======================= يوريديكا ( وليست يوريدايس ) ====================== لست خائفة أتدلى خطوة خطوة ، خلفي رياح مالحة تعصف بوجه النهر المغضن ، طرقات المدينة الكئيبة ، ولمعانها الملحي في ساعات الذروة ، وأضواء السيارات منقرة بحبيبات المطر ؛ لست خائفة ، لأن عيناي لا تزالان تحملان طيف قمر ، غمره نصف النسيان
وجهك يترسب تماماً ، أسفل ساعة المحطة ، مثل لطخة دكناء وسط الظلال ينعكس خيالها على نوافذ القطار المبللة
هل سوف تنساني ؟ ستدلك قضبان الفولاذ إلى المخارج ، حذو الرافعات ومحرقة الجثامين ، lمرافئ السفن ، مظلات الدراجات ، فخار الكأس الروماني القاني، عظم الذئب المحنط بالوحل ، صف النوافذ مسدلة الستائر مثل أجفان أثقلها النعاس ، إلى حافة المدينة الخضراء .
الآن أصب الشمع في أذني ، لأحبس تماماً ذكرى أغنية ، سكبتها ذات حين على مسمعي . أصداؤها عالقة كالوردة البرية في شعري الكثيف
ها أنت قد إلتفت لتنظر . طارت ثانية كالعصافير . يداي تبردان . أستحيل ثلجاً وسحابا
الدرب يتلاشى. عميقاً ، في غرف خبيئة ، مليئة بالغبار وأنفاس الليل الحامضة ، تنام المدينة المفقودة .
في الأعلى ، تنتحب السماء الجريحة . إمتنعت العنادل المبللة عن التغريد . حل الظلام باكراً . أغرق في الزرقة
أحلم بحديقة خضراء تكسو فيها الشمس وجهي .. مثل قبلتك المشتاقة ، ذات حين
قريباً ، قريباً ، سأصعد من هذه الأرض المظلمة إلى الضوء الخجول .. ------------------------------------------ انتهت الترجمة في 10 يناير 2012 م ------------------------------------------------
هامش لا بد منه : أرفيوس إبن أبولو ، أمه كاليوبي ( ذات الصوت الحسن ) آلهة الشعر الملحمي . علمه والده العزف على القيثارة بمهارة فائقة جعلت كل الكائنات تتجمد لسماع عزفه . ذهب أرفيوس إلى العالم السفلي لإستعادة طيف زوجته الراحلة يوريدايس . ضمنت له الآلهة الإستجابة لرغبته في استعادة زوجته ، بشرط أن لا يلتفت للنظر وراءه حتى يغادر العالم السفلي . لكن تغلب عليه فضوله فإلتفت إلى الوراء ونظر ، عندها تبخر طيف يوريدايس قبل أن تصعد إلى عالم الأحياء. أو كما قالت الأسطورة
من وحي هذه الأسطورة قامت الشاعرة والناقدة " سو هيوبارد " بكتابة قصيدة بعنوان " يوريدايس " أو ( يوريديكا ) كما في المصادر العربية ، وفازت بها في مسابقة – أحسب أن موضوعها هو دور الشعر في ما يعرف بـ : بوبليك آرتس - تم تنظيمها في لندن ، وتمت كتابة النص على جدران نفق المشاة من محظة واترلو تجاه سينما إيماكس ، أو كما يقول قوقول . النص يوظف الأسطورة الإغريقية في الترميز لرحلة هبوط المسافر من سطح الأرض إلى جوف الأنفاق الأرضية المظلمة ، وصولاً إلى الضوء عند الخروج . ------------------------------------------------------------------------------------- شكراً أستاذ عادل ، تم تعديل بعض الأخطاء في معاني الكلمات ، بعد الإطلاع على ترجمتكم الحصيفة أدناه...
تنويه ..يبدو أن صاحبة الأسطورة تسمى في المصادر العربية " يوريديكا " وليس كما أوردتها في العنوان " يوريدايس " -- وهذا لجهلي وقلة إطلاعي ، أعتذر بشدة ... قمت بترجمة الإسم نقلاً عن الإنجليزية ...وكان الأحرى أن أسمع نطق الكلمة الإنجليزية قبل أن أترجم ...ولكن .
