|
عن دكتور الفاتح الملك والاستاذ القانونىالضليع محجوب ابراهيم والغربه
|
كتب الاستاذ جعفر عباس فى جريدة الصحافه اليوم مايلى -
يوم الثلاثاء الماضي، أقام أصدقاء وزملاء الدكتور الفاتح بشير الملك، حفل وداع له في فندق رمادا بالعاصمة القطرية الدوحة بمناسبة عودته الى السودان ليعمل بجامعة/مستشفى الرباط الوطني أستاذا واستشاريا لجراحة المخ والأعصاب.. واقع الأمر هو ان الفاتح عاد الى السودان قبل سبعة أشهر، ولكنه عاد الى الدوحة اخيرا لفترة قصيرة ينهي خلالها ارتباطاته الرسمية مع مستشفى حمد العام، ليتفرغ تماما للمشروع الذي بدأه في "الرباط"، وحزنت كثيرا لفراق الفاتح، ليس لأنني محتاج اليه طبيا (فأعصابي التالفة لا يستطيع عشرون فاتح أن يصلحوا حالها، كما أن مخي "ضارب" لأنني أعمل في مجال الإعلام وأتابع يوميا الأحداث السيريالية في البلاد العربية والعربيقية ومن بينها السودان)، ولكنني سأفتقده على المستوى الإنساني، شخصا شهما نبيلا ودودا بشوشا.. وبالمناسبة فإن مستشفى حمد العام في قطر قرر عدم إلغاء "إقامة" الفاتح في قطر، وهذا استثناء يعني: مرحبا بك في دارك ومطرحك في قطر في أي وقت يا دكتور! وهذه معلومة أرجو ان يستوعب مغزاها من بيدهم القرار في مستشفى الرباط، فلا "يعترسوا" الأمور فيضطر الفاتح الى مغادرة وطنه مجددا.. ولو فعلها فإنه - وعلى ضمانتي- لن يعود "بالهيِّن"، وكان الفاتح يتقاضى في قطر راتبا شهريا يعادل رواتب ثلاثة آلاف معلم في المرحلة الثانوية في السودان في شهرين،.. إذن، هو لم يعد لممارسة الطب التجاري الذي يمارسه البعض بمعايير سوق الغنم: علي بالطلاق ما بتخارج بأقل من كده.. يا دوب تجيب راس مالها! لا، فمنذ سنوات والفاتح معنيٌّ بصدق بتعزيز الخدمات الطبية في مجال جراحة المخ والأعصاب، وظل طوال سنوات عمله في قطر يسهم في استجلاب الأجهزة الحديثة الى السودان ويصطحب زملاءه بين الحين والآخر الى السودان لإجراء جراحات.. وبالتالي لم يكن غريبا ان يكون قد اصطحب خلال زيارته الأخيرة الى قطر فريقا من الفنيين والممرضين من "الرباط" ليطلعوا على أساليب العمل في مستشفى حديث كمستشفى حمد في الدوحة.. ولو كان هدف الفاتح جمع المال لبقي في الدوحة، ولو كان هدفه المال والشهرة لبقي في مستشفيات تشيرنق كروس وكرومويل في لندن حيث عمل قبل قدومه الى الدوحة.. وجراح كالفاتح بشير يمتاز بحسن الخلق والمهارة يجعلك تشتهي الانزلاق الغضروفي وفقرات الظهر والعنق "المُصرِّجة" أي الخارجة عن موقعها.. وبداهة فإن شخصا يمتاز بكل تلك الصفات لابد وأن يكون من "أندِنا".. نوبي على السكين، والشاهد هو ان الفاتح عائد لأنه يحب السودان والسودانيين، ويحلم بخدمات طبية راقية تتاح لكل المواطنين، وإذا كنت تعاني من مشاكل في فقرات الظهر او المخ والأعصاب فاذهب اليه في عيادته الخاصة او قم بتزوير بطاقة انتماء للشرطة واذهب الى مستشفى الرباط وقل له انك من طرف جعفر عباس، وإذا لم يجرِ لك العملية بنصف التكلفة التي يطالب بها غيره من الجراحين، أبلغني بالأمر وسيكون لي معه "تصرف آخر"
وقبل الفاتح عاد الى البلاد نهائيا مولانا وحبيبي محجوب ابراهيم (الخليفة) حسن، الذي عرفته قطر قاضيا ذا ضمير مهني رفيع، وعرفته شركة اتصالات قطر مستشارا قانونيا شديد الاستقامة (من فرط استقامته فإنه يعاني من شد في عضلات الظهر والعنق).. ولو قيل لي من تختار كمواطن سوداني مخلص للوطن لوجه الله وخال من التلوث والدنس بمعنى التحلي بطهارة اليد لقلت بلا تردد: محجوب ابراهيم حسن.. يكفي انه يحدد مواقفه من الناس بحسب مواقفهم من قضايا السودان، بل وتبلغ به القطامة إنه ليس على استعداد لمصافحة أي شخص يعتقد أنه خان الوطن او استهتر بقضاياه ومصيره.. ودخل محجوب سوق المحاماة في الخرطوم قبل نحو ثلاث سنوات، ولكنني متأكد من أنه يعيش على مخزون سنامه أي المبلغ الذي ادخره خلال سنوات اغترابه، فهو مثل الفاتح بشير لا يساوم في المسائل المبدئية، وبالتالي فلن يقبل الترافع عن شخص مشبوه ولو أعطاه وزنه ذهبا، لأنه كما يقول صديق مشترك: نظيف لدرجة العوارة، ولهذا أجزم بأنه لن يفلح قط في تكوين نفسه.. والغريب في الأمر ان محجوب هذا ولو من الناحية النظرية ابن بندر، فقد ولد وعاش (لا استطيع ان ازعم أنه "ترعرع" لأن هذه الكلمة لا تنطبق عليه)، في الخرطوم، وأبناء البندر عموما حبرتجية ومكحلون بالشطة ويعرفون من اين تؤكل الكتف، ولكن محجوب الذي درس القانون في جامعة الخرطوم في عصرها الذهبي ونال الماجستير من جامعة بريطانية عتيدة أقرب الى الدروشة منه الى الفهلوة، والسر في ذلك ان العرق دساس، فهو ابن بندر بالأوانطة، لأنه من أبناء الديم (وجمعها ديوم)، وهو ذلك الحي المصاب ب"الهيم" والذي تقف جخانينه في كبرياء في مواجهة حي العمارات او امتداد الدرجة الأولى (الهيم الذي يعرف أيضا ب"سمير"، هو مرض يصيب الدجاج وأعراضه قلة الحركة الناجم عن تسلل كائنات طفيلية الى جلد وريش الدجاج).. وما زال متمسكا بقيم الديم الأصيلة مثل المروءة والتكافل والبساطة وطهارة اليد.. ومحجوب من حقه ان يرث عن جده "الخليفة" سجادة مبروكة كانت ستعود عليه بأطباق من الفتة والعطايا، ولكنه عاق في ما يتصل بالولاء الى القيادات السياسية والطائفية التاريخية، ولعل القاسم المشترك بيني وبينه، أن كلينا وبكل فخر لم يؤيد أية حكومة منذ الاستقلال، ولا أحسب أننا سنفعل ذلك حتى ينتهي عقد حياتنا على ظهر الأرض.
والشاهد يا جماعة، هو ان الكثيرين من المغتربين بدأوا في العودة النهائية الى الوطن، وهم أكثر خبرة، وكثيرون منهم هاجروا أصلا مرغمين، إما تفاديا للاضطهاد السياسي او الوظيفي او الاقتصادي،.. وشخصيا أتى علي حين من الدهر كنت اعتبر فيه كل مغترب شخصا جشعا وناكرا لجميل الوطن، ثم تزوجت واكتشفت ان زوجتي ستخلعني في ميدان عقرب (بحكم إقامتنا بالقرب منه في الخرطوم بحري) بسبب ضعف مواردي المالية.. فهاجرت وبعد أقل من عامين عدت "نهائيا"، ثم بعد 6 أشهر صرت على الحديدة رغم انني كنت أتقاضى مرتبا من أكثر من جهة فهاجرت مجددا.. وقلت: سأعود الى الوطن نهائيا بمجرد ما يصل أكبر أولادي المرحلة الجامعية، وعندما وصل الولد تلك المرحلة اكتشفت ان جامعاتنا ارتدت الى الأمية، ثم صار هناك هم تعليم البنت التي بعد الولد والبنت الأخرى.. والحكاية "جَرَّت".. منذ أكثر من 27 سنة وأنا أعمل في منطقة الخليج، ووالله لم يمر عليَّ يوم واحد لم أحس فيه بألم فراق الوطن والأهل، ولكن الوطن لن يستقبلني بالأحضان، بل سأجد جبالا من العراقيل والعترسات لو فكرت في الاستقرار فيه نهائيا.. وليس "فيني حيل للبهدلة"،.. أن أعيش غريبا خارج بلدي خير من أن أعيش غريبا في بلدي.. وبعد العمل في بي بي سي وقناة الجزيرة، فلا اعتقد انني قادر على العمل في أية أداة إعلام مهمتها البكش (طلبا للسلامة).
|
|
|
|
|
|