالديموطيقية للأسف!

    مشكلة الأخ موريس إذن ليست مع المتطرفين – وهي مشكلتنا جميعًا – ولكنها مع الإسلام نفسه، وهو ينطلق من افتراض ساذج أن أمريكا لا تنام من شده الوله بالأقباط، وأن الأسطول السادس جاهز للتحرك لو صرخ أحدهم (وا بوشاه !).. بينما أمريكا بالفعل لا يعنيها في المنطقة سوى إسرائيل والبترول.. ولو اقتضت مصلحة إسرائيل تعذيب الأقباط لجاء وفد من أعضاء الكونجرس يرأسه السناتور (مش عارف مين) للإشراف على هذا. قضية الأقباط لا قيمة لها عندهم إلا حق التدخل. بالفعل يحسن الأمريكان استغلال هذه النقطة كما يستغلون نقطة الديمقراطية، وهم غير جادين في النقطتين .. مجرد طريقة للتدخل من حين لآخر .. مسمار جحا يطمئنون عليه كلما راق لهم هذا ..

    ثم هو لا يبالي بأن يشعل النفوس هنا، وأن يتأذى من كلامه طانط أنجيل وعمو مينا وبشوي الذين ظلوا في شبرا ويبتاعون الفول والخبز بالمسامير صباحًا . إنه مستريح في واشنطن دي سي ويعتقد أن كل كلمة يقولها تقربه منهم درجات. إنه يقف على الرصيف الآخر يشتمك عالمًا أنك لن تصل إليه ..

    ما كل هذا الحقد في خطاباته ؟.. يمكنك أن تراه يضغط على ضروسه وقد تضخمت العضلة الماضغة عنده من فرط الغل. هل هذه خير دعاية للمسيحية دين المحبة والسلام ؟.. أنت لا تكف عن ترك انطباعات سيئة عن المسيحية كالتي يتركها ابن لادن عن الإسلام.

    أرى مثل هذه العضلة الماضغة المتضخمة لدى آخرين مثل مجدي خليل و شفيق أبو زيد قس الفاتيكان والمحاضر بأكسفورد الذي تستضيفه قناة الجزيرة كثيرًا.. كلاهما يملك شحنة لا بأس بها من الغل، لكنهما كذلك يقولان كلامًا منطقيًا ذكيًَا جديرًا بمناقشته ..

    سألت صديقي القبطي عن رأيه في هذا .. صديقي هذا سليط اللسان ولا يجاملني أبدًا، وقد ضحك كثيرًا عندما قرأ هذا الكلام وقال:

    ـ"هذا الرجل كالأطفال يتجاهل الحقائق الواضحة كالشمس لمجرد أن يغيظك .. كأن الرجل يفقأ عينه ليخيفك"

    ثم أضاف كلمة لن أنساها:

    ـ"عندما يذهب مهندس الكمبيوتر اليهودي (ديفيد كاوفمان) إلى نيويورك ويصنع لوبي، فهو يصنع لوبي ذكيًا يسيطر على مصائر العالم، بينما يذهب هذا الأخ إلى نيويورك ويحاول أن يصنع لوبي فيأتي شديد الغباء .. النتيجة هي أن الأمريكان يفهمون جيدًا تفاهة ما يقول، لكنهم يحسنون استغلاله "

    لا تتوقع أبدًا أن يرحل المسلمون عن مصر يا عم موريس ويعودوا للجزيرة العربية، كما لا يتوقع أحد أن تختفي المسيحية من مصر .. إذن فلنتعايش كما كنا دومًا ..

    على كل حال واضح أن أقباط المهجر لا يهيمون به حبًا – وهذا أراحني كثيرًا – إذ صرح مايكل منير رئيس هيئة أقباط المهجر: "لقد أصدرنا البيان بالتبرؤ من مجموعة موريس صادق بعد أن ضج الأقباط المصريون في الولايات المتحدة منه فقد كان يحصل على مقابل مادي كبير لإنهاء إجراءات إقامة الأقباط في أمريكا وكان يغرر بهم بتقديمه لنفسه على أنه محام ويستطيع مساعدتهم. وكانت الطامة الكبرى عندما طالب بمساعدة شارون وهو ما أظهرنا في شكل الخونة وهذه جريمة لأن الشأن القبطي شأن مصري أولا وأخيرًا".

    على موريس صادق لو لم يكن قد كتب هذا الكلام أن يعلن أن هناك من يستعمل اسمه، وأن يعلن هذا في وضوح، لأن هذه الخطابات هي بنزين يُسكب فوق نار حتى لو لم يكن كلامه معبرًا إلا عن رأيه الخاص.



                  

05-04-2009, 10:05 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    فليتألموا !




    لو تصالح كل العرب مع إسرائيل فلن أكون أنا ضمن القائمة بالتأكيد، لأنني ألعنهم وألعن الأرض التي يمشون عليها، وأكره منظرهم ولون علمهم ولغتهم. أنا من جيل أوشك أن ينقرض تعلم أن يكره إسرائيل بحق .. أطفال بحر البقر الذين ماتوا بالقنابل كانوا في سني وقتها بالضبط، وكان يمكن أن أكون أنا لو فضلت الطائرات محافظة الغربية على الشرقية ..
    كنت أتابع في شغف برنامج (ماما سلوى حجازي) في التلفزيون، وعرفت ذات صباح أن الإسرائيليين اسقطوا طائرتها .. لماذا ؟.. لأنهم أولاد كلب طبعًا .. أنا من جيل عرف في المدرسة قصة دير ياسين وكفر قاسم ورأى أباه يبكي يوم استشهاد (عبد المنعم رياض)..
    أنا من جيل تعلم أن يكره كل ما هو إسرائيلي وما زال منظر حروفهم العبرية يجعل الشعر ينتصب اشمئزازًا على ساعدي لأنه يذكرني بمنظر أقدام العنكبوت. كان هذا قبل أن يعم السلام الأرض، ويبحث منافق ما في مكتبة الإذاعة عن أغنية أم كلثوم (بالسلام احنا بدينا بالسلام) ويقوم بإعادة إحيائها مع لقطات من أغلفة مجلة أكتوبر للسادات وبيجين وهما ينظران لبعضهما في شوق وحنان، وبيجين يضحك في رقة الملائكة لأننا (مهما كنا ومهما كنتم من حقوقنا ومن حقوقكم .. الحياة والسلام .. ياسلاااااام !). وكانت الأغنية تدوي بينما الطائرات الإسرائيلية تقصف المفاعل العراقي، وبينما جثث صابرا وشاتيلا تملأ الشوارع فيقيء المراسل الفرنسي الذي رأى المشهد برغم أنه سد أنفه بمنديل.

    ربما أنا متأخر عن عصري وربما عفا الزمن علي، لكن هل تغير الإسرائيليون حقًا بما يكفي لجعلي متخلفًا ؟..
    جثة إيمان حجو الرضيعة التي لم يعد لها ظهر – حرفيًا - تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
    صرخات أبي محمد الدرة تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
    هدى الطفلة التي تهز جثة أبيها محاولة جعله يفيق بمعجزة ما تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
    جثث الأطفال التي تتناثر ليلاً نهارًا على شاشة الجزيرة تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
    الطفلة المصرية التي قتلت على أرضنا وبين أهلها تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
    لا سبيل للتعامل مع هؤلاء ولا لغة يفهمونها سوى لغة الصواريخ التي تهوي على رءوسهم.
    أعرف يقينًا أنهم زائلون وأن فرصة حياتهم في وسط معاد كاره لهم يفوقهم عددًا معدومة . وكما يقول الصحفي الأمريكي الذكي جيمس بنكرتون : "من المستحيل إخضاع الإسلام. لم يحدث قط في أي مكان من العالم - ما عدا في سجن (أتيكا) الأمريكي فقط - أن استطاعت أقلية بيضاء أن تسيطر على أغلبية مسلمة" . لكني أتألم حقًا لأنني لن أرى هذا المشهد في حياتي. سوف يحتاج الأمر إلى ثلاثين عامًا أخرى على الأقل، وعندها ربما يتذكر آخر راحل منهم أن يطفئ النور قبل أن يركب الطائرة العائدة إلى أوروبا كما يقول أحد مفكريهم ساخرًا. يبدو لي أنهم قرروا قتلنا بطريقة أكثر نظافة وأناقة عن طريق ارتفاع ضغط الدم من الغيظ. كل هذه المذابح على الشاشة ولا أحد يعلق كأن ما نراه على الشاشة جثث دجاج أعدموه وقاية من إنفلونزا الطيور، ومجلس الأمن عاجز عن الإدانة، وبوش يرى كعادته أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، ثم ينتفض العالم غير مصدق لبشاعة الجريمة التي حدثت في القدس الغربية.. يا للهول !... أوه نو .. !... ماي جاش !... فلسطيني قتل المدنيين ؟.. جود هيفنز .. يهب بوش ليدين بأعنف عبارة، ويجتمع مجلس الأمن بسرعة البرق. ثم أقول لنفسي إن إسرائيل مجرد ولاية أمريكية أخرى تم زرعها هنا، وعلينا أن نتعامل على هذا الأساس ونكف عن تصديق هراء الشريك الكامل وكل هذا السخف. أمريكا لن تتخلى عن تكساس أبدًا .. هذا مفهوم ..

    أتذكر هنا مقطعًا من (صلاة الجندي) للعبقري الأمريكي مارك توين، يسخر فيه من فكرة الحرب، لكن الغريب أن هذا ما أريده للإسرائيليين فعلاً: " يا رب ساعدنا على أن نملأ قلوب أراملهم بحزن لا طائل منه .. ساعدنا على طردهم من بيوتهم مشردين منبوذين في الخراب الباقي من أرضهم المدمرة، عراة يتضورون جوعًا وظمأ.. يعانون قيظ الشمس وبرد الشتاء محطمي الروح أنهكهم العذاب... يسألونك رحمة القبر لكنهم يحرمون منها. من أجلنا يا رب دمر أحلامهم وافسد حياتهم .. اجعل خطاهم ثقيلة واغرق دربهم بالدموع، ولطخ الثلج الأبيض بالدم النازف من أقدامهم. نسألك هذا يا رب يا من هو ملاذ من يطلبون عونه بقلوب مفعمة بالندم.. آمين !!!". سئمت أن نكون نحن المظلومين كل مرة، وأن نسعى كالمطلقات نطلب حقوقنا في ردهات مجلس الأمن.. سئمت مشاعر المظلوم الذي يكنس السيدة زينب وأريد أن أستمتع ولو مرة واحدة بمشاعر الظالم أو – على الأقل – مشاعر الذي لا يجرؤ الناس على ظلمه . بعبارة أخرى نجح هؤلاء القوم في جعلي أفقد جزءًا من إنسانيتي ..

    في حرب 73 نشرت الصحف صورة جثة طيار إسرائيلي متفحمة، وكان مربوطًا بالسلاسل لمنعه من القفز من طائرته لو انطلقت صواريخ سام 7 نحوه .. هذه صورة إنسان احترق حيًا لكن بائع الصحف علقها في فخر، وبيعت الجريدة في دقائق وسط التهليل والانتشاء .. لا يمكن أن تلوم هؤلاء المنتشين .. فلتلم من جعلهم كذلك .. رأيت أمس في التلفزيون مشهد امرأة فلسطينية طيبة يمكن أن تكون أمي أو أختي وهي تصرخ مستغيثة بينما كلب بوليسي يمزق ذراعها .. كلب إسرائيلي ابن كلب طبعًا . وماذا عن طالبة المدرسة الثانوية المحجبة الرقيقة بنت الناس التي ظهرت على الجزيرة منذ أعوام لتقول إن جنديًا إسرائيليًا أرغمها وزميلاتها على التعري، ثم راح يمارس الاستمناء وهو يتسلى بعرض الستربتيز المجاني هذا ؟.. قالتها وانفجرت في البكاء .....

    نعم أنا أكره إسرائيل بقوة ، ولا شيء يسرني مثل ألمهم ودموعهم وصرخاتهم ودمهم يبلل الطرقات.. منظر طواقم الإسعاف ورجالها الملتحين بطاقيتهم المضحكة على مؤخرة الرأس كأن الواحد منهم استعار سروال طفلته الرضيعة، وهم يشدون الشريط الأصفر حول مكان الانفجار .. هل يوجد أجمل من هذا ؟، وهي الهدية التي لم أتلقها إلا في حرب 73 ومع العمليات الاستشهادية ومع الشيخ حسن نصر الله بعد ذلك. ربما أنا من جيل منقرض إلى زوال، وربما عجزت عن فهم العالم وتغيراته كما عجزت عن فهم معنى كلمات (نفسنة) و(تثبيت) و(حلاقة) في عصرنا هذا، لكنني لن أتغير .. وما يسعدني بحق هو أن هؤلاء المجانين يواصلون جرائمهم بشكل يفوق تحمل الجهاز العصبي لأي إنسان، بحيث يكسبون كل يوم أعداء جددًَا بين الشباب والأجيال الصاعدة التي فتحت عيونها لترى المذابح. في لحظة من اللحظات قبل الإنتفاضة الثانية نامت القضية فعلاً، وصارت علاقة الشاب بالإسرائيليين هي سائحة عارية الصدر رآها في دهب أو شرم الشيخ، ثم تنبه الجميع إلى أن هذه السائحة تقتل وتذبح كذلك ... رهاني أن هذا المقت وكل هذه النيران لن تذهب سدى .. سوف تحرقهم يومًا ما بطريقة ما .. نعم .. لا أجد عبارة أنهي بها مقالي أبلغ من: أنا باكره إسرائيل وأقولها لو أتسأل ..لو حتى أموت قتيل أو أخش المعتقل .. هيييييييييييه !



                  

05-04-2009, 04:00 PM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    الصينيون ليسوا قادمين





    عم شحاتة سائس السيارات رجل مكافح .. يبدأ يومه بالعناية بسيارات البهوات الواقفة في الخرابة وتنظيفها واقفًا مشمر الساقين ممسكًا بالدلو والفوطة في صقيع الصباح، ثم يرحل آخر البهوات فيصير الصباح كله له كي يعمل في بناية قريبة تحت الإنشاء، فيقوم بحمل الطوب إلى الطابق الرابع. أحيانًا يتسلى بتنجيد بعض قطع الأثاث القديمة لزوم جهاز البنت، وأحيانًا يعمل كبواب يلبي حاجات ربات البيوت العجائز اللاتي يخاطبنه من الشرفات. دعك من أنه في قريته يربي بعض المواشي لأحدهم . يقيم عم شحاتة في عشة صنعها لنفسه من بقايا الورق المقوى والمشمع وأية قطعة خشب وجدها، وبداخلها تجد فراشًا صغيرًا وجهاز مذياع يخص ماركوني شخصيًا، وهناك ثلاثة قوالب طوب اتخذها موقدًا يضع عليه عدة الشاي .. نسيت أن أقول إنه يبيع الشاي أحيانًا لكل الحرفيين والمتاجر المحيطة بالخرابة التي تقف فيها سياراته. في كل يوم عند العصر يصل (وانج- هاو) مندوب المبيعات الصيني حاملاً حقيبته الثقيلة التي ينوء بها كتفاه. ابتسامة قاسية على وجهه المجعد المرهق، ثم يرتمي ليجلس على كومة من قوالب الطوب، وقد اندهشت للغاية لتلك الصداقة التي تجمع بين رجلين لا يتكلمان أية لغة مشتركة .. لا عربية ولا إنجليزية ولا صينية، وبرغم هذا هما صديقان حميمان والتفاهم بينهما ممتاز.. يجلس (وانج –هاو) بانتظار عم شحاتة كي يعد له كوب الشاي الساخن المجاني غالبًا، فيرشف منه في انتشاء .. يبدو أنه لم يبع شيئًا بعد يوم كامل من المشي في شوارع طنطا المزدحمة الوعرة.. أين يقيم ؟.. ما الجهة التي يعمل معها ؟... هو لا يجيب وعم شحاتة لا يعرف. برغم هذا فالرجلان صديقان حميمان. تشعر عندما تراهما من بعيد أنهما يتبادلان حديثًا مهمًا ثم تقترب فتدرك أنهما صامتان يتبادلان الأفكار.

    عندما تأملت في الأمر بدا لي غريبًا جدًا .. هذا الرجل الصيني جاء من الجهة الأخرى من العالم ليعمل مندوب مبيعات في مدينة صغيرة في مصر، ويجلس في خرابة ليشرب الشاي من كنكة سوداء متسخة أعده له سائس سيارات .. ما هذا المصير؟... وما الذي قاده له ؟... أما عن العلاقة الحميمة بينه وعم شحاتة فسببها مفهوم.. إن بين الرجلين لغة واحدة بليغة هي لغة الشقاء.. يفهمان بعضهما بلا كلمات .. كان من المفترض أن أشعر بالإعجاب والانبهار بهذا النشاط .. خلية النحل الصينية التي لا تكف عن العمل.. إن الصينيين في كل مكان من مصر اليوم. لم يعد الأمر يقتصر على تصدير المنتجات بل إن العمالة الصينية تملأ مصر، ولا أعرف المسئول عن هذا في بلد يعاني شبابه البطالة أصلاً. بل إن هناك إشاعات عن عرسان صينيين جاءوا ليقضوا على أزمة الزواج عندنا !.. وإن هناك نحو 50 صينيًا تزوجوا مصريات خلال عام 2006. لو صح هذا لكان الجنون بعينه .. يتقدم الشاب المصري لفتاة فتطلب كذا وكذا وكذا (لأنها مش أقل من عزة بنت خالتها) ثم يتحدثن عن مشكلة العنوسة ويتزوجن وانج – هاو ! هناك غزو من آلاف الصينيات على عزبة أم بدوي شمالي شبرا الخيمة .. خمسة آلاف فتاة صينية تفد على قرية أم بدوي يوميًا، حتى أن أهالي القرية صاروا يجيدون الصينية تقريبًا .. هناك زحف صيني على الشقق الرخيصة في امبابة والمنيب . البائعة الصينية تدق الباب وتغض بصرها قائلة: "السلام عليكم ورحمة الله" ثم تطلب مقابلة ربة البيت وترفض الدخول من دون وجودها .. كلنا يعرف أن الاقتصاد الصيني ينمو بسرعة غير مسبوقة .. في إحدى قصص مايكل كرايتون يقول المهندس الأمريكي: "ضيقو الأعين قادمون .. كانوا اليابانيين ثم صاروا الصينيين .. كلهم ضيقو الأعين لا يأخذون إجازة يوم الأحد ولا يهتمون بكرة القدم !". مجلة الايكونوميست قالت إن الصين التي يبلغ سكانها ربع سكان العالم ستصل الى الدولة الأولى في النمو الاقتصادي عام 2020 وسيبلغ حجم ناتجها المحلي 29.6 تريليون دولار، وهي اليوم تشغل الموقع الثالث بعد اليابان. الصين تنتج ثلثي إنتاج العالم من ماكينات تصوير المستندات وأفران الميكروويف والدي في دي والأحذية ونصف إنتاج العالم من الملابس وآلات التصوير وخمسي إنتاج العالم من الكمبيوتر المحمول. إن الصين قد فاقت الولايات المتحدة في تصدير معظم سلع التكنولوجيا حول العالم عام 2004. لهذا كانت هناك حرب اقتصادية واضحة من الولايات المتحدة ضد هذا العملاق المصر على أن ينمو أكثر .. صحيح أنه ما زال بعيدًا جدًا عن الاقتصاد الأمريكي، لكن لابد من توجيه ضربات له .. بل إن العديد من المراقبين السياسيين ينظرون إلى الضربة العسكرية على أنها (خيار أخير) لمنع قيام قوة عظمى صينية في العالم، وهم يراهنون على (الشرك التايواني) الذي قد يؤدي بالصين لضرب تايوان من ثم تضربها الولايات المتحدة وتستريح. هكذا راحت الضربات الاقتصادية تتوالى: موضوع المنتجات الصينية التي تشكل خطورة على الأطفال.. هذه الفضيحة التي أدت لسحب 19 مليون لعبة من الأسواق مؤخراً فيما يعرف بالاسترجاع Recall، لأنها مطلية بمادة سامة تحتوي الرصاص. تذكر أن الصين تورد 80 بالمائة من لعب الأطفال في العالم اليوم.. ثم جاءت قصة معجون الأسنان الملوث والدهانات السامة والمأكولات البحرية التي أضيفت لها مضادات حيوية. وكانت المنتجات الصينية في عام 2006 تمثل نصف المنتجات المعيبة التي كشف عنها نظام حماية المستهلكين الأوروبي نتيجة لهذا أعدمت بكين رئيس هيئة متابعة سلامة الاغذية والعقاقير للتقصير في عمله. يجب أن يحمد المسئولون هنا الله على أنهم ليسوا في الصين. تصر الصين على توجيه ضربات مضادة من مبدأ المعاملة بالمثل:"الصين ستقوم هي الأخرى بفرض معايير أكثر صرامة بشأن الواردات الغذائية من الولايات المتحدة ." لقد أعادت إرسال شحنة من المشروبات قادمة من الولايات المتحدة بعد ان أظهرت اختبارات أجريت في شنجهاي وجود نسبة كبيرة بها من الصبغة الحمراء . قررت سلطات الحجر الصحي في بكين حظر استيراد اللحوم من سبع شركات أمريكية كبرى ، مشيرة إلى أن نتائج الفحوص المعملية على عينات من تلك اللحوم أظهرت أنها " ملوثة " ، مما يشكل خطراً على صحة المستهلكين. في يوليو 2007 أعلنت سلطات مراقبة الجودة الصينية أنها وجدت بودرة بروتين مستوردة من شركة أمريكية تحتوي على كميات زائدة بشكل كبير من عنصر السيلينيوم . برغم هذا – والكلام للايكونوميست - ازدادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء. لقد بلغ عدد بليونيرات الصين 106 بليونير، ويمكن القول ان النمو الاقتصادي لم يحدث فارقًا في حياة الناس، فما زالت الصين تشغل المركز 100 في معدل نصيب الفرد من اجمالي الناتج والمركز 81 على صعيد التنمية البشرية وهي بالتالي دولة نامية على هذا الصعيد. حجم الاقتصاد الصيني ما زال أقل بكثير من نصف حجم الاقتصاد الياباني (نحو 9 تريليون دولار)، ناهيك عن الاقتصاد الامريكي الذي يزيد على 50 تريليون دولار. الاستنتاج الرئيسي هو ان الصين دولة متقدمة جدا في مؤشرات النمو الاقتصادي، لكنها دولة نامية في مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. مشكلة الصين هي أن سياسييها يخلطون بين النمو والتنمية، وهذا متوقع في دولة دكتاتورية .. أنا لا أفهم الاقتصاد جيدًا، لكنني أفهم منظر (وانج هاو) البائس الجالس يشرب الشاي من يد عم شحاتة.. أقسم بالله أن هذا رجل لا ينتمي لقوة اقتصادية كاسحة، وبهدلة الأرامل التي تعيشها الزهرات الصينية لا تمت بصلة لرفاهية الفرد .. إن وانج هاو صورة أخرى لعم شحاتة. كلاهما غلبان يجري على أكل عيشه في ظروف أقوى منه .. ولهذا لا أرى الصينيين قادمين على المدى البعيد. هامش أخير: ما هذا الذي يحدث في غزة بالضبط ؟.. ولماذا تضج الإنترنت والشوارع بهذه الثورة على رسام كاريكاتور دانمركي قليل الأدب والموهبة بينما شعب عربي أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يُباد حرفيًا فلا يبالي أحد؟.. اعتقادي وأرجو أن يكون خائبًا أن العالم قرر أن الوقت قد حان لإبادة الفلسطينيين باعتبارهم خارج معادلة الشرق الأوسط الجديد ولا مكان لهم في هذا الكون. قرر العالم كله أن الفلسطينيين هم نوع آخر من الهنود الحمر وبدائيي أستراليا، ولهذا يتسلى ويقزقز اللب بينما تتناثر جثث الأطفال على الشاشة وتهددهم إسرائيل بالمحرقة فلا يهتم أحد.. كلكم منافقون أولاد كلب .. أكلة لحوم بشر بثياب السهرة .. جتكم البلا ..
                  

05-04-2009, 04:05 PM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    الكابوس الأمريكي






    كلما رأيت تداعي الأحوال في مصر، وذلك الشرخ الذي يتسع ويتسع في الجدار منذرًا بالويل، فكرت في أنانيتي الخاصة عندما لم أفكر في الهجرة للولايات المتحدة من أجل أولادي .. لقد عانى (كونتا كينتي) جد (أليكس هيلي) الكثير عندما تم اختطافه من سواحل غانا وحُمل في قاع سفينة إلى العالم الجديد، لكننا – لو فكرنا تفكيرًا جانبيًا – لوجدنا أنه كان يكافح كي ينعم أحفاده اليوم باستعمال الألفاظ البذيئة وشرب الكولا ورقص الراب في بروكلين .. يكفي أن أحد أحفاده صار هو الكاتب العظيم (أليكس هيلي) ..

    لي صديق فعلها في هذه السن المتأخرة نسبيًا .. السن التي لا تسمح لك بأن تغسل الصحون أو تقف في محطة وقود، بينما تقضي الليل منكبًا على دراسة الطب .. لكني في النهاية أجد أنني بالفعل لا أحب نمط الحياة الأمريكي ولا أطيقه .. حياة رُسمت سلفًا بكل مراحلها وسوف تتحرك فيها كأنك قطار يتحرك على خط حديدي .. صحيح أنك في مصر قطار آخر يتحرك بجرار تالف على خط حديدي متآكل، لكن الحياة هنا في مصر ذات طعم ولون ورائحة ..الكثير منها في الواقع ..



    لو أنني ولدت في نيويورك وكنت ذكرًا بروتسنتيًا أبيض WASP فإن حياتي مرسومة عبر محطات معروفة صرت أحفظها من قراءة المجلات الأمريكية ومشاهدة أفلامهم ..



    عالم المراهقة: هذا هو عالم المدرسة الثانوية وقلة الأدب والتطاول على المعلمين لأن التعليم ممل Boring.. مشكلتي هي البلطجي (هانك) الذي يتربص بي لأنني نحيل وبنظارة وهناك نمش على وجهي، وهو يتعمد إهانتي وسكب اللبن على رأسي ساعة الطعام، ولا احد يتعاطف معي في مجتمع لا يرحم المهزومين سواء كانوا هنودًا حمرًا أو عربًا أو زملاءك في الصف . ثم يأتي موعد الحفل الراقص السنوي وانتخاب الـ Broom queen أو ملكة الحفل .. كيف أقنع فتاة بأن تصحبني للحفل ؟.. كيف يرضى أبي بالتخلي عن السيارة ؟.. في حفل كهذا سوف تفقد حسناء الصف (كارول آن) عذريتها، وهي ليست مشكلة لأن أباها كان سيصحبها للطبيب النفسي لو تأخر الأمر أكثر من هذا ، ولربما ظهرت في إحدى حلقات (أوبرا) لمناقشة مشكلتها ...

    البيزبول لعبة مملة يستحيل فهمها .. ملعب يشبه الماسة وشخص يضرب الكرة بمضرب يستعملونه لقتل الزوجات كذلك، وهناك ثور يلبس درعًا على صدره يتلقفها بقفاز .. ثم يصرخ الكل : "اركضوا يا فتيان !" ونحرز نقطًا لا ادري على أي شيء، لكن البيزبول هو الطريقة الوحيدة لقبولك في مجتمع كهذا، وكي تحبك الكتاكيت Chicks .. هناك كرة القدم الأمريكية العجيبة التي تلبس فيها الدروع وتضرب عددًا من الثيران، ولا تلمس قدمك الكرة مرة واحدة .. بينما المدرب (رالف) يصرخ في وحشية: سوف نسحقهم يا شباب !

    كلها ألعاب معقدة تختلف عما يلعبه العالم كله، وكلها تحتاج إلى إمكانيات وثراء .

    الكلية: تقريبًا نفس روتين المدرسة الثانوية.. أضف لهذا الحفلات الصاخبة التي يشرب فيها الجميع البيرة Booze وتتعرى الفتيات تمامًا .. هذه هي الفترة التي سأجرب فيها المخدرات لأول مرة .. سأكون محظوظًا لو شاركت في احتفالات (ماردي جرا) التي تذكرك بأعياد (باخوس) الرومانية الماجنة..

    بعد التخرج: أنا أعمل في شركة تنفيذية ما تمارس المنافسة قاطعة الرقاب مع شركات أخرى .. القميص قصير الكمين وربطة العنق والعروض على جهاز الكمبيوتر .. مغازلة زميلة العمل عند براد الماء .. العمل من التاسعة للخامسة والخوف المزمن من الطرد والجوع .. لو طردت سأقوم بتعبئة لوازمي في علبة كبيرة من الورق المقوى وأخرج من الباب يرافقني رجل الأمن ...ولسوف أصير سكيرًا...

    الأسرة: حفل الزفاف والسيارة التي ربطوا بها علب طعام محفوظة فارغة تحدث قعقعة .. مشكلة زوجتي هي تقليل السعرات في الطعام بسبب الشحوم حول الخصر .. يجب أن أقلل من ولعي بشطائر الهامبرجر والجبن .. ابنتي (سو ألين) صارت الآن مراهقة وقحة تصر على أن ترافق الفتية للمرقص وتقول لي: "داد .. أنت ابن عاهرة وسافل وحقير .. أنا أكرهك".. تقولها وهي تهز شعرها الطويل ليغطي نصف وجهها ثم تندفع خارجة من الغرفة كنمر هائج …

    فأبتلع الإهانة .. لو صفعتها لشكتني للشرطة وقُبض علي .. لابد من الصبر حتى أحل مشكلة تعاطيها المخدرات ومشكلة الحمل في سن الخامسة عشرة .. أذهب أنا وزوجتي لحفلات الكوكتيل حيث أقف أمام الناس لأحكي لهم عن (أظرف شيء حدث لي في طريقي لهذا الحفل).. و (أفضل مطعم يمكن أن تتناول فيه شطائر التونة بالبطاطا المقلية).. ثم نعود للبيت لتطالبني زوجتي بالطلاق بلا سبب وتبدأ في حساب ما يناله كل منا من ممتلكاتي ..

    ربما تنجب زوجتي – لو لم تطلقني - طفلاً مشوهًا له أربعة أنوف وثلاث آذان وذيل .. هنا أقرأ في الصحف عن معهد في أوهايو متخصص في الأطفال الذين لهم أربعة أنوف وثلاث آذان وذيل .. أذهب هناك لأقابل د. (سميث باركر) خبير الأطفال ذوي الأربعة أنوف والثلاث آذان والذيل الذي يقول لي: "أهم شيء أن نجعل طفلك لا يشعر بالاختلاف عن الآخرين"

    هكذا يصير طفلي رسامًا وأستاذًا جامعيًا وبطلاً في كرة القدم ، ويظهر في حلقة من حلقات (أوبرا) حيث يبكي الجميع مع كثير من (الواو والأوه وماي جاش) ...

    السياسة: سواء كنت ديمقراطيًا أو جمهوريًا فأنا مؤمن أن الفلسطينيين إرهابيون يحاولون أن يأخذوا من اليهود الطيبين أرضهم .. أؤمن بالقيم الأمريكية وطريقة حياتنا .. أؤمن بالديموكراسي وماي فيلو أمريكانز .. أدعو لهم بالنصر في العراق الذي لا أعرف أين هو ولا مشكلته بالضبط .. ولا يعنيني شيء من هذا .. أحترم بشدة – أو أتظاهر باحترام - اليهود والزنوج والشواذ جنسيًا حتى لو كنت أنتمي للحزب الجمهوري ..كنت أمقت الشيوعية واليوم أمقت الإسلام .. هؤلاء القوم الذين يعبدون القمر ويذبحون الأطفال قرابين من أجل إلههم الذي يسمونه (الله) .. ويرقصون عراة في موسم الحصاد ..

    الحادث: ثم أسقط من على الجبل وأنا أمارس التزلج فيتهشم ظهري وأصاب بالشلل، لكني أصر على المقاومة .. وأروح أضرب كرة البيزبول في الحائط طيلة اليوم على سبيل التدريب .. هكذا أستعيد صحتي، وأكتب قصتي في كتاب اسمه (كيف قهرت الشلل) وهو الكتاب الذي يشتريه التلفزيون فورًا، من ثم أتمكن من شراء ذلك البيت الجميل الذي كنت احلم بشرائه في (بالتيمور)..

    النهاية: هذه هي سن سرطان القولون.. مشكلة التقدم في الرعاية الصحية هي أنك لا تموت بالتيفود ولا نوبة قلبية في سن الخمسين كما كان يحدث، بل تنتظر حتى سن الثمانين حين تقرر خلاياك أن تصاب بالجنون.. سأموت في المستشفى ويحرقون جثتي .. ثم يقف أولادي متظاهرين بالتأثر فوق قبري ويطوق أحدهم كتف أمه مواسيًا ويقول آخر: "وداعًا داد .. كنت عظيمًا ... "

    أموت مطمئنًا لأن أولادي باقون من بعدي وسيمشون في نفس الدرب، ويحافظون على القيم الأمريكية .. قيم (علم النجوم اللامعة)...

    هذه هي حياتي لو نشأت في أمريكا أو هاجرت إليها .. وإنني لأسألك بكل صدق : متى عشت ؟.. متى اختلفت ؟... هل هذه هي الحياة التي من أجلها أغسل الأطباق، ,و أدرس الطب ليلاً، وأبحث عن فتاة أمريكية (مضروبة) تقبل الزواج مني وتمنحني الجنسية ؟.. بصراحة عندما أقارن بين حياة (ماي فلو أمريكانز) هذه وحياتنا الحالية بما فيها من فوضى وعشوائية وفقر ومرض و(شعبان عبد الرحيم) فإن شعبان يكسب بالتأكيد ..!
                  

05-04-2009, 04:07 PM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    الفضائيات... وسقوط الأوهام






    يحكي الأستاذ محمد حسنين هيكل عن شاه إيران في أيامه الأخيرة، عندما شعر بوجود مظاهرات عارمة في الشوارع فأرسل خادمه العجوز إلى خارج قصر الطاووس ليتحرى الأنباء، وعاد الخادم ليقول له ما يرغب في سماعه: المظاهرات محدودة يقودها بعض الشيوعيين ولسوف تخمد سريعًا. لكن الشاه لم يسترح لهذا الكلام، فركب طائرته الهليوكوبتر سرًا وحلق في سماء طهران ليرى بعينه كل هذه الحشود التي أمضت ليلتها في الشوارع. وقد سأل طياره في ذهول: هل كل هؤلاء يتظاهرون ضدي ؟. لم يرد الطيار وكانت هذه على كل حال إجابة كافية جدًا. على أن الشاه لدى عودته للقصر أصيب بحالة بارانويا كاملة جعلته يشك في الجميع، وأصدر تعليماته بألا يزور جناحه أحد حتى الإمبراطورة ذاتها..
    إنها اللحظة المحتومة حينما يدرك الطاغية الحقيقة .. إنه لا يملك أية شرعية لدى شعبه وإنهم يمقتونه حقًا .. لا صحة لكلام الحاشية ولا مستشاري السوء .. ليس المتظاهرون (قلة حاقدة) وإنما هم الشعب ذاته بلا نقصان .. وهذا يدلنا على حقيقة أخرى مهمة: حتى أعتى الطغاة يعاني حاجة نفسية ملحة لأن يشعر بأنه على حق وأن هناك من يؤيده .. وانهيار هذا المعتقد قاس جدًا بالنسبة له.

    كان هذا في الأيام السعيدة التي يضطر فيها الحاكم إلى ركوب الهليوكوبتر أو الخروج متخفيًا ليرى بعينيه كراهية شعبه له، أما اليوم فالكراهية نفسها تتسلل إلى غرفة نوم الحاكم عبر شاشات الفضائيات..
    يحدث هذا برغم آلاف المفسرين والمؤيدين ذوي موهبة تبرير كل ما يقوم به الحكام .. يذهب الحاكم لمؤتمر (الفسكونيا) فيسودون الصفحات يشرحون فيها أهمية أن ننضم إلى تيار (الفسكونيا) أخيرًا لأن الزمن غير الزمن وقواعد اللعبة تبدلت، ثم ينسحب الحاكم من مهرجان (الفكسونيا) فيسودون عشرات الصفحات عن عبثية (الفكسونيا) وذلك الوهم الذي ما زال البعض يعيشون فيه. وهي بحق موهبة تستأهل ما ينالون من أجور ومزايا.

    إن موقف الحكام اليوم أقرب إلى الكوميديا السوداء لو كانوا يرون الفضائيات – وهو الاحتمال الأرجح من باب الفضول على الأقل - ويسمعون كل ما يقال ضدهم بلا قيود ولا رقابة .. خاصة مئات المداخلات عبر الهواتف الدولية والتي يستخدم أصحابها أسماء مستعارة، ويتصلون من هواتف عمومية على الأرجح. ثمة من يتهمهم بالعمالة والكفر، ومن يتهمهم بالجبن والتخاذل، ومن يحكي الفظائع التي حدثت له على أيدي عسسهم. هكذا تتولد علاقة فريدة من نوعها جديرة بالدراسة ..

    لم يعد واحد من الحكام العرب يملك أية أوهام بصدد شعبية مزعومة يحاول الشيوعيون أو الأصوليون تدميرها .. لقد صارت الأمور واضحة واللعب (على المكشوف).. إنهم يكرهونني كالجحيم وأنا كذلك أكرههم .. ولولا عصا الأمن الغليظة لحولني هؤلاء إلى أشلاء ..
    من هنا تتولد عقدة السجان المعزول في محيط يمقته.. إنه أكثر الناس قلقًا في السجن. وتدريجيًا يفقد أي ولاء كان يحسبه لديه تجاه شعبه .. فهو غير مدين للناس ببقائه وإنما هو مدين للأمن وللقوى الخارجية ، وليست عليه التزامات من أي نوع تجاههم .. إنها علاقة من انعدام الثقة والمقت المتبادل .. يقول المثل العامي إنه حينما مات كلب العمدة ذهبت البلدة كلها للعزاء، فلما مات العمدة لم يكلف أحد خاطره .. وقد أدرك الحكام هذه الحقيقة وعرفوا أن قيمتهم الوحيدة هي المنصب والقوة ..
    هل يعني هذا أن الفضائيات أدت إلى تدهور علاقة الحاكم بالمحكوم في الدول الشمولية ؟.. هذا التدهور موجود وكان سيتفاقم عاجلاً أم آجلاً، لكنها أدت المهمة بشكل أسرع وبأسلوب (توصيل الخدمة إلى المنازل). فلم تعد ثمة مصداقية لمن يكذب على الحاكم بينما لا مصداقية لمن يكذب على الشعب قبل الفضائيات بزمن سحيق. أما إلام يفضي هذا الغليان وهذا الحراك الجيولوجي كله فالعلم عند الله.





                  

05-05-2009, 08:00 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    أمريكا تحرك الخيوط .. ولكن ؟





    مواضيع كثيرة جدًا تستحق الكتابة عنها هذا الأسبوع.. كثيرة لدرجة أن الأمر يشبه أن تحمل كيسًا مليئًا بالبيض، فيهشم بعضه بعضًا .. في النهاية تجد أنك لا تحمل بيضًا بل كيسًا يحوي سائلاً لا شكل له. هل تكتب عن موضوع البشير وبدء موسم اعتقال الرؤساء العرب ؟.. أم تكتب عن الإضرابات التي تملأ مصر اليوم ؟ أم تكتب عن تضخم شريحة معينة من المجتمع لا تكف عن استعراض نفوذها وقدرتها على مخالفة القانون ؟.. أم تكتب عن السلوك الجماعي المرعب الذي يظهر كلما احتشد الشباب في مكان ما، وهو ما بلغ ذروته مع حفل (أكون) المطرب السنغالي العالمي في الأوبرا، الذي تحرشوا به شخصيًا ؟

    أعتقد أن أكثر المواضيع سخونة هو (البشير)، ومنذ البداية يجب أن أقول إنني لا أحمل غرامًا ملتهبًا تجاه الرجل. لماذا ؟.. تعال نرتب الأسباب معًا:

    السبب 1: كنت أهيم حبًا وافتتانًا بشخصية (سوار الذهب) الذي أراه أعظم رجل عرفته الأمة العربية خلال ثلاثين عامًا، وهو الرجل الذي قام بانقلاب عسكري كي ينتزع السودان ويضعه في يد أهله .. تأكد من أنهم سيعرفون كيف يدبرون أمورهم ثم انصرف .. لا يريد حكمًا ولا ثروة ولا نفوذًا .. كأنه شخصية أسطورية لا تقابلها إلا في الأدب الشعبي .. لكن كل ما قام به (سوار الدهب) تلاشى مع قدوم (البشير) عام 1989، بانقلاب عسكري أطاح بحكومة الأحزاب الديمقراطية، ليقول في حوار صحفي مبكر جدًا: "أنا خُلقت كي أحكم .. إما أن أحكم أو أموت !". استفزت هذه المقولة أحد كتاب جريدة (الأهالي) المرموقين، فقال ساخرًا: "هذا صحيح .. البقاء في الحكم هو الضمان الوحيد له كي لا يحاكم ويُعدم ..".

    السبب 2: كان للبشير دور مهم في تسليم المناضل الفنزويلي (كارلوس) الذي لجأ لبلاده.. (كارلوس) هو جيفارا مصغر بالنسبة لجيلي .. رجل قاتل تحت راية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأثار رعب إسرائيل وأمريكا في كل بقاع الأرض، وهو الذي أشرك معه الجيش الأحمر الياباني وبادر ماينهوف وإيتا .. أي أنه جند كل ثوار العالم لخدمة القضية الفلسطينية. قصة حياة كارلوس أسطورية وجديرة بالسينما .. في النهاية لجأ إلى السودان تحت حماية البشير .. البشير الذي سلمه للمخابرات الفرنسية في أغسطس عام 1994 ليقضي باقي حياته في السجن. على فكرة كان كارلوس مسلمًا وليس شيوعيًا إذا خطر للبعض أنه يستحق ما حدث له !

    السبب 3: لم يكف البشير لحظة عن استعمال ورقة الدين وعلاقته بحسن الترابي متى أراد ذلك .. يضع الترابي على العين والرأس ويدعو معه لتطبيق الشريعة، ثم ينسى الأمر برمته ويزج بالترابي في السجن. هكذا ظل يرفض مطالب الجنوب في استعلاء ثم اضطر لتوقيع اتفاق سلام معه عام 1996.. وقابل (جون جارانج) عام 2002 ليوقع اتفاق (مشاكوس)، وبهذا اكتفى بتطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال دون الجنوب. بالمناسبة .. هل أنت مطمئن تمامًا لحادث الطائرة الذي أودى بحياة (جارانج) ؟

    السبب 4: وماذا عن محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا ؟.. ألم تتجه أصابع الاتهام نحو السودان بقوة وقتها ؟. الترابي أكد في أكثر من حديث أن التخطيط كان سودانيًا أشرف عليه ثلاثة من رؤساء الأمن. وقال الترابي إن هؤلاء أبعدوا ثم أعادهم البشير لمواقع عالية في السلطة، وقال مرات أخرى إن معظم من يعرفون الحقيقة أعدموا أو قتلوا.. الخلاصة أن هناك الكثير من الغبار حول الموضوع .

    السبب 5: لا يجب أن نرفض التقارير الغربية لمجرد أنها غربية .. إن التقارير صادرة عن جهات مستقلة فعلاً ومحترمة ومن بينها (هيومان رايتس ووتش)، وهذه الجهات تؤكد أن البشير ساند حركة (الجنجاويد) من أجل الإبادة العرقية لشعب (دارفور).. اغتصاب جماعي .. حرق قرى.. إعدام بالجملة .. والغرض تغيير ديموجرافية إقليم دارفور الثري . الجنجاويد لفظة تعني ركاب الخيول الذين يقاتلون بالبنادق الآلية .. يعني هم مجموعة من قطاع الطرق يشنون هجمات وحشية عنيفة على السود من قبائل الفور والمساليت والزغاوة، لكنهم نعموا بتواطؤ تام من الجيش السوداني. وفي كل لحظة كان البشير يرفض نشر قوات حفظ سلام في المنطقة .. الحوادث موثقة جيدًا ويمكنك قراءتها بالتفصيل - لو كانت أعصابك تتحمل ذلك - في موقع (هيومان رايتس ووتش) .. نفس السيناريو يتكرر في كل مرة ويصل الجنجاويد مع رجال الجيش وبمركباته أحيانًا، وهم يلبسون نفس الثياب تقريبًا، وتتم المذابح وحرق البيوت ويتم الاغتصاب، بينما تحلق المروحيات تراقب المشهد .

    يرى أصحاب نظرية المؤامرة وتواطؤ المحكمة الدولية أن السودان يؤكد مصرع 35 ألف قتيل في دارفور اعترف بهم أوكامبو كذلك، بينما يتحدث الإعلام الغربي عن 300 ألف قتيل .. هذا التضارب ينسف القصة من جذورها في رأيهم.. وهل رقم 35 ألفًا رقم هين يجب تجاهله ؟. هؤلاء من شعبك يا أخي وليسوا من الصهاينة ..

    رأيت البشير وسط المظاهرات الشعبية المؤيدة والهتافات الرافضة لطلب اعتقاله، وهو يلوح بالعصا كعادته بتلك الطريقة الأبوية القبلية كأنه عمدة يتفقد أنفار العزبة، وسألت نفسي: هذه المظاهرات قام رجاله بتنظيمها .. فكم سيبقى من هؤلاء لو وقعت الواقعة وقبض عليه فعلاً ؟. أذكر صدام حسين – لو كان هو فعلاً - وهو يمشي في حي المنصورية قبل سقوط بغداد بيومين، وكيف راح العراقيون يهتفون له ويلثمون يديه، ثم راح نفس العراقيين ينهالون بالأحذية على تمثاله بعد ذلك بيومين .. كل هذا كلام في كلام فلا يبقى إلا الحاكم الذي أحبه شعبه فعلاً. إن البشير غير مبال وثابت الجنان كما نراه، لكنه بالتأكيد يموت ذعرًا وتوترًا ولا يثق بأحد ممن حوله.. تطارده رؤى الطائرات الأمريكية التي تحيط بطائرته الرئاسية لتأمرها بالتوجه إلى هذه القاعدة الأمريكية أو تلك.

    نعم .. نحن نعرف أن الولايات المتحدة هنالك خلف الكواليس تفرك يديها في شغف ونهم بانتظار الظفر بهذه الثمرة الناضجة المكتنزة بالنفط واليورانيوم ومياه النيل، لدرجة أنها أعلنت أن أفريقيا منطقة مصالح أمريكية وكونت قيادة لها بالجيش الأمريكي اسمها (أفريكيوم). بنفس الطريقة فركت كفيها وسال لعابها وهي ترى (صدام حسين) يعبر الحدود إلى الكويت بمدرعاته. نعرف يقينًا أن أصابعها في كل شيء، لكن من أعطاها الفرصة أولاً ؟. كيف كانت الولايات المتحدة ستتدخل لو لم يغزُ صدام الكويت ولو لم يتورط البشير في مذابح دارفور ؟..
    نعم .. لم يتكلم أحد عن إسرائيل وراوغ أوكامبو كل من طالب بمعاملة مماثلة لسفاحي غزة. العالم يتعامل بمكيالين، لكن لو كان هناك قاتل في شارعك وقاتل في الشارع المجاور لا تقدر على القبض عليه، فهل يعني هذا أن عليك ترك قاتل شارعك وشأنه طلبًا للعدالة ؟.. لا أتمنى أبدًا أن يقبض على البشير أو أراه يُحاكم لأن في هذا إهانة لا شك فيها لي كعربي، لكني أرى أنه يستحق قرار الإيقاف فعلاً. سوف يفكر أي حاكم عربي طويلاً قبل أن يلعب هذه الألعاب الخطرة التي تحرق أنامله.

    إن السودان مهدد ومستهدف، وخطر التقسيم ماثل للعيان ككابوس في الأفق، لكن من سمح بهذا أولاً ؟.. من صنع هذه الثغرات لينفذ منها أعداؤنا ؟.. هذا ما فعله صدام حسين في العراق حرفيًا ويفعله البشير اليوم .. هؤلاء قوم مسخرون لتحقيق مصالح أمريكا وتضييع ما في يدنا من كنوز وثروات. ولا أعتقد أن البشير يبالي كثيرًا بتفكك السودان أو تقسيمه إذا كان هذا سيعطيه يومًا آخر في الحكم. علينا أن نعرف هذه الحقيقة إلى أن نفرز من يبحث عن مصالحنا بذات النهم والجشع الذي تفتش به الولايات المتحدة عن مصالحها في المنطقة
                  

05-06-2009, 09:15 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    أسعد أيام هدى







    عظيمة هي قناة الجزيرة .. قد نختلف معها، وقد نراها منحازة لجهات بعينها ومتجاهلة لأمور بعينها، وقد يتهمها البعض بالعمالة وهي التهمة الجاهزة لوصم كل من نختلف معه .. إن من يختلف معك فكريًا في العالم العربي هو على الأرجح ملحد أو عميل أو شاذ جنسيًا، وبما انه من الصعب اتهام قناة كاملة بالشذوذ الجنسي تبقى تهمة العمالة .. (لم أصدق حتى سمعت بأذني أن هناك من اتهم منظمة حماس وحزب الله بالعمالة لإسرائيل، ولا أعرف المنطق اللوذعي الذي قاد لهذه الاستنتاجات العبقرية)..

    أقول إن قناة الجزيرة فتحت نافذة وسط ستار التعتيم الإعلامي الكثيف، ولولاها لما عرفنا عن الانتفاضة إلا أنها (اضطرابات في الأرض المحتلة) كما كانت وسائل إعلامنا ستصفها .. وعن طريق قناة الجزيرة رأينا أبا (محمد الدرة) يصرخ متوسلاً للإسرائيليين كي يوقفوا الرصاص، ورأينا ظهر جثة الرضيعة (إيمان حجو) الذي تحول إلى فجوة دامية كبيرة، بينما حرصت (سي إن إن) وإعلامنا على إظهار الوجه فقط لأنه لا يعبر إلا عن سلام عميق لرضيعة نائمة، كأن ما فعله الإسرائيليون هو أن ساعدوا الصغيرة كي تنام في سلام ..
    هذا التفوق الذي حققته الجزيرة في فلسطين جاء بفضل كتيبة العظماء وليد العمري وجيفارا البديري وشيرين أبو عقلة ومن معهم من مخرجين ومصورين وفنيين ..

    حظي الأسود جعلني أفتح قناة الجزيرة يوم الجمعة 9 يونيو لأرى هذا المشهد الرهيب .. الطفلة (هدى) تجري على رمال الشاطئ وتتعثر وتنهض، وتصرخ في جنون وهستريا : أبويا !
    أبوها جثة مفتوحة العينين فوق الرمال، بينما الفتاة تحتضنه .. لا تعرف السبب الذي جعله فجأة يرفض النطق وتلبية ندائها ربما للمرة الأولى.. ثم تجول الكاميرا لترينا ما تبقى من حياة هادئة لأسرة أرادت قضاء يوم على شط البحر في غزة .. العوامة .. دلو الماء .. الجاروف .. ثم أسرة الفتاة التي تحولت إلى عجين من اللحم المتفحم والدم .. العوامة والجاروف أشياء مدنية جدًا مسالمة جدًا يصعب أن تتلطخ بالدماء إلا في فيلم (الفك المفترس) لكن إسرائيل فعلتها ..
    ما حدث هو أن سفينة حربية إسرائيلية في عرض البحر قررت أن تمازح هذه الأسرة البريئة بطريقتها .. وكان المذيع يجري التحقيقات ويصور بينما السفينة ما زالت هناك تراقب الموقف في استمتاع واضح ..

    إن مشاهد الموت في فلسطين صارت يومية منذ زمن بعيد، لكن عندما يتعلق الأمر برجال المقاومة وقياداتها فهؤلاء أبطال اختاروا وتحملوا مسئولية قرارهم، وكل واحد منهم يتوقع اليوم الذي سيتحول فيه إلى أشلاء متفحمة يخرجونها من سيارة انصهر معدنها .. أما تلك الأسرة على الشاطئ فلم تختر شيئًا على الإطلاق .. كل ما أرادوه هو يوم من المرح بين الموج والرمال، فلابد أن (هدى) الصغيرة صحت صباحًا منتظرة أسعد يوم في حياتها .. ذات المشهد يذكرني بمشهد رأيته منذ ثلاث سنوات لذلك الصغير الفلسطيني الذي جلس وحده جوار النافذة في غرفة نومه يعد ألعابه لعيد الأضحى غدًا، فكان نصيبه طلقة في رأسه من قناص إسرائيلي يهوى المزاح بدوره .. ظرفاء وأولاد حظ هؤلاء الإسرائيليون حقًا ..
    أسوأ ما في الأم أن هذه الحوادث صارت كثيرة إلى درجة أنها أذابت بعضها ونسيت.. عندما تملأ جوالاً بالبيض الهش فإنه يحطم بعضه فلا يبقى شيء، وإسرائيل تهوى تكديس البيض بحق ..

    من أعطى قائد السفينة الحربية هذا الحق ؟.. إنه ليس ربًا ليقتلني بمشيئته كما يقول العظيم (أمل دنقل).. من أعطاه الحق في أن يحيل حياة هذه الطفلة إلى كوابيس ؟.. من أعطاه الحق في أن يملأ حياتي أنا بالكوابيس ؟
    ويخرج بيان الحكومة الأمريكية كما هي العادة .. هم فقط يتفننون في العبارات التي تثير غيظك: "وقال الناطق باسم الخارجية شون ماكورماك إن بلاده تشجع إسرائيل على التفكير في نتائج هذه الأعمال" ..

    يا سلام على التعبيرات العبقرية ! .. هذه أعمال أدبية وليست تصريحات سياسية .. لو أحضرت تشيكوف وكافكا وموم وماركيز وشكسبير لصياغة جملة سخيفة تتحسس دربها ولا تجرؤ على أن تقول أي شيء مثل (تشجع إسرائيل على التفكير في نتائج هذه الاعمال ) لاعترفوا بأنهم معدومو الموهبة .. من قبل رأى (بوش) أن قصف غزة بطائرات إف 16 (غير مفيد) .. دعك من التعبير العبقري الآخر : "نحن نشعر بقلق" .. طيلة الوقت هم قلقون .. ما كل هذا الحلم وهذا التهذيب ؟.. أتمنى للأخ بوش مصيبة تطيح به كي يشفى من عادة القلق نهائيًا ..
    رجالنا لا ثمن لدمهم .. نساؤنا لا ثمن لدمهم .. أطفالنا لا ثمن لدمهم، بينما يبكي هؤلاء الغربيون تأثرًا ويرفعون الأنخاب وتعصر الأخت (أوبرا وينفري) عينيها تأثرًا بعملية إنقاذ درفيل جنح على ساحل فلوريدا، مع الكثير من الـ (واو) والـ (ياي) والـ (أوه) .. أي نفاق هذا ؟

    السؤال الأهم هو ماذا يعتقد (عباس) أنه يفعله ؟.. يخرج ليتهم أعمال المقاومة بأنها حقيرة، ويشجب قصف المدنيين الفلسطينيين بلغة عقلانية هادئة .. ما هو دوره بالضبط وهو عاجز عن حماية شعبه، وعاجز عن الاحتجاج على ما يحدث لشعبه ؟
    لابد من أن يدفع هؤلاء الثمن .. أما من يتكلم عن الواقعية والتحضر ويطالب الفلسطينيين بأن يموتوا في أدب ورقي، فليخرس من فضله .. لا ثمن لهذا الدم إلا الدم .. لا .. ليس الدم كافيًا .. لو مات ألف إسرائيلي فلن يعوضوا (هدى) الصغيرة عن أبيها، ولن يعوضوا أم (إيمان حجو) عن رضيعتها ..لكنه أقل شيء ممكن لو كانت هناك عدالة حقًا في هذا العالم
                  

05-07-2009, 04:41 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    ميكروباص وسنوبيزم وأشياء أخرى



    لأسباب تتعلق بالنحس، اضطررت ذات مرة إلى العودة من القاهرة إلى طنطا في ساعة متأخرة بعد رحيل آخر القطارات.. وهكذا ركبت إحدى سيارات الميكروباص الواقفة في ميدان رمسيس والتي يصر رجال المرور على أنه لا وجود لها .. منذ البداية لاحظت أن السائق محمر العينين يتكلم بالضبط على طريقة (اللمبي).. نموذج فريد جدًا يصلح لشرح الإدمان عليه لطلبة الطب.. شاب عجن شعره لأعلى بالفازلين، وارتدى سوارًا جلديًا ويعاني حالة متقدمة من الإحساس بالفتونة والعافية والفخر بشاربه.. وانطلق الميكروباص في تلك الرحلة السوداء التي يمكنك أن تتخيلها .. سرعة جهنمية حتى شعرت بأن الميكروباص لا وزن له تقريبًا .. أخطاء قاتلة .. فرملة حيث لا ينبغي أن تفرمل .. الأضواء كلها مطفأة على سبيل (الحرفنة).. كل قاعدة مرور في الكتاب خرقها هذا الفتى .. إنه يسرع في المنحنيات برغم أن أول قاعدة قيادة سمعتها في حياتي هي التهدئة في المنحنيات، من ثم يتحول الميكروباص إلى دراجة أطفال لطيفة تجري على عجلتين .. وعند مدخل أحد الكباري كانت أمامنا مقطورة لا تكف عن إعطاء إشارة الاتجاه إلى اليمين .. هكذا صارت قضية حياته أن يمر من جهة اليمين وإلا فقد رجولته وكرامته .. اقترب جدًا وأوشك على المرور لولا أنه أدرك في آخر لحظة أن الثغرة لا تكفي وأن معنى المحاولة هو السقوط في الماء .. هكذا داس الفرملة بعنف أطار الجالسين .. لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد .. إنه ككل الشخصيات الفمية يعتقد أنه على حق دائمًا .. يخرج رأسه من النافذة ليسب سائق المقطورة بشتائم لا يمكن التلميح لها، وكل ذنب السائق أنه قرر أن يتجه لليمين وأعطى إنذارًا بهذا قبل أن يفعل بخمس دقائق .. من جديد اندفع للأمام ليضغط على سيارة ملاكي تمشي أمامنا.. ضغط عليها جدًا إلى درجة أنه اضطر للفرملة بالعنف بعد ما أوشكت الكارثة على الحدوث .. من ثم أخرج رأسه من النافذة يسب سائق الملاكي وكيف أن (أمه جايباها له) وإنه بالتأكيد رجل مترف رائق البال ذاهب لممارسة الزنا أو عائد منه .. أين الرادار الليلي الذي صدعونا بالكلام عنه ؟.. ولماذا أرى كمين مرور للتفتيش على الأحزمة كل دقيقة في الصباح بينما معظم الحوادث تقع ليلاً ؟.. بهذه الطريقة في القيادة ليس الغريب أن يقع حادث من وقت لآخر.. المعجزة الحقيقية ألا يحدث حادث كل دقيقة.. المعجزة ألا تكون لدى كل سائق ميكروباص مرة واحدة يقود فيها في حياته ثم يموت ويأتي غيره، وكلهم يتوق إلى أن يرى طنطا هذه! (خلص) و(اخطفها) ..كلمتان هما السبب الدائم لمشكلة المرور في بلدنا .. كل حادث لابد أن سببه واحد أراد أن (يخلص) أو وجد فرصة وأراد أن (يخطفها).. حتى هذه اللحظة كنت أرى الركاب هادئين مستسلمين كالخراف، وقد قال لي أحد الجالسين جواري: ـ"هو دايمًا يسوق كده .. ما تركزش وبإذن الله نوصل بالسلامة" لكن صبري كان قد نفد، فلو كان هذا المخبول يتوق إلى تدمير الميكروباص والانتحار فهذا شأنه، أما أنا فليس ضمن برنامجي أن يصير أطفالي يتامى بسبب مدمن أفرط في شرب (التوسيفان) أو تلك الخلطة اللعينة التي يطلقون عليها (مزاج العربجي).. صارحته برأيي في قيادته وكيف إن الميكروباص كاد ينقلب سبع مرات على الأقل .. فقال في غلظة وتحد: ـ"مش انت اللي سايق يا أستاذ.. أنا اللي وازن الدركسيون وعارف أنا بعمل إيه بالضبط .. يعني أنا عاوز أقلب عربيتي ؟" أخبرته بحقيقة حسبتها مفهومة، هي أن كل من انقلبت به السيارة كان يزن عجلة القيادة ويعتقد أنه يعرف ما يفعله ..وبالتأكيد لا أحد منهم تمنى أن يحطم سيارته .., كل هذا مألوف للقارئ ولا يبرر كتابة هذا المقال، لكن ما ليس مفهومًا هو تلك الثورة العامة التي عمت السيارة، وكيف هبت كل تلك الخراف النائمة تصيح بي بمزيج من الغضب الحقيقي ومداهنة السائق: ـ"يا عم ما تفوّلش ... تف من بقك .. بشروا ولا تنفروا !" كان رأسي يوشك على الانفجار من الغيظ .. تأمل معي هذا المنطق .. التحذير هو الذي سيقلب السيارة ويرسلنا إلى الجحيم، بينما كل هذا الذي يمارسه السائق شيء طبيعي والرجل يعرف ما يفعله .. الحوادث لا تقع لأن هناك مستهترين، وإنما لأن أمثالي من الأفندية كغربان البين يصرون على (التفويل) .. طبعًا تمت الرحلة على خير بدليل أنني أكتب هذه السطور، وإن حققت رقمًا قياسيًا جديدًا هو ساعة إلا الثلث من القاهرة لطنطا، لكن هذه القصة ذكرتني بقصة للراحل العظيم (يوسف إدريس) اسمها (سنوبزم)، عن أستاذ الأنثروبولوجي الذي اعتاد ركوب الأتوبيس المزدحم، وفي يوم راقب مشهدًا غريبًا . رجل يتحرش بامرأة إلى درجة محاولة نزع ثوبها .. لما استغاثت المرأة هب ركاب الحافلة كلهم على من ؟.. على المرأة طبعًا .. وتم رميها من السيارة في أول فرصة .. هذا السلوك الجماعي الغريب أثار فضول عالم الأنثروبولوجي فسأل الناس بصوت جهير عن سبب هذا التصرف .. كانت النتيجة أنه تلقى علقة ساخنة وألقي من الأتوبيس بنفس الطريقة .. السلوك الجماعي يتخذ مناحي غريبة أحيانًا، وهو في قصتي يكشف الكثير عن مفهوم القدر في عقولنا .. في هذا المفهوم يعتبر الحذر من الحوادث هو سبب الحوادث، ولا يوجد ما يمكن منعه على الإطلاق و(لو مكتوب لنا نعمل حادثة حنعمل .. حتى لو العربية واقفة).. يا سلام على كل هذا الإيمان والزهد الجديرين بالدخول في تراث التصوف !.. يقود الرجل سيارته بسرعة ثمانين في الساعة وطفله السعيد على حجره خلف المقود، معرضًا الطفل لتهشيم جمجمته مع أول فرملة عنيفة، فلو أنه ارتكب هذه الفعلة في الخارج لشنقوه .. يترك الرجل طفله يتسلق سور الشرفة ويتدلى منها… يناول الرجل صديقه كوب الشاي الساخن فوق رأس طفله .. فإذا تكلمت قال لك في حكمة إن الحذر لا يمنع القدر وإن (ربنا يستر) .. فإذا وقعت الواقعة وهلك الطفل جلس في سرادق العزاء يبكي ويتحدث عن (الوديعة التي استردها الله منا ) و(هذا هو عمره ).. نعم .. كان مكتوبًا أن يتسلق الطفل سور الشرفة وتنزلق قدمه فيسقط في الشارع .. كان مكتوبًا أن ينفجر إطار الميكروباص وينقلب وهو يرمح بسرعة 120 كيلومترًا في الساعة .. كل هذا مكتوب كما كتب أنك أحمق مستهتر، ورعونتك سوف تقودك إلى المهالك .. سبعون بالمائة من الحوادث يمكن منعه .. هذا ما يقوله الغربيون .. كم من حريق ينتظر أن يحدث بسبب عقب سيجارة أو ماس كهربي .. كم من كوب مليء بالبوتاسا الكاوية التي تبدو كاللبن ينتظر الطفل البائس الذي سيشربه .. حادث السيارة المروع الذي سيحدث فجر غد بسبب الرعونة .. كل هذا يمكن منعه .. حتى الأوبئة يمكن منعها لأن هناك فرعًا مهمًا من الطب اسمه الطب الوقائي، فلا تبقى إلا نسبة 30% يستحيل أن تفعل بصددها أي شيء، وهي قائمة البراكين والفيضانات والزلازل، وطبقًا لهذا كان ينبغي أن تكون مصر أكثر بلدان العالم أمنًا، فقد حفظها الله من الكوارث الطبيعية لكننا ملأناها بالكوارث البشرية .. أحيانًا تبلغ القدرية درجة تثير الجنون .. أذكر أن شابًا في العشرين من معارفي أجرى جراحة تافهة، وبسبب خطأ اعترف به طبيب التخدير توفي الفتى على مائدة الجراحة .. قلت لأقاربه إن من حقهم – وربما واجبهم – أن يتخذوا إجراءً قانونيًا .. كان ردهم متوقعًا هو أن التقاضي لن يعيد لهم من مات، ثم أن هذا عمره .. لقد كان مكتوبًا له أن يموت في هذه الساعة .. قلت لهم إنه لو أخرج طبيب التخدير سكينًا وأغمده حتى المقبض في صدر الفتى، فهذا عمره أيضًا .. ولو عممنا القاعدة فلا جدوى من معاقبة القاتل في أية جريمة.. بالطبع لم يكونوا مستعدين لسماع هذا الهراء ، وخبرات آلاف السنين لا يمكن تغييرها لمجرد أنك تريد هذا .. أعتقد أن هذه القدرية سوف تكبلنا للأبد، ما دام لا يمكن منع الحوادث، وما دامت فكرة الاحتياط اعتراضًا على القدر. واجب علماء الدين أن يثبتوا مفهوم (أعقلها وتوكل) في أذهان الناس منذ الصغر، وأن ينموا نوعًا من الوعي المروري ذي الطابع الديني في الأذهان، إذا كان الناس فعلاً متدينين بالقدر الذي يحبون أن يتصوروا أنفسهم به .. الخاطر الأخير الذي جال بذهني بعد مغامرة الميكروباص تلك هو صورة وطن كامل .. وطن كامل يندفع إلى الهاوية، بينما الناس نيام مستسلمون لقدرهم، و(ما تركزش وبإذن الله نوصل بالسلامة)، فإذا فتح أحمق فمه للاعتراض هبوا غاضبين يخرسونه .. السائق يؤكد أنه يسيطر على عجلة القيادة تمامًا لكن الشواهد تكذبه .. ثم إنني استبعدت هذا الخاطر حتى لا يتهمني أحد بـ(التفويل)، فلعلي إذا أسرفت في الحديث عن ضياع الوطن ضاع الوطن فعلاً !
                  

05-07-2009, 09:32 AM

Hala Hassan

تاريخ التسجيل: 06-25-2008
مجموع المشاركات: 3023

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    حمور،
    لم أقرأ كل المقالات،
    و لكن المؤكد أن الدكتور أحمد خالد توفيق له أسلوب سلس جميل،
    يشجع على القراءة و المتعة فى ان واحد،

    و سوف أحرص منذ الان على قراءة مقالاته،،،

    لفت نظرى التالى،،

    Quote: يقول كذلك: " سأدافع عن أهل بلدى المسيحيين الغلابة من أشرار مسلمين يقتلون ويذبحون البشر بكل الطرق وخاصة بعد صلاة الجمعة ". تصور هذا !.. المسلمون يذبحون البشر خاصة بعد صلاة الجمعة !... لم يحدث هذا الجمعة الماضية على ما أذكر ..

    ثم يقول: " ان عدد الاقباط 18 مليونًا يواجهون نفس المشاكل من الإرهاب الإسلامى الذى يواجهه اليهود الخمسة ملايين داخل اسرائيل". لأ بأه .. هل الرجل قال هذا الكلام فعلاً ؟.. أنا أشك في أن هذه الخطابات مدسوسة عليه ويجب التأكد من أنه كتبها، ولو كان كتبها يجب التأكد من أنه يعي ما يقول، لأنه بهذا يفصل أقباط مصر ليضعهم في وعاء واحد مع يهود إسرائيل .. ويعتقد أنه بهذا يقدم لهم خدمة !..

    هناك الأخت مارينا ميخائيل التي تقول في مقال بالإنجليزية: "منذ غزا الإسلام مصر والأقباط يعاملون كالكلاب .. تخيل هذا .. ثم تخيل أن من يعاملك هكذا هم أجانب !.. تخيل أن قومك يقتلون ويهانون ويعذبون .. تخيل أن تعامل كالفلاحين peasants من قوم يحتلون وطنك". لا أفهم كيف يُعامل الفلاحون، إلا إن كانت الأخت مارينا إقطاعية ممن يضربون الفلاحين بالسياط ويربطونهم في الساقية. ثم هل رأيت قبطيًا يُعامل كالكلاب من قبل ؟.. هذه جعجعة تقصد بها إرضاء الأمريكيين لا أكثر ولتذهب الدقة والأمانة للجحيم.


    سيناريو يدعو إلى التفرقة العنصرية،
    كما يدعو إلى التدخل الأجنبى لتفكيك مجتمع يتعايش سلميا منذ مئات السنين،،
    تمام كما حدث فى دارفور،،،

    فأرجو أن يتنبه الإخوة المصريون جيدا و يتحدوا،،،،


    الدور جاى،،،،،
                  

05-07-2009, 11:57 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: Hala Hassan)

    هالة ..
    دكتور احمد ده ما اعجوبة من اعاجيب الدهر حفظه الله.
    ممتع .. مفيد .. متميز.
    اقري المقالات و صدقيني ما حتشوفي انك ضيعتي دقيقة.
                  

05-07-2009, 12:41 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    شكرا العزيز حمور زيادة على مشاركتنا ابداع د.أحمد خالد، والذي صادف ان قرأت له مقالين من قبل، ولفت نظري طريقة العرض أو ما تسمونه أنتم معشر المبدعين تكنيك السرد، المخلوط بروح النكتة وخفة الدم المصرية إياها.
    استمتعت كثيرا بمقالاته التي أعدت نشرها هنا، وإليك وإلى ضيوف بوستك رابط موقعه الرسمي:

    http://www.ahmed-khaled.com/newahmed/index2.htm
                  

05-07-2009, 01:05 PM

محمد يوسف الزين
<aمحمد يوسف الزين
تاريخ التسجيل: 02-08-2008
مجموع المشاركات: 1968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: nadus2000)

    ياخي انت راجل عجيييييب..
    أنت من محبي دكتور أحمد خال توفيق إذاً نحن في نفس النادي.

    في الحقيقة هذه أول مرة أعرف بأن للرجل مقال اسبوعي - كتر خيرك يا حبيبنا.

    مع ان المفاجأة حلوة وأعتذر لأن الموضوع لا يتحدث عن كتب ماوراء الطبيعة وفانتازيا وغيرها وان كنت أتمنى ذلك..فدعني أثرثر قليلاً..
    أحمد خالد توفيق بدأت أقرأ له وأنا في الثانوي تقريباً في العام 95 وكانت أول قصة أقرأها لسلسلة ما وراء الطبيعة هي "اسطورة الكاهن الأخير" ومن يومها لم أتوقف الى أن جرفني الزمن وأعدتني أنت اليوم.
    في الحقيقة لاحظت أن هناك شبه في كتابتك مع كتابة الرجل وأظنني علقت لك بهذا..
    أحمد خالد توفيق أفضل كاتب ساخر قرأت له..عنده أسلوب فريد وأشياء تخصه وحده مثلاً أن يذكر لك مايحدث لمعظمنا ولا نلاحظه فنفاجأ به عندما نقرأه.
    والاساطير في سلسلة ما وراء الطبيعة معظمها في الأدب العالمي - إذا كانت من الارث اليوناني أو الحكايات الشعبية ، ولكن أسلوب الكتابة كان هو العنصر الجاذب.
    رفعت اسماعيل ياااااا يا حمور

    تصدق أني الان أضحك

    أرجوك افتح موضوعاً عن سلسلة ما وراء الطبيعة وستجدنا ان شاءالله في الطليعة.

    شكراً ثانية على المعلومة وعلى المقالات - لنقرأها إذن ونحن ممتنين لك.
    ياخي انت
                  

05-08-2009, 07:39 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: محمد يوسف الزين)

    تحياتي يا نادوس ..
    يمتاز احمد خالد عن غيره من الكتاب المصريين خفيفي الدم بالفطرة انه موسوعي المعرفة و يغزل معارفه تلك بيسر و سلاسه في قلب اعماله.
    شكرا لك ..
                  

05-08-2009, 07:45 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    محمد يوسف ..
    كان لي سابق محاولة لتقديم رفعت اسماعيل هنا لكنها محاولة لم تكتمل.
    و مازالت العزيزة الاميرة لنا مهدي و الصديق معتز احمد و غيرهما يصران على استكمال تلك المحاولة .
    يمكنك مراجعتها هنا :


    أسطورتي .. يحكيها لكم د.رفعت اسماعيل
                  

05-08-2009, 07:59 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    كليوباترا هي وفاء




    أرسل لي أحد الشباب هذا الإعلان عن كتاب جديد في السوق، وهو كتاب يصفه
    الإعلان بأنه «مفاجأة القرن 21»، ويؤكد أنه مصرح به من الأزهر ووزارة الإعلام
    السعودي ورابطة العالم الإسلامي. يعدنا الكتاب بأن يثبت لنا بالأدلة الشرعية ما يلي:

    - الأرض ثابتة لا تدور حول نفسها ولا الشمس.
    - السماء تبعد عن الأرض بـ 7 ملايين كيلومتر فقط.
    - الأرض أكبر من الشمس والقمر معًا.
    - سرعة الضوء = سرعة الصوت.

    - الشمس تجري حول الأرض يوميًا.
    - أكذوبة عشنا فيها حينًا من الدهر اسمها الجاذبية الأرضية.
    - الأعرابي الذي كان أعلم من جاجارين أول رائد فضاء.

    - النجوم عددها محدود وقريبة جدًا من الأرض.
    - الشمس تبعد عن الأرض 687272 كيلومتر فقط.
    - الأرض ليست كوكبًا.
    - الجبال لم تتكون من الأرض بل أتت من فوقها.




    سعر الكتاب ثلاثون جنيهًا في مجلد يمكنني أن أري غلافه الأنيق المصبوغ بماء
    الذهب. يقول الإعلان إنها الطبعة التاسعة. طبعًا يمكنني أن أعرف أنه حقق نجاحًا
    ماديًا هائلاً.. إنه لمغر جدًا أن تقرأ كتابًا كهذا، ولو وجدته أمامي لابتعته بلا تردد.




    يجب أن يكون المرء عادلاً.. بالطبع أنا لم أر الكتاب ولم أقرأه لهذا لن أعتمد علي
    إعلان عنه، وبالتالي لا أضمن أن موافقة الأزهر عليه صحيحة بصورته المذكورة في
    الإعلان. أحب أن أعتقد هذا.. لو صح الكلام المذكور في الإعلان لكانت ضربة قوية
    لعلمي الفلك والفيزياء ونظرية النسبية وميكانيكا الكم، فهذا المؤلف قد استطاع أن
    يسحق نيوتن وأينشتين وكوبرنيكوس وإنريكو فيرمي وتايكوبراه وجاليليو وهوكنج
    بضربة ساحقة ماحقة، دون أن يدرس حرفًا من علم الفيزياء.




    يقابل المرء طيلة يومه أمثلة مشابهة، وليس هذا الكلام غريبًا علي مسامعنا علي
    كل حال. لكن الاستفزاز يبلغ أحيانًا درجات لا تطاق تجعلك تتساءل: ما جدوي الكتابة
    إذا ظللت صامتًا الآن؟




    مثلاً.. اعتدنا سماع ادعاء اليهود أنهم هم بناة الأهرام تحت قهر الفراعنة، ثم غادروا
    مصر وتركوها لنا هدية. بعد هذا جاء أنيس منصور ليطرح فكرة أن الأهرام جاءت من
    الفضاء.. هناك مشكلة لدي العالم كله هي أن يأخذ الأهرام منا وخلاص.. بأي
    تفسير ممكن.. يجب أن نؤمن أن الأهرام لم يبنها الفتي الأسمر مفتول العضلات
    «حور» الذي هو جد «محمود» وعم «مينا» اللذين يقفان الآن في طابور الخبز في شبرا..




    الآن يتطوع باحث مصري بدور مشابه، فيزعم نظرية فريدة من النظريات التي تنهمر
    علينا كل يوم، وقد انطلق من نقطة ذكية هي أن الأهرام مفرطة في الضخامة هكذا
    يصل إلي نظريته التي تؤكد أن الأهرام لم يبنها اليهود ولا الفضائيون ولا الفراعنة!.
    عنوان الكتاب الذي صدر عام 1996 يستحق وقفة : «الفراعنة لصوص حضارة »!..


    وهو يعتمد علي منطق بسيط.. الأهرام ضخمة ولا نعرف طريقة بنائها، إذن من
    بناها عمالقة لهذا كان الأمر سهلاً كأنهم يضعون علب كبريت فوق بعضها.. انتهي
    البحث !. تأمل هذه الجملة المنطقية القوية: فمن جهة العقل لا يوجد ما يدل علي
    كون بناة الأهرام هم الفراعنة، بل الأنسب أن يكون بناتُه قوم عاد الذين أعطاهم الله
    عز وجل القوة وزادهم في الخلق بسطة .منطق غريب.. ما دام البناء ضخما فمن
    صنعه هو الأضخم وقت صنعه


    هناك صور كثيرة جدًا ملفقة ببرنامج فوتوشوب لهياكل عمالقة وعامل صعيدي يحفر
    ليظهر هيكل عملاق تحت الرمال. عندما يكون طول العملاق من قوم عاد 15 مترًا
    فإن حمل هذه الأحجار سهل جدًا.. طبعًا الحكومة المصرية تخفي هذه الحقائق. لا
    أدري ما المنطق القوي هنا؟.. هناك آثار ضخمة وألغاز غامضة في الكون كله. وماذا
    عن أهرام المكسيك الغريبة يا أخي؟.. من بناها؟. ألم ير المنمنمات الدقيقة التي
    توشك ألا تراها بالعين المجردة في المتحف المصري؟. هل سيتطوع بنظرية أخري
    تؤكد أن شعبًا من الأقزام فعل ذلك؟




    قوم عاد الأولي في رأي الباحث هم بناة الأهرام.. بني قومهم مدينة إرم ذات
    العماد بالأحقاف .... لماذا لم نجد مقابر وآثارًا لقوم عاد؟.. لأن الأهرام هي آثارهم،
    وتعبير «إرم ذات العماد» القرآني يقصد به «الأهرام المدببة» لأن القبائل العربية
    كانت تحيل حرف الهاء همزة.. معلوماتي أن الأحقاف في الجزيرة العربية فماذا جاء بها هنا؟




    الحقيقة الثانية كما يقول هي أن الفراعنة هكسوس جاءوا من شمال الجزيرة
    العربية، وهم من العماليق بقايا عصر ثمود.. والخلاصة أن الحضارة الفرعونية جاءت
    من الجزيرة العربية، بينما المصري العادي كان غلبان جاهلاً نحيلاً مذعورًا يعيش في بيوت من طين..




    الكتاب يحوي حقائق لا يتسع المجال لذكرها بالتفصيل، لكن من بينها أنه لا يوجد
    شيء اسمه التحنيط.. لا توجد ديناصورات وإنما هي خدعة كبري.. «هي عظام
    حيوانات قوم عاد العمالقة مدفونة منذ 70 ألف عام، وحتي لا ينتبه الناس إلي تلك
    الحقيقة الجلية فقد صوروا أشكالاً «هكذا في الأصل» لديناصورات مخيفة علي
    العظام من وحيهم ونسج خيالهم وادعوا أنها عاشت منذ 65 مليون سنة ليلهوا الناس


    «. والدليل الذي لا يدحض لديه هو: هل يتصور أحد أن تظل العظام 65 مليون سنة؟.
    الفراعنة كانوا يتحدثون باللغة العربية ولكن يكتبونها بحروف الهيروغليفية
    والهيراطيقية والديموطيقية، وقد أثبت العديد من أساتذة اللغة العربية بأن كليوباترا
    تعني في الأصل وفاء، وأن آمون يعني آمين، ورع يعني رأي . وإخفاء تلك الحقيقة
    عنا ليس سببه إخفاء أصل أن مصر هي أصل العرب فحسب، بل لإخفاء حقيقة أن
    التوراة نزلت باللغة العربية!!




    منذ البداية هناك حول الموضوع صبغة دينية تهدد بخراب بيتك لو أنكرته.. قوم عاد
    ذكروا في القرآن إذن إنكار قوم عاد إنكار للقرآن.. هذا صحيح، لكن هنا تأتي الحيلة
    المعروفة: مزج ما هو مقدس بما هو رأي المؤلف.. هل لو أنكرت أن قوم عاد بنوا
    الأهرام تكون قد أنكرت وجودهم؟. بنفس الطريقة أنفق العرب المليارات علي من
    يخرجون الجان من أجسادهم.. هل إنكار تلبس الجان للإنسان إنكار لوجود الجان؟…
    هكذا يمكن أن يمر كل شيء ..


    ثم يلعب علي الوتر الذي لا يفشل أبدًا: «وأكثر ما يُصرِّح به الآثار يون تتم معالجته
    سياسيا قبل طرحه إعلاميا. فعلوم الآثار قد صادرها الغرب مصادرة تامَّة واستغلَّها سياسياً»




    بوضوح يتهم الباحث مقدمًا من يزعم أن الفراعنة بنوا الأهرام بأنه من عملاء اليهودية
    في مصر!.. راجع المنطق المضطرب من جديد.. مثل منطق الطبيب الذي قال إن
    الإيدز لا وجود له وهو خدعة ألفتها أمريكا لنشر الشذوذ..! كيف يمكن نشر الشذوذ
    باختراع داء والزعم أنه ينتقل بالشذوذ؟..




    النظرية لها شعبية قوية جدًا علي شبكة الإنترنت والناس تقبلها كحقيقة مسلمة
    مذهلة أخري، وهناك قارئة قالت في دهشة: «بالضبط مثل خدعة ناسا عندما
    زعمت أنهم نزلوا علي القمر !». والكارثة الألعن هو هذا الرد في أحد المنتديات:
    «هو بجد الكلام ده حقيقي؟ أنا أصلا في كلية أثار بجد الكلام ده مضبوط أنا هتجنن
    أنا خلاص آخر سنة ليا في الجامعة يعني الكلام اللي أنا بدرسه ده ملوش أي لازمة بالله عليك ترد عليا».
    هذا طالب في آخر سنة بكلية الآثار، وهو يشك في كل ما درسه من قبل بسبب هذا الكلام.




    نحن نتراجع بلا توقف ..
    هل كان أحد يجرؤ علي كتابة هذا الكلام منذ عشرين عامًا؟ ..
    اليوم يكتبونه ويبيعونه ويجدون من يقرأه في حماس باعتبار هذا هو «العلم كله»..
    أليس هذا بالضبط مناخ القرون الوسطي ومحاكم التفتيش وإعدام تايكوبراه والتهديد
    بحرق جاليليو؟.. الاعتراض علي هذا الهراء يهدد بأن تتحول إلي فولتير.. سيقولون:
    «هذا الكاتب يطالب بالعلمانية وإلغاء الدين كما فعلت أوروبا»..يقولونها وهم ذاهبون
    للمصرف لإيداع حصيلة بيع الكتاب الأخير وصرف شيكات الفضائيات. بينما صمتك
    علي هذا الكلام هو كتمان شهادة الحق فعلاً.. والآن تصور معي النتيجة بعد
    عشرين عامًا وماذا نتوقع من شعب لا يقرأ سوي هذا الكلام، وقد عشش الصدأ
    وخيوط العناكب في رأسه. تخيل معي!
                  

05-08-2009, 08:40 AM

حامد محمد حامد
<aحامد محمد حامد
تاريخ التسجيل: 11-18-2008
مجموع المشاركات: 3085

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    الرائع دوما حمور

    شكرى الكثير لما اوردته هنا وهذه المقالات الرائعة, كاتب سوف اتتبع كتاباته منذ اليوم حيث انى لم اقرأ له من قبل

    تحياتى وجمعتك مباركة
                  

05-08-2009, 08:49 AM

محمد سنى دفع الله
<aمحمد سنى دفع الله
تاريخ التسجيل: 12-10-2005
مجموع المشاركات: 11025

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حامد محمد حامد)

                  

05-08-2009, 09:10 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: محمد سنى دفع الله)

    تحياتي يا حامد ..
    دكتور احمد قلم جدير بالمتابعة حقا ..
    انه ابداع لا ينضب
                  

05-08-2009, 09:13 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    شكرا استاذنا الكبير السني.
    و بالمناسبة دكتور أحمد خالد من أشد المعجبين بسيدنا الطيب الصالح .
                  

05-08-2009, 09:16 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)


    لعنة البدايات الأبدية



    في سن العاشرة طلبت منا «أبلة فتحية» ناظرة مدرسة الإصلاح الابتدائية أن نذهب للقاء وفد من الأطفال السوفيت جاء لزيارة مدينة طنطا. في ذلك الوقت علمونا في المدرسة أن الاتحاد السوفيتي يمثل لنا الصديق القوي الودود الذي يساعدنا بلا مقابل، وكانت هناك حكايات عن الطيارين السوفيت الذين يحمون سماءنا من طائرات الفانتوم الإسرائيلية.. كان اللقاء أشبه بحلم جميل..راقص الكازاتشوك.. المهرج الذي يلبس كأرنب.. أرنب سوفيتي جدًا يضع في قدميه حذاءين من فراء.. ثم ماروشكا.. الطفلة السوفيتية التي لم أتصور قط أن يوجد كائن حي أو ميت بجمالها، وكانت تتكلم العربية بطلاقة..

    ثم عزفت معلمتهم الحسناء علي الأكورديون فنهضت ماروشكا وصديقاتها يرقصن، فتأكد لدي أنها دمية تعمل بالزنبرك فعلاً. حتي اللحن أذكره بعد خمسة وثلاثين عامًا.. وفي كل لحظة كان الأطفال يتخذون وضعًا مسرحيًا ثابتًا ويهتفون: بروسكي أرابسكي.. مش عارف إيه كده.. «تحيا الصداقة العربية السوفيتية»..

    الاتحاد السوفيتي جميل لطيف له وجه ماروشكا ولون شعرها وابتسامتها. وفي ذلك الوقت كان الحماس للشيوعية متأججًا، وكان في مكتبة بيتنا كتاب لموسي صبري شخصيًا اسمه «شيوعيون في كل مكان» يري فيه أن الشيوعية سوف تغزو العالم سواء أردنا أم لم نرد..

    عرفت فيما بعد أن السادات طرد الخبراء السوفيت وأعلن أن الاتحاد السوفيتي مماطل وتاجر سلاح من الطراز الرخيص.. شعرت وقتها بأن العداوة هي بين السادات وماروشكا شخصيًا، ولم يكن هناك شك في الطرف الذي سيتحمس له طفل العاشرة. لكنهم في المدرسة تحولوا فجأة إلي أعداء للشيوعية وراح المدرسون يحكون لنا مدي نذالة وانحلال السوفيت، وكيف أن الشيوعية أفيون الشعوب الحقيقي...

    هكذا كان علينا أن نغسل معتقداتنا ونبدأ من جديد...

