|
مَشارفُ الرُّبْعٍ الخالي- سعدي يوسف
|
مَشارفُ الرُّبْعٍ الخالي
قد ترى البدويّات يمشِين، مَرَّ السحابة (من أينَ جاءَ السحابُ إلى الشاعرِ؟) البدوياتُ يمشين، بين البيوت التي قد أُقِيمتْ على عجل، والخيامِ المُهلهَلة، الشمسُ قاسية، والكلابُ الهزيلةُ قد فارقَتْها خِصالُ الكلابِ التي لن نرى. حَجَرٌ واحدٌ في مَهَبِّ الرمال. تُرى... أهوَ النيزكُ؟ الأرضُ كانت هنا، ربما قبل أن يعرفَ المَرْءُ لونَ السماء. السماءُ هيَ الرمل، والأرضُ من قبلِ أن نعرفَ الأرضَ رمل. مَضَينا (أمامَ القوافل)، لا نهتدي بالزمان، ولكن بساعةِ رملٍ ونجم... فهل سقطَ النجمُ؟ هل صار نيزكَنا الماثلَ الآنَ بين البيوت التي قد أُقيمتْ على عجلٍ والخيامِ؟ عظامُ الجِمالِ التي قد ركبْنا، الجِمالِ التي قد أكلْنا، غدتْ منذ أن بدأَ الكونُ رملا... خرائطُنا تَمَّحي في عروقٍ تَمَوَّجُ صفراء، مُذْهَبة، وجبالٍ شياطين. لكننا سوف نعبدُ هذي الحماقة: نمضي لنلمسَها، أو نموتَ على خطوةٍ حسْبُ منها. ولن نتأسّى لأنّ الرميمَ اختفى كعظامِ الجِمال. السحائبُ مرّتْ بنا حينَ كنا نفارِقُ أنفاسَنا تحتَ شمسِ الإلهِ العجيب. فهل سمعَ الشاعرُ الحُلمَ؟ هل أبصرَ الشاعرُ الهلوساتِ الأخيرةَ للسائرين إلى حتفهم؟ مَن تُرى أَبَرَ النخلَ؟ مَنْ أمَرَ النخلَ أن يتسامقَ أعلى من الرملِ؟ أعلى من القولِ؟ كم قيلَ نحنُ البُداة... وكم قيل، نحن، هنا، البائدون... ................ ................ ................ فإنْ كان ما قيلَ حقّاً فمَنْ ابَرَ النخلَ؟ مَن ابصر البدويّاتِ يمشِينَ مَرَّ السحابةِ؟ مَن أطلَقَ الأغنيةْ؟
استحضارُ أرواحٍ ما مُقامي بأرضِ لندنَ إلا... يا هَلا، يا أبا مُحَسَّد، الشّهْم، رفيقي وقائدي في فلاةِ العُمْرِ يا طالعَ الثنايا، ويا راكزَ أرماحهِ ليعلنَ عن ضوءِ المعسكر... الليلُ يلتزُّ بطيئاً ودابقا، مطرٌ في غير عاداته، وبردٌ تمشّى في عروق النبات. ليس لنا في قرية الإنجليزِ غير ما تهَبُ القريةُ: هذا السكون، هذا السكون... ما مُقامي بأرضِ لندنَ إلا... يا هَلا، يا مُحَيِّري، يا أبا تمّامٍ: الإستعارةُ انتزعتْ أثوابَها عندنا، وصار المغَنِّي لا يغنِّي إلاّ على ليلاه... لا بأسَ؛ لكنّ ليلى لم تعُدْ كالتي عرفْنا زمانا. إن ليلى تُطَوِّفُ الليل، مَسْعىً بين خمّارةٍ وأخرى، ومَلهىً بينَ حِلْسٍ وآخر. الليلُ يمضي، والإستعارةُ تمضي، والسراويلُ أينعتْ لا الغصون... ما مُقامي بأرضِ لندنَ إلا... يا هَلا، أيها النُواسِيُّ: هل جئتَ لتحيا القصيدةَ؟ الليل والموكبَ المنادي ببابِ الدَّير، والراهبَ العجيب... ورَيحانَكَ ضِغْثاً من بعدِ ضِغْثٍ؛ لقد أسرفتَ يا سيِّدي! النهارُ هنا خمرٌ وأمر، والليلُ خمرٌ وأمر. خَلِّنا من حديث رُهبانكَ! الأحجارُ ما مَسّتْ سوى وابِل، فهل مَسَّتْكَ سَرّاء، أيّهذا القرينُ؟ ما مُقامي بأرضِ لندنَ إلا... يا هَلا، أيها المُطَوَّب، يا سعدي! سلاما... لقد أتيت، فخُذْني معك، اليومَ: سوف نمضي سراعا، لنغَنِّي؛ وسوف نمضي بِطاء، لنرى أيَّ مَذْأبةٍ كنا بها. الليلُ درعٌ (لا تخف). والنهارُ حُلْمٌ طويلٌ (لا تُفِق). أيها المطوَّب، دعنا لا نكلِّمْ في دربنا أحدا... دعْنا نُقِمْ في الغناء، حيثُ الجنون...
|
|
|
|
|
|