|
|
 أنه وردي... وكفى: حزن لسان الحال وفجيعة لسان المقال بقلم : طارق أحمد خ
|
أنه وردي... وكفى: حزن لسان الحال وفجيعة لسان المقال
بقلم : طارق أحمد خالد
جاء من أقاصي نسمات الشمال بحضور مدوي وموهبة كاسحة وكاريزما لا تخطئها عين بصير أو حسير. أجيز صوته من أول وهلة مطرباً بالدرجة الأولى عندما كانت هناك درجات وأسبقيات واجبة الإحترام. لم يك ممن يرضون المرتبة الثانية فتربع منذ الوهلة الأولى على عرش الفن وقلوب الناس فصار تاجاً على رأس الوطن وبسمة على شفاه أهله البؤساء ونجمة تتلألأ على سماء أرض ممتدة تحاول جاهدة أن تضئ مليون ميل مربع من ظلام الخيبة. لم يفقد الأمل بل مثّل عزاءنا الدائم: "ما هنت يا سوداننا يوماً علينا".
كان دوماً لسان الحال والمقال. عند الخيبة والإحباط تطل المقولة الساخرة بلسان ممدود: "مسكين البدا يأمل". في لحظات الحيرة يكاد الغيظ يقتلني وأنا أتذكر:"حليل الكان بهدي الغير صبح محتار يكوس هداي" وكنا قد حورناها في أيام الجامعة وخيبات الدراسة إلى: "حليل الكان بحل الماث صبح محتار يكوس للباص". وعندما يقودنا العجز الإنساني للإستسلام للأمر الواقع كنا نضحك بأسى وندندن: "دي الإرادة والمقدر ما بنجيب ليهو بديل" و"مع المقدور أسوى شنو.. براهو الواهب العطاي". ولما يدهشنا السودان بأعاجيب من دمروه كانت نبوءة عمر الدوش الساخرة بصوت العبقري الأشهر: "يجيني معاك زمن أمتع نفسي بالدهشة".. دهشة لازالت تفوق خيال سوء الظن العريض.
كانت "أسأل قلبك عن حالي" رجاء المحبين المنكسر مثلما أضحت: "بعد إيه جيت تصالحني" لسان حال الكرامة المستردة ورد الإعتبار المامول. كانت "يا أعز الناس" صيحة المحب وفرحة التلاقي و"مرسال" الغرام. وعندما يصل العاشق المسكين لنقطة اللاعودة فليس له سوى: "حرمت الحب والريدة".. و"غلطة كانت غرامي ليك". من منا لم يهاجر أو يحدث نفسه بالهجرة معزيا: "قلت أرحل" فيصعب عليه البعاد بعد أن أصابه داء الإنتماء عسير الشفاء فيجد في بعده "كل الأرض منفى".
غنى فذبنا هياماً ورقصت قلوبنا فرحة وطارت عصافير الخريف مهاجرة لدنيا جمال وجلال صاغتها أنامل عبقري الألحان والأشجان. هتف بدماء الشهداء وباسم الشعب الذي إنتصر فارتجف الطغاة وأرهفت قلوبنا السمع لعل ما بشُّر به آتٍ ولو بعد حين. لازلنا نطرق السمع ولا زالت شمس الفجر الجديد عنودة متمنعة عن الشروق. أنشد حباً للوطن فأحسسنا أن لإنتمائنا لهذا البلد الموجع طعماً ولوناً. وعندما يرهقنا الوطن إحباطاً وخيبةً لا يسعنا إلا أن نناجيه بحسرة: "قاسي قلبك علي ليه".
عندما يغني وأطرب أتذكر مقولة شيخنا الطيب صالح: "نظرت خلال النافذة إلى النخلة القائمة في فناء دارنا، فعلمت أن الحياة لاتزال بخير...أنظر إلى جذعها القوي المعتدل، وإلى عروقها الضاربة في الأرض، وإلى الجريد الأخضر المتهدل فوق قامتها، فأحسّ بالطمأنينة... أحس أنني لست ريشة في مهب الريح.. ولكنني قبل تلك النخلة، مخلوق له أصل، له جذور، له هدف. " كان وردي النخلة وكنت أحس مع هدهدات صوته بالطمأنينة.
ورغم صدمة الغياب ولوعة الفراق المر أعلم يقيناً أن الحياة لاتزال بخير وأن بلدنا ورغم النكبات ودودٌ ولودٌ. كيف لا وفي مولد وردي حكمة لذوي البصائر. ولد في عام 1932 في ذات العام الذي غادرنا فيه مجدد الأغنية السودان ورافع راية الإلتزام: "خليل فرح". أليس من حقنا أن نطمع ان يخرج في هذا العام من بين أبنائنا من يرفع الراية ويصدح بلحن جديد وصوت متجدد: "أبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا" ؟؟
الله أرحمه بقدر ما رسم البسمة على شفاهنا المكدودة وزرع الفرحة في نفوسنا المجدبة وبقدر ما أضاء ليالينا الحزينة فرحة وأبدل يأسنا وتفاؤلاً وحباً للوطن والناس والحرية. اللهم ضاعف حسناته أضعافاً مضاعفة ولا تبق له أنملة من سيئة إنك رحيم كريم ودود حليم حنان منان غفور شكور.
طارق أحمد خالد، 9 فبراير 2012
|
|
  
|
|
|
|
saif massad ali
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست