دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
حوار مع (د. الشفيع خضر) : التغيير القادم مالم يهدم القائم …. سينتكس
|
د. الشفيع خضر: التغيير القادم مالم يهدم القائم …. سينتكس إنتفاضة أبريل نجحت في إزالة الغطاء السياسي لنظام مايوو لم تتمكن من تحطيم المغطى من ترسانة ذلك النظام الديكتاتوري الشمولي
حوار: محمد الفاتح العالم Feb 27th, 2012
حوار المستقبل ..لماذا ؟
سنحاول عبر سلسلة (حوار المستقبل) الغوص في أعماق القضايا الملحة علي ساحة العمل السياسي والإقتصادي والإجتماعي، في محاولة لتنزيل مفاصل برنامج الحزب الشيوعي علي أرض الواقع، حتي لايكون مجرد وثيقة مكتوبة ومحفوظة علي الرف، نحاول أن نساهم في جعل التحليل في صحيفة (الميدان) مستندأ علي أرضية فكرية تتأس علي واقع برنامج الحزب والذي طُرح منذ مؤتمره الخامس في يناير 2009م. اضافة للحوار حول القضايا الوطنية المختلفة .نبتدر هذه الحوارات مع د. الشفيع خضر سعيد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، والكاتب الراتب في صحيفة (الميدان) حول ما ورد في مجموعة مقالاته التي يكتبها أسبوعياً في الصحيفة بعنوان (قراءة في المشهد السياسي) في الفترة من 5-26 يناير الماضي، حول قضايا التغيير، البديل وآليات التغيير، الإصلاح والبديل محاولين أن نستشف من ذلك ما وراء سطور رؤيته لقضايا التغيير وسبر غور المصطلحات والأفكار السياسية الوارد في مقالاته.
مفاهيم ودلالات المصطلح السياسي ** مرحبا بكم د. الشفيع في حوار المستقبل..
= أهلا وسهلا، وكل التقدير لجنود الميدان وهم ينحتون الصخر. كما لا بد من تسجيل الإشادة بفكرة “حوار المستقبل” النيرة، وآمل إستمرارها وتطورها وتنوعها.
**تعج الساحة السياسية السودانية بالعديد من المصطلحات والمسميات حول مفهوم التغيير، فهناك من يتحدث عن إسقاط النظام، والبعض يتحدث عن التغيير وهناك من يتحدث عن الإصلاح، ماهي القاعدة الفكرية للمصطلح السياسي عموما؟ً
= الحديث عن المفهوم والمصطلح، بالضرورة يجعلنا نقترب من حقل الفلسفة، وتحديدا حقل المعرفة المنطقية، فنتعرف أولا على عملية التجريد والتي عبرها يتحقق الإنتقال من الأحاسيس إلى التفكير. والتجريد يعني أن يتم إبراز كل ما هو عام وجوهري ومشترك في الواقع، في حين يتم التغاضي عن سماته الثانوية، وفي نفس الوقت تتم إعادة تصنيف وتنظيم الروابط والعلاقات والعناصر الموجودة في هذا الواقع، وإضافة سمات جديدة إليها. أما ناتج عملية التجريد هذه فيشار إليها بالمفاهيم. ويعرّف المصطلح بأنه “رمز” ما، يجري التوافق عليه من أجل تحقيق وضوح رؤية البرنامج أو الفكرة المطروحة، وهو جزء من تاريخ الفكر. ونظريا، يفترض أن يكون المصطلح محايدا، بصيغة ما، وغير محتكر لأي جهة، وهو يتطور في معناه من خلال عمليات التفاعل والحراك، في الطبيعة أو المجتمع. وعموما، يشار إلى المصطلح بأنه أداة عند المفهوم الذي لا يمكن عزله من التطوارات الآيديولوجية. وهكذا، تتلون المفاهيم والمصطلحات السياسية عند التيارات المختلفة بحسب القاعدة الفكرية والخلفية الآيديولوجية والأهداف، للتيار المعين. والمصطلح السياسي، عادة ما يخرج من رحم الإستراتيجيات التي يهدف إليها الناشطون في المجال المحدد، ويرتبط بالتاكتيكات التي يتبعونها، وهو يتلون بالأدبيات المطروحة التي تغذي شعارات المرحلة، ويكون مصبوغا بصبغتها الآيديولوجية. مثلا، مصطلح أو مفهوم تغيير النظام بالنسبة لي يعني عملية مركبة تبدأ بإسقاط النظام كمدخل لإرساء بديل مغاير له، في حين هي، عند البعض، مجرد إجراء إصلاحات في النظام، وعند آخرين، المشاركة في النظام من أجل تغييره…وهكذا.
الدور القيادي للحزب : **مر السودان بتجربتين تم فيهما إزاحة أنظمة ديكتاتورية عن دفة الحكم عبر عمل جماهيري في أكتوبر 1964 وأبريل 1985، فهل هناك أي إختلافات جوهرية تجعلنا نطلق علي ما تم في أكتوبر (ثورة) وما تم في أبريل (إنتفاضة)؟
= يمكننا تناول الأمر من منصة ماركس/إنجلز، عندما إرتبط التعريف العام للثورة بالمرجعية التاريخية المتصلة بثورة 1789 الفرنسية، بإعتبارها سيرورة سياسية وإجتماعية طويلة المدى، وبإعتبارها أيضا “لحظة” تندرج في ضرب من فلسفة التاريخ. وبالتالي، فإن أي تغيير جذري لما هو قديم، هو ثورة، تماما مثلما أدت التظاهرات والاضرابات الجماهيرية في الثورة الفرنسية إلى الإطاحة بالحكم القديم وإرساء شكل حكم جديد في فرنسا. وحتى في مجالات المعرفة الطبيعية يتم التعامل مع مصطلح ثورة بهذا الفهم، فهنالك الثورة التي أحدثها كوبرنيكس في علم الفلك، اينشتين في الفيزياء، داروين في البيولوجيا…الخ. لكن من المهم الإشارة إلى أنه ليس كل ثورة يجب أن تنتصر، أو حتى أن تكون شاملة، كما إنها يمكن أن تكون عفوية أو منظمة، أي ليس لزاماً أن يكون هناك حزباً قيادياً لكي تحدث الثورة………..
مقاطعاً: ولكن الا يتعارض عدم إلزامية وجود حزب قيادي مع طرح الدور القيادي للأحزاب الطليعية في التغيير؟
قطعا لا…الدور القيادي للحزب هام وأساسي في إنضاج العامل الذاتي في الثورة، بدءاً من كسر حاجز الخوف مثلاً مرورا بتطوير النشاط الإحتجاجي، تنظيم الجماهير ورفع حسها الإنتفاضي، إبتداع آليات العمل السياسي، المساهمة في خلق التراكمات الضرورية، فتح مجالات جديدة في العمل السياسي، تطويرالقضايا المطلبية وسبر غور جوهرها السياسي…الخ. وبالتالي لا أعتقد أن الدور القيادي للحزب يعني مثلا أن يقوم الحزب بتحديد تاريخ إنفجار الثورة باليوم والساعة، أو أن الجماهير ستفرمل سرعة حركتها حتى يحدد لها الحزب موعد الإنفجار، على العكس في هذه الحالة الجماهير في الغالب ستتخطى الحزب وسائر القيادات. أرى أن الجوهري هو وعي الحزب القائد بضرورة إستعداده للتعامل مع حالة الإنفجار الثوري عند حدوثه، وتفجير كل طاقاته لتقديم مساهمته القيادية في السير بالثورة في وجهتها السليمة المتطابقة مع هتافات الجماهير، والحفاظ على موازين القوى في الدرجة التي تمنع الإنتكاس بالثورة.
أما الإنتفاضة، فهي النشاط والحراك الجماهيري المتمثل في الإضراب والتظاهر والعصيان…الخ، أي هي تعبير للشكل الذي تتم به الثورة، هي شكل من أشكال الثورة، وهي أيضا قد تكون عفوية أو منظمة. ومن ناحية أخرى، قد تتوفر كل سمات الإنتفاضة من إضراب ومظاهرات وخلافه، دون أن يصل ذلك حد الثورة، أي الإطاحة الكاملة بالقديم وإرساء الجديد. لكن، من الخطأ فهم الإنتفاضة وكأنها مستوى النشاط الشعبي الأدنى من الثورة. وأعتقد من المهم هنا الوقوف عند تلك المفارقة المعروفة، وأقصد عندما يتحدث الجميع عن ثورة يوليو المصرية، وكأنهم ربما لا يتذكرون أن تلك الثورة بدأت بإنقلاب عسكري نفذته مجموعة صغيرة من ضباط الجيش. لكن ما تبع ذلك الإنقلاب، بعد الإطاحة بالملكية وإقامة الجمهورية، من ضرب للإقطاع وتمليك الأراضي للفلاحين عبر قرارات الإصلاح الزراعي الثورية، ومحاولة توفير الخدمات الضرورية للمواطن من قبل مؤسسات القطاع العام، ودعم حركات التحرر الوطني في المنطقة…الخ، جعل الجماهير المصرية تلتف حول تلك المنجزات محولة الإنقلاب إلى ثورة. يقول شاعر الشعب محجوب شريف: (شعبي عارف إنه عمر الثورة ما هو عامين أو ثلاثة….، إنه عمر الثورة بمنجزاتها…، لما يدخل كل بيت كراس ولمبة..، ولما طعم الخبز يدخل عشة عشة).. وعموما، فإن إمكانية هزيمة الثورة وإنتصار الثورة المضادة، تصبح أكبر كلما غاب الطابع الجماهيري الإنتفاضي عن التغيير، غض النظر عن شعاراته وما يعلنه من أهداف.
من زاوية ثانية، ولمزيد من التوضيح، ربما يكون مفيدا إذا تساءلنا عن من سمى أكتوبر ثورة وأبريل إنتفاضة؟ وهل وجدت هذه التسميات أي إعتراضات أو مغالطات من قوى الحراك المختلفة من أحزاب، نقابات، أكاديميين ومفكرين، تنظيمات المجتمع المدني..الخ؟ في أدبنا الحزبي وردت هذه التسميات كما هي متداولة في خطابات وأدبيات الحراك الجماهيري، بدون شروط مقعرة…وأعتقد، أنه في مثل هذه الحالات، الثورية، تتم الصياغة من خلال العقل الجمعي عند سائر الشعب، فتصبح بذلك ملكيتها الفكرية للشعب دون سواه. ومن الواضح أن أكتوبر 1964 رسخت في ذاكرة الشعب السوداني كثورة، بينما تعاملت ذات الذاكرة مع أبريل 1985 كإنتفاضة، رغم أن كليهما إتبعا نفس تاكتيك التظاهر والعصيان المدني والاضراب السياسي للإطاحة بالنظام الحاكم. وربما يعود ذلك إلى أن الثوار في اكتوبر استلموا السلطة مباشرة عبر جبهة الهيئات وأصدروا عددا من القرارات الثورية التي كانت ضمن شعارات الثورة، بما في ذلك تعديل الدستور. بينما في ابريل لم تكن الشحنة الثورية كافية لتنفيذ تدابير كتلك التي تمت في اكتوبر. كما إنه، ومنذ البداية، إستلم السلطة مجلس عسكري على رأسه قائد الجيش في نظام نميري.
تأسيس ام اعادة بناء؟ : **إستخدمت في مقالاتك مصطلح (تأسيس الدولة الوطنية السودانية)، في حين أن وثائق الحزب تتحدث عن البرنامج الوطني الديمقراطي وبناء التحالف الوطني الديمقراطي وقيام سلطته السياسية وجهاز دولته القريب من الشعب، إلي أي مدي تقترب أو تختلف الدولة الوطنية السودانية التي أشرت إليها مما ورد في برنامج الحزب المجاز في مؤتمره الخامس؟
= مصطلح تأسيس، أو إعادة بناء الدولة الوطنية السودانية، يقصد به التصدي لقضايا بناء دولة ما بعد خروج المستعمر، Post independence National State إي إستكمال إستقلالنا السياسي ببناء الدولة الوطنية المستقلة التي يتوافق الجميع على العيش فيها بمختلف مكوناتهم القومية والفكرية والسياسية والآيديولوجية، وذلك عبر الإتفاق حول ما أصطلح على تسميته بالقضايا أو المهام التأسيسية للدولة مثل شكل الحكم، علاقة الدين بالدولة، الهوية، مؤسسات وهياكل الدولة…الخ. وللأسف، في السودان هذه المهام التأسيسية لم تنجز، منذ فجر الإستقلال وحتى اللحظة، حيث فشلت كل القوى، المدنية والعسكرية، التي تعاقبت في الحكم في إنجازها، أو تصدت لها بمعالجات قاصرة. ونحن في الحزب، كنا قد طرحنا في عام 1956 برنامجنا حول إستكمال إستقلالنا السياسي بإنجاز تلك المهام، واليوم وبالنظر إلى الحال الذي وصل إليه البلد، نطرح، ليس فقط إستكمال إستقلالنا السياسي، بل إعادة بناء الدولة الوطنية التي نشهد فيها مظاهر التفكك وإستيطان الحرب الأهلية ونتائجها المدمرة: أين الجنوب؟ إلى أين تسير دارفور، الشرق، جنوب كردفان، النيل الأزرق…؟ والدعوة لإعادة بناء الدولة الوطنية السودانية، تلقي بواجبات وتحديات ضخمة في جبهات عديدة، في صدارتها خلق وحدة حقيقية لما تبقى من السودان، ورتق نسيج المجتمع السوداني، وكل ذلك على قاعدة التنوع والتعدد الإثني والثقافي والديني واللغوي…الخ، حتى نستطيع أن نعيد لكتب مرحلة الأساس إجابات البطل علي عبد اللطيف بأنه سوداني على أسئلة ما جنسيتك..وما قبيلتك…. إذن، قضية تأسيس الدولة الوطنية السودانية ما زالت هدفا ينتظر التحقيق منذ الإستقلال، وهو هدف مشترك يجمعنا مع القوى السياسية والإجتماعية الأخرى، ومن هنا جاءت دعوتنا لعقد المؤتمر القومي الدستوري، ومشروع الإجماع الوطني… صحيح أن القوى السياسية/ الاجتماعية المختلفة تختلف رؤاها لتحقيق مشروع إعادة البناء. فهنالك من يسعى لبناء الدولة السودانية وفق مرجعية دينية، وآخرون من منطلق مشروع التنمية الرأسمالي..الخ. أما نحن، في الحزب الشيوعي، فنطرح البرنامج الوطني الديمقراطي، في نفس الوقت الذي نسعى فيه للتفاهم والإتفاق مع القوى الأخرى التي ترى، معنا، أن المشكلة السودانية أكثر تعقيدا من أن تحل وفق وجهة نظر طرف واحد، أو أيديولوجية بعينها. انظر وتأمل شعارات وبرامج العديد من القوى التي تناضل من أجل تغيير جذري في البلاد لصالح المجموعات أو القوميات التي تعبر عنها، مثل حركات دارفور، حركات الشرق..الخ، ستجدها تقترب كثيرا من طرحنا حول البرنامج الوطني الديمقراطي. فهي أيضا تطرح العدالة في المشاركة في السلطة وفي توزيع الموارد وإقتسام الثروة، وتطرح الديمقراطية المرتبطة بلقمة العيش أو ذات المضمون الإجتماعي، كما تتحدث عن إدارة البلاد وفق صيغة أو معادلة تعكس التنوع والتعدد في إطار الوحدة…، كل هذه من صميم مضامين برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية. أعتقد أن طرحنا في ما كتبناه من مقالات، يتطابق مع ما جاء في وثائق الحزب. وحتى نتبين ذلك، نقرأ معا في التقرير السياسي المجاز في مؤتمرنا الخامس، تحت بند المشروع الوطني الديمقراطي والتحول الاشتراكي: (ظلت القضية المركزية لدى حزبنا هي قضية الثورة السودانية، في تجلياتها السياسية والاقتصادية والإجتماعية، وفي تدرجها صعوداً وهبوطا، عبر الفترات المختلفة في مسار هذه الثورة. وجرت تسمية هذه القضايا في وثيقة المؤتمر الثالث للحزب، المنعقد في فبراير 1956، بالمشروع الوطني الديمقراطي. وهو برنامج نضالي للتغيير الاجتماعي، وتحالف اجتماعي/ سياسي عريض في المدينة والريف حسب واقع التعدد والتنوع في السودان، وسلطة سياسية لهذا التحالف تضطلع بأعباء تنفيذ البرنامج الوطني الديمقراطي. ثم اسهم المؤتمر الرابع للحزب في أكتوبر 1967، في معالجة وتطوير قضايا هذا المشروع استناداً إلى دراسة باطنية للمجتمع السوداني، وإلى التجارب التي تراكمت عبر نضال جماهير الشعب على طريق بناء الحلف الوطني الديمقراطي وقيام السلطة السياسية لهذا التحالف. وكان ذلك النضال قد بدأ في التبلور منذ فترة الحكم الذاتي (1954-1956) حول قضايا دعم الاستقلال السياسي بالديمقراطية والتنمية والإصلاح الزراعي والثورة الثقافية وديمقراطية التعليم وتوفير الخدمات والحل الديمقراطي للمسالة القومية…الخ).
كيف يحدث التغيير ؟
**ماذا تعني بالتغيير الوارد في مقالاتك؟
= التغيير الذي أعنيه، هو عملية مركبة process تبدأ بإسقاط النظام، ثم مرحلة خلق وبناء بديل تتوافق عليه كل المكونات السودانية بهدف الإبقاء على السودان، وطنا للتعدد والتنوع الإثني والثقافي والديني، وبوتقة للتعايش السلمي. ثم مرحلة الإستفادة من الواقع الجديد الذي سينشأ، في السير قدما لإستكمال البرنامج الوطني الديمقراطي. وأعتقد لن تفوت عليك، أو على القارئ، إن تقسيم المراحل الوارد هنا هو بغرض التوضيح فقط، إذ أن المسألة في الواقع متداخلة تماما.
**بعد نجاح الإنتفاضة في 1985م بإسقاط ديكتاتورية مايو طرح شعار (إزالة آثار مايو)، وقبلها شعار (التطهير) في أكتوبر 64، وعلي المستوي الإقليمي مازالت الإحتجاجات مطالبة بإزالة آثار حكم مبارك في مصر، وبن علي في تونس والقذافي في ليبيا، إلي أي مدي يرتبط مفهوم التغيير الذي تطرحه بالإزالة الكاملة لترسانة هذه الديكتاتوريات؟
= أي تغيير حقيقي يفترض العمل على إزالة ترسانة النظام القديم، هذه بديهية لا تحتاج إلى نقاش. لكن، وبما أنك ذكرت شعار التطهير في أكتوبر 1964، فهذه فرصة لكي أقول بأن ما تم آنذاك بإسم شعار التطهير يحتاج منا إلى تقييم وإعادة نظر. أما نظام مايو، فنميري بنى ترسانة ضخمة وكريهة من آليات القمع والقوانين والممارسات والرموز، وكذلك ترسانة إقتصادية فرخت وجوداً طفيلياً في السوق، والذي في فترة لاحقة تسربل بإسم الإسلام. وكل مكونات هذه الترسانة كانت معادية للشعب ولخط تطور البلاد. وإذا قارنا فترة مايو، 16 سنة، بفترة عبود، 6 سنوات، سنجد أن شعار إزالة آثار مايو كان صغيرا بالنسبة لمهمة كبيرة. إنتفاضة أبريل نجحت فقط في إزالة الغطاء السياسي لنظام مايو، في حين لم تتمكن من تحطيم المغطى من ترسانة ذلك النظام الديكتاتوري الشمولي. لذلك عندما جاءت الإنقاذ، كانت بمثابة غطاء سياسي جديد لترسانة قديمة، أي جاء غطاء يتطابق مع مغطى موجود أصلا، بل وإزدادت الترسانة رسوخا، نوعا وكما، خلال أكثر من عقدين من الزمان. ومن هنا فأن الناس سيواجهون واقعاً أكثر صعوبة بعد إسقاط الإنقاذ ، ولكنه أكثر إلحاحاً لجهة تحقيق التغيير المنشود. وبالمناسبة، الترسانة الجديدة/الحالية تخطت حاجز المكون المادي لتضم قيما وثقافة وسلوكيات تقع في الجانب المعاكس لكل ما هو خير وجميل من قيم الشعب السوداني والقيم الانسانية العامة.
الإصلاح والبديل: **أشرت في مقالاتك إلي( أن الخطوة الأولي للإصلاح هي ذهاب نظام الإنقاذ، ثم من بعد ذلك نتفق) ماهي الآلية التي يمكن بها إسقاط النظام؟
= الجملة المفتاحية، أو عضم الظهر في هذه الآلية، هي النشاط الجماهيري وتحت هذه الجملة المفتاحية يمكننا إبتداع عشرات التفريعات المحتملة، والتي، بالضرورة، تتكامل مع بعضها البعض.
**الا تشير عبارة (ثم بعد ذلك نتفق) إلي قصور في الرؤية للحل الشامل، وفتح الباب لإحتمالات غير مدروسة؟
= أنا قلت أن الخطوة الأولى هي ذهاب نظام الإنقاذ، ثم بعد ذلك نتفق…هل أفهم من سؤالك أنك من أنصار وبعد ذلك نختلف؟! لا لست من أنصار الخلاف بعد الخطوة الأولي، ولكني أعتقد أن عبارة (ثم بعد ذلك نتفق) تعطي الإنطباع بعدم تكامل مكونات الحل المطروح أي أن المسألة متروكة لظروفها دون رؤية مسبقة متكاملة؟ نعم أعتقد أنه هناك حاجة لتوضيح هذه النقطة، أعني إذا نجحنا في خطوة ذهاب النظام، فإن الفرصة ستكون كبيرة جدا للإتفاق حول المرحلة التالية. ثم مع من نتفق ومع من نختلف؟! بعد ذهاب النظام، نحن سنسعى للإتفاق مع أوسع قوى ممكنة حتى ننشل البلاد من وهدتها. أم إنك تعتقد أننا سنصاب بالتوهان السياسى فلا ندري مع من نتفق ومع من نختلف؟؟ وحتى لا نتحدث خارج النص، أحيلك إلى وثيقة هامة من وثائق الحزب: هى دورة اللجنة المركزية، أغسطس 2003، والتي تناولت وثيقة “مشروع الإجماع الوطني” التي أصدرها التجمع آنذاك، مؤكدة أن المشروع سيساعد ويدفع الصراع السياسي، بعد توقيع إتفاق السلام، وتعديل موازين القوى لمصلحة السلام والوحدة وتصفية الشمولية وارساء دعائم الديمقراطية. ومن الواضح أن اللجنة المركزية تتحدث عن إتفاق، أو إجماع. . هذا هو الإتفاق الذي قصدته.
البديل من خلال الهدم والبناء : **في حديثك عن البديل ذكرت أنه (لن يكون مجرد إحلال وإبدال يتم بموجبها مجرد إستبدال الجالسين علي كراسي الحكم بآخرين …… البديل عملية مركبة فيها الهدم والبناء في آن واحد، الهدم يعني ذهاب هذا النظام، أما البناء يعني قيام قوي التغيير الواسعة……….الخ) يعتقد البعض أن هذه المؤشرات عامة وقد تصلح في أي زمان ومكان، وتعتمد علي مؤشرات اللغة أكثر من كونها طرح سياسي واضح. ما قولك في ذلك؟
=إعتقاد هؤلاء البعض كان سيكون صحيحا لو كان حديثي انتهى بكلمة (..إلخ) الواردة في سؤالك. لكن حديثي لم ينته عند كلمة إلخ، بل إن بقيته هي الأهم، وهي التي تحول تلك المؤشرات العامة إلى طرح سياسي محدد الملامح والقسمات، ألخصه في الآتي: أولا: بناء أوسع جبهة ممكنة من أجل تصعيد النضال السياسي الجماهيري لتغيير النظام.
ثانيا: قيام قوى التغيير الواسعة هذه، بإعادة تجميع نفسها والجلوس مع بعضها البعض من أجل التراضي والتوافق على مشروع وطني، يوقف الحرب الأهلية ويرسي قواعد سلام عادل وشامل، ويحقق التحول الديمقراطي الكامل وضمان الحريات وحقوق الانسان وحكم القانون، ويصفي دولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن القائمة على أساس قومي لا مركزي، يخاطب مطالب وتطلعات المهمشين والمظلومين، ويلتزم العدل في اقتسام السلطة والثروة ويراعي التعدد الإثني والديني والثقافي والنوعي.
ثالثا: الماعون الملائم لخلق هذا التراضي وهذا التوافق هو المؤتمر القومي الدستوري. رابعا: إلتئام ونجاح المؤتمر الدستوري يتطلب مناخا ملائما من الديمقراطية والحريات الكاملة.
**طرح الحزب الشيوعي قضية البديل في فترات سياسية مختلفة، كان جوهرها الحرص علي تأسيس البنيات الديمقراطية بعد إسقاط الأنظمة الديكتاتورية ومن ثم الإنطلاق للمراحل اللاحقة، علي ماذا يتأسس طرحك للبديل في مقالاتك؟
= حيثيات سؤالك هذا هي المؤشرات العامة بذاتها التي تصلح لأي مكان وزمان. فبالطبع أي بديل للأنظمة الديكتاتورية، في أي فترة زمنية، وفي أي مكان، وليس في السودان وحده، يبدأ بالحرص على تأسيس البنيات الديمقراطية بعد إسقاط النظم الديكتاتورية ومن ثم الإنطلاق للمراحل اللاحقة…هذا كلام مفهوم، لكنه عام. أعتقد من المهم مناقشة إجابة هذا السؤال مقرونة بإجابة السؤال السابق. وعموما، فإن طرحي للبديل، وهو بالمناسبة مستخلص من طرح الحزب الشيوعي السوداني المجاز في مؤتمره الخامس، يتأسس على عدد من الركائز، أهمها:
أولا: تطور الثورة الاجتماعية في السودان، يرتبط بترسيخ مضامين الديمقراطية السياسية التعددية، وسيادة مفاهيم المجتمع المدني الديمقراطي. هذا التطور لا يرتبط بحزب واحد ولا بطبقة واحدة، بل يرتبط بالمشاركة الواسعة، بتداول السلطة، بعدم إلغاء الآخر، أو إعلان أن التغيير يمكن أن ينجز بواسطة حزب واحد أو طبقة واحدة.
ثانيا: أي تغيير قادم في السودان لا يهز في وقت واحد البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي، سيظل مشوها وناقصا ويحمل في طياته إمكانية الانتكاسة.
ثالثا: لكن استكمال هذه العملية، لن يتم بالرغبة الذاتية. وإنما عبر صراع طويل يشكل الأساس حول كيفية إعادة اصطفاف قوى التغيير، في مرحلة لاحقة، بالارتكاز على أربعة نقاط أساسية هي: أ- الطابع الجماهيري لعملية التغيير (الانتفاضة). ب- التعددية بمفهومها الواسع والذي يلبي الواقع السياسي والاجتماعي والعرقي والثقافي والديني. ج- الديمقراطية الواسعة المرتبطة بواقع التعددية أعلاه، والتي تمارس وفق أرضية سودانية تلبي في الأساس الحاجات الرئيسية للمواطن ( لقمة العيش). د- دور المناطق المهمشة وقضايا القوميات في اتجاه جذب الحركات المناضلة في هذه المناطق للتحالف مع قوى القطاع الحديث بهدف تفجير التغيير السياسي الاجتماعي للتصدي لعلاج المشكل السوداني، حيث في إطار ذلك سيتم حل قضايا مناطقهم التي عانت طويلا من التهميش والإهمال والظلم
|
|
|
|
|
|
|
|
|