أدناه مقال جميل ، ذو علاقة : تاريخ النشر: الخميس 20 أغسطس 2009 د. محمد لطفي اليوسفي في أزمنة البدء أيّام العالم لم يزل بعد طريا هشّا محاطا بالأسرار، وأيام الكلمات لم تزل تمتلك سرّية الإيماءة وسلطان الإشارة، كانت الرحلة تعبيرا عن إصغاء الكائن لنداء الأقاصي. فالرحلة من جهة كونها حركة سفر وانتقال إنما تترجم الرغبة في العبور من الهُنَا إلى الهُنَاك، من الأليف إلى المجهول، من المحدود الضيق الخانق إلى المطلق. الرحلة ليست حدث سفر وتجوال في المكان أو في الوهم والخيال فحسب، بل هي ترجمة فعلية لرغبة الكائن في الخلاص من شرطيْ الزمان والمكان ومن العدم. في أزمنة البدء أيّام كانت الحياة هشة طرية مشتهاة وكانت الرحلة تعبيرا عن إصغاء الكائن لنداء الأقاصي. وفي أزمنة البدء كان خروج جلجامش من أُرُوكْ تجسيدا لهذه الرغبة الجارفة في تحطيم الحدود ومشاركة الآلهة في الخلود. وفي الأزمنة ذاتها كان بناء برج بابل تجسيدا للرغبة في الرحيل من البشري المحدود إلى المطلق والألوهي. لقد كانت رحلة جلجامش رحلة في المكان امتدّت أفقيا من بلاد الرافدين حتى جبال الأرز في لبنان. أما الرحلة التي خطّط لها بنو البشر عند بنائهم لبرج بابل فقد كانت حركة صعود وعُروجٍ امتدّت عموديا من الأرض إلى السماء وكلّلت بالخسران. ولن تخرج رحلة أورفيوس عند هبوطه إلى مملكة الدياجير عن هذه الأطر. فلقد كانت رحلة تنشد اختطاف الحياة من أحشاء العدم. وعلى هذا البحث الممضّ عن المعنى كان جريان رحلة عُوليس في الأوديسة. أما كتاب ألف ليلة وليلة فإنه كتاب سفر وترحال بامتياز. سفر من الواقعي المُصَدَّقِ به باتجاه ما لا يقبل التصديق لجعله ممكن التصديق، وما لا يمكن وقوعه في الأعيان لجعله ممكنا في التوهّم والأذهان بالالتجاء إلى القصّ والتخييل وتحطيم الحدود الفاصلة بين الممكن والمحال. ومثلما لم يجن جلجامش من رحلته غير المرارات، هُدّم برج بابل فبُلبِلت ألسنة بني البشر جرّاء سخط الآلهة. وعاد أوروفيوس كسير النفس إلى موطنه طراقيا بعد أن حكم على حبيبته يوريديكا بأن تؤبّد في مملكة هاديس وحيدة إلى الأبد. لكن الرحلة، تظل مع ذلك، حدث سفر باتجاه التّخوم، لأنها فعل وجود. ومعنى كونها فعل وجود أنها بحث عن المعنى أو توسيع لدائرة المعنى. والرحّالة، مثله مثل عابر السبيل إنما يختار الإقامة في السفر والترحال بحثا عن المغاير والفريد والعجيب. لذلك حين ننظر في كتب الرحالة العرب نلاحظ أن السرد فيها ينفتح على التعجيب ويكرّسه. بالحلم وفي الحلم يتمّ ابتناء المعنى. وبالحلم وفي الحلم تتمّ عمليّة توسيع دائرة المعنى. وكتب الرحالة العرب تحتوي على العديد من الأحداث والوقائع التي تسمح بتوسيع دائرة الحلم وتخطّي العقل إلى ما وراءه. وبذلك تصبح الرحلة، نتيجة ما تحتوي عليه من إغراب وتعجيب، بمثابة حكاية تنشد السفر باتجاه الأقاصي والنهايات.
قصيدة جميلة ونبيلة في حزنها ولوعتها الخجولة ومليانة حب مات وذكريات مبهجة ومؤلمة بنفس الوقت. وترجمتك كذلك يا استاذنا ابراهيم فضل الله جميلة ومحيطة بمعاني النص المستترة. شكرآ لكما ابراهيم و Sue
01-12-2012, 03:09 PM
ibrahim fadlalla
ibrahim fadlalla
تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 2585
أستاذي الفاضل والمترجم الضليع عادل عثمان .. تحية وسلام أشكرك على كلماتك الطيبة في حق جهدي المتواضع .. القصيدة أعجبتني كثيراً ، فأحببت أن يشاركني فيها الآخرون ...كما أن الفكرة نفسها ..تبدو فكرة بارعة ..لترقية الذوق العام ...أعنى فكرة أن يكتب الشعر في الأماكن العامة ...ليقف جنبا إلى جنب اللوحات الفنية والنصب المعمارية والحدائق العامة البديعة ... أحلم أن يكون لدينا تجربة مشابهة ...أو أكثر تفرداً في سوداننا ..أو ما سيبقى منه ...
تحياتي ..
