العميد عبد العزيز خالد عثمان .. لكم كنت احترمك!!

Quote: الجيش السوداني خمسون عاما من السياسة تأملات مهنية في انفجارات السبت بقلم العميد (م)عبد العزيز خالد البداية : في الساعة الرابعة وخمسون دقيقة من مساء السبت 7 ابريل 2007 وفي تزامن عجيب مع الذكري الثانية عشرة لانتفاضة ابريل 1985 م والتي انحاز فيها الجيش للشعب انفجرت دانات محملة على عربات أمام سلاح الأسلحة بالخرطوم . سمع سكان العاصمة وإطرافها أصوات انفجارات بل وشاهدوا اللهب بالعين وفي لحظات تناقلت الفضائيات صور الأحداث وبدأ الجميع البحث عن الحقيقة .. البعض ربط الانفجارات بذكري انتفاضة ابر يل 1985م وبدأ حلما عن احتمال انتفاضي بانحياز الجيش للشعب وآخرون ذهبوا إلى دور الحركات الدارفورية ونقل المعركة من الفاشر نيالا والجنينية إلى الخرطوم امدرمان وبحري وفي أذهانهم حادثة المهندسين بين الشرطة وفصيل السيد منى اركو مناوي ومعظمهم سرى فيهم هاجس الانفلات الأمني والاحتقان السياسي . وما بين ربكة المسئولين وذعر المواطنين غرس الحزن أنيابه في بعض الأسر وفقد بعضها (ضناها )كاملا وجزءا من اطرا ف جسده وبدلا من فسحة أمل فتح باب للعزاء، أحر التعازي للأسر التي فقدت ضناها وللجرحى الأمنيات بعاجل الشفاء. الرواية الرسمية : كان الراوي فيها وزير الدفاع المهندس عبد الرحيم محمد حسين والسيد المتحدث الرسمي الدكتور عثمان الاغبش واهم أجزاء الرواية: *انفجار عدد ثلاث عربات محملة بالذخيرة وان العربات الثلاثة قادمة من عطبرة . *إن الغرض هو التخلص من الذخيرة لأنها غير صالحة أو أنها غير مستخدمة بالجيش بعد خروج أسلحتها من الخدمة. *أسباب الانفجار (السخانة )درجة الحرارة العالية وطول الطريق الذي سلكته والاحتكاك بين الدانات أثناء الحركة . الخطوات الرسمية : *تشكيل لجنة حصر الخسائر وتعويض المتضررين. *تشكيل لجنة فنية لمعرفة أسباب الحادث. *اكتمال خطة إستراتيجية لنقل مخازن الأسلحة الثقيلة خارج العاصمة . الرواية الشعبية : *أن عدد العربات (4)وليس (3). * أن العربات لم تكن قادمة من عطبرة وإنما من احد المطارات، وأن الدانات جديدة تم شرائها من إحدى الدول. *إن الغرض استخدامها وليس التخلص منها. *إن أسباب الانفجارات تعود إلى عطل (الاستارتر )لإحدى العربات ومحاولة السائق تشغيلها الخ.. ما بين الرواية الرسمية والشعبية : اتسمت الرواية الرسمية بالربكة والدربكة والتناقض بين الوزير المهندس والمتحدث الدكتور وكان الاستعجال واضحا لتبرير يغطى ليس أسباب الحادث فقط ولكن الأهم الجهات القادمة منها الشاحنات والجهات المتجهة إليها .ولذلك أتت الرواية دون اتساق مع المنطق، فأي فرد مدني دعك من عسكري مبتدأ يجد صعوبة في تقبل رواية من شاكلة السخونة والاحتكاك ووعورة الطريق ففي هذا العصر التقني يشاهد الفرد في التلفاز نقل القوات والذخائر بالطائرات ليس في دول العالم الأول وإنما الثالث أيضا والجيش السوداني له خبرات عالية وأداء مهني عالي في مثل هذه الإعمال الامدادية . والرواية الشعبية بغض النظر عن نسب صحتها تتسم بالمنطقية ويتقبلها العقل ولا تسرد هذه الرواية همسا بل عبر المنبر الشعبي مما يبدو ظاهريا فجوة تنافرية بين الشعب وقوات الشعب المسلحة، ولكن في حقيقة الأمر أن الذي يخلق هذه الصورة التنافرية (التسييس)تسييس كل حادثة صغيرة أو كبيرة، فالسيد الوزير والمتحدث الرسمي ينتميان إلى حزب آحادي ومشروع حضاري يتناقضان وعلاقة الشعب بقوات الشعب، فالمتحدثان لم يتخرجا من الكلية الحربية وإنما تم استيعابهما كفنيين، فمنهج البيان الرسمي الحالي ليس منفصلا عن السياسة التي ظلت تتبعها الإنقاذ خلال 17 عاما تجاه الجيش السوداني والتي أدت إلي فصله عن الشعب وإضعافه ثم إقصائه عن دوره والتحدث باسمه. وتجربة الجيش السوداني خلال الأنظمة العسكرية الأولى (نوفمبر58 والثانية مايو69) تقول إن النظامين الجنرال عبود والجنرال نميري حكما باسم الجيش واستمرا في السلطة باستخدام قوته ولذلك سعيا لتقويته والحفاظ عليه وترسيخ دوره العسكري والسياسي وبالحفاظ على وحدته حفاظا على وحدة الدولة والشعب ودون التطرق هنا إلى شرعية انقلابهما وسياستهما وليس المقصود المقارنة بين النظام الشمولي والديمقراطي وإنما المقصود علاقة النظام الشمولي بالجيش. فتجربة الإنقاذ تعاملت مع عناصر الجيش كعدو يهدد حكمها وهي نفس نظرتها إلى المؤسسات النقابية، وإذا كان في مقدورها الاستغناء عن خدماته لحلته، وإن حاولت عبر الدفاع الشعبي إلا أن المهام الجسام والحروب الداخلية ألجمتها، فاكتفت بالإضعاف وتقليص دوره خاصة الشعبي. وحادثة تفجيرات الدانات تشير أيضا إلي إضعافه المهني وقد لاحظت الأسر المتضررة من الدانات الطائرة تداخل المهام والاختصاصات بين الذي زاروهم في بداية الكارثة ممثلين للجيش- الشرطة- الأمن كل على حدة لدرجة أنهم أثاروا الرعب فيهم وأخرجوهم من منازلهم بدعوي أن انفجار الدانة الذي تم الأول وهناك انفجاراً ثانيا يتبعه في حين يعلم المواطن المتتبع لأفلام الاكشن-أن الدانه حين تصطدم بالحائط وتحدث فيه فجوة كبيرة وتقتل من بالداخل الأخرى (تموت ) فالناظر لأولئك الذين احيوا الدانة بعدما ماتت وشبعت موتا !! السرية والثقة : لم تعد حدود السرية الأمنية كما في العصور السابقة فقد ضاقت مساحات الخطوط الحمراء إلا الذين يعيشون في الكهوف. فالإنقاذ تستخدم ماركة السرية المسجلة خاصتها لحماية نفسها للترهيب وليس لوقاية الوطن من مهددات تمس شعبها ومؤسساته بما فيها قواته المسلحة0 ومن هنا نلاحظ أن البيان الرسمي طغي عليه عامل السرية فأربكه لدرجة انه أبعده عن المنطق، ومثل هذا الدور التبريري السري من التصريحات يولد عدم الثقة وفقدان المصداقية خاصة إذا غشي السرية عدم القدرة المهنية والتجربة العملية والبعد عن التواضع . فكما ذكر المتحدث الرسمي عندما تم تدمير مصنع الشفاء في أغسطس في عام 1998م انه تم بواسطة صواريخ تحملها طائرات قادمة من الشمال كذلك الحال يتكرر في انفجار الدانات يوم السبت 7 ابريل 2007م بسبب السخونة والاحتكاك والارتجاج ولكن البيان لم يذكر لماذا قطعت الدانات المتفجرة مسافات وفي اتجاهات ومختلفة (السجانة ، العمارات ، دار السلام المغاربة ، الموردة ). إحتمال تطاير الدانات العشوائي وارد ولكن الاحتمال الأكبر أن الدانات جاهزة للاستخدام بمعني إن الكبسولات والخراطيش تم توصيلها وهي توصيلات لا تتم إلا عند الاستخدام العملياتي. ربما ينبري احدهم قائلا أن التطور التقني استغنى عن الكبسولات والخراطيش ولكن الصحيح أيضا إن أنواع الأسلحة المستخدمة في السودان ما زالت تحتاج للتوصيلات. أين الضرر إذا صدر بيان يقول أن الذخيرة التي تفجرت كانت في طريقها إلى جهات القتال إمدادا للقوات فمن حق القوات المسلحة أن تجلب احتياجاتها وان سبب الانفجار فني وتتحمل القيادة المسئولية إنسانيا وأخلاقيا وقانونيا بيان شجاع، واعتذار وتحمل للمسئولية، والوقاية من تكراره. مثل هذه الحقيقة تعد المصداقية وتولد الثقة بين الشعب وقواته، وهذا يحتاج إلى أن يبتعد عنها الهواة أصحاب المشاريع الحضارية وان يترك الجيش إلى المحترفين والمؤهلين. فرواية المهندس وزير الدفاع عن ووجود قنابل فسفورية مضيئة غريب فقنابل الإضاءة شيء والفسفورية شيء أخر فإذا كانت الأخيرة موجودة لحرقت أجساد المصابين حرقا ففي مثل هذه السرية الوهمية يتم تغييب بعض القادة المسئولين، ولربما تفاجأ بعضهم بخبر الحادث والرواية الرسمية مثل بقية المواطنين ولكن في أماكن سكنهم في إطراف المدينة يسمعون الرواية الشعبية. الانفجارات ودارفور : تذهب الرواية الشعبية إلى علاقة بين الدانات المتفجرة ودارفور، وأن العربات كانت محطتها الفاشر وليس الخرطوم وأن السرية التي ضربت حولها مرحلتها الأولي قبل الانفجار ضرورية، وذلك لتغطية الجهة الموردة ومنع قوات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي من الحصول على المعلومة حتى لا يفسر جلب الذخيرة بأنه سياسة تصعيديه عسكرية، وعدم الرغبة في السلام وأن الحركة براً أكثر سرية منها جواً، ولكن السرية المنطقية لم تكن مفيدة بعد الانفجار مما جعل البيان الرسمي اكثرضرراً، وبدأ تبريراً سياسيا أكثر منة عسكريا، واستمر هذا النهج في جلسة المجلس الوطني الأربعاء 11 ابريل 2007م خلال إجابة السيد وزير الدفاع عن المسألة المستعجلة التي أثارها المؤتمر الوطني قبل الكتلة المعارضة للإيحاء من جانب بان المؤتمر الوطني الحاكم مهموم بالانفجارات والمواطنين، ومن جانب آخر لتعمية الأعضاء عن القضية الرئيسية، ورغم أن الوزير المهندس تحدث عن تفجيرات العربات والهجوم التشادي على الأراضي السودانية إلا أن الجميع لم يدرك علاقة التفجيرات بالهجوم التشادي . ونجح المؤتمر الوطني في التعمية حين أفاد الوزير بإكمال الخطة الإستراتيجية الخاصة بنقل جميع مخازن الأسلحة الثقيلة إلى خارج العاصمة والمدن ودفع الأعضاء الذين تحدثوا بالتزكية على هذه الجزئية والمطالبة بنقل الجيش وسلاحه خارج العاصمة وهي دعوة حق أريد بها باطل للآتي : *كثيرون يعتقدون أن سبب الانقلابات السودانية، تواجد القوات بالعاصمة، وأن العلاج دفعها خارج نطاق الخطر . ولكن الخطر يكمن في العقلية الإنقلابية عند بعض السياسيين وثلة من العسكريين وإن منع الانقلابات بتحديد الأزمة والتفاوض حولها، والتراضي على دولة التنوع المدنية (دولة المؤسسات) الدولة المدنية الديمقراطية الموحدة. الحل ليس جغرافيا وإنما عقليا وتربويا ففي دول أوربا ذات المساحات الصغيرة توجد المعسكرات داخل المدن ولا تحدث الانقلابات . *الإنقاذ أدخلت الأرض كسلعة مثلها والبترول وينتظرون سانحة خروج القوات لبيعها (مستشفى العيون الذي استشهد فيه عبد الفضيل الماظ نموذجا )بمعنى أن المؤتمر الوطني سعى لتسويق أراضي الجيش بالمدن، وتقنين بيعها من داخل برلمان الشراكة. أيها الرفاق في قيادة الأركان المشتركة انظروا إلى الأرض حولكم ويكفي نظركم. نثق في قدرتكم على وضع خطة اسعافية (Crash Program ) تشمل إعادة توزيع القوات خارج المدن والاهم بناء جيش عصري بمنظور علمي يرتبط عضويا بالدستور والقوانين ويتميز بقدرات احترافية ومرونة تنظيمية أما الأراضي التي ينتظرها الصقور فيمكن الاستفادة منها بمشاريع لضباطكم وجنودكم .. الأراضي ملكم، ومسئوليتكم المحافظة عليها، نخاف أن يأتي يوم لا يرى فيه مواطن مدني أو عسكري النيل إلا على الخريطة لا تجعلوا من الأرض العسكرية سلعة فتفسد لكم الأرض .