محمد سعيد دفع الله يبروز لوحة (نسايم أشواقي) للشاعر ابراهيم ابنعوف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 12:37 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-16-2012, 05:19 PM

maman
<amaman
تاريخ التسجيل: 11-21-2002
مجموع المشاركات: 1041

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمد سعيد دفع الله يبروز لوحة (نسايم أشواقي) للشاعر ابراهيم ابنعوف

    قصيدة الشاعر ابراهيم ابنعوف (نسايم أشواقي) لوحة شعرية .. وهي من القصائد الخالدات.في غناء منحنى النيل ( يمكن الاطلاع عليها عبر هذا الرابط):
    http://www.tawtheegonline.com/vb/showthread.php?t=808


    كتب محمد سعيد دفع الله عن (فسراع يا نسايم أشواقي شيلي السلام مطبوق.. لي أهلنا وجميع حبانا في الحلة التحت والفوق) بمنتدى القرير :

    لله درّك أخي إبراهيم.. كيف جئت بهذه الصور البديعة المتلاحقة لتضعنا بكل هذه السهولة الشعرية .. في (البلد).. في الحِلّة التِّحِت والفوق.
    بداية أيها القارئ العزيز أريد أن أشير إلى أنني أسعى لأن أكتب خطرات عن هذه اللوحة الشعرية الفريدة، وبالتأكيد أنا أتلمس بعض ما جاء فيها، ولا سبيل لكشف كل أسرارها العميقة، كما أن الذي أورده لا يعني أن الشاعر سعى إلى ذلك، لأن (الشاعر -الشاعر) عندما يكتب لا يضع أمامه خارطة تسوقه أثناء استرساله في خط خواطره التي عَنَت له لحظة الكتابة، فهو يكتب تقوده دواخله الشفيفة وقد يكون أحياناً دون وعي تام فتأتي القصيدة على ما نجده أخيراً مكتوباً، وقد يعود الشاعر فيقرأ ما كتبه، فيصلح بعض شأنه وقد يتركه كما جاء.
    معنى هذا أنني أحاول أن أشير إلى بعض ما تخيلته أو ظننت أن الشاعر رسمه..
    لا أريد الحديث عن أخي الشاعر إبراهيم ابنعوف عمر من (أُسلي)، وقد تكون ضمة الألف مشبعة فتكتب واواً (أوسلي).. لأن هذا يحتاج لباب آخر، بل أبواب ندخل منها على متفرعات كثيرة عن الشاعر وشعره الكثير الجم في ضروب ومواضيع الشعر التي تناولها.
    أعود للبداية وأعيد: لله درّك أخي الشاعر إبراهيم.. كيف أتيت بهذه اللوحة في بحر شعر عميق وبقافية رحبة، تناغمت مع موضوع القصيدة.. العاطفي والشوق المتدفق للبلد والأهل والحياة الممارسة التي فقدتها في زحمة المدينة.. فهدتك دواخلك المسكونة بحب البلد لأن تبعث مرسالك (النسايم) ليأتيك ويزوّدك بأخبار من فارقت واشتقت لهم ولم تجد سبيلاً لتصل إليهم بشخصك إذ عاقتك عوائق، ولذلك أرسلت من لا تقف في طريقه العوائق التي حرمتك من الذهاب لهم .. (النسايم).
    اخترت أيها الشاعر أو لنقل اختارت القصيدة لنفسها بحراً شعرياً فيّاضاً يسمح بـ(العوم) السباحة الحرة.. (والعوم فصيحة قحة لا تشوبها عامية ولا لُكنة).. كما سالت أوديتها المترعة في قافية مشحونة بالبكائية والحنين.
    *لن أتمكن من الوقوف على كل بيت وإن كانت كل أبياتها تستحق الحديث، ولكن تلك استحالة وأنا لست باحثاً كما أقررت في حديث سابق عن قصيدة (ست ريدي) لأخي الشاعر السر عثمان الطيب.
    *القصيدة نظمت بمطلع هيأ به الشاعر المتلقي لما سيأتي من صور مترابطة نرى فيها (البلد)، ثم انتقل في ما بعد ذلك لرباعيات، كل حزمة منها في منظر أو إحساس معيّن.
    يبدأ الشاعر -مدفوعاً بلواعج أشواقه وحنينه- حاثاً (نسايم أشواقه) وليس أي نسائم، ولهذا من حقه أن يستعجلها ومن الواجب عليها أن تلبي طلبه، وتحمل سلامه (المطبوق).. ليس واحداً مفرداً.. وهذا إمعان في بيان شدة الشوق وضرورة المرسال.
    ومما أفلح فيه الشاعر وحدة مشاعره تجاه (البلد).. فكان أن قال (أهلنا وجميع حبّانا).. فلم يفرّق ويتخيّر.. بل يؤكد على الشعور الوحدوي حينما يردف (في الحِلّه التِحِت والفوق).. كلاهما.
    *ثم يمنح (النسايم) (ونحن) معها، بوصلة الطريق..(هِبّي على الشمال).. وما أبدع أن يختار شاعرنا العلامة الفارقة والدالة فعلاً على موطنه الصغير، والأكثر إبداعاً أن يصل بقدرات الشاعر المتمكن من أدواته إلى تلك العلامة المشهورة دون أن يقول الاسم صراحاً -النخيل- (التّمُر) ولكن من خلال إشارات لا يخطئها البصر والسمع.. (المال فوق جريدو يتوق).. (يتراقص مع نغمات قماريهو التسوّي القوق).. وعلاقة القمرية بالنخلة مشهودة حيث عشها موطن صغارها تحتمي بطولها وتأكل من ثمرها وتظلها حيث ينبعث صوتها في القيلولة.. وغير ذلك حتى إننا سمّيناها (دباسة التَّمُر).. من منكم الآن لم يجد نفسه في وسط البلد بين النخيل؟ والنخلة وسم ودالة على جهة الشمال بدرجة أنها استخدمت رمزاً للمديرية الشمالية.
    ولننظر كيف أناب عن أهله الحنان،أعلى هامات البلد، هذا النخيل ليستقبلها هاشاً باشاً، ومن شدة فرحه بلقائها (يطول لى فوق).. (لا فوق)، و(لى) هي بالإمالة المستخدمة في منطقة الشايقية إذ هي بين الكَسرة والفتحة.. وحقيقة الكلمة هنا هي حرف الجر (إلى) .. (هذا بحر لا داعي للخوض فيه). وتعبير طول قامة الإنسان عند الفرح متداول بين الناس في تلك المنطقة، ألم تقل (فاطني بِتَدْخير)..(فاطمة محمد خير- حبّوبة الشاعر والمغنّي أيوب محمد الحاج -من مقاشي):
    (جواب الخير يجيني أطول لي شبرين.. واتْبسطْلي بساطي فايتي على القوانين)
    وهكذا نرى الصورة الوجدانية عالية الدقة والوضوح في هذا الحب والشوق المتبادل في هذا العناق المشبوب بين أهله الذين يمثلهم (النخيل) وبين (إبراهيم) الذي تمثله (نسايم اشواقه).. وهو عناق عشوقيْن مشوقيْن مستهاميْن.. فمن بعد أن قال (يكتّر في السلام).. لم تَفِ غرضه وتبين مكنون شوقه.. أتى بما يوضح أكثر فقال (يقْلِد).. فالسلام أصناف: بالنظر، الإشارة، الصوت، المصافحة، الاحتضان والعناق (القَلِد).. إلخ...
    ألم أقل أن كل بيت من القصيدة يستحق الوقوف عنده؟ ألا ترون أنني لم أبرح حتى الآن المقطع الأول.
    *بعد هذا الاستقبال الحميم الدفيء من أعلى قامات البلد (النخيل)، فطن الشاعر لعنصر مهم جداً هناك، فما تأخر أبداً في أخذ (نسايم أشواقه) إلى حيث مبعث الحياة.. (النيل) وكلكم يعلم ما النيل.. وما صيغ حوله من أشعار فصيحة وعامية وأعجمية ومن قصص وحكايات وووووإلخ. والفصل قول الله تعالى في الماء بعمومه (وجعلنا من الماء كلَّ شيء حي)..
    *(هناك ساقةً محاضني (النيل) .. تدفّق في دموع الشوق.....) .. في هذا المقطع يواصل الشاعر بكائيته المشبعة بالحنين والأنين فيبعث فينا صوت (الساقي) (الساقية).. وحذف التاء المربوطة أو إبدالها لياء، أمر سائد خصوصاً عند أهل هذه المناطق.. (وهذا باب واسع) لكن نجد ذلك مثلاً في قولهم (العافية – العافي، الصافية- الصافي، القزازة –القزازي، الجبّادة –الجبّادي.. وهكذا).. وليزيد من لواعجنا يجعل الساقية باكية تدفق دموع الشوق لا مجرد الماء، كما أنه يسمعنا صوتها في (نص الليالي).. ذلك الوقت الذي يهدأ فيه الكون ولكن تصحو فيه الأشواق والآلام والمشاعر جمة.. لعلكم عايشتم هذا الوقت المتأخر من الليل.. وكيف يكون وقعه على النفس إن كان لأحدنا ما يؤرقه ويدعوه ليصحو.. فالساقية صوتها الباكي يثير في النفس كوامنها فما بالك وهو ينطلق في (نص الليالي)!!
    أيّكم يعرف مصادر صوت الساقية ومن أي الأماكن فيها ينبعث؟
    كنت مرة في زيارة لـ(جزيرة مسّاوي) أجمع بعض شعر في شأن السفر، وقضيت بها أياماً (ماتعة) في ضيافة أخي المغنّي والشاعر ابن الشاعر التاج محمد طه.. والده كاتب الأغنية التي صدح بها فنان الربوع بخيت صلاح وهي: (المرض مابْيكتلُّو زول .. آجاهله كفاره البيك يزول)، ومن حسن حظي أن وجدت (ساقيةً محاضني النيل.. تدفّق في دموع الشوق.......).. لصاحبها البشير أبو سوار –رحمه الله- ودار بيننا حديث فوجدت الرجل يعشق هذه الآلة حد الإدمان وله فيها ذكريات وأي ذكريات.. سألته لماذا تزرع بماء الساقية وهناك (البابورات) ذات العمل الأسهل والماء الأكثر؟
    رمى بسمعه تجاه أصوات (الوابورات) الآتي من عدة أماكن، ثم قال:
    اسمع صوت البابور ده قَعَد يقول شنو؟ قلت: قَعَد يقول شنو؟ قال: اسمعو ما قَعَد يقول: تُبْ.. تُبْ.. تُبْ؟)، قالها مع إشارة من يده في كل كلمة كأنه يدفع عن نفسه أمراً مكروهاً.. وهي طريقة الناس هناك عند استخدام هذه الكلمة (تُبْ).. ثم أكمل: (لاكين اسمع ساقْتي دي قَعَد تقول شنو.. تقول: يالطيييييف.. يا لطيييييف.. يالطيييييف...).
    وهذه الساقية كان لها دور عظيم في ري الزرع والناس والطير والضرع.. لذلك قالت شاعرتهم:
    (نحمد الله حمداً كتير .. دوّرتْلنا ساقةَ البشير).. إلخ.
    *مَنْ منكم شرب من (قادوس الساقي) .. القادوس المعلّق الذي توقفت الساقية ولم يصل بعد لدفق مائه في المكان المعد له؟
    وحرصت أن أسجل صوت الساقية هذه بعدما أعلمني (البشير) –رحمه الله- المواقع التي يصدر منها الصوت.. فما هي؟
    ولتسمحوا بإيراد أبيات قليلة جداً في الساقية.. قال شاعرنا في قصيدة أخرى يتحدث فيها عن دنياه: (آه من دنيتي وأقداره .. ينسبقن عليّ سَبِق)..(ساقةَ الهم تدور في راسي .. تتعاقب بلا تَتَّق)..(صِح ما ليها أمان واللهِ .. ليّ مضيِّقي المِشِّق).. فما التَتِّق والمِشِّق؟
    ويقول الشاعر السر عثمان الطيب:
    (قمريّه غنّت..
    مازج هديله..
    حس ساقي أنّت
    يوت سايقي ليله..
    فَجُرْ تدوّر..
    قادوسه نازل..
    للمويه شايل..
    صاد تاني راجع..
    مليان وطالع..
    وهذه الأبيات، بعض من كثير من الأشعار التي وردت فيها إشارات للساقية .. ولشاعرنا محمد جيب الله كدكي قصيدة كاملة يحدد فيها أغلب إن لم يكن كل أجزاء الساقية.
    لا أريد أن أخوض فيما ورد من شعر تذكر فيه الساقية، لأنه موضوع طويل بحسب أهمية الساقية في زمانها، بل بعدما تركها الناس ظلّت في ذاكرتهم ماثلة، وقد يذكرها في شعره حتى مَن لم يرها أصلاً.
    وشاعرنا الذي كان يستعجل نسايم أشواقه تجاه أهله، يبدأ في استبطائها ما دامت قد وصلت حتى تتمكن من الإيفاء بما يريده منها من أخبار بتفاصيل، فهو يودها أن (تباري جديول الساقي) ثم في مهلة واسترخاء تشوف (شنو المسيوق) كما يرجوها: (بى بشيشيك لفّي).. لتتفادى (الشتيل المكروق) خشية الإضرار به.. وهذا يبدو في تصغير المصغّر وهو الشتل(صغار النخل)، ثم هو مكروق أي مجموعة أطراف جريده ومعقودة تجاه ساقه حتى لا يتمدد الجريد فيكون عرضة للمارين بالطريق، كهذه (النسايم) التي يوصيها الشاعر بالتمهل عند هذا الشتيل المكروق. أرجو أن أكون قد تمكنت من إبانة الصورة هنا، فهي صورة دقيقة التفاصيل.
    *في المقطع الثاني هذا، يبدأ الشاعر من (بى تِحِت) من حد البلد الأسفل من النيل من مصدر الحياة والإلهام ثم يأخذنا مع (نسايم أشواقه) تجاه مواقع العمل حيث تموج الحياة حركة ونشاطاً وحيوية، فنجده يعيد من ذاكرته تلك المناظر المألوفة ويكاد يشير بيده من خلال استخدامه المتكرر لكلمة (داك) وهي اسم الإشارة (ذاك) في المقطع الثالث:
    (داك مالي الرحل مِندلّي .....)(داك بدّر يحش.....)(داك قرّاع....).. فنحن الآن أمام لوحة مترابطة الأطراف والصلة تجمعت في مساحة محددة وهي أوضح صور البلد.. ولعلّي آخذ منها جزئيات صغيرة.. إذ يصعب احتواؤها كلها. فـ(شايل السوق) بمعنى ماشٍ أو ذاهب إلى السوق .. والكلمة ظلت مستخدمة في هذا المعني وربما هي كذلك حتى الآن في بعض المناطق التي لم تطؤها قدم الحضارة (القبيحة).. التي أخذت كثيراً من جماليات حياتنا في البيئة والإنسان.. ويا أنتم.. يا من عشتم حياة (القرية).. كم مرة بالله جرى لكم ما ذكره شاعرنا وبدّرتم لحش القش حتى تتمكنوا من اللحاق بأمر آخر.. سواء السوق، الطاحونة، لعب الكرة أو أي مرسال يطرأ؟
    وهذا القرّاع رغم فتره الذي دعاه (يقرّن مويتو) لأن طبيعة ري الأرض المعهودة أن يسقي حوضاً حوضاً.. إلا أنه يستفيد من هذه الهنيهة بأن يقوم بفتل (حبيل)..وليس (حبل).. أنظر اختيار التصغير هنا لأنه مطلوب لربط (قادوس).
    ويبدع الشاعر في اختيار لفظ متداول بين أهل الزراعة المعتمدة على الساقية في ري الزرع، إذ تعاقب ال########يس المربوطة في (الألس) آخذة الماء وصاعدة ومفرغة له.. ثم عودتها مكررة هذا الفعل طوال دوران الساقية يؤدي إلى تخلخل بعض ال########يس.
    هذا التخلخل يجعل القادوس يميل يمنة ويسرة وربما للأمام والخلف فلا يحمل الماء بالشكل المطلوب، ولا يسكبه بالمكان المعدّ له.. كل هذه الصورة جمعها الشاعر في قوله (قادوساً نِعِس).. أعيدكم للصورة مرة أخرى.. ولكن في حالة إنسان نعسان.. كيف ترونه وهو جالس؟
    *المقطع الثالث: (ديل أهلي الحنان....) يشير فيه ويحدث من أرسله (النسمة- النسايم) أن هؤلاء الذين تراهم يكدحون هم أهله (الحنان) ونلاحظ هذا التمييز لأهله.. بهذه الصفة في كلمة واحدة (الحُنان) ولكن أي كلمة هي؟ من منكم يبين لي ما تحويه هذه الكلمة من معنى؟
    وأشير أيضاً إلى قوله (طوّلْ) و(مرة) ألا تلاحظون هذا البون الشاسع .. فالمدة طويلة جداً التي قضاها مؤملاً في أن يرى أهله ولو (مرة) واحدة.. وتعوقه صروف الحياة فيختصر ذلك في (إلا قديمي ما مطلوق).. وتصغير القدم له دلالة عظيمة إذ تكون حيلة انطلاقها وانعتاقها من قيدها الذي يكبّلها أضعف قوة.. وأهلنا يقولون: (القدم ليهو رافع)..(القدم مؤنثة ولكننا نذكّرها في لهجتنا ومثلها كثير.
    الناس في هذه المنطقة يحذفون ضمير المتكلم أو المخاطب (التاء) في كثير من الكلمات وخصوصاً ذات التشديد ويقفون على سكون الحرف السابق لهذه (التاء)..كقول الشاعر: (طوّلْ) لـ(طوّلتَ).. ونقولجهّزْ حالك؟) لـ(جهّزتَ حالك؟).. بفتح التاء للمخاطب ونقول: (جهّزْ حالي) لـ(جهّزتُ حالي) بضم التاء في المتكلم..
    من هذا المقطع وإلى آخر القصيدة يسترسل الشاعر في إبانة حاله بعيداً عمّن يحن ويشتاق لملاقاتهم ويشرح ما لقيه من تباريح وعذاب، ويرمي بأثقال شكواه وما يحمل من ضنى.
    الذي أصاب شاعرنا كثير ومؤلم بدرجة أنه لا يريد أن يقع على أحد غيره وهذا شعور فريد يجيء به الشاعر مُنتَخباً من مشاعر عامة الناس هناك، إذ إنهم يتداولون هذا التعبير بينهم مبعدين ما أصابهم من بلاء وكرب عن غيرهم بدعاء (الله لا بلاك بحالي).. أو ما يشبه ذلك.. كما قال شاعرنا:
    (إن سألوكي عن أحوالي البَيْ ما يصيد مخلوق....).. ثم أخذ يعدّد بعض ما يلاقيه بعيداً عمّن يشتاق لهم. وهو يمعن في رسم لوحات ما يلاقي بإضافة ألوان تتخطى النظر لتستقر في قلب السامع أو القارئ لها.. هاكم إياها باختصار: فمراكب الغربة تاهت به (يعني ما شالها العرق ولا طلْوحت ولا ولا....) وقد تاهت وليس بها (ريِّس) ولا (واسوق).. فهذه يصعب إرجاعها لأنها فقدت أهم عناصر التحكم فيها وقيادتها.
    ويزيدنا قتامة في حالته.. فهو في سفر طال به لسنوات خمس قضاها في ظلام (ضلام) ينتظر شروق شمسه ولكن تأبى.
    ويكاد يقنط شاعرنا من العودة ورؤية أهله و(بلّ شوقه).. وإعادة ذكرياته القديمة ليعيشها من جديد.. (أبكي على الزمان الفات .. وما أظن البفوت ملحوق).
    ويظل شاعرنا يسكب عصارة ألمه من هذا البعد.. فهو باك طول ليله كحال (الساقية) التي ذكرها، فها هو دمعه يجري كالماء المنحدر من السبلوق.. وربما يشير لـ(سبلوقة) الساقية التي ينصب فيها ماؤها ثم ينحدر تجاه الأرض والزرع.. وربما (سبلوقة) المطر في البيوت.. فالمعني واحد دال على احتشاد ماء العين..أي (دمعها).
    ويأتي ختام المقاطع فيصل بنا الشاعر لدرجة (المبالغة) وكان لابد له من ذلك إذ إنه بذل طاقته فيما سبق من أبياته ليصور حاله:
    (انسلب اللحم من جسمي .. أصْبَحْ تَبْ عضام وعروق).. ويجعل للغرام سيفاً..(... بى سيف الغرام مشقوق).. يقول المعجم: الغرام: التعلّق بالشيء تعلّقاً لا يُستطاع التخلّص منه.. أو العذاب الدائم الملازم.
    وما يزيد المأساة عند شاعرنا ويعمّق جرحها النازف هذه النهاية (الدراماتيكية):
    (لا لاقي البَحِن في حالي.. لا زولاً عليّ شفوق)
    (وإن بقى عاد ده حالي البيّ .. ما أظن للسعاده أضوق).
    ونحن نستخدم كلمة (ضاق) ذاق.. بمعنى الحصول على المبتغى.. تقول لشخص إذا سعى ليأخذ منك شيئاً لا تود إعطاءه، مثلاً طلب منك أن تعطيه هاتفك الغالي والنادر وأخذ يسعى لذلك بأساليب عدة ثم قال: (مش تلفونك ده أنا حأشيلو منّك)، فترد: (واللهِ ما تضوقو).. والشاعر يرى أنه لن (يضوق) السعادة مادام حاله هو هذا الذي سرده وأبانه لنا في القصيدة.
    والكل يبحث عن السعادة ويراها في ما يود الوصول إليه من رغبات وأمنيات يصعب تحقيقها.
    إلى أن التقيكم بإذن الله في قصيدة أخرى لأحد شعرائنا.. دمتم سالمين..وأرجوكم العفو لأن المادة قد طالت.
                  

02-17-2012, 11:56 AM

maman
<amaman
تاريخ التسجيل: 11-21-2002
مجموع المشاركات: 1041

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد سعيد دفع الله يبروز لوحة (نسايم أشواقي) للشاعر ابراهيم ابنع (Re: maman)

    فوق
                  

02-17-2012, 12:33 PM

عبد القادر شادول
<aعبد القادر شادول
تاريخ التسجيل: 08-09-2009
مجموع المشاركات: 2549

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد سعيد دفع الله يبروز لوحة (نسايم أشواقي) للشاعر ابراهيم ابنع (Re: maman)

    لله دركم الثلاثة
    الشاعر الاديب الناقدمحمدسعيد والشاعر بالفطرة الاستاذ ابراهيم وانت يا استاذ مامان
    ارجو كتابة القصيدة داخل البوست حتي لا تقطع حبل المتابعة علي المطلع بالتنقل بين الرابط
    والشرح وتحياتي لك وللاستاذ محمد شعيد والاستاذ ابراهيم و عاطر الاشواق لهم

    وايضا السلام مطبوق لكل من ورد اسمه في السرح الراقي
    استاذنا السر واستاذنا كدكي
                  

02-17-2012, 01:00 PM

maman
<amaman
تاريخ التسجيل: 11-21-2002
مجموع المشاركات: 1041

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد سعيد دفع الله يبروز لوحة (نسايم أشواقي) للشاعر ابراهيم ابنع (Re: عبد القادر شادول)

    الأخ شادول

    لك خالص التحايا الود

    اليك القصيدة ، حسب طلبك:

    فسراع يانسايم أشواقـي ودن لـي السـلام مطبـوق
    لاهلنا وجميع حبانـا فـي الحلـة التحـت والفـوق
    ****
    هبي علي الشمال تلقيه ده المال فـوق جريـده يتـوق
    يتراقص مـع نغمـات قماريـه .. التسـوي القـوق
    بي طيبة الحنان يلقـاك يهـش ليـك ويطـول لافـوق
    ويكتر في السلام يقلد مثـل عاشقـا قلد معشوق
    ****
    هناك ساقيةً محاضنة النيل تدفق فـي دمـوع الشـوق
    تتبكي وتبكي الـزول وكـت نـص الليالـي تسـوق
    باري جديولها اطلعي فوق وشوفي دحين شنو المسيوق
    وبعدين بي بشيشـك لفـي قدّامـك شتيـل مكـروق
    ***
    داك مالي الرحل مندلي جايـب للخضـار مـاروق
    وداك بدر يحش في قشيشو عجلان باقي شايل السوق
    وداك قراع مقرن مويتو فتـران دار شـوي يـروق
    عشان يفتل حبيل يربطبـو قادوسـا نعـس مطلـوق
    ***
    ديل اهلي الحنان يانسمـة اهديهـم سلامـي وشـوق
    طول داير ازورهـم مـرة الا قديمـي ..مامطلـوق
    وان سالوكي عن احوالي البـي مايصيـب مخلـوق
    تاهـت بـي مراكـب الغربـة لاريـس ولاواسـوق
    ****
    والدرب المسافر بيه من طولـه بتهابـه النـوق !!
    خمس سنين قعد في ظلامه ما بان لي صباحه شروق
    اساهر الليل مـع الباكنـوا يتجـاري الدمـع سبلـوق
    وابكي علي الزمان الفات وما اظن البفـوت ملحـوق
    ***
    انسلب اللحم من جسمي واصبح طب عضام وعـروق
    واما قليبـي لوشافـوه بـي نـار الغـرام مشقـوق
    لا لاقي اليحـن فـي حالـي او زولا علـي شفـوق
    وان بقي عاد دي حالتي البي ما اظن للسعادة اضـوق

    (عدل بواسطة maman on 02-17-2012, 01:02 PM)
    (عدل بواسطة maman on 02-17-2012, 01:08 PM)

                  

02-17-2012, 01:04 PM

osman righeem
<aosman righeem
تاريخ التسجيل: 06-21-2007
مجموع المشاركات: 10872

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد سعيد دفع الله يبروز لوحة (نسايم أشواقي) للشاعر ابراهيم ابنع (Re: عبد القادر شادول)


    أوســــلي

    فســـــــــراع يا نسايم أشواقي ودّن لي الســلام مطبوق
    لي أهلــــــــنا وجميع حبانا في الحلي التحت والفــــوق
    هبي على الشــــــــمال تلقيه ده المال فوق جريده يتوق
    يتراقص مع نغمات.. قماريه التســــــــــوي القــــــوق
    بي طيبة الحنــــــــان يلقاك يهش ليك ويطول لا فــوق
    ويكتّر في الســــــــلام يقلد مثل عاشقاً لقى المعشـــوق
    هناك ســــــــاقة محاضني النيل تدفق في دموع الشوق
    تتبكى وتبـــــــــكي الزول وكت نص الليالي تســــــوق
    باري جديولا أطلعي فوق وشوفي دحين شنو المسيوق
    وبعدين بي بشيشك لفي قدّامـــــــــك شـــتيل مـــــكروق
    داك حالي الرحـــــــــــــــل مندلي جايب للخضار ماروق
    وداك بدّر يحش في قشـــيشو عجلان باقي لاحق السوق
    وداك قرّاع مقــــــــــرن مويتو فتران دار شويّ .. يروق
    عشـــــــــــان يفتل حبيـل يربطبو قادوساً نعس مطلوق
    ديل أهلي الحنــــــــــان يا نسمه أهديهم سلامي وشوق
    طــــــــــــــوّل داير أزورهم مرة إلا قديمي .. ما مطلوق
    وإن ســــــــــألوكي عن أحوالي البي ما يصيب مخلوق
    تاهت بي مراكب الغــــــــــــــــربة لا ريس ولا واسوق
    والدرب المســــــــــــافر بيه من طوله بتهابه النوق !!
    خمس سنين قعد في ظلامــه ما بان لي صياحه شروق
    أســـــــــــــاهر الليل مع الباكنو ينجارى الدمع سبلوق
    وأبكي على الزمـــــــان الفات وما أظن البفوت ملحوق
    إنسلب اللحم من جسمي وأصبح طب عضــــام وعروق
    وأما قليبي لو شفتــــــــــــــــــوه بي نار الغرام مشقوق
    لا لاقي اليحن في حــــــــــــــــــالي أو زولاً عليّ شفوق
    وإن بقى عاد دي حالتــــي البيّ ما أظن للسعادة أضوق
                  

02-18-2012, 05:42 AM

عبد القادر شادول
<aعبد القادر شادول
تاريخ التسجيل: 08-09-2009
مجموع المشاركات: 2549

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد سعيد دفع الله يبروز لوحة (نسايم أشواقي) للشاعر ابراهيم ابنع (Re: osman righeem)

    وكمان لله در ود اليمني لحنا واداء وما اروع ابناء الشمال وهم ينثرون مثل هذه الدرر لكم كل الشكر الاستاذين مامان و رغيم
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de