ورقة حول العلمانية تم الحوار حولها فى مؤتمر حق الاخير

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 07:14 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-07-2012, 03:45 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ورقة حول العلمانية تم الحوار حولها فى مؤتمر حق الاخير

    مفهوم العلمانية بين الجمود والتطور
    أطروحة لتوسيع و تعميق الحوار الموضوعي حول مفهوم العلمانية

    "إننا ندعو إلى قيام دولة علمانية والعلمانية تعني عندنا الفصل بين الدين والدولة، أي أن تكون الدولة ومؤسساتها محايدة تجاه أديان ومعتقدات مواطنيها، وألا تنحاز إلى أي دين أو مذهب معين، و ألا يكون الدين عامل تمييز في أي من الخدمات التي تقدمها الدولة ، أو في الحقوق و الواجبات الدستورية و القانونية للمواطنين ، و أن يكفل الدستور الديمقراطي حرية الفكر و التعبير و الحرية الشخصية للمواطنين و يحميها من أي تغول باسم الدين أو الأغلبية أو غيرها . وألا تتعارض نصوص الدستور أو أي قانون يتفرع منه مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية." من ورقة المنطلقات الأساسية والقيم الكلية للحركة

    هذه الأطروحة، عن مفهوم العلمانية بين الجمود والتطور، مستوحاة ومستمدة من جدل يدور حول كتاب البروفسور عبد الله النعيم "الإسلام وعلمانية الدولة" وهو كتاب لقي رواجا واسعا في كثير من البلاد الإسلامية وترجم إلى عدة لغات منها ست لغات آسيوية في بلدان إسلامية. أعد الأطروحة الأخ والصديق الصحفي عيسى إبراهيم. وقمنا باختصارها واختيار ما يتناسب مع الطرح في مؤتمرنا، وقد رأينا فيها مادة جيدة لتوسيع وتعميق الحوار العلمي والموضوعي في الحركة حول مفهوم العلمانية بين الجمود والتطور وهو مفهوم متنوع تنوع البلدان التي تعتمدها في الحكم ولها مفهوم إجرائي تمثل في الفصل بين الدين والدولة ومفهوم فلسفي يرى إبعاد الدين عن الحياة العامة تماما. والمقصود من هذه الورقة الاستعانة بها في تعميق الحوار و بلورة مفهومنا للعلمانية وتعريفنا لها في إطار الثقافة السودانية وإيجاد صياغة تزيل اللبس عن أذهان الناس العاديين عن مفهوم العلمانية التي نقصدها.
    تعريفات
    العلمانية: هي النظرية التي تقول: إن الأخلاق والتعليم يجب ألا يكونا مبنيين على أسس دينية.
    * العلمانية لغة: لم يوجد لفظ العلمانية في معاجم اللغة العربية القديمة، وقد وردت في بعض المعاجم الحديثة ومن ذلك:
    ما ورد في معجم المعلم البستاني: "العلم...اني: العامي الذي ليس بإكليريكي (نسبة لرجال الكنيسة)، وفي المعجم العربي الحديث: "علماني: ما ليس كنسياً ولا دينيا،ً وفي المعجم الوسيط "العلماني نسبة إلى العَلم بمعنى العالم، وهو خلاف الديني أو الكهنوتي".
    * وتقول دائرة المعارف الأمريكية: "الدنيوية هى: نظام أخلاقي أسس على مبادئ الأخلاق الطبيعية ومستقل عن الديانات السماوية أو القوى الخارقة للطبيعة.." . والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو فصل الدين عن الدولة وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة .
    ‏* العلمانية هي ترجمة لكلمة ( سكيولاريزم secularism ) وقد استخدم هذا المصطلح بداية في معنى محدود الدلالة يشير إلى علمنة ممتلكات الكنيسة بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية، إلا أن معنى الكلمة اتسع بعد ذلك على يد "جون هوليوك" فعرّف العلمانية بأنها: " الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية، دون التصدي لقضية الإيمان بالقبول أو الرفض " عن كتاب "العلمانية تحت المجهر ص 12".

    غير أن هذا المفهوم للعلمانية تقلص كثيرا عند مفكرين آخرين ليصبح معناه فصل الدين عن الدولة ( separation of church and state ) وهو من أكثر التعاريف شيوعاً سواء في الغرب أو في الشرق، وهو يعني " فصل المؤسسات الدينية (الكنسية) عن المؤسسات السياسية ( الدولة ) "وبذلك تحصر العلمانية في المجال السياسي وربما الاقتصادي فحسب .

    ‏* العلمانية هي نتاج صراع مرير، ومخلفات عقود من المعاناة عاشها الغرب المسيحي في ظل أوضاع غاية في التخلف والقسوة ، وليس العجب في تلك الأوضاع من حيث هي، ولكن العجب في ارتباط تلك الأوضاع المأساوية بالدين، فقد غدت الكنيسة في الغرب المسيحي مصدرا للظلم ومُعِينَاً للظالمين، وهي في ذات الوقت مصدر للجهل، وانتشار الخرافة والدجل ، وأصبح رجال الدين (الاكليروس) عبئا ثقيلا، وكابوسا مريعا، يسومون الناس سوء العذاب فكريا وماليا وجسديا، فقد كانت الكنيسة سندا قويا لرجال الإقطاع، بل كانت هي أعظم الإقطاعيين، الذين يستعبدون العامة فيستخدمونهم وأولادهم في العمل في أراضيهم ويفرضون عليهم قيودا وشروطا وإتاوات، جعلت من حياتهم جحيما لا يطاق، ليس أدنى تلك القيود حرمانهم وأولادهم من العلم، وأخذ جزء كبير من محصول الأرض التي يحرثونها، فإذا ما انتقلنا إلى جانب الخرافة فنجد أن الكنيسة قد رسَّخت في الناس الخرافة باسم الدين، فهناك صكوك الغفران التي يشتريها العامة مرغمين في بعض الأحيان، والتي بمقتضاها تزعم الكنيسة أنه يُغفر للإنسان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهناك العشاء الرباني وهو عبارة عن وجبة خبز وخمر يأكلها العامي ، ليتَّحِد بالمسيح حسب زعم الكنيسة، فليس الخبز - حسب زعمهم- سوى لحم المسيح ، وليس الخمر سوى دمه، في خرافة يأبى العقلاء تصديقها.

    * يعد مفهوم العلمانية من أكثر المفاهيم الاجتماعية والسياسية والفلسفية التباسا. وبالنظر إلى سياقات منشئه الأوروبي يمكن اعتباره ثمرة لجملة من التسويات الإجرائية جاءت لحل إشكالات مستعصية في البيئات الغربية تتمثل أساسا فيما حصل من تنازع طويل مدمر على السلطة بين سلطان الملوك وسلطان رجال الدين، وتنازع كذلك بين هؤلاء الأخيرين وبين تيارات الفكر الحر التي نشأت متأثرة بأصداء وترجمات آثار إسلامية ويونانية، للعقل فيها مكانة متميزة، مقابل ما كان يرزح تحته من قيود وصاية كنسية، لم تكن تعترف بحقيقة خارج الكتاب المقدس. وقد أدى ذلك إلى نزاع واسع واضطهاد للعلماء بلغ حد التحريق وتكميم الأفواه.
    * لقد كان نضال الفكر الحر يصطدم بسلطة رجال الدين إن على المستوى الفكري تأسيسا لحرية العقل المطلقة أو على المستوى السياسي الاجتماعي سعيا لتحقيق السلم المدني والوحدة الوطنية بما يضع حدا للتحارب الديني الذي كان فاشيا، ويعترف معه بحق الشعوب في اختيار حكامها.

    * كانت العلمانية حلا إجرائيا يتمثل في تحرير العقول من كل وصاية وإطلاق عنانها بلا حواجز ولا قيود ولا تهديد، ويضع حدا لتدخل الكنائس في المجال العام باعتباره مجالا عقليا خاليا من المقدسات تتدافع فيه كل الآراء والتجمعات، وتتولى أدوات الديمقراطية تنظيمه، وذلك مقابل حصر سلطان الكنائس في خصوصيات المسائل الروحية.
    * غير أن الحل العلماني تجاوز هذا المستوى الإجرائي إلى مستوى فكري فلسفي نقيض للدين من كل وجه وليس مجرد تخصيص له كما بدأ.
    * حدث ذلك بالخصوص في بعض البيئات الغربية التي كان التدافع فيها شديدا عنيفا بين دعاة التحرر من جهة وبين الكنائس وحلفائها من ملوك الإقطاع من جهة أخرى مثلما حصل في فرنسا، حيث بلغت حدة التصادم أن رفع اليعاقبة الثائرون شعار "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس".
    * وبلغ تيار العلمانية الأصولية أو الملحدة أقصاه مع ماركس الذي رفض الدين بوصفه أفيونا للشعوب.
    أما نيتشة فقد أعلن موت الإله، وأعلنت وجودية سارتر التصادم الكامل بين الحرية وبين الإيمان "إما أن أكون حرا، أو يكون الله موجودا".
    * العلمانية هنا تجاوزت مستواها الإجرائي الذي بدأت به متمثلا في حرية العقل وفي الفصل بين الدين والدولة، إلى المستوى الفلسفي أو العلمانية الشاملة مقابل العلمانية الجزئية بلغة المرحوم المسيري.

    مفهوم العلمية والعلمانية عند الأستاذ محمود محمد طه
    يقول الأستاذ في ديباحة كتبها للدستور:
    "الناس يتحدثون، في الوقت الحاضر، عن العلمية بتأثر كبير برأى كارل ماركس عن اشتراكيته، ولكنهم غير دقيقين في هذه التسمية‏.‏‏. اشتراكية ماركس علمانية، وليست علمية‏.‏‏ وكذلك كل ما يتحدث عنه الناس الآن، إنما هو علماني، وليس علميا‏‏. الفرق بين العلمية، والعلمانية، أن العلمانية علم ناقص‏.‏‏. وتجيء العبارة عنه في القرآن "وعد الله ، لا يخلف الله وعده، ولكن اكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم، عن الآخرة، هم غافلون!!" سماه، ونفي عنه، أنه علم‏.‏‏. قال" لا يعلمون" ثم قال" يعلمون ظاهرا"‏.‏‏. وهذا الظاهر إنما هو المادة كما تتبادر إلى حواسنا‏.‏‏. العلمانية تتعلق بالحياة الدنيا - الحياة السفلى - حياة الحيوان، وتغفل عن الحياة الأخرى‏ الحياة العليا، وهي حياة الإنسان‏. كارل ماركس ينكر الغيب، وينكر الحياة الأخرى، وتتعلق اشتراكيته بالسعي في الحياة الدنيا، وفي، ظاهرها، ومن ثم فهو علماني، وليس عالما‏.‏‏.
    العالم هو الذي ينسق بين الحياة الدنيا، والحياة الأخرى، على غرار العبارة النبوية: (الدنيا مطية الآخرة).. العالم ذكي، والعلماني شاطر.. والفرق بين الذكي والشاطر أن الذكي يملك ميزان القيمة، ويقيم الوزن بالقســــط.. والشاطر لا يملك هذا الميزان، فهو يخبط كحاطب ليل.. الذكي يعرف الوسائل والغايات، وينسق بينها، فلا يصرف، في سبيل الوسيلة، من الجهد، ما ينبغي أن يُصرَف في تحصيل الغاية.. والشاطر قد يفني حياته في سبيل الوسيلة، لأنه لا يملك التمييز الدقيق بين الوسائل، والغايات.. الدنيا وسيلة الآخرة، فيجب أن تنظم بذكاء، وبعلمية لتتأدى إلى الغاية المرجوة منها.. ولا يستطيع ذلك العلمانيون وإنما يستطيعه العلماء‏"..

    "الحضارة الغربية الحاضرة بشقيها - الاشتراكي والرأسمالي - إنما هي حضارة مادية – قيمة الإنسان فيها مهدرة، وقيمة الحطام مرتفعة‏.‏‏. هي حضارة، وليست مدنية‏.‏‏. هي حضارة التكنولوجيا الهائلة، والآلات الرهيبة، ولكن الإنسان فيها ليس سيد الآلة‏‏ . لقد نمت التكنولوجيا الثروة بصورة خيالية، ولكن، لغياب القيمة، لم يكن هناك عدل في توزيع الثروة، وإنما انحصـرت في أيدي القلة، وأصبح الفقر نصيب الكثرة، فذهل الغني، بالغنى، عن إنسانيته، كما شُغل الفقير، بالفقر، عن إنسانيته، فانهزم الإنسان، في هذه الحضارة المادية، الآلية الهائلة، المذهلة‏.‏‏. لقد وصلت هذه الحضارة إلى نهاية تطورها، ووقف طلائعها في نهاية الطريق المقفول - طريق المادية الخالية من الروحية‏.‏‏. ولابد للبشرية التي سارت في هذا الطريق العلماني حتى بلغت نهايته من أن تعود لتدخل من جديد، في الطريق العلمي‏.‏‏.