    الشيء نفسه ينطبق علي عصر عبد الناصر و«ارفع رأسك يا أخي» وشعارات الاشتراكية، وكنت أنا قد نشأت في بيت ناصري صميم يعتقد أن عبد الناصر يعرف كل شيء ويقدر علي اجتياز أي مشكلة. وفي صحف 3 يونيه عام 1967 أراني أبي كاريكاتورًا جميلاً يظهر طوابير الإسرائيليين واقفين أمام دورة المياه لأنهم مصابون بالإسهال رعبًا، ويوم 5 يونيه دخل أبي للقيلولة وقال لنا: «أخبروني عندما يتم تحرير فلسطين كلها». ثم عرفنا أننا كنا مخدوعين وأننا سحقنا سحقًا في ذلك اليوم. وزارتنا بعد أيام طبيبة محجبة اندهشت لمنظرها، لأني لم أر حجابًا في حياتي من قبل.. قالت لنا إن سبب هزيمتنا هو ابتعادنا عن الدين ونسيانه.. لا أعرف أين ذهبتْ ولا مصيرها بعد ذلك، لكنها جعلتنا ندرك أن علينا أن نبدأ من جديد ونغير معتقداتنا الحمقاء..

    في عصر أنور السادات قيل لنا إن عبد الناصر كان طاغية، وإن زوار الفجر كانوا يقتحمون البيوت ويغتصبون «سعاد حسني» في فيلم «الكرنك»، وبدأ عهد جديد دشنته موسيقي برنامج العلم والإيمان.. صار اسم السادات هو «الرئيس المؤمن» وراح الكل يتحدث عن أخلاق القرية. وصار علي كل كاتب أن يكتب كتابًا يشتم فيه الشيوعية فصدرت كتب تحمل عناوين مثل «تقدميون للخلف» وأعيد طبع كتاب «أفيون الشعوب: المذاهب الهدامة» للعقاد.. من لم يشتموا الشيوعية تراجعوا لخلفية الصورة بينما وثبت أسماء للمقدمة منها رشاد رشدي ويوسف السباعي وصالح جودت. ثم عرفنا أن سياسة الدول المنغلقة الغبية في الاقتصاد هي سبب مشاكلنا، وأن علينا أن ننتجع شيئًا غامضًا اسمه «الانفتاح».. كل ما فات كان وهمًا غبيًا... علينا أن نبدأ من جديد..

    ثم صحونا ذات يوم لنعرف أن إسرائيل ليست بهذا السوء.. الموضوع موضوع سوء تفاهم وانعدام ثقة، وفي المدرسة دخل علينا أكثر من مدرس ليشرح لنا في حماس وهو دامع العينين كيف أن «العرب جرب» وأن معاناتنا قد انتهت.. علي هؤلاء الجالسين يقاتلون بالميكروفونات في مقاهي باريس أن يكفوا عن المطالبة بموت آخر جندي مصري.. وعلي شاشة التليفزيون راحت أم كلثوم تغني أغنية قديمة وجدها أحدهم في مخازن التليفزيون، يصاحبها مونتاج لأغلفة مجلة أكتوبر ركبته المخرجة «فريدة عرمان»، و«مهما كنا.. مهما كنتم.. من حقوقنا ومن حقوقكم الحياة والسلام». مع صور باسمة ودود لبيجين وشارون وديان وجولدا مائير، وخصص أنيس منصور مجلة أكتوبر لنشر صور السادات مع قادة إسرائيل.. هذه حرب لا مبرر لها يا جماعة.. كنا مخطئين وعلينا البدء من جديد..

    في أيام الكلية تحمسنا بجنون للجهاد في أفغانستان ولدي تخرجنا تطوع بعض الأطباء الشبان للسفر هناك لعلاج المجاهدين.. ثم عرفنا أننا كنا مجرد مقلب ضمن سلسلة المقالب المتبادلة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.. الاتحاد السوفيتي أعطي أمريكا مقلبًا في فيتنام فقرر برجينسكي أن يرد الصاع صاعين بتوريط الاتحاد السوفيتي في دخول أفغانستان، ثم في جهاد مقدس يهز موسكو شخصيًا، ونحن لم ندر أن المخابرات المركزية الأمريكية جزء فعال ونشط في هذا الجهاد.. فقط دفع الثمن المتحمسون الشباب الذين ذهبوا لأفغانستان ليطاردوا أمنيًا في بلادهم إلي الأبد..

    بعد أعوام جاء من قال لنا إن الصحوة الدينية في الجامعات لم تكن سوي محاولة السادات لمواجهة التيار الناصري المتنامي، ولهذا استقدم الإخوان وأعطاهم سيطرة مطلقة علي الجامعات.. ثم خرج الجني من القمقم - علي رأي هيكل - ولم تعد أي صلوات ولا أدعية قادرة علي إعادته.. لقد مات السادات بيد الوحش الذي أطلق سراحه، وكل هذا الحماس الديني قد جعل المجتمع متطرفًا بدرجة لا يمكن السيطرة عليها.. سوري يا جماعة.. كنا نتحرك بشكل خطأ.. سوف نبدأ من جديد.

    الشيخ سيد إمام -منظر القاعدة القيادي- يعلن مراجعاته وأنهم كانوا مخطئين.. مخطئين عندما نثروا الانفجارات في شوارع القاهرة وعندما ماتت التلميذات الذاهبات إلي مدارسهن.. حتي أيمن الظواهري اعترف في لقاء قديم مع قناة الجزيرة بأن هذه العمليات كان المقصود بها هز نظام الحكم، لكنها أثارت الشارع علي الجماعة.. الاعتراف بالخطأ جميل لكن من يرد لهؤلاء الضحايا أرواحهم؟. ومن جديد نحن كنا مخطئين.. تعالوا نبدأ من جديد..

    الانفتاح يا جماعة كان وبالاً علي مصر.. سياسة الخصخصة أدت لبيع مصر كلها وقضت علي ما شيده عبد الناصر في 18 عامًا.. لكنكم قلتم إن سياسة عبد الناصر كانت هي الانغلاق واشتراكية الفقر. يقولون لك: بالعكس.. كانت سياسته ممتازة وكل دول العالم تسمح بتدخل الحكومة في الاقتصاد في النهاية.. حتي الولايات المتحدة نفسها لم تسمح ببيع أصولها للأجانب برغم كل ما تتشدق به عن السوق الحرة. ثم يظهر أحدهم في التليفزيون متحمسًا ليؤكد: الأزمة الاقتصادية الأخيرة أكدت أنه لابد من تدخل الدولة.. من حسن الحظ أننا لم نندفع وراء العولمة تمامًا وإلا لضعنا كما ضاعوا..

    كنا مخطئين يا جماعة.. فلنبدأ من جديد.. يا سلام!.. وكيف تسترد كل ما بعته؟.. مجمع الألومنيوم علي سبيل المثال لا الحصر.

    هكذا كُتب علينا هذا العذاب السيزيفي.. دحرجة الصخرة لقمة الجبل لتسقط من جديد... في كل يوم بداية جديدة.. في كل يوم نكتشف أننا كنا مخطئين وقد هدانا الله للصواب أخيرًا.. وهكذا يعزف الناس عن الثقة بأي شيء أو الحماسة لأي شيء.. من أدرانا أن التجربة الجديدة ليست خاطئة بدورها؟.. أليست هذه بداية خطأ آخر؟.. هنا يظهر هذا المسئول أو ذاك ليمط شفته السفلي في اشمئزاز: «كل هذه السلبية؟.. لا أعرف لماذا يعزف الناس عن المشاركة؟.. كيف تتقدم مصر من دون جهود أبنائها؟».

    أقول له: يا سيدي.. فيكم البركة.. أنت أيدتم كل القرارات في كل العهود.. أيدتم الاشتراكية والشيوعية والرأسمالية والصحوة الدينية والانفتاح والحرب والتطبيع والخصخصة وزوار الفجر وهدم السجون و.. و... أنتم جنيتم الثمار في كل العصور وكروشكم تزداد سمنة، ومن الطبيعي جدًا أن تتغنوا بحب مصر فشمسها في سماركم وشكلها في ملامحكم فعلاً.. ولونكم قمحي فعلاً.. فقط ارحمونا واصمتوا قليلاً.

                  

05-08-2009, 03:06 PM

حامد محمد حامد
<aحامد محمد حامد
تاريخ التسجيل: 11-18-2008
مجموع المشاركات: 3085

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    حمور

    الان نفتح الصندوق2
                  

05-09-2009, 07:53 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حامد محمد حامد)

    حامد ..
    كل لحظة في صندوق دكتور احمد لحظة لها متعتها.
    صدقني من يقرأ لدكتور احمد خالد لا يندم ابدا.
                  

05-09-2009, 07:57 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)


    عن عيسي والعقاد وودوارد



    «لقد ظل حبل عدالتكم يتأرجح أمامي طويلاً» .. لا أعرف إن كان «عمر المختار» قد قال هذه العبارة الساخرة للجنرال «جراتسياني» حقًا أم إنها من تأليف السيناريست العبقري «هاري كريج» لكني كنت أتذكرها دوما كلما ذكر اسم إبراهيم عيسي. كل طفل كان يعرف أن ابراهيم عيسي سوف يسجن .. هو نفسه كان موقنًا أنه سيسجن، وأن الأمر قد صدر بأن: «الولد ده لازم يتأدب»، ولكننا لم نصدق هذا حتي اللحظة الأخيرة. في فترة معينة راهن «عيسي» علي الضغط الأمريكي من أجل الديمقراطية حتي لو لم تكن نيتهم صادقة، وكما قال في إحدي مقالاته:

    «لولا الضغط الأمريكي لسحلونا في الشوارع سحلاً»!، وهو رهان بدأ يتراجع مع تراجع اهتمام أمريكا الواضح بالتطبيق الديمقراطي .. بدا واضحًا للجميع أنها «هوجة» وتزول. أمريكا لا يهمها من الديمقراطية إلا ما تمنحه من وسائل ضغط علي الحكومة .. هي تريد البترول وإسرائيل فقط، وبعد هذا فلتذهب المنطقة كلها للجحيم !.

    كان لابد من عقاب «عيسي»، فهو رجل صريح مفعم بالحيوية، وما يقوله صحيح فعلاً ويعبر بسخرية لاذعة عما يفكر فيه المواطن المفروس غير القادر علي إعلان رأيه. وكلامه منطقي متماسك يصعب الرد عليه. هل تذكر ذلك الصبي الذكي الذي كان يقهرك في الشطرنج كلما لعبت معه، فلم تجد طريقة أخري سوي تحطيم أنفه؟. كان إبراهيم عيسي وعبد الحليم قنديل وعلاء الأسواني في رأيي من أهم من زحزح الكثير من التابوهات ورفع سقف النقد عاليًا جدًا، وأعترف أنني كنت أقرأ لهم في التسعينيات وأنا مذعور لا أصدق أن هناك من كتب هذا! .. تصور أن تخاف من القراءة فكيف بمن يكتب؟. كان الكل صامتًا أو يتحدث بتهذيب أو ينتقد الوزراء علي الأكثر، أما هؤلاء فقد فجَّروا ممرات جديدة في الصخر سرعان ما مشي فيها آخرون، وقد كتبت في موضع آخر منذ أعوام: عندما تأتي لحظة الحساب عندما ينفرد النظام بمعارضيه - وهي آتية حتمًا - فلسوف نعرف من هو ثائر حقًا .. من الذي وضع قلبه علي كفه .. من الشجاع حقًا .. من الذي يبقي علي غضبته الشريفة المقدسة ومن ينسي الأمر برمته ..

    كان «علاء الأسواني» يقول ما يقوله الناس اليوم، لكن ذلك كان في أواسط التسعينيات، وكان يتكلم وحده .. ولم يكن أحد ليلاحظ لو سُجن أو ضرب أو اختفي أو أذيب في الحمض! ... «عبد الحليم قنديل» خُطف وضرب وجرد من ثيابه وألقي في الصحراء يتحسس طريقه في الظلام، ولم يعلق أحد علي ما حدث! .. مقالات «فهمي هويدي» التي حُجبت عن النشر تفوق عدة مرات ما وجد طريقه إلي الأهرام. «إبراهيم عيسي» حورب في رزقه وأغلقوا له أهم تجربة صحفية ظهرت في مصر في الربع قرن الأخير، واليوم هو يدخل السجن علي سبيل قرص الأذن!.

    أشك أن يتغير «عيسي»، وهو المناضل المشاكس حار الدماء.. أذكر أني قرأت له مقالاً جميلاً في الإصدار الأول لـ«الدستور» يصف فيه جلسة محاكمة حضرها، فراح يحكي قصة مطلَّقة رقيقة كانت قضيتها قبل قضيته .. أي إنه كان أثناء جلوسه في المحكمة منهمكًا في إعداد مقاله الذي سينشر في الدستور غدًا !. هذا أسلوب حياة إذن وليس شيئًا عارضًا.

    السجن لعيسي والبراءة لصاحب العبَّارة وصاحب الدم الفاسد!. حريق في مجلس الشوري وآخر في المسرح القومي .. تصريحات خاطئة تثير ضحك العالم يطلقها وزير خارجيتنا، وتصريحات أخري عن مليوني فدان لزراعة القمح تكذِّبها الحكومة الأوغندية .. أكره نظرية المؤامرة لكنني بدأت أعتقد فعلاً أن هذه الكوارث ليست سوء تصرف .. هناك جهة ما تعمل بكفاءة عالية ودقة متناهية لارتكاب الأخطاء .. أي إن مهمتها هي عدم عمل أي شيء بشكل صحيح!. والغرض إسقاط الحكومة وجعل عدد كارهيها كحبات رمال الصحراء...

    لو أنني الحكومة لما عاقبت هذا الرجل بأي شكل .. ولكنت أذكي من أن أجعل منه بطلاً وشهيدًا. سوف يمضي شهرين في السجن لكن تأمل لحظة خروجه !.. يمكنني أن أري بعيني استقباله واللافتات وعناوين «الدستور»، والتهاني من كل الصحف المستقلة والمعارضة. الممرضة البوليفية التي حضرت مصرع جيفارا قالت: «كانت غلطة عمرهم أنهم التقطوا صورته وهو مقتول .. لقد بدا وقتها كالمسيح بالضبط، وقد صنع منه هؤلاء الحمقي شهيدًا !». العمر الطويل لإبراهيم عيسي طبعًا لكنه قد تحوَّل إلي بطل فعلاً، واللافتات التي تحمل صورته وهو ينظر لأعلي بشاربه الكث الشهير وياقته المفتوحة وحمالتي البنطلون توشك أن تجعل منه جيفارا المصري، وقد غيرَّ شباب كثيرون صورة الـ Avatar الخاصة بهم في المنتديات لتصير صورة «عيسي» هذه. فلن يطول الوقت قبل أن تري صورته علي سيارات الشباب أو التي شيرتات. كل من كان يعارضه أو يهاجمه صار يدعو له بالثبات!.

    ذكرتني قصة «عيسي» كذلك بكاتب عملاق قضي في السجن فترة أطول هو «العقاد» الذي هاجم حكومة صدقي في عدة مقالات، ثم قال: «إن الأمة علي استعداد لأن تسحق أكبر رأس يخون الدستور أو يعتدي عليه!». طبعًا اقتربت هذه الكلمات إلي حد غير مسبوق من الملك فؤاد، وهكذا قدُِّم العقاد إلي المحكمة بتهمة العيب في الذات الملكية، وحكم عليه بالسجن تسعة أشهر.. وعندما خرج وقف علي قبر سعد زغلول وقال قصيدته الخالدة:

    وكنت جنين السجن تسعة أشهر

    فهأنذا في ساحة الخلد أولد

    ففي كل يوم يولد المرء ذو الحجي

    وفي كل يوم ذو الجهالة يلحد

    نحن لا نذكر اسم القاضي، ولا نذكر صدقي إلا مصحوبًا بالشتائم، أما القصيدة فخالدة للأبد مع صاحبها. يبدو أنها كانت فترة سوداء فعلاً، لأن صدقي سجن العقاد وأبعد طه حسين عن الجامعة مما جعل أحمد لطفي السيد يستقيل من رئاستها، وفصل حافظ إبراهيم من وظيفته بسبب قصيدته التي يقول فيها عن صدقي:

    ودعا عليك الله في محرابه

    الشيخ والقسيس والحاخام

    وفي الوقت نفسه تذكرت قصة علي النقيض تمامًا بطلها الصحفي الأمريكي الأهم والأشهر «بوب ودوارد» الذي أطاح بنيكسون قبل ذلك في فضيحة ووترجيت الشهيرة، والقصة نشرتها مجلة تايم في 28 فبراير عام 1977، وقد حكاها الأستاذ «هيكل» في كتابه «كلام في السياسة» علي كل حال. القصة هي أن كارتر في بداية تولي منصبه فوجئ بأن المخابرات المركزية تدفع مليون دولار سنويًا رشوة لزعيم عربي لن أذكر اسمه لأن هذا ليس موضوعنا. كيف عرف كارتر هذا ؟.. عرفه من محرر واشنطن بوست العظيم «بوب ودوارد». قام كارتر بإيقاف صرف هذا المبلغ، وطلب من بوب ودوارد عدم نشر الخبر، لأن هذا وقت غير مناسب .. إن سيروس فانس وزير الخارجية يزور المنطقة العربية، ومن شأن النشر إفشال زيارته بالكامل .. تصور أن رئيس الولايات المتحدة يطلب من ودوارد عدم النشر بعد إذنه يعني ..وودوارد يقول بكبرياء: «سوف نجتمع في الجريدة ونقرر .. لو قررنا نشر الخبر سوف نخطركم قبل ذلك بأربع وعشرين ساعة !». لم يختف ودوارد وراء الشمس ولم ينفخوه ولم تحترق مكاتب الجريدة.. فعلا نشر الخبر وكانت فضيحة.. فماذا فعل كارتر ؟.. أرسل للجريدة يقول: «اسمحوا لي أن أقول إن تصرف النشر كان تصرفًا غير مسئول . وأنا أقول هذا كقارئ لجريدتكم وليس كرئيس الولايات المتحدة !». هل تري كيف يعامل الصحفي ؟.. فعلاً هي سلطة أقوي بكثير من رئيس الولايات المتحدة نفسه. يقول بوب ودوارد عن كتابه الأخير الذي يحكي أسرار حرب العراق: «أحمد الله أنني لست في العالم الثالث وإلا لسجنت بسبب هذا الكتاب أو قتلت !». احمد ربك فعلاً يا بوب .. أنت الأمريكي المرفَّه كنت ستتعب جدًا في سجن طرة، كما أنك لن تتحمل المشي عاريًا وحيدًا في الصحراء الساعة الرابعة صباحًا، ومن دون نظارة كذلك !
                  

05-09-2009, 08:16 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)


    إيناف إز إيناف



    شعور غريب فعلاً أن تجلس أمام شاشات التليفزيون لتري بدايات التحرك البري الإسرائيلي نحو غزة بعد القصف المدفعي.. للمرة الأولي في التاريخ يري الناس مذبحة في مرحلة الإعداد لها، وبرغم هذا لا يحركون ساكنًا علي الإطلاق. أذكر أيام غزو العراق أن مراسل الجزيرة في بريطانيا كان يرينا عند الظهر وعبر السلك الشائك الطائرات (ب - 51) وهي تسخن محركاتها وتنطلق للقتل، بينما في المساء يريك مراسل الجزيرة في بغداد الغارة التي قامت بها هذه الطائرات فور وصولها.

    كل شيء يصل لك لتراه لحظة بلحظة فلا تدعّ الجهل أو عدم العلم. واضح أن (وائل الدحدوح) و(وليد العمري) وباقي مراسلي الجزيرة تنتظرهم ليلة سوداء.

    سؤال للسادة خبراء القانون الدولي والعلاقات الدولية: ما جدوي مجلس الأمن؟.. وماذا حقق لنا في أي فترة من فتراته؟.. في كل مرة أري ذات السيناريو، ويقدم مندوب فلسطين كلمة ممتازة مقنعة فعلاً، ويؤيدها مندوب سوريا أو قطر أو ليبيا في كلمة أجمل، ثم هو الفيتو الأمريكي يلقيه في (ألاطة وقرف) مندوب الولايات المتحدة بولتون أو سواه وانتهينا.. لم لا تنسحب المجموعة العربية من مجلس الأمن معلنة كفرها بالعدالة الدولية العرجاء هذه؟.. العدالة التي تقلق وتتحمس وتتوتر من أجل أحداث دارفور ثم تأخذ سيجارة وترحل عندما يتعلق الأمر بفلسطين أو العراق؟

    اليوم رأيت صبيًا ألقي علي الأرض كالكيس الفارغ في مستشفي بغزة لأنه ميت علي كل حال، والأطباء مشغولون بمن لم يلفظوا الأنفاس بعد.. هذا الصبي كان حيًا يلعب صباح اليوم.

    من وقت لآخر تظهر المتنمرة (ليفني) لتقول: «أقول لحماس.. إيناف إز إيناف (بزيادة بأه)» وهي الكلمة التي اختارت القاهرة مكانًا لتقولها.. فعلاً إيناف إز إيناف.

    مئات الرسائل في بريدي الإلكتروني، كلها تحمل عنوان (غزة).. رجاء تمرير الرسالة.. رجاء تمرير الرسالة.. كل الشباب يمرر الرسائل التي تخبر الغرب بالوضع الحقيقي في غزة. مقالات د. (إبراهيم حمامي) الغاضب دائمًا تنهمر عليَّ.. بين الخطابات خطاب من ابن شقيقتي الطبيب الشاب يقول: «كلما نظرت إلي غزة شعرت أن جميع الأطراف المعنية تستحق الاحتراق في جهنم ابتداءً من إسرائيل الكافرة ابنة الكلب، مروراً بأمريكا ذات الألف ناب، وحماس ذات التصرفات الحمقاء في الدفاع عن شكلها العام بغض النظر عن الشعب، ومصر المخنثة (التي تورطت في مستنقع لا يمكن الرجوع منه ولا يمكن أن تطالب الحكومة بأن تفعل أي شيء في أي شيء)......مرورا ً أيضا بجميع الشعب حتي ذلك الرجل الجالس أمامي في الميكروباص يعدد طرق القضاء علي العدوان، بعد أن استطاع فهم كل الملابسات والقدرات لدي الطرفين، وبدأ في المحاكمات وإصدار القرارات. لا أري للوضع الحالي حلاً إلا الحلول الإلهية.. إن التهدئة ليست حلاً ووقف النار ليس حلاً والعدوان ليس حلاً والحرب العربية - إن وجد شيءٌ كهذا - ليست حلاً».

    بصراحة أوافقك علي كل شيء باستثناء لوم حماس.. لا أقدر علي أن ألوم شخصًا يواجه بصدره العاري النيران وأطنان القنابل الذكية لمدة أسبوع كامل، دون أن يستسلم أو يتوقف عن قذف الصواريخ، شخصًا حوصر علي مدي أشهر كاملة، وهو بالتأكيد في وضع لا يقارن بوضع حزب الله في حرب 2006، كانت حدوده مفتوحة والأرض واسعة والإمدادات تصله. لن ندخل في دائرة (ما احنا قلنا لكم ما سمعتوش الكلام) الحكومية المصرية. رئيس التحرير أو رئيس (التبرير) المصري الشهير الذي يستضيفونه دومًا علي الفضائيات بدا راضيًا جدًا وقد (ردت الدموية) في وجهه بعد مقتل الشهيد (ياسر)، لأنه وجد نقطة واضحة حقيقية يهاجم بها (حماس)، وكان قبل هذا يقول كلامًا فارغًا مرتبكًا لا أول له ولا آخر حتي ينتهي الوقت فيتنهد ويحمد الله.

    المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي يقول إن مقاتلي (حماس) يتوارون في الفنادق الفاخرة ويتركون شعبهم يحترق. هذه الكلمات مألوفة وسمعناها ألف مرة في كل الحروب، حتي إني سمعتهم يقولونها عن أنور السادات في حرب 1973، متحدث حماس يتكلم من دمشق ويؤكد أن عشرات الإسرائيليين ماتوا علي يد مقاتلي حماس أثناء محاولة الاختراق.. شيء من الأمل يتراقص في نفسي، لكني لا أجرؤ علي التمني.

    حماس صامدة لكن إلي متي؟.. موازين القوي مختلة تمامًا، والحديد لابد أن ينكسر عند نقطة ما.. هل تصمد حماس؟.. هل تنسحب إسرائيل في النهاية مكتفية بمن قتلتهم من نساء وأطفال؟.. لو حدث هذا لكان ثورة جديدة في العلوم العسكرية والاستراتيجية.. بعد حرب لبنان لن تتحمل إسرائيل وشعبها هزيمة جديدة من مجموعات ميليشيا ضعيفة التسليح محاصرة ومخترقة. أجرؤ علي الاعتقاد بأن شيئًا لن يبقي كما كان.. لا أبالغ لو قلت إنه ينسف فكرة إسرائيل ذاتها.. ينسف فكرة الجيوش النظامية.. ينسف الأنظمة العربية الحالية..لهذا أفهم كراهيتهم لحماس؛ فلابد أن هناك من الحكام العرب من يهلل ويرقص «عشرة بلدي» كلما ألقت قاذفة إسرائيلية بقنابلها علي غزة.

    من الناحية الأخري، لست راضيًا عن أي شيء تمارسه مصر الرسمية اليوم، لكن ألا يبالغ العرب أكثر من اللازم؟.. أربع وعشرون ساعة من الشتيمة في مصر كأن طائراتها هي التي تقصف غزة الآن.. حتي إنني لم أسمع ذات القدر من السباب في إسرائيل. كانت لغة قادة حماس - علي الأقل في البداية - متحفظة تحمل لومًا مهذبًا للشقيقة الكبري. ثم صارت الشتائم علنية وشرسة، وهذا ساعد علي شق الصف إلي حد كبير.. ومن جديد بدأت المشاجرات في كل الصحف ومواقع الإنترنت: مصر التي باعت العروبة.. بالعكس مصر ضيعت ثروتها وحياة أبنائها من أجلكم يا جربانين يا حثالة. نفس أجواء اتفاقية كامب ديفيد وجبهة الرفض.

    طبعًا يتصاعد الدم لرأسنا عندما تُشتم مصر، لكن علينا أن نتذكر أن مصر عندما دافعت عن فلسطين كانت تدافع عن حدودها الشرقية أولاً، وقد فهم كل استراتيجي عظيم أن مصر لا تُحتل إلا من الشرق.. فهمها تحتمس الثالث ونابليون ومحمد علي وعبد الناصر.. مصر كانت تدافع عن نفسها أولاً، ثم هي فعلاً لم تحارب منذ ثلاثين عامًا فلا يزعمن أحد أن الدفاع عن فلسطين هو سبب ما نحن فيه.. ثلاثون عامًا من السلام كانت تكفي كي يخرج كل منا من الفيللا ليركب سيارته (الفور باي فور) إلي المطار ليقوم بجولة سياحية.. هذا لم يحدث، فلا تتهم فلسطين واليمن والكونغو من فضلك.. ومن جديد نقول إننا لا نطالب بالحرب.. نطالب بشيء بين صمت الحملان المتخاذل والحرب.

    الآن جاء خبر يؤكد أن مصر تدين الهجوم البري علي غزة.. ياه!.. وجايين علي نفسكم كده ليه؟.. لابد أن باراك يرتجف خوفًا الآن.

    أكتب هذه الكلمات مساء السبت.. يعلم الله وحده حالنا عندما تقرأ هذا المقال يوم الثلاثاء. هل نكون كاسفي البال مفعمين بحقد ومرارة لا سبيل للخلاص منهما، أم نكون منتشين غير مصدقين ما حدث؟.. نفس القلق والأمل الخفي عشته في حرب العراق وفي حرب لبنان 2006 حتي فاض بي.. فعلاً يا أخت (ليفني) أوافقك تمامًا: إيناف إز إيناف..!
                  

05-09-2009, 10:50 AM

جعفر محي الدين
<aجعفر محي الدين
تاريخ التسجيل: 11-12-2008
مجموع المشاركات: 3649

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    شكرا الرائع حمور
    لفتحك لنا هذه الكوة الجميلة
    على دنيا الرائع أحمد خالد توفيق

    هممت أن أعلق على كل مقالة لأنها بكل أمانة عالم غني بالإبداع
    ولكني تراجعت وفضلت عدم إزعاج هذه المقالات الرائعة بأي تعليق
    لنجعل هذا الدفق يسري وينداح

    لا عدمناك يا طيب
                  

05-09-2009, 12:41 PM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: جعفر محي الدين)

    العزيز جعفر ..
    كل كلمة من كلمات المبدع احمد خالد تفتح بابا لكلام و كلام.
    انه رجل لا ينفذ ما لديه.
                  

05-09-2009, 12:44 PM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: جعفر محي الدين)

    Quote: أنا من محبي دكتور أحمد بلا تحفظ ..
    و أسعد كثيرا حين يقول لي الاصدقاء أن كتابتي تحمل الكثير من رائحة كتاباته.
    أعتبر هذا مدحا لا بعده.

    الخبر السيء حضر شقيق الأصغرأشرف قبل قليل
    واكتشف أن كل الأعداد المفقودة من سلسلة ما وراء الطبيعة عندي!!
    فصادرها و ذهب..
    تحياتي يا شقيقي
    لنا
                  

05-09-2009, 12:57 PM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: lana mahdi)

    Quote: الخبر السيء حضر شقيق الأصغرأشرف قبل قليل
    واكتشف أن كل الأعداد المفقودة من سلسلة ما وراء الطبيعة عندي!!
    فصادرها و ذهب..
    تحياتي يا شقيقي
    لنا


    كفارة يا لنا ..
    اللهم حوالينا لا علينا.

    عجبت لمن تؤخذ منه كتب احمد خالد كيف لا يقاتل في سبيلها فاما استردها او ما ت دونها.
                  

06-18-2009, 08:35 AM

محمد يوسف الزين
<aمحمد يوسف الزين
تاريخ التسجيل: 02-08-2008
مجموع المشاركات: 1968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    حمور

    بعد السلام

    وتجديد الشكر لأنك عرفتنا على مقالات الرجل التي من جهلنا لم نكن نعلم عنها شيئاً

    للقراء وللـ "update" أورد أكثر مقال أعجبني حقيقة وموجود في نسخة الدستور الالكترونية بقلم د.أحمد خالد توفيق

    كيف فات عليك احضاره ، وهو في الحقيقة يتناول قضية شديدة الأهمية وأقول أني حينما قرأته أول ما ورد في ذهني هو موقع سودانيز أون لاين الذي كثيراً ما يتناول نفس الجدل في هذه القضية الهامة.
    مقال ساخر يتحدث بسخرية (كالعادة) عن ما يسمى المبدعون وقضية اقحام "الجنس" في الكتابة عندما لاتكون ضرورية وكذلك الحروب التي يخوضوها المثقفون ضد كل نقد لأعمالهم أو ما يوازيهامن أعمال لغيرهم. وأنا في الحقيقة من هذه المدرسة..أقصد المدرسة التي تستنكر إقحام الجنس بدون داع يذكر ويقال عنه أنه ابداع..وأزيد عليه تلك الكتابات السريالية التي لا يفهمها الا كاتبها وتجد لها جمهوراً كبيراً من المدافعين عنها وأقرب العبارات التي نجدها في وجهنا هي التي تذكرنا بجهلنا..

    معاً الى هذا المقال الممتع (والذي أظن أنك عرفته من مقدمتي)...

    هدية لك والى القراء.. ابداع حتى النخاع



    <font face="Simplified Arabic" size="4" color=blue>إبداع حتي النخاع «1»</font>
    بقلم د. أحمد خالد توفيق

    هذه معركة شرسة لا تعترف بالواقفين بين الفريقين، فأنت إما معنا أو ضدنا.. إما أن تقف مع الفريق الذي يمنع ويتحفظ ويتهم فتصير محاربًا لحرية الإبداع وأحد دعاة الظلام، وإما أن تقف مع الفريق الذي يناضل من أجل حرية الإبداع فتصير مخلب الغرب وأداته لهدم قيمنا.

    الواقع أنني شبعت كثيرًا من المتربصين، واصطدمت معهم أكثر من مرة حتي فاض بي فعلاً. التفتيش في الضمائر ممتع ولذيذ جدًا ويشعرنا بأننا قضاة نصدر الأحكام من فوق عرش عال.. عذبوا هذا فهو هرطيق.. أحرقوا هذه فهي علي اتصال بالشيطان .
    أنا القاضي الأعلي لمحكمة التفتيش أدعو «كوبرنيكوس» إلي أن يتوب قبل أن نطهره بالنار.. إنها لذة تفوق أية لذة أخري . وهكذا يضيق هامش الحرية كل يوم.. إنهم يراقبونك في شك ومستعدون للعنك لو قلت كلمة مريبة. حتي علي مستوي كبار الدعاة.. قرأت في أحد مواقع الإنترنت مقالاً للمفكر الإسلامي الكبير «محمد عمارة» يضرب فيه مثالاً لغويًا لا أكثر، فانبرت إحدي القارئات تسأله في عصبية عن عقيدته.. قائلة: هلم أفصح !.. حتي «محمد عمارة» نفسه مطالب بالدفاع عن نفسه وإثبات أنه ليس كما تظنين؟.. كل شخص مشتبه فيه وكل شخص يمكن أن يصير متهمًا في أية لحظة..

    أعترف بحالة الحصار هذه وكتبت عنها كثيرًا، لكني كذلك أعترف بأن هناك حالة عامة من الانفلات بدعوي الإبداع.. صار من المحتم أن يُقال كل شيء وبأعنف شكل ممكن، وإلا فأنت متخلف وتدافع عن قوي الرجعية، وتفوح منك رائحة النفط الخليجي. منذ فترة طويلة لم أقرأ كتابًا جديدًا خاليًا من لفظة أو لفظتين مما اعتدنا سماعه في السوق وموقف عبود. هناك خلطة محكمة معروفة مقاديرها ولا تفشل أبدًا وينفذونها بدقة شديدة: غضب - تجديف واستهانة بالدين - جنس - يأس - حشيش - محارم.. هذه الرواية لابد أن تغضب الجميع وتشتهر.. وحبذا لو منعها الأزهر فهذا يوم سعد المؤلف.. سوف تنعقد من أجله الندوات ويصير موضوع العدد لعدة مجلات أدبية. فقط ينسون شيئًا مهمًا في هذه الخلطة وهو ضروري لابتلاعها: الموهبة.. الفن..

    اقرأ هذا المقطع علي لسان فتاة يرغمها أبوها علي حفظ القرآن، وقد قمت بحذف ما يلزم طبعًا: «مع كل لسعة كرباج تنظر لي أمي بغيظ وكره قائلة: خلصي يا بت.. يقطعك ويقطع تعليمك . وحياة أمي لـ «...» يا «...» يا بنت الـ «...». وأبي يواصل الضرب بهمة علي أنف أمي حتي تجيب دم ويقول لي: شايفة يا «...»؟.. وصلتي أمك الكاملة أم أخلاق سوبر إسلامية لإيه؟.. اتبسطي؟.. طيب «....» أمك.. أنت وأمك علي «...».. مش حتنامي إلا لما تسمعيه عشر مرات.. إيه رأيك يا بنت الـ «...»؟»

    هذا هو أكثر مقطع مهذب استطعت اختياره، وهذه الرواية ناجحة جدًا علي شبكة الإنترنت علي فكرة، والجميع يتساءل عن سبب إحجام الناشرين الجبناء عن نشرها.. إنها قضية الفكر أمام ظلام الجهل وخفافيش الظلام..

