علي الجاكومي: فاجأني صديقي بدرالدين ذات مساء شتوي على هامش وليمة أقامها لنا في إحدى مطاعم مدينة دبي الساحرة قائلاً: ياخ عندي طلب واحد بس عاوزك ماتخذلني فيه قلت له: إن شاء الله خير، قال لي: حين زرت قريتكم في أوائل تسعينات القرن المنصرم لفت نظري وجود شخصيات كوميدية تتداولوا عنهم كثير من الطرائف والمفارقات بالله هشام صحبي – نطقها هكذا حيث أنه فيه من نفس المدينة الكثير – زول بحب الحكاوي خلينا نسمع قصة عن واحد من تلكم الشخصيات. قلت له: ياخ مالك يابدر ياخي دائر تحرجنا وتخلينا نركب مكنة الراوي وكده قال لي: لا راوي ولاحاجة بس أدخل لينا في الموضوع طوالي لأنه الزمن روح ياخ هسي الساعة بقت اتنين ونص صباح : تنحنحت ثم قلت: هذا اليوم يبدو مشحوناً بالعواطف السائلة في طرقات دبي : سأحكي لكم عن (علي الجاكومي) ودحلتنا وقريبنا وأنطلقت ضحكة من كل المجموعة التي كانت حاضرة لكن الجاكومي ده ماسمعت بيهو قبل كده عندك ياخ، هكذا قال بدرالدين، قلت له: ده الوكت داك كان صغير. وبدأت القصة: لا أعرف سبب تسميته بالجاكومي ربما تمت تسميته على أحد أبطال مسلسلات الأطفال الكرتونية لكن إسمه هو (علي ودفنقال الريكة)، شاب ثلاثيني طويل وجسم رياضي هادئ الطبع حين يتحدث إليك تشعر أن أفكاره غير مرتبة وبسيطة فهو لم يكمل تعليمه وتوقف عند عتبة الثانوي مات والده العامل البسيط (فنقال الريكة) وهو إسم طابق شخصه كان (فنقال الريكة) مكاجرا (عنيداً) ً متمرد خارج على منظومة الفهم الإجتماعي العام – إعترض على مرور تيار الكهرباء بجوار منزله بحديث فيه نبرة المثقفاتية مدعماً حديثه بحجة ( أن خطورة الكهرباء لايختلف عليها أثنان وأن ذلك منشور في الصحف) هههههه ، ولم يوافق إلا بعد أن أوحى له البعض أن ذلك ربما يعرضه للسجن، فأنتهرهم ليدلل على تماسكه أنا بخاف من السجن؟ أنا فنقال الريكة وسحب عكازه وأخذ يقدل قدلة المحاربين ثم طار في الهواء و(تب) و(التبة) طبعاً ياهشام وبدرالدين معناها أن فنقال الريكة ضرب الأرض برجله بصوت اسمع كل الفريق فقد كان عليه رحمة الله رجلاً هواشاً مفتول العضلات يشتهر بالقوة - كان يحب الحياة بطريقة خاصة تختلف عن أهل القرية في ذلك الزمان فتراه يلاعب الأطفال وبه شغف المراهقون للسينما - وسيلة الترفيه الوحيدة في ذلك الزمان كانت أمنيته أن يذهب لمصر ليرى مصرالتي في خاطره توفي فنقال الريكة والجاكومي لم يتجاوز العشر سنوات بعد ثم توفيت أمه (بت ودالازيرق) والجاكومي في طور المراهقة أظن أن الفقر وعدم الإستقرار الأسري أثرا في تركيبة (الجاكومي).
الجاكومي ودود طيب هين لين الجانب مطيع تجده في المناسبات الإجتماعية خاصة أهله يقوم بالأعمال الشاقة إحضار الصيوان وتجهيزه إحضار الخضار والتلج من مدينة العلم ومن مدينة الأحلام . تراه يحرك سفة التمباك بحركة ضاغطة (يكزز) يتصبب عرقاً و لايكل ولا يمل ولكن تلك الوداعة تتحول إلى ثورة عارمة في لحظة ويهدم الجاكومي كل ماشيده إن قام أحد الذين (لايهضمهم) بتوجيهه (يا الجاكومي بالله زيد التلج ده شوية مويتك دي ماباردة - فينفجر فيه الجاكومي بينما الناس تتساءل الزول ده مالو؟ فيجيب (عسير الهضم) والله بس قلت ليهو زيد التلج ده.
يمتهن حرف النقاشة والبنيان وتوسير العناقريب - وقد جرب العمل كمندوب إعلانات بالخرطوم لكن مجهوداته دائماً تسرق بفعل بساطته لكنه يقنع ويغنم حب زميلاته اللاتي يهاتفنه باستمرار طالبات عودته للعمل وهو بذلك سعيد.
