دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر
|
شُلت يد الكتابة
الثالث والعشرون من نوفمبر ـ أهيئ نفسي مثل كل عام في هذا التاريخ للإحتفاء بشكل خاص بالذكري السنوية لتأسيس الجبهة الديمقراطية ـ إحتفال قوامه القراءة والكتابة وقضاء النصف الأخير من اليوم في التأمل في هذه السيرة العطرة .
في مثل هذا التاريخ قبل عشرات السنين نشط الطلاب الشيوعيين والديمقراطيين في تأسيس تحالفهم الإستراتيجي الراسخ لإنجاذ مهام الثورة الوطنية الديمقراطية ـ وهي ثورة لها ما لها من اماني الشعب وأحلامه . لا أدري كم كان عددهم في الثالث والعشرون من نوفمبر والعام ألف وتسعمائة وثلاثة وخمسون . غير أنني أعرف تمام العرفة كيف كانت أحلامهم ورؤاهم وأمانيهم وكم كان مقدار حبهم لهذا الوطن سفيح الأحلام .
تتشقق الأرض ونبت الحكايا يخرج . تنبت في الأرض آلاف البذور ـ يورق الزرع قليلاً فتتفتح الأزاهير ... يتسلقون جدار الوطن وهمومه كما اللبلاب ... يعطرون سماوات الوطن كورود الإقحوان والياسمين ... ليخرج من كل سنبلة قمح ألف شيوعي أنيق ومن سكك الحديد آلاف الصناديد ومن دروب الأرض ملايين النساء السامقات . في الثالث والعشرون من نوفمبر شلت يد الكتابة ... توقف الزمن فجأةً ليعلن الناعي عن رحيل رجل كان وسيظل واحداً من أجمل الذين أتو الوطن بقلب سليم . قالت الخرطوم : مات التجاني الطيب بابكر
رحلت الرئة التي كان يتنفس من خلالها البسطاء والكادحين وأبناء السبيل ـ رحل العم التجاني الطيب بابكر والبلاد كأحوج ما تكون لفكره وثقافته ومبدئيته وعفته وإبتسامته ـ رحل العم الطيب التجاني الطيب والبلاد تستعد في الدخول لمعركة جديدة بين قوي الشر كله والخير كله ـ مضي بعد أن غرس في وجدان قرائه ورفاقه أجمل غرس يمكن لإنسان أن يغرسه . مضي دون أن يري الكادحين والفقراء يرفلون في رفاهيتهم التي نشدها لما يقارب الثمانون حولاً أو تزيد .
مضي الرجل الفكرة والإبتسامة الحرة مضي صاحب اليد النظيفة مضي التجاني الطيب بابكر بعدما أضاء الطريق للكثيرين ـ مضي بجسد أنهكه الإعتقال والتشريد والمنفي بجسد ظل يهبه علي الدوام لمشروع وطني قوامه الحرية وخبزه العدالة الإجتماعية .
برحيله فقدت البلاد رجلاً نادراً قل أن يجود الزمان بمثله ـ فجع الوطن في أخلص أبنائه وأبرهم ـ فقدت البلاد واحداً من أجمل العصي التي لطالما توكأت عليها . كان العم التجاني رجلاً فذاً تحمل ما تحمل لأجل أن يمضي بفكرته الحرة ـ ظل متسقاً للدرجة التي كان من الصعب للغاية أن تفرز فيها بين التجاني كعم والتجاني كوالد والتجاني كرفيق درب يقاسمك الأماني قبل الأحلام .
حاملاً عصاته وإبتسامته الصادقة يرحل التجاني الطيب بابكر بهدوء ودون ضجيج ـ يرحل الرجل الذي أفلت من الموت بالثبات علي مبادئه كأجمل ما يكون الرحيل ـ يرحل معلناً رفضه لرحيل البلاد ، متمسكاً بمشروعه الوطني الذي لم يكن علي الإطلاق من شروطه تمزيق الوطن .
سيظل العم التجاني واحداً من ألطف العباد الذين مروا بهذا الوطن وواحداً من أنجب النجباء الذين لم يرهنوا قناعاتهم سوي لخدمة قضايا وطنه وأهله . سيظل خالداً في كلمة الميدان وفي انتصارات رفاق الميدان ـ سيظل واحداً من أجمل الذين أحبو هذا الوطن بصدق . وداعاُ العم التجاني الطيب بابكر وداعاً يازميل ياترس وداعاً أيتها الإبتسامة الحرة وداعاً أيها القلب الكبير .
لن ننساك
http://www.sudaneseonline.com/vb/t88273.html
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: محمد سنى دفع الله)
|
Quote: سيظل العم التجاني واحداً من ألطف العباد الذين مروا بهذا الوطن وواحداً من أنجب النجباء الذين لم يرهنوا قناعاتهم سوي لخدمة قضايا وطنه وأهله . سيظل خالداً في كلمة الميدان وفي انتصارات رفاق الميدان ـ سيظل واحداً من أجمل الذين أحبو هذا الوطن بصدق . وداعاُ العم التجاني الطيب بابكر وداعاً يازميل ياترس وداعاً أيتها الإبتسامة الحرة وداعاً أيها القلب الكبير . |
Quote:
وداعاً يازميل ياترس |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: Asim Fageary)
|
Quote:
يابا مع السلامة مع السلامة مع السلامة يا سكة سلامة في الحزن المطير يا كالنخلة هامة قامة واستقامة هيبة مع البساطة اصدق ما يكون راحة ايديك تماماً متل الضفتين ضلك كم ترامى حضناً لليتامى خبزاً للذين هم لا يملكون بنفس البساطة والهمس الحنون ترحل يا حبيبي من باب الحياة لباب المنون روحك كالحمامة بترفرف هناك كم سيرة وسريرا من حولك ضراك والناس الذين خليتم وراك وعيونم حزينة بتبلل ثراك ابواب المدينة بتسلم عليك والشارع يتاوق يتنفس هواك يا حليلك حليلك يا حليل الحكاوي تتونس كانك يوم ما كنت ناوي تجمع لم تفرق بين الناس تساوي نارك ما بتحرق ما بتشد تلاوي ما بتحب تفرق من جيبك تداوي الحلم الجماعي والعدل اجتماعي والروح السماوي والحب الكبير في الزمن المكندك والحزن الاضافي جينا نقول نفرق نجي نلقاه مافي لا سافر مشرق لافتران وغافي وين عمي البطرق جواي القوافي يا كرسيه وسريرو هل ما زلت دافي يا مرتبتو امكن في مكتبتو قاعد يقرا وزهنو صافي يا تلك الترامس وينو الصوتو هامس كالمترار يساسق يمشي كما الحفيف كم في الذهن عالق ثرثرة المعالق والشاي اللطيف تصطف الكبابي اجمل من صبايا بينات الروابي والضل الوريف احمر زاهي باهي يلفت انتباهي هل سكر زيادة ام سكر خفيف ينده للبنية يديها الحلاوة والخاطر يطيب يدخل جنو منو محبوب الشقاوة يستنى النصيب الدفو والنداوة السنا والعبير كالغزلان هناك في الوادي الخصيب حيث الموية عذبة والغصن الرطيب كم تحت المخدة اكتر من مودة للجنا والغريب عش وعشب اخضر جدول من حليب يابا ابوي يا يابا الشمس البتطلع بلت منو ريقا والنجمة البتسطع فيه تشوف بريقا اندى في حركتو يطفيها الحريقة ننهل من بركتو زي شيخ الطريقة شاييهو وطرقتو والايدي الصديقة يلا نسد فرقتو حب الناس درقتو يا موت لو تركتو مننا قد سرقتو كنا نقول ده وقتو لكنك حقيقة النفاجو فاتح ما بين دين ودين نفحة محمدية دفئاً كالضريح ميضنة كم تلالي جيداً في اليالي مجداً في الاعالي مريم والمسيح قلباً نبضو واصل ما بين جيل جيل ما بين كان وحاصل او ما قد يكون ما بتشوف فواصل الا الذكريات وآلام المفاصل بعضاً من شجون يابا مع السلامة يا سكة سلامة في الحزن المطير |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
Quote: في الثالث والعشرون من نوفمبر شلت يد الكتابة ... توقف الزمن فجأةً ليعلن الناعي عن رحيل رجل كان وسيظل واحداً من أجمل الذين أتو الوطن بقلب سليم . قالت الخرطوم : مات التجاني الطيب بابكر
|
له الرحمة والمغفرة نسأل الله أن يتقبله قبولا حسنا ويبدله دارا خيرا من داره واهلا خيرا من أهله العزاء موصول لاسرته وأهله وجيرانه ومعارفه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
نص الدفاع الذي قدمه المناضل الشيوعي التجاني الطيب بابكر امام المحكمة العسكرية (محكمة امن الدولة) و التي قضت بالحكم عليه بالسجن عشر سنوات في اكتوبر1982
السادة رئيس و اعضاء محكمةامن الدولة
بهذه المحاكمة اقف مرة اخرى في الصف الطويل من الوطنيين و الديمقراطيين السودانيين الذين قادتهم افكارهم و مواقفهم الى المحاكم منذ عهد الاستعمار بموجب قوانيين تصادر الديمقراطية و تجعل من ممارسة حقوق طبيعية، كحق التنظيم و التعبير، جرائم تستحق العقاب. و لقد ناضل شعبنا طويلا ضد الاستعمار و قوانينة الخانقة و قدم تضحيات جمة في سبيل سودان حر ديمقراطي. و بعد الاستقلال و هو يناضل في سبيل التغيير الاجتماعي، لم يتوقف شعبنا قط عن النضال في سبيل الديمقراطية. و الواقع ان تاريخ حركة شعبنا السياسية و الاجتماعية عبر عشرات السنين هو تاريخ نضاله من اجل حقوقه و حرياته، و ثورته في اكتوبر وهي اكبر حدث في تاريخه المعاصر كانت ثورة للديمقراطية. هذه هى الارادة الحقيقية لشعبنا. ان النظام الراهن يعمل بكل السبل و الوسائل لقهر هذه الارادة بحكم الفرد و نظام الحزب الواحد، و قانون امن الدولة وقوانيين النقابات و الصحافة و باجهزة مختلفة للقمع. و من ابرز سبل و وسائل القهر قانون امن الدولة و جهاز امن الدولة الذين بهما تمارس السلطة اضطهادا لا مثيل له بالمواطن، و تسعى الى تجريده من انسانيته و تقتحم حرمة شخصه و سكنه، تحاربه في رزقه و تعتقله امدا غير محدود و تستخدم العنف ضده الى حد اطلاق الرصاص عليه بقصد قتله اذا اشترك في اعتصامات او مظاهرات مهما كانت سلمية. و هى مطلقة اليد ازاءه كمتهم ، فهو محروم من حق الافراج بالكفالة ايا كانت التهمة، و يعامل حتى قبل بداية التحقيق معه بأسوأ مما يعامل السجناء المدانون، و كثيرا ما يتعرض للتعذيب البدني و النفسي لقسره على الادلاء بمعلومات او اعترافات. و السلطة تطلق لسانها ضد المواطن كمتهم او معتقل او معارض بافتراءات يعاقب عليها في بلد يسوده حكم القانون، كما تحاكمه باجهزة اعلامها و تدينه، وهذه كلها حقائق يعرفها الرأي العام و قد عشتها كتجربة ذاتية خلال الشهور العشرين الماضية. و عقب اعتقالي مباشرة نشرت الصحف تصريحات اسنتدها لمسؤولين في جهاز امن الدولة تتهمني و الحزب الشيوعي بالعمالة لجهات اجنبية و يوم عشرين يونيو الماضي نشرت جريدة الصحافة حديثا ادلى به رئيس الجهاز لصحيفة مصرية قال فيه كان الشيوعيون يتلقون تعليماتهم دوما من جهات اجنبية. كمواطن نذر حياته بتجرد لوطنه و شعبه، لا اجد ما اصف به هذة الافتراءات سوى انها رخيصة و ت.افهة. و لقد عرضت على لجنة التحقيق مئات الوثائق التى تخص الحزب الشيوعي في سياساته الداخلية و الخارجية. و قدم المتحري نماذج منها كمستندات امامكم، و لكنها لم توجه لي سؤالا واحد و لو بطريقة غير مباشرة عن تعليمات تاتي من الخارج اواتهاما بالعمالة و لم تبد صحيفة الادعاءات شيئا من ذلك. اما الحزب الشيوعي، فان له تاريخه المعروف في نضال شعبنا، و في اغسطس هذا يكمل عامه السادس و الثلاثين، و قد صادم الشيوعيون حكومات مختلفة و وقفوا كثيرا قياديين و قاعديين امام المحاكم، و لكن لم يحدث قط ان قدموا للقضاء بتهمة العمالة، لا لانه لم يوجد دليل و حسب، بل و ببساطة لانه لا يوجد و لا يمكن ان يوجد مثل هذا الدليل. لقد حظى الحزب الشيوعي اكثر بكثير من اي حزب سوداني آخر بدراسات عديدة محلية و اجنبية و وجد مكانا مرموقا في عدة كتب و مقالات عن الحركةالسياسية و النقابية السودانية والعربية و الافريقية و المتتبع لهذة الدراسات و لتاريخ بلادنا يرى ان الشيوعيين كانوا دائما في الصفوف الامامية لوطنيي السودان و ان حزبهم هو الحزب السوداني الوحيد المستقل حقيقة عن كل نفوذ اجنبى و للحزب الشيوعي حضور عالمي واسع، و له علاقات معلومة مع الاحزاب الشيوعية و الاحزاب و الحركات الديمقراطية تقوم على الاستقلال و الندية و الصداقة و التضامن و النضال المشترك من اجل الاهداف النبيلة المشتركة و هو يتمتع باحترام حقيقي و عميق و واسع عربيا وافريقيا و عالميا لا تجده سوى الاحزاب الاصيلة، و يتجلى كل ذلك في حملات التضامن الواسعة معه.
السادة رئيس واعضاء المحكمة
تصف صحيفة الادعاء الحزب الشيوعي بالمحظور و هو كذلك بالفعل، فالاحزاب محظورة في بلادنا، و هذا هو احد اجلى مظاهر مصادرة الديمقراطية و يستند الحظر الى ان الدستور يفرض الاتحاد الاشتراكي تنظيما سياسيا وحيدا، بزعم انه يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة و انه بالتالي يوحد كل السودانيين و يجنبهم الانقسامات الحزبية. و لكن الواقع يدحض هذا الزعم لان الاتحاد الاشتراكي ليس تحالفا شعبيا وانما مجرد حزب آخر لطبقات و فئات رأسمالية، و السياسات التى تطبق باسمه تمثل فقط مصالح تلك الطبقات و الفئات و تتعارض تماما مع مصالح الطبقة العاملة و الاغلبية الساحقة من الناس البسطاء، و يعكس تركيب قياداته انه حزب للاغنياء و الجماعات المتحلقة حول السلطة و كبار الموظفين، و قد بدلت الوجوه كثيرا و لكنها لم تخرج عن ذلك. ومع ان السلطة انفقت عليه من المال العام عشرات الملايين من الجنيهات و اخلت له ساحة النشاط الشرعي و غذته بالموظفين المنتدبين من جهاز الدولة، جعلت تنظيمات بناها العاملون بجهدهم عبر عشرات السنين روافدا له، فان الاتحاد الاشتراكي ظل حزبا كسيحا فكريا و معزولا جماهيريا و لم يخرج عن كونه مخلوقا للسلطة، و قد رأينا جميعا كيف حل رئيسه هيئاته العليا بقرار فردي (رغم ما قيل من انها منتخبة) و كيف انشأ بقرار فردي آخر هيئة بديلة لا تملك من الامر اكثر مما ملكت سابقتها، و بأسم هذا الحزب العاجز المعزول جماهيريا و الغائب في كل معركة جماهيرية كما اثبت اضراب السكةالحديد و انتفاضة دارفور و مظاهرات يناير هذا العام و غيرها، بأسمه تحظر الحزبية. ان الاتحاد الاشتراكي ليس سوى عينة للظاهرة المنافية للديمقراطية المعروفة بالحزب الواحد الذي يمثل احدى دعامات حكم الفرد، فتحت لافتته يتم احتكار التحدث بأسم الامه و تبرير مصادرة حرية التنظيم و التعبير و حظر الحزبية و رئيسه الدائم هو الرئيس التلقائي للسلطة. و لكن رغم الدستور و القانون، فان هناك احزابا تمارس نشاطها بدرجات متفاوتة من العلنية مثل الجمهوريين و الاخوان المسلميين، و في اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي مساء 22 يونيو 1982 اعترف رئيس السلطة بأن الاحزاب عادت في الجنوب و حتى احزاب المعارضة اليمينية تتحرك بيسر نسبي من خلال العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية المتشابكة بين قوى اليمين و لكن السلطة ترصد هذا النشاط و تستخدمة في صراعاتها و في ما يفيد تقوية مواقعها و اضعاف خصومها و ترسم له حدودا لا يتجاوزها. يبقى ان الحظر مطبق بصرامة فقط ضد الحزب الشيوعي و هذا تمييز و لكنه من طبيعة الاشياء فالحزب الشيوعي يختلف جوهريا عن الاحزاب الاخرى، وهو وحده الذي يعارض سياسات السلطةالراهنة لانها تتناقض تماما مع مصالح الشعب و الوطن. كذلك يطبق الحظر بصرامة لان النظام القائم يتناقض تماما مع الديمقراطية ، و الواقع ان مسلك اي نظام تجاه الحزب الشيوعي يقوم معيارا صادقا لمسلكه تجاه الديمقراطية. فعندما انتصرت ثورة اكتوبر عبرت عن انسجامها التام مع الديمقراطية باطلاق حرية الحزب الشيوعي فكانت تلك اكثر الفترات في تاريخ شعبنا ازدهارا بالديمقراطية و اغناها في عطائها السياسي والفكري والابداعي. و بالعكس عندما شرعت الاحزاب اليمينية في الارتداد على ثورة اكتوبر و الانقضاض على منجزاتها التاريخية و خاصة في مضمار الديمقراطية وجهت اشد ضربتها ضد الحزب الشيوعي ، و هذة الحقيقة ادركتها دوائر سودانية عديدة لم تكن دائما على علاقة طيبة بالحزب الشيوعي مثل الجمهوريين فدافعت عن شرعيتة دفاعا عن حقها في الشرعية. ان الحظر الصارم على الحزب الشيوعي ليس سوى مظهر اخر لعداء النظام الراهن للديمقراطية.
السادة رئيس واعضاء المحكمة
تتهمني صحيفة الادعاءات و تتهم الحزب الشيوعي بالعمل على تفتيت الوحدة الوطنية ودلل ممثل الاتهام على ذلك في خطبتة النهائية بجانب فريته المردودة عن عمالة الحزب الشيوعي، بان ذلك الحزب يعمل لتحقيق سلطة الطبقة العاملة، و بالتالي يعمل من اجل سيطرة طبقةعلى المجتمع و اثارة التناحرات الطبقية، اليس من المدهش ان يجئ هذا الاتهام من ممثل سلطة تعبر عن مصالح و ارادة اصغر الطبقات الاجتماعية حجما في بلادنا و مع ذلك تدعي تمثيل الامة، بينما تفرض حكمهاعلى الاغلبية بالقهر و تخضع كل كدح الشعب و ثروة الوطن لمنفعتها الانانية الضيقة و لمصلحة من وراءها من الدوائر الامبريالية و الرجعية. صحيح ان الحزب الشيوعي يعمل من اجل ان تتزعم الطبقة العاملة السلطة السياسية في بلادنا، و لكن ليس صحيحا انه بذلك سيقيم نظاما للتناحر الطبقي، بل فالعكس تماما هو الصحيح فعندما سينجح في مهمتة ستكون تلك هي اول مرة في تاريخ بلادنا تعبر فيهاالسلطة حقيقة عن مصلحة اوسع الجماهير و سيستند الحكم لا على البطش و الارهاب و انما الى ارادة الاغلبية الساحقة من الشعب، و ستقوم لاول مرة وحدة وطنية حقيقية راسخة، فالطبقة العاملة لا تستغل غيرها بل تواجهه بوحدة تتجاوز النعرات القومية و العنصرية الدينية و الطائفية ، و هي لا تستطيع ان تناضل في سبيل ادنى مطالبها دون وحدة متينة، لذلك يعمل اعداؤها كل ما في وسعهم لشق صفوفها. كما انها لا تستطيع ان تبلغ اهدافها البعيدة في انهاء الاستغلال الرأسمالي الا بالاتحاد الواسع و القوي مع جميع اقسام السكان الطبقية و الاجتماعية و القومية من اجل انهاء كل قهر و استغلال و تمييز. ان الوحدة الوطنية حيوية للطبقة العاملة سواء في مطالبها الطبقية الخاصة او في الاهداف الوطنية العامة. و يؤكد تاريخ بلادنا ان العمال اقاموا حركة نقابية تحطمت على وحدتها كل مؤامرات الانقسام التي دبرتها السلطة الاستعمارية و الدوائر اليمينية فيما بعد، كما انهم مدوا يد المساعدة النزيهة للمزارعين و الطلاب في معاركهم. و لرجال البوليس في اضرابهم عام 1951، بل للرأسمالية في مطالبها المتعلقة باستقلال الاقتصاد الوطني و عموما يتسم تاريخ الطبقة العاملة السودانية بنضال عنيد في سبيل وحدتها و وحدة كل الشعب من اجل التحرر الوطني و الديمقراطية و التقدم الاجتماعي. و قد سار الحزب الشيوعي على هدى ايدلوجية طبقته، فهو حزب يتجسد رسوخ الوحدة الوطنية فيه في انه يمتد على نطاق الوطن فلا ينحصر في اقليم او طائفة او دين، و في ان برنامجه يطرح حلولا لقضايا السودان بأسره. و من المعروف انه الحزب الوحيد الذي احتلت اعلى مواقع القيادة فيه و بانتخابات ديمقراطية حقيقية لا بقرارات رئاسية او اشارات طائفية عناصر من العمال و المثقفين و الجنوبيين و النساء يأتون من كافة ارجاء الوطن لا من العاصمة وحدها او من اقليم معين او من دين معين لا يزكيهم سوى الاخلاص لقضية الشعب و الوطن و الصلابة الفكرية و النضالية و الخلقية، و قد عمل الحزب على توحيد الجماهير في تكويناتها المختلفة عبر نقاباتها و اتجاهاتها و تنظيماتها الثقافية و الاجتماعية، كما عمل على تشجيع التحالف بين جماهير العمال و المزارعين و الطلاب و المثقفين من اجل قضايانا المشتركة. و من منطلق تفهمه الدوافع الموضوعية التي ادت الى نشؤ التنظيمات الاقليمية و اهمها الاحساس بالتمييز و التخلف و الاهمال، رفض ان يدمغها بالعنصرية، بل سعى للتعاون معها و دعاها الى العمل الوطني العام و التحالف مع الطبقة العاملة و القوى الديمقراطية الاخرى من اجل سودان يزول فيه التمييز بين اقاليمه و ترتفع فوقه راية الوحدة الوطنية. و بشكل عام عرف عن الحزب الشيوعي انه القاسم المشترك الاعظم بمبادرة و نشاط في كافة الجبهات و الجهود و التجمعات التي هدفت توحيد الجماهير بدءا من جبهة الكفاح لمقاومة الجمعية التشريعية عام 1948 و حتى الآن. و من ابرز اعمال الحزب الشيوعي في سبيل الوحدة الوطنية مواقفه في قضية الجنوب ففي انتخابات 1953 طرح لاول مرة في الساحة السودانية فكرة (الوضع الخاص) للمديريات الجنوبية اعترافا بالتمايز و تاكيدا للوحدة الوطنية. و عندما وقع تمرد اغسطس 1955 كان الحزب الوحيد الذى خلا من التعصب فلم يطش صوابه، بل قدم تحليلا موضوعيا لما حدث و دعا الحكومة و الجيش الى ضبط النفس في تطويق التمرد و عدم الاصغاء لدعوات المطالبين بالانتقام لضحايا التمرد من الشماليين، و طالب بابدال احكام الاعدام ضد قادة المتمردين و بمعاملة السجناء منهم معاملة طيبة قتلا للفتنة، وفي مؤتمره الثالث بعد ستة اشهر من التمرد قدم الحزب الشيوعي لاول مرة في السياسة السودانية شعار الحكم الذاتي الاقليمي ثم طوره في مؤتمر المائدة المستديرة و في مؤتمره الرابع في اكتوبر 1967. و في الجانب الفكري انفرد الحزب الشيوعي منذ عام 1958 باصدار ملحق بالانجليزية باسم (ادفانس) لجريدتة العربية الميدان كما اصدر كتيبات عديدة بالانجليزية دفاعا عن الوحدة بين الشمال و الجنوب و دعا الجنوبيين الى الارتباط بالطبقة العاملة و القوى الديمقراطية في الشمال و النضال معها من اجل سودان وطني ديمقراطي. و من برنامج الحزب الشيوعي بالذات جاء بيان 9 يونيو و الذي صاغه الشهيد جوزيف قرنق . ان الاطلاع على نص البيان يؤكد هذه الحقيقة و التمعن فقط في هذه العبارة المركزية في البيان (اننا نرى انه من الاهمية بمكان نمو حركة اشتراكية ديمقراطية في الجنوب في سبيل تحقيق اهدافنا التقدمية المشتركة و لتتقلد تلك الحركة الديمقراطية في الجنوب زمام السلطة في هذه الرقعة العزيزة من بلادنا لوقف النشاط الاستعماري كشرط اساسي في سبيل التطبيق العلمي السليم لمبدأ الحكم الذاتي الاقليمي) من الواضح ان هذه العبارة فكرا و تعبيرا صادرة عن الحزب الشيوعي. و الواقع ان السلطة تنكرت لها تماما بل تسير على نقيضها الآن كليا، و هذا احد جذور الازمة الراهنة في الجنوب. ان الخطر على الوحدة الوطنية يأتي من جهةالنظام لانه يقوم على مصادرة الديمقراطية بينما الوحدة الوطنية بطبيعتها ديمقراطية ولا تزدهر الا في جو الديمقراطية و ان فاقد الشئ لا يعطيه، و لانه نظام يسير على النهج الرأسمالي و الرأسمالية لا تهتم الا بضمان الارباح المجزية لرؤوس الاموال العربية و الاجنبية و وكلائها المحليين و تغض الطرف عن استنزاف القطاع التقليدي و تخريب بنيته الاقتصادية و الاجتماعية و تهمل المناطق والاقاليم و المشروعات التي لا تدر ارباحا كافية، و من جراء ذلك يتفاقم التمييز بين الاقاليم و يتفاقم الوضع السئ في الجنوب و تفاقم النزعات القبلية في منطقة السافنا الغنية التى يتكالب عليها رأس المال و تتحول الى صدامات دموية بلا نهاية. و النظام يحاول ان يصور ان تلك مشكلات يمكن حلها بتغيرات في الاشكال الادارية و بما يسمى باللامركزية و بهذا يأمل ان يتخلص من معضلات الاقاليم الشائكة وان يشغل بها اهلها و يفيد من لعبة التوازنات بين جماعاتهم لتمتين قبضتة المركزية، و من هذا لا من الطبقة العاملة او الحزب الشيوعي يجئ الخطرعلى الوحدةالوطنية.
السادة رئيس واعضاء المحكمة
تتحدث صحيفة الادعاءات عن نشر اخبار و بيانات كاذبة و مغرضة بقصد تضليل الرأي العام، و هذا الاتهام عندما يأتي من السلطة يذكر بالمثل العربي (رمتنى بدائها وانسلت) هذة السلطة بذت كل الحكومات السابقة في فن التضليل باحتكارها لوسائل النشر و الاعلام و بتعتيمها على المعلومات والحقائق والاحصاءات التى تعاملها و كانها اسرار استراتيجية و رصيد السلطة في هذا المضمار يملأ مجلدات. و يكفي ان نستعيد ما ظل يقال و يكتب عاما وراء عام و يوم وراء الآخر عن التنمية و الديمقراطية و تسليم السلطة للجماهير و استتاب الامن و الثورة التعليمية و الصحية و سياسة التركيز و برنامج الانعاش و اسباب رفع الدعم عن السلع وغيرها حتى نرى غسيل المخ اليومي الذي يتعرض له شعبنا الامر الذي ادى الى فجوة تصديق واسعة بين السلطة و الجماهير بسبب الفرق الظاهر بين ما تقوله السلطة و الواقع المر، و من ثم ظهر ذلك الشعار الاعترافي المضحك (تمليك الحقيقة للجماهير) اذن ماذا كانت تملك قبل ذلك غير الاكاذيب، و لكن الشعب كشف ايضا ذلك الشعار و عرف انه ليس سوى مدخل الى حملات تضليلية جديدة و كما ثبت ذلك بالفعل. و من الجهةالاخرى، ماذا يمكن ان يفيد الحزب الشيوعي من الاكاذيب؟ ان علاقته بالجماهير تختلف جوهريا عن علاقة السلطة بها فهو لا يملك وسيلة لكسبها غير الاقناع، فاذا تبين انه يكذب و حبل الكذب قصير، فلن يقتصر الامر على عزوف الجماهير عنه، بل سينفض اعضاؤه عنه ايضا. ولكننا نعرف من وثائق الحزب الشيوعي، منشوراته وبعضها مقدم امامكم كمستندات انه يطالب بحرية التعبير و حرية الصحافة و بالاصدار المتعدد للصحف و بالنشاط السياسي و الدعائي الشرعي المكشوف مما يجدر بالسلطة ان تستجيب له ان كانت راغبة حقا في محاربة الاكاذيب و لفضحهم امام الرأي العام و محاصرتهم بالحقائق، بل و معاقبتهم بطريقة لا يمكن ان يعترض عليها احد تحت قانون الكذب الضار علما بأن ممثل الاتهام لم يقدم دليلا واحدا على الاكاذيب التي يلصقها بالحزب الشيوعي.
السادة رئيس واعضاء المحكمة
تتحدث صحيفة الاتهام عن معارضة السلطة. ان القانون يحظر المعارضة مع ان حق المعارضة كحق التأييد حق طبيعي ينبثق تلقائيا من المواطنة. فكلاهما نتيجة طبيعية لتفكير المواطن في ما يمس حياته و حياة وطنه و مواطنيه، و ان حظر هذا الحق يناقض الطبيعة البشرية و يغتال انسانية المواطن. و حق المعارضة حق شامل يتضمن التعبير العلني الحر عن رفض برامج السلطة و سياساتها و رفض السلطة في الاساس و المطالبة بابدالها، و في الحقيقة اذا انطلقنا من واقع ان السودان وطن لكل ابنائه وانهم جميعا متساوون، فما الذي يمنح سلطة ما ناهيك عن فرد، حقا ابديا في الانفراد بصياغة مصير هذا الوطن و يفرض على المواطنين الاخريين اما ان يؤيدوا عن اقتناع او اكراه او ان يتحولواالى متفرجيين سلبيين ، او ان يعارضوا فتنزل بهم الوان العقاب. مهما بحثنا فلن نجد سندا لهذا التمييز سوى القوة وحدها و هي لا تلغي الحقائق التي شكلت و تشكل مجتمعنا و تثير الصراعات و الاختلافات داخله، و السلطة باعتمادها مبدأ القوة هذا هي التي تتحمل المسؤولية في ان غيرها حاول وسيظل يحاول ان يمتلك اسباب القوة ليمسك بمقاليد الحكم. ان اكثر الامجاد التي نتغنى بها هي تعبيرات عن مقاومة شعبنا لاوضاع كان يعارضها و ثوراتنا الحديثة الظافرة الثلاث، ثورة المهدية و ثورة الاستقلال و ثورة اكتوبر، نضجت عوامل انتصارها عبر معارضة مديدة للانظمة التي وقعت في ظلها و لقوانينها، و لكن السلطة الراهنة لا تهتم فيما يبدو بدروس التاريخ وهي لا ترى في المعارضة سوى خطر عليها يجب سحق اي مظهر له، انها غير معنية باسباب المعارضة و جذورها ناهيك عن شرعية او حتى معقولية مطالبها، و يبدو انها لا تسأل نفسها عن عوامل استمرار المعارضة و اتساعها رغم الاضطهاد. و عندما يكثر التساؤل عن ذلك محليا و عالميا تجد اجابة مبسطة في معزوفة التآمر الدولي و العملاء المحليين. ان تجارب الشعوب و فيها شعبنا تشير الى ان اية معارضة لها جذور موضوعية يستحيل اجتثاثها. و بالجذور الموضوعية اعني الخلافات التي تتصل بالنهج السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الناشئة عن التباين او التضارب في مصالح القوى الاجتماعية المختلفة، و ان هذة الاختلافات طبيعية و حتمية في مجتمع متعدد الطبقات و القوميات والعناصر و الاديان و الثقافات كالمجتمع السوداني، و لكن من المؤسف ان المعارضة لم تكن مشروعة في بلادنا الا لمدة تقل عن ثمان سنوات في خلال مايزيد عن ستة و عشرين عاما، و هذا ظلم فادح للشعب السوداني. ان الحكومة الراهنة ليست اول حكومة سودانية تقوم ضدها معارضة، فمنذ فجر الاستقلال نشأت نزاعات احزاب الطبقات المتملكة على الحكم. و لكن صراعا اعمق واكثر جذرية كان قد نشأ ايضا ، فاذا كانت قوى شبه الاقطاع و مختلف الفئات الرأسمالية ارادت ان تحافظ على موروثات السلطة الاستعمارية من قوانيين و نظم و نهج اقتصادي و اجتماعي و ان تسير على الطريق الرأسمالي، فأن جماهير العمال و المثقفين الثوريين و الجماهير المتقدمة في المدن و مناطق الانتاج الزراعي الحديث ارادت ان يكون الاستقلال وسيلة تغيير الى الاحسن في كافة اوجه حياتها و ان تشترك بفعالية في صنع الوطن الجديد، اي انها كانت تدعو الى طريق وطني ديمقراطي لتطور البلاد يفضي بها الي الاشتراكية. هذا الصراع الجوهري اخذ شيئا فشيئا يشكل الملامح الرئيسية لحياتنا. و يقف وراء كل ازمة سياسية و كل انقلاب و كل تحالف و كل انقسام ، و في مجراه راحت تتحدد برامج مختلف القوى السياسية، و ان جذور كل معارضة و كل تأييد يرجع الى هذا الصراع الممتد حتى هذة اللحظة و انه صراع موضوعي ناتج اساسا عن تباين مواقع مختلف الطبقات و الفئات في عملية انتاج الثروة و توزيعها. انه صراع لا يمكن تفاديه و لا انهاؤه بمرسوم و سيتواصل ما بقيت اسبابه. و بعد ثورة اكتوبر تبلور في بلادنا برنامجان رئيسيان: برنامج القوى الوطنية الديمقراطية، و كانت اهم مطالبه الدستور الديمقراطي وتحرير الاقتصاد من سيطرة رأس المال الاجنبي و تحقيق تغييرات اجتماعية ديمقراطية و اتباع سياسة خارجية معادية للاستعمار، و برنامج قوى التنمية الرأسمالية الذي تجسد في مطلبين رئيسيين هما الجمهورية الرئاسية و تقييد الحقوق و الحريات الذين يوفران لتلك القوى السلطة المركزية و الاستقرار كشرطين لا غنى عنهما لفرض التطور الرأسمالي فرضا على شعبنا. سلطة مايو جاءت من واقع المعارضة للنظام القديم و اعلنت بياناتها الاولي برنامجا يلتقي في عدد من النقاط مع البرنامج الوطني الديمقراطي وعلى هذا الاساس وجدت التأييد من القوى الوطنية الديمقراطية و تنظيماتها و احزابها و لكنها لم تلبث الا قليلا حتى راحت تتراجع عن برامجها و كان حتما ان يقع الخلاف بينها و بين تلك القوى و رفضت السلطة ان يكون لغيرها حق ابداء الرأي، بل و حتى حق الوجود المستقل و اصرت على الانفراد بالبت في كل امر، و تصاعد الخلاف حتى انتهى الى ما هو معروف ، ففي 19 يوليو 1971 انتفضت القوى الوطنية الديمقراطية داخل القوات المسلحة و انتصرت لمدة ثلاثة ايام ثم انهزمت، و كانت هزيمتها ايذانا بفترة جديدة في حياة شعبنا حيث سلط الارهاب الشامل ضد القوى الوطنية الديمقراطية فاعدم قادة الانتفاضة الابطال و اعدم قادة الحزب الشيوعي و اعتقل الشيوعيون و الديمقراطيون و طردوا من وظائفهم و اقتلعوا من بين جماهيرهم، و باختصار مهدت الارض لسيادة الطريق الرأسمالي وفي غضون عامين فقط من مجيئها كانت السلطة التي اطاحت بالنظام القديم تحقق له المطلبيين الاساسيين ، و زيادة السلطة المركزية المطلقة و المصادرة التامة و الشاملة للديمقراطية و طرد المعارضة بتنظيماتها و احزابها و قياداتها من ساحة الشرعية.
السادة رئيس واعضاء المحكمة
ها قد مضى احد عشر عاما اتيح خلالها للسلطة من حرية الحركة والقرار و التخطيط والتنفيذ و المراجعة ما لم يتح لحكومة قبلها. لقد اكتملت كل ملامح المجتمع المايوي و تجسدت في حقائق ملموسة و ظاهرة للجميع بحيث ان اية اضافات جديدة ستكون كمية لا نوعية. فما هي ابرز سمات هذا المجتمع؟
اولا: يقوم نظام الحكم فيه على نمط الرئيس المطلق الصلاحيات و لا اجد ابلغ مما قاله رأس السلطة نفسه لدى افتتاح مجلس الشعب الاقليمي بالابيض حينما تهكم على من يجهلون سلطاته. موضحا ان المادتين 80 و 81 من الدستور تجيز ان له ان ينادي اى رجل امن و يقول له ان فلانا هذا خائن فاقتله فيقتله. و انه نمط الرئيس الذي يحيل المواطنيين الى رعايا و مؤسسات الدولة الى اجهزة خاضعة لتصرفه، الرئيس المعصوم الذي لا يمكن نقده ولا مساءلته و لا بالاحرى استبداله، و يحتكر بهذا النمط من الحكم سائر انواع النشاط السياسي و الاعلامي و النقابي و يقيم دولة بوليسية قمعية و يسلب المواطن ارادته وحقوقه الفردية و الجماعية. و بعد احد عشر عاما من فرض هذا النظام تعيش بلادنا حالة طوارئ دائمة اصبح تحتها الاعتقال و الملاحقة اليومية و الفصل من العمل لاسباب سياسية ظواهر ثابتة تسمم حياتنا و تخنق كل فكر وابداع، و خلال تلك الفترة لم تتوقف المعارضة و كانت يد القمع ثقيلة، فلم يعرف شعبنا من قبل مثل هذة الاعداد من المعتقلين و قتلى المظاهرات و الصدامات المسلحة و من الاعدامات لاسباب سياسية.
ثانيا: بعد احد عشر عاما او على الاصح ثلاثة عشر عاما من مجئ سلطة مايو يبقى المجتمع السوداني بنفس ملامحه الاساسية التى كان عليها عام 1969 كما لم يحدث تغيير جوهري في اقتصادياته. فما زلنا نصدر نفس المحصولات الزراعية و التى يحتل القطن بينها نفس نسبته العالية، و ما زلنا نستورد نفس المنتوجات الصناعية، و اذا كان هناك من تغيير فهو مفاقمة العلل والادواء التى كنا نشكو منها. لقد فتحت السلطة كل الابواب امام رؤوس الاموال العربية و الاجنبية و الشركات متعددة الجنسية و مؤسسات الاستعمار الحديث التمويلية و ضاعفت الدين الخارجي 20 مرة الي اكثر من خمسة بلايين دولار بددتها في مشروعات غير مدروسة و في الانفاق على تضخيم جهاز امن الدولة و الاتحاد الاشتراكي و المنشأت التفاخرية و البذخ، و عانت جميع فروع الانتاج التخبط و سؤ التخطيط و عجز الاداء و من انعدام الوقود و قطع الغيار و المدخلات و الخامات و من اهمال صيانة المرافق العامة، مما ادى الى انخفاض الانتاج الصناعي والزراعي بصورة ملموسة و الى خراب مؤسسات راسخة مثل مشروع الجزيرة و السكك الحديد و الى توقف العديد من المصانع حتى الجديد منها او عملها بنسب منخفضة من طاقتها و الى توقف الانتاج في مديريات باكملها كالشمالية ، و اتسعت فجوة الخلل في الميزان التجاري و ميزان المدفوعات و اصيبت الميزانيات بداء العجز المزمن و المتزايد رغم ارتفاع الضرائب بمعدلات عالية، و لجأت السلطة الى تغطية العجز من النظام المصرفي ثم الى الاخطر و هو التمويل الاجنبي و قد بلغ العجز في ميزانية العام المالي الحالي 82/83 قرابة 600 مليون جنيه تمت تغطيتها كلها من التمويل الاجنبي، و باختصار فان الاقتصاد السوداني منهار كما اعترف رأس السلطة، و منذ اعوام سلمت السلطة مفاتيحه لصندوق النقد الدولي الذي املى ما سمى بسياسة التركيز ثم برنامج الانعاش وقد تم حتى الآن تخفيض الجنيه الى اقل من نصف قيمته، و بالتالي و بنفس النسبة الى رفع اسعار الواردات و خفض اسعار الصادرات مع تخصيص نسبة متزايدة من عائدها لتسديد الديون المجدولة، و تم الغاء الخطة الخمسية على علاتها مع الاتجاه الى توسيع ميادين نشاط رأس المال الاجنبي و المصارف و الاستثمارات الاجنبية. و تم فرض خفض النفقات الحكومية و خاصة تقليص فرص العمالة الجديدة و تجميد الاجور و وقف اي توسع في الخدمات، كما بدأ تفكيك القطاع العام و تحول المجزي منه الى القطاع الخاص و اضعاف دور الباقي، و كل هذة الحلول تسير في اتجاه تعميق الازمة بدلا من حلها لانها تسير في نفس الطريق الذي قاد الى الانهيار بل و تلقي المزيد من اعباء عجز سياسات السلطة و فشلها على عاتق الشعب الكادح بالمزيد من الضرائب غير المباشرة و التضخم والارتفاع الجنوني في اسعار السلع و في اجور الخدمات و انخفاض القدرة الشرائية. و هكذا فشل النظام المايوي في تحقيق ذات المهمة التى ادعى انه جاء من اجلها وهي دفع عجلة التنمية و التقدم، ان التنمية ليست كلمات وارقاما جوفاء بل واقع ينعكس على حياة الناس، و الواقع الذي نشهده هو تدني الانتاج و شح السلع و تدهور الخدمات و تضخم جيوش العاطلين و هجرة مئات الآلاف من الريف للمدن و اغتراب مئات الآلاف خارج الوطن، هذا بالاضافة الي الظواهر السلبية المخيفة مثل طغيان النشاطات الطفيلية و اتساع الفرص المعوجة للاثراء حتى قيل ( الما غنى في مايو ما بيغنى) و تفشي الفساد و المحسوبية و الرشوة و تأكل الاختلاسات المكتشفة فقط مليون جنيه من المال العام سنويا، و ينتشر التفسخ الخلقي و زكمت الانوف فضائح مالية و اخلاقية تورط فيها مسؤولون كبار في السلطة. و تعاني الاغلبية الساحقة من الشعب عنتا شديدا في معيشتها، فمتطلبات الحد الادنى من الاكل و الملبس و السكن و العلاج و التعليم و المواصلات ترتفع كلفتها باطراد، و في كل يوم يواجه الانسان البسيط و حتى المتوسط الدخل صعوبات اضافية في الحصول على المتطلبات ما ادى الى تدهور مريع في نوع الحياة و بين الناس البسطاء تزداد وطأة الفقر و المرض و العجز عن مواصلة التعليم. وفي مواجهة هذه التعاسة الشاملة تتمتع حفنة قليلة بثمار الرأسمالية الشوهاء و امتيازات السلطة، فبجانب الفئات الرأسمالية القديمة . ظهرت فئات جديدة ابرزها طفيليون و مغامرون من كل شاكلة، و لا يضيفون قدرات جديدة للاقتصاد بل يجنون ثروات طائلة من نشاطات غير انتاجية و من التسهيلات المصرفية و المقاولات الحكومية و فروقات الاسعار و العمولات و افساد الموظف العمومي. و هناك الجماعات التي تحتل المواقع العليا في اجهزة السلطة و الدولة بدءا من رئيس الجمهورية حتى اعضاء مجلس الشعب و كوادر الاتحاد الاشتراكي في المناطق، ولا يزيد مجموع هذه الصفوة كثيرا عن الالف ، و لكن ما ينفق على مخصصاتها و امتيازاتها يساوي اجور عشرات الالوف في ادنى السلم الوظيفي و اضعاف ذلك بالنسبة لمتوسط دخل الفرد السوداني. ان هذه القلة المحظوظة تحصل على كل شئ يشتريه المال و النفوذ وهي لا تعرف معاناة الحياة اليومية و تستطيع ان تدفع بيسر فاتورة العيادة و الصيدلية و المصاريف المدرسية و الخصوصية وكورسات التقوية للتلاميذ وتصيف خارج البلاد، و هذا هو الواقع المر حيث تزداد الاغلبيةالعظمى فقرا و بؤسا و حيث تزداد الاقليةالغنية غنى و ترفا، وتسميه السلطة بالاشتراكية.
السادة رئيس واعضاء المحكمة
اصل الى النقطة الثالثة و الاخيرة من سمات المجتمع المايوي وهى المتعلقة بسياسته الخارجية ، انها سياسة اهدار الاستقلال و التفريط في السيادة و الاعتماد اكثر فاكثر في مواجهة ما تحس به السلطة من عزلة و ضعف على السند السياسي العسكري من واشنطن و القاهرة والرياض و سوف اكتفي هنا ايضا بثلاث عناوين رئيسية لهذه السياسة. منذ سنوات و السلطة لا تنفك تثير ضجة لا تهدأ حول غزو وهمي وشيك يخططه الاتحاد السوفياتي من بلدان مجاورة. ان الاتحاد السوفياتي ليس دولة معتدية كما انه لا يدعي اية مصالح في بلادنا او اي مكان اخر، بل برهنت الاحداث انه الصديق المجرب لشعبنا و للشعوب العربية في الماضي و الحاضر.السلطة تختلق ضجة الغزو المزعوم لتبرر خروجها على مبادئ عدم الانحياز و ارتمائها في احضان الامبريالية الامريكية و قد اعلنت على لسان رئيسها مرارا انها تعتبر نفسها قوة امامية في الحلف المعادي للشعوب في منطقتنا بقيادة الامبريالية الامريكية، و تاكيدا لذلك منحت امريكا حق اقامة قواعد عسكرية برية و جوية و بحرية تستخدمها قوات التدخل السريع التي شكلت لضرب شعوبنا العربية و الافريقية حماية للمصالح التي تدعيها امريكا لنفسها في منطقتنا. عقد السلطة معاهدة للدفاع المشترك مع مصر تنص على اعتبار اي خطر داخلي في مقام الخطر الخارجي و تلزم الدولتين بان تهب احداهما لحماية الاخرى حتى لو لم تطلب منها ذلك، واضح ان المقصود السودان الذي اصبح بذلك محمية مصرية ، يدخل في هذا الاطار مايسمى بالتكامل السياسي و الاقتصادي و الذي يعطينا الدنية في كل شئ، تدخل فيه ايضا المناورات العسكرية المشتركة التي اجريت في السودان مع قوات التدخل السريع الامريكية و جيش الاحتلال المصري. اسقطت السلطة كل اقنعة التخفي و الرياء و انضمت سافرة الى معسكر كامب ديفيد الذي لعبت فيه من البداية دور الملحق التابع و تزداد جرأة السلطة مع تزايد الهجمة الامبريالية الصهيونية على شعوبنا العربية. ان السلطة قد اصبحت منذ اعوام بعيدة اداة طيعة في المخطط الامريكي لفرض الاستسلام الذليل على العرب و تصفية الشعب الفلسطيني وقضيته و تاكيد دور الكيان الصهيوني كقوة ضاربة للامبريالية الامريكية تحقق لها هيمنتها على ارض العرب و ثرواتها و موقعها الاستراتيجي. لقد انتزع شعبنا استقلالا نظيفا و ناضل دوما للذود عنه ضد حلف الشرق الاوسط و مشروع ايزنهاور و المعونة الامريكية و الحلف الاسلامي و مؤامرات اخرى و لكن السلطة تهدر كل هذا من اجل حماية بقائها. لقد اصبحت بلادنا ممرا لضرب انتفاضة شابا لحماية العميل موبوتو و لتدبير الانقلابات العسكرية الفرنسية في افريقيا الوسطى و لتنصيب العميل حبري في تشاد و لتدبير عدوان ضد ليبيا واثيوبيا واليمن الديمقراطية بعد ان كنا سندا لكل حركات التحرر العربية و الافريقية. ان سيادتنا تمزق مما يهدد نفس معنى وجودنا ثمنا لبقاء السلطة الراهنة. هذه في ايجاز شديد معالم النظام الراهن الرئيسية، و عندما تحظر السلطة المعارضة وهي تجابه المواطن كل يوم بسياساتها هذه فانها تكون كمن يلقي شخصا في الماء و يمنعه ان يبتل ثم يعاقبه اذا ابتل.
السادة رئيس واعضاء المحكمة
اثرتم في جلسة سابقة سؤالا هاما عن موقف الحزب الشيوعي من المصالحة؟ اعتقد ان هذا الموقف موضح في عدة وثائق بينها المستند رقم 4 المعنون (الديمقراطية مفتاح الحل) و يمكن تلخيص الموقف في ان المصالحة ظهرت نتيجة لازمة سياسية وطنية عميقة، و لكي تبرهن المصالحة على جديتها كان الواجب ان تتجه الى ازالة الاسباب التى قادت الى الازمة من سياسات و تشريعات و اشخاص و تكون الخطوة الاولى هي استعادة الديمقراطية فتلغى التشريعات التى تصادر حرية التنظيم و التعبير حتى يبدأ حوار تشترك فيه كافة الاطراف و بالدرجة الاولى اوسع جماهير الشعب للتوصل الى حلول للازمة. كما دعا الحزب كدليل على حسن النية الى رد الاعتبار لجميع شهداء المعارضة بما فيهم شهداء الحزب الشيوعي و 19 يوليو و نشر حيثيات محاكماتهم و كشف قبورهم و تسليم وصاياهم الاخيرة لذويهم، كما طالب بالكشف عن وقائع التعذيب و بمحاكمة الذين امروا به و نفذوه وتعويض ضحاياه. و بعكس ما يشاع فان الحزب الشيوعي لم يرفض العفو و لا مبدأ الحوار مع السلطة بل دخل في محادثات تمهيدية مع بعض اطرافها و بينهم ابو القاسم محمد ابراهيم و ابو القاسم هاشم ولكنه تساءل: ماذا يكون موقف السلطة من القادة الشيوعيين اذا خرجوا من اختفائهم و تحاوروا معها، ثم لم يتم التوصل الى اتفاق و لم تقدم السلطة اية اجابة، فكيف يدور حوار بين طرفين يملك احدهما ان يكمم فم الآخر و يعتقله. ان ما سمى بالمصالحة الوطنية لم يخرج عن اطار مناورة اتاحت للسلطة فرصة للتنفس و غطاء لتبرير التدابير الاقتصادية التى فرضها صندوق النقد الدولي، و لكن الازمة عادت اشد و اعمق، ازمة في الحكم وفي الاقتصاد وفي السياسة الخارجية وفي القطاع التقليدي وفي الجنوب، و ما زال المخرج في الديمقراطية. لقد اعترف رأس السلطة و معاونوه ايام المصالحة بوجود تشريعات استثنائية وعدوا بالغائها و خاصة قانون امن الدولة، لكن بعد ثلاثة عشر عاما من مجئ السلطة و بعد خمسة اعوام على المصالحة ما تزال الاوضاع الاستثنائية وقوانينها قائمة، و في نفس هذة اللحظة يوجد في سجون كوبر و بورتسودان و مدني و ربما في اماكن اخري اكثر من 250 مواطنا معتقلا بعضهم لاكثر من ثلاث سنوات متصلة وبعض المعتقلين اعتقل مرارا لفترات اربع و خمس و ست و سبع سنوات دون محاكمة و ما زالوا يلقون نفس المعاملة التى اودت بحياة الشهداء قاسم امين و عبد المجيد شكاك و حسن دفع الله الشامي و محمد ميرغني نقد و احمد فضل المولي وغيرهم، و لا زال التعذيب الذي وصفه رئيس جهاز امن الدولة امام مجلس الشعب عام 78 بالممارسات القذرة لا زال يمارس بواسطة نفس الجهاز و قد مورس ضد احد المواطنيين المعتقليين قبل اسبوعين او ثلاثة و ما زالت المواكب و المظاهرات تواجه بالرصاص القاتل.
السادة رئيس واعضاء المحكمة
ان وطننا لفي محنة و خطر عظيم مما يستوجب التفاف جميع ابنائه المخلصين حول مطلبين اساسيين عاجلين لانقاذه. اولهما وقف جميع التدابير المنافية للديمقراطية و اطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين و الغاء جميع القوانيين التى تصادر الحقوق و الحريات وعلى رأسها قانون امن الدولة، و ثانيهما استرداد سيادتنا بالخروج من اتفاقات كامب ديفيد و الغاء الاتفاق مع امريكا لبناء قواعد عسكرية في بلادنا و الغاء معاهدة الدفاع المشترك مع مصر و الاتفاقات المشابهة. الانتصار في تحقيق هذين المطلبين سيكون خطوة كبرى و واسعة نحو بناء السودان الذي يتطلع اليه الشعب بشوق و الذي تتمثل ملامحه الرئيسية في ما يلي :-
اولا: استعادة الديمقراطية وفق دستور يوفر الضمانات الكافية لنفاذ الارادة الحرة للاغلبية الشعبية و كفالة الحقوق و الحريات الفردية و الجماعية و استقلال القضاء و سيادة حكم القانون، و تكون السلطة التشريعية بموجبه في يد مجلس نيابي منتخب ديمقراطيا و تكون السلطة التنفيذية مسؤولة امام هذا المجلس و خاضعة لثقته و تقتصر صلاحيات رأس الدولة على اعمال السيادة.
ثانيا: العودة الى موقعنا الامامي في صفوف الامة العربية و الشعوب المضطهدة و اتباع سياسة خارجية مستقلة على اساس العداء التام للامبريالية و الاستعمار الحديث و الصداقة و التحالف مع البلدان الاشتراكية و حركة عدم الانحياز.
ثالثا: تحرير الاقتصاد من كل اشكال التبعية و السيطرة الاجنبية و وضع خطة طويلة المدى للتنمية تأخذ في اعتبارها الاولويات الاساسية و على رأسها تطوير الاقاليم الاكثر تخلفا و الدمج التدريجي للقطاع التقليدي في الاقتصاد الحديث مع خطة عاجلة لانقاذ المرافق و المناطق التى لحقها الخراب خلال السنوات الماضية و وضع سياسة مالية لرفع المعاناة عن الجماهير الكادحة و اصلاح نظام الاجور بحيث لا يتجاوز اعلى مرتب عشرة اضعاف المرتب الادنى و توفير السلع الاساسية و تركيز و تثبيت اسعارها
السادة رئيس واعضاء المحكمة
ليست هذه اول مرة اواجه فيها القضاء، فانا مناضل منذ الصبا الباكر، اي قبل اكثر من اربعين عاما، و الفضل في ذلك يعود الى ابي و معلمي الذي كان قائدا لثورة 1924 في شندي و ظل وطنيا غيورا حتى وفاته قبل شهور، كما يعود الى جيلنا العظيم جيل الشباب الذي حمل على اك.######## القوية اعباء نهوض الحركة الوطنية و الديمقراطية الحديثة. و انني اعتز بانني كنت من المبادرين و المنظمين البارزين لاول مظاهرة بعد 24 و هي مظاهرة طلاب المدارس العليا في مارس 1946، و اعتز بانني كطالب في مصر اديت نصيبي المتواضع في النضال المشترك مع الشعب المصري الشقيق ضد الاستعمار و حكومات السراي و الباشوات و نلت معه نصيبي المتواضع من الاضطهاد باعتقالي سنة و قطع دراستي، واعتز بانني شاركت مع رفاق اعزاء في كل معارك شعبنا من اجل الحرية و التقدم الاجتماعي و الديمقراطي، و قمت بدوري المتواضع في بناء الحركة العمالية و تنظيماتها و نقاباتها و الحركة الطلابية و اتحاداتها، و اعتز بانني في سبيل وطني و شعبي شردت و اعتقلت و سجنت و لوحقت و انني لم اسع الى مغنم ولم اتملق حاكما و لا ذا سلطة و لم اتخلف عن التزاماتي الوطنية كما اعتز بانني ما زلت مستعدا لبذل كل تضحية تتطلبها القضية النبيلة التى كرست لها حياتي، قضية حرية الوطن و سيادته تحت رايات الديمقراطية و الاشتراكية. و لست اقول هذا بأية نزعة فردية فانا لا اجد تمام قيمتي و ذاتي و هويتي الا في خضم النضال الذي يقوده شعبنا و قواه الثورية، الا كمناضل يعبر عن قيم و تطلعات و اهداف ذلك النضال، الا عبر تاريخ شعبنا و معاركه الشجاعة التى بذل و يبذل فيها المال و الجهد و النفس دون تردد في سبيل الحرية و الديمقراطية و التقدم الاجتماعي، انني جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ المجيد و هذه القيم و التطلعات النبيلة. ان هدف السلطة من تقديمي لهذه المحاكمة ليس شخصي بالدرجة الاولى و انما مواصلة مساعيها لمحو التاريخ الذي امثله و التطلعات التى اعبر عنها.. و لكن هيهات..
وشكرا على سعة صدركم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: سيف بخيت موسي)
|
كتب المنصور جعفر :
Quote: لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم إنا لله وإنا إليه راجعون ،
الأستاذ التيجاني الطيب بابكر ليس ممن يغيبهم الموت بأي شكل فنضاله للمستضعفين في الأرض نضال كأشعةالشمس سرمدي المعاني
الأستاذ التيجاني الطيب بابكر كانت نضالاته رحمة للعالمين.
1- ناضل ضد الإمبريالية والإستعمار،وكل أشكال التسلط والإستغلال العالمي،
2- ناضل ضدالإستغلال الإقليمي في وادي النيل سواء في الكفاح المشترك أو في تأسيس الحزب الشيوعي السوداني أو لحق السودانيين في تقرير مصير السودان،
3- على مستوى الوطن وطبقاته وأقاليمه كان مناضلاَ ضد الرأسمالية والإستعمار الحديث والتسلط المركزي ومناصراَالحقوق النقابية وإنتفاضات الهامش،
4- ناضل لتساو المواطنين في الحقوق والواجبات العامة رجالاً ونساءً ،
5- ناضل لوحدة الأجور والأعمال (الأجر المتساو للعمل المتساو)،
6- أسهم في نشر وتثبيت حقوق المرأة في العمل وفي التعليم،
7- ناضل لحقوق القوميات والمناطق المهمشة،
8- ناضل لحقوق الطلالب والشباب والعمل الإجتماعي
9- وقف مع الإدارة الحديثة الديمقراطية الشعبية لشؤون السودان بعيداً عن العنصرية الطائفية والقبيلية والدينية،
10- مناضل جسور لحقوق التعبير والتنظم والعمل الصحافي والنقابي والسياسي والإجتماعي،
11- مناضل لإستقلال القضاء وسيادة حكم القانون على جميع الناس وتساويهم أمام وجوب تنفيذ أحكامه،
12- منظم ومعلم وقيادي أممي في مجال تكامل المادية الجدلية والمادية التاريخية، والنضال الشيوعي والوطني.
هذا غيض من فيض التيجاني
للسودان وللحاجة فتحية ولعزة وسهير وأميرة ولمحمد زلجيرانه الأفاضل في الحارة العاشرة أرقى أوسمة النضال.
أما للعم مختار ولعموم آل الطيب والعمراب وكل أحلام الطبقة العاملة والوطن زهرة البستان
ألم يك هو الذي قال:
((ليست هذه اول مرة اواجه فيها القضاء، فانا مناضل منذ الصبا الباكر، اي قبل اكثر من اربعين عاما، و الفضل في ذلك يعود الى ابي و معلمي الذي كان قائدا لثورة 1924 في شندي و ظل وطنيا غيورا حتى وفاته قبل شهور، كما يعود الى جيلنا العظيم جيل الشباب الذي حمل على كتفوه القوية أعباء نهوض الحركة الوطنية و الديمقراطية الحديثة. و انني اعتز بانني كنت من المبادرين و المنظمين البارزين لاول مظاهرة بعد 24 و هي مظاهرة طلاب المدارس العليا في مارس 1946، و اعتز بانني كطالب في مصر اديت نصيبي المتواضع في النضال المشترك مع الشعب المصري الشقيق ضد الاستعمار و حكومات السراي و الباشوات و نلت معه نصيبي المتواضع من الاضطهاد باعتقالي سنة و قطع دراستي، واعتز بانني شاركت مع رفاق اعزاء في كل معارك شعبنا من اجل الحرية و التقدم الاجتماعي و الديمقراطي، و قمت بدوري المتواضع في بناء الحركة العمالية و تنظيماتها و نقاباتها و الحركة الطلابية و اتحاداتها، و اعتز بانني في سبيل وطني و شعبي شردت و اعتقلت و سجنت و لوحقت و انني لم اسع الى مغنم ولم اتملق حاكما و لا ذا سلطة و لم اتخلف عن التزاماتي الوطنية كما اعتز بانني ما زلت مستعدا لبذل كل تضحية تتطلبها القضية النبيلة التى كرست لها حياتي، قضية حرية الوطن و سيادته تحت رايات الديمقراطية و الاشتراكية. و لست اقول هذا بأية نزعة فردية فانا لا اجد تمام قيمتي و ذاتي و هويتي الا في خضم النضال الذي يقوده شعبنا و قواه الثورية، الا كمناضل يعبر عن قيم و تطلعات و اهداف ذلك النضال، الا عبر تاريخ شعبنا و معاركه الشجاعة التى بذل و يبذل فيها المال و الجهد و النفس دون تردد في سبيل الحرية و الديمقراطية و التقدم الاجتماعي، انني جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ المجيد و هذه القيم و التطلعات النبيلة. ان هدف السلطة من تقديمي لهذه المحاكمة ليس شخصي بالدرجة الاولى و انما مواصلة مساعيها لمحو التاريخ الذي امثله و التطلعات التى اعبر عنها.. و لكن هيهات.. وشكرا على سعة صدركم. ))
كان بنضالاته في الحياة السودانية وفي الحياة الشيوعية مثالاً حياً للإنسان الجديد.
فقومي ياااأمة أنجبت النضال هذا التيجاني الطيب في نعشه قومي أنظري كيف تسير الجبال |
Quote:
فقومي يا أمة أنجبت النضال هذا التيجاني الطيب في نعشه قومي أنظري كيف تسير الجبال |
Quote:
قومي أنظري كيف تسير الجبال |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: باسط المكي)
|
سلامات يا عاطف و البركة فيكم و في خضر و في كل الناس
فقد عم التجاني فقد لكل البلد
Quote: وداعاُ العم التجاني الطيب بابكر وداعاً يازميل ياترس
|
------
انا زي عادل القصاص صحيت هذا الصباح حزين و مقبوض كعادة ليها سنين، للاسباب الموضوعية المعروفة .. و لاخرى غير موضوعية تماماً .. تخصني تماماً
لكن اصلو ما اتوقعت انو يكون صباح حالك زي كدا!! لن يعود الصباح كسابقيه فقد تغير طعمه الى الابد بهذات الرحيل المر
جاء على بالي خضر حسين اول ما لقيت كل المنبر ينعي و يبكي و تساءلت بكون كتب شنو!؟
شكراً ليكم الجوز ياخي!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: Kostawi)
|
كتب طلال عفيفي :
Quote:
نهاية نهار شيوعي جميل ...
أذكره الآن، ولا يفارق مخيلتي وجهه المنحوت وإبتسامته العذبة الآسرة..
التيجاني الطيب بابكر.. إنسان من أندر الناس إتساقاً مع الذات وأكثرهم بأسأوقوة شكيمة وصبراً. كم يشق علي نعي هذا الرجل. خبر موته جرح قلبي وسمم فؤادي.
قامة كبيرة وعالية كان أجدر بهذا الوطن أن يسقيها ويفيض عليها من حنانه لكن لؤم الدنيا ولؤم البلاد جعلت من حياة هذا الإنسان سلسلة من التضحيات والمقاومة المتواصلة في مواجهة كل ما جاد به علينا تاريخنا الوطني من عسف وجور.
معدن نفيس من معادن البشر. عرفته في القاهرة في المنتصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي في مجال العمل الخارجي للحزب الشيوعي السوداني أيام كانت القاهرة تعج بالمغادرين والمهاجرين والمنفيين من السودانيين الذين عصفت بهم أحوال بلادهم السياسية الميالة للسوء وحشف الكيل. كنت في أول عهدي بالعمل التنظيمي بالحزب، وإلتقيت به لأول مرة بشقة صغيرة في إجتماع صغير.. كان صامتاً طوال الإجتماع، ينظر إلى المتحدثين بهدوء. ليلتها بدأت علاقتي به، وإعجابي الإنساني به، ومحبتي له. كان بسيطاً وواضحاً وقادر على توجيه الناس والتأثير عليهم. كان فرع القاهرة بالحزب الشيوعي السوداني من أنشط الفروع الحزبية على مد خطوط الطول والعرض في العالم، بسبب مجموعة من الأفراد من الرجال والنساء الذين وهبوا عمرهم حقيقة للقضية التي آمنوا بها، فضخوا في شرايين الناس أملاً زاهياً بقدرة البشر على التحرر وبقدرتهم على صناعة حياتهم، أذكر منهم الأستاذ محجوب عثمان والأستاذ أمين مكي مدني والأستاذ حسين شريف. في تلك الفترة التي لم يتحدث عنها التاريخ بعد بشكل واف، لعبت المعارضة دوراً شديد الحيوية والإلهام. وشكلت بصورة إيجابية وعي مجموع كبير من الشباب. وإستطاع السودانيون أيامها إبتكار صيغ مبتكره على كافة جبهات النضال السياسي والقانوني والعسكري. كانت أيام مجيدة لم تمتد.
التيجاني الطيب أحد المؤسسين الأوائل للحزب الشيوعي السوداني، وهو أحد الذين خاضوا معاركاً شرسة على مستوى المقاومة المدنية والحياة اليومية لترسيخ مبدأ الحياة العادلة.
تعلمت على يد الأستاذ التيجاني الطيب الشيء الكثير، عملت ببعضه وتركت بعضه الآخر لأسباب تقنية تتعلق بقدراتي وطاقتي.. على يد التيجاني الطيب تعلمت أشياء تخص تجويد الأداء التنظيمي، وهو شيء لم أستمر فيه كثيراً لإرتفاع معايير الإنفلات في دمي، لكن ما رسخ وبقي لدي هو الإيمان العميق بأن في الدنيا بشر أقوياء: بشر قادرين على مواجهة أشد الظروف بأساً والسير في أكثر الليالي حلكة.
تأملي لقصة خروجه من السودان (وكامل الدولة تطارده ).مراقبته للعمل الخارجي. إنضباطه المعيشي. تقشفه. إلتزامه الروحي بما يعتمل في قلبه من مباديء وصبره على المكاره. كل هذا كان شيئاً عجيباً بالنسبة لي وأنا أتأمله في تلك العمر وأنا في بدايات حياتي سمحت لي الظروف أن أتعاون معه في الإصدارة الحزبية التي كان يرأس تحريرها، مجلة "قضايا سودانية"، المجلة التي حوت معظم محاورات ومساجلات ما عُرف بالمناقشة العامة، التي كانت إحدى المحطات الرئيسية في التحولات العاصفة وغير العاصفة التي حدث بالحزب. أذكر أيامها تلك النقمة التي كانت تجيش بصور الشيوعيين الحزبيين تجاه أولئك الذين أداروا ظهورهم للحزب، منتقدين توجهاته وإستمرائه في الماركسية، أو معترضين على أساليب عمله العام. كما اذكر كل محاولات الدفاع المستميت ضراوة في الدفاع عن "جسد الحزب" وعن "خطه العام"- كان ذلك في التسعينيات- تلك المحاولات التي لم تنتهي بالحوار بل إمتدت إلى إلصاق التهم، وصبغ ألوان الخيانة على سيرة كل من إستفتى قلبه أو عقله (أو غادر بهدوء)، كانت حرباً ضروس مطعمة بالعصبية والتشنج والمزاج الطفولي، وهي أشياء ونزعات ضاعف من امرها حرارة دم شهداء شعب السودان في المعتقلات والغزوات الحربية المسلحة، وكم العذاب الجسدي المريع الذي سامه السودانيون الحاكمون للسودانيين المحكومين أيامها. كان الحزب الشيوعي يتنفس بصعوبة وتحت ضغط عالي، ضغط مقاومة الدكتاتورية والملاحقة والتعذيب، وضغط النقد والإنفراط. كان ذلك، لو تذكرون، في منتصف التسعينيات.
في تلك الأيام، عجبت لكون التيجاني يقدم دعوة مفتوحة للدكتور فاروق محمد إبراهيم، للحوار على مجلة "قضايا سودانية" حول "إنهيار المشروع الوطني" الذي طرحه الحزب الشيوعي السوداني منذ الأربعينيات، وهي الدعوة التي تلقفها دكتور فاروق بنشر أطروحته حول "الحزب الشيوعي وقيام حزب جديد". الشاهد أن العملية الممثلة في دعوة أستاذ التيجاني، ورد دكتور فاروق القوي الأخاذ، ونشر ذلك في مجلة الحزب، جعلتني أنتبه في ذلك الوقت إلى ثقة الأستاذ التيجاني في معتقده، والأهم والأبقى كان ثقتي في أهمية الحوار الديموقراطي ونجاعته. متابعتي لهذه الحوارية المنشورة في العدد الرابع من مجلة قضايا سودانية عمقت لدي الإحترام للنقاش الفكري داخل الحزب في تلك المرحلة. حيث كان بإستطاعة التيجاني أن يجعل من المجلة بصفته رئيساً لتحريرها مجرد بوق دعائي للخط العام والتيار القوي. من تمنياتي أن يخرج حزب الشيوعيين السودانيين على الناس في السودان بهذه المنشورات، وإن كان لا طائل من ورائها، لكن من شأن هذا الخروج بتلك الأوراق والمنشورات أن يبين للناس ما كان يعتمل بين جنبات الماركسيين والشيوعيين المنظمين وغير المنظمين من أفكار ونباهة وحذق للديالكتيك وقضايا الجماهير، ذلك جنباً إلى حنب معزتهم الصادقة الحنون لبلدهم المحبوب، وسهمهم العالي في الركون إلى العقل. بمناهضته للإستعمار البريطاني، وكفاحه ضد الديكتاتوريات المحلية التي سلبت الشعب السوداني عمراً عزيزاً، طوال ما يزيد عن النصف قرن من الزمان، مرازياً لـ عبود والنميري والبشير، أرى في التيجاني الطيب رمزاً لنضال السودانيين في سبيل التحرر والديمقراطية والسيادة الوطنية. بكل ما قدمه من زهد شخصي، ونضال روحي، ومناولات نظرية، مؤسساً من مؤسسي حزب ماركسي، رئيساً لتحرير صحيفة حزبية في أسوأ الظروف، عضواً للجنة مركزية لحزب غاب عنه في ليلة وضحاها العشرات بالقتل، ثم مواصلته للعمل في مجتمع لا يرحم، صادحاً بالحق الذي يعتقده، محباً للناس وللخير لهم وفيهم. لقد فقد الناس في السودان إنساناً رؤوفاً شديد الرأفة بهم، يحلم منذ نعومة أحلامة بيسر الحال للمغلوبين على أمرهم، وينظر بعين العطوف إلى حالهم. بموت التيجاني الطيب إنطفأت في قلبي وقلب محبيه شمعه شديدة الوهج والإبتسام، وغاب عنا بموت التيجاني الكثير من الكلام ما إستطعنا إليه توثيقا.. إلا ان غيابه القاسي المؤلم اللمُنتظر يفتح في قلبي شهية الحياة والإنتظار. سأحب الحياة، وأنتظر. سأنتظر سوداناً أكثر جلالاً وجمالاً.. وسأحول الكثير من الذكريات إلى أسلوب حياة.. وأنتظر: سوداناً أكثر بهاءاً ، يافع الألوان.. ولن أنسى أبداً أن الإشتراكية والعدالة الإجتماعية قيم من الحق بمكان شكراً لك يالتيجاني شكراً لك..
... طلال |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: Hassan Senada)
|
كتب أمين محمد إبراهيم محمد في (موقع الميدان) :
Quote: نعم و داعاً أستاذنا الجليل التجاني الطيب بابكر. عندما يرحل العظماء من أمثالك، تتأكد حقيقة أن الموت صنو الحياة، و أنه الوجه الآخر له. وها أنت ترحل إلى الوجه الآخر للحياة، لتواصل مسيرتك النضالية التى بدأتها قبل أكثر من ست عقود من الزمان، قضيتها في النضال من أجل الوطن وشعبه، و في سبيل قضاياه الحيوية وحقوقه الأساسية. فما أنبلها من حياة، تكرّس في سبيل قيمٍ، بذلت أنت حياتك لها.يغيب غيرك ممن يبذلون حيواتهم لشح أنفسهم و هم أحياء، و سخي النفس و الفكر والعاطفة، و وسيم العقل والوجدان مثلك يستعصي على الغياب، فلا يغيّب الموت منه إلا الجسد. أماالذكريات و المواقف والمبادئ و الأفكار، فتظل كشعلة باهرة من الضياء، تنير الطريق أمامنا كالفنارة و البوصلة . ألم أقل لك أستاذناالجليل، أنك حي بيننا، في الكليتون والساقية و الميدان، وكل الأشكال والأطر و المواعين التنظيمية والمنابر التى بادرت مع آخرين في بنائها لنا و لشعبنا، “طوبة طوبة” أو “قشة قشة”.
التعازى للوالد وأبنائه كباراً و صغاراً، نساء و رجالا التعازى لزملائي بالميدان والتعازي لرفيقة دربه و حياته الأستاذة فتحية و إبنته الأستاذة عزة التجاني وصهره الصديق محمد خالد |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: الفاتح ميرغني)
|
كتبت هدى الحسن :
Quote: جريدة الضياء
أسس الاستاذ الراحل - الخالد جريدة الضياء عام 1968 وكان صاحب الامتياز ورئس التحرير صدرت الجريدة بعد حل الحزب الشيوعى واغلاق الميدان , صدرت كجريدة جديدة تماما الى جانيها أخبار الاسبوع الجريدة التى كان يملكها صديق الحزب الشيوعى السودانى الاستاذ عوض برير واستمرت الضياء وقتها لمدة عام حتى العام 1969 |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: الصادق سلفاب)
|
و اعتز بانني في سبيل وطني و شعبي شردت و اعتقلت و سجنت و لوحقت و انني لم اسع الى مغنم ولم اتملق حاكما و لا ذا سلطة و لم اتخلف عن التزاماتي الوطنية كما اعتز بانني ما زلت مستعدا لبذل كل تضحية تتطلبها القضية النبيلة التى كرست لها حياتي، قضية حرية الوطن و سيادته تحت رايات الديمقراطية و الاشتراكية. و لست اقول هذا بأية نزعة فردية فانا لا اجد تمام قيمتي و ذاتي و هويتي الا في خضم النضال الذي يقوده شعبنا و قواه الثورية، الا كمناضل يعبر عن قيم و تطلعات و اهداف ذلك النضال، الا عبر تاريخ شعبنا و معاركه الشجاعة التى بذل و يبذل فيها المال و الجهد و النفس دون تردد في سبيل الحرية و الديمقراطية و التقدم الاجتماعي، انني جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ المجيد و هذه القيم و التطلعات النبيلة. ان هدف السلطة من تقديمي لهذه المحاكمة ليس شخصي بالدرجة الاولى و انما مواصلة مساعيها لمحو التاريخ الذي امثله و التطلعات التى اعبر عنها.. و لكن هيهات..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
Quote: الحركة الشعبية تجاني الطيب بابكر .. صناعة الشجاعة والثبات في زمن الوجبات السريعة
خلسة رحل الاستاذ والمناضل الكبير التجاني الطيب بابكر أحد الاباء المؤسسين للحركة الديمقراطية التقدمية السودانية وأحد الكبار المنحازين للفقراء والمحرومين والمهمشين. والتجاني الطيب صنوا للثبات والجلد ومضاء العزيمة أنسان رفيع لايخطي في معرفة القضايا العادلة أو معرفة خصومه . لم يتزحزح أو يتلجلج في صيف السياسة السودانية او خريفها منذ قاهرة المعز في منتصف الاربعينيات لم يحفل بذهب المعز او سيفه .وهو من منظومة وعقد فريد من الرجال والنساء الذين شقوا عصا الطاعة عما هو سائد في أزمنة عصية على شق العصا. يكفي تجاني فخرا أن رفقته الممتازة ضمت عبدالخالق محجوب وعبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة والجنيد على عمر وعزالدين على عامر والجيلي عبدالرحمن والانسان العصي على النسيان عبده دهب حسنين وبقية رفاقه . ومن شعب مصر ومناضليه رافق ذكي مراد ومبارك عبده فضل ومحمود امين العالم ومحمد عباس سيد احمد واسماعيل صبري عبداللة. وتمتع التجاني الطيب بصداقة واحترام قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان -جنوبيين وشماليين - وعلى راسهم المفكر والزعيم جون قرنق دي مابيور اتيم.والتجاني الطيب هو مثل الطلقة المصوبة من قناص ماهر لاتخطي هدفها مطلقا, وظل على الدوام مثالا للاستقامة والاخلاص في القضايا الوطنية ولا غرو في ذلك فوالدة الطيب بابكر كان في معية الزعيمين على عبداللطيف وعبيد حاج الامين .والاستاذ التجاني الطيب مدرسة في العمل الصحفي والحزبي الملتزم وذو مقدرة فائقة على صياغة وكتابة المواقف السياسية الرصينة وهو أحد اساتذة جيلناوالاجيال التى تلت تاسيس الحركة الوطنية الحديثة ضد الاستعمار البريطاني. وأناسا مثل تجاني الطيب ومحمود محمد طه والحاج مضوي محمد احمد وجون قرنق دي مابيور ويوسف كوة مكي والحاج نقدالله (متعة اللة بالصحة والعافية) وأمثالهم يقدمون نموزجا لاغنى عنه لاجيال المستقبل في الثبات والاقدام والالتزام السياسي والاخلاقي عالي الكعب والهمة في تضاد مع ثقافة الوجبات السياسية السريعة .وتتوجة الحركة الشعبية في شمال السودان قادة وقواعد بالتعازي الحارة لاسرته وأصدقائه ومعارفة وحزبه الشيوعي ولكافة الوطنيين السودانيين الذين يعز عليهم رحيل الاستاذ التجاني الطيب . وانا لله وانا اليه راجعون. ياسر عرمان الامين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
Quote:
وفاة المناضل التيجاني الطيب و(حريات) تنعي وتعزي November 24, 2011
(حريات)
توفي أمس الأربعاء 23 نوفمبر الأستاذ المناضل التيجاني الطيب بابكر .
و(حريات) تعزي أسرة الفقيد ورفاقه بالحزب الشيوعي وصحيفة (الميدان) ، كما تعزي فيه القوى الديمقراطية والشعب السوداني .
وشغل الفقيد منصب رئيس تحرير صحيفة (الميدان) لسنوات عديدة ، وتدرب على يديه الكثير من الصحفيين ، وأسس مدرسة في الموضوعية والانحياز جانب الشعب ، واشتهر بكتابة افتتاحية الميدان كأرفع نماذج ( السهل الممتنع) الموزونة بميزان الذهب .
وكان من مؤسسي الحزب الشيوعي في أربعينات القرن الماضي ، وقاد أول تظاهرة ضد الاستعمار ما بعد هزيمة ثورة 1924 ، ثم هاجر الى مصر ، حيث فصل من الدراسة وسجن ، وعاد الى السودان وقاد مع غيره من قادة الحزب الشيوعي النضال ضد الاستعمار وتنظيم الطلاب والعمال والمزارعين ، ومنذ تلك السنوات الباكرة وحتى مماته ظل ثابتاً في انحيازه للديمقراطية والتقدم الاجتماعي ، ومع تعاقب الأنظمة الاستبدادية على البلاد دفع أغلب سني عمره ملاحقة واختفاءا واعتقالاً وسجون .
وكان أحد أبرز قيادات التجمع الوطني الديمقراطي وظل أنموذجاً في الصلابة والحزم ضد نظام الانقاذ الشمولي .
ألا رحم الله تعالى المناضل التيجاني الطيب وألهم ذويه ورفاقه الصبر وحسن العزاء . |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
كتب الأستاذ المرحوم (حسن ساتي) عند عودة الأستاذ المرحوم التجاني الطيب من الخارج بعد إتفاقية القاهرة :
Quote: « قومة ».. للتيجاني الطيب
أورد الجاحظ في كتابه الرائع ''البيان والتبيين'' أن سيدنا عثمان بن عفان خاطب الصحابي أبا ذر الغفاري وهما على أطراف المدينة المنورة وقد ظهرت في الأفق البعيد قافلة من الإبل ، فقال عثمان لأبي ذر :
ما تشتهي أن تحمل تلك العير ؟
فأجاب : رجال مثل عمر ، فتأملوا رجاء هذا الترميز عالي الجودة والكثافة ..!
الحديث عن '' عمو التيجاني '' ، التيجاني الطيب بابكر ، هذا المناضل الفقير الشامخ ، وهكذا لم تعد كلمة '' عمو '' تبرح شفاه الرفاق في المنافي حين يرد اسمه ، وهو لقب يحمل ما يحمل من الدفء والعرفان ، وكذلك وجدتهم يفعلون مع الشامخة فاطمة أحمد إبراهيم فيخلعون عليها '' خالتو فاطمة '' .
وددت لو أن الوقت يسعفني لكتابة '' بروفايل '' عن الرجل ، ''والبروفايل '' فن دقيق ، وربما أفعل يوما بعد أن استوفي بحثا في فكر الرجل ومواقفه وترحاله في المنافي وإقامته في السجون متصالحا مع مبادئه ، تجدهما ، هو وتلك المبادئ في حالة عناق دائم ، تضمخهما توليفة غريبة تجمع بين ثراء الفكر والبصيرة وفقر الجيوب .
لكم أخطأ عروة بن الورد ، ذلك الشاعر الصعلوك ، حين تغافل عن كل الأشياء فخاطب حبيبته قائلا :
دعيني للغنى أسعى فإني ..
رأيت الناس أشرهم الفقير ..
'' حاشى '' .. فالفقير ليس شريرا بمثل ذلك الإطلاق ، وإن تأبط شرا ، فذلك إنما يكون عند الضرورة ، وقد حرض أبو ذر الغفاري على ذلك فتعجب ممن لا يجد خبزا في بيته ، كيف لا يخرج شاهرا سيفه ومقاتلا الناس ، ومن عجب أني استشهدت بمقولته هذه في ذروة أزمة الخبز في الخرطوم في الثمانينات ، حين لم أجد عذرا للحكومة ، فغضب الرئيس نميري ، وقيل لي انه مزق الصحيفة ذاتها '' الأيام ''.
ولكم أبدع أحمد عبد المعطي حجازي حين سئل عن أسباب إزدحام شعره بالغناء للفقراء ، فقال : لأنهم أنبل الناس .
والتيجاني جاد ودقيق كما '' ميزان الدهب '' ، كان في أول لقاء بيننا بلندن قد أثقل كاهلي ، واقترب من تكليفي ، بكتابة تأصيلية لحقبة مايو ، فوعدت ولم أوف ، لأني مثله ألهث أشعث أغبر لأعيش ، على مسافة أخرى هي '' برجوازية '' بمواصفات الرفاق ، ولكن '' ومالو '' كما يقول أهل مصر ، فليظل المشروع قائما ، بما يحمل من مداخلات بينها جدلية المثقف والسلطة .
