الدولة المدنية، طوف متقدم في مشروع التحرر الإنساني، أم تراجع نكوصي؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 01:12 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-24-2012, 03:59 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الدولة المدنية، طوف متقدم في مشروع التحرر الإنساني، أم تراجع نكوصي؟

    الدولة المدنية، طوف متقدم في مشروع التحرر الإنساني، أم تراجع نكوصي؟
    عدلان أحمد عبدالعزيز

    (1)

    حال فراغي من قراءة ورقة البراق النذير الوراق المدافعة عن مصطلح "الدولة المدنية"، وبسبب ما، تذكرتُ عبارة الفنان، والممثل المصري الشهير يوسف وهبي؛ "ياللهــول!"

    في معرض كتابة مادحـة في حق محمد حسبو كنتُ قد أشرت إلى أن كتاباته وأمثاله من أبناء جيله، دليل على فشل مشروع الإنقاذ "الحضاري" على مستوى الأيديولوجية والفكر في كسب أو تحييد الجيل الذي تفتحت مداركه داخل المنظومة التعليمية المصممة بواسطة ظلاميي مشروع الإنقاذ.. لم أكن متفائلاً من غير أساس، وقد عزز تفاؤلي الأخ مني أركو مناوي، الذي عندما قدمه الأستاذ التجاني بدر في ندوة بواشنطن معرفاً به وذاكراً أن نضال مناوي ممتد منذ الحقبة المايوية.. علق الأخ مني أركو، على أن ذلك ليس صحيحاً، باعتبار أنه (مناوي) كان صغيراً جداً في السن عندما اندلعت انتفاضة مارس أبريل، وقال أنه لم يكن يعرف شيئاً عن السياسة وقتها.. ومني أركو مناوي هو قائد حركة تحرير السودان التي تبنت العلمانية في آخر مؤتمر لها في حسكنيتة، في جنوب دارفور! ولكن، بعيد قراءة ما كتبه البراق النذير الوراق، توقفت قليلاً لأكبح جماح تفاؤلي، وأن أستدرك أن مشروع الإنقاذ "الحضاري" لم يفشل تماماً في التأثير على طلائع الوعي المتقدم، بل أحدث بعض الاختراقات هنا أو هناك، حتى على مستوى المحسوبين على الطرف النقيض من مشروعهم "الحضاري" الهدام، الذي تراجعوا عنه هم أنفسهم!

    الهول الذي يحسه المرء في مدافعة البراق النذير الوراق عن مشروع الدولة المدنية، نابع عن كمية التناقضات والمغالطات التي تحفل بها مدافعته وضعف منهج بحثه الواضح للعيان.. وكمدخل مفتاحي أحب أن أؤكد على أمر حاسم في أمر تمسكنا بالعلمانية كنظام موجه لإدارة الدولة. العلمانية تلك في محتواها الذي يفصل بين الدين والدولة والذي يعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله.. ذلك الأمر الحاسم الذي نرغب في تأكيده، أنه: لا توجد دولة ديمقراطية حقيقية دون أن تكون علمانية.

    بتأكيد أنه لا توجد دولة ديمقراطية حقيقية من غير أن تكون علمانية. نريد أن نقفل الباب أمام الحجج الضعيفة التي تريد الالتفاف حول ارتباط الديمقراطية بالعلمانية، من خلال ضرب الأمثلة بدولة مثل تركيا العلمانية والتي هي دكتاتورية في نفس الوقت -وذلك صحيح- ولكنه لا يعني ولا يقف دليلاً على وجود نموذج لنظام ديمقراطي حقيقي دون أن يكون علمانياً.. فنحن لا ندعي أن الدولة العلمانية بالضرورة، وتلقائياً، تكون ديمقراطية.. ولكن ندعي وباطمئنان كامل، أنه لا توجد دولة ديمقراطية غير علمانية، وغير علمانية تعني أول ما تعني أن للدولة ارتباط ما بالدين، وأي ارتباط بدين ما، يعني بالضرورة تفضيل المواطنين المرتبطين بذلك الدين على ما عداهم من المواطنين، وهنا بالضبط تسقط دولة المواطنة، وتتوقف المواطنة عن أن تكون أساس الحقوق، ودولة لا تكون فيها المواطنة هي أساس الحقوق، يكون من المضلل جداً إطلاق صفة الديمقراطية عليها، بل هو مجافاة تامة للحقيقة.

    البراق، لا يرى أي أزمة إذا تبنى الحزب الشيوعي "مقولات اسلامية او مسيحية او حتى من كتاب العهد القديم للتدليل على صحة قراءته للواقع" وفي الحقيقة أن الأزمة هنا هي أزمة رؤية البراق نفسه، فاستخدام المقولات الدينية، المنزلة، والمطلقة، والساكنة، التي لا تقبل تحويراً، للاستدلال على صحة قراءة آنية لواقع متحرك بكل تناقضاته وتشابك مصالح قواه الاجتماعية، ليس فيه أزمة؟ إذاً كيف يكون استغلال الدين في العمل السياسي؟ ذلك أمر جد مختلف عن فضح تأويلات مستغلي النصوص الدينية والصراع ضدهم من خلال جهد المستنيرين داخل تلك الديانات نفسها، كما أنه أمر مختلف أيضاً عن استلهام النصوص الدينية فيما يخص قيم الخير المطلقة التي تدعوا لها جميع الأديان، ويختلف كذلك عن استخدام اللغة، ذلك شأن مختلف تماماً عن تبني مقولات دينية بغرض التدليل على صحة قراءة للواقع تعضد رؤية سياسية مرتبطة بمصالح بشرية زائلة.

    لا يجد صاحب الورقة المدافعة عن "ورقة" الدولة المدنية، حرجاً من الاحتفاء "ببعض المصطلحات التى يمكن ان نحسن تأويلها بجعلها متوافقة مع واقع مجتمعنا لترقيته وتوعيته بحقوقه الضائعة والمسلوبة" وهو في ذلك يشير بوضوح إلى مصطلح "الشورى" وإمكانية إحلاله مكان كلمة "الديمقراطية" وبدلاً عنها، لنكون متوافقين "مع واقع مجتمعنا"، وهو بذلك لا يجهض فقط، الديمقراطية من محتواها، بل يجهض الشورى نفسها من محتواها الذي أراده لها المشرع الأعظم.. فكلمة الشورى وردت مرتان في القرآن الكريم؛
    فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
    آل عمران الآية 159

    والمرة الثانية هي في:
    وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
    سورة الشورى الآية 38

    والبراق إنما يتحدث عن هذه الآية تحديداً، والتي قال "ابن كثير" في تفسيرها: أَيْ اِتَّبَعُوا رُسُله وَأَطَاعُوا أَمْره وَاجْتَنَبُوا زَجْره " وَأَقَامُوا الصَّلَاة" وَهِيَ أَعْظَم الْعِبَادَات لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَأَمْرهمْ شُورَى بَيْنهمْ " مما يعني أن الشورى هنا لها متطلباتها، أؤلئك الذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة هم الذين تكون تكون الشورى قائمة بينهم، أما ما عدا ذلك فليدفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، أو فالتسل منهم الدماء.

    في رأي البراق النذير الوراق أن "الاقرب لوجدان السودانيين" من مصطلح (صراع الطبقة) هو: "المقولة التى تقول ( من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له)" إذا ما جارينا البراق في أن مصطلح (صراع الطبقة) ليس قريباً "لوجدان السودانيين"، فأننا لا نجد حرجاً كبيراً إذا ما هو طالبنا أن نتحدث كبديل لذلك المصطلح عن "الاشتراكية" بحسبانها واردة في الحديث "الناس شركاء في ثلاثة، الماء والنار والكلأ" ولكن، البراق الذي لا يجد حرجاً في استغلال النصوص الدينية للتدليل على صحة قراءته للواقع، ألا يدري أن ما أسماه "مقولة" هي جزء من حديث نبوي؟ وليست تلك هي المشكلة، المشكلة الحقيقية تكمن ما عنيته في أول المقال بالاختراقات التي أحدثها "المشروع الحضاري" للجبهة الإسلامية بشقيها، على مستوى الفكر.. فالبراق، وفي تماه مع لافتات الجبهة الإسلامية التي كانت تملأ الشوارع تدعوا "من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له" والتي أضحت عند البعض ستار جيد لممارسة ما يعرف ب "الختف".. أمثال ذلك القيادي الإسلاموي الذي تم ضبطه في جانب طريق مظلم مع فتاة فأدعى أن سيارته "الموبل" الجديدة قد "سخنت"! البراق في ضعف منهجي بائن، تناول شعار الجبهة الإسلامية المقطوع من حديث نبوي كامل، ولنامن الأسباب ما يجعلنا نظن أنه تم قطعه عن قصد، وفي إخفاء عامد لمحتوي الحديث النبوي الحاض على العدل الاجتماعي في محتواه الأقرب للاشتراكية.. وهو كما جاء في صحيح مسلم؛ حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا أبو الأشهب عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال:
    "بينما نحن في سفر مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم إذ جاء رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، وما كان له فضل من زادفليعد به على من لا زاد له فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل"
    روى الحديث الإمام أبو داود بسند صحيح

    يتبع..
                  

01-24-2012, 04:01 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة المدنية، طوف متقدم في مشروع التحرر الإنساني، أم تراجع نكوصي (Re: Sabri Elshareef)

    (2)

    الملاحظة الصائبة التي أبداها "البراق" حول أن محمد حسبو نسى "ان يعرف مصطلح علمانية الذى يدافع عنه" هي ملاحظة صائبة بقدر ما أن "البراق" نفسه، يفهم العلمانية كما يروج لها خصومها. فهو يطرح أسئلة يحسبها عصية على الحل مثل: "ما رأى الكاتب مثلا فى كيفية تعامل نموذج الحكم العلمانى فى معاملات عقد الزواج بين مسلم ومسلمة"، كأن ليس في العالم نماذج قائمة للدولة العلمانية، فإن لم يكن "البراق" يعرف أن كل صاحب ديانة في الدول العلمانية يمكن له أن يتزوج على ديانته أو زواج مدني، أو الاثنين معاً، أفلم يشاهـد النهايات السعيدة في أفلام الغرب، حيث البطل والبطلة يتزوجون على سنة المسيح في داخل الكنيسة، دون أن تفقد الدولة العلمانية، علمانيتها؟.. يستمر البراق النذير الوراق في طرح مثل تلك الأسئلة الفقهية التي يحسبها تعجيزية، وهي نفس التضليلات التي يبثها الأصوليون في حق العلمانية، حيث يحاولون نزع حيادها المعلن والممارس تجاه الأديان، ليتم تصويرها على أنها ضد الأديان.

    مثل كل النكوصيين، يتم اتهام العلمانية بهتاناً بأنها تسمح بالانحلال الأخلاقي، أو على الأقل، غير قادرة على لجمه، و الانحلال الأخلاقي في عُـرف كل النكوصيين، دائماً ما يتم حصره في الدعارة. من المحزن، وفي إشارة خفية لانحلال العلمانية، أن يطلق أصحاب شعار الدولة المدنية صيحتهم التي تستجدي رضاء دعاة الأخلاق الزائفين، تلك الصيحة التي تعلن: "لن نسمح أن تتحول البلاد إلى خمارة أو ماخور" و الماخور كما هو معروف، هو المكان الذي تتم فيه أحط الممارسات التجارية، حيث يتم فيه التجارة بالقطاعي في أجساد البني آدميين، الجنس مقابل المال.. مطلقي تلك الصيحة التي لا تسمح أن " تتحول البلاد إلى ماخور" أما كان أجدر بهم، وأكثر اتساقا مع دعاواهم الديمقراطية والدفاع عن قيم العدل الاجتماعي، أن تكون صرختهم الداوية والأعلى صوتاً "أنهم لن يسمحوا بإفقار فئات الشعب الكادحة إلي الحد الذي يدفع بشرائح منها لبيع أعز ما يملكون، كرامتهم وإنسانيتهم، اضطرارا، حتى يوفروا لأنفسهم لقمة عيش وجرعة دواء!" ألا يكون ذلك موقف أخلاقي أكثر أصالةً، وأكثر تعبيراً عن فئات الشعب المسحوق، عن ذلك المسوح الزائف الذي يحصر الأخلاق تركيزاً فيما بين الفخذين؟

    في مقابلة صحفية حول مسألة المرأة أجرتها الصحفية الألمانية الشيوعية، كلارا زتكين في عام 1920 مع فلاديمير آيليتش لينين، قال لينين عن العلاقات الجنسية: "موقف الشباب المعدل لمسائل الجنس، هو بالطبع أساسي، وتأسس على نظرية. كثير من الناس أطلقوا عليها "ثورية" و"شيوعية". واعتقدوا مخلصين أن الأمر لكذلك. أنا رجل عجوز، وأنا لا أحب ذلك. ربما أنا زاهد نكدي، لكن مرات كثيرة هذا الذي أسمه "حياة جنسية جديدة" للشباب الصغار والناضجين معاً، أنظر إليه باعتباره برجوازية محضة، وامتداد للماخور البرجوازي القديم الجيد. كل هذا لا علاقة مشتركة له مع الحب الحر كما نفهمه نحن الشيوعيين. لاشك أنكِ قد سمعتِ ب بالنظرية الشهيرة التي تقول أن تلبية الرغبات الجنسية في المجتمع الشيوعي سيكون أمراً عادياً وبسيطاً مثل شرب كوب من الماء. جزء من شبابنا أصابهم جنون، جنون مطلق، حول نظرية "كوب الماء" هذي. أنه لأمر مهلك كثير من الأولاد والبنات الصغار. الأنصار المتحمسون (لنظرية كوب الماء) يجزمون بأنها نظرية ماركسية (...) أنا أعتبر نظرية "كوب الماء" الشهيرة، بالكامل، ليست ماركسية، بل أكثر من ذلك، ضد الاشتراكية. الأمر ليس فقط ماذا أعطت الطبيعة، لكن أيضاً ماذا أصبح ثقافة، غض النظر عن مستوى عال أو منخفض، ذلك هو ما يجيء للعب في الحياة الجنسية. أنجلس أشار في كتابه "أصل العائلة" كيف تطورت العلاقات الجنسية المعممة إلى الحب الجنسي الفردي وبالتالي أصبح أكثر نقاءً. العلاقات بين الجنسين ليست ببساطة تعبير عن علاقة تأثير متبادل بين اقتصاديات واحتياجات فيزيائية تم عزلها عمداً بغرض اختبار سيكولوجي. المذهب العقلي، وليس الماركسية، هو الذي يحاول أن يرجع التغيرات في هذه العلاقات مباشرة للأساس الاقتصادي للمجتمع في عزل لها عن ارتباطاتها مع الآيديولجية ككل. بالتأكيد، الظمأ يحتاج إلى إخماد. لكن هل الإنسان العادي السوي، عادة ما يستلقى في خور ليشرب من الوحل؟ أو حتى من كوب حوافه زلقة جراء شفاه متعددة؟ لكن الجانب الاجتماعي هو أكثر أهمية من أي شيء آخر. شرب الماء هو في الواقع أمر فردي. لكن ممارسة الحب تحتاج شخصين، وشخص ثالث، حياة جديدة، ربما يأتي إلى الوجود. تلك مأثرة لها تعقيدها الاجتماعي وتشكل واجب تجاه المجتمع.

    أوردت ذلك الجزء من المقابلة (الترجمة من الإنكليزية على مسؤوليتي!) لأدلل على زيف الإدعاء الكاذب بأن العلمانيين لا يكترثون لمظاهر التفسخ. ذلك كان على مستوى التنظير و في مركز القطب الأكثر يسارية وسط العلمانيين، أنتقل الآن، وعلى مستوي الممارسة، للقطب الأكثر يمينية وسط العلمانيين، مركز الغرب الموصوف بالتفسخ، وهو الولايات المتحدة الأمريكية. أرجـو ألا أصيب البراق النذير الوراق، بالصدمة، حين أعلن له، ووفقاً للإحصائيات الرسمية، أن الدعارة في عاصمة دولة المشروع الحضاري الرسالي، وفي عامنا هذا، معدل قضايا الدعارة فيها أكبر ب 17 مرة عن الولايات المتحدة! أي والله، أكبر بمعدل سبعة عشر مرة.. ففي تقرير وزارة العدل الأمريكية السنوي، و المسمى "SourceBook" بلغت حالات الدعارة المضبوطة في كل الولايات المتحدة 79733 حالة للعام 2002، و75190 حالة للعام 2003، بينما بلغت 90231 حالة للعام 2004. وإذا عرفنا أن سكان الولايات المتحدة حالياً حوالي 300 مليون نسمة، فذلك يعني أن هناك حالة دعارة واحدة مقابل 3333 من السكان تقريباً، وذلك إذا ما تم الحساب على أساس أعلى رقم في الحالات المذكورة سابقاً. ماذا عن السـودان وعاصمة مشروعه الحضاري الرسالي؟ في خبر نُشر مطلع ديسمبر الحالي؛ حذر برنامج الأمم المتحدة للإيدز بالسودان من أن البلاد سجلت أعلى نسبة إصابات جديدة بالمرض في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. هـذه واحدة، ماذا عن الأرقام؟ عن الأرقام، يقول تقرير دوري لشرطة أمن المجتمع بولاية الخرطوم، نُشر في جريدة السوداني: "سجلت إحصاءات العام الماضي 2005 م القبض على (31) ألف متهم فتحت في مواجهتهم بلاغات دعارة." أي أن في ولاية الخرطوم وحدها ما يعادل ثلث حالات الدعارة في الولايات المتحدة كلها الأمريكية العلمانية! وبعملية حسابية بسيطة، وباعتبار أن سكان ولاية الخرطوم في أعلى التقديرات لا يتجاوزوا الستة ملايين نسمة، فإنه توجد حالة دعارة واحدة وسط كل 194 من السكان، ذلك معدل يفوق الولايات المتحدة الأمريكية العلمانية ب 17 مرة!!

    من المغالطات التي تشهد على خلط مفاهيمي فاضح، كتب البراق النذير الوراق أن "الدستور الامريكى ولا يزال يجرم الذى يقود سيارته وهو مخمور" فما هو الدستور؟ وما له الدستور و التجريم والعقوبات؟ سأتعامل هنا تجاوزاً، مع ما كتبه الوراق هنا باعتباره زلة قلم، ولكن ألا يرى المغزى في كيف وأين تتوقف حرية الأفراد عندما تجرم القوانين قيادة السيارات تحت تأثير الكحول؟

    بما أن "البراق" ووفقاً لحتمية التطور التي يؤمن بها، يعلن أن "تصبح العلمانية نفسها عرضة لذلك التغيير" لماذا إذاً لا يجهد نفسه في تفصيل وشرح العلمانية التي نريدها لدولتنا، التي رغم أن جوهرها (علمانيتنا) هو فصل الدين عن الدولة, إلا أنها مطورة لتلائم الواقع السوداني دون أن تفقد ذلك الجوهر.. البراق، ورغم أنه يعرف أن جوهر ورقة الدولة المدنية لا يختلف كثيراً عن جوهر الدولة العلمانية، إلا أنه اختار الحل النكوصي المتراجع، الذي يخشي الصراع.. فقد كتب البراق "مع ان الورقة المقدمة للمؤتمر الخامس اوردت تفاصيل حول رؤية للدولة المدنية ,لاتختلف عن الرؤية السابقة للحزب حول العلمانية مع اختلاف المسميات(دولة علمانية-دولة مدنية)" إذاً الموضوع لا يخرج عن التحايل، والتقية، خشية الصـراع، أو استصعابه.. لكن الموضوع بالنسبة لنا ليس مجرد أسماء يتم تبديلها، فلا ضرر، لا.. الأمر أكبر، مصطلح علمانية يعني فصل الدين عن الدولة وحياد الدولة تجاه الأديان، بينما مصطلح الدولة المدنية، غامض وفضفاض، ويفتح الباب لتسريبات لا حصر لها تبعده رويداً رويداً عن الدولة العلمانية، حتى ولو وافق جوهره اليوم جوهرها.

    قد تكون الدعوة للدولة المدنية، طوف متقدم في مشروع التحرر الإنساني، إذا ما تم طرحها في السعودية، كما هو حادث فعلاً الآن.. لظروف تاريخية ومستوى تطور الصراع السياسي الاجتماعي في السعودية، وهي مع ذلك - الدعوة للدولة المدنية- تجد مقاومة ضارية من تيار السلفية النكوصي المسيطر في السعودية، ولأشهر قريبة خلت، أثار مصطلح الدولة المدنية جدلاً واسعاً في المملكة شارك فيه من خارجها الدكتور محمد عابد الجابري والدكتور محمد عمارة وغيرهم، وقاد الدكتور الدكتور سعد البريك التيار المضاد لها، وكال لمصطلح الدولة المدنية عين الاتهامات التي يكيلها "البراق" اليوم لمصطلح الدولة العلمانية.. يعني، حتى ولو أسميتها "مدنية" لن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم! يمكن لنا الاستمرار لحد الملل في سرد وتفنيد ضعف حجج دعاة الدولة المدنية، ولا يصيب المرء كبير عناء ليدرك أن الدعوة للدولة المدنية في مقابل الدولة العلمانية، في سـودان اليوم، بمستوى تطور الصراع السياسي الاجتماعي الراهن، هي دعـوة تراجعية نكوصية في مشروع تحرر الإنسان السوداني.


    عدلان.


    من العلمانية إلى الدولة المدنية، و من الديمقراطية ... الانحدار و الارتباط
                  

01-24-2012, 03:36 PM

عبدالغفار محمد سعيد
<aعبدالغفار محمد سعيد
تاريخ التسجيل: 04-17-2006
مجموع المشاركات: 10075

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة المدنية، طوف متقدم في مشروع التحرر الإنساني، أم تراجع نكوصي (Re: Sabri Elshareef)

    سلام صبرى

    ورقة الاستاذ عدلان تدعو للتأمل و التفاكر وهى مجهود مقدر، لكنى اختلف معه فى تاريخ الاتجاه النكوصي فى الحزب الشيوعى وكل الحركة السياسية السودانية ( الحزبين الطائفيين صاحبيى اكبر قاعدة جماهيرية تاريخيا (الريف) نكوصيين بطبيعة بنيتيهما ومصالح قيادتيهما) ، انا اعتقد ان جزور التطور النكوصى الرث كانت تكمن فى ايدلوجيات الاحزاب السودانية، ( لاحظ ان الشيوعيون السودانيون كانوا وماذال الكثير منهم يطلقون تهمة ( مرتد) على من يخرج من حزبهم وهو تعبير دينى خالص لا لبس فى ذلك ، لذلك فان ملامح النكوصية ظهرت قليلا قليلا حتى تجلت بكامل هيئتها بعد انقلاب مايو 1969 ، سيطرة الاسلامويون على السلطة فى يونيو 1989 لاتخرج من منطق نتائج التطور النكوصى الرث بكل تجلياته القرووسطية

    (عدل بواسطة عبدالغفار محمد سعيد on 01-27-2012, 11:46 PM)

                  

01-26-2012, 00:54 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة المدنية، طوف متقدم في مشروع التحرر الإنساني، أم تراجع نكوصي (Re: عبدالغفار محمد سعيد)

    شكرا يا عبد الغفار


    ارفع البوست للفائدة
                  

01-26-2012, 02:49 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة المدنية، طوف متقدم في مشروع التحرر الإنساني، أم تراجع نكوصي (Re: Sabri Elshareef)

    Quote: حال فراغي من قراءة ورقة البراق النذير الوراق المدافعة عن مصطلح "الدولة المدنية"، وبسبب ما، تذكرتُ عبارة الفنان، والممثل المصري الشهير يوسف وهبي؛ "ياللهــول!"

    في معرض كتابة مادحـة في حق محمد حسبو كنتُ قد أشرت إلى أن كتاباته وأمثاله من أبناء جيله، دليل على فشل مشروع الإنقاذ "الحضاري" على مستوى الأيديولوجية والفكر في كسب أو تحييد الجيل الذي تفتحت مداركه داخل المنظومة التعليمية المصممة بواسطة ظلاميي مشروع الإنقاذ.. لم أكن متفائلاً من غير أساس، وقد عزز تفاؤلي الأخ مني أركو مناوي، الذي عندما قدمه الأستاذ التجاني بدر في ندوة بواشنطن معرفاً به وذاكراً أن نضال مناوي ممتد منذ الحقبة المايوية.. علق الأخ مني أركو، على أن ذلك ليس صحيحاً، باعتبار أنه (مناوي) كان صغيراً جداً في السن عندما اندلعت انتفاضة مارس أبريل، وقال أنه لم يكن يعرف شيئاً عن السياسة وقتها.. ومني أركو مناوي هو قائد حركة تحرير السودان التي تبنت العلمانية في آخر مؤتمر لها في حسكنيتة، في جنوب دارفور! ولكن، بعيد قراءة ما كتبه البراق النذير الوراق، توقفت قليلاً لأكبح جماح تفاؤلي، وأن أستدرك أن مشروع الإنقاذ "الحضاري" لم يفشل تماماً في التأثير على طلائع الوعي المتقدم، بل أحدث بعض الاختراقات هنا أو هناك، حتى على مستوى المحسوبين على الطرف النقيض من مشروعهم "الحضاري" الهدام، الذي تراجعوا عنه هم أنفسهم!
                  

01-27-2012, 11:28 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة المدنية، طوف متقدم في مشروع التحرر الإنساني، أم تراجع نكوصي (Re: Sabri Elshareef)

    ***
                  

03-03-2012, 07:39 PM

محمد النذير الوراق

تاريخ التسجيل: 12-08-2006
مجموع المشاركات: 219

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة المدنية، طوف متقدم في مشروع التحرر الإنساني، أم تراجع نكوصي (Re: Sabri Elshareef)

    تحياتي ياصبري
    حبذا لو استرسلت حول وجهة نظرك في الموضوع فهو لازال قابلاً لمزيد من الحوار

    البراق النذير
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de