دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: مرحبا بالموقع الجديد للأستاذ:عثمان محمد صالح (Re: osama elkhawad)
|
أدناه حوار مع الاستاذ عثمان محمد صالح أجراه الاستاذ : عادل عبد العاطي ونشر في منتدى الحوار المتمدن. عادل عبد العاطى الحوار المتمدن - العدد: 1622 - 2006 / 7 / 25
مقدمة: يطرح الأخ والصديق العزيز عثمان محمد صالح؛ حزمة من الأفكار حول قضايا الحرب والسلام في السودان؛ وعمل المعارضة وقضايا المجتمع المدني؛ ومستقبل السودان بين الوحدة والانفصال على ضوء مبادئ حق تقرير المصير؛ في شكل جديد جلب له تقدير البعض من المتابعين؛ وغضب البعض الآخر؛ وخصوصا من بعض منتسبي ومؤيدي اليسار والحركات المسلحة العاملة في السودان.
وقد طرح الصديق عثمان آرائه تلك في جملة من الكتابات؛ من آخرها (حق تـقـرير المصير لكافة أقاليم السودان ) و (رؤية حول قضية بجة السودان) وغيرها من المساهمات؛ في منابر الحوار السودانية وفي صحيفة سودان نايل الالكترونية؛ مما اعتقد بأهميتها الكبيرة في صراع الرؤى الدائر اليوم في السودان .
في هذا الحوار اطمح إلى تحديد نقاط الاتفاق الواسعة التي تجمعني مع اطروحات الأخ والصديق عثمان؛ والى لمس بعض القضايا التي املك فيها طرحا مغايرا قليلا؛ أو التي لم يعالجها الصديق عثمان بالتفصيل الكافي ..
العمل المسلح والقبائل الجيفارية:
أجدني اتفق تماما مع عثمان؛ في الضرر الفادح الذي يلحقه العمل المسلح ونهج الحرب ليس فقط بقضية بناء المجتمع المدني وتطوير الثقافات المحلية وقضية النضال ضد النظام الشمولي القائم؛ وإنما في الأساس بحقوق المواطنين السودانيين التي تدعي الحركات المسلحة أنها قامت من اجلهم؛ وفي صدارة هذه الحقوق الحق في الحياة .
ويغدو دفاع عثمان المخلص عن حق الحياة والأمن والاستقرار؛ لمجاميع المواطنين في الغرب والشرق والجنوب؛ ملحا وعاجلا؛ في وقت تتصاعد فيه الأصوات الداعية للحرب؛ من طرف النظام الفاشي والشمولي من جهة؛ ومن طرف الحركات المسلحة من جهة؛ وأصبح المواطن بينهما مكسور الجناح؛ بين مطرقة النظام وسندان الحركات؛ والتي تورطت وتتورط في جرائم لا حد لها؛ تجاه حيوات الناس وحقوقهم الأساسية؛ بما يشمل ذلك القتل على الهوية والنهب والاغتصاب.
إن ما يشهد لعثمان؛ انه لم يتورط في دعم هذه الحركات؛ أو الانضمام إليها؛ وكان دائما من أنصار التغيير الاجتماعي الذي يأتي عبر الوعي والعمل المدني وتفعيل المواطنين وتمكينهم. وان كنا نحن قد احتجنا للانضمام لبعض هذه الحركات وتأييد بعضها الآخر؛ لنعرف من الداخل انتهازية تجار الحرب ولورداتها؛ وكيف إن الحياة الإنسانية لا تسوى عندهم شيئا؛ فان عثمان قد توصل إلى كل هذا بالوعي العلمي والفطرة السليمة؛ فله كل التقدير والشكر؛ على التمسك بالصحيح والمبدئي؛ في زمن ترتفع فيه صيحات دعاة الديماجوجية والكراهية والعنف.
من ناحية أخرى؛ أجد لزاما القول؛ انه يظهر من طرح عثمان؛ وكأنه لا يفرق بين قادة تلك الحركات؛ والتي أثبتت مرة بعد أخرى انتهازيتها وعدم مبديئتها ومتاجرتها بقضية المواطنين؛ وبين أغلبية منتسبي تلك الحركات ومؤيديها؛ من العناصر الوطنية والتي التبست الطرق أمامها؛ وتريد إسقاط النظام بأى ثمن؛ وقد استفزها زعيم النظام بحديثه عن السلاح؛ وخدعها القادة وبعض المثقفون؛ إن هذا الطريق هو الطريق الوحيد.
هؤلاء الشباب والشابات؛ هم رصيد لقوى الثورة والتغيير في السودان؛ وهم عاجلا أم آجلا؛ واصلون لحقيقة أن الحرب دمار؛ وان السلاح لا يحسم قضية؛ بل يخلق مشاكلا جديدة؛ وان النظام الحاكم هو المستفيد الأول من نهج الحرابة؛ بما يفرضه من قهر المجتمع المدني؛ وسيادة ثقافة العنف؛ وحكم البندقية وعلوها على حقوق الناس وصوتهم.
لذلك لا اعتقد أن وضع القادة والأعضاء في سلة واحدة مفيد؛ ونفس التفريق مطلوب؛ ما بين قادة الأحزاب الطائفية؛ وأهلنا الأنصار والختمية؛ وكما بين شباب الأحزاب وقادتها الديكتاتوريين ؛ الخ .. بل أذهب للقول أن كثيرا من مؤيدي الحركة الإسلامية والنظام الحاكم؛ قد شهدوا تحولات فكرية وسياسية كثيرة؛ لما عرفوا بتجربتهم الشخصية؛ شمولية وأنانية النظام؛ وبؤس البرنامج التزموا به لعشرات السنين؛ فكيف الحال بمن يقدم روحه في قربان النضال ضد هذا النظام؛ وهل نكسبه أم نستعديه؟
كما أجد لزاما على الجهر؛ برفض الحديث عن القبائل المسلحة؛ أو القبائل الجيفارية .. فمن يحارب ليس هم القبائل؛ وإنما حركات تريد أن تحتوى القبائل؛ وتستخدم الانتماء القبلي والجهوي والعرقي؛ كأداة أساسية للاستقطاب والتجنيد؛ سبيلا لزيادة جيوشها؛ وهي في هذا لا تختلف البتة عن النظام؛ الذي يستغل العواطف الدينية والجهوية والوطنية؛ لتنفيذ مشروعه البربري وتقديم ضحايا جديدة لمحرقة الحرب.
الحديث عن القبائل المسلحة أو القبائل الجيفارية؛ فيه نوع من الخلط؛ ويصب في صالح الحركات المسلحة؛ والتي تريد أن تتمترس بعض القبائل أو الأعراق أو الجهات ورائها؛ اعتمادا على تلك الأشكال التقليدية من الوعي والعواطف؛ وبذلك يتحول النزاع من طابعه المدني والسياسي؛ إلى صراع عرقي قبلي جهوي؛ وهو مبلغ منال الفاشيون في النظام وتجار الحرب في المعارضة المزعومة؛ لتشويه الصراع وقطع الطريق على التغيير الحقيقي؛ وبناء مساوماتهم من فوق رأس المواطنين.
القبائل السودانية واغلب زعماؤها وأبناؤها؛ مواطنون يهفون إلى السلم والأمن والتنمية؛ لا ناقة لهم ولا شاه في هذه الحروب المدمرة؛ بل أنهم هم المتضرر الأول منها؛ ولذلك يجب علينا الدفاع عنهم ومعهم ؛ وعن مؤسساتهم المدنية ومعها؛ من مجالس شورى وروابط إقليمية وتنظيمات مهاجرين الخ ؛ دعوة للسلام والأمن والتنمية؛ ورفضا لتجييرهم لصالح النظام أو الحركات المسلحة؛ في الواقع العملي أو في الخطاب الفكري والسياسي.
قضية الصفوة وصراع المركز والهامش:
يفرق عثمان كثيرا في خطابه؛ ما بين المواطنين السودانيين في الأقاليم؛ والذين يشار إليهم بالهامش؛ وبين الصفوة الإقليمية ( أو التي تقيم في المركز؛ مثل قادة الأحزاب الطائفية) التي تتحدث باسمهم؛ تماما كما تتحدث الصفوة في المركز؛ باسم مواطني المركز؛ وتدعى زورا تمثيلهم.
هذا التفريق مهم جدا؛ كونه يفضح كل الجدل الممارس باسم اتفاقيات السلام وقسمة السلطة والثروة؛ والتي هي في الحقيقة مساومة انتهازية واقتسام للإمتيازات بين صفوات ونخب؛ بعيدة عن هموم المواطن البسيط؛ وبهذا المعني صحيح تماما قول عثمان: " في هذا الإطار يمكن القول بأن إتفاقات السلام التي تبرمها صفوة المركز الحاكمة مع صفوات الهامش المعارضة هي في آخر التحليل قـناة لإمتصاص صفـوة الهامش من قبل المركز ( ثمة قـنوات إمتصاص أخرى كالإستقـطاب السياسي أو شراء الذمم) ".
وفقا لهذا فان هناك ضرورة فائقة ؛ لخلق إشكال جديدة وقيادات جديدة؛ لكيما تعبر عن حقوق المواطنين؛ في هذه القسمة الضيزى بين الصفوات والنخب؛ تخرج من بين المواطنين - سلميا ومدنيا وبشكل ديمقراطي - ؛ وتكون إمكانية الرقابة عليها كاملة من قبل من تمثلهم؛ وان تنمو هذه الأشكال والقيادات في مواجهة النخب والصفوات الانتهازية سليلة المستعمر والأنظمة والأيدلوجيات الشمولية؛والتي تتكون من صفوة المركز الأنانية والتي يحتل فيها قادة النظام والأحزاب التي تسمى نفسها بالشمالية دورا مقدما (أحزاب الأمة والاتحادي والشيوعي) دورا مقدما؛ ومن صفوة الأقاليم الانتهازية؛ والتي يلعب فيها قادة الحركات المسلحة والمنخرطين في قيادة أحزاب المركز دورا رئيسيا؛ بما فيه قيادة الحركات التي خرجت من عباءة النظام أو احد أطرافه (مثل قيادة حركة العدل والمساواة أو قيادة الحركة الوطنية لشرق السودان).
هذا الأمر مهم؛ كون أن هناك طرح لبناء حلف المهمشين؛ وهو حلف مزعوم يدخل فيه الجلاد المعروف والضحية المفترضة؛ حيث أن من مهندسي هذا الحلف الكبار؛ يبرز اسم على الحاج؛ احد أعمدة الإنقاذ وأكثر رموزها فسادا وسؤءا؛ وها أن الطرح الذي زرعه في ألمانيا في مؤتمر الأغلبية المهمشة؛ قد وجد تجسيدا أولا له؛ في جبهة الخلاص الوطني؛ والتي اختفي منها على الحاج تقية؛ وان أرسل لها خليل إبراهيم ممثلا لتيارهم؛ ولا يزال هذا الطرح والمشروع يحاول تسويق نفسه؛ عبر محاولة ضم بعض حركات الشرق لهذا التحالف غير المقدس؛ وبدعم واضح وخفي من تنظيم الترابي الفاشي ومن النظام الإرتري الشمولي.
إن بدايات ظهور مثل هذه القيادات الجديدة؛ نراها في التجمعات المختلفة التي تهدف لتطوير مناطقها؛ وفي تجمعات ولجان المهاجرين والمهجرين؛ وفي التكوينات السياسية الحديثة مثل المنبر الديمقراطي لجبال النوبة وتجمع تنمية كردفان الخ الخ؛ رغم هنات بعض تلك التنظيمات والقيادات الجديدة؛ إلا أنها قطعا تسير في الطريق الصحيح؛ وينبغي دعمها وخلق العشرات والمئات والآلاف من التنظيمات المماثلة؛ التزاما بالمواطنين ومحاولة للعمل معهم؛ وكسرا لسطوة النخب التي أدت ببلادنا إلى الخراب.
كما لن يتم الإصلاح والتغيير في بلادنا؛ دون بناء حلف تاريخي؛ اسماه أبكر آدم إسماعيل بالمساومة التاريخية؛ ونسميه نحن حلف المواطنين؛ ويقوم ما بين المواطنين في المركز والمواطنين في الأقاليم؛ من اجل انتزاع حقوقهم وتمكين أنفسهم وتغيير واقعهم؛ وان يقوم هذا بالضد من وفي مواجهة نهج الحرابة والمساومة الانتهازية؛ الدائر الآن بين النخب الحاكمة والمهيمنة.
المواطن والمجتمع والدولة:
يطرح الصديق عثمان؛ ضرورة خضوع المواطنين للدولة؛ واحتكار الدولة للسلاح؛ وضرورة بناء هيبة الدولة؛ وصك مصطلح الخروج عن الدولة السودانية؛ في معادلات تطرح إن العلاقة - أو العقد الاجتماعي - قائمة بين المواطن والدولة؛ وفي هذا يقول مثلا : " المواطنة بهذا المعنى هي مقايضة بين طرفين : الدولة والأفراد المشمولين بحيزها الجغرافي"؛ أو يقول:" بقيام الدولة السودانية أصبح الساحل الغربي للبحر الأحمر ملكاً للدولة!"
اعتقد أن في هذا الفهم؛ يكمن خلط كبير؛ فعثمان يتجاوز تماما؛ دور المجتمع والذي هو المكون الثاني الأساسي؛ بعد المواطن الفرد؛ لتركيبات العمران وعلاقات السلطة. والعقد الاجتماعي الحقيقي في وجهة نظري؛ قائم بين المواطن وغيره من المواطنين؛ اى قائم بين المواطن والمجتمع؛ وليس بين المواطن والدولة.
في ظني؛ وبعض الظن إثم؛ إن التركيز على دور الدولة وهيبة الدولة وخضوع المواطنين للدولة؛ في خطاب عثمان؛ هو بقايا من تأثير المنهج الشيوعي عليه؛ وهو المنهج الذي أدى - ويا للغرابة - في الممارسة العملية؛ إلى تأليه وتمجيد الدولة عند الماركسيين؛ وهي التي قال عنها مؤسسي الماركسية بوضوح - ماركس وانجلز - أنها مؤسسة طفيلية تقتات على المجتمع .
يمكن القول بنفس الوضوح؛ أن الدولة في السودان ؛هي مؤسسة طفيلية؛ لم تقم بأي دور لها تجاه المواطن؛ وإنما قهرته واستغلته وأحتلبت فائض ما ينتجه المواطن الفرد - والمجتمع ككل- لإدارة دولابها الفاسد ومراكمة الإمتيازات وتوزيعها بين أعضاء النخبة المسيطرة؛ وهي في السودان قد كانت جهازا للنهب والقمع؛ ويبدو أن عثمان قد انتبه لهذا وهو يقول:" سالت دماء وتراكمت إحن ومرارات بين المركز والهامش جعلت من العبث بمكان الإصرار على التشبث بدولة أنشئت بنظام دفـن الليل أب كراعاً برة".
هذه الدولة قد ورثت مباشرة من الدولة الاستعمارية؛ والتي كان جهازها يقوم على النهب والقمع؛ وكلنا يعرف ضريبة الدقنية التي كانت تمارس في السودان؛ ولم تحدث عليها النخب الحاكمة "السودانية" تغييرا ذا شأن؛ بل أنها اتخذتها وسيلة لاستغلال المجتمع؛ وكانت دولة ريعية؛ كما اثبت ذلك الدكتور عطا البطحاني ؛ تقوم على تجميع وتوزيع الريع على نخبتها؛ وليس على تطوير الإنتاج وتوفير الخدمات للمواطن.
بهذا المستوى يكون التساؤل؛ كيف يمكن الخضوع لهذه الدولة؛ وأى هيبة نبحث لها عنها ؛ وهي التي فشلت في كل مهامها؛ من حفظ الأمن وتوفير الخدمات وبناء البني الأساسية وتشجيع الإنتاج ؟؟ إن الدولة في السودان لا تحتاج إلى زيادة هيبتها وإنما إلى نزع هيبتها وجبروتها وتسلطها على السياسة والاقتصاد وعلى المجتمع؛ وينبغي أن ندعم دور الفرد والمجتمع على حساب الدولة؛ وان نقلص من دورها للحد الأدنى؛ وبناء أشكال التنظيم السياسي وعلاقات السلطة بشكل مغاير تماما ومتجاوز لطبيعة وشكل الدولة السودانية الحالية - البعد استعمارية -.
أقول هنا أن الحزب الشيوعي السوداني؛ ومعظم مدارس اليسار السياسي والفكري؛ لم تنتبه لنقطة مهمة؛ في غمار دفاعها العقيدي عن ما يسمى بالقطاع العام في السودان؛ والذي ما هو إلا شكل من أشكال رأسمالية الدولة؛ أو قل طفيلية الدولة؛ وهو انه في ظل الدولة الريعية؛ عسكرية كانت أم مدنية؛ يسارية أو يمينية؛ فان النشاط الاقتصادي الأساسي للدولة يكون هو تجميع وتوزيع الفائض الاقتصادي؛ وليس تطويره؛ ولذلك نجد كل الكلام الغريب عن توزيع "الثروة" ؛ في بلد فقير يعاني من التخلف؛ فعن اى ثروة يتم الحديث في السودان؛ والثروة لا توجد فيه وإنما الفقر؟ وهل الأصح الحديث عن تطوير الثروة أم عن اقتسام الإمتيازات؛ والتي يتم الحديث عنها باعتبارها تقسيما للثروة؟.
لقد لعب جهاز الدولة دورا مخربا للغاية في السودان؛ من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؛ وكان جهازا من زمن التركية السابقة والى اليوم؛ لاستغلال المواطن واستنزافه؛ معزولا عنه وعن قضاياه المهمة؛ مما أدى إلى استلاب المواطنين واغترابهم عن "دولتهم " بالذات؛ وذلك أساسا لان هذه الدولة التي بنيت ليلا؛ بنظام دفن الليل أب كراعن بره؛ كما يقول عثمان؛ ووفق مصالح المستعمر؛ قد فضلت النخب الحاكمة وراثتها كما هي؛ وليس من قبيل الصدفة أن أطلق على الحكام "الوطنيين" ؛ اسم الإنجليز السود.
في ظل هذه الدولة؛ كانت وزارة التجارة والجيش أهم المؤسسات: وزارة التجارة لأنها توزع الإمتيازات والرخص التجارية؛ اى تستغل القانون وامتيازات الدولة لإفقار هؤلاء وإغناء أولئك؛ ولا يكون العمل والكسب هو مصدر الثروة؛ وإنما القرب من جهاز الدولة أو البعد عنه هو المعيار؛ والجيش للقمع الداخلي وحماية نهب الدولة للمواطن؛ حيث إن جيشنا الميمون منذ العام 1924 لم يخض حربا وطنية؛ وإنما كانت كل حروباته ضد مواطنيه.
بالمقابل فان كل الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في السودان؛ قد تمت عن طريق الأفراد والمجموعات؛ اى عن طريق العمل الخاص والعمل الأهلي؛ ومن ذلك التعليم الأهلي وبناء المدارس والمستشفيات بالعون الذاتي؛ ومن ذلك نمو القطاع الخاص الصناعي؛ حيث فشلت كل مصانع الدولة المزعومة؛ المحكومة بسوء التخطيط والتنفيذ؛ وليس غريبا إذن أن هجمت كل الأنظمة الشمولية؛ التي جعلت السيطرة على الدولة همها الأقصى؛ على النشاط الخاص والنشاط الأهلي والمنظمات الأهلية؛ سواء كان ذلك نظام مايو في أوائل السبعينات؛ أو نظام الإنقاذ منذ أوائل التسعينات.
في هذا المجال فاني بقدر ما أنا مقدر للجهد الفكري الكبير لعثمان محمد صالح؛ لخروجه من إسار تراث "العنف الثوري" الماركسي؛ والذي وان أدى بالشيوعيين وأحزاب اليسار في السودان إلى الانقلابات المتكررة؛ فقد ألقى بثقله على القيادات التي كونت الحركات المسلحة؛ من جون قرنق وحتى عبد الواحد محمد نور؛ مرورا بعبد العزيز خالد الخ ؛ ولقد كنت في عجب؛ أن "المقاتلة " ندى مصطفي؛ والتي كانت تحارب "اليسار " في تنظيم قوات التحالف؛ كانت لا تكف عن الاستشهاد باميلكار كابرال؛ الثوري الماركسي من غرب أفريقيا؛ واحد قادة فكرة العمل المسلح في أفريقيا؛ فتأمل.
أقول إني بقدر ما أنا مقدر لهذا الجهد؛ وهو جهد عظيم؛ في الخروج من أوهام العمل المسلح بإسقاطاته "الثورية"؛ وكذلك الخروج من خرافة شعار السودان الجديد؛ والذي أصبح شعار من لا شعار له؛ وتم ابتذاله بأقصى ما يكون الابتذال؛ ومورست تحته اسؤا أنواع الانتهاكات لحقوق الأفراد والمجموعات؛ فإنني أتوقع أن يخرج الصديق عثمان من أسطورة الدولة عموما؛ والدولة السودانية خصوصا؛ تأسيسا على أن الفرد هو الأساس؛ لا الدولة؛ وان المجتمع هو التنظيم الطبيعي؛ لا الدولة؛ وان التغيير والتطوير والتمكين للمواطن يأتي من أسفل؛ لا من الدولة؛ وان الدولة السودانية الحالية يجب أن تفكك؛ ويعاد صياغتها من جديد؛ في صورة دولة صغيرة ومحدودة؛ ولكن اقرب للمواطن ومنحازة إليه؛ لا لنخبها أو مصالحها البيروقراطية أو لهيبتها المزعومة.
حق تقرير المصير بين الانفصال والوحدة:
يطرح الأخ عثمان حق تقرير المصير لكافة أقاليم السودان؛ وهذا طرح متقدم وديمقراطي أؤيده تماما؛ وفي الحقيقة إن حق تقرير المصير حق إنساني وطبيعي؛ أجازته الأمم المتحدة والعهود العالمية لحقوق الإنسان؛ وفقط في ظل الدول الشمولية والمركزية ثار حوله الجدل؛ بل تحولت المطالبة به في بعضها إلى جرائم يعاقب عليها بالقتل؛ وكم من الدم سال في السودان وغيره؛ قبل إن يتوصل السياسيون إلى أن هذا حق طبيعي للشعوب.
كتب عثمان : "من الحكمة منح كافة الأقاليم أسوة بالجنوب حق تقرير المصير وأن يضمن هذا الحق في إتفاقات السلام التي تبرمها الحكومة المركزية مع الجماعات المسلحة."
إنني بقدر ما اتفق مع الجزء الأول من هذه الجملة؛ اى منح حق تقرير المصير لكافة أقاليم السودان؛ وهو الأمر الذي تضمنته وثائق الحزب الليبرالي الذي انتمى إليه؛ إلا إنني لا اعتقد أن الحكومة المركزية أو الجماعات المسلحة؛ يجب أن تؤتمن على هذا الحق؛ كما أن ليس لها شرعية تجعلها تبرم اتفاقات "سلام"؛ تفرضها على المواطنين؛ وتتم من دونهم ومن فوق رؤؤسهم . إن كل الاتفاقات التي أبرمت من قبل؛ قد كانت صفقات انتهازية بين حكومات لا شرعية وحركات منتقصة الشرعية؛ ومن المستحيل أن نسلم مستقبل وطننا لمثل هذه الجهات.
ويواصل عثمان: "الانفصال بالحسنى الآن بدلاً من الإنفصال لاحقاً بعد إقتتال على الهوية يرتد بنا جميعاً إلى الجاهلية. فالهامش لم يعد يرى في المركز غير أقلية عرقية مهيمنة ".
عثمان هنا يمارس منهجا أشبه عندي بمنهج الأحزاب السودانية التقليدية؛ والتي رفضت الفيدرالية والكونفدرالية لسنوات طويلة؛ ثم أتت لتقبل حق تقرير المصير بما فيه حق الانفصال ما بين يوم وليلة؛ وذلك في مؤتمرات التجمع المختلفة أو في اتفاقات النظام مع مختلف الفصائل المسلحة في الجنوب ( اتفاقات فرانكفورت؛ فشودا؛ نيفاشا) ؛ وكأنه حُكم على السودان إما يكون محكوما مركزيا؛ أو أن تنفصل أجزائه؛ ولا حل ثالث.
طبعا عثمان في تسبيبه يختلف عن هذه الأحزاب والقوى؛ فبينما تنطلق هي من نظرة أنانية وانتهازية؛ قائمة على " المال تلتو ولا كتلتو"؛ كما في حالة أحزاب التجمع ؛ أو الرغبة في السيطرة على كل الأقاليم الشمالية تحت أيدلوجيتها الشمولية وحكمها الدكتاتوري بعد إبعاد الجنوب - شوكة الحوت - في حالة الحركة الاسلاموية الانفصالية وكل تفرعاتها من وطني وشعبي الخ- ؛ فان عثمان يبدو مهموما بحفظ حياة البشر؛ ويفضل الانفصال على الحرب وإراقة الدماء وتفكيك الدولة مثل الحالة الصومالية؛ والتي يرجع إليها عثمان كثيرا في كتاباته.
لكن المشكلة في قراءة عثمان تكمن عندي في قضيتين: الأولي انه يبدو من أنصار الدولة المركزية؛ ولا يرى لحلول ناجعة مثل الفيدرالية أو والكونفدرالية من سبيل؛ وهي حلول كافية من جهة لحفظ وحدة البلاد؛ ومن الجهة الأخرى لتوزيع السلطة لا مركزيا وتنزيلها أفقيا وحفظ الحقوق الثقافية للمجموعات المختلفة والتمايز القومي في البلاد. ولا غرابة أن لم ينتبه عثمان لهذا الطريق الثالث أو لم يوله الاهتمام اللازم؛ إذ هو طريق غائب تماما عن أجندة القوى السياسية الأساسية؛ سواء كانت في الحكم أو المعارضة.
والقضية الثانية هي أن عثمان يخلط ما بين سكان الأقاليم ( ما يسميه الهامش) ؛ وما بين طرح المتطرفين في بعض الحركات المسلحة؛ حيث يظن أن طرح هؤلاء المتطرفون؛ يعبر عن صوت الهامش؛ وما هو إلا صوت يعبر عن أشخاصهم في أحسن الأحوال؛ حيث أن سكان الأقاليم - كما كل السودانيين- لم يُسألوا عن تصوراتهم لشكل الحكم ولم يُستفتوا في اى قضية من قضايا البلاد المركزية؛ قكيف نحكم أن الهامش ( كل الهامش ) لم يعد يرى في المركز غير أقلية عرقية؛ ومتي سمح لسكان الأقاليم بقول رأيهم؛ حتى نعرف أن كان ما يدعيه متطرفو الحركات المسلحة يعبر عنهم أم لا ؟؟
لقد وقفنا - اقصد الحزب الليبرالي السوداني وشخصي - دائما ضد أن يتحدث المسلحون وقادة الأحزاب والنظام باسم المواطنين؛ والمواطنون براء مما يقولون؛ ولم نعترف ولن نعترف بأى حلول تأتى بها النخب باسم المواطنون؛ كما نرفض أن تصبح قضايا مثل حق تقرير المصير ووحدة السودان أداة في يد السياسيين؛ يلعبوا بها لمصالحهم الخاصة؛ وكنا دائما مع سماع رأى المواطنين المعبر عنه في استفتاءات حرة أو انتخابات حرة؛ ودون ذلك فإن كل ما يقال عن رأى الأغلبية المسلمة أو أهل الهامش أو الطبقة العاملة؛ لا يعدو إن يكون إلا محض ادعاء من انتهازيي السياسيين.
يواصل عثمان في قرائته لموقف سكان الأقاليم؛ ممن يسميهم ب"الهامش"؛ وهي كلمة غامضة إذ ليس من المعروف إن كانت تعني بقعا جغرافية أم المواطنين الذين يسكنون تلك البقع الخ ؛ فيكتب:
ّّ"فالهامش لم يعد يرى في المركز غير أقلية عرقية مهيمنة . الجميع بنظره سواسية في كونهم جلابة حتى لو أجادوا النطق بلغة الهامش (...) ان الهامش لا يثق بدعاة التغيير الإجتماعي من اصول شمالية حتى لو تم تعميدهم من جديد بل يوظفهم مؤقـتاً ، فلا معنى إذن لحمل أعباء التغيير في المركز والأطراف معاً ..".
من الواضح أن الجمل أعلاه تعاني من إسقاطات هائلة؛ خلفها الهجوم الكاسح لبعض دعاة الجهوية والعرقية من أنصار بعض الحركات المسلحة؛ والذين يخلطون - عن عمد أو جهل - ما بين الحكومات المركزية والنخب الحاكمة - بما فيها شرائح من نخب الأقاليم نفسها - ؛ وما بين المواطنين في الشمال والوسط؛ والذين هم أيضا احد ضحايا الدولة السودانية البعد استعمارية ؛ والتي سامت اغلب مواطنينا الخسف والعذاب؛ لا فرق في ذلك بين شماليهم وجنوبييهم؛ ساكني المركز أو ساكني الأقاليم.
إن هذا الهجوم مضر ومدمر؛ اعني هجوم بعض أنصار الحركات المسلحة ضد المواطنين في الوسط والشمال؛ بل وضد بعض العناصر الديمقراطية والثورية التي وهبت عمرها لقضايا النضال من اجل الإنسان السوداني ومن اجل العدالة الاجتماعية ومساواة المواطنين كافة وبناء دولة المواطنة؛ كما رأينا في الهجوم على الأستاذ الخاتم عدلان من قبل خالد كودي الذي كان يكتب وقتها في الانترنت السوداني باسم مستعار(رودا مردا) ؛ وهو يهدف في النهاية إلى خلط الأوراق وتبرئة المجرمين الحقيقيين وتجريم الضحايا وتحويل الصراع إلى صراع عرقي وجهوي؛ بدلا من كونه صراع سياسي واجتماعي.
إن هذا الهجوم يصل في بعض مراحله إلى أن يتبني اطروحات فاشية بشكل مباشر؛ قائمة على مبدأ المسؤولية الجماعية؛ وداعية إلى قتل الناس على الهوية؛ وتهجير البعض الآخر باعتبار أنهم سكان غير أصليين؛ في دولة أصلها هجين؛ كما في الهجوم الكاسح على معتقدات البعض ودياناتهم؛ وتصويرها وكأنها اصل الأزمة وسبب الإشكال في السودان؛ بل لقد وصل الحال إلى حيونة قوميات كاملة؛ ووصفها بالقردة؛ وتحديها أن ترفع وجهها أمام حذاء مقاتل في الحركات المسلحة؛ أو كما قال المدعو خالد كودي.
إن هذا النهج يشابه تماما نهج الفاشية الاسلاموية؛ والتي أيضا تقوم على نفس المبادي والسلوكيات؛ وفي الحقيقة فان الفاشيين ملة واحدة وان اختلفت اطروحاتهم؛ ولذلك ليس من الغريب ان يلتقوا من فوق رؤوس المواطنين؛ من أهل مركز وهامش؛ وان يقتسموا الامتيازات فيما بينهم؛ وان يحاربوا بضراوة - كل من موقعه - دعاة تمكين المواطنين والمسؤولية الفردية والرافضين لمنهج الحرب والتهييج الأيدلوجي والتعبئات الرخيصة.
لكن هل يجب أن يدفعنا ذلك؛ للانكسار لهذا النهج؛ وتصديق ادعاءات أولئك التي يرجفون عن موقف أهل الأقاليم؛ والذين في نفس الوقت يقمعون أولئك السكان؟..قطعا لا ؛ لقد تضرر أهل الأقاليم أكثر الضرر من هؤلاء الذين ادعوا أنهم يناضلوا من اجلهم؛ بعد الضرر الذي أصابهم من النظام الحاكم والحكومات المركزية السابقة؛ فالحركة الشعبية لتحرير السودان هي من كانت تشغل الجنوبيون سخرة في جيشها؛ وتمارس نهب الأبقار واغتصاب النساء وتجنيد الأطفال؛ وكل ذلك تجاه جنوبيين؛ وفي دار فور الآن ممارسات يندى لها الجبين؛ من بعض منتسبي الحركات المسلحة ضد مواطني الإقليم.
ليس هناك ما يسمى بالهامش عموما؛ كما ليس هناك ما يسمى بالمركز عموما؛ وإنما هنا وهناك مواطنون يبحثون عن حقوقهم؛ وأولها حق الحياة والعيش الكريم؛ وهنا وهناك نخب مسيطرة وتجار حرب وساسة انتهازيون؛ يريدون ضرب المواطنين بعضهم ببعض .. إن ما ينسب اليوم لسكان الأقاليم؛ من معاداة لسكان المركز؛ والذي يروج له بعض الفاشيون هنا وهناك - إذ لا يختلف عندي خالد كودي عن الطيب مصطفي- ؛ إنما هو محض هراء وادعاء؛ ولا اعلم كيف سقط مفكر مثل عثمان في حبائل هذا الادعاء؛ حتى صدقه وصاغه بمثل هذه الصورة أعلاه؟
إن الدعوة للتغيير الاجتماعي ولدولة المواطنة ومن اجل تمكين الناس واستعادة حقوقهم الطبيعية والإنسانية؛ ليست قصرا على دعاة التغيير من أصول شمالية؛ وليست هي فرض كفاية على فئة دون أخرى؛ وإنما هي واجب كل الديمقراطيين والثوريين بل واجب كل مواطن؛ يبحث عن حقوقه؛ في كل مناطق السودان. وينبغي أن يتم حلف المواطنين هذا؛ اى تحالف المواطنين في المركز والأقاليم؛ لان العدو واحد؛ وان تعددت صوره؛ ولان كل منطقة في السودان تحتاج التغيير؛ وحقوق كل مواطن غض النظر عن عرقه وإقليمه ودينه تحتاج للحماية؛ ولان في الوحدة قوة ؛ وفي التفكك ضعف وإى ضعف.
إننا إذا ما رضينا بتفكيك حلف المواطنين؛ بالقبول بالانفصال المفروض؛ فان البديل له ليس حلف المهمشين المزعوم؛ والذي يخلط الحابل بالنابل؛ بل حلف الشموليين ودعاة الحرب؛ سواء حكموا في دولة مركزية؛ أو سيطروا في دويلات منفصلة كما في الصومال.
الاتحاد الفيدرالي بديلا عن الانفصال والدولة المركزية:
رغم إن الانفصال يبدو ماثلا كإمكانية كبيرة؛ وخصوصا انه يجد الدعم في توجهات الانفصاليين من الحركة الشعبية؛ وكذلك كل الدعم من النظام وتنظيماته الانفصالية أصلا - راجع ميثاق السودان والذي زرع أول الجذور الانفصالية؛ وكذلك طرح الانفصالي الطيب مصطفي - فان القوى الديمقراطية لا ينبغي أن تركن له؛ بل أن تعمل على صياغة البدائل البرامجية والعملية تجاه الخط الانفصالي؛ واستعادة الثقة بين المواطنين؛ والرغبة في بناء دولة موحدة.
هذا يستتبع ضرورة القطع الشامل والكامل؛ مع نموذج الدولة السودانية المركزية؛ والتي كانت دولة أقلية في الحقيقة؛ أقلية منبتّة عن مصالح المواطنين في المركز والأقاليم؛ والبحث عن نموذج جديد؛ نراه نحن في الفيدرالية ؛ ويراه البعض آخر في والكونفدرالية.
لقد أشرتُ في غير هذا المكان؛ إلى التجاهل الذي أبدته الأحزاب والقيادات السودانية لاطروحة الفيدرالية؛ وكيف أنها كانت تعتبر مجرد الدعوة للفيدرالية؛ جريمة يحاكم عليها باسم الخيانة العظمي؛ وكيف أن نفس هؤلاء القادة والأحزاب؛ في انتهازية فاضحة؛ قد انتقلوا من الدعوة للدولة المركزية وتجريم الفيدرالية؛ إلى فتح الباب أمام الانفصال تحت شعار حق تقرير المصير؛ والذي يراد له أن يمارس تحت ضغوط الانفصاليين؛ وبالشكل الذي يؤدي حتما إلى الانفصال. ( راجع ورقتي: لماذا ندعو للفيدرالية وكيف نراها؟ - مساهمة في تطوير برنامج الحزب الليبرالي السوداني).
بالمقابل نحن نعتقد ؛ أن الفيدرالية تشكل بديلا جيدا للطرح الانفصالي وطرح الدولة المركزية؛ وقد طرحنا فيدرالية عميقة؛ تذهب ابعد من الشكل الكلاسيكي لها؛ اى أن تبني "نتيجة اتفاق سياسي بين مواطني الاتحاد الفيدرالي؛ وليس نتيجة لاتحاد دول مستقلة تتفق فيما بينها لتكوين الاتحاد الفيدرالي كما في حالات الدول الفيدرالية الكلاسيكية" .
إن الفيدرالية بهذا الشكل؛ تشكل الإطار التنظيمي لحلف المواطنين الذين دعونا إليه؛ وتبني وثيقة الاتحاد الفيدرالي في كل إقليم؛ ثم على مستوى السودان ككل؛ سيشكل انتصارا لهذا الحلف؛ بدلا من حالة احتراب المواطنين فيما بعضهم؛ أو الانفصال الذي يروج له الفاشيون ورجال الحركات المسلحة؛ والذي لا ينبغي أن نخضع له ولضغوطاته الفكرية والنفسية.
وقد رأبنا أن الفيدرالية صالحة للسودان؛ وذلك لأنها كشكل للحكم ؛ تبدو مناسبة تماما للدول التي تتمتع بالتعدد الثقافي والعرقي والديني؛ وكذلك الدول التي تعاني من التفاوت في التطور بين أقاليمها المختلفة؛ والدول التي تعاني من نزاعات قومية وجهوية؛ أي بتعبير عام؛ كل الدول التي لا تزال في طور التكوين والـتأسيس كأمم موحدة ودول مستقرة.
وقلنا إن الفيدرالية مناسبة هنا لأنها تسمح بالاختلاف بين الولايات المكونة للاتحاد فيما يجب عمله من إجراءات داخلية؛ وكيفية تنفيذ ذلك وأي الأجهزة صالحة للتنفيذ. كما تقرب الفيدرالية السلطة من المواطن؛ وتجعل السلطة أكثر حساسية تجاه قضايا مواطنها القريب؛ كما أنها تضمن الأمن بدرجة أفضل؛ وذلك لان اغلب النزاعات تحل داخل الإقليم الفيدرالي.
إن الفيدرالية تسمح أيضا بمراعاة الاختلافات الثقافية والتاريخية في تطور مختلف الأقاليم؛ حيث تسمح مثلا بإجازة قوانين وحلول بعينها في ولاية ما أو مجموعة ولايات؛ دون تطبيقها في كامل الاتحاد. كما أن الفيدرالية حافزة علي التقدم وتطور الأقاليم المختلفة؛ حيث تضع موارد الإقليم في يد سلطات الولاية مما يجعل الرقابة عليها أفضل واستخدامها اقرب لمصالح المواطنين؛ وتشجع الولايات المختلفة علي المنافسة فيما بينها وتستغل ايجابيا شعور الانتماء المحلي والإقليمي للمواطنين والحكومات الإقليمية في تلك المنافسة ودفع عجلة التطور.
إن الفيدرالية الحديثة لا تعني مجرد قيام انتخابات وبرلمانات وحكومات إقليمية وغيرها من المؤسسات الإقليمية؛ كما أنها لا تقتصر علي مجرد الاستقلال الإداري للإقليم؛ وهي بلا شك تتجاوز مجرد إطلاق وصف النظام السياسي أو الدولة بها.إن الفيدرالية الحقة لا تتوفر إلا في ظل سيادة الديمقراطية وحكم القانون في الاتحاد كله؛ كما أنها تتطلب فصل سلطات المركز(الحكومة الاتحادية) عن سلطات الأقاليم بصورة واضحة؛ وتحديدها علي وجه الدقة. كما أن الفيدرالية لا يمكن أن تقوم دون أن تتوزع السلطة وتنساب في مختلف مكونات الاتحاد الفيدرالي. فالإقليم الفيدرالي ينبغي أن يحكم أيضا لا مركزيا؛ وذلك عن طريق تقسيمه إلي محافظات ومجالس وأقسام إدارية مختلفة؛ تنزل بالسلطة إلي اصغر الوحدات الإدارية والسكانية؛ وتضعها بين يدي المواطنين حقيقة.
وقد طرحنا شروطا أساسية؛ دونها لا يمكن أن يقوم النظام الفيدرالي في السودان؛ ولا يمكن أن يعبر حقيقة عن تطلعات المواطنين وتنزيل السلطة إلى الأقاليم ؛ وقلنا إن أهم هذه الشروط هو قيام النظام الفيدرالي في ظل نظام سياسي ديمقراطي؛ إذ لا يمكن أن تتأسس الفيدرالية بواسطة نظام شمولي أو بواسطة قوى شمولية؛ وضرورة أن ينص الدستور الاتحادي علي النظام الفيدرالي باعتباره شكل الحكم في الدولة؛ وان يحدد الدستور بدقة وجود أكثر من مستوي للحكم في الدولة؛ أي مستوي الاتحاد الفيدرالي والأقاليم؛ وان يحدد صلاحيات كل من الأقاليم والاتحاد الفيدرالي بصورة واضحة لا تقبل التسويف؛ وضرورة قيام الدولة في مستواها الاتحادي علي أسس الرضائية بين الأقاليم المختلفة؛ وعلي إتباع الحيادية فيما يتعلق بالتمايزات الثقافية والدينية والعرقية؛ ويعني ذلك الاعتراف بالتعدد القومي والثقافي والديني في السودان؛ وضمان مساواة الأديان والمعتقدات أمام القانون وإتاحة حرية الدين والضمير.
كما ركزنا على ضرورة تميز سلطات الأقاليم ومبدأ عدم التنافي؛ اى ضمان تمتع مؤسسات الأقاليم المكونة للاتحاد الفيدرالي بسلطات خاصة بها؛ لا تتغول عليها الحكومة الاتحادية؛ والنص في الدستور علي عدم إمكانية إلغاء سلطات الاتحاد أو سلطات الإقليم الفيدرالي لوجود أو صلاحيات أو قوانين بعضها البعض. وكذلك إشترطنا ضرورة تحديد السلطات بصورة قاطعة وتوزيعها في داخل كل إقليم اتحادي؛ وفيما بين مؤسسات الإقليم والمؤسسات الاتحادية؛ بحيث لا تتغول علي بعضها البعض ولا تتضارب بل تتكامل وتتناسق.
كما طرحنا مجموعة من التطبيقات كسمات لا بد منها لضمان نجاح التجربة الفيدرالية في السودان؛ اى صبغ الفيدرالية بطابع سوداني؛ ومن ذلك ضرورة التقبل الطوعي للنظام الفيدرالي بواسطة ممثلي الأقاليم السودانية المختلفة؛ وتوثيق ذلك التقبل في صورة إعلان إقليمي بالدخول في الاتحاد الفيدرالي؛ وبلورة ذلك في وثيقة إعلان الاتحاد الفيدرالي؛ وكذلك ضرورة إتباع نظام الرئاسة الدورية في مجلس الرئاسة الفيدرالي؛ وذلك لتمثيل كل إقليم فيدرالي علي المستوي السيادي ترسيخا للاتحاد الفيدرالي والروابط الوطنية؛ وتقليص سلطات الحكومة الفيدرالية إلي الحد الأقصى؛ بما تشمل الدفاع والتمثيل الخارجي والسياسة النقدية؛ وتوسيع سلطات وصلاحيات الأقاليم الفيدرالية إلي الحد الإقصى؛ فيما عدا ذلك.
ولكيلا تتخذ الفيدرالية ذريعة لانتهاك حقوق الإنسان في بعض الأقاليم؛ أضفنا ضرورة وجود قوانين أساسية أو دساتير محلية داخل كل إقليم فيدرالي؛ تضمن حكم القانون واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين والمساواة أمام القانون بين مواطني الإقليم وبقية مواطني الإقليم الفيدرالي؛ اى ألا تخرق القوانين الخاصة بكل إقليم؛ المبادئ الأساسية للدستور الفيدرالي؛ وكذلك قيام النظام العدلي والقضائي علي مستويين: مستوي الإقليم ومستوي الاتحاد الفيدرالي؛ وضرورة تحديد الدستور لتلك القانون التي تخضع لسلطات التشريع في الإقليم أو سلطات التشريع علي المستوي الاتحادي.
كما رأينا شرطا لازما ؛ لنجاح الفيدرالية ونموذج الدولة اللامركزية؛ ضرورة تخفيف تكاليف جهاز الدولة وتبسيط مؤسسات الدولة وخصوصا علي المستوي الاتحادي؛ وتمويل سلطات الاتحاد الفيدرالي من الضرائب الفيدرالية ومن بعض مدخولات الموارد القومية كالتعدين؛ مع ضمان تمتع الأقاليم بثرواتها الإقليمية بما لا يقل عن50% من مدخولاتها علي الأقل؛ وربما تطورت أفكارنا فيما بعد؛ في اتجاه تقليص اكبر لنفقات الدولة المركزية ومهامها؛ ولكن لهذا مقام آخر.
إنني لا ازعم إن طرحنا أعلاه كامل وقادر على حل كل الإشكالات؛ المتعلقة لقضايا الوحدة والانفصال والحرب والسلم؛ بل على العكس أراه ناقصا ويحتاج إلى كثير من التطوير؛ ولكني مع ذلك اعتقد إن مثل هذه الاطروحات؛ اى الفيدرالية أو والكونفدرالية؛ هي ما يجب أن تركز عليها جهود الناشطين الفكريين والسياسيين؛ والقوى الديمقراطية السودانية؛ وذلك كي لا يفرض علينا خياران كلاهما مر: إما الاستمرار في الدولة المركزية التي أنتجت الحرب والدمار؛ أو اختيار الانفصال الذي يهدد استمرار العمران السوداني.
حول العلمانية والانفصال وانتهازية بعض "العلمانيين":
يشير عثمان محمد صالح؛ ضمن العديد من لمحاته الباهرة ؛ إلى انتهازية بعض العلمانيين المزعومين؛ والذين يطالبوا بالعلمانية مراعاة لحقوق أصحاب الديانات الاخري؛ أو بصورة واضحة مراعاة لمشاعر واعتقادات الجنوبيين؛ ويستغلوا التعدد الديني في السودان ليمرروا من تحته خطابهم العلماني الخجول أو الفج.
وفي الحقيقة فان اغلب القوى المحسوبة على العلمانية في السودان؛ ليست علمانية ولا يحزنون؛ فالحزب الشيوعي السوداني يطور تحت قيادته اليمينية الحالية؛ خطا يمينيا تقليديا يتهرب من مواجهة قضية علمانية الحياة السياسية والاجتماعية؛ بينما تطرح بعض القوى الأخرى مفاهيم العلمانية المعتدلة والعلمانية الخجولة والعلمانية الجزئية؛ في تهرب لا يحلها من مواجهة قوى الهوس الديني والسياسي.
إن العلمانية في السودان أصبحت ضربة لازب؛ وشرطا لا بد منه للتطور السياسي السلمي في السودان؛ ولازدهار الفكر والعلم ولتطور المجتمع؛ ولقد أثبتت تجربة النميري وسنين الإنقاذ؛ كيف تخلق الأنظمة المتاجرة بالدين مشاكلا لا أول لها ولا آخر؛ عندما ترفض النموذج العلماني وتحاول فرض أفكارها وممارساتها القروسطية والاوتوقراطية والثيوقراطية على المواطنين.
ان أكثر من يحتاج للعلمانية هم المسلمون؛ حتى يستطيعوا أن يديروا العلاقات فيما بينهم؛ وفيما بينهم وبين الآخرين؛ في إطار روح التسامح والعلم؛ وفي دولة يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات؛ وليس منقبيل الصدفة أن نصل سكاكين الدولة القروسطية يتوجه في الأساس تجاه المسلمين؛ فضد المسلمين بنيت اتهامات الردة والشروع في الزنا وتوجهات التكفير؛ في السودان وفي كل البلدان التي تحكمها قوى معادية للعلماني؛ وضد المسلمين تتوجه دعاوى الكراهية أو التمييز ضدهم في الغرب والدول العلمانية؛ وذلك عندما يحتل موقع الصدارة بينهم المتطرفون القروسطيون؛ والذين يفسدون صورة الإسلام بالإرهاب ودعوات التخلف وأوهام السلفية والفهم الرجعي للإسلام.
لكن هل تكون وحدة السودان هي القربان الذي يجب تقديمه؛ حتى يقتنع علمانيو الشمال بضرورة الدعوة إلى العلمانية؛ أو كما استنتج عثمان:" بيد أن إنفصال الأطراف سيضع علمانيي الشمال في مواجهة مهمتهم المؤجلة : الدعوة لقـيام دولة علمانية دون التذرع بحجة التعدد الديني !".
لا أظن ذلك؛ إذ إن وحدة السودان والعلمانية هما قيمتان عاليتان كل واحدة في حد ذاتها؛ ينبغي أن ندافع عنهما معا؛ فوق أن هؤلاء العلمانيين المزعومين ؛ الذين لم يدافعوا عن العلمانية السياسية والاجتماعية باستقامة ووضوح ومثابرة ومبدئية؛ في إطار الدولة السودانية الواحدة؛ سيكونوا اضعف عن أن يقوموا بهذا الدور؛ في ظل دولة "الشمال" العربية الإسلامي التي ستقوم؛ وذلك ببساطة لأنهم أناس قد استبطنتهم الهزيمة؛ ولأنهم انتهازيون وجبانين وغير مبدئيين.
الشاهد هنا إن بعض هؤلاء العلمانيون؛ قد أعلنوا صراحة أنهم في حالة انفصال الجنوب؛ سيطلبون اللجوء السياسي إلى دولة الجنوب؛ والتي يفترضون أن تكون علمانية - وقطعا لن تكون علمانية اجتماعيا؛ وان كانت سياسيا؛ ما دامت محاكم الحركة الشعبية تدفن النساء حيات؛ لاتهامهن بممارسة الجنس خارج الزواج - ؛ وقد تسألنا حينها : لمن يتركوا المواطن الشمالي البسيط؛ والذي سيخضع لحكم القروسطيين الإنقاذيين ومن لف لفهم؛ إذا كانت القيادات تعتزم الهرب؛ وبقى سؤالنا إلى اليوم بغير جواب (راجع لقاء مع سعاد إبراهيم احمد في منبر سودانيز اونلاين كوم).
إن العلمانية في السودان قد أصبحت نفسها خشوم بيوت؛ فقد سمعنا عن العلمانية الخجولة ولم نعرف من أخجلها؛ وسمعنا عن العلمانية المعتدلة ولم نعرف أين هي المتطرفة؛ كما سمعنا عن علمانية جزئية؛ لا تشمل قوانين الأحوال الشخصية؛ فمرحي لها من علمانية ومرحي لهؤلاء من علمانيين.
وإذا كان البعض يظن العلمانية كفرا وجرما ومرضا؛ فان البعض الآخر يظنها دواء سحريا لأدواء المجتمع السوداني؛ وهي لا هذا ولا ذاك؛ وإنما أحدى أدوات بناء المجتمع المدني الديمقراطي؛ كما أن البعض يلهج بها دون أن يعرف معناها؛ والبعض الآخر يدعيها دون أن يمارسها؛ وهي في كل الأحوال في حال ضيق؛ بسب من أعدائها المعلنينين وأصدقائها المزعومين؛ وينبغي أن نفتح نقاشا واسعا حولها؛ لنحدد أولا من هم العلمانيون في السودان؛ ثم لنحدد تصورنا للعلمانية في السودان؛ وبأى شكل ستساهم في حل المشكل السوداني؛ ثم نخوض حملة جبارة لاستعادة المصداقية لها؛ ومواجهة جحافل السلفية والهوس الديني؛ التي استطاعت لدرجة كبيرة تشويه صورة العلمانية والعلمانيين في السودان.
هذا طريق صعب وطويل ولكنه ممكن؛ وسنناضل من اجل العلمانية اليوم وغدا؛ في ظل الدولة الحالية أو في ظل الاتحاد الفيدرالي أو إذا تقسم السودان في كل الأجزاء التي ستنقسم منه؛ ولن نهرب حينها ولا الآن؛ ولن نعول على العلمانيين المزعومين؛ لأنهم لا اليوم ولا غدا؛ لن ينهضوا في الدفاع عن العلمانية؛ وذلك بما جبلوا عليه من الانتهازية وتجارة الشعارات والانكسار عند الملمات.
خاتمة:
لقد اخترت الحوار مع الأخ والصديق عثمان محمد صالح؛ لأنه يعد في نظري؛ واحدا من أفضل المحللين السياسيين والاجتماعيين في سودان اليوم؛ وسط جيل الشباب خاصة - وجيل الشباب بالمعايير السودانية هو من لم يصل الأربعين بعد- ؛ وفي الساحة الفكرية والسياسية عامة.
كذلك تم الاختيار؛ لانتماء عثمان التاريخي والحاضر؛ لقيم الديمقراطية والحرية والعلمانية وكرامة وحقوق الإنسان؛ وهي القيم التي دفع عثمان وجيله ثمنا غاليا للتمسك بها؛ ولا يزال/ون يدفع /ون هذا الثمن في زمن انقلبت فيه معايير الأشياء؛ وأصبح مناضلو الساعة 25 وطفابيع اليسار واليمين؛ يتهجمون تحت لعلعة الرصاص أو برصاص لفظي؛ على كل من يدعو لصوت العقل والسلم وحقوق المواطنين.
هذا كله يفرض ضرورة الحوار الجاد مع اطروحات الأخ عثمان؛ وذلك لأهميتها الفائقة في الحوار الفكري السياسي الدائر؛ والذي اعتقد انه تسوده الغوغائية والهمجية والانتهازية؛ ويحتاج إلى أصوات رصينة مثل صوت عثمان؛ يحاول الكثيرون إسكاته بالعنف اللفظي؛ بينما يحاول البعض الآخر إجهاضه عن طريق الصمت والتجاهل؛ وهيهات.
إنني إذن ممتن لعثمان لكل ما يقوم به؛ ومؤمن أن ما يجمعنا من وحدة فكر وأهداف؛ لهو اكبر من كل الاختلافات في التفاصيل؛ وان مثل هذه النقاشات تثرينا معا؛ وشاكر له أن ارتاحت كتاباته الثرة والعميقة؛ الفرصة المتواضعة لي؛ لأرمي بقطرة من إجتهاداتي؛ في حقل يرويه هو بالحبر والعرق وعصارة الفكرhttp://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=70860
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مرحبا بالموقع الجديد للأستاذ:عثمان محمد صالح (Re: osama elkhawad)
|
عثمان محمد صالح:عن المحبة كعضو سابق في الحزب الشيوعي: رسالة إلى من يهمه الأمر: الحزب الشيوعي السوداني
شجرة مباركة تستحق السِقاية بماء العيون! ‹ *› *- مبتدئاً بالتعريف: هذه رسالة وصية !. ولأن طابعها مفتوح، فهي تسعى ما وسعها السعي، إلىكل ذي فكرٍ ونظرٍِ داخل الحزب الشيوعي السوداني وخارجه على حدٍ سواء.
