دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
عصام عيسى رجب ونصار الحاج : حول مختارات الشعر السوداني
|
ما هكذا تُورَدُ "مختاراتُ الشعرِ السوداني"، أليسَ كذلك...!!! عصام عيسى رجب ونصَّار الصادق الحاج بطاقة أولى/ " ..... هناك هالةٌ ضوئية في السودان تحيط بجيل الستينات ولواحقه الثقافية مدعية لهم التفرد واحتكار الإبداع، فهم الجيل الأغزر إنتاجاً والأبعد صيتاً والأكثر تكمناً من أدواته الفنية والثقافية. ولعلنا جميعاً أبناء الستينات قد ساهمنا في خلق تلك الأسطورة بالسكوت المتواطئ عن ذلك الإدعاء وكان حريَّاً بنا أن نعمل على تحكيم العقل والتواضع في ذلك الخيال العلمي الذي لا يتفق ومعطيات الحياة. وذلك أن سنة الحياة أن يكون العظم الجديد أقوى من القديم وكل جيل جديد أفضل من الذي سبقه وإلا استحال التقدم وعطنت مياه الحياة. فالجذوع الجديدة في حقل الثقافة أقوى وأرسخ بحكم أنها لم تتعرض لفئوس المجتثين ودبيب السوس في الخلايا والأوردة ولأنها – وهذا ما يعزي الأجيال السابقة – استمدت بعضاً من إرثها الثقافي الذي تركته لها أجيال السابقين...." محمد المكي إبراهيم – من كتابه "ظلال وأفيال"
..... بدءاً لا بد أن نُعرب عن تقديرنا للأستاذ الناقد "مجذوب عيدروس" على إعداده لـ "مختارات الشعر السوداني" التي صدرت ضمن سلسلة "كتاب في جريدة"عدد (82) بتاريخ الأربعاء 1 يونيو 2005 م، والتي بدءاً لم يذكر الأستاذ "عيدروس" تصريحاً أو تلميحاً الهدف من إعداده لها .... وكأنا به ترك ذلك للقارئ أن يدرك ببداهته الخاصة أن الهدف وراء إعداد هذي "المختارات" هو التعريف قدر المستطاع بالشعر العربي في السودان ... .... وفي ذات الوقت لم تكن لتأخذنا الدهشةُ طويلاً ونحن نطالع شعوراً بخيبة الأمل وعدم الرضا عن تلك "المختارات" وهو شعورٌ رصدنا بعضاً منه في مواقع الإنترنت كالمنبر العام لـموقع "سودانيز أون لاين" ومنتدى الحوار بموقع "سودانيات" ومنتدى الحوار الديمقراطي بموقع "الجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الأدب والفنون والعلوم الإنسانية"، وقد ساهم عدد مقدر من المهتمين والكتاب - في كتاباتهم في هذه المنتديات - بآراء تصب كلها في اتجاه قراءة التجربة بوعي نقدي حريص والتركيز على مدى الرغبة في الاستفادة من مثل هذه الفرص – على قلتها – حينما تتاح ويكون لها هذا الفضاء القرائي الجغرافي الممتد [1]... ... إضافة إلى ما باح لنا به نفر من المهتمين بالشأن الثقافي السوداني من محادثاتنا معهم حول ما رأوه في هذي "المختارات" ... ... وبكل وضوح نقول أن الناقد "مجذوب عيدروس" مؤهل لأداء هذه المهمة بالنظر إلى تاريخه الإبداعي، ومساهماته الكبيرة في المشهد الثقافي طوال السنوات الماضية .... لكن في تقدرينا، عبر هذا "الجهد" الذي بين أيدينا، لم يكن الناقد موفقاً في انجازه بالدرجة التي تعبر بوفاء عن هذا المشروع الكتابي ..... بين "مختاراتين" ..... ونظن أن المرء لا يستطيع أن يمضي بعيداً في كتابة ما نحن بصدده قبل أن يعكف على كتاب "مختارات من الأدب السوداني" لـلأديب الراحل "علي المك" وقد صدرت طبعته الأولى سنة 1975 م، والذي لم يشر إليه الأستاذ "عيدروس" في مقدمته التي صدَّر بها مختاراته واسماها – أي المقدمة – "الشعر السوداني بين التقليد والتوق إلى الحداثة" .... فـمختارات "على المك"، فيما نحسب، هي الأولى من نوعها التي أسست له لهذا الفن، عنينا المختارات، في السودان ولم تعقبها مختارات أخرى، وقد اشتملت تلكم المختارات على ضروب ثلاثة من الكتابة الأدبية هي المقالة والقصيدة والقصة (أو المقالات والشعر والقصص، كما هي الأبواب الثلاثة التي قسَّم "علي المك" مختاراته لها) .... وسنحصر نفسينا هنا في مختارات "علي المك" من الشعر والتي جاءت موزعة على 26 شاعراً و 32 قصيدة، إذ أتى "المك" قصيدتين للشاعر من أصل ستة شعراء[2]، واكتفى بقصيدة واحدة لكل شاعر لمن تبقى من الشعراء ... والشعراء الذين اختارهم "المك" (وفق ترتيبه لهم في الكتاب) هم: 1- محمد سعيد العباسي 2- عبد الله عمر البنَّا 3- عبد الله عبد الرحمن 4- خليل فرح 5- حمزة الملك طمبل 6- توفيق صالح جبريل 7- أحمد محمد صالح 8- يوسف مصطفى التِنَي 9- محمد أحمد محجوب 10- التيجاني يوسف بشير 11- الناصر قريب الله 12- محمد المهدي المجذوب 13- عبد الله الطَيِّب 14- محمد محمد علي 15- إدريس جَمَّاع 16- مصطفى عوض الكريم 17- تاج السِّر الحسن 18- جَيلي عبد الرحمن 19- محمد الفيتوري 20- صلاح أحمد إبراهيم 21- مصطفى سَنَد 22- مُحي الدين فارس 23- النور عثمان أبَّكَر 24- محمد المَكِّي إبراهيم 25- عبد الرحيم أبو ذكرى 26- محمد عبد الحي أقدم أولئك الشعراء، من حيث تاريخ الميلاد، هو "محمد سعيد العباسي" (1880 م – 1963 م)، وأجدُّهم هو "محمد عبد الحي" (1944 م – 1989 م) .... وتباينت شكلاً بِنية قصائد الشعراء في "مختارات علي المك" من الشعر العمودي، فمروراً بقصيدة التفعيلة وانتهاءاً بقصيدة النثر .... وعوداً على "مختارات" الأستاذ "عيدروس"، فقد جاءت هي الأخرى لستة وعشرين شاعراً (ويا لها مصادفة!!)، وشعراؤها (وفق ترتيب المؤلف) هم: 1- محمد أحمد محجوب 2- التيجاني يوسف بشير 3- عبد القادر الكِتَيَّابي 4- محمد نجيب محمد علي 5- عبد الله الشيخ البشير 6- صلاح أحمد إبراهيم 7- محمد عثمان كجراي 8- محمد عبد القادر سبيل 9- مصطفى سَنَد 10- مُحي الدين فارس 11- تاج السِّر الحسن 12- عبد الله شَابو 13- نجلاء عثمان التوم 14- كمال الجزولي 15- علي عبد القيوم 16- عبد الله عمر البنَّا 17- عالم عبَّاس 18- محجوب كَبْلُّو 19- خالد فتح الرحمن 20- بابكر الوسيلة 21- اليأس فتح الرحمن 22- محمد سعيد العباسي 23- محمد محي الدين 24- محمد المَكِّي إبراهيم 25- محمد عبد الحي 26- جَيلي عبد الرحمن أقدم هؤلاء الشعراء هو أيضاً "محمد سعيد العباسي" (1880 م – 1963 م)، وإن لم يذكر "عيدروس" تاريخ ميلاده أو وفاته في تعريفه له، عكس "علي المك" الذي أورد التاريخين معاً، وأجدَّهم هي الشاعرة "نجلاء عثمان التوم" والتي لم يورد الأستاذ "عيدروس" تاريخ ميلادها، واكتفى أن يقول في تعريفها أنها "شاعرة من الجيل الجديد في السودان الذي برز خواتيم القرن العشرين وبدايات الألفية الثالثة" .... وتباينت كذلك شكلاً بنية قصائد الشعراء في "مختارات عيدروس" من الشعر العمودي، فمروراً بقصيدة التفعيلة وانتهاءاً بقصيدة النثر .... ومثلما فعل "علي المك" اكتفى "عيدروس" بقصيدة