دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: د. نافع يصف مُعارضي نظامه ب (بُغاث الطير).. و(د.الشفيع خضر يرُد عل (Re: عاطف مكاوى)
|
قراءة في المشهد السياسي:
مِنْ “بُغَاثُ الطير”…! (1)
د. الشفيع خضر سعيد
المشروع الحضاري يعكس ضيق الأفق المتمثل في عدم الاعتراف بالآخر وفي الاستعلاء العرقي والديني وفي فرض رؤى حزب واحد بصورة قسرية على كل البلد.
“نحن في مشروع نعتقد أنه مشروع فكري ونهضوي وبعث أمة، لا يمكن أن نترك بغاث الطير أن ينتصروا عليه”! بهذه الكلمات الواضحة، البسيطة الخطيرة في نفس الوقت، لخص الدكتور نافع علي نافع، أحد القياديين الرئيسيين في نظام الإنقاذ وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، كيف يفكر قادة الإنقاذ تجاه الوطن والمواطن. جاء ذلك في الجزء الأول من الحوار الذي أجرته صحيفة “السوداني” مع الدكتور نافع، عدد الأحد 5 أغسطس 2012.
وفي الحقيقة، ولربما لسنوات عديدة مضت، كنا كثيرا ما نقرأ، أو نسمع، وابلا من التصريحات أو المواقف أو الأحكام أو الأفكار، الصادرة من قادة الإنقاذ، ولكنها لم تكن تستوقفنا كثيرا، بإعتبار أن الممارسة الفعلية على أرض الواقع كانت كافية جدا لتوضيح وكشف المعنى الحقيقي والفعلي لما يصدر عن هولاء القادة، مثلما أن ذات الممارسة كانت، ولا زالت حتى الآن، حاسمة تماما، لأي تخيلات أو شطحات تنشأ عندنا حيال ما يصرحون به. لكن، كلمات الدكتور نافع إستوقفتني كثيرا، حيث أن أيا من مفردات التصريح، مقرونة بتجربة نظام الإنقاذ في حكم البلاد لما يقرب من ربع قرن، تشكل موضوعا قائما بذاته:
مشروع فكري ونهضوي – بعث أمة – بغاث الطير – أن ينتصروا عليه….!
في البدء، وتعقيبا على هذا التصريح، نسوق أربعة ملاحظات سريعة، ولكنا نراها أساسية وجوهرية، بل وخطيرة أيضا، كما تصريح الدكتور نافع نفسه، حسب وجهة نظرنا:
الملاحظة الأولى، هي أن مشروع نهضة وبعث أمة السودان حسب ما أكد عليه الدكتور نافع، هو مشروع أحادي المنشأ، ينبع من فكر حزب واحد أو تيار واحد، أو مجموعة واحدة بعينها، مهما تعددت وتنوعت الأحزاب والتيارات والمجموعات الأخرى المكونة لهذه “الأمة”، والتي، وفق منطوق التصريح، لا ناقة لها ولا جمل في هذا المشروع الفكري النهضوي البعثوي!.
الملاحظة الثانية، هي أن هذا المشروع نبع من فوهة البندقية، عبر إنقلاب عسكري وتآمر سياسي، بعيدا عن قناعات الناس به، وجرت محاولات فرضه وتسييده في أجواء من القمع والإرهاب غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث.
الملاحظة الثالثة، هي أن الجميع، ما عدا أصحاب المشروع الفكري النهضوي البعثوي، أي المجموعات الأخرى من أحزاب وتيارات وحركات، والمساهمة بقوة في تكوين النسيج السوداني، أو “الأمة” السودانية، بحسب التصريح، وعلى تعددهم وتنوعهم وما يحملونه من مشاريع فكرية نهضوية بعثوية، هم في النهاية مجرد بغاث طير لا حولة لهم، ولا يؤبه لهم، مهما كانت رؤاهم المغايرة والمختلفة مع ذلك المشروع الواحد الأحد.!
أما الملاحظة الرابعة، فهي إن التصريح لا يرى في تلاقح وتفاعلات وتشابكات وتداخلات مكونات الأمة والوطن، سوى معركة تناحرية نهايتها منتصر ومهزوم، وكأنها فعلا صراع بين صقور الطير وبغاثه!.
صحيح، يمكننا رصد الكثير من الملاحظات الأخرى حول تصريح الدكتور نافع. لكن في تقديري، فإن هذه الملاحظات الأولية وحدها، إذا ما إرتبطت بأي مشروع فكري نهضوي بعثوي، وليس مشروع جماعة الدكتور نافع فقط، فإنها كفيلة بنسف هذا المشروع وهزيمتة شر هزيمة. والمعروف، كما يقول التاريخ وكما حدثتنا كتابات عصر النهضة في أوروبا، ومساهمات وكتابات ومحاولات البعث والتنوير في التاريخ العربي الإسلامي، إن أي مشروع فكري يدعو إلى النهضة وإعادة بعث “الأمة” يرتكز إلى مقومات أساسية، دونها لن تتحقق أي نهضة ولن يقوم أي بعث. وبالطبع، يمكنك تصنيف وإعادة تلخيص هذه المقومات الأساسية والتي توافق عليها الفكر الإنساني للخروج من ظلامات القرون الوسطى، غض النظر عن موطن هذا الفكر في أي من بقاع العالم، يمكنك تلخيصها وإعادة تصنيفها كيفما تشاء، لكنك لن تخرج أبدا من كونها تندرج ضمن، أولا: كل ما يضع الإنسان والقيم الإنسانية فوق كل إعتبار، وهذا يعني تسييد قيم الحرية، والعدل، والمساواة، والمواطنة وحقوق الإنسان. وثانيا: تسييد العلم والمعرفة والتحديث. وثالثا: تسييد قيمة حب العمل. ورابعا:التنمية المستدامة. ولكي نحاكم كيفية التعامل مع هذه المقومات الأساسية، على المستوى العملي الملموس، نتطرق في إيجاز شديد إلى تجربتي النهضة الأوروبية ومحاولات الإنقاذ في تجسيد مشروعها الفكري لبعث ونهضة “الأمة” السودانية، طيلة ما يقرب من ربع قرن من الزمان:
في القرون الوسطى، وقبل عصور النهضة والتنوير، كانت أوروبا تعيش واقعا ظلاميا متخلفا، تئن تحت وطأة الإقطاع، وتعاني من ويلات الحروب المدمرة والتجزئة السياسية والإرهاب الفكري. ولعل السبب المباشر في كل ذلك، كان من جراء هيمنة رجال الكنيسة على مختلف شؤون الحياة، وإحتكارهم زعامة وقيادة المجتمع، وذلك باعتبارهم العلماء وأصحاب القول الفصل في الدين وفي العلم وفي الفلسفة وفي السياسة وفي الشئون الإجتماعية…، وفي كل شيئ. لذلك، السائد كان التوجه إلى الزهد في الدنيا، وإلى التبتل إلى الآخرة، ومحاربة الجديد، والعداء للمفكرين ومحاربتهم ومحاكمتهم بقسوة، وتفشي الخرافة والجهل والتجهيل. أما ولادة عصر النهضة والتنوير، فلم تكن عملية سهلة في المكان أو الزمان، ولم تتم أو تظهر معالمها دفعة واحدة، كما أنها، ومنذ اللحظة الأولى، لم تتخذ شكل القطع مع النظام أو الحامل الاجتماعي القديم. إذ أن هذا الانقطاع لم يأخذ أبعاده في الانفصام التاريخي بين العصر الإقطاعي القديم وعصر النهضة بمختلف مراحله إلاَ بعد أربع قرون من المعاناة شهدت تراكماً مادياً وفكرياً هائلاً من جهة، وتحولات ثورية في الاقتصاد والتجارة والزراعة وقيام المدن والفنون والثقافة…الخ. وكان ذلك بمثابة التجسيد لفكر النهضة والإصلاح الديني والتنوير من جهة، والتلاحم مع هذه المنظومة الفكرية الجديدة من جهة أخرى، تمهيداً للثورات السياسية البرجوازية التي أنجزت كثيراً من المهام التأسيسية في إتجاه تحقيق البعث النهضوي وتحويله إلى ملموس يكتسي لحما وعظما، كما حدث في هولندا في مطلع القرن السابع عشر، وفي بريطانيا من 1641 – 1688، ثم الثورة الفرنسية الكبرى 1789 – 1815، والثورة الألمانية في منتصف القرن التاسع عشر. لقد كان نجاح هذه الثورات بمثابة الإعلان الحقيقي لميلاد عصر النهضة والتنوير، والذي شهد إنتقال أوروبا من مجتمع الطبيعة المحكوم بنظرية “الحق الإلهي” إلى المجتمع المدني، مجتمع الديمقراطية والثورة العلمية الكبرى التي أحدثت زلزالاً في الفكر الأوروبي الحديث، كان من أهم نتائجه الرئيسية: عدم قصر وحصر موضوع الفلسفة في العلاقة بين الله والعالم، بل الإنتقال بهذا الموضوع إلى العلاقة بين الإنسان والعالم وبين العقل والمادة.
وبالنسبة للسودان، فإن تعثر المشروع الفكري النهضوي، ومشروع بعث “الأمة” السودانية، كما أسماه الدكتور نافع، يرتبط بالأزمة الوطنية العامة، التي طبعت كل أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية بميسمها، والتي تمتد جذورها إلى فجر الاستقلال، ثم تفاقمت وتعقدت بالمعالجات القاصرة والخاطئة علي أيدي القوي الاجتماعية التي شكلت الأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت علي الحكم منذ ذلك الفجر. لكن، نظام الإنقاذ وصل بالأزمة إلى مداها الأقصى، بدءا بالتطابق والتماهي ما بين الحزب الحاكم والدولة ذاتها، وجاعلاً من الإسلام غطاءا ايدلوجياً للاستعلاء الديني والعرقي لتصعيد الحرب الأهلية إلى حافة تمزيق الوطن، ولتمكين المجموعات الطفيلية من نهب موارد البلاد علي حساب معيشة الشعب وصحته وتعليمه وأمنه، إنتهاءا بما تشهده بلادنا اليوم من مأزق مأساوي حقيقي..، تتمثل بعض مظاهره في:
* سيادة الإرهاب والطغيان وانتهاك حقوق الإنسان في السودان بدرجة لم تشهدها بلادنا من قبل، وهذا لا علاقة له بأي مشروع نهضوي بعثوي..
* التشرزم والتفتت، وليس التكامل والتوحد، إنفصال جنوب السودان، ثم إستمرار الحرب الأهلية المدمرة لكل شيئ، الإنسان والطبيعة، كرد فعل عنيف لسياسات التهميش وهضم الحقوق وقمع التطلعات القومية في بلد أوضح ما فيه التعدد والتنوع، وضرورة الإلتزام الصارم بالإقتسام العادل للسلطة والثروة، والإعتراف بثقافة الآخر ومكوناته الروحية. إن الحرب الأهلية في السودان، أفقدت البلاد، ولا تزال، الآلاف من شبابه، كما تتضاعف أعداد المعوقين، وكذلك تتضاعف أعداد النزوح واللجوء حيث الآلاف يعيشون الآن في كندا واستراليا وهولندا وبريطانيا ونيوزيلندا والولايات المتحدة…الخ، بحثا عن الملاذ الآمن والمأمن والمستقبل لأطفالهم. ومن المؤكد أن سياسات التهميش، وما تولد عنها من عنف ونزوح ولجوء، لا علاقة لها بأي مشروع نهضوي بعثوي..
* انعدام المقومات الأساسية للحياة وتفشي المجاعة وإستجداء قوت الطعام وإنهيارات شرائح المجتمع الأدنى، حتى الطبقة الوسطى، لدرجة التسول…الخ، انعدام الأمن والأمان، الطفولة المشردة، تحطم الأسر وتفسخ النسيج الاجتماعي، الخوف من المستقبل، نزيف العقول والكفاءات والمهارات وسواعد الشباب…الخ، كل هذا يناقض أي كلام عن مشروع نهضوي بعثوي..
* فرض مشروع اجتماعي متخلف تحت مسميات “إعادة صياغة المجتمع” و “المشروع الحضاري”، وهو مشروع يعكس ضيق الأفق المتمثل في عدم الاعتراف بالآخر وفي الاستعلاء العرقي والديني وفي فرض رؤى حزب واحد بصورة قسرية على كل البلد. مشروع، أركانه الأساسية تقوم على: إشاعة ثقافة وممارسة الحرب والقتل والقسوة والتعذيب، الموقف المتخلف تجاه المرأة ومحاولات الرجوع بها إلى عصور حريم القرون الوسطى، تسييد الخرافة كثقافة شبه رسمية للدولة: العلاج بالجن، دور القرود في معارك الحكومة ضد معارضيها، طمس التراث الثقافي والفني بما في ذلك محاولات ذبح الفن والغناء السوداني…الخ، وكل هذا لا علاقة له بأي مشروع فكري لنهضة وإعادة بعث الأمة السودانية.
* صعود شرائح الطفيلية الجديدة وأثرياء الحرب وسماسرة المجاعة وناهبي المال العام.
وهكذا، إستمرت الإنقاذ طيلة ربع قرن من الزمان تنفذ مشروعها الفكري النهضوي لإعادة بعث الأمة السودانية…فماذا كانت المحصلة النهائية حتى الآن؟؟ للأسف، وللألم، فإن الحصيلة هي واقعا مأساويا نعيشه اليوم، نشهد فيه شكلا جديد من الاستلاب والاغتراب، ليس تجاه الدولة أو مؤسساتها فحسب، وانما تجاه الكيان السوداني ذاته، واقعا نشهد فيه إعاقة نمو واتساع القوى الحديثة في المجتمع، القوى التي يفترض أن تبني المستقبل، ونشهد فيه ترييف المدينة التي خبا بريقها كمركز إشعاع ثقافي وسياسي، ونشهد فيه إنهاك مؤسسات المجتمع المدني، ثم فقدان الثقة في هذه المؤسسات بما في ذلك الأحزاب، وتراجع المواطن إلى رحاب القبيلة والعشيرة بحثا عن الأمن والأمان والحماية، وما يحمل ذلك في طياته من آليات التعصب وإمكانيات تصدع الدولة، لا نهضتها وإعادة بعثها كأمة….
(نواصل)
-
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. نافع يصف مُعارضي نظامه ب (بُغاث الطير).. و(د.الشفيع خضر يرُد عل (Re: عاطف مكاوى)
|
قراءة في المشهد السياسي: مِنْ “بُغَاثُ الطير”…! (2)
يتحرك مشروع الإنقاذ النهضوي البعثوي وكأنه نزل على بقعة خاوية من الحضارة، شاطبا من تاريخ السودان حضارات نبتة ومروي وكوش والسلطنة الزرقاء والمهدية وسودان ما بعد الإستقلال
د.الشفيع خضر سعيد
نواصل مناقشتنا لأطروحة الدكتور نافع علي نافع في حواره مع صحيفة “السوداني”، عدد الأحد 5 أغسطس 2012، والتي جاء فيها: “نحن في مشروع نعتقد أنه مشروع فكري ونهضوي وبعث أمة، لا يمكن أن نترك بغاث الطير أن ينتصروا عليه”! وكنا في مقالنا السابق قد أبدينا بعض الملاحظات الجوهرية حول هذه الأطروحة، من حيث تبشيرها بأن المشروع النهضوي للسودان مصدره فكر الإنقاذ وحده، أما أصحاب المشاريع الأخرى فهم مجرد بغاث طير، وذلك في إنكار واضح لواقع التعدد والتنوع في السودان، وأن الدكتور نافع لا يرى في تلاقح وتفاعلات وتشابكات وتداخلات مكونات الأمة والوطن، سوى معركة تناحرية، بين صقور الطير وبغاثه، نهايتها منتصر ومهزوم!. كما أشرنا إلى أن مشروع الإنقاذ النهضوي نبع من فوهة البندقية عبر الإنقلاب العسكري والتآمر السياسي، ثم تغذى في أجواء من القمع والإرهاب غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث، ثم إختتمنا المقال بالتطرق في إيجاز شديد إلى تجربتي النهضة الأوروبية ومحاولات الإنقاذ الفاشلة في تجسيد مشروعها الفكري لبعث ونهضة “الأمة” السودانية، طيلة ما يقرب من ربع قرن من الزمان منذ إستيلائها على السلطة، وذلك بالنظر إلى المقومات الأساسية التي توافق عليها الفكر الإنساني لتحقيق النهضة وبعث الأمة، والتي لخصناها في تسييد قيم الحرية، والعدل، والمساواة، والمواطنة وحقوق الإنسان، أي وضع الإنسان والقيم الإنسانية فوق كل إعتبار، وكذلك تسييد تسييد العلم والمعرفة والتحديث وقيمة حب العمل، إضافة إلى التنمية المستدامة.
الدكتور نافع يصف الآخر ببغاث الطير، أي الطائر الضعيف الذي لا مخلب له. يقول الجاحظ: “بغاث الطير ضعافها وسفلتها من العظام الأبدان”. أما عالم الانثروبولوجي والانسانيات، كلود ليفي إشتراوس، فكتب “إننا نطلق على الحيوانات ونستعير من النباتات بعض الأسماء التي يستخدمها الناس عادة لمخاطبة بعضهم بعضا، فنسمي بناتنا وردة أو زهرة…، وبالمقابل فإن أنواعا حيوانية عديدة تتقاسم مع النساء أوالرجال الأسماء التي تختص بهم عادة. وهذا الإنقلاب في التسمية يعود بفوائده على الطيور بشكل خاص. ولأن الطيور، من حيث أجسامها وجبلتها في المعاش، بعيدة عن البشر، فهي أقرب إلى حمل أسماء البشر من أي نوع حيواني آخر. لذلك، فإطلاق إسم البشر على الكلاب، مثلا، لابد أن يثير قدرا من الإشمئزاز،….، والطيور يمكن أن تتشبه بالبشر لكونها بالضبط متغايرة عنهم. فللطيور ريش وأجنحة وهي تبيض….، وهي أيضا منفصلة ماديا عن المجتمع الإنساني لكونها تمتاز بالهجرات. فهي تشكل إذن جماعة مستقلة عن جماعتنا، وتبدو كمجتمع مغاير لمجتمعنا ومماثلا له في آن. فالطير تواق إلى الحرية، وهو يبني مسكنا يعيش فيه مع صغاره في عائلة واحدة، وهو غالبا ما يقيم علاقات إجتماعية مع أبناء نوعه، ويخاطبهم بوسائل سمعية تشبه اللغة والبيان” (شتراوس، “الفكر البري”، ترجمة نظير جاهل، ص 244). يبدو أن جميع الشروط التي تجعلنا نتخذ من عالم الطيور مجتمعا بشريا إستعاريا، كما أشار إشتراوس، متوفرة في الواقع. وهذه الرابطة الاستعارية بين مجتمع الطيور ومجتمع البشر عادة ما يحتفي بها الكتاب والشعراء. وقديما قال الشاعر “بُغاثُ الطَيرِ أَكثَرُها فِراخاً : وَاُمُّ الصَقرِ مِقلاتٌ نَزورُ”. أما الشعر والغناء السوداني، ففيه الكثير الجميل عن الطيور: كتب حافظ عباس “والله نحنا مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة ولا في إيدا جواز سفر”، كما قال الشاعر عاطف خيري”قصد الطيور النور”…، ومعروف أن عاطف خيري في “سيناريو البحث عن اليابسة” وكأنه أسس شعرا لعالم ليفي إشتراوس الإستعاري المشار إليه أعلاه. أما إذا رجعنا إلى عالم الطيور وعلاقته بالإنسان، عند الدكتور نافع، فيبدو مختلفا تماما. فالدكتور نافع يستخدم التشبيه الضمني الممتلئ شحنة آيديولوجية، ليقدم طرحا آيديولوجيا متكاملا يبتدئ بتوصيف معارضيه بالضعف وعدم القدرة على الفعل السياسي لإحداث التغيير، وينتهي ضمنا بوصف نظام الإنقاذ ومشروعه بالقوة والمنعة، مستخدما المقارنة بين أقوياء الطير وبغاثها لتصوير إستحالة ذاك الفعل الذي يؤدي إلى التغيير، مقررا، قطعيا وبصورة نهائية، “لا يمكن أن نترك بغاث الطير أن ينتصروا عليه”.
قادة الإنقاذ يتحركون مثيرين غبارا كثيفا من أوصاف القوة لذواتهم ولمشروعهم، وهم دائما ما يذكروننا بأنهم أصحاب القوة المطلقة التي تتحكم في كل شيئ، مصير الوطن ومصيرالشعب، وهي قوة مستمدة أيضا من أنهم أصحاب الحقيقة والحق! لذلك هم لا يسمحون لأي آخر، أو آخرين، بالإنتصار عليهم. ومن هنا جاء حديث الدكتور نافع مؤكدا جاهزيتهم لخوض معركة الدفاع عن سلطتهم ضد أي هبة إحتجاجية جماهيرية…، ولكم في إستخدام القوة المفرطة المسببة للأذى، وفي إعتقالات الشباب والنساء، عبرة يا أولي الألباب! وفي الحقيقة، فإن الدكتور نافع وحزبه يدافعان عن مشروع بني على تحجيم دور الآخر وقمعه وسحقه إذا دعى الأمر. لكن، التاريخ، يثبت بما لا يدع مجالا للشك، إن أي مشروع يدعي النهضوية الحضارية، ويقوم على تطوير أدوات قمع وسحق الآخر لا يمكن أن يكون مصيره إلا الزوال. والتاريخ العربي الإسلامي مليئ بالعبر والمفيد في هذا الصدد. وبالمقابل نتساءل، ألا يتأمل هولاء نومة الخليفة عمر بن الخطاب تحت الشجرة الظليلة، لا حرس أو حماية، إلا من بغاث الطير وهو يزغزغ مع صغاره…؟ هل كان الخليفة عمر سينعم بتلك القيلولة المطمئنة لو أنه قتل وشرّد وفصل وعذّب وسجن وضرب ونابذ؟! لم يرتكب الخليفة عمر، المشهود له بالقوة والشدة، هذه الفظائع، لذلك لم يطلب حماية البطانة المدججة بالسلاح، والمجردة من كثير من القيم الإنسانية بفعل القهر والعوز والتجهيل، وإكتفى فقط بطلب حماية بغاث الطير!.
إن مسألة القوة التي دائما ما تدعيها الانقاذ، بمناسبة أو بدون مناسبة، هي، في تقديرنا، محض أوهام، وذلك بالنظر إلى ثلاث ملاحظات أساسية في تجربة الإنقاذ وهي تطبق مشروعها النهضوي البعثوي خلال حكمها الممتد لما يقرب من ربع قرن من الزمان: أولى هذه الملاحظات، أن الإنقاذ سعت لتوطيد حكمها خلال العقد الأخير ببركة الاتفاقيات مع عتاة خصومها السياسيين والفكريين. والملاحظة الثانية، أن الإنقاذ وضعت السودان في مأزق الدولة المحكومة بشروط المجتمع الدولي. أما الملاحظة الثالثة، فهي ممارسات الإتقاذ التي أدت إلى فصل الجنوب وإستمرار الحرب الأهلية وعلو شأن النداءات والممارسات العنصرية، منذرة بأعادة تشكيل خارطة الوطن. وكل هذا يجعل الحديث عن أي مشروع نهضوي لبعث الأمة السودانية مجرد لغو. كما أنه سيكشف للجميع ضآلة النظام وضعفه الذي رمى الوطن لقمة سائغة في أفواه الكثيرين.
ولم يكتفي الدكتور نافع بصفة القوة، فزاد عليها بصفة أخرى تعززها، عندما قال في الحوار المشار إليه (إنه لا يقوم بالمس على الوبر)، أي إضافة إلى التأكيد على قدرته على الحسم الفوري، فإنه أيضا يتبرأ من أي فعل يهدف إلى التطمين، ويعتبره مهادنة ومساومة على المبادئ. لكن، ما لفت نظرنا هنا، ما جاء في الحوار من أن الدكتور نافع، وهو يتحدث عن المس على الوبر، أردف ضاحكا، (وهذه لا يعرفها سوى الأبالة)، قاصدا عبارة المس على الوبر. والذي لفت نظرنا هنا هو الضحكة!! فإذا كان الدكتور نافع يعتز، حد التعصب، بإرثه من الكلمات التي تجري مجرى المصطلح (Jargon) الذي يخص فئة دون الأخريات (الأبالة)، مستعصما بالبعد عن الخطاب الذي يصل الجميع، عاكسا حنينه للماضوية، فإننا نقول له إن شباب اليوم ربما لا يعرف معنى ودلالة عبارة المس على الوبر، لكنه بالمقابل يتقن ويجيد ويعرف جيدا دلالة وأثر النقرة أو الكليك على زر الكومبيوتر! أي، هم ربما لا يعرفون الكثير عن الماضي، وعلى كل حال هذه ليست مسؤوليتهم، ولكنهم يعرفون تماما كيفية التعامل مع كل ما يشدهم ويشد وطنهم نحو المستقبل.
يتحرك مشروع الإنقاذ النهضوي البعثوي وكأنه نزل على بقعة خاوية من الحضارة، شاطبا من تاريخ السودان حضارات نبتة ومروي وكوش والسلطنة الزرقاء والمهدية وسودان ما بعد الإستقلال الذي قام على أكتاف مؤتمر الخريجين والأحزاب السياسية في أولى مراحل تكونها… لكن هذه البلاد ليست مقطوعة من شجرة، حتى يأتي مشروع الإنقاذ النهضوي ليعيد كتابة تاريخها كيفما يشأ، وغير عابئ بخط سير التطور الحضاري والنهضوي المتصل بذلك التاريخ، والمرتبط بما يذخر به الوطن من مشاريع نهضوية متعددة ومتنوعة، أهم ما يميزها أنها نتاج واقع التعدد والتنوع الموضوعي في البلاد، وأنها تحمل كل مقومات التفاعل والتلاقح مع بعضها البعض.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. نافع يصف مُعارضي نظامه ب (بُغاث الطير).. و(د.الشفيع خضر يرُد عل (Re: عاطف مكاوى)
|
ولنافع نقول اسرع الناس الى الفتنة اقلهم حياءا من الفرار
ــــــ وقد تحدثت مجالس المدينة عنك كيف كان حالك ومن معك عندما تسمعت خبر اقتحام الشهيد / خليل ابراهيم لامدرمان ايضا حاليا تتحدث مجالس المدينة بان حمادة اسرع الناس هرولة من الخرطوم بمجرد التوهم فقط بان شيئا ما يلوح فى الافق . نافع اقل الناس حياءا من الفرار ويبدو الجبن عليه جليا اذ ان ما يتلفظة الرجل بذاءات وشتائم ما هى الا علامات الخوف الاكبر مما هو قادم و########م الايام ستثبت لكم صدق ما نقول فنافع لن ينتظر ترنح السفينة ناهيك عن اولى مراحل الغرق بل سيكون اول المغادرين وتاريخ الرجل ينم عن ذلك الجبن البين المفضوج هنا ( قم للمعلم ووفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا ) فاين نافع من هذا القول الماثور وايضا الرجل تسمع للبوشى فى تلك الندوة فما الذى حدث للبوشى بعدها الم يعتقل ؟؟؟ وقد كان البوشى صادقا فى كل ما قال ؟؟ هل بمقدور نافع ان يرفع راسه فقط امام اى شخص لولا انه يحتمى بجهاز امن النظام ؟؟ هل يستطيع نافع ان يقف رجل لرجل ضد اى شخص ؟؟؟ اقسم بالرب انه لن يفكر الا فى الفرار امثال الحجاج هذا معروفون كيف يكون حالهم عندما تكفهر الدنيا وتشتد الكرب ودعونا ننتظر لنرى من هو النافع هذا
قاسم المهداوى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. نافع يصف مُعارضي نظامه ب (بُغاث الطير).. و(د.الشفيع خضر يرُد عل (Re: عاطف مكاوى)
|
Quote: ولنافع نقول اسرع الناس الى الفتنة اقلهم حياءا من الفرار
ــــــ وقد تحدثت مجالس المدينة عنك كيف كان حالك ومن معك عندما تسمعت خبر اقتحام الشهيد / خليل ابراهيم لامدرمان ايضا حاليا تتحدث مجالس المدينة بان حمادة اسرع الناس هرولة من الخرطوم بمجرد التوهم فقط بان شيئا ما يلوح فى الافق . نافع اقل الناس حياءا من الفرار ويبدو الجبن عليه جليا اذ ان ما يتلفظة الرجل بذاءات وشتائم ما هى الا علامات الخوف الاكبر مما هو قادم و########م الايام ستثبت لكم صدق ما نقول فنافع لن ينتظر ترنح السفينة ناهيك عن اولى مراحل الغرق بل سيكون اول المغادرين وتاريخ الرجل ينم عن ذلك الجبن البين المفضوج هنا ( قم للمعلم ووفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا ) فاين نافع من هذا القول الماثور وايضا الرجل تسمع للبوشى فى تلك الندوة فما الذى حدث للبوشى بعدها الم يعتقل ؟؟؟ وقد كان البوشى صادقا فى كل ما قال ؟؟ هل بمقدور نافع ان يرفع راسه فقط امام اى شخص لولا انه يحتمى بجهاز امن النظام ؟؟ هل يستطيع نافع ان يقف رجل لرجل ضد اى شخص ؟؟؟ اقسم بالرب انه لن يفكر الا فى الفرار امثال الحجاج هذا معروفون كيف يكون حالهم عندما تكفهر الدنيا وتشتد الكرب ودعونا ننتظر لنرى من هو النافع هذا |
شكراً يا مهداوى.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. نافع يصف مُعارضي نظامه ب (بُغاث الطير).. و(د.الشفيع خضر يرُد عل (Re: عاطف مكاوى)
|
عزيزي عاطف
تحيات طيبات
الشفيع انسان منحاز الي قضايا شبه وله ضمير حي ليس امثال عصابة الخرطوم المغتصبة الحكم المذله لشعبنا
ملاحظة مهمة ان الهبة الثورية او الانتفاضة ليس مربوطة بثورة مساجد او خلاوي ولا في ايام الجمع
لنا خبرة في اكتوبر ومارس ابريل
الثورة كل يوم وكل ساعة ضد الظلم ضد القهر
انظر لثورات الجمع ارتبطت بمساجد الانصار وقليل في الختمية واوقفها الصادق المهدي عدو النجاح
واسعاد الشعوب
يجب الخروج من ثقافة الهوس الديني التي انتشرت في الوطن ا لعربي ولم تثمر الا الفشل برغم قبول الحراك الجماهيري اينما سار
الرهان علي ثورة العمال والزراع والطلاب اولاد وبنات وحراك الريف والحضر رعاة وغيرهم نساء مدن وقري
من ضمنها المساجد ان تحركت
الاذي الذي يعيش فيه اهل السودان ساهم كثير من ائمة المساجد والالة الاعلامية لضياع حياة اكثر من 24 الف قتيل كذبا سموهم شهداء في معركة وصراع اهل الوطن
يا عزيزي عاطف بضاعة الهوس يجب ان ترد لهم لهن ولا نتبعهم\ن
ديل افسد من مشي علي الارض
تحيات طيبات لدكتور الشفيع كم كنت اتمني ان يكون في قيادة الحزب الشفيع مع احترامي لخيار الناس
بس عرفت الشفيع ثائرا ومناضلا ويشبه هذا المنصب عموما محبة لك وله
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. نافع يصف مُعارضي نظامه ب (بُغاث الطير).. و(د.الشفيع خضر يرُد عل (Re: عاطف مكاوى)
|
مِنْ “بُغَاثُ الطير”…! (4)
· كل المبررات التي ستأتي من أهل الانقاذ لن تستطيع الصمود في مواجهة الشروخ العميقة والدامية التي أحدثوها على المستويين الرأسي والأفقي في السودان. من ضمن الاستنتاجات التي توصلنا إليها في مقالاتنا السابقة، إن ثورات وحراك شعوب المنطقة، والسودان ليس إستثناءا، ستفتح أبواب الولوج لمرحلة تاريخية جديدة، يمكن ان تؤسس لإعادة بعث مشروع النهضة، في ظل ظروف جديدة مغايرة كليا تتميز بإندفاع رياح التغيير في المنطقة، وبأن قوى التغير هذه المرة تحمل وعي عصرها الذي اسقط كافة التعميمات والادعاءات الزائفة والافكار المسبقة، وهي قوة تجيد لغة العصر وتتقن التعامل مع منجزات الثورة التكنولوجيا بدرجة تمكنها من تطويع هذه المنجزات لصالح قضايا الشعوب، كما تتطلع للحياة الجديدة معززة مكرمة في بلدانها. وكل ذلك يدفع قوى التغيير هذه لبناء مشروع نهضوي جديد لا يخضع لأي تابوهات سياسية أو عقدة العصبية القومية، وفي نفس الوقت يستثمر إيجابيات العولمة إلى أقصى حد ممكن. ثم كان سؤالنا الرئيس: أين مشروع الإنقاذ النهضوي من كل هذا؟؟
وفي محاولة للإجابة على التساؤل أعلاه، نقول: عندما فضحت الممارسة السياسية خواء وزيف مشروع الانقاذ الحضاري، وكأنها تطلعنا على الكثير من تطلعات شريحة إجتماعية، تطلق عددا من الشعارت لكنها لا تملك رؤى حقيقية لتنمية حياة الشعب السوداني: لا ولاء لغير الله، الإسلام هو الحل، أسلمة الدولة والمجتمع، هي لله لا للسلطة ولا للجاه…الخ، وكذلك إستخدام القمع لمحاربة ما تراه هذه الشريحة منافيا للدين في حياة السودانيين وفي تقاليد المجتمع السوداني، في حين أن السودانيين ظلوا على مر السنين في تصالح مع حياتهم وتقاليدهم هذه ولا يرون فيها أي مساس يالدين. ظلت الإنقاذ تبشر بمشروعها الحضاري، مواصلة طرح الشعار الديني تلو الآخر، وكأن الشعب السوداني يعيش في مرحلة إكتشاف الأديان، مستندة على ثقة تمنح بلا تفكير لكل من يرفع شعارا دينيا. هذه الشريحة الإجتماعية، إستفادت من موقعها المتميز ضمن الطبقة الوسطى، أي البرجوازية الصغيرة، والتي تتمتع بكونها الوريث الشرعي لمفاصل العمل القيادي في إدارة البلاد بعد ذهاب المستعمر. ومن الواضح أن هذه الشريحة لم تستجيب لإشارات خط التطور الطبيعي، والذي يتماشى مع تطلعات الطبقة الوسطى، أي التركيز على بناء مؤسسات الدولة بدلا من دمج هذه المؤسسات في مؤسسات الحزب، ومن ثم تحويل الدولة إلى دولة حزب، ترسيخ مبادئ الديمقراطية والشفافية والعلانية والمحاسبة، رفع الوعي وتسييد العلم ومنهج الاستنارة، وإحداث تغيير نوعي في شكل الحياة اليومية. لكن، هذه الشريحة آثرت القفز لتصل إلى مجدها وغناها الشخصي، فتضرب الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة في مقتل، وتتبنى التاكتيك الانقلابي التآمري من أجل الوصول إلى كراسي الحكم. وبفعل خيانتها التاريخية لدور الطبقة الوسطى المشار إليه، وبقغل ما قدمته، وهي على كرسي السلطة، من ترضيات ودعم الشريحة الانتهازية في السوق بعد طرد قوى الرأسمالية الوطنية التقليدية منه، أصبحت قوة ضاربة لدعم وحماية الرأسمالية الطفيلية التي كانت آخذة في التمدد الشره منذ عهد النميري، بل وسرعان ما تحولت هذه الشريحة نفسها إلى جزء أصيل في تركيبة الرأسمالية الطفيلية في السودان. وهكذا، فإن مشروع الانقاذ الذي رفع على أس أسلمة المجتمع، قام على أساس التمكين وقمع الشعب الحرون، وبدلا من أن ينجز خطوات متقدمة في تنمية البلاد، عصف بأساسيات هذه التنمية والمتمثلة في الصحة والتعليم. فهل يسمى هذا، في عرف وفكر قادة الانقاذ، نهضة وبعث حضاري؟
نحن لسنا بصدد محاكمة وتفتيش ضمائر قادة وكوادر الانقاذ، ولكن إستنادا على تجربة ممارستهم السياسية في حكم البلاد طيلة ما يقرب من ربع قرن، نستطيع أن نطرح السؤال تلو السؤال، والتهمة وراء التهمة، وكل المبررات التي ستأتي من أهل الانقاذ لن تستطيع الصمود في مواجهة الشروخ العميقة، والدامية، التي أحدثوها على المستويين الرأسي والأفقي في السودان. بل، إننا إذا قلبنا أحوال البلاد على أوجهها جميعها، فلن نجد وجها واحد يعكس ما جاء في حديث الدكتور نافع حول أنهم جاءوا بمشروع نهضوي يهدف إلى بعث الأمة السودانية. وإذا فكر المرء في أن كل ما حدث ويحدث في حياة السودانيين من أهوال، يأتي في سياق صراع حول شكل الحكم، إسلامي/علماني، ويضع معطى رئيسي بأن من يحكم البلاد هم الاسلاميون، سيجد الصورة أكثر وضوحا وسيصيغ الأسئلة بشكل منطقي تقوده إلى إجابات منطقية حول طبيعة الصراع السياسي في البلاد، وحول طبيعة الشريحة الحاكمة. وبالتالي لن يكون صعبا إكتشاف أن الصراع هو بين الفئة الحاكمة التي ترفض الإعتراف بالفشل والجماهير التي تطالب بأبسط حقوقها، وعلى رأسها حقوق المواطنة والعيش بحرية وكرامة…وبعدها… تستطيع العين أن ترى وتميز بوضوح تام ما إذا كان ما يجري الآن في السودان هو نهضة أم إنحطاط؟.. الحروب الأهلية ليست علامة من علامات النهضة، ولا الفوارق الطبقية والاجتماعية الفادحة، ولا تفشي روح العصبية القبلية، ولا إنتشار الجوع والمرض والجهل، ولا الضرائب الباهظة والجبايات، ولا الخصخصة غير المرشدة والمضاربات، ولا الوقوع تحت براثن المجتمع الدولي……كلها ليست علامة من علامات النهضة، بل العكس هو الصحيح، فكلها مؤشرات عصور الانحطاط ومؤشرات الدولة الفاشلة بإمتياز.
أما إذا أردنا بناء مشروع نهضوي في السودان، فذلك لن يتأتى إلا بإتفاق جميع أبناء السودان، وبمختلف رؤاهم، على بناء دولة المواطنة الديمقراطية التي تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والأعراق والثقافات. فمشوار البعث النهضوي الحقيقي يبدأ بجلوس أبناء السودان جميعهم، عبر أجسامهم السياسية والإجتماعية والثقافية والقبلية المختلفة، لرفع القواسم المشتركة بينهم وتحديد الفواصل الضرورية بين جهاز الدولة والنظام السياسي الذي يحكم، حتى نمنع إطلاق يد فرد أو فئة لتطيح بالآخرين وتنفذ فيهم ما يعشعش في أمخاهها من أوهام، ولنتوافق على معالجة إقتصادية تخرج الفقراء من دائرة الفقر ونعيد بناء أمة متوحدة على المبادئ الانسانية الاساسية، والتي تضع الإنسان والقيم الإنسانية فوق كل إعتبار، وهذا يعني تسييد قيم الحرية، والعدل، والمساواة، والمواطنة وحقوق الإنسان وتسييد العلم والمعرفة والتحديث، وأيضا تسييد قيمة حب العمل وإنجاز التنمية المستدامة.
فهل جماعة الإنقاذ مستعدون للإعتراف بأن مشروعهم الحضاري لم يحصد منه السودانيون سوى الإنفصال والحروب الأهلية والتدهور المعيشي والفشل؟ وهل هنالك بقعة ضوء في آخر النفق المظلم، يعطي الأمل بإمكانية إنتشال هذه البلاد مما هي فيه من وحل؟. (نواصل)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. نافع يصف مُعارضي نظامه ب (بُغاث الطير).. و(د.الشفيع خضر يرُد عل (Re: عاطف مكاوى)
|
Updated On Sep 6th, 2012 قراءة في المشهد السياسي
د.الشقيع خضر سعيد
مِنْ “بُغَاثُ الطير”…! (5)
(شروط النهضة وبعث الأمة)
مشروع النهضة وبعث الأمة في السودان، لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توفرت الديمقراطية والإصلاح الديني وحل قضايا القوميات والتعليم والثقافة والتنمية
الكل يصرخ، أو يهمس: السودان ينحدر نحو الكارثة…، والواقع يؤكد ذلك! وكنا في مقالاتنا السابقة قد تحدثنا بشيئ من التفصيل عن دور نظام الإنقاذ في إيصال البلاد إلى هذا المنحدر الكارثي. وبالنظر إلى حجم الدمار والخراب الذي طال كل شيئ في البلاد، على المستوى المادي المحسوس ومستوى القيم، فإن أي مشروع لإنتشال الوطن من الهاوية، والنهوض به للحاق بركب الحضارة والتقدم، يتطلب ويشترط تنفيذ عملية ذات ثلاثة مراحل متداخلة ومتشابكة: وقف الإنحدار نحو الكارثة، والسعي لإصلاح الحال، ثم الإنطلاق لتحقيق المشروع النهضوي للأمة السودانية. ومن الواضح أن هذه العملية، من غير الممكن أن ينجزها فصيل أو فصيلان، بقدر ما هي مهمة الشعب بأسره. وهي بمثابة مهمة تاريخية، لكن حجمها وما يواجهها من تحديات، كفيلان بإشاعة الإحباط، وربما اليأس، لدى أكثر الناس همة وحماسا. لكن، البديل لهذه المهمة التاريخية هو الإنزلاق إلى هاوية الهمجية المرعبة، حبث التفتت والدمار الشامل. وعموما، قد يكون الإحباط في حد ذاته حافزا للإرادة، إرادة العمل من أجل وقف الإنحدار نحو الكارثة.
إن الإنسان، هو الجوهر العام لأي مشروع نهضوي حقيقي. وبالتالي فإن الخطوة الأساسية في فك شفرة النهضة والتقدم وبعث الأمة تقوم على فكرة وضع الإنسان فوق جميع الإنتماءات الممكنة. وكما أشار جيلبير الأشقر، في مساهمته في ندوة برلين حول “أشكاليات أزمة النظام العربي وإشكاليات النهضة”، (برلين، ديسمبر 2006)، فإن الأوروبيين ظلوا لعدة قرون يتقاتلون بدافع من الولاء للملك أو للسيد الإقطاعي أو لديانة أو لشيعة أو لطائفة أو لبلد، إلى أن دعا مفكروا التنوير وعصر النهضة إلى وضع الإنسان فوق جميع تلك الإنتماءات. ولعلنا جميعا قد إطلعنا على الإعلان الشهير الذي صدر عن المفكر الفرنسي مونتسكيو، والذي لخص فيه جوهر فكرة عصر التنوير حول التوجه نحو الإنسان. وقد جاء في الإعلان: ((لو عرفت شيئا يفيدني ولكنه يسيئ إلى عائلتي، لأبعدته عن ذهني. ولو عرفت شيئا يفيد عائلتي ولا يفيد وطني، لحاولت أنساه. ولو عرفت شيئا يفيد وطني ويسيئ إلى أوروبا، أو يفيد أوروبا ويسيئ إلى الجنس البشري، لإعتبرته إجراما)).
وأعتقد أن الخطوات الأخرى، وهي أيضا رئيسية وهامة، واللازمة لفك شفرة النهضة والتقدم وبعث الأمة، لا بد أن تتضمن عملية إحباط مفعول الألغام الآيديولوجية الكثيرة الناتجة من تباين الخيارات الفلسفية والمذاهب الفكرية والدينية، ومن سوء الفهم والتنافس الطبيعي بين الأحزاب والجماعات والأشخاص. وبالمقابل تعزيز التفاعل بين التيارات الفكرية المختلفة والمتعددة، وتحرير الوعي العام والفردي معا من خطر الإستمرار في معتقل منطق الثنائيات المحبطة والمواجهات المستنفدة للطاقة: الإسلام/العلمانية، الليبرالية/الديمقراطية، القومية-الأمة/الإثنية-القبيلة، الوطنية/الأممية، الداخل/الخارج، المحلي/الأجنبي …الخ، وذلك في سبيل الوصول إلى تفاهم وطني راسخ يفضي إلى صياغة مشروع وطني تنموي، وإلى تحقيق التحديث الفكري – الثقافي للمكونات التي تقوم عليها الحداثة المجتمعية، وفي مقدمتها الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، العدل، المساواة، المواطنة، العلم، حب العمل، وتوفير لقمة العيش الكريمة. وكان مفكروا التنوير والنهضة العرب الأوائل، في القرن التاسع عشر، قد شرعنوا عملية الإقتباس من الغرب، على قاعدة التفاعل البناء وليس التقليد الأعمى، معتبرين أن تغيير الذهنيات والعقليات وأنماط السلوك هو المدخل إلى تملك أسس الحداثة والنهضة، فنجحوا في إطلاق الشرارات الأولى لثورة ثقافية حقيقية، عن طريق سعيهم إلى الإصلاح الديني، والترويج للحرية والدولة الدستورية، ودعوتهم إلى تحديث اللغة العربية، ونضالهم من أجل تحرير المرأة، ومن أجل إصلاح التعليم والتربية، داخل الأسرة والمدرسة.
ةهكذا، فإن مشروع النهضة وبعث الأمة في السودان، لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توفرت له جملة من الركائز الرئيسية، أهمها في إعتقادي: الديمقراطية والإصلاح الديني وحل قضايا القوميات والتعليم والثقافة والتنمية:
1- الديمقراطية هي الشرط الرئيس لتأسيس أي مشروع للنهضة والحداثة. والديمقراطية قيمة كونية، تقوم مبادؤها على الفصل الحقيقي، وليس الشكلي كما هو الحال الآن في السودان، بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، إحترام الحريات الفردية والعامة ومراعاة حقوق الإنسان، التداول السلمي الديمقراطي للسلطة عبر الانتخابات الحرة النزيهة… وهذه المبادئ هي واحدة وصالحة للمجتمعات كافة، أما أشكال تجليها فهي التي تختلف وتتمايز من بلد لآخر. وكلما إكتسبت الديمقراطية بعدا ومحتوا إجتماعيا جوهره توفير الحاجات الأساسية للمواطن، كلما ترسخت وتوطدت وصعب إقتلاعها. والديمقراطية لا يمكنها أن تكون منقوصة أو مجتزأة، بل هي تكون شاملة أو لا تكون. قصدنا من هذا الإشارة إلى أن جماعات الإسلام السياسي يجب أن تكون طرفا مشاركا في العملية الديمقراطية، شريطة أن تقبل هذه الجماعات، بصورة لا لبس فيها، مبادئ الديمقراطية المشار إليها أعلاه، والتي، في الواقع، يجمعها مبدأ عام هو الإعتراف بالآخر والإقرار بشرعية الإختلاف. وأعتقد أن هذا المبدأ العام ليس غريبا على الإسلام، بل شكل القاعدة التي قام عليها تيار الاصلاح الديني في القرن التاسع عشر. إن الإقرار بهذا المبدأ العام، والذي يعني فيما يعنيه، قبول التعددية في المجتمع وإحترام الرأي الآخر ومنع إحتكار التحدث بإسم الاسلام، ورفض التكفير، ورفض إدعاء أي جهة إمتلاكها الحقيقة، ونبذ اللجوء إلى العنف في حل الخلافات السياسية…، يجب أن يمثل شرطا للإعتراف بالشرعية الديمقراطية لجماعة الاسلام السياسي، والتي سيتعين عليها إدراج هذا المبدأ بوضوح في برامجها، والترويج له في إعلامها، والإلتزام به في ممارساتها وفي علاقاتها مع أطراف العملية الديمقراطية الأخرى. وفقط عند توفر هذه الشروط، يمكن أن تتحول هذه الجماعات إلى ما يشبه أحزاب الديمقراطية المسيحية التي تشكل اليوم رقما رئيسيا لا يمكن تجاهله، في الواقع السياسي الأوروبي.
2- الركيزة الثانية هي تطوير النظرة إلى دور الدين، وهي النظرة التي تمثلت في مفاهيم الإصلاح الديني والعلمانية والدولة المدنية…الخ. العديد من المفكرين العرب المسلمين توصلوا، فيما يشبه الإجماع، إلى أن تطوير النظرة إلى دور الدين هو خيار موضوعي لا مهرب منه في أي مشروع نهضوي للمجتمع والأمة. وفي كتابه، الإسلام والسياسة، يضيف عبد الإله بلقزيز إلى ذلك “إن إخفاق مشروع الإصلاح الديني ، الذي بدأه الشيخ محمد عبده في القرن التاسع عشر، يطرح أسئلة مشروعة حول مجمل العوامل التي صنعت ذلك الإخفاق، ومثلت إعاقة حاسمة أمام تحقيق تراكم فكري وسياسي في شأن مسألة الإصلاح الديني، بإعتبارها المسألة الحيوية في معركة النهضة والتقدم”. وأعتقد، من الصعب أن يعترض أحد على حقائق التاريخ التي تقول أن النهضة الأوروبية كانت نقطة إنطلاقها الأولى هي حركة الإصلاح الديني التي أطاحت بتحالف رجال الدين والملكية والإقطاع، وأطاحت بسيطرة الكنيسة على الدولة والحياة. بل إن الثورة الفكرية العظمى، والتي نشأ عنها عصر التنوير، عصر الموسوعيين الكبار، ما كان لها أن ترى النور إلا بأثر حركة الإصلاح الديني آنذاك. في مقال قادم سنناقش، بتفصيل أكثر، مفاهيم العلمانية والدولة المدنية، أما في هذا الحيز فنلخص قائلين بأن العلمانية والديمقراطية تمثلان وجهين لعملة واحدة هي الحداثة والإستنارة ومعنى النهضة وبعث الأمة.
3- الفكر السياسي السوداني إنتبه إلى أن واقع التعدد والتنوع والتباين الذي يزين الساحة السودانية، يمكن أن يكون مصدر قوة وثراء، لا مكمن ضعف وخواء. ومن هنا جاءت أطروحات المشاركة العادلة في السلطة والتقسيم العادل للثروة بين المكونات القومية والإثنية للكيان السوداني، والإعتراف بثقافات ومعتقدات هذه القوميات ضمن مكونات الهوية السودانية، في وضع التساوي الأفقي وليس وضع الأفضلية الرأسي، وضرورة التخلي عن التوجه الإقصائي في التعامل مع هذه القوميات، والتخلي عن سياسة صهرها داخل بوتقة القومية العربية، وكذلك التخلي عن النظر إليها كأقليات، حتى وإن كانت عددا هي فعلا كذلك. فمسألة بناء الدولة والأمة، ومسألة المكون الوجداني والروحي، كلها لا تخضع لمعايير الأغلبية والأقلية.
(نواصل)
| |
|
|
|
|
|
|
|