|
|
 سياسة لا ديانة... أُستاذُ البنّا أيّد الشيوعية! (رشيد الخيون)
|
رشيد الخيّون
سياسة لا ديانة... أُستاذُ البنّا أيّد الشيوعية!
تاريخ النشر: الأربعاء 06 يونيو 2012
يغضب الإسلاميون عندما يُقال لهم: إنهم يعملون سياسة لا ديانة، بل يتطرفون بالقول ويعتبرون السياسة عبادة، ويرفضون فرز الإسلام السياسي وتمييزه عن الإسلام الدين قائلين: إنه توصيف غربي علماني، شأنه شأن القول: إسلام أميركي وإسلام أفريقي... إلى غير ذلك. لكن الحوادث تؤكد أن السياسة شيء والعبادة شيء آخر، ومِن حق المسلمين، الذين لا يقرون مزج الدين بالسياسة، أن يتميزوا أنفسهم عن النشطاء في الأحزاب الدينية، والذين يستغلون صلاة الجمعة وخطبتها ليتوجهوا إلى جمهور المسلمين بدعوتهم السياسية في جوهرها والدينية في ظاهرها، نعم كل إسلامي مسلم لكن ليس كل مسلم إسلامي.
كان الشّيخ محمد رشيد رضا (ت 1935)، العراقي الأصل واللبناني الولادة والمصري المقام (الزَّركلي، الأعلام)، تلميذاً للشيخ محمد عبده (ت 1902)، لكنه توجه جامعاً بين عدة مشارب ومنها السلفية، واشتهر بإصدار مجلة "المنار" وكتاب تفسير "المنار". وكان مؤسس "الإخوان المسلمين" الشيخ حسن البنا (اغتيل 1949) قد صاحبه وتتلمذ عليه.
كتب شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي (ت 1945): "والآن قد علمتُ أن الأستاذ حسن البنا يريد أن يبعث المنار، ويعيد سيرته الأولى فسرَّني هذا... فإني أرجو للأستاذ البنا أن يسير على سيرة السيد رشيد رضا، وأن يلازمه التوفيق كما صاحب السيد رشيد رضا، والله هو المعين، عليه نتوكل وبه نستعين" (شبكة أنا المسلم).
وحسب مصادر "الإخوان المسلمين" فإن مرشدهم فطن إلى الإسلام السياسي مِن تلك التلمذة، وهم يتحدثون عن الشيخ رضا: "ثم ألقى بهذه البذرة إلى تلميذه الوفي الولي الإمام الشهيد حسن البنا، الذي خالف شيخه في فروع بسيطة لكنه كان حسن الذِّكر للسيد رشيد مقراً له بفضله في تقويم الصحوة الإسلامية بل وبعثها من بعد سكن وراحة بال" (الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين).
تلك مقدمة لمعرفة جذر من جذور "الإخوان المسلمين"، وعلى ما يبدو كانت سلفية، لكن السياسة عادة تغلب على الديانة، فها هم السلفية و"الإخوان" في تحاسد وتخالف داخل مصر، فبأي حق يعتبرون السياسة عِبادة وهي الدين كله؟! فخلافة النبوة غير خلافة المُلك (رسائل إخوان الصفاء). لأجل موقف اقتضته السياسة، وهي المتغيرة والعبادة هي الثابتة، دافع محمد رشيد رضا عن الثورة الشيوعية بروسيا. جاء في مقال الشَّيخ رضا، الذي ملأ خمس صفحات، وتحت عنوان "الاشتراكية والبلشفية والدين"، رداً على الحملة التي شُنت ضد ثورة لينين ورفاقه: "كثر ذم البرقيات والصحف الأوروبية في البلشفية، التي فشت في روسيا، وما جاورها من أوروبا وآسيا، فوصفت بأنها عبارة عن فوضى وهرج، وسفك دماء، وانتهاك أعراض، وسلب أموال بغير قانون ولا نظام. ونرى جميع الدول الراقية خائفة من سريانها إلى بلادها وغلبتها على أنظمتها وقوانينها ودينها وآدابها... وقد عهد الناس من لسان السياسة ذم الحسَن ومدح القبيح، وغير ذلك من قلب الحقائق. لذا نرى الناس يرجون من البلشفية خيراً، وإن لم يعرفوا حقيقتها، ويودون لو يعرفون معناها، ويقفون على أنظمتها". وأضاف قائلاً: "تُحارب إنجلترا وأحلافها البلشفية بالقول والفعل والمال والدِّين، وقد كلفت الشيخ محمد بخيت، مفتي ديار مصر، فأفتى في جواب سؤال بأن البلشفية محرمة في الإسلام، وفي كل دين لأنها عبارة عن الإباحة المطلقة للدماء والأموال والأعراض، وجعلها عين المزدكية والزردشتية، التي ظهرت في أمة الفرس. فرد عليه كثير من الكتاب الأزهريين وغير الأزهريين، من الجهة التاريخية والدينية وغير الدينية. وكثر خوض الجرائد المصرية في ذلك. ولكن الحكومة المصرية أخذت صورة فتواه الخطية بآلة التصوير الشمسي، ونقشتها في لوح معدني، وطبعت عنها نسخاً كثيرة، لم يوزع شيء منها بمصر، فالظاهر أنها توزع في بعض البلاد الإسلامية الآسيوية، التي سرت إليها البلشفية".
وهنا يأتي التأييد والدِّفاع: "إن الذي فهمنا من مجموع ما اطلعنا عليه في البلشفية أنها عين الاشتراكية، المقصود منها إزالة سلطان أرباب الأموال، الطامعين وأعوانهم من الحكام الناصرين لهم، الذين وضعوا قوانينهم المادية قواعد هضم حقوق العمال في بلادهم، واستعمار بلاد المستضعفين من غيرهم، وإن معناها الحرفي الأكثرية، فالمراد منها أن يكون الحكم الحقيقي في كل شعب للأكثرية …" (مجلة المنار، المجلد 12 المؤرخ في: 26 أغسطس 1919).
وتحت تأثير محاربة الاستعمار لم يلتفت شيخ دين كبير بحجم محمد رشيد رضا إلى ما شاع عن كارل ماركس (ت 1883) مِن مقولة "الدين أفيون الشعوب"، تلك التي راجت بقوة، مع أن معناها الدِّين يُريح آهات المضطهدين، وتلك قصة أُخرى. لكن كيف تبدلت الأحوال وتغيرت الدنيا واقتضت السياسة أن تصبح البلشفية (مفردة روسية معناها الأكثرية) والاشتراكية بالمنطقة وسريانها العارم عدوة الإسلام السياسي الأولى، ممثلاً بـ"الإخوان المسلمين"، خلافاً لما اقتضت في وقت آخر أن يُدافع عنها أب الإسلام السياسي الشيخ محمد رشيد رضا؟
آنذاك أسفرت ثورة أكتوبر الاشتراكية بروسيا مِن جذب لمبادئها وأفكارها، وهي تُقدم المساواة والعدالة الاجتماعية كهدف أساسي لها، وما أعلنته على لسان زعيمها لينين (ت 1924) مِن عزمها على نصرة الشعوب في التحرر مِن الاستعمار، فأيدها شيخ السَّلفية و"الإخوان" لأجل تلك اللحظة. تأسست بأثرها أحزاب شيوعية واشتراكية بالبلدان العربية والإسلامية، حتى إن عدداً مِن هذه الأحزاب صار على أبواب تسلم السلطة في يوم ما، مثل الحزب الشيوعي السوداني، والحزب الشيوعي العراقي، وما للحزب الشيوعي المصري مِن تأثير على وعي الحركة العمالية بمصر.
على أية حال، مَن ينظر في جاذبية ثورة أكتوبر الاشتراكية (قامت في نوفمبر 1917 لكنها عُرفت بثورة أكتوبر حسب التقويم الروسي القديم) لا يفاجئه موقف الشيخ محمد رشيد رضا الإيجابي منها، لكن الذي يعنينا، وتلك أيام انتهت، أن السياسة تتغير والدين ثابت، فمِن الانتهازية والإضرار في الدين أن تعبر عنه أحزاب وجماعات تتهادن في الصباح وتتحارب في المساء سياسةً لا عِبادةً. وللرَّصافي (ت 1945): "فإن تهادن قومٌ فانتظر شغباً/ إذ ليس هدنتهم إلا على دخنِ" (الأعمال الشِّعرية الكاملة)، فالسياسة مصالح فيها تهادن وشغب والعبادة لا تقبل غير النقاوة والوضوح. فلا تكذبوا علينا.
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=66219
|
|
 
|
|
|
|
ادريس خليفة علم الهدي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست