|
فــتـاة الـديـنـكـا .. الجوهرة السوداء .. البقرة الرقطاء
|
البقرة الرقطاء التي تحولت إلي سوبر موديل ناجحة ... فتاة الدينكا اليك ويك .. قصة حقيقية أفرزتها الحرب في السودان
هربت مع رجل لم أعرف إن كان سيغتصبني أو يبيعني أو يتزوجني نجاحي كامرأة سوداء فارعة الطول يثير العداء والشبهات لدي الكثير من البيض اليك ويك: كنا نستخدم روث الحيوانات بعد تحوله إلي رماد في تنظيف أسناننا عاشت اليك أياما من دون أكل و كانت تفرك بطنها بيديها لتخفف شدة الجوع تبولت اليك علي نفسها عندما واجهت المسلحين الذين كانوا علي وشك اغتصابها
ترجمة: كريم المالكي .. (عن الصنداي تايمز) : عارضة الأزياء السودانية التي أصبحت أشهر من نار علي علم هربت من وطنها السودان عندما كانت تمزقه الحرب وعمرها 9 سنوات.. لم تحمل معها شيئاً سوي ملابسها التي أرتدتها لكنها تسلقت سلم المجد وحازت علي العديد من الألقاب منها الجوهرة السوداء و النخلة و الجمل لكن ربما أن لقب فتاة الدينكا ينطبق عليها كثيراً لأنها تنحدر من تلك القبيلة الكبيرة والعتيدة في جنوب السودان.. وفي هذا الموضوع نستعرض جزءاً من قصة حياتها الحقيقية التي كتبتها والتي سوف تنشر قريباً من قبل إحدي دور النشر البريطانية.
استيقظت منتصف الليل علي صوت إطلاق نار قفزت من فراشي لأرتدي ملابسي علي عجل.. كانت الميليشيات في الخارج، شعرت بالرعب.
بعد ذلك لاحظت وهجاً من الضوء يأتي من تحت باب غرفة الفندق.. حينها أدركت أين أنا: كنت في غرفة في فندق في مدينة ميلان.
سمعت صوت الفرقعة ثانية: كان صوت الشاحنة التي تجمع النفايا من مطعم البيتزا الذي يقع تحت نافذة غرفتي.. لم أكن في السودان ولا يوجد أي تهديد لا أستطيع نسيان الذي هربت منه في طفولتي لكني وجدت أيضاً بعضاً لا يصدقون ما بلغته.. فأنا أسافر الآن بجواز سفر بريطاني لأن بريطانيا استقبلتني كطفلة لاجئة وحصلت علي البطاقة الخضراء التي تتيح لي العيش والعمل في أمريكا.. وأقوم بدفع الضرائب ولدي منزل في نيويورك وأدير أعمالاً تجارية.
ذات مرة حين هبطت بي الطائرة في مطار جون كينيدي بعد عدد من عروض الأزياء في أوروبا، نظر لي ضابط الجوازات باهتمام بالغ ثم تمعن بجوازي بدقة لم يحدث ذلك من قبل واحتجزني لبعض الوقت حيث أدركت بأن نجاحي كامرأة سوداء طويلة القامة يشكل مصدراً لرد فعل عدائي وشبهة لدي الكثير من الناس.
أرسلني الضابط إلي غرفة صغيرة مخصصة للإرهابيين المشتبهين أو المنتهكين للحدود وغيرهم.. إنها تشبه السجن حيث لا تستطيع استخدام موبايلك لطلب المساعدة ولا يخبرونك لماذا أنت محتجز.
التقطوا لي صورة وتأكدوا من كارتي الأخضر وأخذوا بصمات الأصابع وعاملوني بخشونة وتصرفوا ببرودة من لديه شكوك في أمري.. لقد غادرت فرانكفورت بعد انتهائي من أعمالي ومرتدية لملابس أنيقة وأحمل حقيبة صممتها بنفسي ونقش عليها اسمي وأحمل أوراقي كاملة ومع ذلك احتجزوني لوقت طويل.. هل لأني امرأة سوداء؟ ربما لا أستطيع أن أثبت ذلك لكن تجربتي تخبرني بأن بشرتي تثير الشبهة في أماكن ما.
وبعد عدة أسابيع احتجزني الضابط نفسه.. وفي هذه المرة سألني لِمَ كنت في أفريقيا؟ ولماذا ذهبت إلي مصر؟ ولماذا ولِمَ؟
أجبته بأنني عارضة أزياء وأسافر من أجل العمل، نظر لي ولم يصدق كلامي. وتساءلت عما إذا سندي كرادفورد تواجه مثل هذه المشاكل. وبعد مرور ساعة أخري ذهبت إليه وأخبرته بأنني أعرف حقوقي.
قال مبتسماً: حقوقك؟! وبعد ساعتين ونصف الساعة ختم جواز سفري.. وقال ضابط آخر: اعتقدت أنك ناعومي كامبل.. وعند انتظاري لحقائبي اقتربت من امرأة وقالت: إنك تشبهين تلك الموديل التي من أفريقيا قلت: حقاً؟ أجابت نعم.. وشعرت بالاندهاش.
أخذت السيارة ووضعت خلفي كل ما حدث مثلما طريقة الدينكا.
كان تسلسلي السابع بين أخوتي التسعة وولدت في مدينة صغيرة اسمها واو .. واليك معناه البقرة الرقطاء رمزاً للحظ السعيد عند الدينكا، أخذت قوامي الطويل.
(خمسة أقدام وإحدي عشرة بوصة من والدي في حين منحتني والدتي تلك الابتسامة الجميلة أما بشرتي الزيتية فأخذتها من الاثنين.. أهلي وشعبي يعيشون في جنوب السودان منذ الآلاف من السنين.. والشيء الرئيسي الذي يفهم عن بلدي أن هناك فواصل بين العرب المسلمين الذين يعيشون في الشمال والمسيحيين والروحانيين.
لقد أذعن البريطانيون الذين حكموا حتي الخمسينيات الشمال والجنوب بشكل منفصل لضغط القادة الإسلاميين لتوحيد البلد فقط قبل الاستقلال.. وشرعت الحكومة الشمالية بفرض الثقافة الإسلامية.. واستمرت حتي عام 1972 عندما وقع الطرفان علي اتفاقية تمنح الاستقلال للجنوب.. بعد ذلك التاريخ بخمس سنوات رأيت النور لأول مرة.
تنقسم الدينكا إلي عشائر وبدورها تنقسم إلي مجاميع صغيرة تسيطر كل منها علي أرض كافية لتأمن الماء والمرعي لحيواناتها الأليفة.. وتعد هذه الحيوانات عنصراً أساسياً للدينكا.. وبالرغم من أن والدي أسكننا في مدينة صغيرة إلا أننا ما نزال نمتلك قطيعاً يتكون من 15 دابة.
كانت تقول والدتي: لا تنسوا التقاط الروث قبل الذهاب للمدرسة.. وكنا نترك الروث ليجف وفي الأمسيات نحرقه لأن الدخان يبعد عنا البعوض والذباب.
وفي بعض الأحيان نستخدم رماده- الذي يصبح نقياً بسبب الحرق- كمعجون لتنظيف الأسنان لعدم وجود الفرشاة فنستخدمه بمساعدة أعواد الخشب.. بعد 16 سنة وعندما ذهبت لطبيب الأسنان لأول مرة أخبرني بأن لدي أسناناً سليمة علي نحو غير معقول لذلك أنصح باستخدام الأعواد والروث من أجل فم وأسنان سليمة.. ويستفيد صبية القرية الذين يرعون الماشية من بو لها عندما يضعون رؤوسهم تحت البقرة أثناء التبول بحيث يمر ذلك السائل علي شعره وجسمه لأنه يقتل القمل ويبعد البعوض عن مهاجمته.. ويبدو أنها من الطرق المتاحة أمامنا بسبب عدم توفر العلاجات.
شيء واحد لم أشف منه منذ الطفولة إنه داء الصدفية إذ تتحول بشرتي إلي اللون الترابي والأبيض وأخذ بالحك إلي أن أنزف دماً، أشعر بالخجل وأخيراً فقط تخلصت منه في بريطانيا غير أن معاناة هذه السنين علمتني ألا أهتم كثيراً بالجمال.. فقد كنت قبيحة طوال طفولتي.
تربيت في عائلة تعتبر من الطبقة الوسطي.. كنا نعيش في بيت مبني من الأسمنت يتكون من غرفتين وفيه باحة أعدت للأبقار: كنا ثمانية: والدي ووالدتي وستة أطفال لأن اخوتي الكبار كانوا قد غادروا منزل العائلة.
معظم الناس في أوروبا أو أمريكا يعتبروننا فقراء لعدم وجود الكهرباء أو الماء أو التواليت لكن لدينا كفايتنا من الطعام وبيت وملابس بسيطة.. وهناك الكثير من الناس أكثر فقراً منا ممن يعملون بالحقول ويعيشون ببيوت بلا سقوف كان والدي يعمل في مجلس التعليم المحلي يخرج للعمل يرتدي بدلة وربطة عنق ويحمل حقيبة جلدية سوداء صغيرة كان طويلاً ووسيماً ورشيقاً.. في الأمسيات كان يستمع لإذاعة البي بي سي براديو صغير يعمل بالبطارية.. وكثيراً ما كان يسألني: ما الذي تعلمتيه بالمدرسة؟ هل تعلمت كيف تحكمين العالم.. وأجبته كلا.. ثم يأمرني بإنجاز واجباتي المدرسية.
ترك تطوران أثرهما علي طفولتي الأول حادثة سقوط والدي من دراجته الهوائية وكسر وركه حيث ركب له الأطباء في الخرطوم براغي حديدية والحدث الثاني في عام 1983 أعيد بعد فترة من عودته اندلعت الحرب الأهلية.
ألغت الحكومة الحكم الذاتي وفرضت أحكام الشريعة وتشكل جيش التحرير الشعبي ليبدأ القتال.. وقد أصبحت واو منطقة عسكرية تعج بالمتمردين القادمين من الضواحي والجنود في المدينة والميليشيات الخارجة علي القانون التي تعيث بالأرض فساداً.
كانت الميليشيات عبارة عن مجاميع من العصابات ليس لها ولاء سياسي علي الاطلاق وكل الذي تريده أن تسرق وتزعج وتغتصب وتدمر.. ولا يكترثون من تكون.. والكثير منهم ليس سوي مراهقين يحملون البنادق.
لقد كان أمراً مروعاً أن تسمع أصوات العجلات العسكرية تهدر عبر شوارع واو وأن تري رجالاً بالزي الأخضر يرابط قبالة جدران بيت صديقتي.. لقد تشظت حياتنا الاجتماعية التي عشناها مع جيراننا الذين كانوا من قبائل وأديان متعددة.. أصبح كل شخص موضع شك من قبل الآخر.. سمعنا بعض الجيران يقولون إنهم الدينكا الذين تسببوا بكل هذه المشاكل.. ولو لم تؤل الأمور للدينكا- الذين يشكلون الكثير في الجيش الشعبي لتحرير السودان- لكان هناك سلام.
شاهدت أول جثث الضحايا عندما ذهبت مع اختي ادوا لجلب الماء وذلك عندما شممت رائحةكريهة وبعدها وجدنا جثة امرأة ممدة في العشب وبعدها شاهدنا أخري فهربنا إلي المنزل.. بدأ تراشق النيران بين الجنود الحكوميين والميليشيات في المدينة بأكملها.. وفي الليل استخدمت الصواريخ والأسلحة الأوتوماتيكية.
كان والدي قد خطط للعودة للخرطوم ليرفع براغي التثبت من وركه لكن الخروج من واو أصبح مستحيلاً.. تدهورت حالة وركه الصحية.. بحيث أصبح لا يستطيع المشي.. كما أنه سقط وكسرت ذراعه اليسري.
وذات ليلة اندلع قتال خارج منزلنا عندما كان والدي عائداً من المرحاض الذي في الفناء حيث ارتمي علي الأرض لمدة عشرين دقيقة.
في اليوم التالي اندفعت جماعة من الميليشيا عند البوابة المعدنية، وأطفأت والدتي الفانوس وتجمعنا مرعوبين وعندما دخلوا الفناء تذكرت والدتي بأسف بأنها تركت الباب مفتوحاً.. زحفت نحو الباب ووضعت الزلاجة مما تتسبب بحدوث صوت قرقعة.. عندها انفجرت الأسلحة وأخترقت الاطلاقات الجدران والنوافذ فما كان منا سوي الاختباء تحت الأسرة لكن والدي كان يبكي من شدة الألم.. غادرت الميليشيا المكان لكننا ظللنا متسمرين علي الأرض طوال الليل ونسمع دوي الإطلاقات والانفجارات.
قرر والداي بأنه حان وقت الرحيل.. كان علينا الاتجاه إلي قرية والدي التي تقع جنوب واو وكانت بعيدة عن الشارع الرئيسي وهذا يعني لا وسيلة سوي السير.. لكن كيف سيكون حال والدي الذي لا يستطيع الحركة علماً أنه في الأربعين من العمر.
عندما أنطلقنا التحقنا بأناس آخرين غادروا المدينة: كان من بينهم نساء مسلمات بحجاب أخضر أو أزرق ورجال نوبيون ومسيحيون، ولكن الأكثر كانوا الدينكا الذين يسيرون نحو الجنوب وباتجاه الحدود مع أوغندا وزائير في أعماق أراضي الدينكا.. لم تحمل عائلتنا شيئاً سوي ملابسنا التي أرتديناها.. كنت في التاسعة.. ولم أذهب إلي الريف لكني سمعت أشياء غريبة عنه.. كان حين يأتي ابن عمي في زيارة إلينا يرتدي ملابس بدائية ويطلب منا أن نخرج القمل من شعره.. وبعد سنوات عديدة عندما ذهبت إلي لندن اكتشفت أنه من الخطأ الحكم علي الناس بناء علي خلفياتهم الثقافية واكتشفت أنني أعيش وهم الانتماء إلي عائلة متعلمة ومتطورة.. وكان علي ألا أسخر من أي قروي لأني وجدت نفسي هناك فتاة بدائية وفي نظر الناس ليس سوي قروية أشبه ابنة عمي أو ابن عمي.. لقد كنت افريقية ببشرة أكثر سواداً من الليل حتي بالنسبة للجيل الثالث من الأفارقة ممن بشرتهم فاتحة ويعرفون الاتكيت في لندن.
في الليلة الأولي من مسيرنا طهت والدتي حساء من فواكه ونباتات برية.. ووضعنا حصيرنا علي الأرض الوسخة بالقرب من كوخ مهمل وضربنا عموداً حتي نفزع الحيوانات لنعلمها بأن بني البشر موجودون وعليها أن تغادر أو تقبع في جحورها.
(وقلت: ماذا عن الأفاعي؟ أجاب والدي الأفاعي لا تأكل اليك الصغيرة.. وماذا عن الأسود؟ أجاب أنها تبحث عن فتاة سمينة وليس نحيلة مثلك).
وفي اليوم التالي مررنا بغابة كثيفة فيها الكثير من البعوض وشعرت بجوع شديد لأنه لم يدخل بطني شيء سوي بعض الأوراق وجذور النباتات لم تكن مقنعة لأني مشيت مسافة ثماني ساعات.. وفي بعض الأحيان كنت أفرك بطني بيدي لأخفف ألم الجوع.
وحتي بعد عقدين من الزمان كان تذكر آلام رحلتي يجعلني أرغب بالبكاء.
وعلي نحو متفائل أكثر من أي وقت مضي وجدت والدتي الجانب المشرق فكانت تغني بعض الأغاني وتلقي بعض النكات وتروي لنا قصصاً عن الماضي.. سرنا علي هذا الحال لمدة أسبوعين نضحك طوال النهار وننام تحت المطر ليلاً وبطوننا تقرقر إلي أن شاهدنا ذات يوم قطيعاً يرعي وعجوزاً يسير نحونا حيث قال والدي: لقد وصلنا.
استطعت أن أشاهد أكواخ مصنوعة من الطين والقش تبدو بيوتنا قصوراً مقارنة بها.. شعرت بالحزن والرعب.. وفجأة التف حولنا 20 طفلاً يرددون مرحباً، مرحباً: من أين أنتم؟ كنت أتوقع أمراً سعيداً لكني شعرت بالحزن ثم أخذوا يرددون أطفال المدينة، أطفال المدينة سنأكلكم أحياء.
ومع مرور الأسابيع في القرية ساءت صحة والدي.. وذات صباح تدهورت صحته وكانت نظرات عينيه غريبة وبدا كرجل آخر مرعوب وفاقداً للأمل وأصبح لا يستطيع الجلوس أو الإنحناء ومشيته بطيئة فضلاً عن شدة الألم.
كان هناك عجوز يعيش في القرية يطلق عليه الأطفال لقب الشبح العملاق قيل إنه معالج.. ذات صباح وضع أنفه عند ورك والدي بحيث أرجعت رائحة القيح رأسه للخلف بسرعة وأخبر والدتي بأنه يجب أن يعرض علي طبيب.
واتضح أنه من دون عناية طبية مركزة فإن والدي سيموت.. وكنا لا نستطيع العودة بسبب القتال.. وظلت الأنباء القادمة سيئة طوال أشهر والأمطار بلغت ذروتها وتكاثر البعوض الذي بدا جائعاً مثلنا في القرية بشكل مخيف.. وذات صباح أستيقظت لأجد كدمات وبقعاً دموية علي جسدي.
وفي هذه الأثناء أخبر تاجر أمي إن المعارك حول واو انتهت إلي حد ما. فقررنا الرحيل ولم يهتم أحد من القرية لمغادرتنا.
وبعد أقل من ساعة لم يستطع والدي المشي فساعده أخوتي ثم مرضت وشعرت بصداع شديد وبأبر تنغرس في عضلاتي.
فقلت بابا وهو ما كنت أناديه به في صغري أشعر بالتعب.. أجاب بأنني أصبت بالملاريا.. وهي من الأمراض المستوطنة في جنوب السودان تقتل الآلاف.. كان لدي والدتي جرعة لمكافحتها عندما تستفحل، وفعلاً شعرت بأنني سأموت لكن أختي أصيبت أيضاً.. لذلك استخدمت الجرعة لانقاذ حياة أختي التي كانت معاناتها أكبر.. واستمرت رحلتنا حوالي أربعة أسابيع إلي أن وصلنا في النهاية إلي نهر جور بالقرب من واو . وركضنا أنا وشقيقتي في داخل الشعب الذي كان ارتفاعه إلي أن فوجئنا بثلاثة رجال بملابس ممزقة ويحملون الكلاشنكوف.. كان القائد يرتدي صندل ونظارات شمسية.
قال من أنت أيتها الطفلة؟ لم أجب كنت فزعة ضمنت أنهم متمردون ولكني حتي المتمردين يقتلون الدينكا إذا كانوا بحاجة لشيء ما.. وأعرف أن الجنود يغتصبون الفتيات وأعلم أنهم يسرقون الأطفال.. أعتقدت أنهم سينفرون مني بسبب داء الصدفية لكنهم بدأوا بالتحرك نحوي وشعرت بأني قد تبولت علي نفسي مع العلم أني لم أشرب ماء في ذلك اليوم.. ومن بين العشب ظهرت والدتي.. ونظروا إليها وكأنها شبح.. ومن ثم تحدثت: هل أنت آنوك دينج؟ أنا أعرف والدتك.
بدا الخجل علي القائد ثم أردفت إلهي لو أمك تعرف .. كيف هي؟ والدتي بخير أنها في الكونغو.. هل هي بأمان؟ أجاب أعتقد ذلك.. وهل أنت قادم لسرقتنا؟.. قال: لا أعتقد ذلك.
لكن انتهي الأمر إلي أن أعطيناهم بضاعتنا وملحنا وقليل من الصابون وقدر الطبخ وطعامنا علي شكل هدية وليس لأنهم طلبوها.. شعرت بالأسي لأجلهم فقد حملوا والدي وأختي وعبروا بهما النهر.. كان بإمكانهم قتلنا وذلك ما حدث للكثير من الناس ممن التقوا الجنود أو الميليشيات أو المتمردين غير أن هؤلاء عاملونا كبشر.
عندما وصلنا كانت واو مخيفة.. حرقت البيوت ودمُرِتْ نقطة الشرطة والطرق وبوابة دارنا حُطِمَتْ ووجدنا عائلة تعيش في منزلنا.. وغادروا بعد أن تحدث والدي إليهم والذي كان بأمس الحاجة للذهاب للخرطوم لعدم وجود من يعالجه في واو .
كانت والدتي تريد مغادرة عائلتنا جميعاً لكن لا توجد قطارات أو سيارات والوسيلة الوحيدة هي الطائرات العسكرية التي من نوع C-51 ومخصصة لنقل الإمدادات العسكرية.. انتظرنا في المطار الصغير علي أمل أن نهرب جميعاً فيما كان هناك المئات غيرنا يحاولون الشيء نفسه.. كان الجنود يرغبون برؤيتنا نتوسلهم.
لقد توسلتهم والدتي من أجل أن يأخذوا والدي في إحدي الرحلات مشيرة إلي وضع وركه كما كشفنا عن ساق أختي المتسممة وأخيراً قبل الحرس أن يرحلوا والدي واختي وأن نبقي نحن.
عدنا للبيت ودخلنا في نوبة بكاء وهي من المرات القلائل التي أشاهد فيها والدتي تبكي فلم يبق لنا شيء.. لقد رحل والدي وليس معنا نقود وليس لدينا فكرة عن مستقبلنا.
رجعنا للمطار مرة أخري ومرة أخري ولكن في كل مرة يصدونا.. وفي إحدي المرات عندما كنا سائرين باتجاه المطار أخبرت والدتي بأني سأغادر اليوم حتماً وبأي طريقة وحتي لو تفرقنا.. نظرت والدتي كما لو أني مجنونة لكن شيئاً ما أخبرها بأن تثق بي.
في المطار كان ذات المشهد القديم.. الجنود الحقراء ومئات الناس الراغبين في الرحيل.. خط طويل من الناس سمح لهم بالسفر لأسباب مختلفة كالرشاوي والعلاقات.. شاهدت أحد الجيران من بينهم لم أعرفه جيداً.. ومن دون أن أقول كلمة تركت والدتي وسرت نحوه وأخبرت الحرس بأنه والدي وبدوره أشار بالإيجاب.
كانت والدتي تنظر لي والألم واضح في عينيها.. وعندما بدأ الخط يتحرك قالت له بلغة الدينكا خذها لأسرتي في الخرطوم وأعطته عنوان خالتي.. رد الرجل بالإيجاب ولكن من يعرف؟ ربما سيبيعني؟ أو يتخذني زوجة له؟ لكن ماذا لو لم أر أمي مرة أخري؟
نظرت إليها بتركيز وابتسمت، ثم اشحت بوجهي لأن أحد الجنود ظهر فجأة أمامي.. تساءل: من أنت؟
وما الذي تفعلينه هنا؟ تصرفت بإنفعال.. وقلت إنه والدي مشيرة إلي ذلك الرجل الذي بقي بارداً ولوح برأسه بالإيجاب ثم قال تعالي يا فتاة وأبقي معي.
وعندما سرنا باتجاه الطائرة أدرت وجهي لأري والدتي.. أمتلأت عيناها بالحزن والدموع.. أردت البكاء أيضاً لكني لم أفعل، صعدنا الدرج الحديدي الذي قادنا إلي جناح الأمتعة والحقائب وجلست إلي جوار والدي.
وبمجرد أن أقلعت الطائرة من المدرج أطفأ الطيار الأضواء حتي لا تصيبنا صواريخ المتمردين وحلقنا في ظلام تام لمدة ثلاث ساعات.. كان الجميع يغطون بالصمت وشعرت كما لو كنت في حفرة القبر.
كنت وحيدة في هذا العالم هاربة من الحرب لا أحمل شيئاً سوي ملابسي التي أرتديها لكنها كانت بداية رحلتي إلي المرأة التي هي أنا اليوم. http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&ite...e_id=60&parent_id=54
|
|
|
|
|
|