01-12-2012, 03:23 PM
ibrahim fadlalla
ibrahim fadlalla
تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 2585
اسمح لي يا استاذنا ابراهيم ان انشر ترجمتي لهذه القصيدة البديعة. تجملت هذه الظهيرة بهذا النص وترجمتك. الشاعرة ، عكس اورفيوس في اسطورة يوريديسي، تلفتت بحنو واسى وحنين ولوعة الى حبها الذي كان، ولم تكن خائفة من نسيانه الى الابد. ______
Eurydice يوريديسي
ما خائفة وانا اهبط خطوة خطوة تاركة ورائي ريح الملح تهبّ فوق النهر المتجعّد وشوارع المدينة الرطبة ومصابيح السيارات ساعة الزحام وهي تعشي العيون بلالئ المطر فلا تزال عيناي تعكسان القمر نصف المنسي
وجهك غاب خلف ساعة المحطة التي تبدو كدهمة رطبة بين الظلال من زجاج نافذة القطار المبلل
ستنساني؟ عبر الكرينات ومحارق الموتى ومرافئ المراكب ومرابط الدراجات وكسّار الزجاج الروماني الاحمر الغامق وبقايا عظام الذئب في الوحل مطمورة وصفوف الشبابيك ذوات الستائر كجفون العيون المثقلة بالنعاس، تحملك سكك الحديد خارجآ/بعيدآ الى الحزام الاخضر في طرف المدينة
الآن اشمّع اذنيّا واحضن بقوة ذكرى الاغنية التي همستها مرّة في اذني اصداؤها مشربكة كما الزهور البرية في لبدة شعري التفتّ وراءك كيما تلقي نظرة لمحة زمن عبرت كما الطيور يداي اصابهما البرد . انا ثلج وغيم
هذا الدرب ينكشف المدينة المفقودة تنام عميقآ في غرف مخبوءة يعلوها الغبار وانفاس الليل المرّة
في الاعالي تنتحب السماء المجروحة العصافير المبللة توقفت عن السجع حلّ الغروب مبكرآ وانا اغرق في الحزن والاسى
احلم بحديقة خضراء فيها الشمس تداعب وجهي مثلما كانت تفعل قبلتك اللهوفة
عما قريب ساصعد من هذه الارض الكالحة المظلمة الى الضياء الخجول
سو هبرد
ترجمة عادل عثمان
-- Sue Hubbard ___
استبدلت ترجمتي hold fast بترجمة اخرى اقرب للمعنى (احضن بقوة). الترجمة الاولى (اتجاوز سريعآ) تجاوزت المعنى الى معكوسه تقريبآ. لم انظر الكلمة في قاموس اللغة الانقليزية وقت ترجمتي الاولى. وهكذا تفيدنا مراجعة الترجمة بعد زمن من انجازها لتجويدها.
ما خائفة وانا اهبط خطوة خطوة تاركة ورائي ريح الملح تهبّ فوق النهر المتجعّد وشوارع المدينة الرطبة ومصابيح السيارات ساعة الزحام وهي تعشي العيون بلالئ المطر فلا تزال عيناي تعكسان القمر نصف المنسي
وجهك غاب خلف ساعة المحطة التي تبدو كدهمة رطبة بين الظلال من زجاج نافذة القطار المبلل
ستنساني؟ عبر الكرينات ومحارق الموتى ومرافئ المراكب ومرابط الدراجات وكسّار الزجاج الروماني الاحمر الغامق وبقايا عظام الذئب في الوحل مطمورة وصفوف الشبابيك ذوات الستائر كجفون العيون المثقلة بالنعاس، تحملك سكك الحديد خارجآ/بعيدآ الى الحزام الاخضر في طرف المدينة
الآن اشمّع اذنيّا واحضن بقوة ذكرى الاغنية التي همستها مرّة في اذني اصداؤها مشربكة كما الزهور البرية في لبدة شعري التفتّ وراءك كيما تلقي نظرة لمحة زمن عبرت كما الطيور يداي اصابهما البرد . انا ثلج وغيم
هذا الدرب ينكشف المدينة المفقودة تنام عميقآ في غرف مخبوءة يعلوها الغبار وانفاس الليل المرّة
في الاعالي تنتحب السماء المجروحة العصافير المبللة توقفت عن السجع حلّ الغروب مبكرآ وانا اغرق في الحزن والاسى
احلم بحديقة خضراء فيها الشمس تداعب وجهي مثلما كانت تفعل قبلتك اللهوفة
عما قريب ساصعد من هذه الارض الكالحة المظلمة الى الضياء الخجول
سو هبرد
ترجمة عادل عثمان
هذه ترجمة فخيمة ومتجاوزة لعظم النص إلى روح المعنى ... مستمسكة بعروة الجمال
01-13-2012, 10:46 PM
ibrahim fadlalla
ibrahim fadlalla
تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 2585
إبراهيم الجميل .. و عادل البديع .. لسه .. لسسسسسسسسسسسه ياخي , أدونا لسه .. فلقد و الله بلينا من القحط و القبح الفارد مقانصو علينا و مستبد .. أريحونا بها ياخ .. أريحونا بآي الجمال الجمال .
............. الترجمتين ليس أبدع .. ياخي شكراً جد
01-18-2012, 10:18 AM
ibrahim fadlalla
ibrahim fadlalla
تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 2585
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة