|
ذات بوح لـ رانيا مامون
|
الكتابة الشفاهية والصورة الرقمية (1)
رانيا مامون
وإن جاء العنوان فضفاضاً واسعاً فما عنيت به سوى الكتابة الأدبية.. فالكتابة كما كل شيء في الحياة ألوان وضروب مختلفة. فهناك كما نعلم الكتابة العلمية، والسياسية، والدينية، والكتابة الصحافية وغيرها، وإن كانت هذه الأخيرة أقرب وأكثر التصاقاً بموضوعنا هذا وهو الكتابة الأدبية.
بداهة جميعنا يعلم أنها أداة الأدب الوحيدة حالياً، وحلقة الوصل بين أقطابه المختلفة (المبدع والمتلقي)، وإن لم تكن كذلك منذ القدم؛ فقد كانت الشفاهية هي سيدة الموقف – ما أسميه بالأدب المنطوق.
ومنذ عهد هورمورس وملحمتيه "الألياذة والأوديسة"، أشهر ملحمتين في التاريخ، وإن كان هناك من يشكك في أنه هو من ألفهما وهذا لا يعنيننا هنا، فقد كانتا تؤديان شفاهياً.
وفي العصر الجاهلي في أرض العرب وما وصلنا منه، أن الأدب وخاصة الشعر كان يؤدى بذات الطريقة ولنا في سوق عكاظ هذا التجمع الضخم من كافة الاتجاهات، يحمل إليه كل عربي آماله وطموحاته وأشعاره، لهو خير وأكبر مثال ودليل لنا على سيادة الشفاهية في العهد القديم حتى أن العرب أجادوا فن الخطابة هذا الفن الذي يحتاج إلى شخص يمتلك أدواته ومفرداته التعبيرية جيداً.
وكلنا يعلم أسباب سيطرة الشفاهية على الكتابة، وهي عدم انتشار الكتابة على نطاق واسع.
أما حالياً فقد تراجعت الشفاهية كثيراً في حين تربعت الكتابة على أدوات ووسائل التعبير وتوصيل الفكر والإحساس إلى الآخر أيّاً كان .. وأينما كان.
تراجعت الشفاهية لدرجة أن بعض المبدعين أدبياً، شعراء أو قاصين أو خلافه، يعجزون عن توصيل إنتاجهم نطقاً بنفس حرارة الإحساس في الكتابة وقوة الشعور وصدق التعبير، فكم من القصائد المشتعلة على الورق ولكنها باردة .. خاوية .. ميتة من فم أصحابها.
إذن؛ اكتسح فعل كتابة الأدب فعل نطق الأدب، ولم يعد إلا في الملتقيات والمنتديات والمهرجانات في عهدنا الذي نعيشه الآن. وما قبله بقرون وتحديداً في صدر الإسلام (أتحدث عن الأمة العربية) وتدوين القرآن في عهد الخليفة سيدنا "عثمان بن عفان" وبعدها حيث أصبح تدوين كل شيء أدباً وغيره هو الفعل السائد والمتبع لأسباب، منها الحفاظ على الذاكرة الجمعية ولزيادة عدد الكتاب والقراء وللانتشار أكثر فما أسهل انتقال كتاب أو ديوان شعر من بلد إلى آخر وتداوله بين الأيدي وهضم محتوياته والانفتاح على الآخر وثقافة الآخر وغيرها من الأسباب.
|
|
|
|
|
|