قيادي بالحركة الاسلامية : الحكومة الحالية لا تعبر عن الاسلاميين

Quote: مع الشيخ أحمد عبد الرحمن.. عن الإسلاميين بعد المذكرة (1-2) الحركة الإسلامية تعاني عجزاً في تجديد الأفكار والأطروحات حاوره: فتح الرحمن شبارقة الشيخ أحمد عبد الرحمن من الإسلاميين الذي يتمتعون باحترام كبير وثقل يصعب تجاوزه أو القفز من فوقه خاصة عندما يكون الحديث عن الحركة الإسلامية، نجاحاتها وإخفاقاتها وأي مستقبل ينتظرها في ظل الربيع العربي الذي عصف بالأنظمة العربية من حولها واحداً تلو الآخر. إلتقته (الرأي العام) ظهر أمس في مكتبه بمجلس الصداقة الشعبية العالمية حيث يجلس الرجل على كرسي أمينه العام، وعلى خبرة تراكمية من العمل السياسي والتنظيمي في الحركة والحزب بصورة جعلته الأنسب ربما للجلوس معه والحديث إليه حول المذكرة التي خرجت في الأيام الفائتة وهي مجهولة النسب ولكنها أثارت ردود فعل كبيرة في مجالس المدينة ونقاشات الإسلاميين على حدٍ سواء، ثم عَدّلنا عن الحوار على خلفية المذكرة بعد أن عرفنا منه أنه تحدث في ذات الموضوع لصحيفة أخرى، فجاءت الأسئلة والإجابات على هذا النحو: - ? الكل يعتقد أن الإسلاميين الآن في محنة؟ - كيف. ? هم الآن منقسمون الى معسكرين كبيرين، واحد في المعارضة بزعامة الترابي والثاني في الحكومة، وداخل المعسكرين هناك مجموعات عديدة؟ - هذا شئ طبيعي، أي حركة وتجمع سياسي إذا مر عليها وقت طويل ولم تهتم بتجديد رؤاها ومقاصدها وطريقة عملها ومواعينها الشورية فإن ما أشرت اليه يمكن أن يحدث، وهذا يشير الى تململ مؤداه أن هناك إرادة لتجويد الأداء وتطوير البرامج، ولبلورة رؤية تتناسب مع المرحلة الحالية والتحديات الماثلة، أنا لا أرى أكثر من ذلك. ? حتى ما حوته المذكرة المثيرة للجدل؟ - قلت لك لا أرى أكثر من ذلك، كل ما يقال الآن قيل في المؤتمر التنشيطي السابق. ? ألا يدل هذا أيضاً على ما تعارف عليه الكثيرون بضيق المواعين داخل تنظيمكم؟ - أنا قلت لك هذا قبل قليل.. قلت لك ضيق المواعين والتجديد، والفكر نفسه بحاجة الى من يَتصدّى له بغرض تجديد الخطاب السياسي. ? مَن الذي يَتصدّى لقضايا الفكر بينكم الآن بعد الترابي؟ - (حواء والدة) زي ما بقولوا، صَحيحٌ أن الحركة الإسلامية تفتقر إلى مفكرين ومجددين، هذه حقيقة، أذكر أنني سافرت إلى الهند ووجدت عددا كبيرا من الطلاب في حيدر أباد، ذكروا لي ان هناك حاجة ماسة جداً الى أفكار جديدة ورؤى جديدة هم في أمسّ الحاجة اليها، قالوا إنه بين الحين والآخر تأتيهم أفكار من أمين حسن عمر ومن حسن مكي، ومحمد وقيع الله، ومن عبد الرحيم علي. ? الملاحظ ان الكثير من قيادات الحركة الإسلامية قد استغرقهم العمل التنفيذي من..؟ = مقاطعة = - هذا أيضاً قد يكون واحد من العوامل، الحركة الإسلامية نزلت بثقلها في الأجهزة التنفيذية، هذا بكل تأكيد لديه أثر سلبي بالنسبة للعطاء في الجوانب الأخرى. ? لم تحدد لنا من يفكر للحركة الإسلامية الآن؟ - أنا ذكرت لك عددا من الشخصيات، انا في تصوري ان الحركة الاسلامية بمفهومها القديم تقابل تحديات كبيرة وتساؤلات عديدة، وانا من المؤمنين ان الحركة الاسلامية يجب ان ترى نفسها في اطار واسع جداً، لا يمكن ان تكون للحركة الاسلامية قابلية لكل أهل السودان دعك من كل الإسلاميين، إلا إذا جددت نفسها وطريقة عملها، وجددت رؤاها واستصحبت معها الشخصيات المفكرة من السودانيين والفعاليات العاملة في اطار العمل الإسلامي، هذا كله ينبغي ان يستصحب، لأنها لا تحكم الافراد المنضوين في الحركة الاسلامية ولكنها تحكم السودان كله، والسودانيون كما أؤمن لديهم عطاء كبير وثر، لذلك ينبغي ان يوفر المناخ من افراد الحركة الإسلامية المنضوين بالفهم التقليدي الضيِّق وكذلك بالفهم الواسع الذي تعمل في اطاره كثير من الحركات الإسلامية والتيارات الإسلامية، هذا التيار يزخر بكثير من الشباب والشيوخ ممن لهم عطاء في مجالات مختلفة. ? هل تتحدث عن وعاء بخلاف المؤتمر الوطني؟ - المؤتمر الوطني ليس وعاءً لعمل الحركة الإسلامية، المؤتمر الوطني جزء من الاطار الذي تعمل فيه الحركة الإسلامية ويحاول أن يعطيها دفعا وحيوية، لكن ليس هو الاطار الوحيد. ? ما هو إذن الإطار الذي تتحدث عنه؟- الاطار هو السودان كله والمجتمع كله، هناك ملاحظات من عدد من الناس، مفادها ان هناك مجالات كثيرة لا وجود للحركة الإسلامية فيها. ? مثل ماذا؟ - مثل ساحات الدعوة، وساحات العبادة، في المقابل هناك تيارات أخرى استطاعت أن تنطلق فيها انطلاقات حقيقية. ? تقصد السلفيين؟ - نعم، ولكن أنا أعتقد أن نجاحهم في الإطار الدعوي هو إضافة للحركة الإسلامية وليس خصماً على الحركة الإسلامية. ? ألا يدل هذا على غياب التيار التزكوي داخل حركتكم الإسلامية؟ - أنا لست مشغولاً بقصة التزكوي وغير التزكوي، أنا أؤمن بمقولة كل ميسر لما خلق له.. هناك جبهات كثيرة فاضية الناس يشتكون من غياب الحركة الإسلامية فيها. ? هل غياب الحركة الإسلامية عن هذه الساحات هو من باب الغيبة المؤقتة أم هي غيبة لا رجعة منها؟ - أتمنى أن تكون غيبة مؤقتة. ? وجود الحركة الإسلامية نفسه أصبح الآن محل نقاش، كما تعرف أن هناك أصواتاً متباينة في الأمر؟ - طبعاً بعض الناس لديهم حنين إلى الماضي، ويريدون العمل الصفوي، وهذا يعود بنا مرةً أخرى الى موضوع الازدواجية. ? وأنت لست من أنصار الازدواجية؟ - نعم أنا مؤتمر وطني. ? الحركة الإسلامية الآن بعملها تحت ظل المؤتمر الوطني و...؟ = مقاطعة = - هي لا تعمل تحت الظل، هي لديها نشاط علني ومراكز في كثير من البلدان التي زرتها، ومن المفترض أن يكون للحركة دور في أية منطقة في السودان ما الذي يمنع! ? وما الداعي لذلك؟ - هي منبر له شخصيته وله مؤسساته وله مجلس شوراه، ولها أمينها العام ممثلاً في الأستاذ علي عثمان محمد طه، وبروفيسور إبراهيم أحمد عمر أمين مجلس الشورى، وكلنا أعضاء في أجهزة هذه الحركة. ? بعد أن ذاب الإسلاميون في أجهزة الدولة وانشغلوا بالحكم عن الحركة، يقول البعض إن الترابي سيرث الحركة الإسلامية مرةً أخرى وستعود إليه إذا ذهب الحكم؟ - هذه وجهة نظر بعض الناس، ولكن لا اعتقد أنها موجودة في الأوساط الحية، أنا أقول إن الترابي وأنا أحمد عبد الرحمن والصادق المهدي الى حد كبير، اعتقد أننا قدمنا ما يمكن ان نقدمه وربنا يطول في أعمارنا. ? هل تعني أن دوركم انتهى؟ - لا أقول إنه انتهى تماماً ولكن الى حد كبير، اعتقد ان لكل مرحلة رجالها وقضاياها. ? من هم رجال المرحلة الحالية؟ - كثيرون، السودان البلد الوحيد الذي فيه الحركة الإسلامية يمكن أن تشير فيه الى مئات القياديين ليس على مستوى الخرطوم فقط، ولكن على مستوى كل الولايات، وبالمناسبة القضية الأساسية التي ينبغي أن يَتصَدّى لها هو كيف يقابلون التحدي الذي يواجه السودان في هذه المرحلة. ? ما هو هذا التحدي؟ - هو نفسه الذي ظل يواجهنا منذ الاستقلال، وهو كيف نحقق المضامين الحقيقية للاستقلال في بُعده الثقافي والاقتصادي، والاستمرار في كيفية الاعتماد على الذات، واعتقد أن السودان ضرب مثلاً كبيراً جداً في الاعتماد على الذات، ولكن لا يزال الوضع الاقتصادي (بوصلته ضائعة) بين الانفتاح الكامل والتخطيط الشمولي، هل تخرج الدولة بالكامل من السوق ويتعب الناس في المعيشة كما هو حادث الآن أم لا.. بالمناسبة كنت طرفاً في المفاوضات مع الوفد الصيني، وقد ذكر لنا الصينيون أنهم منذ حدث الانفتاح فقد دخل على الصين بكل الخير، ولكن الدولة في الصين تتدخل، نحن في الحركة الإسلامية لا نرى انه من المناسب أن نتخلى عن الشرائح الضعيفة ونتركها نهباً للسوق، أنا أعتقد أن هذا هو التحدي الحقيقي، ولو سألني أي شخص عن أكبر تحدٍ لمشروعنا الإسلامي لقلت دون تردد إنّه الفقر.. ولو جاء مهدد لمشروعنا الحضاري فسيأتيه من جانب الفقر، لذلك فإن واجب الدولة أن تفطن لمهمتها ولا تتركها باسم الانفتاح. ? هناك مهدد آخر يقول البعض إنه يكمن في شبهات الفساد التي تلاحق الإسلاميين؟ - في تقديري أنّ الفساد في السودان ليس فساداً مالياً، واذا كان فساداً مالياً فنسبته ضئيلة جداً لا تتعدى التسعة في المائة كما قال الترابي ذات مرة. ? إذا كان الأمر ليس فساداً مالياً، فأي نوع من الفساد يمكن أن تشير إليه؟ - إنه المحسوبية، وتشغيل الأقارب وتمييزهم وتقديمهم في فرص العمل، واحتمال ان الاعتبارات السياسية تدخل في هذا الجانب، بتقديم الانتماء الحزبي تحت ذريعة ما سمي بالتمكين، وهذا التمكين يصطدم اصطداما مباشرا، بل ويتعارض مع قيم الإسلام التي ترفعها الحركة الإسلامية، لا يمكن أن توظف شخصا وأنت تعلم من هو أفضل منه، ولا يمكن أن ترسي العطاء على عضو باسم التمكين، أنا ذكرت أن الدولة في السودان تجاوزت مسألة الأمن والاستقرار والسياسات الاستثنائية ودخلت في إدارة المشاريع التنموية والاستثمار، وهذه دخلت في وقت كانت فيه رواتب من يضطلع بهذه المهمة (تعبانه) جداً، فلا يمكن أن تشكل هذه الرواتب حصانة لهم من الطمع لأنهم في النهاية بشر، أنا أعتقد أن الشخص المسؤول او الموظف الذي يتعامل مع مستثمر بملايين الدولارات، هذا في محك حقيقي الا أن يرحمه الله. ? انتقادات لسياسة التمكين وخلافه، هل هذه إنتباهة متأخرة، أم أنك كنت تنتقد هذه السياسات منذ وقت مبكر؟ - لا.. أنا انتقدتها من بدري جداً، ومعروف هذا عني، ولكن في النهاية أنا مع الجماعة (وانما أنا من غزية فإن هم غووا غويت، وان ترشد غزية ارشد). ? مع التأمين بأن هناك قيادات نوعية في الحركة الإسلامية، لكن الملاحظ ان مستوياتهم وقدراتهم متقاربة وليس فيهم شخص وحيد النسج؟ - وهل تعتقد أن هذا شيئاً إيجابياً أم سلبياً!. ? يمكن أن تكون ميزة إيجابية ويمكن أن تكون خصلة سلبية؟ - أنا متأكد أن في كل المجالات استطاعت الحركة الإسلامية أن تقدم شيئاً ملموساً، ما تزخر به الحركة الإسلامية غير موجود في كثير من الدول، والإنجازات التي تمت لا يمكن أن نقول إنها خالية من الخطأ والتقصير، فهي في النهاية جهد بشري منقوص، خاصة في ميدان من الميادين وجدت الحركة نفسها دون سابقة أو تجربة في المدى القريب يمكن أن تفيد منها، لذلك فإنه من الضروري أن تكون فيها سلبيات، لكن الشاهد أنّ إيجابياتها كبيرة جداً، ويعرفها الاعداء قبل الاصدقاء، ونحن شهود على كيف كان السودان وكيف هو الآن. ? هذه مناسبة لتحدثنا عن سلبيات الحركة الإسلامية التي حدثت خلال الممارسة؟ - في تقديري أن الحركة الآن في حالة عجز في تجديد الأفكار والاطروحات، كما انها بحاجة الى توسيع المواعين، واحتواء التجمع الكبير الذي استقطبته من الناس، انا خلال زيارتي لعشر ولايات من خلال مهمتي لتنشيط العمل بالمؤتمر الوطني، لفت نظري ان القيادات التقليدية وجدت أنها جاءت إلى الوطني طَائعةً مُختارةً وعن قناعة وليست بحاجة الى أموال أو خلافه، بل ارتاحت وأراحت الآخرين بانضمامها الى المؤتمر الوطني عن قناعة، كنت أعتقد أنني بحاجة الى الذهاب اليهم كمعارضة، ولكن وجدتهم يستقبلونني كأعضاء في حزبي. ? أين وصل المشروع الحضاري، بعد اثنين وعشرين عاماً من الحكم؟ - الحركة الإسلامية قطعت شوطاً كبيراً في هذا الطرح، ولكن أعتقد أن التحديات لا تزال أكبر. ? ما هي هذه التحديات؟ - قبل التشخيص أريد أن أشير إلى أن هذه التحديات ليس بمقدور الحركة الإسلامية وحدها أن تَتصَدّى لها، بل هي محتاجة لغيرها، لذلك أنا مبسوطٌ من حكومة القاعدة العريضة، وأول احتفال بالاستقلال كان واضحاً مظاهر الرضاء والارتياح لدى معظم اهل السودان، لأن الحكومة كان فيها تمثيل كبير للاتحادي الديمقراطي ولرجال المال والشرائح الاخرى، بالاضافة الى رموز من مجموعات سياسية ودينية معروفة.. أنا أرى أن هناك راحة نفسية لدى هذه المجموعات بالاشتراك في الحكومة، وهذا المناخ هو الذي نريد ان نستقطب له الغير. ? البعض يقول إن هذا الحرص على المشاركة الواسعة في الحكم هو على حساب الفكرة؟ - ماذا تقصد. ? يعني ان المؤتمر الوطني ونواته الحركة الاسلامية اصبح شديد الشبه بالاتحاد الاشتراكي؟ - أبداً، نحن عايشنا الاتحاد الاشتراكي (الوقت داك أنت ما ولدوك)، المهم ان الاتحاد الاشتراكي تجربة فاشلة جداً، ومن يريد ان يقارن بين الاتحاد الاشتراكي والمؤتمر الوطني فهو غلطان وغير مُوفّق. ? لماذا؟ - الآن حدث انحياز شديد جداً للمؤتمر الوطني، لم يحدث لأي حزب في تاريخ السودان، اللهم إلا الالتفاف الكبير للسودانيين في زمن الاستقلال، أذكر أننا سافرنا إلى ولاية نهر النيل في فترة الانتخابات لمساندة الفريق الهادي عبد الله، ولكن فوجئنا أن المعركة محسومة، بعد أن كان الفشل يلازم الحركة الإسلامية في اقتحام هذه المناطق ولا تتمكن من تحقيق الفوز فيها.. هذه المناطق كانت مقفولة. ? لكن هذا النصر تحقق لكم تحت راية السلطان؟ - هذا ليس مهماً.