واحدة لكل شاعر لأربعة وعشرين شاعراً، فيما خص شاعرين هما "محمد نجيب محمد علي" و "الياس فتح الرحمن" بقصيدتين لكلٍ منهما، واختص آخرين ("محمد أحمد المحجوب" و "محي الدين فارس") بثلاثة قصائد لكلٍّ، ليكون عدد القصائد التي ضمتها مختاراته 32 قصيدة، فتساوي تماماً عدد قصائد مختارات "علي المك" (ويا لها مصادفة أخرى!!) .... وأورد "عيدروس" أحد عشر شاعراً ممن جاء بهم "علي المك"، مثلما جاء بذات القصائد التي أتت في مختارات سابقه لأربعة من أولئك الشعراء [3].... أسئلة لا بد منها ..... لم يشأ الأستاذ "عيدروس" أن يفصح في مقدمته لمختاراته عن كيف جاءت هذي المختارات …؟! هل هي مبادرة شخصية منه تقدم بها للجهة القائمة بمشروع "كتاب في الجريدة" (هما في الواقع جهتان: "المؤسسة الراعية: "MBI Foundation و "الشريك الثقافي: منظمة اليونسكو)، إضافة للصحف العربية المنضوية في هذا المشروع، أم أن تلكم الجهة القائمة هي التي كلفته بأمر إعداد هذي المختارات ....؟! مثلما لم يشر "عيدروس" إلى كيف أعدَّ هذي المختارات وما منهجه وطريقته في ذلك، وما هي معايير اختيار شعراء مختاراته وقصائدهم دون سواهم ...؟! أسئلة تترى لا شك تُحِّومُ هنا/ هل أعدَّ "عيدروس" مختاراته بمفرده (كما يشي بذلك كتابته "إعداد مجذوب عيدروس"، وعدم ذكره لأي جهة أو فرد ساهم معه في اختيار المختارات)، أم شاركته في إعدادها جهةُ ما أو أفراد، إن كان ذلك كذلك، فلماذا إذاً لم يورِد سِيرة ذلك ....؟! لماذا لم يؤمئ الأستاذ "عيدروس" من بعيد أو قريب لـكتاب "مختارات من الأدب السوداني" لـ "علي المك" ...؟!، وقد رأينا كيف أنه اشترك مع مختارات "علي المك" في أحد عشر شاعراً من مجموع ستة وعشرين شاعراً وأربع قصائد من مجموع اثنتين وثلاثين قصيدة .... وهل كان من الممكن أن يكون عدد هؤلاء الشعراء الذين اشترك فيهم "عيدروس" مع "المك" أقل من أحد عشر شاعراً ...؟! نحسبُ ذلك، لا تقليلاً من شأن هؤلاء الشعراء، ولكن إفساحاً لمجال التعريف بأصوات أخرى أن يسمعها السامعون، بدلاً عن تكرار الشعر والشعراء ..... ما السر في أن يذكر "عيدروس" في مقدمته أسماء عدد من الشعراء، الهامين في مسيرة الشعر السوداني فيما نرى، مثل "محمد المهدي المجذوب" و"الفيتوري" و "النور عثمان أبَّكَر"، وشعراء شباب مؤثرين كـ "الصادق الرضي" ولا يأتي بقصائد لهم في مختاراته ...؟! أيُّ عزاء يجده هؤلاء الشعراء في ذكرهم في المقدمة ومحوهم عن المختارات ....؟! وهؤلاء جميعاً أسعد حظاًً من سواهم من الشعراء والشاعرات، المُهمين والمُهمَّات، الذين لم يمر "عيدروس" عليهم لا في مقدمته ولا في مختاراته، وهمُ كُثْرُ ..... لِم لم يختر "عيدروس" قصائد من المجموعات الشعرية الأخيرة لشعراء مثل "مصطفى سند" و "محمد المكي إبراهيم" و "محمد عبد الحي" و "عبد القادر الكِتيًّابي" ولجأ إلى الدواوين الأولى لهؤلاء الشعراء ...؟! أليس من الراجح أن تجئ القصائد الأخيرة للشاعر أكثر نضجاً وعمقاً و ثراءاً من قصائده الأولى ..؟! لا شك أن القارئ في البلاد العربية التي يصلها "كتاب في جريدة" سيفتقد عدداً من الأسماء الشعرية السودانية، وبالأخص من الجيل الجديد، والتي أطلت وتطل على منابر تلكم البلدان (إن كان من خلال نشرها في ما تصدره من مجلات وصحف، أو في مواقع الإنترنت أو عبر مشاركاتها في الملتقيات والمهرجانات الشعرية العربية) .... لماذا إذاً لم يُعِر الأستاذ "عيدروس" بالاً لهذه الأسماء، هل جهلاً بها أم تجاهلاً لها .... أم ماذا ....؟![4] لماذا أسمى الأستاذ "عيدروس" مقدمة مختاراته "الشعر السوداني بين التقليد والتوق إلى الحداثة" ..؟! هذا اسم نجده ظالماً جداً للشعر السوداني ومسيرته الطويلة منذ "عصور ممالك السودان القديمة"، كما ألمح هو لذلك وإلى بدايات الألفية الثالثة .... لماذا وضع "عيدروس" الشعر السوداني بين مطرقة التقليد وسندان الحداثة ... أما من موضعٍ خيراً من ذا البين بين...؟! أما من منزلةٍ أكثر ثباتاً من هذا التأرجح أو هذي المنزلة بين المنزلتين ....؟! ألا تشفع مئات القصائد التي سطرها الشعراء السودانيون من لدن "اليتجاني يوسف بشير" مثلاً وعبوراً بشعراء الستينات والسبعينات (وإن كنا لا نؤمن بمثل هذا التصنيف العشر – سنيني أو العِقدي للشعر والشعراء) وإلى شعراء الجيل الجديد، لأن يصل الشعر السوداني إلى منزلة الحداثة، بل أن يتجاوزها .... هذي الحداثة التي أصلاً اختلف الناس كثيراً في أمرها وما اتفقوا .... أليست الحداثة مسألة نسبية، فحديث اليوم قديم الغد وهكذا إلى أن يرث الله الأرض وشعرائها والغاويين ..... وحتى لو سلَّمنا جدلاً بثنائية التقليد والحداثة، فالأمر الواضح أن "عيدروس" انحاز كثيراً للتقليد بنشره لقصائد مثل "تحية العام الهجري 1339هـ!!!" و "عهد جيرون" و "تقرير عن الشنفرى وبني غبراء وسيل العرم"، وجاءت بقية قصائد "المختارات" منتمية لشعراء الخمسينات حتى السبعينات، في حين لم ينشر سوى قصيدتين لشاعر وشاعرة ممن كتبوا وبدأوا نشر قصائدهما في التسعينات من القرن الماضي وأُخريين من شعراء الثمانيات ..... وأخيراً لماذا ضيَّق الأستاذ "عيدروس" على شاعرات السودان كثيراً فنادى على "نجلاء عثمان التوم" وحدها .... لماذا لم يمد بِساط ندائه لشاعرات أُخريات منهن على سبيل المثال لا الحصر "كلتوم فضل الله" و "نجاة عثمان" و "روضة الحاج" و .... إذاً لما أتت "المختارات" مثقلةً هكذا بالذكورة ....!!!! الفرصة الضائعة ..... نعتقد شبه جازمين، أن شعور عدم الرضا الذي أشرنا إليه في مستهل مقالتنا ذي، مَرَدُهُ بالدرجة الأولى إلى أن سانحة كهذي كان ينبغي أن يفيد منها الشعر السوداني كثيراً ليرسم لنفسه صورة أصيلة تليق به وبشعرائه .... فهي فرصة لا تجئ إلا نادراً نادرا، والله وحده يعلم متى ستتاح (إن أُتيحت) مثل هذه الفرصة تارةً أخرى .... الهدف من وراء فكرة "كتاب في جريدة" هو أن يتاح للمادة المنشورة أكبرُ قدرٍ من الانتشار والذيوع ، وهكذا تجئ المادة المنشورة كتاباً في جريدة .... مما يضمن لها حيزاً أوسعَ للتوزيع والتداول والقراءة، في عالم عربي (أو فلنقل يقرأ العربية) لا يقرأ كثيراً وتجئ القراءة في مرتبة دنيا من قائمة اهتماماته .... عالم لا يطبع من كتبه سوى ألف أو ألفين نسخة في الطبعة الواحدة أو فتزيد قليلاً في أحسن الفروض، ودع عنك فكرة أن يعاد طباعة الكتاب غير مرة .... ودع عنك أيضاً توزَّع اهتمامات الناس بين التلفزيون والإنترنت و ...... لهذا كله