    هل يجب أن أقاتل من أجل الحق في نشر هذا الكلام ليقرأه ابني؟.. يا أخي لو كان هذا هو الأدب فلا داعي له أصلاً..

    شاهدت علي موقع «يوتيوب» فيلمًا قصيرًا لمخرج من خريجي معهد السينما أصابني بالذهول، وكالعادة يتخذ الموضوع طابع قضية فكر أمام خفافيش الظلام. الفيلم يدور حول عاملة سنترال تقزقز اللب طيلة الوقت، ولا تقول جملة واحدة من دون سبة جنسية يعاقب عليها القانون. تراقب الزبائن وتدرك نفاقهم؛ بين الزوجة المسيحية التي تخون زوجها مع صديقه، والمنتقبة التي تضرب مواعيد لزبائن الدعارة من الكابينة.. عمل كهذا في رأيي ينبع من رغبة أصيلة لدي صانعه أن يشعر بأنه ليس بهذا السوء.. كل الناس منحلون منافقون.. من لم يزن هو شخص لم يجد فرصة بعد.. أحد أصدقائي رأي الفيلم فقال ساخرًا: الفائدة الوحيدة التي يقدمها هذا الفيلم للمجتمع هي اغتصاب عاملات السنترال لأن كلامهن «أبيح»، و الإيمان المطلق بحق المواطن في تحويل كابينة التليفون إلي حجرة نوم. آخر ما يمكن أن يحدث - عقب مشاهدة فيلم كهذا - هو أن يخرج الناس من دور العرض وقد تطهروا. فلابد أن برجمان وسير ديفيد لين كانا ينافقان العقلية البرجوازية بكل هذا التهذيب والرقي المصطنعين إذن..

    أحيانًا يخيل لي أنه كان من الأسهل والأبلغ أن يصور المخرج قطعة فضلات بشرية جوار جدار لمدة نصف ساعة.. مهما قال وفعل فلن يعبر بهذه البلاغة أبدًا. نفس الشيء ينطبق علي سيل الأفلام الحديثة التي تدعي الواقعية الجديدة.. يخيل لي أنها تجميع لصفحات الحوادث في الصحف. هؤلاء لا يتعاطفون مع البؤس والانحلال الأخلاقي بل يتاجرون به ليستمتع المشاهد بكل هذه البشاعة، كأن هذا بيت الزواحف في حديقة الحيوان..ثعبان الأصلة؟.. سحلية الورل؟.. يا مامي..!

    لو كانوا صادقين وفنانين فعلاً فليروا ما فعله محمد خان في «أحلام هند وكاميليا» أو دان بويل في «مليونير العشوائيات» و«مراقبة القطارات» أو حتي حسام الدين مصطفي في «الباطنية».

    هذه الخواطر تعذبني وتشعرني بالذنب لأنني لست في صف حرية الإبداع المطلقة بالكامل.. إذن أنا مثقف منافق يا شبيهي يا أخي علي رأي الخواجة «بودلير».. ثم تذكرت أن لي رافدين فكريين مهمين هما محمد حسنين هيكل ود. جلال أمين.. ماذا يقولان عن هذا؟.. أولاً: هيكل لا يطيق لفظة «إبداع» أصلاً ويشم فيها رائحة الادعاء. ثانيًا: هو كتب مقالاً دسمًا مهمًا عن قضية «وليمة لأعشاب البحر» الشهيرة جدًا. رأي هيكل أن الحملة ضد الرواية كانت متعسفة وتحريضية حقًا وتوحي بـ «افتعال الانفعال» - تعبير أدبي آخر من تعبيراته الجميلة - ثم رأي أن الدفاع عن الرواية استدعي للميدان قيمًا عظيمة مثل الحق والحرية والاستنارة في غير مجالها أصلاً. وهكذا تورط المثقفون في معركة وجدوا أنفسهم فيها - كما تبدي للجمهور - ضد الدين والفضيلة، وهكذا خسروا المعركة قبل أن تبدأ. دعوي الحرية لن تُسمع لأن المواطن العادي سيجدها تساهلا وتفريطًا. دعك من النغمة الدائمة لدي المثقفين: العمل الأدبي لا يمكن فهمه إلا بوساطة متذوق فني!.. هذا معناه أن المثقف يرفض كهنوت رجل الدين لكنه يقبل ويطالب بكهنوت الناقد!.. هناك حجة أخري تقضي بأن بعض العبارات المقتطفة مجتزأة من السياق ويجب قراءة العمل الأدبي ككل قبل التعليق. يقول هيكل إن هذه الحيلة ليست ناجحة دائمًَا.. فمعظم المثقفين لم يقرأ رسائل أخوان الصفا أو أعمال أفلاطون كاملة. حتي كتاب «رأس المال» قلّ من قرأه كاملاً. إذن أحيانًا قد يعبّر الجزء عن الكل. د. جلال أمين كتب كذلك عن رواية «الصقار» التي أحدثت ضجة مماثلة، فقال بوضوح: «حرية الفرد في الكتابة يجب أن تكون لها حدود مثل حرية الفرد في إطلاق الرصاص علي الناس». لكن ما ضايقه فعلاً خلو الرواية من أية قيمة فنية من أي نوع.. والكاتب يغطي علي هذا الفقر بالتمادي الصريح في وصف المشاهد الجنسية. يقول كذلك: «هناك قطاع عريض من المثقفين دأب علي الدفاع عن أعمال غثة فكريًا، تهين المقدسات الدينية وتجرح الشعور العام باسم حرية الإبداع وحرية التعبير». د. جلال يجد في هذا الموقف بدوره إرهابًا من نوع آخر.. فهم يستعدون الدولة علي معارضيهم ويطلبون التأييد والدعم الأجنبيين.. بل إنهم يبعدون عن الأضواء مبدعين حقيقيين كل ذنبهم أنهم لم يجرحوا أحدًا في كتاباتهم.

    وللحديث بقية في الأسبوع القادم إن شاء الله لو لم تفتك بنا أنفلونزا الخنازير أولاً..

    (عدل بواسطة محمد يوسف الزين on 06-18-2009, 08:50 AM)

                  

06-18-2009, 08:38 AM

محمد يوسف الزين
<aمحمد يوسف الزين
تاريخ التسجيل: 02-08-2008
مجموع المشاركات: 1968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: محمد يوسف الزين)

    إبداع حتي النخاع (2)

    بقلم د. أحمد خالد توفيق *

    من العجيب أن محمد المويلحي في (عيسي بن هشام) يقول بالحرف: «من تأمل قليلاً وجد أن الشرح والإسهاب في خفايا الرذائل التي يندر حدوثها ويقل وقوعها كان من الأسباب في انتشارها»

    المويلحي ليس من دعاة الرجعية والانغلاق، وليس بالتأكيد من خفافيش الظلام، لكنه رجل ذو حس سليم وبصيرة نافذة. في السبعينيات قرأت قصة احتلت صفحتين من مجلة (الإذاعة والتليفزيون) لقاص يصف في اشتهاء ثديي أمه؛

    ليس باعتبارهما رمزًا للخصوبة والعطاء.. الخ .. بل لأنهما ببساطة يثيرانه. كنت مراهقًا في المدرسة الإعدادية لكني تساءلت عن القيمة الأدبية العظمي التي قدمتها هذه القصة، وما كانت البشرية ستخسره لو لم تُنشر أو لم تُكتب..

    ثم وجدت الجواب الصحيح في مقال لناقد كبير - نسيت اسمه للأسف - نشر في مجلة الهلال. قال إن الأديب يمكن أن يتعامل مع الجنس .. بل يجب أن يتعامل معه باعتباره جزءًا حميمًا من مكونات حياتنا، ولكن عليه وهو يفعل ذلك أن يمتلك قدرًا من النظرة الفوقية والموهبة تسمحان له بأن يتعالي علي عقده الشخصية ورغباته المكبوتة.. بمعني آخر: لا يكتب ما يتحلب لعابه له أو ما يثيره هو شخصيًا.. طوفان الأعمال (الإبداعية) الذي غرقنا فيه منذ أعوام، عاجزين عن الاعتراض حتي لا نتهم بالتخلف والرجعية.. هذا الطوفان هو طوفان عقد نفسية وصديد بلا شك.. لا أعتقد أن الصديد سائل مفيد للفكر أو يعبر عن حرية صحية.. إنه يلوث كل شيء يلمسه، وإن كان خروجه يريح صاحبه قليلاً...

    وما زلنا مع ذلك المقال المهم للدكتور (جلال أمين) الذي يناقش فيه رواية (الصقار). يقول د. جلال: «هؤلاء المدافعون في كل مرة عن حرية الإبداع والذين يتحمسون لحرية التعبير لهذا الحد، لابد أنهم يلاحظون ما تفعله الدولة في تقييد هذه الحرية. فإذا قبل المفكر عن طيب خاطر ما تفعله الدولة في تقييد هذه الحرية، وثار ثورة عارمة علي محاولة كاتب أن يقيد حرية كاتب تجاوز الحدود، فلابد أن يكون للمرء الشك في أن الموقف ليس طاهرًا مائة بالمائة»

    وهو رأي قريب جدًا مما كتبه مبدع حقيقي هو د.علاء الأسواني: «بعض الأدباء في مصر يثورون بشدة إذا صودر ديوان شعر أو منعت رواية من التداول، بينما هم يرون المصريين جميعا يعتدي علي حقوقهم السياسية ويعتقلون ويعذبون وتزور إرادتهم في الانتخابات، فلا يحركون ساكنا ولا ينطقون بكلمة. وهذا الموقف المتناقض يفقد هؤلاء الأدباء مصداقيتهم لدي الناس.. »

    عندما يتكلم د. جلال أمين يكون عليَّ أن أخرس وأنقل لك ما قاله. يري د. جلال أن منع كتب (نصر حامد أبو زيد) مثلاً خطأ لأنها كتب تحوي آراء وبالتالي يجب أن تناقش، بينما إذا شتمك أحدهم في الشارع فهذا ليس اختلافًا في الرأي بل هو وقاحة يجب منعها. يقول إن رواية الصقار هذه صدمته بكل ما فيها من جنس فاحش، وألفاظ بذيئة تُقال عن القرآن الكريم، لدرجة أنها استفزت كاتبًا يساريًا في جريدة الأهالي واستفزته هو في جريدة الدستور. هنا هبت حملة الدفاع عنها وقال د.صبري حافظ أستاذ النقد الأدبي: «انتقاد الرواية ليس من حق صحفي لا دراية له بأساليب قراءة الأعمال الأدبية، لأن العمل الفني ينهض علي الجدل المستمر بين جزئياته المنتقاة بعناية من كم هائل من المادة المبذولة للكاتب». كلام كبير صعب طبعًا، لكنه من جديد يطرح قضية أن فهم العمل الأدبي كهنوت مقصور علي كهنة المعبد من النقاد، فلماذا تشكون من كهنوت رجل الدين إذن ؟.

    ثم يعرض علينا هذه الفقرة من الرواية: «الطريقة العادية نفسها التي يمكن أن يصبح بها أي أحد .. أي أحد وحيدًا في حجرته العلوية تمامًا كموت الآخرين. لا يموتون هكذا مرة واحدة ولا يتركون لنا أشياءهم الحقيرة إلا لأنها ليست مهمة في الموت». يطالبنا د. جلال بأن نعترف: هل يوجد أي جمال أو معني في هذه الفقرة ؟... لكن د. صبري يقول عنها: «محاولة واضحة لبلورة تردادية وتكرارية يتذبذب فيها السرد بين عوالم متنافرة ولكنها متضافرة بطريقتها الفريدة». هنا يفقد د. جلال هدوءه المعروف ويكتب كأنه يصيح: هل هذه قصة أم كتاب مقدس ؟.. هل أية قصة كتبها شخص هب ودب تُعامل هذه المعاملة، وكأنها عمل مقدس لا يجوز حذف جملة أو اقتطافها من سياقها وإلا حلت بنا اللعنة ؟. لو كان هذا أدبًا فكل راقصة في شارع الهرم تستحق لقب فنانة.

    من الطريف كذلك أن نجد أن د. جلال يغتاظ جدًا من لفظتي (إبداع) و(خلق) هاتين، وهو نفس شعور هيكل. وقد لاحظ أن الكتاب يعشقون هاتين اللفظتين كثيرًا. مهما كان مستوي العمل الأدبي .. كأن كتابة قصة أو رواية مهما كانت رديئة تؤهلك لحمل لقب (مبدع). فقط انصرفوا لحالكم ودعوا هؤلاء المبدعين العظام يستمتعون بالهدوء اللازم لعملية الخلق.

    ليس من حق الناس أن تعرف كل شيء، وليس من حقهم أن يُكشف عن كل مخبوء ويرفع الغطاء عن كل جسد.. هناك ألف طريقة لعرض الشر .. كما يعرف كل أبوين أن الطريقة المثلي لإقناع ابنهما بعدم التدخين ليست هي أن تحضر له سيجارة وتجعله يدخنها. يري د. جلال كذلك أن هناك موقفًا حاليًا من الفن يقترب من التقديس .. ومن فرط الخشوع والرهبة يوشك أن يكون دينيًا .. وكما أن الدين شهد نصابين كثيرين يدعون التقوي والشفافية لينالوا أغراضهم، فهناك في الفن نصابون كذلك يدعون الموهبة الفنية وأنهم علي اتصال بربات الفنون ..ثم ينهي مقاله الساخن قائلاً: «ليست مسيرة التاريخ دائمًا للأفضل .. ولا أشك في أن التراجع في هذه القضية بالذات هو شيء حكيم للغاية»

    أشعر باطمئنان كلما قرأت هذا المقال لأنه يجعلني أدرك أنني لست مثقفًا منافقًا، فهناك مثقفون عظماء كان رأيهم قريبًا من رأيي الحالي.. ليست الكتابة عن الجنس هي المشكلة .. المشكلة هي الفحش فيه، وهي كتابته للتلذذ الشخصي أو لجذب القارئ أو لاستثارة غضب المحافظين..

    لا أحد يطالب بالمنع واستخدام سلطة الدولة مع الأدب، لكننا كذلك نطالب بأن يكون أدبًا حقًا. المحتوي الأدبي العالي هو الذي جعلنا نتقبل تلك الجرعات الصادمة في ألف ليلة وليلة وأشعار شعراء المجون وكتاب الأغاني .. وبرغم هذه الجرعات الصادمة فإنها لم تبلغ ربع ما نراه اليوم. هناك قصة علي شبكة الإنترنت لا أجسر علي ذكر اسمها وحده، فكيف بمضمونها ؟.. وكما نتوقع هي خالية من الفن تمامًا لكن صاحبها وأصحاب الموقع يصرون علي أنها (إبداع)..

    نحن لا نطالب بأن يجلس الأديب إلي مكتبه عازمًا علي أن يكتب عملاً نظيفًا مفعمًا بالقيم .. ستكون النتيجة في غاية السوء شبيهة بالمسلسلات التي يكتبها الفنانون لأنفسهم في رمضان، لكننا كذلك نطالب بألا يجلس الأديب عازمًا علي كتابة عمل فاضح مليء بالجنس والكفر والشتائم وجلسات الحشيش والعبث وزني المحارم. الحلم هو أن يكون الأديب هو الرقيب الوحيد علي ما يكتبه، وأن يدرك جيدًا أنه يجلس في مقعد محترم جدًا جلس فيه من قبله تشيكوف ودستويفسكي ويحيي حقي ويوسف إدريس ونجيب محفوظ ومحمود تيمور وتشارلز ديكنز ومارسيل بروست وفلوبير و.. و.. هؤلاء كتبوا عن الضعف البشري والشهوات والإلحاد .. لكن كيف كتبوا؟



    _______________________
    اسمع كود الالوان بتعملو كيف شكلو القديم ما شغال!
                  

06-18-2009, 03:11 PM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: محمد يوسف الزين)

    شكرا محمد يوسف ..
    المقال رائع و جميل و قد كان حفزني حين قرأت الجزء الأول منه للبحث عن مقالات د.جلال المعنية على الشبكة.
    كالعادة أحمد خالد يقول ما ينبغي أن يقال و يقدم لنا طرق مختصرة لمعلومات ثرة و كثيرة.
    أتعلم .. قريبا سنحتاج لنشر هذا المقال مفردا في بوست .. فقط انتظر فاننا كل مرة نعود الى معركة الابداع و الظلام.
                  

06-18-2009, 09:55 PM

حامد محمد حامد
<aحامد محمد حامد
تاريخ التسجيل: 11-18-2008
مجموع المشاركات: 3085

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)

    اكرر شكرى يا حمور وكما وعدتك من قبل بانى سوف اكون قارئا جيدا لاصدارات كاتبنا الجميل د. احمد خالد توفيق

    الان اقتنيت كتابين وانا استمتع بقراءتهما
    الان نفتح الصندوق
    عقل بلا جسد

    تحياتى وكن بخير
                  

06-20-2009, 04:02 PM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حامد محمد حامد)

    مبروك عليك المتعة يا حامد
                  

06-24-2009, 04:00 PM

طلال عفيفي
<aطلال عفيفي
تاريخ التسجيل: 06-20-2004
مجموع المشاركات: 4380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: حمور زيادة)



    تقبل تحياتي يا صديقي
                  

06-24-2009, 04:26 PM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اسطورة المقالات - د. أحمد خالد توفيق (Re: طلال عفيفي)

    شكرا للصورة الجميلة للراجل الجميل احمد خالد يا صديقي طلال.
    واضح انها عدستك ..بختك ياخ.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de