بطرفكم هذا المتصيحف ...حسن ولد مختار ...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 03:45 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-19-2012, 04:59 PM

محي الدين جبريل
<aمحي الدين جبريل
تاريخ التسجيل: 11-05-2007
مجموع المشاركات: 1848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بطرفكم هذا المتصيحف ...حسن ولد مختار ...
                  

02-19-2012, 05:08 PM

محي الدين جبريل
<aمحي الدين جبريل
تاريخ التسجيل: 11-05-2007
مجموع المشاركات: 1848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بطرفكم هذا المتصيحف ...حسن ولد مختار ... (Re: محي الدين جبريل)

    لا أحسبني السندباد الموريتاني الوحيد.. ولا الأخير الذي اعتزم مداعبة سودانية هيفاء مقبلة أو عجزاء مدبرة ترتدي ملحفة مزركشة بألواننا ومضمخة بعطورنا..ظانا في تسرع وغفلة - والهوى ظنون وتسرع وغفلة - أنها موريتانية عابرة أيقظت به خلسة كامن الوجد وألهبت فيه مضطرم الشوق للقرى الظالم أهلها.

    قصتي مع السودانيات طويلة ومعقدة وشائكة وقد تجمع يوما بين دفتي كتاب وربما تنشر كديوان شعر, فقد أجفلت بغلاظاتي الكثيرات منهن وأسرت في حبائلي على مدى ثلث قرن من العشق المتواصل بعضهن أعلمه شيئا من فنون السباحة في بحار الصبابة.

    كسبت من ملاحقاتي الطويلة لهن كثيرا من حب السودان وعشرة السودان ومعرفة السودان وكنت كلما تقدمت في مسار الوله السوداني أجدني إلى بلادي أعود.. سبحان الخالق نحن منهم وهم منا !

    نحن وهم صنوان في كرمنا المفرط وكسلنا المفرط نستنسخ نفس التجارب ونكرر نفس المواويل ونجتر عبق المجد الغارب من أردان الذكريات الحزينة.

    وبعيدا عن أقاصيصي السودانية التي لا يسمح المقام بسردها سيجد, لا محالة, كل من غاص في تاريخ الدولة الحديثة في البلدين أوجها مفزعة للشبه وأهمها وهو مكمن الداء تلك الدرجة المهولة من التفريط الكامل والمتتابع في تركة الرعيل المؤسس للدولتين وهذا حسب فهمي المتواضع سبب كل المآسي والخيبات التي تطوقنا وتطوقهم من كل جانب.

    الحقيقة هي انني كلما رأيت خريطة السودان الجديدة اعتصرني الألم وانتابني الخوف على ما تبقى منه وتذكرت خريطتنا القديمة واهتزت فرائصي خوفا على ما تبقى منا !

    وبكل صراحة يعسر كثيرا على مؤرخ إفريقي مثلي أن يرى خريطة السودان دون أن يتذكر خالد الذكر محمد صالح الشنقيطي ومن المستحيل لكائن من كان إلقاء نظرة ولو متسرعة على خرائط موريتانيا دون الترحم على روح أبدي المجد مختار ولد داداه.. ولعل من خبر التاريخ وسبر أغواره سيجد في الرجلين من الفضائل والمكارم المتشابهة ما يجعلنا جميعا نحس بعظم التركة التي أورثاها لنا وندرك فداحة تقصيرنا وإهمالنا للمسؤولية.

    وجد الشنقيطي نفسه مكبلا بأصوله الموريتانية البعيدة فهو موريتاني الوالد أي غريب وأجنبي وهي غربة خفف من حدتها ما لعب الأب صالح من دور كبير في تأسيس الحركة المهدية حيث كان المعلم الأول للمهدي ورفيقه في جهاده ومحنته وفي ذلك ما منح الابن شيئا من شرعية الانتماء الاريستوقراطي بأم درمان وفي كل السودان.

    وللابن أيضا شرعيته العلمية فهو خريج الحقوق بكلية غوردون التذكارية وخريج جامعات بيروت ولندن وثقافته الانجليزية الواسعة منحته تلك الأيام مكانة متصاعدة في حكم بلاده.

    لذلك وربما بدافع من أصوله البعيدة وربما بسبب ثقافته القانونية الانجليزية فضل لبلاده سن دستور من النوع البرلماني واكتفى برئاسة البرلمان لولاية واحدة قاد فيها – مع آخرين- مسيرة السودان نحو الاستقلال من بريطانيا والخلاص من ربقة الطمع المصري ومن رعونة ساسة القاهرة الذين لم يبذلوا قط أي جهد يقربهم من قلوب أهل السودان.

    لم تتوقف التحديات –التي واجهته- على بريطانيا ومصر بل اصطدم سريعا بمسألة أهل الجنوب وهم قبائل حديثة العهد بالمسيحية تنتشر على رقعة غنية بالماء والغابات والنفط ودونها ودونهم سيكون السودان فقيرا ومحشورا على شريط ماء يتلوى كالثعبان بين رمال الصحراء.

    أكثر ما زاد الأمر تعقيدا هو الطريقة التي كان الانجليز يديرون بها السودان فلكل فئة أنظمة وقوانين وجباية وأجور وحتى عساكر.

    لكل فئة مشاكل واهتمامات لكن الجميع توافر لديه إحساس غامض بالألفة مع الآخر حيث وجده أقرب له من الغير وهذا لعمري هو إرهاص الهوية الممكنة الأكبر وهي نوع من قابلية الانتماء لوطن يجب أن يولد ولو بسرعة قيصرية من رحم الاستعمار شأنه في ذلك شأن كل الدول الإفريقية الحديثة التي أسست على زمالة قوميات وعقائد ولغات مختلفة لكنها عرفت الولادة وآلام المخاض ورضت به وأصبحت بذلك أمما وأوطانا منسجمة تتقاسم مع الوقت رغبة أكيدة في العيش المشترك.

    كان الشمال أغنى وأكثر عمارة وله نخبة متعلمة ولم يكن الجنوب كذلك بل لم يكن حتى سلاطين وملوك القبائل الجنوبية يريدون الاستقلال ولم يكونوا ساعتها مؤهلين لفهم مغازيه بحكم عدم التجانس الثقافي بينهم وعدم وجود نخبة قادرة على الاضطلاع بالمسؤولية.

    لذلك ظل الانجليز لبرهة قصيرة حيارى لا يعرفون ماذا يفعلون بهم ولقد قيض القدر لأهلنا بالسودان حظا كبيرا حيث آل قلم الاستخبارات البريطانية لأدوارد عطية وهو بريطاني من أصل سوري فازدادت الحيرة وتراكم التردد وتفشى الغموض.

    عطية ككل مسيحيي الشرق وجد نفسه هو الآخر ممزقا بين ولائين قابعين في لا شعوره وهما الولاء الطائفي الذي يدفعه للحنو بالمؤلفة قلوبهم من مسيحيي الجنوب والولاء للقومية العربية الذي جعله لا إراديا يسهر على مصالح الشمال.

    صراع هويات مستديم وجلي في كل كتابات أدوارد عطية خصوصا في كتابه الطليعة السوداء الذي لخص فيه رؤيته للمسألة السودانية وكيف حيّده الشنقيطي ببراعة مستغلا تناغم الهوية لديه كعربي بين المسيحية والإسلام ووضعه بلباقة في صفه بعيدا عن "خواجات" الإدارة والجيش الذين ترشح منهم كراهية العرب وعداء الإسلام في كل مناسبة وبدون مناسبة.

    تبعا لذلك وخلافا لتوصيات الاستخبارات البريطانية بادرت الإدارة الاستعمارية على استحياء بالعمل على إقناع الجنوبيين بالانفصال وعدم المشاركة في مجلس الخرطوم الاستشاري وهو المجلس الذي ابتدعه الشنقيطي وغيره من "أبناء الذوات" على عجل لحل مشكلة تمثيل شعب السودان في مفاوضات الاستقلال الكامل.

    هكذا عقد الانجليز مؤتمر جوبا الأول بغية حث الجنوبيين على عدم ربط مستقبلهم بالشمال لكن سرعان ما باغتهم الشنقيطي الداهية بالسفر الى جوبا على رأس وفد ضم الشخصيات التالية:

    ابراهيم بدري والشيخ محمد سرور رملي وحسن أحمد عثمان والدكتور حبيب عبد الله.

    واستطاع بكفاءة ومهارة يحسد عليها إقناع الإخوة الجنوبيين بحتمية الاستقلال وما ستجره الدولة المدنية الكبيرة عليهم من فوائد من أبسطها المساواة في الحقوق والأجور والواجبات.

    في ليلة واحدة وفي دردشة واحدة جعلهم في جانبه يطالبون بالاستقلال الفوري والكامل!

    انه نور العبقرية الذي يتآخى به الميئوس والمأمول.. وهو نور بهر الجميع حتى السير جيمس روبرتسون ممثل بريطانيا في الخرطوم ساعتها ووزير المستعمرات لاحقا في لندن والذي كان موجودا وحاضرا ومذعورا وقد سطر شهادته في كتابه الفريد المعنون بالانتقال في افريقيا قائلا: "..جعلهم الشنقيطي بحركات من سحره يغيرون رأيهم ومواقفهم بمائة وثمانين درجة ..أقنعهم الشنقيطي ان حكومة صاحبة الجلالة هي أكبر مؤسسة للنخاسة في العالم وهكذا بين ليلة وضحاها أصبحوا لا يريدون سماعنا.."

    السر الوحيد في هذا النجاح المرموق هو مصداقية الرجل وصدق عاطفته ورغبته العارمة في بناء دولة عصرية في تلك الربوع , دولة ينعم كل سكانها بالمساواة والعدل وقد أشتهر عنه حكمه بالعدل والقسطاس المستقيم فصدقوه وكذبوا الانجليز!

    صدقوه لأنه كان ينصفهم في المحاكم التي تربع طويلا على رئاسة سلكها وتبنوا أطروحاته لما لمسوا فيه من إنسانية ونبذ كامل للعنصرية وهي حقيقة جلية وموثقة بشهادات متواترة في مسيرة الرجل الحافلة.

    باختصار ودون مفاخرة ولا مبالغة تثبت الوثائق والشهادات أنه لو لم يكن الشنقيطي لما كانت "جوبا " ولصار الجنوب جزءا من أوغندا ولظل السودان محشورا بين الصحراء ولتلكأت بريطانيا ولمانعت مصر ولتأخر الاستقلال.

    على كل حال قام الرجل بدوره وارتفع علم بلاده رفرافا على أغنى وأكبر رقعة من افريقيا ولم يتشبث بكرسي ولا بمنصب بل غادر مبكرا السياسة وانزوى يزرع حقله ويقرأ كتبه في تلك القاعة المسقوفة بالقرميد على الطريقة الانجليزية والمفروشة بالسجاد الفارسي والتي احتوت على واحدة من أجمل المكتبات في العالم وهي نفس القاعة التي استعارها خيال الطيب الصالح واستعار معها الكثير من طباع الفقيد لكتابة روايته الرائعة موسم الهجرة إلى الشمال!

    الشمال الآن وهنا ليس لندن – كما في الرواية- بل الخرطوم فقد ضاعت جوبا وأقاليم الاستواء وأصبح الجنوب دولة تعادي الشمال وتضايقه وتخنقة وتهدده وتهدد مصر من بعده بالعطش لأن عسكر السودان لم يستطيعوا المحافظة على مكتسبات دولة الاستقلال وها هو دارفور يتوثب للانفصال وغير دارفور يترجاه ويتحسر على اليوم الذي وجدت فيه دولة السودان.

    الحكم العسكري الطويل قتل الأمل في الحصول على أي تفاهم يحافظ على وحدة السودان !

    ضاع نصف السودان وما زال البشير رئيسا ! ملايين قتلوا في دارفور وما زال البشير رئيسا ! الثورات العربية وما زال البشير رئيسا! بطاقة توقيف دولية وما زال البشير رئيسا !

    لو كان هذا الجنرال السوداني يحترم نفسه لانتحر آلاف المرات واحترق آلاف المرات وأنقذ السودان من أخطاءه وخطاياه.


    لم يكن حال الأستاذ مختار ولد داداه سهلا ولا مريحا فقد كان نائبا لرئيس وزارة مختلطة بين "الخواجات" الفرنسيين وأبناء أعيان البدو الرحل ماديا ونفسيا وكانت كبريات القبائل تعاديه وتسخر منه بل باغته كثير من مقربيه بتوجيه الطعنات له في الظهر عبر التمسك المفاجئ بذيول علال الفاسي والتشبث في معيته بأهداب عرش أهل مولاي إسماعيل.

    أرسل له وزراءه استقالاتهم من الرباط فلم يتزحزح وراحت أهواء البولار فجأة تعزف أنشودة الخلاص من المشروع الموريتاني و خفقت قلوب الكثيرين منهم ومن غيرهم للوحدة مع دول اتحاد مالي أي السنغال والسودان الفرنسي وفولتا العليا وساحل العاج والداهومي...!

    وهي ميول جنوبية مفهومة يسرتها الطبائع اليسارية وكاريزما أحرار ما وراء البحار وشطحات الشاعر سنغور- والكلام على عهدته - المتعطش لدخول المغرب موريتانيا ومراقصته التانغو على أديمها الناعم.

    استدعى الفتى الجميع لنقاش معمق في آلاق بمايو 1958 وحضرته كل الأحزاب والمنظمات وبمهارة وبكفاءة تشبه مهارة شنقيطي السودان تمكن ولد داداه من الحصول على توافق وطيد يرسم ملامح مستقبل مشترك لوطن مشترك يمنح المساواة للجميع ويتشبث بقيم الجمهورية الإسلامية.

    من درس محاضر النقاشات ومن عرف ضعف الحكم وهشاشة علائقه بفرنسا يحصل لديه اليقين أن آلاق أغلق الباب تماما أمام أي مؤامرة تستطيع بها دوائر النفوذ الفرنسية ومتنفذي داكار الانقضاض على الضفة الموريتانية من النهر والتي بدونها لن توجد في موريتانيا قابلية للحياة لأن مياهها الجوفية والمطرية لا تكفي حتى لسقاية ساكنتها.

    من أهم ما تم التوصل إليه هو ضمانات المساواة في الحكم والحاكمية وهي ضمانات لفظية مبنية على فكرة المواطنة التي تستدعي التداول والتناوب على السلطة ولقد روعيت في كل المناصب الموريتانية إلا منصب رئيس الجمهورية نظرا لتبني البلاد لدستور الانتخاب المباشر مما يخرج المنصب من دائرة المحاصصة وعلى كل حال في تلك الأيام البعيدة لم يكن أحد يطالب بهذا المنصب فقد كان الزعيم الشاب في أعين الأغلبية كأنما خلق للرئاسة التي أتته منقادة.

    من الملفت للانتباه أيضا في تلك الأيام الباكرة من تاريخنا حضور وفد من أعيان الصحراء الغربية قاده عضو الكورتيس الاسباني خطري ولد سعيد الجماني وقد شارك الوفد في كل فعاليات المؤتمر واستصدر قرارا يطالب بتحرير موريتانيا الاسبانية وضمها للوطن الأم!

    ما أريد قوله هو أن أعيان الشمال كأعيان الجنوب كحزب الوئام والنهضة ومنظمة الشباب الموريتاني وعلماء موريتانيا وأمراء موريتانيا ما كان لهم الحصول على إجماع كامل في مسألة الوحدة والاستقلال لولا ما تميز به مختار ولد داداه من مهارة وحصافة سياسية وما تمتع به من مكارم أخلاق وميل فطري للعدل والإنصاف.

    الكثيرون من السذج يتصورون العملية برمتها مجرد فبركة مخابراتية فرنسية وهنا يجحفون ويغمطون الرجل والمرحلة التاريخية حقوقهما لأن فرنسا تلك الأيام كانت كبريطانيا في السودان حائرة بين أطروحات المغرب وأشعار سنغور الذي يريد الضفة الشمالية وأهلها بإلحاح وعزم.

    ولعل من المفارقات شبه المجهولة في تاريخنا ما حظي به التوسع المغربي من دعم قوي من يهود باريس ومن دوائر ولوبيات متنفذة تدور في فلكهم وهي في مجموعها دوائر تفضل تقديم قبائل "المور كل المور" هدية متواضعة لمولاي محمد بن يوسف سلطان المغرب الأقصى ومنقذ الكثيرين من أتباع تلك الطائفة من فظائع وأهوال النازية.

    ومن المعلوم أيضا أن يهود باريس مالوا لكل ما من ما شأنه إزعاج فرانكو طاغية مدريد المتشبث بالصحراء والتي ستقع برمتها فور تنفيذ مشروع ضم موريتانيا لعرش الرباط بين فكي كماشة مغربية ولن يخفى على ذي بال مدى حقد اليهود على الجنرال الاسباني الذي كان وما زال بالنسبة لهم الحليف الصامت والأكبر لهتلر ولموسوليني!

    حتى بعد إعلان الاستقلال وعضوية بلادنا في الأمم المتحدة ظلوا يصرون ويناضلون إلى أن استمالوا الجنرال ديغول نفسه لفكرة عجيبة مفادها وجود الدولتين والملك الواحد وهي الفكرة التي حاول ديغول تسويقها لبرهة من الزمن نزولا عند ضغوطاتهم المتتالية ومما يصلح للتندر المرالتذكير بأن هذه الحجة الواهية تنبني على إلزامية انعقاد البيعة دينيا لأمير المؤمنين!

    تقارير يهود باريس ومحاضرهم موجودة وتمكن قراءتها في المركز الفرنسي لدراسات أفريقيا وآسيا المسلمة وهو ذاكرة المخابرات والجيش الفرنسي ويمكن الاطلاع عليها في الملفات الحمراء المكدسة في الطابق الأول من المبنى رقم 14 من شارع ديفور بباريس.

    فشل الشاعر سنغور في إقناع البولار والسونينكيه ولم تسعفه قوافيه وتراتيله فقد كان متكبرا ونصرانيا وكان صاحبنا مسلما موطأ الأكناف فاختاروه وانفصلت نخبتهم عن اليسار الأسود مفضلة عليه المشاركة في بناء الجمهورية الإسلامية الجديدة.

    الرغبة في تقسيم موريتانيا بين المغرب والسنغال كان ومازال هو سر الصداقة الثابتة بين داكار والرباط لذلك تجدهم دائما يتحدثون علنا عن علاقات الجوار وعن التاريخ المشترك وكأننا غير موجودين بالمرة. بالنسبة لهذين الجارين نحن مجرد بلد افتراضي مقتطع من جسديهما وحالة معيبة يجب أن تزول في أقرب الآجال.

    مهارة الرجل المؤسس جعلت باريس تغير رأيها سريعا أمام اقتناع أهل موريتانيا بجدية المشروع وإمكانية تحقيقه فخبتت أطماع داكار وانحسرت أحلام الرباط.

    بدأ السباق بيننا والمغاربة على تحرير الصحراء من نير الأسبان ولو ظل الأمر بيننا والمغاربة لتمت تسويته بالتي هي أحسن..!

    هكذا تم تقسيم المستعمرة مناصفة وإنصافا بعد استشارة محكمة لاهاي وموافقة جماعات وقبائل الساقية الحمراء ووادي الذهب لكن الرفيق "بوخروبة" فضل تخريب المنطقة على من فيها والتنصل من اعترافه السابق والمعلن للتسوية الموريتانية المغربية الاسبانية التي باركها طويلا وفي قمم عربية وافريقية عديدة.

    انتماءات "بوخروبة" الشيوعية وأموال القذافي كانت عناصر الجذب الكبرى لبعض شباب تيرس اليساري فاشتعلت الفتنة وما زالت مستيقظة إلى اليوم..لا شيء أسهل من إشعال فتنة ولاشيء أصعب من إطفاءها.

    الله حسيب بوخروبة والله حسيب القذافي.

    فر العسكر من المنازلة واحتلوا نواكشوط وفي شهور تألق نجم ولد هيدالة فقرر التخلي عن وادي الذهب بكامله بما فيه مسقط رأسه أي بيرانزران!

    وأصبحنا في حالة معيبة وغريبة ومعقدة حالة معيبة لأن رئيس الدولة أصبح مواطنا من دولة أخرى!
    فكيف يمكن أن يتصور إنسان عاقل انفصال جنوب السودان وبقاء سلفاكير ميارديت نائبا لرئيس شمال السودان؟

    وهل يمكن أن يتخيل أحدكم غدا انفصال إقليم كردستان وتحمل العراقيين لبقاء جلال الطالباني بكل لحمه وشحمه رئيسا لجمهورية العراق ؟

    كان أولى بولد هيدالة إقناع البوليساريو بالعدول عن الانفصال وبذلك يجلب السلام ويتأتى من رئاسته شيء له معنى وفائدة وهو ما لم يحاول فعله بجدية...تسرع العسكر كان عندنا كما في السودان السبب في كل الكوارث الانفصالية المريرة.

    حالة غريبة لأن من يؤول لهم ملك كل موريتانيا مشتملة على وادي الذهب وهم في هذه الحالة سكان تيرس الغربية أنفسهم يجب أن تتلاشى عقدهم وتنجبر خواطرهم فتسمية ولد هيدالة رئيسا للدولة الموريتانية تحمل في طياتها وضعهم فوق الرؤوس وتمكينهم من تيرس موضع النزاع ومن كل موريتانيا وهذا في حد ذاته أكبر تنازل وأرفع تكريم ضاع علينا دون مقابل.

    هنا أطالب القارئ بالتوقف قليلا لإجلاء بعض اللبس كي لا يفهم مما سبق أي تشكيك في مواطنية المقدم ولد هيدالة ولا حتى في وطنيته فهو موريتاني مثلي ومثل غيري بل وأكثر وقد خدم طويلا وربما مريرا العلم الموريتاني وكافح على الأقل عسكريا لضم وتحرير وادي الذهب لكنه كسياسي من أصحاب البزات فشل في إقناعنا وإقناعهم بجدوائية رئاسته لأنه لم يستطع بالحسنى إنهاء تلك الحرب دون خسارة جزء ثمين من الحوزة الترابية الموريتانية...وقد كان ذلك ممكنا وواردا لكنه لم يحصل.


    حالة معقدة لأن البوليساريو لم يستفد منها وهو الأجدر بها معنا أوبعدنا فسرعان ما احتل المغرب في ساعات كل تيرس الغربية وخسرنا أرضنا ولم ينلها مواطنونا السابقون ولم تنتهي معاناتهم بل ما زالوا في مخيمات تندوف بعد ثلاثين سنة ونيف يعاندون القدر في رمال الحمادة الجزائرية مرتهنين في لعبة ليّ الذراع بين دول الشمال الكبيرة والغنية وذات النفس الطويل.

    إذا تغافلنا وابتلعنا كبريائنا ونسينا عبث العساكر بتيرس الغربية وعبثهم بجنوب السودان فكيف لنا أن ننسى ما يجرى تحت باصرتنا هذه الأيام جنوبا وشرقا ؟

    بعد ثلاثة عقود ونيف من حكم العسكر أكاد أجزم بأن أهل الجنوب من بولار وسونينكيه ندموا على خياراتهم في مايو1958ذلك أنه حتى ولو تجاوزنا ما لحق بهم مما لا يجوز فهمه ولا تبريره في التسعينيات فوضعهم الحالي وعلاقاتنا بدول الطوق تشي كلها بنذر مخيفة.

    أنني ألمس فيهم الآن من خلال أحداث "لا تلمس جنسيتي" وغيرهم الكثير من مظاهر الاستياء اليومي والإحباطات المتراكمة حدا يجعلني أقول بأنهم صار يخامرهم الشك حثيثا في توافر أي رغبة حقيقية لدينا في العيش المشترك معهم !َ

    تمكنت الطغمة العسكرية الموريتانية عبر التفريط الآثم والمتواصل لعقود من خلق حالة عجيبة من التنافر "الاثني" المزمن تعبر عنها "الدياسبورا" البولارية بقوة في كل عواصم النفوذ العالمية وقد أصبح الخوف واردا وجديا ومشروعا من تفجير وشيك للوضعية القومية.

    وهو تفجير جمده طويلا احترامنا واحترام دول الجوار – السنغال ومالي- لمبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة من الاستعمار وهو المبدأ الذي كرسته المواثيق والمعاهدات الإفريقية والذي بدونه كان سيسهل إشعال فتيل الوضع الملغوم وحصول انفصال بلاد التكرور عن موريتانيا منذ زمن بعيد.

    المذهل والمخيف هو مدى تفريط موريتانيا الجديدة في هذا المبدأ الراسخ في العلاقات الأفريقية حيث توجهت أصابع الاتهام إليها منذ الأيام الأولى بالسعي لإشعال حرب أهلية في الجار المالي وضلوع الأجهزة الأمنية الموريتانية في تسليح تمرد آغ بهنغا سنة 2008.

    الآن وبعد ثلاث سنوات ونيف من تجاوز تلك الصفحة المؤلمة, طفق وزير الخارجية يترخص ويتوسع في حديثه عن المسألة الأزوادية حدا جعله ناطقا باسم حركة تحرير أزواد الانفصالية!

    وتبعه الجنرال ولد عبد العزيز على صفحات لوموند وتناولت أكثر من وسيلة إعلام دولية موضوع دعم موريتانيا شبه المعلن لانفصال أزواد عن مالي!

    ثم جاء وزير التعاون الفرنسي يحذرنا علنا من مغبة المساس بالسيادة المالية وتدفق اللاجئون واشتعلت حرب ضروس شرقنا وهي كما يبدو مجرد جولة مغلفة من جولات حروبنا الطويلة في أزواد.

    الآن بدأت حملاتنا الأزوادية المباشرة وغير المباشرة تنتج حالة دارفورية مرعبة في ولاياتنا الشرقية.

    عشرات الآلاف من اللاجئين يتكدسون في سهول تلمسي قرب باسكنو بولاية الحوض الشرقي وسوف يشكلون مع الوقت أحزمة من "القوى السلبية" ولا عجب إذا تحولت مخيماتهم سريعا إلى ثكنات خلفية لمهاجمة الجيش المالي النظامي ولا غرابة إذا تعقبهم الماليون واقتحموا حوزتنا الترابية كما تعقبنا مقاتلي القاعدة في أراضيهم بموافقتهم وبدونها.

    لا يستبعد من هم على دراية بخفايا الأمر نشوب حرب أخرى بين الأزواديين أنفسهم أي بين العرب والطوارق وهي الحرب النائمة والقديمة والتي إن وقعت فسوف تقع هذه المرة على أراضينا !

    لذلك فكلى توجس وقلق وخشية من تفاقم هذه الحالة التي تشبه كثيرا الوضع في دارفور حيث تفرقت القبائل بين قبائل تتبع للجنرال عمرالبشير واصطفت أخرى وراء الجنرال ادريس دبي وكادت نجامينا والخرطوم أن تحترقا تباعا وفقد ملايين الناس حياتهم وأخرجوا من بيوتهم اثر مغامرات غير مدروسة ترتجلها أنظمة عسكرية طائشة في الطرفين.

    أكبر ترحيب باللاجئين هو المحافظة على السلام في أرضنا وفي أراضي الغير وتوطينهم في أرضنا لا يمكن أن يكون حلا للمشكلة بل هو استيراد لمشاكل إضافية وهذا أمر معروف عند خبراء الجيوبوليتيك والأمثلة عليه كثيرة ومتكررة.

    كاد اللاجئون الفلسطينيون أن ينجحوا في تدمير الأردن في أيلول 1970وعندما نزلوا ببيروت احترقت عشرين حجة وما زالت تحترق .

    فجر التوتسي المهجّرون حرب موسيفيني في أوغندا وعادوا لرواندا بعد رميّ مليون جثة في بحيرة بوكافو وأشعلوا الكونغو في حرب دامية سقط فيها خمسة مليون قتيل.
    كل هذه الأمثلة وغيرها تكفي للتحذير من اللعب بديموغرافيا المنطقة والتلاعب بجغرافيا الإقليم.

    استقالتنا الطويلة من دورنا الإفريقي تشبه أيضا هي الأخرى استقالة عسكر الخرطوم الذين أهملوا دول الطوق واحتقروها طويلا وتعاملوا معها بجلافة وتكبر غير مفهومين.

    انه نفس التعامل العسكري الفج الذي ألقى ظلاله من السودان جنوبا وغربا وأدى إلى استفادة الجنوبيين بالأمس من دعم كينيا وأوغندا والحبشة واستفادة الغربيين اليوم من دعم تشاد وافريقيا الوسطى وبمؤازرة الجيران وبرعايتهم حيكت المؤامرات تباعا ضد السودان في عواصم المكر العالمي واشنطون لندن وباريس.

    في موريتانيا اليوم تتابع الأخطاء "السودانية" وتتراكم بحق دول الطوق الجنوبي ومنها أخطاء مجانية وخرقاء بحق الجارة مالي التي نقتحم حدودها بطيش ونتلاعب بتوازناتها السياسية برعونة ومنها بوركينافاسو والنيجر التي نتهم قادتها علنا بإيواء الإرهابيين وحتى ساحل العاج البعيدة نسبيا والتي خسرنا فيها علاقات عريقة بمسلمي الشمال نتيجة لتحيزنا الفاضح لطاغية كافر سامهم سوء العذاب وفي نفس الخانة يجب وضع السنغال المتأهب دوما لمراقصة كل متربص بنا رقصة "سلوفوكس" أو زوج الثعالب على رملنا الذهبي الناعم! .

    التفريط والارتجالية والغرور هي أبواب جهنم المفتوحة علينا من كل حدب وصوب لذلك فأنا أخشى من التمادي في هذه السياسات المجنونة التي ستجر علينا وعلى المنطقة مالا نريد مما لا تحمد عقباه.

    أدعوكم جميعا للصلاة معي كي تتلافانا العناية الإلهية وتقيض لنا من يستطيع إدارة هذه البلاد المسكينة بمسؤولية وحكمة حتى نعود لما خلقنا الله له أرضا للسلام والمحبة بين المسلمين وحضاراتهم المختلفة.

    وفي انتظار الفرج ليس لي سوى مواصلة الانزواء في هذا المنفي البعيد وملاحقة مليحات السودان مقبلات أو مدبرات وصب اللعنات كل اللعنات على جنرالات الخرطوم ونواكشوط المفرّطين تباعا في ارث عظماء من نوع محمد صالح الشنقيطي ومختار ولد داداه وهو ارث انتزعوه دون وجه حق وسيفجعون قريبا بفقدانه وسيبكون إن شاء الله كأسلافهم من النساء الحزانى اللواطم.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de