وسواه كانت فكرة "كتاب في جريدة" تشجيعاً للناس أن يقرأوا وكأنهم يقرأون جريدة .... ونحن نعلم ولع الناس القديم الجديد بقراءة الصحف وما شاكلها .... يمكننا رصد بعضاً من أوجه عدم استثمار فرصة "كتاب في جريدة" فيما يلي: الخلل البيِّن في تعريف عديد من شعراء المختارات ... بعض الشعراء لم يرد لهم تعريف أصلاً (عبد الله شابو و الياس فتح الرحمن وجيلي عبد الرحمن) .... وعدد آخر لم يُذكر تاريخ ميلاده، وثالث لم يذكر تاريخ وفاته ورابع لم يُذكر تاريخ ميلاده أو وفاته !!! وخامس لم يذكر أين يقيم حالياً وتحديداً الشعراء الذين يقيمون خارج السودان ..... أكبر خلل في رأينا هو أن تفرد "المختارات" ست صفحات (من مجموع سبع وعشرين صفحة هي مجموع صفحات "المختارات"، من الصفحة الخامسة حيث تبدأ قصائد "المختارات" وحتى الواحدة والثلاثين) لقصيدتين هما قصيدة "علي المك ومدينته" لـ "صلاح أحمد إبراهيم" و قصيدة "ماريا وأمبوي" لـ "عالم عباس"، ليس ضَنَّاً على هذين الشاعرين الجميلين بهذي الصفحات الست، ولكن ست صفحات تعادل ما يقرب من رُبع صفحات "المختارات" (22% تحديداً) ....!!! أما قصيدة "ماريا وأمبوي" فقد صدرت من قبل كمجموعة شعرية لحالها، وهذا في اعتقادنا ما دفع من قام بطباعة وتحرير "المختارات" أن ينشرها بواقع أربع عواميد للصفحة واثنين وأربعين بيتاً للعامود الواحد ..!! ونظن أن "عيدروس" لو استشار "عالم" لما أشار عليه بنشر هذي القصيدة / الديوان، والتي لقيت حظها نشراً وانتشارا (كُتبت في عام 1976 م)، وهل أدل على ذلك من صدورها في مجموعة شعرية لحالها كما قلنا آنفا ...!!! نحسب أن "عالم" كان سيشير مثلاً بنشر قصيدة أخرى من قصائده التي لم تجد سبيلها للنشر أو أي قصيدة أخرى ولكن ليس "ماريا وأمبوي"، على الأقل حتى لا تنشر قصيدته بمثل هذا الرص المطبعي الكثيف، الذي يظلم القصيدة كثيراً من حيث طريقة كتابتها على صفحات "المختارات"، مما ينعكس سلباً على قراءتها وقد نشرت على ذلكم النحو ..... ذات الأمر ينطبق بشكل أو آخر على قصيدة "علي المك ومدينته" لـ "صلاح أحمد إبراهيم"، وفي الحالتين كان من الأفضل أن يُفسح في هذي الصفحات لقصائد أخرى وشعراء آخرين .... إذ ليس المطلوب من "المختارات" أن تضئ تجارب بأكملها للشعراء، بل أن تأتي بأكبر قدر من الأصوات وبقصائد ما بين قصيرة إلى متوسطة الطول، لا بمطولات أو مجموعات شعرية .... الفارق الزمني بين تاريخ ميلاد أقدم شعراء مختارات "المك" وتاريخ صدور الطبعة الأولى من "المختارات" هو مئة وخمسة عاما .... ولكن اتسع هذا الفارق كثيراً لدى "عيدروس" ليصل إلى مئة وخمسة وثلاثين عاما .... وفيما نرى أنَّ فارقاً كهذا كان يجب أن يتراجع لا العكس، كي تنفتح فضاءات النشيد أمام الأجيال الجديدة لتكمل مسيرة من سبقوا، كما أنتبه لذلك الشاعر "محمد المكي إبراهيم" وهو يقول ما أوردناه سالفاً "سُنَّة الحياة أن يكون العظم الجديد أقوى من القديم وكل جيل جديد أفضل من الذي سبقه وإلا استحال التقدم وعطنت مياه الحياة. فالجذوع الجديدة في حقل الثقافة أقوى وأرسخ بحكم أنها لم تتعرض لفئوس المجتثين ودبيب السوس في الخلايا والأوردة ولأنها – وهذا ما يعزي الأجيال السابقة – استمدت بعضاً من إرثها الثقافي الذي تركته لها أجيال السابقين...." .... مع كل هذه الملاحظات التي يمكن أثارتها برغبة محاورة التجربة والاستفادة منها، يمكننا الإشارة إلى تجارب ناجحة تحت نفس المشروع "كتاب في جريدة" ومنها "مختارات من الشعر الفلسطيني" التي أنجزت في نفس المساحة، حيث تضمن ملف الشعر الفلسطيني قصائد لثلاثة وأربعين شاعراً، وأشار الشاعر "زكريا محمد" في مقدمته للتعريف بطريقة اختياره للأعمال "ركزت هذه المختارات على الستينات وما بعدها وإن لم تغفل فكرتها أنها مختارات لقرن كامل من الشعر الفلسطيني .... لذا تجد مثلاً أن "إبراهيم طوقان" الشاعر المعروف، قد مثل بقصيدة واحدة فقط في حين أن شاباً في أوائل أربعيناته مثل بأكثر من ذلك بكثير .... فالهدف كان إفساح المجال أمام الأجيال الشابة كي تتحدث عبر نصوصها عن الأفق والطموح وعن المتغيرات ...." بطاقة الخروج ..... .... وبعد سادتي، لا يملك المرء إلا أن يأسى، ما شاء له الله أن يأسى، أننا – معشر الكتاب السودانيين – لا نفيد كما ينبغي من مثل هذي السوانح، التي لا تتاح لأدبنا السوداني إلا نادراً وعابرا ..... ونحن كعادتنا أبرع ما نكون هدراً لتلك السوانح الشاردات، وأعجز ما نكون استثماراً لها في التعريف بصوتنا الأسمر على نحوٍ يجملُ بهذا الصوت الذي طالما اشتكى ويشتكي من غيبته عن منابر الآخرين ..... وأنَّى له أن يحضر إذا كانت أمورنا الثقافية تؤخذ على مثل أخذها في مختارات "كتاب في جريدة"، كما أبنا آنفا .... أنَّى له ....؟! هوامش/
[1] ليس أدل على ذلك من نشر مجلة "العربي" في عددها رقم (559) الصادر في يونيو 2005، لبعض قصائد المختارات (وهي تحديداً قصائد "السودان الشاعر" لمحمد أحمد محجوب و"الصوفي المعذب" للتيجاني يوسف بشير و"مقاطع استوائية" لمصطفى سند و"المرسى وإيقاعات المماشي" لمحي الدين فارس، إضافة لمقدمة "مجذوب عيدروس" لمختاراته .... [2] وهي قصائد "مليط" و "عهد جيرون" لمحمد سعيد العباسي، و"تحية العام الهجري 1339 هـ" و "السلحفاة والبطتان" لعبد الله عمر البنا، و"الصوفي المعذب" و "الخلوة" للتيجاني يوسف بشير، و "القوقعة الفارغة" و "سَيرة" لمحمد المهدي المجذوب، و "الكأس التي تحطمت" و "طريق سمرقند" لعبد الله الطيب، و "في الغربة" و "الحاجَّة" لصلاح أحمد إبراهيم ... [3] وهي قصائد "عهد جيرون" لمحمد سعيد العباسي، و"تحية العام الهجري 1339 هـ" لعبد الله عمر البنا، و"الصوفي المعذب" للتيجاني يوسف بشير، و "بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت" لمحمد المكي إبراهيم .... [4] نذكر من تلك المنابر، وعلى سبيل المثال ليس إلا: أ/ المجلات الثقافية: "البحرين الثقافية" البحرينية، و "نزوى" العمانية، و "سطور" المصرية، و "المدى" السورية و "ألواح" العراقية.... ب/ الصحف: "الزمان" و "الحياة" اللندنيتين، و "الوطن" العمانية، و "البيان" الإماراتية .... ج/ مواقع الإنترنت: "جهة الشعر"، و"مجلة ميدوزا الإلكترونية"، و"كيكا" وكثير سواها .... د/ الملتقيات: "ملتقى الشعراء العرب الشباب الأول" بصنعاء (2004) و "ملتقى الشعر العربي الرابع" بالشارقة (2005) .... نشر بـ " ثقافة الاضواء " بتاريخ الاثنين 10يوليو2005م
|
|
|
|
|
|
|
|
|