جلسنا ذات يوم على هامش وليمة أقمناها لأحد الأصدقاء بمنزلنا يصحبني الجاكومي ومحمد ودضانقيل رن هاتف الجاكومي أخرجه بسرعة نظر إلى الرقم فتبسم واندفع بعيداً عنا
نظرت إليه أراه يتبسم أحيانا وجبينه متعرق كان يتحدث وكله حياء وخجل وإنكسار ، أوحيت إليه أنني قادم لأتلصص على محادثته فأشار لي بيده أن أمكث مكاني ومرر يده على ميمنة رأسه وصدره ليدلل لي أنه يتحدث إلى أنثى فتبسمت وجلست مكاني أرقبه.
عاد فبادرته بالسؤال: أها ياجاكومي الحنك شنو؟ والجكس خبرو شنو؟ فتبسم. وأطرق ساهماً يحدق في الأرض ويحرك بعض الحصى على السيراميك بــ (الرطب) ) فيكون الصوت مزيجاً من الفحيح والخشخشة والصرير المزعج. - (بتعرف الرطب ياهشام؟) - الرطب بتشديد الراء والطاء -. هو ضرب من الأحذية البلاستيكية رخيصة الثمن رديئة النوعية لايلبس الحذاء أكثر من يوم فتراه مفلطحاً كأنك عبرت به وهاد هذا البلد الكبير، ويعود الإسم لضمير غائب وهو كناية عن حالة نعماء نزلت بمرتدي الحذاء بعد ضراء كانت هي سمته.
هم الجاكومي بالرد على سؤالي لكنه نظر إلى محمد ضانقيل الذي كان يجالسنا ثم إببتسم وأخذ نفساً طويييييييييييلاً وأطلق آهة أخرجت مكنون أحزانه وأشواقه لنصفه المفقود وحلمه الموؤد.
حاولت مساعدته ليتحدث بسؤال:مالك ياعلي ياخ الزولة دي منو ومالا؟
رد علي ببسمة ممزوجة بأسى وكأنه قد فقد شيئاً: ياخ خلوني بالله ثم تناول حافظة الموية ياخ الكركدي ده كلو كملتوا بس في مدة تلفوني ده؟ أنا ريقي نشف ياخ شوفوا لينا أي حاجة نبل بيها حلقنا ده، قوم يا أمين أمش في حافظة جنب الطباخ بهناااااااااك أملأ لي منها الجق ده كركدي وجيبو بسرعة ولو قال ليك أي كلمة تعال بس راجع عشان أقوم أوريهو ليهو والله الطباخين ديل علوق خلاص وعندهم حركات نسوان كيف كيف ماعارف، قبيل الصباح قال لي جيب لي جرسلين أتمسح بيهو البردد شقق لي خشمي ياخ ده زول عجيب خلاص وكمان عامل ليهو ضفر طويل كده ولابس ليهو حاجات في يدينو يكشكشن كشو كشو ، أنا كان ماعاينت ليكم وخفت أخرب ليكم مناسبتكم دي كان رشيتو ليكم بنية فرتقت ليهو سنونو ديل حتة حتة.
عاد أمين بجق الكركدي ولما رآه الجاكومي نهض وزمجر كالأسد: العلق ده قال ليك حاجة؟ إلتفت أمين ليرى العلق قائلاً العلق منو؟ فانتهره خلاص جيب الجق ده هنا ويلا امشي العب بعيد من هنا وشيل معاك السيرمس ده قول لي عواطف وللا عرفة الجاكومي الجاكومي قال ليك أدينا قهوة.
بادرته يا الجاكومي ياخ ماتلف وتدور انا مابنسى بسهولة اها كلمنا عن الحنان بتاع التلفون ياخ ورانا شغل ما تأخرنا يا الجاكومي ياخ فتبسم ومسح شاربه، وقال بالمناسبة الجداد بتاع الغداء انا وديتو الديب فريزر بتاعكم ماتنسوهو بعدين تقولوا الجاكومي ماجابوا ولا طيرو وين قلت له كويييييييييس خش في الموضوع ياخ.
بدأ مرتعشاً وكأنه يريد ان يتخلص من حمل ثقيل: ياخ دي واحدة استاذة من مدني - في هذه اللحظة تدخل محمد ودضانقيل قائلاً أنا حا أعمل ليكم الموسيقى التصورية - وبدأ بصوت هامس حنين يغني بتصرف في رائعة محمد مسكين (من قلب الجزيرة وأرض المحنة برسل للجاكومي أشواقي الكتيرة وترا ريرا لا لا لا لا لااااااا مع حركة رقص يتماهي وإيقاع هذه الأغنية الجميلة التي طالما هدهدت مشاعر العشاق) - وهو يتبسم - عرفني عليها (الرقيق ود ضانقيل) اخو محمد ده، (ومحمد ولا كأنه هنا شغال يغني ويرقص وترا ريرا را لا لا لا لا ) شغالة استاذة عمرها كم وخمسين سنة عندها بيت وابوها عائش معاها، قالت أعرسا وهي تتكفل بأي حاجة، بسسسس. قال كلمة( بس) هذه وكرر حرق السين واستلقى على قفاه كمن وضع عنه أطناناً من الآلام والأحزان والأشواق وأخذ نفساً طويلاً ثم نهض في ذات اللحظة ليغير ايقاع الحديث ويشتت أفكارنا، ياخي امين ده وينو؟ لاجاء هو ولا القهوة النسوان ديل لو مامشيت ليهن هرشتهن مابشتعلن بينا الشغلة فأجلسته وقلت له اقعد ياخ. أمين بجيك هسي دي.
قلت له يا الجاكومي كدي خلينا في الجد إنت فهمك شنو للعرس والمسئولية والبيت وكده يعني عشان نقدر نفكر معاك ونساعدك، فتدخل محمد ضانقيل قال لي ياخ فهم شنو وفكر شنو؟ الجاكومي ده زول دائر يعرس من حيث هو يعني يعرس ويقضي أوطاره والسلام، قلت ليهو : يعرس كيف لا هو شغال وما عنده ولا أوضة عشان يجيب فيها عروسو دي، بالله عليك يامحمد أنا لو كنت بنت يعني أنا أعرس الجاكومي ده عشان شنو؟ قال لي انت مابتعرسو لكن البعرسنوا راقدااااات زي زولة مدني دي أنا عارف موضوعا والرقيق اخوي كلمني عنها، قلت كيف يعني؟ قال لي دي زولة عاوزة السترة بس وقالت انها بس دائرا الجاكومي ده بهيئته اللي إنت شايفا دي، وضحك محمد ودضانقيل ضحكة خبيثة قائلاً طبعاً هي شافت في الجاكومي الرجل الذي يعوضها سنوات الضياع.
وأوما الجاكومي برأسه موافقاً على ماذكره محمد ودضانقيل عن زولة مدني وعن مقدراته البيولوجية ووجه لي حديثه: لكن تعرف المشكلة وين؟ قلت ليهو لا والله أها مشكلة شنو؟ قال لي هي قالت لي إنها بتديني أي مبلغ لمطلوبات العرس بس قالت لي تعال وجيب أهلك ، قلت ليهو والله ده كلام كويس، المشكلة شنو طيب؟ قال لي المشكلة إني ماموافق علي إني أجيب أهلي دي، ضحكت واستفسرته لماذا؟ قال لي: ياخ انا ماعندي حاجة وكلمتها كده تقوم تقول لي جيب اهلك؟ اها أهلي ديل اوديهن ليها كيف يعني؟ إيجار (هايس) وشنو وشنو كده ماعارف، حايقولوا لي جبت القروش دي من وين؟ وهم عارفين إنه أنا أباطي والنجم، ضحكت ضحكة مجلجلة وقلت ليهو: طيب قلت ليها شنو؟ قلت ليها لو موافقة أجي أنا براي ماعندي مانع لكن أجيب أهلي دي مامعاي. وانطلقنا أنا ومحمد ودضانقيل في حالة من الضحك المتواصل.
هدأت نوبة الضحك التي أدخلني فيها الجاكومي بينما ظل محمد مبتسماً فقط و الجاكومي يحرك السكر والقهوة بلاوعي واكتراث لما اطلقه من عبارات، فتداخل محمد ودضانقيل قائلاً ياخ الزول ده عاوز منك إعادة إكتشاف عديل كده، فقلت لمحمد لابد ان يلتزم الجاكومي بعمل محدد ليعرف الناس أنه أصبح جاداً في تعاطيه مع الحياة - بعدها يمكن أن نذهب بعين قوية ونطلب له أي بنت ناس على أن يساعدنا هو بالصوم حتى ذلك الحين فإنه له وجاء أي حافظ وأنا أضحك وأنظر للجاكومي - الذي كان حينها يحدق في التلفازحيث فاتنة لبنانية مجازاً تسمى مذيعة لكنها تصلح لتكون راقصة خمسة نجوم - وحين سمع الجاكومي كلمة الصوم هذه وضع الملعقة وكباية القهوة وانتفض واقفاً: ياخ بالله عليكم بطلوا الفلسفة بتاعتكم دي هسي عليك الله ده وضع يصوموا ليكم فيه؟ وأومأ ناحية التلفاز بينما أشار لنا بأصبعه بحركة فيها من السخف الكثير.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أبوعبيدة محمد الأمين
خضر الطيب
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست