عبدالمنعم إبراهيم-مخرج سوداني تخرج من المعهد العالي للموسيقى والمسرح في 1995 ومؤسس لجماعة شوف المسرحية ، كما كان عضوا بارزا بنادي المسرح السوداني يقيم بهولندا الان ويعمل بمتحف الفن الحديث والمعاصر بأمستردام قسم السمعيات والبصريات .. وهو من أهم متاحف الفنون الحديثة فى العالم التقيناه بمناسبة احتفال جماعة شوف بذكرى التأسيس وعودتها للنشاط الفني بعد توقف
كان نادي المسرح السوداني أحد التجارب الهامة في إطار سعي المبدعين ـ السودانيين في مجال المسرح ، لتطوير العملي الفني وقد كانت له مساهمات قيمة خاصة في مجال النشر والندوات ، بجانب الورش المسرحية ماذا قدم لك نادي المسرح السوداني كمسرحي وماذا أضاف للساحة برأيك ؟
النادى واحدة من تجارب المسرح الاهلى المهمة والمؤكدة فى تاريخ المسرح السودانى الحديث، وبرغم ان النادى كان منظمة اهلية ليس من اهدافها الربح ويعتمد فقط على التطوع والتبرع فى انشطته المختلفة إلا انه حقق نجاحات ضخمة يذكرها له هذا التأريخ، فمثلاً اضاف النادى الى رصيد المسرح السودانى فى التمثيل والاخراج تجارب الفاتح المبارك والخير مصطفى عكود والتى أثارت وقتها جدل النقاد والمشتغلين بفنون المسرح وكانت جديرة بالمتابعة والمشاهدة ولازالت جديرة بالبحث والتحليل. إستطاع النادى ايضاً ان يضيف إضافة واضحة للمكتبة السودانية فى مجال المسرح نقداً وإبداعاً. اهتم النادى ايضاً بعقد الندوات والمثاقفات المسرحية لعروض الفرق والجماعات المحلية وحتى لعروض الفرق الزائرة كما حدث لعرض اكاديمية دمشق للمسرح عندما قدمه طلاب الاكاديمية إبان مهرجان الشباب العربى بالخرطوم العام 87 ، اهتم النادى ايضاً بالمؤسسات الرسمية الشبيهة كالمسرح القومى ومعهد الموسيقى والمسرح وقصر الشباب والاطفال-قسم الدراما وتجارب الاقاليم وذلك بدراسة واقعها وأفق تفعيلها لتشكل حركة مسرح سودانى حقيقية تعبر عن الجماهير. كما ساهم النادى بذات الموارد المالية الشحيحة فى عدد من مهرجانات المسرح العربى الهامة إما بالعرض أو بالحوار الفكرى الذى عادة ما يصاحب هذه المهرجانات.
كغيرى من رفقاء التجربة فتح لى النادى كوة من الوعى المبكر بإرث وتأريخ المسرح السودانى والعالمى، كتاب ومبدعين، أعمال ونظريات. حينها كنت أنا طالب ثانويات وكانت الدنيا ديمقراطية والمسرح يعرض فى كل مكان، على خشبات العرض، فى الشارع وحتى على ظهر كبرى امدرمان عندما تظاهر المسرحيين درأً للمجاعة التى إجتاحت شعبنا فى سافنا كردفان الفقيرة، وكنت أتتلمذ على يد الأستاذ أحمد سيد أحمد والذى كان طالباً بمعهد الدراسات الأضافية-كورس المسرح والنواة الأولى لما عرف فيما بعد بنادى المسرح السودانى، كان يطبق معنا فى فرقة صغيرة بالكلاكلة القبة كل ما يتلقاه فى الكورس من تمارين لأعداد الممثل ودراسات فى تأريخ الدراما ونظرياتها، ففى وقت مبكر تعرفت على أهم إسمين فى تجارب المسرح العالمى وهما استنسلافسكى وبرتولد برشت. إذن النادى كان( خيره سابق) قبل أن أصبح عضواً به ومشاركاً فى كل فعالياته فيما بعد، ومن هنا أهدى لعضويته فى كل الدنيا، داخل الوطن او فى المهجر حميم تحياتى وجميل تشكراتى ، فقد تعلمت منهم جميعا كيف تصنع مسرحاً مهموم بالوطن والجماهير، وأخص هنا الصديقين البشير سهل جمعة وعبدالله الشيخ الذيين بذلا الغالى والنفيس من أجل عينى النادى
يعتبر كثيرون أن الدفعة التي تخرجت فيها من طلاب كلية الموسيقى والدراما قسم الدراما ، من آخر الدفع المعافاة فنيا ، ماذا يمكن أن تقول عن الكلية وماذا أضافت لك السنوات التي أمضيتها فيها وعن الدفعة التي تخرجت فيها؟
تجربة سنوات المعهد( أسف يا صديقى لا أستطيع أن أقول كلية ولا تنسى أن إشكالية كلية ومعهد هى كانت سبب فصلى مع ستين آخرين من الطلاب الشرفاء وأغلاق المعهد لثلاث سنوات حتى تكتمل إجرآت إنضمامه لجامعة السودان دون دراسات متأنية ودون الأهتمام لرأى الطلاب أو وجهات النظر الأخرى من الحادبين والتى كانت تنادى بضم المعهد وكلية الفنون الجميلة لتصبح أكاديمية واحدة تضاف اليها تخصصات كالسينما والتلفزيون , الفنون الشعبية والوسائط الحديثة. ذلك لخصوصية المعهد وكلية الفنون وماذكر من تخصصات جديدة لإنتقاء آلية خاصة جداً لإدارة مثل الأكاديمية حيث لاتنسجم بالتأكيد مع الألية التى تدار بها جامعة السودان أو غيرها من الجامعات) فتجربة المعهد كانت ثرية ثراءً مزدوجاً ، المعهد المؤسسة والمعهد الداخلية والنشاط الطلابى، وفر مقعد الدرس بالتأكيد معرفة منتظمة وتلقى سهل لعلوم المسرح . بُذِل في هذه التجربة جهد كبير ومقدر من أساتذة أجلاء، صبروا طويلاً على تمردنا كمسرحيين جدد نتحسس الطريق تجاه فن صعب ومعقد، مازلت أذكرهم واحداً واحد واتحين الفرص للتواصل معهم، فلهم إنحناءة بحجم الوطن. وفر ايضا مقعد الدرس والتمارين على مر السنوات الأربع احتكاك حميم وتواصل حقيقى مع دفعة (رويانة) بالمبدعين، شباب كما الورد، متعددى المواهب، جريئون، متمردون ويحملون السودان وشعبه فى حدقات عيونهم وينبشون الارض بأظافرهم بحثاً عن الجديد والمختلف رغم قلة الموارد من مكتبات مقروءة، مسموعة ومريئة وصالات معدة للتمارين. الجانب الآخر من تجربة المعهد الثرية كانت داخلية بانت شرق، يا له من مكان سحرى ظل يغذى عقولنا بمعرفة موسوعية وحواريات ومثاقفات متنوعة ومجاناً( حيث المعرفة هنا فى أوربا ليس مجانية على الأطلاق) واظنك ياصديقى قد لمست ذلك، كانت لزياراتك لنا فى الداخلية وزيارات آخرين فى الهم الأثر الكبير فى هذه المدرسة المفتوحة بالاضافة لمساهمات الخريجين ممن بقوا فى الداخلية لفترات ليست بالقصيرة. كل ذلك التواصل الذكى مع الآخر جعل من مشاريع هذه الدفعة الصغيرة منها والكبيرة جعلت منها مهرجانات لمسرح جديدٍ ومختلف، وجعلت من صدور الأساتذة جدٌ رحبة لإنفلات طلابى بهى ورائع .. هل تبدو كذلك الآن ما تعرف بكلية الموسيقى والدراما أم تغير الأمر