التيجاني الطيب حط مع وفد التجمع في الخرطوم قبل اسبوعين ، بعد سنوات طويلة قضاها ورفاقه على مسافة أخرى من بقية المعارضين ، بحساب ما في الجيوب طبعا ، ووجد نفسه في القاهرة '' مربع واحد '' التي غادرها في عنفوان الشباب خريجا أواخر الأربعينات ليعود اليها بعد ما يقارب النصف قرن محتميا ومعارضا وهو يتخطى السبعين ، وهو أفقر جيبا عنه يوم غادرها ، بعد أن مرت مياه كثيرة من تحت الجسور طبعا، ولكن كل هذه الرحلة لم تصب من العزيمة والقبض على ذات المبادئ ، ولم تصب من العقل والقلب ذرة مساومة ، فكان أن وجدت العاديات وصروف الدهر ومزادات السياسة نفسها أمام قلب وعقل وعزيمة مثل قلب المتنبي الذي قال هو بنفسه في وصفه :
رماني الدهر بالأرزاء حتى..
فؤادي في غشاء من نبال ..
فصرت إذا أصابتني سهام ..
تكسرت النصال على النصال ..
فلعمركم ، أي معدن هذا ..؟
لو سئلت ، مع كل مساحات الإختلاف بيني وبين الرفاق ، عن ما أشتهي أن تحمل سفن السياسة السودانية في مستقبلها أو أية قافلة قادمة الينا؟ لقلت وبلا تردد : رجال مثل التيجاني .
فـ'' قومة '' يا سادتي للرجل وهو بين ظهرانيكم الآن . |
Quote:
لو سئلت ، مع كل مساحات الإختلاف بيني وبين الرفاق ، عن ما أشتهي أن تحمل سفن السياسة السودانية في مستقبلها أو أية قافلة قادمة الينا؟ لقلت وبلا تردد : رجال مثل التيجاني . |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
Quote: له فقدت البلاد رجلاً نادراً قل أن يجود الزمان بمثله ـ فجع الوطن في أخلص أبنائه وأبرهم ـ فقدت البلاد واحداً من أجمل العصي التي لطالما توكأت عليها . كان العم التجاني رجلاً فذاً تحمل ما تحمل لأجل أن يمضي بفكرته الحرة ـ ظل متسقاً للدرجة التي كان من الصعب للغاية أن تفرز فيها بين التجاني كعم والتجاني كوالد والتجاني كرفيق درب يقاسمك الأماني قبل الأحلام .
حاملاً عصاته وإبتسامته الصادقة يرحل التجاني الطيب بابكر بهدوء ودون ضجيج ـ يرحل الرجل الذي أفلت من الموت بالثبات علي مبادئه كأجمل ما يكون الرحيل ـ يرحل معلناً رفضه لرحيل البلاد ، متمسكاً بمشروعه الوطني الذي لم يكن علي الإطلاق من شروطه تمزيق الوطن . |
رجل بقامة وطن .. ألف رحمة ونور على قبر الأنسان العم التجاني الطيب .. العزاء للشعب السوداني برحيله فقدوا رجلاً عظيماً وسنداً للضعفاء والمهمشين .. البركة فيكم الأخوة الأعزاء عاطف مكاوي وخضر حسين ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
كتب إبراهيم الجريفاوى في بوست لأمجد فريد بسودانفوراوول :
Quote: يقولون فى افريقيا عندما يموت رجل كبير فقد إحترقت مكتبة ، والتجاني الطيب بابكر رجل كبير بكل مافي كلمة رجل كبير من جلال وهو صاحب سيرة نضالية طويلة ، قوية وملهمة ، بالفعل فان أستاذ التجاني رجل بمثابة مكتبة -فعلا- ضخمة وموثوقة وحافظة لتاريخ السودان السياسي الحديث بشكل عام وتاريخ حركة اليسار في السودان بشكل خاص . اليوم وحينما وصلني خبر وفاته الذي وقع علي كالصاقعة ، رحت افكر في مسالة خسارة هذه المكتبة الكبيرة وفي تقصيرنا الطويل كشباب سودانيين مثقفين وديمقراطيين وشيوعيين في التسجيل والتوثيق مع ولعقول وقامات كقامة التجاني الطيب ، في زمن لم تعد فيه افريقيا كما كانت افريقيا الجهل والادغال في زمن اصبح فيه التوثيق بادوات سهلة ورخيصة ومتاحة للجميع ، لماذا نخسر رجالنا الكبار -مكتباتنا- الواحد تلو الاخر بغفلة عدم التوثيق لهم ومعهم ، بالكتابة او بالتصوير وبمختلف الاشكال التي قد نحمي بها ذاكرتنا السياسية وسيرة شعبنا المريرة الطويلة للانعتاق والتحرر من ظلم وظلام الفقر والجهل والاستبداد . هل هو الكسل ام الاحباط الوطني العام ؟ قبل ان نبكي رحيل المناضل وحريق المكتبة ، علينا ان نعمل علي ان نحمي ماتبقى من مواقف وسير وحكايات في عقول وذاكرة رجالنا الكبار في السودان المحزون |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
التجاني الطيب بابكر (1926- 2011 ) ارضا قطع ,وظهرا ابقى .. بقلم: د. عبدالسلام نورالدين السبت, 26 تشرين2/نوفمبر 2011
[email protected] -1- جبل مرة الحزب الشيوعي
لقد خر صريعا صباح الثالث والعشرين من نوفمبر 2011 "جبل مرة" الحزب الشيوعي السوداني التجاني الطيب بابكر وانفلق بذلك أخدود عظيم ذو نتواءات وشعب يفصل بين ثقافات وافكار وتوجهات اجيال كثير عديدها ظلت تتدافع و تصطف وتتلاطم وتتحد داخل هذه المؤسسة التى بلغ عمرها سن التقاعد الاجباري في بلد كالمملكة المتحدة (65 عاما) وظل الاستاذ التجاني الطيب عبر كل ذلك الزمان غير القصير وفي سياق سباق الاجيال وتنازعها وتلاحمها كجبل مرة يصل بين سلاسل بركانية عديدة ويوائم مناخات لفصول متباينة ويزن ويوازن بين حاجات اكثر من تربة وتواريب محسنه تلائم أكثر من بيئة لتنمية تقاليد قوميات وطبقات وفئات وقبائل وشخصيات فيؤلف ويزاوج بينها بنسج سديد ونظرحصيف فحافظت هذه المؤسسة بفضل ذلك على خضرتها واعشوشابها وتدفق ينابيعها وطيبات عطائها رغم البلايا والرزيا والاحن والافات التي اصابتها عبر مسيرتها المحفوفة بالمزالق والكبوات والترصد لها بالضرب والطعن والأغتيال وكادت أن تبيدها فاستقوتها بفضل التراث والاصالة التي مثلها وتمثلها التجاني الطيب الانسان والفكر والجيل الذي كان نقيضا في كل تفاصيله اليومية للمنبت الذي لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقي.
2- التجاني الطيب يتسلق جبل ايفرست ويصل الى قمته ويعود الى قواعده سالما ما اشبة التجاني الطيب الذي تسلق جبل الحياة الشاهق بصواعقه الداوية وعواصفه العاوية أكثر من مرة ووصل الى قمته ثم عاد الى قواعده سالما والتي اختتمها بشرف كما قد عاشها بنبل ومات وعيناه الى النجوم وانفه مرفوع ما أشبه بمتسلقي ايفرست بسلسلة جبال الهملايا للوصول الى قمته . يكابد المتسلقون في سبيل ذلك المخاطر والاهوال ويعبرون قبل الوصول الى شماريخ القمة بما يسمي وادي الموت حيث"تغطي طبقات من الثلوج جوانب هذا الجبل، على الرغم من أن قممه وحوافه خالية من الثلوج بسبب شدة الرياح التي تهب عليها، الجدير بالذكر أن الظروف المناخية المحيطة بالجبل غير مواتية على الإطلاق للحياة النباتية والحيوانية"
" يقول الجولوجيون عن أعلى جبل في العالم "منذ حوالي 200 مليون سنة انفصلت شبه القارة الهندية عن قارةٍ جنوبيةٍ عظمى كبيرة جداً تدعى " غوندوانا ". واندفعت إلى الشمال الشرقي عبر البحر واصطدمت بالكتلة الأرضية الآسيوية. وكما يحدث عندما تصطدم سيارتان وجهاً لوجه، فتتهشمان وتتراصان ثم ترتفع كلٌ منهما باتجاه الأخرى، فإن هذا ما حصل مع هاتين الكتلتين الأرضيتين الهائلتين، عندما اصطدمت إحداهما بالأخرى، فتجعدتا وانطوتا ثم ارتفعتا لتشكلا أعلى الجبال في العالم، ومنها جبل إفرست الذي يبلغ ارتفاعه 8848 متراً
"اذا وجهت سؤالا للنساء والرجال الذين هجروا احبابهم في بلاد مجتمعات الوفرة وتخلوا عن طيب خاطر عن حياة مترعة بالمباهج وزهدوا في محافل مخملية لا تهب عليها الهبوات الجليدية فتنهار جلاميد الصخور التي تحطها التشققات والسيول من عل فتهبط وبها مئات الاطنان على رؤوسهم فلا يعثر لهم الى الابد على اثر اذا سألتهن وسألتهم ولم كل هذه المشاق وهذا العذاب في تضريب السيقان والرؤوس والاعناق في عرض جدار الموت الصخري بالهملايا لاجابك أحدهم هذا اذا كان على طرف من اخبار التجاني الطيب بابكر ولماذا اختار ابن العركيين من شندي درب الماركسية والاممية العسير منسلخا من بشرة القبيلة وحبلها المتين والتي لا تكلفه سوي أن ينعم بحمايتها وينال رضاها ولن يناله الضر انى سار واتجه ولماذا تخطى سليل الطريقة التجانية اسوار السيد أحمد التيجاني والسيد ابن عمر والسيد الحافظ ومن والاهم في "خرسي " وبربر والتي لا تكلفه سوي حفظ اورادها وحزبها ومولد سيد كمالها ليتلقى تباريكها وصونها وعونها وبدلا عن كل ذلك استغرق بجهد "هرقلي" في كتابات ماركس وانجلز ولينين وجرامشي وباليميرو تولياتي وموريس كورنفورث في وقت كانت فيه الامبراطورية البريطانية التي تهيمن على السودان تقف بكل جبروتها وطغيانها لقارئيها ومعتنقي تعاليمها بالمرصاد تفصلهم من مدارسهم وتطردهم من وظائفهم وتسد عليهم المنافذ فاذا لم يرعووا عن "غيهم" زجت بهم في سجن كوبر والرجاف ونواقشوط ؟ ولماذا فضل التيجاني بن الشاعر المرموق في الحركة الاتحادية الطيب بابكر الذي حقق ونشر ديوان بابكر التليب بعد عامين من ميلاد التجاني 1928 لماذا فضل أن ينزح بعد أن فكر وقدر من الطبقة الوسطي التي ولد فيها ومن الاحزاب الاتحادية التي كان ابوه شاعرها ومن مناضليها الشارقين ولماذ تباعد التجاني عن أجواء ومناخا ت "ابناء البلد" أحفاد الزبير باشا الذين آل اليهم الاستقلال في 1956كما أطلق عليهم عبدالخالق محجوب في مؤتمر المائدة المستديرة (1965 ) لماذا -تخلى وتباعد نازحا من كل ذلك لينضوي بمشيئته واختياره الحر الى حلقة ماركسية صغيرة لخدمة شؤون العمال وظلت تسبح بحماس ضد تيار بحر زخار ملاحوه الاشاوس من الاشقاء والاتحاديين والاستقلاليين ؟ اذا تأتي لك أن تنقب خلف العلل والدواعي بعيدة الاغوار التي حدت بالتجاني الطيب بابكر ان يستجهل منازل اليسر والدعة ليركب منذ شبابه الاول حتى وفاته اليوم صهوة خيار الخطر لتكشف لك لماذا اولاء الطراز من البشر الهملايا لبلوغ قمة افرست.
-3- لا افتخار الا لمن لا يضام يلخص لنا التجاني الطيب بتواضع مسيرة ذلك الخيار امام المحكمة العسكرية (محكمة امن الدولة) التي قضت بالحكم عليه بالسجن عشر سنوات في اكتوبر1982 ( ليست هذه اول مرة اواجه فيها القضاء، فانا مناضل منذ الصبا الباكر، اي قبل اكثر من اربعين عاما، و الفضل في ذلك يعود الى ابي و معلمي الذي كان قائدا لثورة 1924 في شندي و ظل وطنيا غيورا حتى وفاته قبل شهور، كما يعود الى جيلنا العظيم جيل الشباب الذي حمل اعباء نهوض الحركة الوطنية و الديمقراطية الحديثة. و انني اعتز بانني كنت من المبادرين و المنظمين البارزين لاول مظاهرة بعد 24 و هي مظاهرة طلاب المدارس العليا في مارس 1946، و اعتز بانني كطالب في مصر اديت نصيبي المتواضع في النضال المشترك مع الشعب المصري الشقيق ضد الاستعمار و حكومات السراي و الباشوات و نلت معه نصيبي المتواضع من الاضطهاد باعتقالي سنة و قطع دراستي، واعتز بانني شاركت مع رفاق اعزاء في كل معارك شعبنا من اجل الحرية و التقدم الاجتماعي و الديمقراطي، و قمت بدوري المتواضع في بناء الحركة العمالية و تنظيماتها و نقاباتها و الحركة الطلابية و اتحاداتها، و اعتز بانني في سبيل وطني و شعبي شردت و اعتقلت و سجنت و لوحقت و انني لم اسع الى مغنم ولم اتملق حاكما و لا ذا سلطة و لم اتخلف عن التزاماتي الوطنية كما اعتز بانني ما زلت مستعدا لبذل كل تضحية تتطلبها القضية النبيلة التى كرست لها حياتي، قضية حرية الوطن و سيادته تحت رايات الديمقراطية و الاشتراكية. و لست اقول هذا بأية نزعة فردية فانا لا اجد تمام قيمتي و ذاتي و هويتي الا في خضم النضال الذي يقوده شعبنا و قواه الثورية، الا كمناضل يعبر عن قيم و تطلعات و اهداف ذلك النضال، الا عبر تاريخ شعبنا و معاركه الشجاعة التى بذل و يبذل فيها المال و الجهد و النفس دون تردد في سبيل الحرية و الديمقراطية و التقدم الاجتماعي، انني جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ المجيد و هذه القيم و التطلعات النبيلة. ان هدف السلطة من تقديمي لهذه المحاكمة ليس شخصي بالدرجة الاولى و انما مواصلة مساعيها لمحو التاريخ الذي امثله و التطلعات التى اعبر عنها.. و لكن هيهات. وشكرا على سعة صدركم)
سيظل دفاع الاستاذ التجاني الطيب أمام المحكمة العسكرية في عام 1982 التى حوكم فيها بعشر سنوات سجنا غير مكتمل البيان والمغزى اذا لم يقترن بقراءة دفاع اخر توأم قد جرى قبله بثلاث وعشرين عاما 1959 قدمه عبدالخالق محجوب في المحكمة التي اقامها نظام 17 نوفمبر والتي عرفت في تاريخ المحاكمات السياسية في السودان بقضية الشيوعية الكبرى نيابة عن كل المتهمين ومنهم عبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة وقد احضر كل من سمير جرجس والتجاني الطيب من معتقل نواقشوط بالجنوب واخرين كالزبير العوام (صحيفة الرأي العام الغراء بتاريخ الأحد 11/ 10/ 1959. .ولما لم يكن الاستاذ التجاني الطيب في عام 1982 في قاعة للمحاضرات العامة بل كان يواجه محكمة أمن الدولة في نظام أحمق متوحش اغتال الاعز في اصدقائه ورفاقه وزج بالاف من زملائه في غياهب السجون لم يكن متاحا أو ميسورا له أو مناسبا التذكير بفحوى الدفاع التاريخي في قضية الشيوعية الكبري في 1959 ومع ذلك فقد حافظ التجاني علي لب الدفاع القديم ثم أضاف واربي. لقد أتاح النظام القضائي في 1959 الذي لم يفارق بعد التقاليد العريقه التي ارساها البريطانيون في التقيد بحرفية القانون اللبيرالي الاصول للاستاذ عبدالخالق محجوب ولرفاقه من هزيمة المحكمة في سياق الوقائع المقدمة وفضح التلفيق والتزوير وتهديد الشهود الذي زاوله أحمد ابارو مساعد الوكيل الدائم لشؤون الامن بوزارة الداخلية للوصول لنتائج لا علاقه لها بالقضية الكبرى المثارة . رمي الاستاذ عبدالخالق في دفاعه لفضح من يقف خلف الكواليس التي أتي منها نظام 17 فنوفمبر1958 وان العداء له سابق لعشية الانقلاب ثم توغل الاستاذ عبدالخالق في تبيان لماذا يمم عقله ووجهه شطر الشيوعية وماذا تعني في ذاتها وماذا تعني بالنسبة له ثم ختم الاستاذ عبدالخالق دفاعهم بابيات دلالتها التصدي والتحدي لطغمة الاستبداد وقد عناها معني ودلالة الاستاذ التيجاني في تصديه وتحديه لمحكمة أمن الدولة 1982
لا افْتِخارٌ إلاّ لمَنْ لا يُضامُ
مُدْرِكٍ أوْ مُحارِبٍ لا يَنَامُ
لَيسَ عَزْماً مَا مَرّضَ المَرْءُ فيهِ
لَيسَ هَمّاً ما عاقَ عنهُ الظّلامُ
واحتِمالُ الأذَى ورُؤيَةُ جانِيـ
ـهِ غِذاءٌ تَضْوَى بهِ الأجسامُ
ذَلّ مَنْ يَغْبِطُ الذّليل بعَيشٍ
رُبّ عَيشٍ أخَفُّ منْهُ الحِمامُ
كُلُّ حِلْمٍ أتَى بغَيرِ اقْتِدارٍ
حُجّةٌ لاجىءٌ إلَيها اللّئَامُ
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ
ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ
4-مفتاح شخصية التجاني الطيب أبان الاستاذ التجاني الطيب في دفاعة أمام محمكة أمن الدولة 1982 بايجاز لا تسمح طبيعة تلك المحكمة باكثر منه- التالى 1-يعود الفضل لانضوائه في صفوف المناضلين للنهوض بالوطن لوطنية والده والى جيله من الشباب الذي حمل اعباء نهوض الحركة الوطنية و الديمقراطية الحديثة 2- انه لم يسع يوما الى مغنم ولم يتملق حاكما و لا ذا سلطة و لم يتخلف عن التزاماته الوطنية كما يعتز بانه ما زال على استعداد تام لبذل كل تضحية تتطلبها القضية النبيلة التى كرست لها حياته (وقد برهن على ذلك لاخر يوم في حياته) 3- أنه يجد تمام قيمته و ذاته و هويته في خضم النضال الذي يقوده شعبه و قواه الثورية من اجل الحرية و التقدم الاجتماعي و الديمقراطية وبناء الاشتراكية
حينما يبين لنا جبل مرة الحزب الشيوعي السوداني التجاني الطيب بابكر أنه يجد تمام قيمته وذاته وهويته في خضم نضال شعب السودان من اجل الحرية والتقدم الاجتماعي والديمقراطية وبناء الاشتراكية ويقرن ذلك بالحزم الصارم مع نفسه ومع تنظيمه وفي حياته الخاصة والعامة مستصحبا ابتسامة دائمة واحساسا شفيفا بالدعابة تنبع من اعماق روحه وانكارا للذات وبذلا للاخر وشعورا دافقا بالوفاء لمن غادروا من الاصدقاء ومن لا يزال على قيد الحياة ويجري كل ذلك في سياق ذكاء حاد وثقافة فلسفية ومعرفة بدقائق الحياة السياسية السودانية فانه يقدم لنا مفتاحا لمعرفة شخصيته التي لم تكن تبحث عن خلاصها الخاص أو تبرر وجودها ولكنها قد تكشف لها عبر سعيها الدؤوب ومسعاها لا نجاز مهامها المعني في الحياة التي ليست عبثا أو عدمية على الطريقة الوجودية أو الشعبية "اكل وشراب واخرتا كوم تراب" أو جشعا أو انغماسا في الحواس أو شعوذة فتسلقت تلك الشخصية جبل الحياة العظيم وركزت شعلها في اعلى قممه من اجل الحرية والتقدم الاجتماعي والديمقراطية وبناء الاشتراكية. العزاء لكل من عرف الاستاذ التيجاني في حياته وعبر قلمه وفكره وانسانيته –العزاء لحزبه –والعزاء لاسرته والعزاء للشعب السوداني وغفر الله له بقدر عمقه وبذله وسعة قلبه الذي خلى من الآفات والاحقاد وبقدر عقله الذي خلا من الهلاويس والخزعبلات.
د-عبدالسلام نوالدين
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
كتب منعم الجزولي --------------------
التجانى الطيب بابكر...رضى الله عنه وعن نضاله
جلسنا فى ركن من اركان حوش المديرية، بسجن كوبر، نفر من المعتقلين السياسيين. شيوعيون، كلهم، عدا واحدأ، كان ديموقراطيا ثوريا، من الدمازين. فى الحوش، معنا، كان رهطٌ من غالب الوان الطيف السياسى فى السودان. فى ذلك الوقت من اواخر سنة ثمانين كان نظام مايو تقريبا معاديا للجميع، بما فى ذلك ناس المصالحة الوطنية، فيما عدا - بالطبع - الاخوان المسلمين. كنا نستمع الى الراديو، وهو يذيع نبأ اعتقال الرجل الثانى - كما وصفه المذيع - فى الحزب الشيوعى، والذى ظل مطلوبا منذ نوفمبر سنة سبعين!! الرجل فى الواقع كان مطلوبا مزمنا!! جد فى طلبه عسس المستعمر، والبوليس السياسى فى زمن عبود، ثم اجهزة امن مايو... وفيما بعد، طلبته اجهزة المتأسلمين، بعد انقلابهم، الذى اعاد البلاد الى العصور الوسطى، ولايزال يسير بنا حثيثا الى العصر الحجرى. ولن أستغرب إن كانت أجهزة الامن فى زمن اكتوبر وأبريل قد جدت هى الاخرى فى طلبه!! كنا صامتين، نستمع الى النبأ، وقد أصابنا الوجوم. وهى علامة خطرة من علامات الاحباط، والتى تسمى اصطلاحا بالدبرسة، ومكمن خطورتها، أن الشخص المُحْبَط، سرعان ماينقل عدوى احباطه الى كل من هم حوله!! لهذا فان التوجيه المستديم، كان ان نقوم، وفورا، بكسر حائط الاحباط، بأية وسيلة. وقد تصدى للأمر الزميل سيد احمد، وهو زميل من مدمنى المعتقلات، الميئوس من امكانية تصالحهم مع الحرية فى القريب العاجل، ولا فى البعيد الآجل، حتى. قال صاحبنا: - عندى صاحب، كان يسكن فى بيت من بيوت الخرطوم. كان ذلك فى أوائل السبعينات، وقد كنت حينها يافعا، لم تهرسنى المعتقلات بعد، ولم تطحننى السياسة بأسنانها الفولاذية. وكانت صداقتنا متينة جدا، والرجل كان نعم الاخ، ونعم الصديق. وكان كريما، سخيا، كلما أعوزتنى الحاجة، كان هو أول الملاجئ التى أبحث عندها عن ( حق اللجوء المالى ). ذهبت أزوره ذات نهار قائظ الحر، ودخلت البيت كعادتى تسبقنى جلبة ضخمة، أحملها معى، اينما حللت، فهمست صاحبة الدار فى أذنى أن أهدأ قليلا: - خالى نايم ولم أكن أعرف لها خالا ولاعما، فصدقتها، وخفضت من جلبتى قليلا، ورحت اسير على أطراف أصابعى الى الجزء الآخر من المنزل، حيث إعتدت أن أجد راحتى. على السرير الحديد فى البراندا، كان راقدا - خالفا - رجلا على رجل، ويقرأ فيما لاحظت من أول نظرة مجلة الشيوعى!! المجلة الداخلية للحزب!! والتى - فى العادة - لا يطَّلع عليها الا أعضاء الحزب!! رجل ابيضانى، فى الخمسينات من عمره، - السلام عليكم قلتها فى شئ من التردد، فأزاح المجلة قليلا عن عينه ونظر ناحيتى ثم هب جالسا - وعليكم السلااااام والرحمة. كان هاشا.. باشا، فظننت أن ذلك أمر طارئ ربما احدثته المفاجأة. وقد أدركت بعد ذلك بسنوات أن تلك كانت طبيعة فى الرجل. بعد السلام والتحية جلست على السرير الأخر اقلب فى اوراق مدرسية تتعلق بدراستى فى ذلك المعهد حيث كنت اتتلمذ حينها. وقد راح مخى يشتغل، بسرعة عجيبة . الوجه بدا مألوفا!! وست الدار قالت إنه خالها، وهى سمراء من بنات دارفور، والرجل ابيض من أين لا أعرف... ومجلة الشيوعى فى يده... أين يمكن أن أكون قد إلتقيته!!؟ تعودت منذ صغرى ألا أنسى وجها يمر بى!! قد أنسى الاسماء، ولكن الوجوه، تنطبع فى مخيلتى إلى الأبد!! وقد نفعنى الامر فى التعامل مع منسوبى أجهزة الامن، حيث أستطيع تذكر وجوههم واحدا وحدا!! ولكن هذا الشيخ الذى يقرأ مجلة الشيوعى!! أين إلتقيته؟ إستدعيت كل سنوات دراستى فى الاولية والوسطى والثانوى... كافة المدرسين والنظار والفراشين والخفراء وباعة التسالى، والسندويتشات... ثم كل باعة التذاكر فى كل سينمات القطر، وباعة قصب السكر ومفتشى القطارات...وأصحاب الكناتين فى أربعة أركان الوطن. ثم رحت استدعى صور الصحفيين فى الصحف والمجلات.. وصور السياسيين من وزراء، ونواب برلمانات.. ومرشحين عن كافة أحزاب البلد، ثم ذهبت أبحث فى وجوه كل السياسيين والزعماء والفنانين العرب والافارقة و....طاخ... نظرت اليه مخلوعا. وكان هو يرقبنى بطرف نظره مبتسما. ربما كان يمتحن فطنتى. - انه هو!!!! قلت لنفسى مرعوبا!! ثم رحت فى سرعة ألملم حاجاتى وأوراقى وأهرول هاربا من المنزل .
توقف الزميل سيداحمد قليلا، وقام الى المزيرة، ونحن نتابعه فى صمت. ثم عاد وجلس بيننا قائلا: - تعرفوا يازملاء، (مضارفة) المؤمن على نفسه حسنة، فإذا قبض علىّ ناس الامن وعندى منشورات مثلا.. أستطيع أن (ألاويهم) مدعيا اننى وجدتها فى (الكوشة) وأخذتها لأبيعها لباعة الترمس والتسالى، مكونا لنفسى ثروة صغيرة تنفعنى وقت الحاجة!! وحتى اذا قبضوا عندى ماكينة رونيو!! فاننى سأدعى أن قد إشتريتها من الدلالة، وقد باعها لى واحد اخضر طويل عريض المنكعين شلولخ...ولو لم يصدقوننى، فإن أقصى ماسيفعلونه أن سيرموننى فى سجن من سجونهم، حتى يشملنى عفو من (العفوات) التى يدردقونها بين الحين والآخر. صمت لحظة، ثم أردف - ولكن أن يقبضوننى مع التجانى الطيب!!! فان أحدا لن يجرؤ على الحديث عن إطلاق سراحى حتى بعد قيام الثورة الوطنية الديموقراطية!! انتم قائلين العمر بعزقة، ولا شنو!!!؟ ****************
إلتقيته، مرة، وكنا عئدين من مستشفى السلاح الطبى، الى السجن العمومى بالخرطوم بحرى، والذى يعرف بسجن كوبر. عندما دخلنا الى الفراندا التى بين مكاتب الضباط، عند المدخل، كان هو خارجا من مكتب مأمور السجن، يحمل كيسا ورقيا بيده، وعددا من الكتب باليد الاخرى. إبتسم عندما رآنى!!! ابتسامته كانت اشبه بإبتسامات الحبيبات، ساعة الرضا!! سلمت عليه، فوضع كيس الورق على الارض، وصافحنى. سألنى عن حالى وعن صحتى، ثم ولدهشتى حمل كيس الورق وناولنى له متسائلا: - بتحب الموز؟ ويومها أكل قسم الغربيات القديمة بالسجن موزا بعد الغداء. نظر إلىَّ أحد الزملاء، وأنا جالس، أقشر موزتى، بحرص متناه، فقال ساخرا: - يازميل ، أنت تقشر فى موزة، أم فى دورة لجنة مركزية!! ولم انتبه الا بعد فوات الاوان... الى ان الرجل كان قد أعطانا الموز كله، ولم يستبق لنفسه شيئا!!!! واستغربت!! ولما زاملته فيما بعد بجريدة الميدان، زال إستغرابى تماما. الرجل كان شيوعيا صوفيا لم تفتنه الدنيا ببهرجها، ولم تحول انتباهته قيد أنملة عن قضيته التى منحها عمره، بالكامل!! رضى الله عنه وعن نضاله. **************** إنه بين يديك، عاريا ، إلا من رحمتك. اللهم إنا لانزكيه عليك، فأنت أعلم به منا، ومن نفسه، ولكننا نشهد انه عاش بيننا رمزا للطهارة والنقاء الثورى. هذا المناضل الذى هجر دروب الدنيا السهلة، واختار دربا لايورثه سوى الفاقة والنكد والقلق.. ولكنه الدرب الأقرب اليك، وإلى مرضاتك، حين تفرغ ليخدم عبادك الفقراء فى بلاد السودان، منذ ان هجر حجرة الدراسة فى جامعات مصر وكان يدرس الهندسة التى برع فيها، وينتظره مستقبل باهر، ركله وجاء لينشئ حزبا للفقراء والمسحوقين من عبادك العمال والمزارعين والرعاة، بل والموظفين، وصغار التجار وحتى الجنود والضباط. اللهم نشهد انه كان نظيف اليد، عفيفا، لم يأكل أموال اليتامى، ولم يستبح لنفسه عرق البؤساء، ولا دمعات الارامل، يبنى بها طابقا فوق طابق. ولم يخدع العباد بأن لهم الجنة، ليدخل هو السوق يبيع فيهم ويشترى. ولم يتاجر بآياتك المنيعات، سبحانك، ولم يستخدمها لخداع الناس يشترى بها متاعا فى برلمان او وزارة، أو يتطاول بها فى البنيان، أو يفسد بها فى الأرض، أو يهتك بها العرض. اللهم نشهد انه ماانحنى امام مستعمر جائر، وماصمت عن قول الحق أمام ظالم متجبر، وماتوانى عن مصارعة سفاح أشر، وماتردد لحظة فى منازلة المنافقين الفاسدين من عبدة شياطين المال والجاه والسلطان، ولم تغره الدنيا ومتعها عن المضى الى آخر الشوط، مقاتلا بالقلب واليد واللسان. اللهم نشهد انه ولد فقيرا وعاش فقيرا ومات فقيرا... وطوبى للفقراء. اللهم انا نحمدك حمدا كثيرا، ونشكرك شكرا جزيلا أن هيأت لنا معرفة عبدك الفقير التجانى الطيب، تعلمنا منه، ونهلنا من ينابيعه، وهانحن نحاول الاقتداء به قدر استطاعتنا، علك ترضى عنا يا أرحم الراحمين. اللهم، يامن شملته برحمتك، فأمته فى فراشه، بين أهله، وتلاميذه، ومريديه، بعد أن لم يبق فى عمره موطئاً لاعتقال يلاحقه، أو إختفاء جديد، أو منفى آخر، أو مشنقة تنصب، نسألك أن تجعل مثواه الجنة، مع الشهداء والصديقين وكافة المناضلين، ونسألك، اللهم، أن تشمل أهله برحمتك، فتلهمهم الصبر الجميل على فقده. وأن تصبر رفاقه على فراقه، وأن تثبت أقدام حزبه فى طريقه الوعر، وأن ترحمنا برحمته. وتلهمنا بعضا من ثباته، وصموده، وهذا قضاؤك فينا، وإنا لله وإنا إليه راجعون. منعم الجزولى 25 نوفمبر2011
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
لتجاني الطيب بابكر،أبو عزة، شعبنا يحيي فيك ويبكي إبناً باراً ، شريفاً، ومناضلاً من أجل غده المنوِّر السعيد القادم ، حتماً ، بما وهبت ، بما وهبت من فكرك ، ومساهماتك ، ومبادراتك.
التجاني الطيب بابكر،أبو عزة، مناضلاً ومقاتلاً لخمسة وستين عاماً ، هي عمر حزبك الشامخ الذي ساهمت في تأسيسه، بحماسة الصبا، وعنفوان الشباب، وعزم الكهول، وحكمة الشيوخ المتفائلة.
التجاني الطيب بابكر،أبو عزة،
سلاماً عليك في الخالدين. سلاماً عليك يوم ولدت ،
سلاماً عليك يوم انتقلت إلى جوار رفاقك الخالدين.
عليك السلام ، عليك السلام،
في الخالدين عليك السلام.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: dardiri satti)
|
أجمل من رائحة النضال لم يشمّ رائحة: وداعا المناضل التيجاني الطيب بابكر . بقلم: تاج السر عثمان الثلاثاء, 29 /نوفمبر 2011
فارق دنيانا المناضل التيجاني الطيب بابكر عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني ورئيس تحرير صحيفة الميدان، بعد صراع طويل مع المرض، وعن عمر ناهز 85 عاما. كانت حياته مفعمة بالنضال ونشر الوعي والمعرفة، والتضحيات الجسام من أجل رفعة وتقدم البلاد وترسيخ الديمقراطية، وساهم في مقاومة الاستعمار وديكتاتوريتي عبود والنميري وديكتاتورية نظام الانقاذ وتعرض للاعتقال والتعذيب والنفي الي "ناقيشوط" بجنوب السودان أيام عبود، وضحي من أجل بقاء وثبات ووحدة الحزب ووجوده فعّالا ومؤثرا في المجتمع ، حتي وجد قيمته وذاته "في خضم النضال الذي يقوده شعبنا وقواه الثورية" كما جاء في دفاعه أمام محكمة نظام مايو الديكتاتوري.
التيجاني من مواليد العام 1927م، والده الطيب بابكر من قادة ثوار 1924م، تلقي تعليمه الأولي بمدينة شندي والاوسط والثانوي بام درمان، وشد الرحال الي مصر طلبا للتعليم الجامعي مع رفاق دربه عبد الخالق محجوب والجنيد علي عمر وعبد الرحمن عبد الرحيم الوسيلة..الخ. ولايمكن الحديث عن التيجاني بمعزل عن تاريخ الحركة الوطنية السودانية الحديثة التي انفجرت بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن خمدت جذوتها بهزيمة ثورة 1924م، وشارك التيجاني في مظاهرات الطلاب التي اندلعت عام 1946م بعد أحداث كبري عباس وهتافاتها الداوية ضد الاستعمار ومن أجل استقلال البلاد، ومقاومة الجمعية التشريعية 1948م وتأسيس الأحزاب السياسية ونقابات واتحادات العمال والطلاب والمعلمين والمزارعين واتحادات الشباب والنساء ومنظمات أنصار السلام، حتي تمّ تتويج نضال شعب السودان بتوقيع اتفاقية فبراير 1952م التي فتحت الطريق للحكم الذاتي بعد قيام الانتخابات العامة عام 1954م، وقيام الجبهة المتحدة لتحرير السودان التي توحدت من أجل استقلال البلاد حتي تم اعلانه من داخل البرلمان واعلانه رسميا في مطلع يناير 1956م.
كما لايمكن الحديث عن التيجاني بمعزل عن تاريخ الحزب الشيوعي السوداني الذي تأسس في أغسطس 1946م باسم " الحركة السودانية للتحرر الوطني" ، ساهم التيجاني في تأسيس الحلقات الأولي للحزب وفي تأسيس اتحاد الطلاب السودانيين بمصر، وبسبب نشاطه السياسي تعرض للاعتقال والتعذيب في السجون المصرية، والابعاد من مصر قبل أن يكمل دراسته. وبعد عودته للسودان عمل لفترة معلما في مدرسة الأحفاد الوسطي، وساهم في تأسيس اتحاد معلمي المدارس الأهلية، وبعد ذلك تفرغ للحزب في اوائل خمسينيات القرن الماضي. وساهم بنشاط في المؤتمر التداولي لكادر الحزب الذي عقد عام 1949م والذي صحح مسار الحزب وارسي الديمقراطية فيه ، ومهد الطريق لعقد المؤتمر الأول للحزب في اكتوبر 1950م، والذي قدم فيه لأول مرة تقارير سياسية وتنظيمية واجيز دستور الحزب الذي تطور فيما بعد، وتم انتخاب لجنة مركزية. ووقف التجاني مع وحدة الحزب في الصراع الداخلي والذي حسمه المؤتمر الثاني في اكتوبر 1951م لمصلحة وجود الحزب المستقل بدلا أن يكون جناحا يساريا في الأحزاب الاتحادية، وتأكيد طبيعته الطبقية ومنهجه الماركسي المستند الي واقع السودان، حيث النظرية ترشد الممارسة، والممارسة تخصّب وتظور النظرية. وبعد المؤتمر الثاني نشب الانقسام وكان التيجاني من الذين دافعوا عن وحدة الحزب، وظل التيجاني مدافعا عن وحدة الحزب في كل الصراعات الداخلية والانقسامات التي نشبت في الحزب في أغسطس 1964م، وفي سبتمبر 1970م، وفي مايو 1994م، وساهم في هزيمة الأفكار التي طالبت بتصفية وحل الحزب الشيوعي والتخلي عن طبيعته الطبقية ومنهجه الماركسي، وظل قابضا علي جمر مبادئ الحزب حتي الرمق الأخير.
وظل التيجاني عضوا منتخبا في اللجنة المركزية حوالي 60 عاما منذ المؤتمر الأول: اكتوبر 1950م، والمؤتمر الثاني: اكتوبر 1951م، والمؤتمر الثالث: فبراير 1956م، والمؤتمر الرابع: اكتوبر 1967م، والمؤتمر الخامس: يناير 2009م ، وبعد أن نال ثقة الأعضاء بفضل تفانيه واخلاصه وتضحياته الجسام وجهده القيادي في مختلف المسؤوليات التي تسنمها.
وفي نشاطه الحزبي شغل التيجاني عدة مسؤوليات قيادية في المكتب السياسي وسكرتارية الللجنة المركزية، وفي مناطق عطبرة ومديرية الخرطوم، وفي مكتب العلاقات الخارجية ، ومكتب التعليم الحزبي، ولجنة الانتخابات المركزية، ومندوبا للحزب في التجمع الوطني الديمقراطي في القاهرة بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، ومندوبا للحزب في مجلة " قضايا السلم والاشتراكية" التي كانت تصدر من براغ في ستينيات القرن الماضي، وفي صحافة الحزب السرية والعلنية: "اللواء الأحمر" والتي تغير اسمها الي " الميدان" عام 1954م، وبعد جريمة حل الحزب الشيوعي عام 1965م وطرد نوابه من البرلمان أسس التيجاني صحيفة "الضياء" عام 1968م وراس تحريرها، كما أسهم في تأسيس مجلة " قضايا سودانية" التي كانت تصدر في القاهرة في تسعينيات القرن الماضي.
وكانت له مساهمات اثرت حياة الحزب وخطه الثوري من أهمها مساهمته التي صدرت في مجلة الشيوعي العدد (150) بعنوان " تطور الخط الثوري للحزب"، وهي دراسة قيّمة فيها ملاحظات ناقدة لتطور الحزب ومعالم هامة في تاريخه ، كما ساهم التيجاني في صياغة موقف الحزب من قضية الجنوب، وشارك في أول لجنة كونها الحزب لدراسة مشكلة الجنوب في اوائل خمسينيات القرن الماضي، مع د. عز الدين علي عامر والشهيد جوزيف قرنق، وتم تقديم دراسة ميدانية للمشكلة ساعدت الحزب في دراسة المشكلة بذهن مفتوح، وتوصل الحزب الي " شعار الحكم الذاتي في اطار السودان الموحد" ، وضرورة التنمية المتوازنة، والاعتراف بالتنوع الثقافي ، واحترام ثقافات ومعتقدات شعوب وقبائل الجنوب وحقها في استخدام لغاتها الخاصة في التعليم. كما اسهم التيجاني في توثيق مواقف الحزب حول قضية الجنوب، واصدر عدة وثائق وكتابات من صحيفة الميدان والتي صدرت في كتاب بعنوان " البحث عن السلام".
كما اهتم التيجاني بالتوثيق لتاريخ الحزب، ولم يبخل في تقديم المساعدات للباحثين في تاريخ الحزب من خلال مدهم بالوثائق أو قراءة ابحاثهم وتقديم الملاحظات عليها وتصويب بعض الوقائع. كما ساهم التيجاني في اصدار كتاب " ثورة شعب" مع المرحوم عمر مصطفي المكي الذي وثّق توثيقا جيّدا لأحداث ووقائع ثورة اكتوبر1964م ونضال مختلف الفئات والاحزاب حتي اندلاع الثورة، وهو من المصادر المهمة لثورة اكتوبر 1964م، كما ساهم التيجاني في تنظيم وحفظ ارشيف الحزب في الخارج حتي يكون متاحا للباحثين والدارسين، وظل متابعا لذلك في " لجنة التوثيق" رغم مرضه حتي وفاته.وساهم التيجاني في لجنة العيد الأربعين للحزب التي كونها مركز الحزب بعد انتفاضة مارس- ابريل 1985م، والتي كان ثمرة نشاطها بعد جهد مقدر من الكتاب والمؤرخين والمبدعين انجاز "كتاب معرض العيد الأربعين" والذي وثق لتاريخ الحزب في الفترة ( 1946م – 1985م)، والذي يحتاج الي استكمال. وساهم التيجاني بنشاط في المناقشة العامة التي فتحها الحزب الشيوعي حول متغيرات العصر بعد فشل التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا ، ودافع في مقالاته عن المنهج الماركسي، وأشار الي أن سقوط التجارب الاشتراكية لايعني خطأ الماركسية والتخلي عنها، وأن تجديد الحزب لايعني تصفيتة وحله. كما ساهم التيجاني في اللجان التحضيرية للمؤتمر الخامس مثل : لجنة الدستور في الفترة ( 1988م- 1989م) حتي تم انجاز مشروع الدستور ورفعه للجنة المركزية، كما ساهم في لجنة اعداد التقرير السياسي، وفي لجنة اعداد التقرير التنظيمي، وقدم رغم مرضه عصارة فكره وتجربته في تلك التقارير من خلال المناقشات والملاحظات التي قدمها، وساهم في التحضير وفي هيئة رئاسة المؤتمر ، حتي تكللت أعماله بالنجاح.
وأخيرا الحديث عن مناقب التيجاني وانجازاته يطول، ويكفي أنه كان مناضلا صلبا وانسانا متواضعا يحترم الرأي الآخر، وضحي بكل حياته من أجل انتصار الثورة الوطنية الديمقراطية بأفقها الاشتراكي، والتي تستهدف سعادة ورفاهية الانسان السوداني. وستظل ذكراه والمبادئ التي ناضل من أجلها عطرة وباقية، والعزاء لرفاق دربه وكل الديمقراطيين والوطنيين السودانيين، ولاسرته وعارفي فضله.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
Quote:
(كلام عابر)
نكران الذات خطوة كبرة نحو التكامل الروحي والفناء بالغير فناء كاملا مثلما يراه العرافون تجاه الخالق عز وجل. نكران الذات ألا يرى الانسان نفسه ويؤخر حاجة النفس ويقدم حاجات الآخرين، وهو أعلى درجات السمو في النفس البشرية. والقوم في جدل وخلاف من يأتي أولا ومن تقدم حاجته على حاجات الآخرين ومن يكون له نصيب من كراسي الوزارة التي قلصت أعدادها بحيث لم تعد تتسع لكل المؤلفة قلوبهم ولضيوف الوليمة الجدد الذين ملوا طول الانتظار ، و بينما القوم في شغلهم الشاغل ، غادر هذه الدنيا الفانية الأستاذ التجاني الطيب الذي كانت حياته كلها سيرة طويلة عطرة من نكران الذات وتقديم حاجات الآخرين على حاجة النفس الأمارة بالسوء المفتونة بالدنيا، فله دنيا غير دنياهم.
سبحان الله.. من رحم نفس المجتمع ونفس البيئة الاجتماعية والثقافية التي جاء منها التجاني الطيب ، يجيء منها كل يوم مثل هؤلاء المتعاركين والمتشاكسين . لا أدعي أني أعرف الراحل التجاني الطيب معرفة شخصية، فذلك شرف لم أنله، بل وإنني لم اره رؤية العين في يوم من الايام، وكان تواصلي الأول والأخير والوحيد معه حينما نشرت مقالا في صحيفة "الخرطوم" بعنوان "كلام في الممنوع" في نهاية سنوات التسعين من القرن الميلادي الماضي، حينما كانت الصحيفة تصدر في القاهرة وتعيش أزهي أيامها وهي تتحدث بلسان غالبية أهل السودان، وكانت المفاجأة الكبري أن نقل لي أخ صديق يشاطرنا الاغتراب في شرق المملكة العربية السعودية وقد عاد لتوه إلى مدينة الدمام بعد زيارة له إلى قاهرة المعز ، نقل لي إشادة الأستاذ التجاني بما كتبت ونقل لي كذلك تحياته، وكانت تلك الرسالة مثار دهشة كبيرة لي لأني لم أكن أحسب أن يكون للأستاذ التجاني الوقت الكافي للإطلاع على كل ما ينشر عن شئون الوطن، ولم أكن أتوقع كذلك أن يكون لقلمي أو لشخصي الضعيف مكانا في ذاكرته أو اهتمامه ، وكانت تلك التحية والإشادة ، وما زالت، وساما كبيرا على صدري لم أحسن التعامل معه لسوء الحظ ، إذ لم تسعدني الظروف في سنوات الغربة التي لا تلوح في الأفق نهاية فريبة لها ، لم تسعدني بالتواصل مع الأستاذ التجاني ورد التحية بأحسن منها ، وقد درجنا على تحميل الغربة والظروف كل اخفاقاتنا، ولكن يبقى احترامي دائما وتقديري له اللامحدودين في جميع الأزمنة بوصفه رمزا من رموز العفة والطهر السياسي ونموذجا رفيعا للزهد ونكران الذات،فقد أعطي كل شيء لمبادئه وقيمه ولم ينتظر أن يأخذ لنفسه شيئا في المقابل، وكانت حياته ملحمة من الجسارة والعطاء المستمر . برحيل الاستاذ التجاني يتقلص كثيرا عدد الرجال المحترمين المتصالحين مع ذواتهم ومع مجتمعاتهم والمتصالحة أقوالهم أبدا مع أفعالهم. رحم الله الأستاذ التجاني الطيب الرجل الصادق الزاهد وطيب ثراه وأسكنه فسيح الجنان.
(عبدالله علقم) |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
Quote: جهر: وداعاً الصحفى المبدأ الأستاذ التجانى الطيب بابكر رمز الكفاح والبطولة والإقدام الثلاثاء, 29 /نوفمبر 2011
من قلب عاصفة الحزن العظيم، وبفؤاد دامى ومسرع في الخفقان وذهن مشتت، وبكلمات يصعب رصّها، من هول الفقد والفجيعة، ننعى عبر بياننا الرسمي في (جهر)، ببالغ الأسى والحزن الكبيرين، الصحفى الكبير والمناضل الفذ الأستاذ التجانى الطيب بابكر، رئيس تحرير صحيفة ( الميدان ).وهوعميد من أعمدة النضال الوطني لأجل الديمقراطية والعدالة الإجتماعية والسلام وإحترام وتعزيز حقوق الإنسان. وركيزة أساسية من ركائز حزبه الشيوعى والصحافة السودانية والعالمية، ظل عبر الكلمة الصادقة - وعلى الدوام - يؤسس لقيم الخيروالعدل والتقدم، وينشرالوعى والفكر الراشد في مجتمع موغل في الأزمات والإحن. ننعي اليوم مفكّراً أصيلاً، و مناضلاً صلباً وقائداً سياسياً ملتزماً ونبيل .ما أنفك إلى جانب زملائه ورفاق دربه ينافح الديكتاتوريات ويصادمها بقلمه الرصاص، و يفضحها و يهزمها سجيناً في أقبيتها، ومعتقلاً في زنازينها، ومختفياً قسرياً عن أعين أجهزتها الأمنية الآثمة، ومنفياً داخل وخارج حدود الوطن . ظلً الأستاذ التجانى الطيب قلماً سلساً، لكنه قاتل لأعداء الشعب والوطن والحرّية والتقد الإجتماعى والفكر الإشتراكى. وهو صاحب مدرسة صحفية متميزة ولسان ذرب و تعبير بسيط، لكنه قوىّ وأبلغ مايكون. لم يعرف طيلة حياته الخوف والوجل والتراجع السلبي أو الهزيمة والإنسكار. وبقى عقلاً متقداً وذاكرة خصبة ونضرة، ظلت مرجعاً معرفياً راجحاً وكنزاً للمعارف والأحاجى السودانية والأسرارالثمينة منذ ميلاده فى 13 مارس 1926، وطيلة عقود إنخراطه فى قلب الحياة السياسية السودانية، وحتى رحيله المباغت في 23 نوفمبر2011م. اليوم ننعى للشعب والوطن ومهنة الصحافة، الأستاذ التجانى الطيب، وقد سبقنا إلى نعيه حزبه الشيوعى وجريدته المصادمة (الميدان) والمجتمع الصحفي الحر، وكافة الأقلام النزيهة، وأصحاب الضمير الحى والشرفاء من بني و بنات وطنه وفى كل مكان. كتبوا جميعهم في حقه بأنبل وارسخ ما كُتب. غير أننا في (جهر) - مؤسسين وأعضاء وأصدقاء - ظلّت تربطنا بالأستاذ التجانى الطيب وشائج وعلاقات كفاحية راسخة، وقد شرّفنا بقبول تكريمنا له فى 3 مارس 2011 (اليوم العالمى لحرية الصحافة) و- من قبل و من بعد - قبوله عضوية هيئتنا الإستشارية. و نشهد له أنّه ما بخل علينا قط بنصح ومشورة رغم مهامه الكثيرة فى مختلف الجبهات. وظلّ يمنحنا من وقته الغالى يناقش معنا قضايا حرّية الصحافة والتعبير. ويزوّدنا بخبراته وتجاربه الغنيّة ورؤيته الثاقبة فى مسائل وأشكال التضامن وتوسيع رقعته وبناء جبهاته مع الصحافة والصحفيين والصحفيات. ننعيه ونعاهده على مواصلة المشوار فى دروب الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير والضمير والفكر والتنظيم .
صحفيون لحقوق الإنسان (جهر) نوفمبر 2011م |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
في وداع آخر الأنبياء السياسيين! ..
بقلم: فتحي الضَّـو الأربعاء, 30 /نوفمبر 2011 [email protected]
غيّب الموت الأسبوع الماضي الأستاذ التيجاني الطيب بابكر، وذلك عن عمر ناهز الخامسة والثمانين عاماً. سخَّر منها أكثر من ستين عاماً لحياة حافلة بالعطاء والتجرد ونكران الذات. وهي القيَم النبيلة التي لازمته حتى آخر لحظة قبيل أن تصعد روحه لبارئها. كان التيجاني قد نال نصيبه من الاعتقالات في سجون الأنظمة الديكتاتورية الثلاث التي تسلطت على رقاب الشعب السوداني. والذي قد لا يُدهش الذين يعرفونه عن كثب، أن السنوات التي قضاها في المعتقلات والاختفاء القسري، إلى جانب المنفى الاختياري في القاهرة التي جاءها هارباً في العام 1991م على ظهر جمل، قبل أن يعود للسودان مجدداً في العام 2005م قد غطت أكثر من نصف عمره السياسي. والمفارقة أن القاهرة تلك قد شهدت أول اعتقال له في سجن (الهايكتسيب) في مايو من العام 1948م وكان حينذاك يشغل موقع سكرتير اتحاد الطلبة السودانيين. ورافقه في السجن كلاً من عبده دهب، عبد الرحمن الوسيلة، محمد أحمد الرشيد، تيدي جيمس لاركن، والأخير هذا من جنوب السودان وكان يعمل موظفاً مع الإدارة البريطانية في قنال السويس، إلى جانب آخرين بدأوا الارتقاء في مدارج الشيوعية تحت مسماها المعروف بـ "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" (حدتو) قبل أن تصبح "الحركة السودانية للتحرر الوطني" (حستو) ومن ثمَّ الحزب الشيوعي السوداني. والمفارقة أيضاً أنهم سُجنوا بسبب انحيازهم للقضية الفلسطينية، إذ تزامن ذلك مع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى. والمثير في الأمر أن اعتقالهم تخلله إضراب عن الطعام، استمر لأكثر من عشرين يوماً. والتيجاني نفسه كان عمره آنذاك بضعاً وعشرين عاماً! بمجرد مواراته الثرى هرع الكتاب والصحافيون والسياسيون للتعبير عن مشاعرهم في فقدٍ عظيمٍ. طفقوا يُعددون مآثره، ويُسطرون تاريخاً حافل بالدروس والعبر والمواقف المتميزة. ومن ضمن ما قرأت هزَّني موقف صدَّر به صديقنا الأستاذ أمير بابكر مقاله التأبيني (الأحداث 24/11/2011م) عن التيجاني. بيد أن ذاك الموقف والذي حدث في وقت مبكر من عمره، بل في مقتبل حياته، يمكن القول إنه يتسق تماماً وشخصية الراحل العظيم، بل جسَّد رؤاه وأفكاره ومواقفه السياسية، إلى جانب التزامه الصارم بقضيته وإيمانه الصمدي بوطنه وشعبه والإنسان بصورة عامة حيثما كان. فحياة التيجاني كانت أشبه بملحمة أسطورية، يحق للجيل الحالي والأجيال القادمة أن تلم بها وتتناقلها كأنقى ما تكون السِير وقصص الرواد المخلصين. ولعل مرافعته التي قدمها في محاكمته الشهيرة في نظام نميري، أو ما اصطلحنا على تسميته بالديكتاتورية الثانية، بعد إلقاء القبض عليه في العام 1981م بعد عشر سنوات من الاختفاء الذي حدث عقب ما أسماه الحزب الشيوعي في أدبياته بـ (أسبوع الآلام) في إشارة لموجة الإعدامات التي طالت قادته وعلى رأسهم الشهداء: عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق وهاشم العطا وبابكر النور وآخرون. تلك المرافعة تعد من أروع ما قيل في وجه جلاد أينما كان، ولذا لو أننا كنا نرفل في ظل نظام ديمقراطي، لطالبنا بأن تتضمن مناهج التعليم حتى يعلم الخلف كيف يمكن للمرء أن ينذر حياته لوطنه، ويكون على استعداد للتضحية من أجله وبينه وبين الموت بضع خطوات!
كتب أمير في مقاله المشار إليه: (كان والدي مكلفاً بالحفاظ على وترحيل الراحل عبد الخالق محجوب إلى أن يجتاز الحدود إلى مصر للحاق بمؤتمر للأحزاب الشيوعية في موسكو في النصف الأول من الستينيات، في وقت كانت تبحث عنه القوات الأمنية لمنعه من ذلك. تم الاتفاق على اجتيازه الحدود عن طريق البر وبواسطة عربة (لوري) والتنسيق هناك داخل الأراضي المصرية لاستقباله بواسطة آخرين. ظهر الأستاذ التيجاني فجأة في وادي حلفا وهو الرجل الثاني في الحزب الشيوعي السوداني، وكان في طريقه إلى مصر أيضاً في مهمة حزبية، ليجتمع مع عبد الخالق وصاحب العربة (اللوري) وهو عضو في الحزب الشيوعي ووالدي، الذي يعمل في وادي حلفا حينها، في المنزل حيث يختفي عبد الخالق. وكان الاجتماع حيث جلس الأربعة حول طاولة، لمتابعة الترتيبات النهائية لخطة السفر. شرح صاحب (اللوري) الموقف، وقال إن العربة لن تكون جاهزة في الموعد المحدد. كان ذلك يعني عدة أشياء فالذين سيستقبلون عبد الخالق في الجانب المصري لا يعرفون إلا هذا (اللوري) الذي يجب أن يصل في تاريخ ووقت محدد والوصول إلى نقطة محددة سلفاً. أي تغيير سيضطر الجميع إلى وضع ترتيبات جديدة في ظل تلك الظروف المعقدة.
ما أن سمع الراحل عبد الخالق هذا الأمر حتى نهض واقفاً وهو في حالة انفعال وهياج، بسبب الإخفاق في الترتيبات وأمسك بأوراق في الطاولة التي اجتمعوا حولها وقذف بها بشكل عبر عن فقدانه لأعصابه. حدث كل ذلك لمدة ثوانٍ، ليتحدث الأستاذ التيجاني في صرامة إلى عبد الخالق بقوله (إنك لا تصلح أن تكون سكرتيراً للحزب الشيوعي).. وأضاف: (إنني سأقدم تنويراً للجنة المركزية بما بدر منك وأطالبك باعتذار رسمي). فما كان من الزعيم عبد الخالق إلا أن وقف مرة أخرى قائلاً للتيجاني والآخرين: (إذا لم تفعل ذلك لن تكون شيوعياً، وأنا بدوري سأقدم اعتذاري الآن هنا وأمام اجتماع اللجنة المركزية وحتى في الجريدة الرسمية). انتهى الاقتباس في الرواية التي صاغها أمير في سياق مقاله المؤثر.
عرفت التيجاني في منتصف ثمانيات القرن الماضي، عندما زرت السودان للمرة الأولى بعد انتفاضة أبريل 1985م حينها قدمت من الكويت لإجراء حوارات صحافية مع عدد من قادة النشاط السياسي، وبالطبع كان من بينهم الأستاذ محمد إبراهيم نقد، ذلك للألق الذي صاحب اختفائه، ونظراً لتاريخ الحزب التليد في مقاومة ذلك النظام الديكتاتوري يومذاك. قصدت صحيفة الميدان الناطقة باسم الحزب الشيوعي مصحوباً برسالة شفهية من صديقي العزيز الدكتور مصطفى خوجلي. وكانت الصحيفة تقبع في دار متواضعة في شارع صغير متفرع من شارع الحرية. دخلتها حيث بدأت قصتي مع التيجاني، أو ذاك الشخص الصارم القسمات، والذي هالني بأنه يتحدث لزملائه بصوت جهور كأنه في خضم تظاهرة. سألته عن الأستاذ نقد بعد أن قدمت له نفسي، فلم يزحزح ذلك من الأمر شيئاً. جاوبني باختصار يبعث الضيق في النفس (أنتظره هنا يمكن يجي)! كنت آنذاك طراً غريراً توهمت أن الحزب الشيوعي سيحتفي بي وسيفرش لي بساطاً أحمراً أتبختر فيه كيما أتفق، لكن تضاءلت أوهامي هذه عندما وجدت الحزب نفسه يبحث عن مغيث، صحيفة تقبع في دار متواضعة تتكون من غرفتين ربما ثلاثة بالكاد تسع شاغليها. وزاد من إحباطي أن الرجل الذي قالوا لي إنني سأجد عنه مقصدي، كان صارماً حد العجرفة كأنه يتأهب لمعركة محتملة. غادرت المكان وتوالى حضوري لأصطدم بذات الإجابة المختصرة مرة ومرتين وثلاث. خرجت في الأخيرة وأنا عازم بعدم العودة مرة أخرى. كانت المفاجأة أن التقي مصطفى خوجلي في بوابة الدار، وكان قد قدم للتو من الكويت أيضاً. أبديت له ضيقي وتبرمي فضحك ضحكته الودودة التي تمتص منك الغضب وإن تراكم جبالاً، ثمّ أمسك بيدي ودلفنا للدار مرة أخرى وقدمني للتيجاني، فلم أشعر بأن الأمر تغير في كبير شيء. اختصاراً لتفاصيل كثيرة ليست بذات أهمية، نلت مراميَّ، أما علاقتي بالتيجاني فقد بدأت تأخذ منحىً آخراً عند كل زيارة للوطن في ظل ديمقراطية وارفة أو هكذا نظن! لمست فيها ما خفي عني في شخصه، أو بالأحرى ما لا يمكن معرفته إلا بالاقتراب منه!
بيد أن علاقتي هذه اتّخذت مساراً آخر أكثر حميمة بعد وصوله القاهرة التي سبقتّه إليها بالدوافع نفسها. وفي مشهد لاحق سألته تفصيلاً عن رحلة هروبه تلك والتي وثقت لها وأشياء أخر في كتابي الأخير (سقوط الأقنعة) فلفت نظري بإجاباته المختصرة حول خواطره حولها، فقال لي: إنه لا يعرف عنها شيئاً غير جمال الصحراء، حيث الهدوء يعم المكان، والأرض منبسطة بلا نهاية، لا تسمع فيها سوى أزيز الرياح وهسيس الأبل. ثمّ بعد وصوله القاهرة قيضت لي الظروف أن نلتقي كثيراً. حيث سكنا متجاورين وبيننا صديقنا الودود محمد عبد الماجد، وهو بحكم عضويته في الحزب كان المسؤول عن ترتيب أموره. بدأت يومها تتشكل لي سيرته على نحو آخر بحكم المعايشة، كانت فيها العلاقة بعدئذ أشبه بنبتة صغيرة حرص كلانا على رعايتها بحنو بالغ.. كمن يخشوا أن تذروها ريح صرصر عاتية! تلك كانت الفترة التي بدأ فيها النشاط السياسي والإعلامي المعارض في التشكل. واتساقاً مع همومه الإعلامية المعروفة، كان التيجاني حريصاً على أن تصدر صحيفة ناطقة بلسان الحال الذي كنا فيه غارقون. ذلك ما تحقق بعدئذ بصحيفة أسبوعية متواضعة يعجز (سيزيف) وصخرته عن حملها، وسميناها السودان وكانت بحجم (التابلويد) وأصبح التيجاني مشرفاً عليها. كنت محظوظاً بل غمرتني السعادة حينما شعرت بأنه كان يرمي إليّ بأعبائه عمداً في متابعتها مع زملاء كرام، وذلك نظراً للمهام السياسية التي تثاقلت عليه، وهو القادم لعاصمة ضخمة بكل ضيائها وضوضائها. فيها التقى التيجاني بعد طول غياب، رفاقاً باعدت بينه ديمقراطية التاريخ وديكتاتورية الجغرافيا، منهم السادة: خالد محي الدين، رفعت السعيد، حسين عبد الرزاق، فريدة وامينة النقاش، عبد العظيم أنيس وآخرون. كان يحدثني عنهم بود وألفة تذيب الصخر العصيا، يومها أدركت وأنا زعيم بحركاته وسكناته أنه أصبح أكثر ألفة ومودة، وفوق كل ذلك أكثر هماً وغماً من مستقبل لا ندري كنهه!
اتساقاً مع نهجه وتصالحه مع نفسه عاش التيجاني زاهداً في شقة متواضعة في القاهرة بمدينة نصر، ولكنها كانت كخلية نحل لا تخلو أبداً من الزائرين. وبحكم الجوار الجغرافي كنت أغشاه كثيراً ويغشاني لماماً بتواضعه الجم، وبين هذا وذاك بيننا الهاتف الذي لا ينقطع. في هذا الصدد لابد من ذكر ما لمسه غيري عنه، لا سيّما، في حياة الزهد والتجرد تلك. كان التيجاني يستغل المواصلات العامة، وكنت كثيراً ما أشعر بالشفقة عليه وهو في عمره السبعيني. والمفارقة أن لا يكتفي بذلك بل يصر على تصدير زهده هذا للآخرين، وبينهم من ليس في حاجة لذلك. مثل نصائحه لزواره حينما يغادرونه إلى وجهة أخرى، فيتبرع لهم بأرقام حافلات مدينة القاهرة التي يمكن أن تقلهم إلى حيث يريدون (طالما أنت ماشي نص البلد، يمكنك أن تستغل 500 أو 500 بِشرَطة من محطة رابعة العدوية القدامنا دي، وإذا إنت ماشي العباسية أحسن حاجة تأخذ 49 أو 18) وهذه هي أرقام مواصلات القاهرة التي كان يحفظها عن ظهر قلب، كمن يحفظ المرء أوراده عقب كل صلاة.. لقد عاش التيجاني في تلك المدينة الباهرة كما عاش أبا ذر في زهده!
في ذات مرة جئته زائراً ووجدت في باب العمارة التي يقطنها نفراً من الحرس الشرطي المصري، الذين أكثروا السؤال عن شخصي وأسباب زيارتي وأشياء من هذا القبيل. وعندما صعدت إليه في الطابق الرابع، قلت له مداعباً: يا أستاذ منتهى الأهميات، يعني بعد كده لازم نجيك بموعد وتفاصيله؟ شعرت أنه لم يبدِ ارتياحاً لملاحظتي الودودة، فقلت له الحكاية شنو؟ فقال لي: الأخوة المصريين كتَّر الله خيرهم، قالوا إننا مستهدفون ولذلك وضعوا هذه الحراسة لقيادات التجمع الوطني بعد تواتر أخبار عن اغتيالات محتملة. فقلت له غير آبه بما قال ومواصلاً دعابتي: طيب كويس. فبادرني بالقول: الكويس شنو؟ واستطرد، ده فائض عمالة ساكت. أسه الجماعة ديل مفروض نوفر ليهم إعاشة، ونحن ذاتنا في حاجة لمن يعيشنا. عجبت لمن كان ذلك همه الذي علا على هم اغتياله، وعلمت فيما بعد أن بعض إخوتنا في الكيان نفسه - غفر الله لهم - ممن حباهم الأخوة المصريين بذات المزية، صاروا يدعون معارفهم بإصرار، ليس حباً في طلعتهم البهية، ولكن من أجل أن يروا النعيم الذي فيه يرفلون!
بما أن الشيء بالشيء يذكر فثمة قصة لابد وأن تُروى في السياق نفسه؟ إذ حكى لي قصة مثيرة لا أعتقد أنه حكاها بذات الأريحية لآخرين لا يعلمونها. قال لي: لو صح موضوع الاغتيالات هذه، سترتكب هذه الجماعة خطأ لن ينمحي أبد الدهر. ثمَّ مضى في القصة الشيقة أو الشائقة – سيان - فقال: ذات يوم في الحقبة الديمقراطية الأخيرة، ألقى شباب الحزب القبض على شخص كان يتربص بي ووجدوا بحوزته سكينا (مدية) بُغية اغتيالي. وعندما تمَّ استجوابه، أخبرهم بأنه مكلف من الحزب الغريم أي الجبهة الإسلامية، وسمى لمعتقليه الذين كلفوه بتلك المهمة المقدسة (لكن تيجاني رفض رفضاً بتاتاً أن يذكر لي أسماءهم) وقال لي: من خلال التحقيق اتّضح أن الرجل مأجور مقابل حفنة من المال وُعد بها، فأطلقنا سراحه ولم تصل القضية للأجهزة الشرطية خشية زعزعة النظام الديمقراطي. عند هذا الحد كنت أظن أن القضية انتهت. فباغتني التيجاني بقوله: الأسبوع الماضي قابلت نفس الرجل بعد سنوات، وأنا أتأهب لدخول محطة الميترو في ميدان التحرير! فبُهتُ، وعالجتهُ بسؤال سريع: طيب وحصل شنو؟ فقال لي بطريقته المعهودة في تبسيط الأشياء، حصل شنو، سلمنا على بعض وكل زول مشى في حاله! من المواقف الطريفة التي استذكرتها، حدث ذات مرة أن زرته في منزله وكان يجلس وحيداً حيث أن زوجه الأخت الفاضلة فتحية كانت في زيارة للسودان. فتح لي باب الشقة بعد فترة طويلة، واعتذر ضاحكاً بأنه كان في الحمام. ثمّ تبع ذلك بتساؤل فلسفي: يا أخي هل من الضروري إنو الزول يحلق ذقنه كل يوم؟ وواصل.. تصوّر أنا وقفت قدام المرآة وخطر ببالي أنني أمارس هذه العادة لأكثر من خمسين سنة دون أن أترك يوماً واحداً، اللهم إلاَّ في ظروف قاهرة. فقلت له مداعباً: غايتو لو ما حلقتها الناس ما حتفرق بينك وبين الجماعة. وقبل أن يجيبني بشيء سردت له حواراً دار بين الصديقين الراحلين: علي عبد القيوم ويونس الدسوقي، وهما من جمعت بينهما علاقة حميمة. إذ قال الثاني للأول: بعد أن شكا من تلك العادة اليومية، إيه رأيك يا علي الواحد لو أطلق لحيته بعد هذا العمر؟ فقال له الثاني بدعابته اللطيفة: يعني حيحصل شنو، غير ما إنك حتَرَيِّل فيها. فضحك الرجل الموسوعة أو عم يونس كما كنا نحب أن نناديه، وقال له: يعني كارل ماركس كان بِرَيِّل فيها. فضحك التيجاني كما لم يضحك من قبل، وسرت بيننا روح الفكاهة!
عندما انتقلت للعاصمة الإريترية أسمرا، قيضت الظروف أيضاً لأعضاء التجمع الوطني الديمقراطي مقراً فصاروا يتوافدون عليها. كان التيجاني حريصاً كلما زارها بتواتر لحضور اجتماعات هيئة القيادة على الاتصال بي بمجرد وصوله، وتوطدت العلاقة بينه وبين زوجتي الفقيدة الراحلة وداد صديق. فكان يلزمها بما يسميه (تعليمات) محددة في مأكله ومشربه، ونقضي بعدئذ وقتاً طيباً. والحديث يطول ولكن ما استذكره دوماً في تلك اللقاءات أن التيجاني كان يعاملني فيه بأريحية كأنني عضو في حزب لم أنتم له أصلاً، وليس بيننا سوى تلك الوشائج الأزلية التي تربط بين الديمقراطيين بصورة عامة. مؤخراً التقيته في السودان ولم أشعر بتغيير في شخصه سوى إحساس مقاتل غير البندقية من الكتف اليمين للكتف اليسار أو العكس. لكن صفوة قولي أنني تعلمت من التيجاني فوق ما ذكرت.. كيف يمكنك أن تخالف الناس في الرأي، بشرط ألا تبغضهم. فهل علمت العُصبة ذوي البأس الدرس كما علمّنا!!
آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خضر حسين : شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر (Re: عاطف مكاوى)
|
قراءة في المشهد السياسي : ورحل زيت قناديلنا
د. الشفيع خضر سعيد
الزمان: آواخر سبعينات القرن الماضي. المكان: أرض الحجر في حي الديوم الشرقية بالخرطوم. كان يعيش بسيطا أنيقا ككل سكان الحي، في منزل بسيط، نظيف ومرتب دائما، تكاد لا تجد فيه ذبابة، رغم أن الذباب يعشق ذلك الحي، عشقا ممنوعا. سكان “المربوع” كانوا ينادونه الأستاذ طه أبوزيد. بعد إنتفاضة أبريل 1985، حدثني صديق من أبناء الحي، بأن السكان نادوه بالاستاذ لأنهم، ومنذ قدومه للسكن وسطهم، إكتشفوا فيه حصافة وعلم الأساتذة، وحكمة وقدرات المربين على حل المشاكل والتوفيق بين الخصماء، إضافة إلى نظافة وأناقة الملبس والمظهر. كانوا يستنجدون بالأستاذ طه للتدخل متوسطا في تلك المشكلة الأسرية أو ذاك الشجار بين الجيران. وكان الحل دائما بين يديه، يأتي بسيطا ومقنعا. ” لكنه أبدا لم يكن يتحدث معنا في السياسة إلا التعليقات العامة التي نشترك جميعنا في الإدلاء بها.”، هكذا حدثني ذاك الصديق.
في ذات مرة، حضرت إلى منزل الاستاذ طه، بعد حلول الظلام مباشرة. وبدأنا العمل في تنفيذ تكليف هام، مطلوب أن نسلمه في الغد. فجأة علت أصوات شجار من منزل الجيران. بدأ صوت شاب مخمور يكيل السباب ويهدد ويتوعد. قال لي الاستاذ طه “إن هذا الولد، والذي توفى والده قبل عدة سنوات، تعلم مؤخرا شرب الخمر، وظل يوميا يعذب أمه العجوز ويطالبها بالمال ليبدده في شرب الخمر، مع إنه في النهار، أو عندما لا يعاقر الخمر، يكون واعيا ومهذبا وودودا.”. وبعد أقل من نصف ساعة، ارتفع صوت الأم تنتحب وإبنها يواصل هذيانه. وفجأة انتفض الأستاذ طه واقفا، ولبس جلبابه الأبيض النظيف “المكوي” ووضع عمامته على رأسه وكأنه في طريقه إلى حضور عقد قران، وخرج بسرعة البرق من المنزل دون أن يعطيني فرصة حتى للتساؤل. سمعت صوته في منزل الجيران وهو يعنف الإبن ويذكره بضرورة البر بأمه ورعايتها وليس تعذيبها. وإستمر الحديث لفترة طويلة، ثم رويدا هدأت الأصوات، وبدأ كلام خافت تتخلله تخنجات الإبن وهو ينتحب متأسفا ومقسما ألا يكرر ذلك. عاد الاستاذ طه وبادرني قبل أن أنطق بكلمة: “طبعا حتقول هذا خرق لقواعد التأمين، ياخي فليذهب التأمين إلى الجحيم، إذ من المستحيل تحمل وتجاهل “مسخرة” هذا الولد التي تتكرر كل يوم، وبكاء أمه تحسرا على ضياع إبنها”. فيما بعد علمت أن ذاك الإبن أصبح صديقا حميما للأستاذ طه. وبالمناسبة لم نتمكن من إنجاز ذاك التكليف في تلك الليلة.
وفي إحدى صباحات الخريف المنعشة، والتي لا يخدشها سوي قصور أداء حكومات السودان المتعاقبة منذ الاستقلال في الإستعداد لدرء آثار الأمطار، ذهبت إلى منزل الأستاذ طه، بعد أن روت سماء البارحة الأرض مطرا مدرارا. كان واضحا أن المطر أطفأ ظمأ أرض الحجر وفاض، فكانت “الفسحة” وسط منازل الحي، عبارة عن بحيرة مغلقة المنافذ بدون أي تصريف للمياه مما يهدد المنازل وصحة البيئة. وفعلا، يبدو أن قصة مجاري تصريف المياه هذه في السودان لن يكتب لها الحل الناجع إلا يوم أن تحل الأزمة العامة في البلد. في ذلك الصباح، رأيت جمعا من سكان حي أرض الحجر في الشارع يحفرون الأرض مجاري لتصريف المياه. ومعهم كان الأستاذ طه أبوزيد، يرتدي بنطال جينز، ممسكا بطوريته يحفر مع الجميع، وهم يتبادلون الضحكات والقفشات و”التقريقات”. في تلك اللحظة، خطر على ذهني السؤال المتوقع: ألا يبالي هذا الرجل إن إنكشف أمره وتم إعتقاله؟ أعتقد أن الأستاذ طه أبوزيد كان مدركا تماما لكل العواقب والمخاطر، ولكنه كان يرى في الالتحام بالناس البسطاء ومشاركتهم همومهم اليومية، وتقاليد حياة التكافل السودانية السمحة، كان يرى في كل ذلك أولوية تفوق أي تعقيدات تفرضها المحاذير الأمنية. وفي مرة أخرى، حضرت إليه مساءا ووجدته يعد العدة للخروج، وعندما سألته قال لي “طفل (ع.ه) مريض وهم الآن في حوادث الاطفال وأنا قلقت جدا عليهم وكنت بصدد الحضور إليك في المنزل حتى تذهب إلى المستشفى ونطمئن”. لم تكن معه عربة، ولكنه إعتاد الحضور إلي في المنزل قاطعا المسافة من أرض الحجر إلى آخر إمتداد الدرجة الثالثة راجلا! فعل ذلك عشرات المرات ولأسباب مختلفة، من بينها مثلا، لمجرد المباركة لزوجتي بمولودتي الأولى “عزة”.
في ذلك المنزل البسيط النظيف كمنازل العمال، كان الأستاذ طه أبوزيد يطبخ أكله بنفسه. وللدقة كان “يسلقه” إذ كان يرى الأكل المسلوق أكثر صحة لمن هم في وضعه. وعندما يعلم أني سأزوره، كان يدخل بعض التحسينات على الأكل، رأفة بي. وكان يشتري الخبز كل أسبوع ويخزنه في فريزر الثلاجة، علما بأن حصته اليومية من الرغيف لم تكن تزيد على ثلاثة أنصاف رغيفة، يأكل نصف رغيفة فقط في كل وجبة. تعشيت معه ذات ليلة، فول بالجبنة، وكان “مظبطا” جدا. أكل هو نصف الرغيفة المعتادة، ولكني اكتشفت أنني قضيت على كل ما تبقى من مخزون الاسبوع من الرغيف! وكان لابد أن آتي له برغيف بديل في اليوم التالي.
ملحمة الجانب الإنساني من حياة الأستاذ طه أبوزيد وهو يعيش في التخفي آنذاك، كثيرة التفاصيل، ووحدها فقط يمكن أن تملأ كتابا كبير الحجم، ناهيك عن تفاصيل ملحمة حياته النضالية الصلبة الممتدة في خط مستقيم دون تعرجات منذ أربعينات القرن الماضي وحتى رحيله بالأمس القريب. والكثير يمكن أن يستشف من تلك التفاصيل، لكني هنا أركز على أثنتين فقط: الأولى: بالنسبة لسكان منطقة أرض الحجر، لم يكن يهمهم إن كان ذاك الرجل إسمه الأستاذ طه أبوزيد أو الأستاذ التجاني الطيب، فقد كان يهمهم ويكفيهم الرجل نفسه الذي مثل لهم الشهامة والنخوة ودفء الأبوة، وطيبة الجيرة، وحكمة المربي الجليل، وسائر سمات الانسان وجمال قيمه المذكورة في قصص الأنبياء والمتصوفة. والثانية: كان الأستاذ التجاني، أو طه أبوزيد إن شئت، يؤمن تماما أن خير حماية من عيون أجهزة الأمن هو السكن في حدقات عيون الناس، وهو سكن يصعب توفره أو إمتلاك ثمنه إلا لمن يجعلون قيم العدالة والحرية وتوفير الحياة الكريمة للناس وتحقيق طموحاتهم، همهم الأول وفوق همومهم الشخصية، والأستاذ التجاني الطيب إمتلك سكنا مريحا وفاخرا في تلك الحدقات.
في العام 1980 إعتقل الاستاذ التجاني الطيب، وكان جاره في الزنازين الكائنة في سطح سقف مبنى جهاز الأمن، الأستاذ الباقر أحمد عبدالله، رئيس تحرير صحيفة الخرطوم حاليا. وبعد فترة من ذلك الإعتقال قابلت الأستاذ الباقر، وما أن رآني حتى صاح منفعلا ” هل تدرك أن الاستاذ التجاني قد انقذ حياتي من موت محقق؟” ثم شرح لي كيف أنه مصاب بالربو “الأزما” وأنه أصيب بنوبة خطيرة أثناء تواجده في الزنزانة، حيث داهمه ضيق النفس الحاد، فكان يئن طالبا من الحرس إخراجه والذهاب به إلى المستشفى، ولكن لم يستجب الحرس. ثم سمع ساكن الزنزانة الملاصقة له يدق في الحائط ويعرفه بأنه التجاني الطيب، ويسأله “ما هي المشكلة؟”. يقول الأستاذ الباقر “أن الأستاذ التجاني عندما علم بتدهور حالتي الصحية، زأر بقوة وكأنه الأسد، وأخذ ينادي الحرس لينقلوني إلى المستشفى، وهو في نفس الوقت يصيح فيهم بغضب شديد ويحملهم مسؤولية أي مكروه يحدث لي، ويتوعدهم بعقاب الشعب” ويواصل الاستاذ الباقر حديثه لي “لم يتوقف الأستاذ التجاني لحظة واحدة عن الصراخ في وجه الحرس….، ولدهشتي جاء الحرس مرتعدا مرتجفا، وبدأ بعضهم يهدي الأستاذ التجاني ويتأسف له، والآخرون حملوني بالاسعاف إلى المستشفى….وقال لي الطبيب إذا تأخرت دقائق ربما كنت ستفارق الحياة”.
ما يقرب من الإثني عشر عاما، عشتها مع الأستاذ التجاني الطيب في القاهرة. كنا نلتقي كل يوم تقريبا، صباحا ومساء. وكل يوم كنت أكتشف جانبا مشرقا آخرا من الاستاذ التجاني الانسان، وجديدا علي، رغم أني كنت لصيقا بالرجل منذ السبعينات. وإذا أردت تناول الجوانب الإنسانية وحدها، ناهيك عن السياسية، في حياة الأستاذ تجاني خلال تلك الفترة التي عاشها الرجل في القاهرة وأسمرا والمعسكرات، لكان علي تدبيج المئات من المقالات كبيرة الحجم. يكفي أن أقول هنا، أن كل أطفال منطقة سكنه في حي رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة يعرفون “عمو تجاني” الذي لا تخلو جيوبه من الحلوى. أما الكبار، وأغلبهم من المهنيين وضباط الجيش من المصريين، فعندما يتحدث الاستاذ تيجاني يصمت الجميع ويصتنتوا في إحترام وتقدير لقيمة كلمة الرجل. والحديث هنا ليس يالضرورة في السياسة، أو في الغالب هو ليس في السياسة. فالأستاذ تجاني كان يعلم جيدا متى وأين يتحدث بالسياسة. يقول لي الدكتور منير، صاحب الصيدلية في العمارة التي كان يسكن بها الأستاذ تجاني، في دهشة وإعجاب، أن تجاني كان مهجسا جدا أن يعود إلى السودان في صندوق…كان يريد أن يرى تراب البلد قبل الرحيل.
كان الأستاذ التجاني الطيب بالنسبة لأوساط السودانيين في القاهرة، هو المفكر والكاتب والصحفي والزميل والسياسي الدوغري. ولكن بالنسبة لي، كان أيضا معلما وصديقا صدوقا ووالدا حانيا. هذا الرجل، وضىْ الابتسامة، علمنى كيف أن التعلق بقضايا الانسان الكبرى، ليس طيش شباب أو مجرد مزاج، أو تهرب من اعباء المسئولية الفردية الخاصة. كان همه اليومي، وهو الذى تشرب باكرا معانى العدل الذى يسع الجميع ولا يستثنى احدا، هو كيف نحقق للملايين من الكادحين فى كل ربوع السودان حلمهم بالعيش الكريم. وحياة الرجل اليومية تكشف عمق العلاقة بين الحلم والواقع، بين الفكر والممارسة العملية. اكثر انطباعاتى عن ايام إختفاء الاستاذ تجانى الطيب، هو النظام والترتيب المدهش لشكل حياة مؤقت وعبثى ومحزن، والصرامة المبنية على تقليص النفقات والمجهود والمشاوير. نظام شراء خبز الاسبوع والتنازل عن ذلك الحق البسيط (خبز طازج)، ترك فى داخلى اثرا قوىا. أما مظهر الافندى الذى احتفظ به فى كل اوقاته، فهو اشارة اخرى الى ان الاختفاء حياة كاملة الفروض ليس فيها الا ما يمنع عيون الطغاة عن ملاحقة العمل اليومى من أجل رفع الوعى بالحقوق وتثوير الاخرين. والتفرغ للعمل الحزبى لا يساوى عند التجاني إلا مزيدا من الضبط والصرامة فى التعامل مع الوقت والاحداث. عاش الأستاذ تجاني حياة لا تعرف الخنوع والاستسلام، ولا تركن للأجوبة المعلبة، ولا تعادى الفكر والرأى الجديد. كان وجوده، ورفاقه الشرفاء، في منصة النضال، هزيمة لمقولات التخذيل من اعداء الحزب، مثل “الشيوعية تعتزل بعد سن الاربعين”. فقد قدم التجانى نفسه وفكره وقلمه لنشر الوعى ومفاهيم الديمقراطية والاشتراكية فى كل مراحله العمرية بلا كلل ولا ملل. وحقا، إنطبق عليه وصف دزيرجنسكي، كمناضل بارد الرأس، دافء القلب ونظيف اليد.
| |
|
|
|
|
|
|
|