    "إن العلمية لا تستغني عن العلمانية، وإنما تضعها في موضعها، وهو موضع الوسيلة من الغاية، على غرار "الدنيا مطية الآخرة".‏‏. فمن استغنى بالدنيا عن الآخرة، فقد ضل ضلالا بعيدا‏.‏‏. ومن حاول أن يطلب الآخرة بدون الدنيا فقد ضل‏.‏‏. والقصد القويم هو أن تأخذ من دنياك زاد الراكب، إلى أخراك‏.‏‏. هذا هو المقصود بقولنا إن العلمية لا تستغني عن العلمانية‏ .الحضارة العلمانية، المادية الآلية، الحاضرة، حضارة عملاقة، ولكنها بلا روح، فهي تحتاج إلى مدنية جديدة تنفخ فيها هذا الروح، وتوجهها الوجهة الجديدة، التي تجعلها مطية للإنسان بها يحقق إنسانيته، وكماله."

    "علينا أن نعلم أنفسنا! وأن نعلم شعبنا، وأن نعيد تعليم المتعلمين منا، من جديد، فنخرجهم من الطريق العلماني، إلى الطريق العلمي‏.‏‏. ..وأما التعليم الرسمي سيكون مجاله المدارس، والمعاهد، والجامعات، هو تعليم يقوم على العلم المادي التجريبي، حتى يتقن المواطن، والمواطنة، المقدرة على تصميم الآلة، وصنعها، واستعمالها، وصيانتها، لكي يكون نافعا لمجتمعه بتسخير العالم المادي لخدمته‏.‏‏.
    لقد قلنا إن العلم المادي، والعلم الروحي، قد اتفقا على وحدة الوجود، وذلك يعني أن بيئتنا التي ظللنا نحاول التعرف عليها في الآماد السحيقة بوسيلتي العلم المادي، والعلم الروحي، قد ظهرت لنا على حقيقتها، بفضل الله علينا، ثم بفضل هذين العلمين. ... إن علينا لأن نعيد توجيه برامج تعليمنا حتى يجد الفرد منا المقدرة على المواءمة بين حياته وبيئته هذه الجديدة، ولما كانت هذه البيئة الجديدة، إنما هي بيئة روحية، ذات مظهر مادي، كما سبق أن قررنا، أصبح على الحى أن يعلم مظهرها ومخبرها - خصائصها وكنهها - وهذا ما يوجب تعلم العلم المادي، التجريبي، والعلم الروحي، كليهما، لكي يتم تواؤم الحى مع بيئته هذه القديمة، الجديدة‏.‏‏."

    النعيم وتطور مفهوم العلمانية
    * أول ما يتبادر إلى الذهن بعد الاطلاع على كتاب دكتور عبدالله النعيم، أنه إنما يعني بعلمانية الدولة، حياد الدولة تجاه الأديان والأيدلوجيات المختلفة.
    1/ يؤكد النعيم أن أطروحته رغم مخالفتها للفهم الشائع عن علاقة الدين بالدولة (سواء بجمعهما، كما يقول الإسلاميون، أو إقصاء الدين عن الحياة العامة، كما يقول دعاة المرجعية اللادينية) فإنه مهتم كل الاهتمام بالتأسيس الاسلامي لأطروحته، وهو يرى أن العلمانية بالفهم الذي قدمه في كتابه هي حقيقة ما كان عليه حال المسلمين منذ انتقال النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الرفيق الأعلى.

    2/ يشير د. النعيم إلى أن الأطروحة الأساسية في هذا الكتاب هي ضرورة الفصل المؤسسي بين الشريعة الإسلامية وأجهزة الدولة، رغم العلاقة العضوية واللازمة بين الإسلام والسياسة لدى المجتمعات الإسلامية. فالطرف الأول من هذه العبارة يؤشر نحو ما يسمى العلمانية في المصطلح الشائع، بينما يوحي الطرف الثاني بالمعنى المضاد لذلك. وهذه الجدلية الدائمة هي جزء من الأطروحة المقدمة للنقاش في كتابه، بأن العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع تقوم على أساس الحوار والتفاوض المستمر في الإطار الخاص بكل مجتمع، وليس بفرض صيغة محددة، سواء كان ذلك بدعوى الفصل الكامل أو الجمع القاطع بين الدين والدولة. وإن معالجة جدلية الفصل بين الإسلام والدولة مع الربط والضبط لاستمرار العلاقة بين الإسلام والسياسة إنما تكون من خلال التفاعل الاجتماعي الإيجابي على مدى الزمن، لا بمحاولة فض التعارض بصورة فورية من خلال التحليل النظري.
    3/ من الضروري (عند د. النعيم) النظر لعلاقة الدين بالدولة من ناحية، وبالمجتمع والسياسة من ناحية أخرى في الإطار التاريخي لكل مجتمع على حدة، والابتعاد عن تصور تعريف شامل وعام لهذه العلاقة يطبق على جميع المجتمعات الإنسانية. وبعبارة أخرى (كما يقول) فإن الغاية هي تأسيس وتوثيق القول بأن الدولة الوطنية المعاصرة لا تقدر على تطبيق الشريعة الإسلامية كقانون عام أو أساس للسياسات الرسمية، ولا ينبغي لها أن تحاول ذلك، غير أن هذا لا يعني إقصاء الشريعة عن الحياة العامة أو إسقاط دورها وأثرها على السياسات العامة للمجتمع.

    4/ وتفاديا لما قد يصرف القارئ عن حقيقة ما يقول به، (يقول النعيم ويكرر القول) أنه استخدم مصطلح "علمانية الدولة" في كتابه الذي نحن بصدده لتمييز ما يقول عن العلمانية كفلسفة عامة للحياة من غير اعتبار للمرجعية الدينية من ناحية. فالفهم الشائع لدى المسلمين عامة (كما يقول) أن مفهوم العلمانية دائما يعني العداء للدين، أو على الأقل إقصاءه عن الحياة العامة للمجتمع. ولتفادي مضار هذا التعميم المضلل، ينبه القارئ إلى ملاحظة أن صفة "العلمانية" تلحق بالدولة لا بالمجتمع. كما أنه يستخدم عبارة "الدولة العلمانية" أو "علمانية الدولة" ليميز ما يقول عن دعوة بعض الجماعات الإسلامية للدولة المدنية حين يقصدون بذلك فهمهم للدولة الإسلامية التي تكتسب صفة "المدنية" من أن القائمين عليها ليسوا من رجال الدين (القساوسة) كما في المفهوم المسيحي.