كانت جماعة مسرح شوف إحدى الجماعات التجريبية ضمن جماعات مسرحية أخرى ، ولكنكم كنتم تعملون على النصوص الشعرية لا المسرحية ، كما لاحظ معنا كثيرون ، ماهي الفلسفة التي تقف وراء هذا الإختيار وماهي مقتضياته فنيا ؟
تكونت جماعة مسرح شوف فى اواسط العام 91 وفى أعقاب أغلاق المعهد العالى للموسيقى والمسرح وتشريد طلابه لثلاث سنوات، تكونت الجماعة وهى تتحسس أرضها لتقف مستندة على قدرات عدد كبير(تجاوز الخمسة وعشرين وقتها) من طلاب السنة الأولى دراما ليؤدوا تمارين على مسرحية لعنة اليانكى المعدة من قصيدة مسدار ابو السرة لليانكى لمحمد طه القدال والتى قدمتها اصلاً كامتحان المشروع الصغير لمادة الأخراج فى العام الأكاديمى
الذى سبق احداث الأغلاق والفصل .. إستمرت البروفات حوالى الاربعة أشهر تبلورت خلالها شتات افكار قديمة حول شكل ومحتوى المسرح الذى ننشد . وبعد حوارات طويلة لتقريب وجهات النظر، خرجنا بعدها بهذه الأهداف كمنفستو للجماعة وهى:
الخروج بالمسرح من دائرة انتشاره المحدودة ليشكل حركة فنية وفكرية وإجتماعية لها اصولها وجذورها فى الوجدان الشعبى.
العمل على تقديم المسرح التجريبى بكل جرأة كشكل متطور عن الطرح المسرحى السائد.
العمل على تصحيح النظرة للمسرح لا بإعتباره نشاطا ًترفيهياً وهامشياً، بل كنشاط معرفى إبداعى يلعب دوراً فى إثراء الوعى والوجدان.
العمل على إيجاد لغة بصرية مكثفة تعبر عن الهم الانسانى والمسرحى عالمياً.
إستخدام كل الوسائل الممكنة( عروض-سمنارات-معارض-ندوات-ورش عمل ..الخ) لتحقيق هذه الأهداف.
التمارين التى زاولتها مع مسرح شوف لاعادة انتاج لعنة اليانكى جعلتنى اتعامل مع القصيدة بهدوء اكثر بعيداً من توترات عرض الامتحان، فمناخ التجريب مع مسرح شوف كان محرضاً لفعل شئ ما، كما كان هناك متسع من الوقت لتحليل القصيدة وتحديد مواضع النبض الدرامى على جسدها، والإنصات بتركيز شديد للأصوات التى تخرج من هذا الجسد، وتحَسُس ما يتحرك داخله من دلالات بصرية مكثفة. مسدار أبو السرة لليانكى أكسبتنى الى حد كبير قدرات فى تحليل هذا النوع من النصوص وفتحت شهيتى لتناول نصوص اخرى كان للقدال فيها نصين آخرين وهما أحلام الحزن الفرعونى التى أعددتها وأخرجها ماهر حسن سيد لمسرح جامعة الاحفاد وبين الخليفة وأمونة بت حاج أحمد التى أخرجتها لمسرح شوف، إلا أن سيناريو البحث عن يابسة لعاطف خيرى والتى قدمتها فى أمتحانات التخرج كدراما إذاعية كان لها هذياناً مختلفاً للذاكرة لخصوصية فكرة التواصل اليومى مع مبدع النص نفسه وكثيراً ما يراودنى إحساس بأنى قد (كلفتَ) هذه التجربة وعلىَّ إعادة إنتاجها، يمكن أن نحكى عن السيناريو فى فرصة اخرى أوسع.
بالطبع يا صديقى عن ما عرف إصطلاحاً (مسرح القصيدة) قد سبقت مسرح شوف فيه تجارب كثيرة كالمعهد وقسم الدراما بقصر الشباب والأطفال ونادى المسرح السودانى وربما هناك تجارب اخرى لم يحيطها علمى. ولكن مسرح شوف إعتمد بطريقة أو بأخرى هذا الشكل للفرصة الكبيرة والمتاحة فى هذا النوع من النصوص فى خلق نص بصرى موازى للنص المكتوب، يتقاطع ويلتقى معه بإيقاع يضبطه المخرج والممثلون والمشاهد نفسه بإعتباره جزء أصيل من شروط العملية المسرحية وليس متلقياً فقط. وفى هذا الصدد أذكر أن مسرح شوف أقامت ورشة عمل لمجموعة من القصائد بغية مسرحتها وخلق نصوص موازية لها، اشرف عليها الاستاذ عبد المجيد حسن، تنوعت فيها النصوص الشعرية وكان فيها بالمناسبة نص للصادق الرضى ، وأختتمت الورشة بعروض جيدة استطاعت بذكاء أن تحقق نصوصها الموازية. وقتها وجدت مسرح شوف فى هذه النصوص ضالتها لانتاج التجربة المسرحية ذات الدلالات البصرية المكثفة حتى تحقق واحد من أهم أسباب تكوينها، ولكنها بالتمرين المتواصل وتبنى أساليب أخرى متنوعة ظهرت نصوص الكتابة المشهدية أو الكتابة أثناء معالجة الفكرة بالتمثيل العملى كتجربة مسرحية الابواب التى خلق فكرتها وصاغ مشاهدها امين صديق، فقدراته كشاعر ساهمت بشكل كبير فى نجاح التجربة. وتحضرنى ايضاً تجربة المخرجين حاتم محمد على وامير عثمان مع عثمان البشرى وكيف ان نص ( فيما يخص البحر للبحر الذى فيما يخص البحر) خضع لمعالجات صبورة ومتأنية بين الشاعر والمخرجين وحقق مشاهدة ممتعة ومغايرة تماماً للسائد .
كنت أخشى أن يصبح مسرح القصيدة نمطاً، وتقع مسرح شوف فى شرك السائد اليومى ألا أن الاخبار القادمة الىَّ من الخرطوم تردد أن عادل فطر أخرج شارة مرور من تاليفه ومحاكمة السمكة الكبرى من نص مترجم وأعده الصديق ستيفن اوثيلا، وان حاتم محمد على خرج الحلقة للطيب المهدى والامبراطور جونز ليوجين أونيل من إعداد الصديق سيد أحمد أحد، وهذا التنوع لعمرى يثرى التجربة ويجعلها مفتوحة لإحتمالات عديدة تطيل حتماً من عمر مسرح شوف الفكرة وليس الشخوص، فكلنا راحلون عاجلاً ام آجلاً فهل تقبض أجيال جديدة على جمر الفكرة ؟ لنرى إذن ما تخبئه الأيام.
بعد فترة مسرحية مزدهرة بالتجريب شهدتها أوائل الثمانينيات حتى بداية التسعينيات ، هل بدأ فن المسرح بالانسحاب أمام دراما الكاميرا التلفزيونية ؟
بينما مضى العالم قدما في الانتاج السينمائي لا زلنا دون الخطوة الأولى ، ما هو تأثير غياب فن عظيم كالسينما على مجمل الحراك الثقافي والابداعي برأيك ؟
برغم غيابى لفترة طويلة إلا أننى أتكهن بالأسباب وذلك بإرجاعها لعوامل سياسية وإقتصادية فى الاساس، فالمسرح فن الى حد ما مكلف وانتاجه يتطلب وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً علاوة على عوائده المادية المتواضعة والتى لا تغطى فى معظم الأحيان تكلفة انتاجه نفسها ويحدث هذا ايضاً هنا فى العالم الاول ولكن الفرق هنا ان الدولة لم ترفع يدها عن دعم الفنون وبالأخص المسرح حتى فى اسوأ حالاتها الإقتصادية، لأنها لاتخافه كفن مصادم وناقد على الدوام، لأنها ببساطة تحتاجه لسد مهام تربوية ووجدانية هى لاتستطيع تحقيقها كدولة، وفى تجربتنا السودانية ترفع الدولة شمولية كانت او تعددية يدها عن المسرح حتى تكفى نفسها فقط شر ما يسببه هؤلاء المسرحيون من نقد يربك قناعاتها هذا إن كان لها قناعات، وعند حوجة هؤلاء المسرحيون لقطعة خبز يسدون بها الرمق، يلعبون ادواراً تنتجها لهم الدولة نفسها وتبثها محطتها الوحيدة وفقاً لتوجهاتها الواهمة، وخوفاً على هيكلها الكرتونى من السقوط. وبرغم هذه الغشاوة تطل علينا من وقت لآخر دراما تلفزيونية تحترم ذهنية المشاهد السودانى الشوَّاف. وينسحب الكلام أعلاه على الفن السابع لتعقيداته أيضاً كصناعة وتجارة قبل أن يكون فناً وليس للدولة اصلاً رصيد تجربة كبيرة فية يعول عليه، ولكنها تحتاج لرأس مال خاص، مغامر وجرئ وهذا يا صديقى معدوم فى مقابل رأس المال الطفيلى الذى يقتلع اللقمة من فم طفل جائع لأنها اسهل بكثير من تعقيدات صناعة سينما سودانية
تقيم خارج البلاد منذ فترة ليست بالوجيزة ، ماهي ثمار الإقامة بالخارج وما هي بالمقابل خسارات الروح والحسرات؟
عطفا على ما سبق ، نعتقد أن المبدعين و المثقفين السودانيين المهاجرين لم يتمكنوا من خلق حراك ثقافي بمهاجرهم كما حدث مع مثقفين مغاربة وشوام الخ . تعليقك من واقع تجربتك ؟
اختلف معك يا صديقى فى وجهتك هذه لإعتبارات عديدة اولاً هجرة المغاربة ( واقصد هنا اهل المغرب ، الجزائر وتونس) والشوام (واقصد هنا اللبنانيين والسوريين) هجرة قديمة قدم الإستعمار وتمركزت فى دول المستعمر نفسها وبأعداد كبيرة نتج منها حتى الآن الجيل الرابع، أما نحن يا صديقى وعلى قلتنا، تفرق دمنا بين القبائل فما من دولة فى الغرب او الشرق الا وفيها بضعة الاف من السودانيين موَزعون هم ايضا على مدن الدولة المحدده، حتى الفاتيكان ولكسمبرج بها مهاجريين سودانيين، كما أن معدلات الهجرة الكبيرة لايتعدى عمرها العشر سنوات. ومع ذلك كانت نسبة الفنانين والمبدعين من السودانيين كبيرة مقارنة بالعدد الكلى المهاجر. وبرغم يفاعة التجربة الا انها تبشر بالكثير والمدهش . دعنى فقط أن اعدد لك مجموعة من التجارب فقط فى هولندا دون التطرق لدول الاتحاد الأوربى، شرق اوربا، روسيا، كندا، أمريكا وأستراليا، وتعلم بشكل او بآخر أن هذه الدول التى ذكرتها يتم فيها فعل يومى من مبدعينا فى التواصل مع هذه الشعوب والتعريف بوسائل مختلفة بتجربتنا السودانوية. هولندا مثلاً لايتعدى حجم المهاجرين السودانيين فيها الستة آلاف مهاجر، فعلى مستوى الكتاب تستعد بعض الدوائر لترجمة رواية احمد الملك( الخريف يأتى مع صفا). وكتب فيها الصحافى والمترجم محمد عبد الحميد مقالات شيقة فى واحدة من أهم الصحف وحاضر فى وزارة العدل عن تجربتة كمهاجر سودانى ومازال يكتب. الكاتب والناقد إبراهيم حموده فاز أحد نصوصه الشعرية بجائزة دار الهجرة عندما كانت المنافسة قوية بينة وبين كتاب عرب وهولنديين أخرين. الموسيقيين طارق ابوعبيدة درس هندسة الصوت، الصادق شيخ الدين نال درجة الماجستير فى العود ويحاضر بمعاهد بلجيكا، انور عبدالرحمن، أسامة المليجى عبد العزيز خطاب وغيرهم لا يكفَّون من التمارين والعروض الموسيقية. التشكيليين وجدوا الاهتمام بما يعرضونة والفرصة فى قالريهات العرض. محمد تروس يدرس الآن إقتصاد الفنون وعبد المجيد حسن يمزج بين المسرح وعلم الاجتماع، عماد الطيب يمارس الكتابة ويتهيأ لاستلام روايتة الاولى من المطبعة. وآخرون كثيرون جداً كانوا قد ضلوا طريقهم فى السودان لمهن ودراسات أخرى واتاحوا لمواهبهم الفرصة للإنطلاق وهؤلاء هم فقط من فى دائرتى الإجتماعية ناهيك عن تجارب الآخرين. ومع ذلك فالأمر ليس بالسهل ولايقل صعوبة ابداً عن شكل التجربة فى الوطن الأم فانت مواجه بنفس الأسئلة وعلاقات انتاج الإبداع نفسه بل وبشكل أكثر صرامة ولكنه واضح كالشمس وليس مغبَّشاً وملتوى كما فى السودان، وتعتمد فى النهاية على قدرات المبدع نفسه وآلياته فى التغلب على هذه المعضلات. ولكننى ارجع واقول ان الوقت مازال مبكراً جداً للحكم على تجربة الابداع فى المهجر لأن التجربة مازالت وليدة وعملية الإندماج وتواصل الحضارات يحتاج أن يأخذ وقته خاصة وهجرة السودانيين لم تكن أبداً برضاهم بل غُصِبوا عليها وخرجوا مهمومين بوطن مسروق ومسلوب ولازالوا، عليه لم يثبت جلياً حتى الآن هل نحن باقون فى دار هجرتنا هذا أم عازمون الرحيل مرة اخرى الى وطن خيِّر ديمقراطى نساهم فى بنائه مع من تركناهم فى خطوط النار يواجهون قوى الظلام وعلَّنا نلحق بالحنان العتيق فى حشى الامهات حتى يشفى حسرات الروح ويرمم بعضاً من شروخ الوجدان
نعلم ان لك علاقة بالتشكيل ايضا ، عدا المسرح ،ماذا اضافت لك ممارستك للتشكيل وماذا لديك من مشاريع في هذا الخصوص ؟
التشكيل أقدم فن مارسته على الدوام كهواية قبل دخولى حتى المدرسة الابتدائية ولازمنى لفترات طويلة تقاطعت مع كل انتقالاتى الدراسية والمهنية، وكثيراً ما كنت أهرب الية عندما احتاج ان اوانس نفسى فقط ، وما انتجه كان يعرض فقط لمن هم فى دائرتى . جربت خلاله اساليب وخامات مختلفة وتابعت كثير من المعارض وربطتنى صداقات حميمة بمجموعة من التشكليين لا سيما من عاصرتهم فى كلية الفنون وهؤلاء تعلمت منهم كثيراً، أذكر ايضاً النقلة النوعية فى تذوق مرئياتى بعد محاضرات الأستاذ محمد حامد شداد فى مادة تأريخ الفن والتذوق ، بالاضافة للبحث الدؤوب فيما تجلبه المراكز الثقافية من دوريات وفيديو لآخر ما انتج فى دوائر الفن الحديث والمعاصر فى الغرب، فالإلمام بالتشكيل له أهمية كبيرة عند المخرج مسرحياً كان أو سينمائياً وذلك يساعده فى ضبط إقاع الإطار التشكيلى والبصرى وتوزيع دلالاته فى كل لحظة والأخرى على مساحات موقع التصوير أو الخشبة وفضائها. ووضح ذلك فيما إتبعت من إسلوب فى مسرحياتى التى أخرجتها فى المعهد ومسرح شوف. فى هولندا مارسته لفترات متقطعة ولكن شدَّنى أكثر التصوير الفوتوغرافى والفيديو وبرامج القرافيك بالكمبيوتر ، فأعطيتها وقت أكبر فى التعُّلم الذاتى ومن زمنى الخاص عندما قررت أن تكون مهنتى التى أعيش منها فى الغرب، الأمر الذى أهلنى أن أصبح المصَّور والمعد على المونتاج الرقمى بقسم الصوتيات والمرئيات بمتحف الفن الحديث بأمستردام، والمتحف أتاح لى بالطبع فرصة مشاهدة كل مقتنياته النادرة ومتابعة ورصد بالكاميرا لكل معارض الفن الحديث التى تعقد فيه
انتجت جماعة شوف تجربتها ضمن قطاع عريض ما عرف في ذلك الوقت بالجماعات والفرق المسرحية ، جماعة المسرح التجريبي وتيمبو المسرحية والجمام الخ ، لأي مدى كان هناك حوار بين هذه الجماعات ولأي مدى استفادت شوف من هذا المناخ؟
كما تعلم يا صديقى فإن المسرح فن يُنتَج جماعياً ، وبرغم أن مسرح شوف كانت جماعه كبيرة وخصوصاً فى سنواتها الأولى بعد التكوين إلا أنها كانت دوماً تواقة لعقد ورش العمل مع الجماعات الأخرى كالجمام التى أنجزت معنا مسرحية كوابيس وجماعة المسرح التجريبى التى عرضت مسرحية مستورة من تأليف وإخراج مجدى النور فى احتفالنا بيوم المسرح العالمى 93 وكان لنا تواصلنا الفكرى والإبداعى مع تِمبو وبقية الجماعات، كذلك عقدت مسرح شوف عدد من المحاضرات النظرية كالتى أشرف عليها محمد عبدالرحمن حسن(بوب) فى علم النفس، و إبراهيم حمودة فى نظرية الدراما وتأريخها و سيد عبدالله فى الورقة التى أعدها عن مسرحة القصيدة والسر السيد فى متابعاته النقدية ودورات التمثيل العملى التى ساهم فيها الأستاذ الخير عكود وعبدالمجيد حسن وسيف الإسلام حاج حمد وعبد الحكيم عامر علاوة على جلسات المشاهدة بمعهد جوتة والتى ساهم فيها صلاح محمد عبدالرحيم وخالد عبدالله بالدراسة والتحليل، فقد كانت ذهنية الشوَّافة منفتحة على تجارب الآخرين وخبراتهم والى الآن ، الأمر الذى انعكس على ما ينتج من مسرح فى دائرة الجماعة او الدوائر الاكاديمية فى المعهد
نريد منك شهادات حول : السديم
السديم من أولى الجماعات المسرحية التى فتحتنا على عوالم التجريب فى المسرح السودانى والعالمى، شاهدتهم لأول مرة مع الاستاذ فتح الرحمن عبدالعزيز فى مسرحية فويزك زمن الغضب ثم فى رائعتهم مطر الليل على خشبة نادى المسرح السودانى التى اثرتنى جداً وجعلتنى لا أفوِت لهم عرضاً بعد ذلك، فشاهدت ضوء البيت واربعة رجال وحبل ومأساة يرول، و لى صداقات حميمة ممتدة حتى الآن مع معظمهم فقد كانوا بمثابة أساتذة لى بتوجيهاتهم وتشجيعهم المستمر لمسرح شوف وتجربتها
قسم الدراما قصر الشباب والاطفال
شكَّل على الدوام تؤماً لقسم المسرح بالمعهد وشريكاً له فى مهمة إعداد أجيال من صناع المسرح وفى فترة سنة فقط ، كما كانت بينهم آلية (خُذ وهات) ولا أظنها مرتبة بشكلٍ رسمى وليتها كانت كذلك وهى أن قصر الشباب ظلَّ يفرِّخ للمعهد من أواسط الثمانينات أعداد من الطلاب المُعدين ليواصلوا الدراسة لاربعة سنين اخرى ، أثبتت التجربة العملية تميز معظمهم اثناء سنوات المعهد. من جانب آخر كان يستقبل القصر معظم الذين لم يشملهم القبول بالمعهد ليعوضوا الفرصة المفقودة. كنت الى حد كبير قريباً من القصر وهمومه من خلال العلاقات التى ربطتنى بأساتذته ، طلابه وخريجيه، فلمست أهميتها القصوى بما تقدم من تجربة عبر القسم أو نادى الدراما فلهؤلاء منى جميعا إنحناءة
جماعة كوتو الاستعراضية
كوتو يا صديقى تفعل فعلاً ضخماً ومختلفاً الآن، غير أنها وبقدرات فنانيها الشاملة تنقل ألينا فنون وثقافات القبائل النيلية، من موسيقى، رقص ومسرح شعبى، فإنها تفعل ما لا يستطيع فعله السياسيون فى حوار حضارات البلد الأكبر فى افريقيا، فقد كلفت نفسها مشقة أن تكون الجسر بين شطرى الوطن الواحد وعلى المستويين الإبداعى والفكرى، أنظر يا صديقى بماذا يدعو ديرك جميع السودانيين فى مهرجان السلام عبر الموسيقى بالتعاون مع عقد الجلاد والسفارة الهولندية (اليوم.. هو دعوة أن نتأمل أنفسنا وأفعالنا .. دعوة صريحة للغوص في دهاليز أنفسنا لنرى ما صنعته أيدينا عبر تاريخ حربنا الطويل .. دعوة لنبذ اللاإنسانية التي نمارسها ضد بعضنا البعض .. دعوة للصبر على البعض، دعوة للاستماع الى البعض ، دعوة للتأمل والاسترخاء ) لقد كنّا سعداء بلقائهم هنا فى هولندا بعد كل هذه السنين، بللوا فينا شوقاً عارماً لسودان خيِّر وشعب طيب وحولوا طقس هولندا الى مدارياً دافئاً وحميم. قال لى صديقى ساندر: كل رقصة منهم كانت تحرضنى لأقفز معهم على الخشبة لأنفض عنِّى هذا الثلج
على ماذا تعكف الان ، أي ماهي شواغلك الابداعية ؟
عملنا ثلاثتنا مجيد، تروس وانا لفترة ثلاث سنوات تقريباً نقدم عروضاً غلب عليها طابع التمثيل الصامت المصاحب بمؤثرات صوتية، وخلال تلك الفترة ساهمت بالتمثيل فى ثلاث أفلام قصيرة الأول قصة السودان وهو وثائقى للمخرجة الفلندية هانَّا تويفنن والثانى الولادة وهو روائى للمخرج محمد تروس والثالث روائى لم يكتمل مونتاجه حتى الآن للمخرج الكندى جان فرنسوا. بعدها توقفنا عن العروض للمجهود الكبير الذى تحتاجه علاوة على قلة عائدها وانكفأ كل منَّا فى تحقيق ذاته بالطريقة التى يُريد ولكننا نتواصل يومياً لنتكئُ على بعضنا مطببين اوجاع المنافى
عملى كمتطوع بمؤسسة تلفزيونية صغيرة لفترة، ثم إهتمامى بالمنتاج الرقمى وبرامج معالجة الصور واشتراكى بورش عمل لصناعة الفلم الرقمى بالإضافة لعملى الحالى بمتحف الفن الحديث ، جعلنى كل ذلك قريباً من فنون الفديو وفنانيه ويحفزنى فى نفس الوقت لخوض تجارب من هذا النوع، وهناك مشاريع تحت التخطيط والإعداد ولكنى سأتروى بالطبع فى صناعتها فالمسألة هنا أيضاً ليست سهلة وتحتاج لتفكير عميق ومرتب، وأملى أن تسمع منى قريباً
حاوره الصادق الرضي ـ نشر بثقافة الاضواء اليومية على 3 حلقات
(عدل بواسطة Elkhawad on 08-23-2003, 10:07 PM)