    5/ كما أن الحديث عن الدولة العلمانية - حيث تلحق صفة العلمانية بالدولة وليس بالمجتمع - يُمكِّن من النظر والمقارنة بين المجتمعات الإسلامية المعاصرة التي يستخدم بعضها هذا المصطلح، كما نجد في السنغال وإندونيسيا وأواسط آسيا مثلا. كما أن مصطلح "الدولة العلمانية" مفهوم في باقي أنحاء العالم باعتباره تحديداً لصفة الدولة وليس تحديداً لصفة المجتمع.

    6/ والتعريف التطبيقي لمفهوم الدولة العلمانية في كتاب النعيم هو أنه المبدأ العام لتنظيم العلاقة بين الإسلام والدولة بما يضمن مقتضيات الحكم الدستوري، والتعددية الدينية والمذهبية، والاستقرار السياسي والتنمية، في الإطار المحدد للمجتمع المعين حسب تكوينه الثقافي والعرقي وظروفه الاقتصادية والسياسية الفعلية. غير أن هذا التركيز على خصوصية هذه العلاقة بين الدين والدولة لكل مجتمع لا يعني أن كل علاقة "مزعومة" بين الدين والدولة مقبولة وعملية؛ إذا كانت لا تحقق التوازن بين امتناع تطبيق الشريعة بواسطة أجهزة الدولة كقانون أو سياسة عامة، من جهة، وامتناع إبعاد الشريعة عن مجالات الحياة العامة للمجتمع، من الجهة الأخرى. إلا أن هذه الموازنة (كما يقول ويؤكد) تأتي من خلال الممارسة العملية، وليس فقط بالتنظير الأكاديمي حول هذه المفاهيم. لهذا، فهو مهتم بوسائل التوعية الشعبية لإشاعة هذا الفهم للعلاقة بين الدين والدولة من ناحية، والدين والمجتمع من ناحية أخرى، تماماً كما يهتم بالتحليل والتوثيق لأطروحته الأساسية حول طبيعة هذه العلاقة.
    التفاوض المقارن حول علمانية الدولة
    * يقول د. النعيم تحت عنوان " التفاوض حول علمانية الدولة في المنظور المقارن": "ولعله مما يعين في بيان أن علمانية الدولة بالمعنى المقدم في هذا الكتاب لا تعني إقصاء الدين عن الحياة العامة للمجتمع، أن نلاحظ أولا أنه لا ينبغي الإصرار على تعريف ضيق وغير واقعي لعلمانية الدولة بأنها الفصل الصارم والمتشدد في كل ما يتعلق بعلاقة الدولة بالدين، ثم إثارة المعارضة لذلك الفهم كأنه يعني امتناع أي نوع أو درجة من تنظيم وضبط العلاقة بين الدين والدولة. فذلك التعريف المتطرف لا ينطبق حتى على الدول الغربية التي نصفها بالعلمانية. فبدلا من مطاردة ذلك السراب من الأجدى مناقشة مفهوم علمانية الدولة كما هو مفهوم ومطبق حقا في المجتمعات المختلفة، كل في إطاره الخاص به. فعندما نرى التجارب المختلفة من هذا المنظور، سنجد أن كل المجتمعات تتفاوض حول علاقة الدين بالدولة في المسائل المتنوعة في مراحل زمنية مختلفة، بدلا من تطبيق مفهوم جامد أو نموذج صارم للعلمانية."

    * ولإلقاء الضوء على عملية التفاوض هذه من خلال الدراسة المقارنة، بدأ د. النعيم أولا بالعرض الموجز للتجارب التاريخية لعدد من الدول الغربية لبيان أن مفهومها لعلمانية الدولة هو في الحقيقة مفهوم مشروط ومتنازع عليه من الناحية النظرية والعملية في الإطار المحلي لكل حالة. فكما ظهر من عرضه فإن علاقة الدين بالدولة لم تكن فقط نتاجاً عضوياً لتاريخ وثقافة كل مجتمع بل ظلت كذلك خاضعة للمراجعة وإعادة الصياغة في كل مكان، ومن وقت لآخر. إلا أن مدخل النظر إلى مفهوم علمانية الدولة من خلال التفاوض في الإطار المحلي لا يعني عدم إمكانية التعرف على بعض المبادئ العامة المتصلة بهذا المفهوم في التجارب المختلفة. كذلك لا يعني هذا أن تبعات هذا المفهوم هي من خصائص كل مجتمع ولا علاقة لها بالمجتمعات الأخرى. فمن الضروري والممكن - في تقديره - التعرف على فهم محدد بالقدر الكافي لمفهوم علمانية الدولة وتبعاته من خلال التحليل المقارن للتجارب المختلفة في سعيه لتعريف مفهوم علمانية الدولة لمجتمعاتنا الإسلامية.
    * ثم عرض النعيم بعد ذلك لحالة إنجلترا، والسويد، وقد حققت السويد ما حققته إنجلترا من اعتماد للتعددية الدينية والفصل بين الكنيسة والدولة، إلا أن ذلك تم في السويد بطرق قانونية أكثر مما حدث في إنجلترا، حيث تم التحول من خلال العرف المتبع بدلا من التشريع. وعلى الرغم من اختلاف الحالتين، فلا شك في حقيقة علمانية الدولة في إنجلترا والسويد.

    * ثم استعرض د. النعيم نموذج فرنسا الذي يعد (في نظره) نموذجاً ثالثاً ومختلفاً إذ إن الفصل بين الكنيسة الكاثوليكية والدولة هو التقليد الثابت منذ الثورة الفرنسية كما يقول. ويسمى النموذج الفرنسي لايستيى (Laiciate) لتأكيد التزام الدولة بتنمية منظومة القيم الوطنية المدنية بالإضافة إلى حياد الدولة تجاه الدين. وكانت بداية الفصل الصارم بين الكنيسة والدولة عام 1795 بمنع تمويل الدولة للمناشط والمؤسسات الدينية أو الاعتراف بالوظائف الدينية. ثم بدأت السلطات المدنية في التحكم في مناشط القساوسة والحياة الدينية. ووجهت هذه الخطوات في البداية تجاه الكنيسة الكاثوليكية ثم تم تطبيقها على الكنائس البروتستانتية واللوثرية، وكذلك على الديانة اليهودية. وبذلك أصبحت هذه الديانات الأربعة معترفاً بها رسمياً وصاحبة موقع خاص طوال القرن التاسع عشر، وشمل ذلك امتيازات وضمانات قانونية للقساوسة ودفع مرتباتهم والوضع القانوني الخاص لممتلكات الكنيسة. وكذلك تواصل الجدل العام طوال القرن التاسع عشر بين دعاة العودة إلى النظام القديم لنفوذ الكنيسة والمعارضين لذلك. وبنهاية القرن التاسع عشر غلب التيار المتشدد في عدائه للكنيسة الكاثوليكية.

    وفي عام 1905 صدر القانون، الذي لا يزال سارياً حتى اليوم، والذي يضمن حرية الاعتقاد والممارسة الدينية العلنية، لكنه ألغى الدور الخاص للكنائس المعترف بها. وبذلك تحولت الكنائس من مؤسسات عامة إلى ما يشبه القطاع الخاص. وهكذا رغم أن القانون لم يمنح أية ديانة ميزة خاصة على غيرها، فقد ظل من الممكن للحكومة إصدار التشريعات التي تحقق بعض الامتياز لدين أو لآخر.

    *يقول د. النعيم: "وهناك اختلاف واضح في علاقة الكنيسة الكاثوليكية بالدولة في إيطاليا عما عليه الحال في فرنسا."
    * أما في حالة الولايات المتحدة، فيرى د. النعيم أن الإجماع الوطني بخصوص علاقة الدين بالدولة يعود إلى عهد الثورة الأمريكية في القرن الثامن عشر؛ فقد اتفق قادة الثورة، على اختلاف معتقداتهم الدينية، على حرية الاعتقاد والممارسة الدينية دون إكراه من الكنيسة أو الدولة. فنص الدستور الأمريكى، على فصل الدين عن الدولة من ناحية، وضمان الحرية الدينية من الناحية الأخرى، وهكذا حرصت الوثائق التأسيسية على حماية الدين من الدولة وحماية الدولة من الدين.
    وهذا النموذج يجمع بين الحرص على فصل الدين عن الدولة، مع التقدير لأهمية الدين كمصدر للقيم الأخلاقية التي تدعم نظام الحكم الجمهوري. كما نجد أن الدين لعب دوراً مهماً في نجاح الثورة الأمريكية؛ حيث استخدم الثوار الخطاب الديني في إثارة الحماس وتعبئة المواطنين ضد الحكم البريطاني الملكي في ذلك الوقت. وبذلك فقد كان الدين أساساً قوياً للإجماع الوطني خلال تحولات سياسية كبرى.

    ولقد كان لفصل الدين عن الدولة آثار واضحة في الحياة الدينية والمدنية العامة في الولايات المتحدة. ففي ظل غياب دعم الدولة للمؤسسات الدينية، تحتم على الكنيسة الاعتماد على "العضوية الطوعية" والتبرعات المالية من أعضائها، مما جعل الممارسة الدينية أقل طقوسية وأكثر اعتماداً على الديمقراطية والتنظيم المحلي ودفع الاتجاه العملي الواقعي في أعمال الجماعات الدينية. وبذلك تعمقت جذور مبدأ التنوع والتعددية الدينية في الوعي الأمريكي العام والثقافة الشعبية؛ مما شجع على ظهور الجماعات الدينية المستقلة.

    * ومن هذا العرض الموجز لعلاقة الدين بالدولة وبالحياة العامة في عدد من الدول الغربية المعروفة بأنها دول علمانية (يقول النعيم) يظهر جلياً أن علمانية الدولة أو الدولة المدنية لا تعني إقصاء الدين عن الحياة العامة. كما يظهر جلياً أيضاً أن هذا التفاوض المتواصل حول علاقة الدين بالدولة والسياسة، ودوره في المجتمع بصورة عامة، إنما يكون دائماً في المسار والإطار التاريخي الديني والسياسي لكل مجتمع، وليس عن طريق صيغة جاهزة وتعريف قاطع لمفهوم علمانية الدولة أو حتى العلمانية كمذهب فلسفي أو فكري. وسنجد أن هذه الخلاصة صحيحة في حق دول غربية أخرى مثل إسبانيا، وألمانيا، وهولندا. ومن منظور أطروحة هذا الكتاب، وعند رفض المفهوم الجامد والتعريف المطلق لعلمانية الدولة أو الدولة المدنية، فإننا نجد أنه من الأفضل التعرف على الظروف والملابسات الموضوعية التي يتم فيها هذا التفاوض في كل مجتمع في إطاره التاريخي، بدلاً عن افتراض نتائج مسبقة ومحددة لجميع المجتمعات. ومع أن البحث المقارن قد يفيد في توصيف وفهم التجارب المختلفة للمجتمعات على المدى التاريخي البعيد والقريب، فإن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن طبيعة ومناهج ونتائج علاقة الدين بالدولة مسألة مستقرة أو مفروغ منها على أساس نظرية أحادية أو نظرية للموضوع.

    مفهوم ومنهج كتاب النعيم
    * يدعو د. عبدالله النعيم إلى علمانية الدولة (كما يقول)، من أجل تمكين التدين الصادق في المجتمع، وليس علمانية الإنسان أو المجتمع. فالأطروحة التي يقدمها في كتابه يؤكد أنها تتعلق ببطلان مفهوم الدولة الدينية ولزوم الدولة العلمانية من المنظور الإسلامي، وليس من منطلق العلمانية كموقف فلسفي رافض للمرجعية الدينية. وكل جوانب كتابه (في نظره) هي محاولة في التوضيح والإقناع بهذه الأطروحة، ولكن فقط في حدودها هي وليس بغيرها من المسائل التي قد تنشأ في ذهن القارئ. فقوله ببطلان مفهوم الدولة الدينية يعني أن هذه الفكرة لا تستقيم عقلا ولا دينا لأنها تنسب التدين للدولة وهي مؤسسة سياسية بالأساس ولا تمتلك أن تعتقد في أي دين أو تمارس شعائره؛ وكل ما ينسب للدولة من مواقف وأفعال هو على سبيل المجاز لا الحقيقة لأن من يقرر ويفعل ويترك دائما هم البشر القائمون على شؤون الدولة. ويستقيم القول بأن الدولة علمانية لأن تلك هي صفتها كمؤسسة تعارف عليها البشر وأوكلوا إليها مهام محددة تتعلق بحقوق وواجبات ومصالح عموم المواطنين.

    * والأطروحة التي يقدمها النعيم في كتابه هي مجرد إطار عام ومنهج للنظر في علاقة الدولة بالدين وعلاقتها بالسياسة. فقوله بضرورة الفصل بين الدين والدولة لا يعني إقصاء الدين عن الحياة العامة للمجتمع، بل هو من دعم الدور الجوهري للدين الذي يتحقق في قلوب وعقول المسلمين ومن خلال سلوكهم اليومي، وليس بإرادة مؤسسات الدولة التي تخضع حتما لتأثير المعتقدات الدينية والمصالح الدنيوية للقائمين على هذه المؤسسات. وقوله باستمرارية الربط بين الدين والسياسة هو إقرار بهذه الحقيقة القائمة في الواقع شاء الناس أم أبوا، مع الدعوة إلى ضبط وتنظيم علاقة الدين بالسياسة بما يضمن حياد مؤسسات الدولة تجاه عقائد الناس الدينية التي لا تصح مع الإكراه الذي يؤدي حتما إلى النفاق. لذلك، فإن دعوته لحياد الدولة تجاه الدين هي لتفادي أن تصبح سلطات وقدرات الدولة، في مجالات كالقضاء وأجهزة الأمن والمالية والإدارة العامة، أداة باسم الدين في أيدي القائمين على مؤسسات الدولة. فالخطر الأكبر يكمن فى قمع المعارضة السياسية لنظام الحكم على أساس ديني واعتبار المعارضة للنظام معارضة للإسلام نفسه كما حدث على مدى التاريخ.

    * يؤكد د. النعيم ضرورة معالجة جدلية الفصل بين الدين والدولة مع الارتباط الوثيق والدائم بين الدين والسياسة، خصوصا أن الدولة هي مؤسسة سياسية ومتأثرة بمعتقدات ومصالح القائمين عليها، ويقدم عدداً من المقترحات المحددة لهذه المعالجة بصورة مستمرة، بدلا من توهم إمكانية تفاديها أو حلها بصورة قاطعة ودائمة. فالدعوة في الكتاب هي دعوة للإطار العام والمنهج، وليس لإصدار أحكام أو فتاوى حول مسائل معينة في أمور السياسة العامة والقضاء، لأن ذلك يتم من خلال الحوار العام والتنافس السياسي وفق ضوابط الحكم الدستوري والأخلاقية والتقاليد الثقافية للمجتمع. وهذه الضوابط تعمل في مجال تنظيم الأمور المتعلقة بتصرفات الدولة، عبر سياساتها الحكومية، وكذلك الإصلاحات الدستورية والقانونية، كما تؤثر على السلوك في المجتمع، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. فالمطلوب هو أن يكون السعي لتأكيد الحياد الديني للدولة، والحكم الدستوري، وحقوق الإنسان، بشكل يتسق مع مبادئ الإسلام للمسلمين، وأي مرجعية يريدها غيرهم من المواطنين، عسى أن يؤثر هذا المنهج على الثقافة الشعبية والسلوك اليومي والعلاقات الاجتماعية. (المصدر: الاسلام وعلمانية الدولة – د. عبد الله النعيم – الصفحات من صفحة 5 إلى صفحة 22 طبعة دار ميريت القاهرة 2009)

    * يقول د. عبدالله النعيم هناك مسألة اصطلاحية يجب أن يوضحها، وهي العلاقة بين ما يدعو إليه في كتابه، ومصطلح ومفهوم "العلمانية". يتشابه الطرف الأول من أطروحته، بفصل الإسلام عن الدولة، مع العلمانية، كما يفهمها ويرفضها غالب المسلمين اليوم لاعتقادهم بأنها استبعاد كامل للإسلام عن الحياة العامة. أما الطرف الآخر من الأطروحة، المتعلق بتأكيد الصلة بين الإسلام والسياسة، فهو يخفف من تلك المخاوف ويصحح الفهم السلبي الشائع للعلمانية، بين المسلمين، الذين لا يميزون بين فصل الدين عن الدولة، من ناحية، وصلة الدين بالسياسة، من ناحية أخرى. وغياب التمييز هذا يؤدي إلى فهم الدعوة لفصل الإسلام عن الدولة بأنها استبعاد الإسلام عن المجال العام، وحصره في المجال الخاص. وبما أن هذا ليس ما يدعو إليه (كما يقول)، فقد يكون من الحكمة استعمال مصطلح علمانية الدولة، بدلاً عن العلمانية، لكي لا يثير المعارضة لقوله بالرؤية السلبية الشائعة عن العلمانية بين المسلمين. فبدلاً عن تبديد الجهد (يقول) في تصحيح الفهم الشائع للعلمانية، يستخدم النعيم مصطلح "علمانية الدولة" على أن يفهم منه أنه يعني فصل الإسلام عن الدولة مع ضبط وتنظيم علاقة الإسلام بالسياسة.

    * ومن أجل تجنب ما قد يصرف القارئ عن حقيقة ما يقول به يؤكد د. النعيم أنه استخدم مصطلح الدولة المدنية بجانب مصطلح علمانية الدولة في كتابه، لأن القارئ العربي المسلم قد يظن أنه يدعو إلى العلمانية كفلسفة عامة للحياة من غير اعتبار للمرجعية الدينية. فالفهم الشائع لدى المسلمين عامة هو أن مفهوم العلمانية دائما يعني العداء للدين، (أو على الأقل) إقصاءه عن الحياة العامة للمجتمع. ولتفادي مضار هذا التعميم المضلل، (يقول د. عبدالله) إن استخدام عبارة مصطلح الدولة المدنية للتنبيه إلى أن ما يقول به ينصرف إلى الدولة وليس إلى المجتمع. كما أنه استخدم عبارة علمانية الدولة ليميز ما يقول عن دعوة بعض الجماعات الإسلامية للدولة المدنية وهم يقصدون بذلك فهمهم للدولة الإسلامية. وفضلا عن ذلك فإن استخدام مصطلح الدولة العلمانية يفيد في النظر المقارن بين المجتمعات الإسلامية المعاصرة التي يستخدم بعضها هذا المصطلح، كما نجد في السنغال وإندونيسيا وأواسط آسيا مثلا. كما أن عبارة الدولة العلمانية هي أيضا مفهومة في باقي أنحاء العالم باعتبارها تحديداً لصفة الدولة وليس لصفة المجتمع.
    *وخلاصة الأمر بإيجاز، فإنني أدعو إلى الدولة المدنية أو علمانية الدولة من أجل تمكين التدين الصادق في المجتمع، وليس علمانية الإنسان أو المجتمع. (الصفحات 35، 36، 37، من كتاب د. النعيم الإسلام وعلمانية الدولة)

    علمانية الدولة من خلال التفاوض
    * مصطلح secular"" في اللغة الإنجليزية، والتي تترجم عادة "علماني" مستمدة من الكلمة "Saeculum" باللغة اللاتينية والتي تعني "مدى زمني طويل" أو "روح العصر" والتي توحي بوجود عالم آخر، ثم تدرج الفهم ليعني التمييز بين العلماني المتعلق بهذا العالم والزمن في الإطار الأوروبي من العلمنة التي تعني تحويل العقارات التي تملكها الكنيسة إلى الملكية الخاصة إلى علمنة السياسة، والفنون والاقتصاد.
    * وكما سبق البيان (يقول د. النعيم) في الاستهلال لهذا الكتاب فإن العلمانية حتى في دول الغرب لا تعني إقصاء الدين عن الحياة العامة للمجتمع، رغم شيوع هذا الخلط بين عامة المسلمين وما نتج عنه من معارضه لهذا المفهوم. وصحيح أن هناك مفهوماً فلسفياً معادياً للدين يوصف أحياناً بالعلمانية، إلا أن الفهم المتطرف للمصطلح لا يوافق حقيقة الحال في الدول التي توصف بالعلمانية فبدلاً من المغالطة حول إمكانية التعريفات المتطرفة هذه من الأفضل مناقشة المفهوم كما هو في التجارب المعاصرة للمجتمعات المختلفة. ومن هذا المنظور الواقعي نجد أن كل المجتمعات إنما تتفاوض حول العلاقة بين الدين والدولة فيما يتعلق بقضايا وسياسات محددة وليس على إطلاق العلاقة بصورة فلسفية عامة. وفهم مصطلح العلمانية كما يحدده السياق التاريخي والاجتماعي والسياسي لكل مجتمع في كل وقت أو مرحلة من حياة ذلك المجتمع لا يعني استحالة استخلاص مبادئ وصفات عامة لهذا المصطلح بالنظر المقارن للتجارب المختلفة. وليس من منظور مفهوم شامل ومجرد يمكن تطبيقه ونقله من مجتمع لآخر. (صفحة 71 من كتاب د. النعيم - الإسلام وعلمانية الدولة)

    علمانية الدولة عند النعيم وعلاقة الدين والآيدلوجية بالسياسة وفق المنطق المدني، هي محاولة جادة لارساء دعائم دولة محايدة خادمة للمواطنين، بغض النظر عن عقائدهم وأديانهم وأيدلوجياتهم ومذاهبهم، ويبذل فيها جهد مضنٍ لضبطها عبر المفاوضة المستمرة، حتى لا تستغل أو يتغول عليها من قبل من يديرونها من أفراد أو كيانات سياسية في هيئة حكومات زمنية.
    طرح النعيم هذا في نظره طرح مرحلي يستهدف الطرح النهائي وهو ارساء الدولة الانسانية العلمية كما هو مشروح ومبوب في طرح الفكرة الجمهورية عن الرسالة الثانية من الاسلام. والدولة بهذا الطرح تتيح للجمهوريين ولغيرهم الحرية لهم ولسواهم و"الحشاش يملا شبكتو" حيث يكون الأمن مستتبا والضبط الدستوري للدولة ولادارتها من الحكومة المنتخبة متوفرا وقائما بالقسط بين حركة الدولة في خدمة مواطنيها وحركة الحكومة الزمنية في إدارة دولاب الدولة..
    لا سبيل لقيام الدولة الانسانية العلمية إلا عن طريق التدافع بين معتنقي الفكرة الجمهورية ومعتنقي الأديان والأيدلوجيات والمذاهب الأخرى في جوٍ صحيٍ منضبط..تحت مظلة دولة محايدة تتيح الفرصة لعلاقة صحية بين الأديان والأيدلوجيات المختلفة والسياسة، وعبر ارساء الدستور الانساني وارساء القوانين الدستورية التي توفق بين حاجاة الفرد للحرية وحاجة الجماعة للعدالة..
    هل انفرد النعيم برؤية تطور مفهوم العلمانية؟
    * والاجابة القريبة هي أن د. عبدالله النعيم لم ينفرد برؤية تطور مفهوم العلمانية، من المفهوم التاريخي الصارم الذي كان يبعد الدين عن فضاء السياسة والدولة والحياة، ويقصيه عن تلك المشاركة، وبين مفهوم العلمانية المرن الذي اكتسب المرونة والتطور عبر التفاعل الزمني الايجابي بعد القطيعة المزمنة والمتزمتة بين الديني واللاديني.
    يقول المرحوم عبد الوهاب المسيري:
    * ما هي العلمانية؟ هذا السؤال قد يبدو بسيطا، والإجابة عنه أكثر بساطة، فالعلمانية هي فصل الدين عن الدولة، أليس كذلك؟ قد يندهش القارئ إن أخبرته أن إجابتي عن هذا السؤال بالنفي وليس بالإيجاب.
    ثم يجيب فيقول: وانطلاقا من هذا قمت بالتمييز بين ما أسميه "العلمانية الجزئية" التي يمكن أن أطلق عليها "العلمانية الأخلاقية" أو "العلمانية الإنسانية" وهي "فصل الدين عن الدولة" من ناحية، ومن ناحية أخرى ما أسميه "العلمانية الشاملة" وهي رؤية شاملة للكون بكل مستوياته ومجالاته، لا تفصل الدين عن الدولة وعن بعض جوانب الحياة العامة وحسب، وإنما تفصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر، ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته، إلى أن يتم نزع القداسة تماماً عن العالم، بحيث يتحول العالم (الإنسان والطبيعة) إلى مادة استعمالية. (المصدر: بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة - عبد الوهاب المسيري الجزيرة نت 2010)
    يقول النعيم: "وتفاديا لما قد يصرف القارئ عن حقيقة ما أقول به، أقول هنا، وأكرر أكثر من مرة فيما بعد، لقد استخدمت مصطلح "علمانية الدولة" في هذا الكتاب لتمييز ما أقول عن العلمانية كفلسفة عامة للحياة من غير اعتبار للمرجعية الدينية من ناحية. فالفهم الشائع لدى المسلمين عامة أن مفهوم العلمانية دائما يعني العداء للدين، أو على الأقل إقصاءه عن الحياة العامة للمجتمع. ولتفادي مضار هذا التعميم المضلل، أرجو أن يلاحظ القارئ أن صفة "العلمانية" تلحق بالدولة لا بالمجتمع. كما استخدم عبارة "الدولة العلمانية" أو "علمانية الدولة" لأميز ما أقول عن دعوة بعض الجماعات الإسلامية للدولة المدنية وهم يقصدون بذلك فهمهم للدولة الإسلامية التي تكتسب صفة "المدنية" من أن القائمين عليها ليسوا من رجال الدين (القساوسة) كما في المفهوم المسيحي."
    ولا يعني ذلك أن النعيم انصرف كلية عن استخدام مصطلح مدني في كتابه "الإسلام وعلمانية الدولة" بل استخدم مصطلح الدولة المدنية وداول بينه وبين مصطلح علمانية الدولة لأغراض البحث المقارن (كما يقول) وكذلك لأن مصطلح علمانية الدولة شائع ومفهوم حتى بين بعض المجتمعات الإسلامية بأنه صفة الدولة وليس صفة المجتمع يقول النعيم:
    "وقولي بأن بطلان مفهوم الدولة الدينية والتزام الدولة المدنية هو في المرجعية الإسلامية؛ يعني تلك المرجعية كما أفهمها وأحاول أن ألتزم بها أنا." أكثر من ذلك فقد عنون الفصل الأول من كتابه الذي نحن بصدده بـ "الدولة المدنية وسيلة التدين في المجتمع" (النعيم - الإسلام وعلمانية الدولة صفحة 20 وصفحة 29)
    ويقول أيضاً:
    " وقبل المواصلة في تقديم هذه الأطروحة هناك مسألة اصطلاحية يجب أن أوضحها هنا، وهي العلاقة بين ما أدعو إليه في هذا الكتاب، ومصطلح ومفهوم "العلمانية". يتشابه الطرف الأول من أطروحتي، بفصل الإسلام عن الدولة، مع العلمانية، كما يفهمها ويرفضها غالب المسلمين اليوم لاعتقادهم بأنها استبعاد كامل للإسلام عن الحياة العامة. أما الطرف الآخر من الأطروحة، المتعلق بتأكيد الصلة بين الإسلام والسياسة، فهو يخفف من تلك المخاوف ويصحح الفهم السلبي الشائع للعلمانية، بين المسلمين، الذين لا يميزون بين فصل الدين عن الدولة، من ناحية، وصلة الدين بالسياسة، من ناحية أخرى. وغياب التمييز هذا يؤدي إلى فهم الدعوة لفصل الإسلام عن الدولة بأنها استبعاد الإسلام عن المجال العام، وحصره في المجال الخاص. وبما أن هذا ليس ما أدعو إليه، فقد يكون من الحكمة استعمال مصطلح علمانية الدولة، بدلاً عن العلمانية، لكي لا أثير المعارضة لقولي بالرؤية السلبية الشائعة عن العلمانية بين المسلمين. فبدلاً عن تبديد الجهد في تصحيح الفهم الشائع للعلمانية، سوف أستخدم مصطلح "علمانية الدولة" على أن يفهم منه أنه يعني فصل الإسلام عن الدولة مع ضبط وتنظيم علاقة الإسلام بالسياسة كما سبق القول.
    وكما سبقت الإشارة في الاستهلال، فإني أداول استخدام مصطلح الدولة المدنية وعلمانية الدولة لأغراض البحث المقارن، وكذلك لأن مصطلح علمانية الدولة شائع ومفهوم حتى بين بعض المجتمعات الإسلامية بأنه صفة الدولة وليس صفة المجتمع. والغرض من التداول بين المصطلحين هو التمييز بين ما أدعو إليه عن مفهوم العلمانية كفلسفة عامة للحياة دون مرجعية دينية، مع الاحتفاظ بالقدرة على النظر المقارن في تجارب المجتمعات الإنسانية المختلفة.
    "ومن أجل تجنب ما قد يصرف القارئ عن حقيقة ما أقول به فقد استخدمت مصطلح الدولة المدنية بجانب مصطلح علمانية الدولة في هذا الكتاب، لأن القارئ العربي المسلم قد يظن أنني أدعو إلى العلمانية كفلسفة عامة للحياة من غير اعتبار للمرجعية الدينية. فالفهم الشائع لدى المسلمين عامة هو أن مفهوم العلمانية دائما يعني العداء للدين، أو على الأقل إقصائه عن الحياة العامة للمجتمع. ولتفادي مضار هذا التعميم المضلل، فإن استخدم عبارة مصطلح الدولة المدنية للتنبيه إلى أن ما أقول به ينصرف إلى الدولة وليس إلى المجتمع. كما أني استخدم عبارة علمانية الدولة لأميز ما أقول عن دعوة بعض الجماعات الإسلامية للدولة المدنية وهم يقصدون بذلك فهمهم للدولة الإسلامية. وفضلا عن ذلك فإن استخدام مصطلح الدولة العلمانية يفيد في النظر المقارن بين المجتمعات الإسلامية المعاصرة التي يستخدم بعضها هذا المصطلح، كما نجد في السنغال وإندونيسيا وأواسط آسيا مثلا. كما أن عبارة الدولة العلمانية هي أيضا مفهومة في باقي أنحاء العالم باعتبارها تحديداً لصفة الدولة وليس لصفة المجتمع.
    وخلاصة الأمر بإيجاز، فإنني أدعو إلى الدولة المدنية أو علمانية الدولة من أجل تمكين التدين الصادق في المجتمع، وليس علمانية الإنسان أو المجتمع." (النعيم - الإسلام وعلمانية الدولة صفحة 36 و37)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de