*- الحافز المُحَرك: قلقٌٌٌ وجودي حميم، إلتزام مُتحرر من قيود ومثالب نمط التفكير الوثوقي وعبادة " أصنام المعرفة "، إنشغال مهموم بقضايا المُعدَمين والمُهمشين والمُجردينَ من كافة اسباب السلطة والجاه وعلو المكانة لا شفيع ولا وجيع ولا صوت لهم، هجسْ مستديم بمآل أحوال الحزب الذي أمضيتُ شطراً من حياتي عاملاً فى صفوفه قبل ان أغادره فى التسعينات من القرن الماضي
*- شِعبَة الإرتكاز: قناعة لَم يُكفنها غبار الزمن و"تَلبُك" الأحداث، لَم تزعزعها شماتة المغرضين وهزء الساخرين وهمز الجاهلين وقذف المرجفين وكيد الخصوم السياسيين، لم تنل منها كذلك مرارة الإحباط وسوس القنوط وخذلان المشاريع الطوباوية وبوار أحلام اليقظة النهارية وكساد النظرية فى سوق السياسة السودانية، ولم يجرفها من "القيف" إلى بطن "الدوامة" الهدارة "هدام" التصدعات الكبرى والإنهيارات الكونية، التي اصابت قِسماً غير هين من حركة اليسار السوداني بالذهول والخرس ودوار الرأس وفقدان الإتجاه وسوداوية المزاج وعشى البصيرة والبصر وتَعْسم الفكر والإحساس الخانق بإنسداد الدروب وإنغلاق الأفق، الأمر الذي قد يدفع دفعاً لتسليم الرقاب –فى خنوع- لسطوة حكم القدر او لمشية المُتنفذين فى شئون البشرْ [ إنها حقاً أعراض ومظاهر حالة نموذجية تصلح لمناهج التحليل النفسي فى نسخته السودانية ]
*- دافع إضافي: تنامي ظاهرة بعينها داخل "صَريف" الحزب الشيوعي السوداني وخارج نطاقه التنظيمي أيضاً، يُعبرُ عنها تعالي نبرة أصوات يكسوها طابع الأسف والحسرة والتفجُع على سنوات العمر المسروقة وعبث الجهد المبذول ولا مردودية العرق المسكوب والوقت المهدر فى تأدية وتنفيذ واجباب ومهام العمل الحزبي ! وكأني بأصحابها تلك الأصوات تفصلهم خطوة واحدة – مجرد خطوة لا غير- عن المطالبة جهراً وعلناً بتعويضٍ مناسبٍ ومجزٍ يعادل "فاقد" العمر والشباب الذي ولى دون رجعةٍ، زائداً ربا الفائدة !!. وكأني باصحاب تلك الأصوات كانوا يغطون فى سبات دهري عميق تحرروا من أسر سلطانه بعد لأي ومشقة، وإستفاقوا يتحسس كل إمرء منهم "أناه" التى كانت ولأمدٍ طويلٍ نسياً منسياً، فى تلك السنين الخوالي، عندما كان الجميع فى تسابق محموم – يحملُ فيه الضريرُ المُقعد- يسترخصون فيه الغالي والنفيس، مُضحين بالأنا – التى صارت الآن صرعة العصر و معبودة القلوب – فى مذبح "الجماعة" المُقدس !، وعندما كان الإنضمام لصفوف الحزب الشيوعي لا يعنى فقط متاعب ومشاق العمل السياسي السري [ مطاردة، إعتقال، سجن، تعذيب، فصل من الدراسة أو العمل، فاقة، بُعد عن كنف الاسرة والأهل ...الخ]،بل وكانت أيضاً مدعاةً وسبباً للإحساس بالتميز والطليعية ومصدراً يغذي ويرفدُ نوازع النرجسية والبارانويا السياسية وتضخيم الذات كيف لا والمرء وقتئذٍ، يحسبُ نفسه جزءاً مُهماً وضرورياً وفاعلاً من "عملية" كبرى، تاريخية الطابع وكونية الشمول، جزءاً من حركةٍ عالمية، خَلاصية – مَهدَوية، معصومة من إرتكاب الخطايا ةالآثام، لا يأتيها الباطل من خلفها ولا من امامها، حركة لا تعرف التراجع ولا تتقن سوى لغة الإنتصارات التي تكتسح فى طريقها كل شئ، وهي تتقدم مدفوعة ومحروسة بحتمية قانون فولاذي صارم نحو هدفٍ منحوتٍ على لوح "التاريخ" أو محفوظ فى سجل الغيب الإلهي- لا فرق، وهو إقامة جنة الله على الأرض !.
إن اصحاب تلك الأصوات ينسون أو يتناسون أو لا يدركون [ جميع هذه الإفتراضات عندي بنفس القدر من السوء ] أن المُوَاطنة الحقة ليست حزمة من الحقوق والطيبات والمُتع فحسب، بل هي أيضاً مجموعة من الواجبات المستلزم تنفيذها والتضحيات الواجب تقديمها والضرائب الإجتماعية التي لا مفر ولا مهرب من سداد فواتيرها كفرد عين لا كفاية، إن أراد المرء الإحتفاظ والتمتع بحق الإنتساب ودفء الإنتماء للكيان الإجتماعي/السياسي المُعين.
*- الشجرة المباركة: إن الشتلة التى أودع ساقَها الغضه طين السودان نفر من الشباب المتميز فىأربعينات القرن الماضي، وناطحوا لأجلها سحائب السماء، وإجترحوا المآثر – الواحدة تلو الأخرى- دفاعاً عن حقها ونصيبها فى الضوء والماء وذادوا عن حياضها بجسارةٍ ونُبل أسطوري لا يُبارى، وزكوا عُودها النامي بطهارة اليد والقلب واللسان، وإقتدوها بمهجهم فى ساعة الإمتحان العسير، عند الخط الفاصل بين الموت والحياة، حين زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الجبال أثقالها وعصف الخوف وإصطكت الركبُ وتراخت العزائم وجحظت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتعالت فى الجو صيحات الهزيمة: ياليتني كنت ترابا !، تلك الشتلة الطيبة التى تكرم شعب السودان مانحاً اياها خير الأسماء وأجَلَها وأكثرها مصداقية فى التعبير الدقيق والمُحْكم عن نزوعه وتطلعه لمجتمع تسوده روح العادلة والمساواة والكفاية، لهي فى أمس الحاجة إلى من يتولها بالسِقاية ويغمرها بالعناية ويتعهدها بالحماية من "سَفاية" النفوس وضغائن الصدور وحِمم القلوب، رمادها وعللها.
ان الحزب الشيوعي السوداني بخيره وشره، بغضه وقضيضه، بغثه وثمينه، بإنتصاراته المقيمة وإنكساراته الأليمة، ما يزال نماء شجرته ضرورياً وحيوياً في بيئةٍ جافةٍ مثل عتمور السودان، احالها "مَحْل" التقليدية والتأخر الإقتصادي والإستبداد السياسي وفساد الحكام وتنازع الهويات وإنطفاء فبس التنوير والمعرفة العقلانية وغياب العدل وسلطة القانون وإنعدام المساواة وإختناق مؤسسات المجتمع المدني الراسف فى أغلال الدولة الشمولية القاهرة – أحالها إلى صحراء بلقع لا يتسَيدُها سوى صوت الريح وعبثها فى الفراغ !
عثمان محمد صالح / هولندا
عضو سابق بالحزب الشيوعي السوداني
Email: [email protected]
--------------------------------------------------------------------------------
‹ * › ماء العيون: مُقابل لغوي مُقترح لكلمة ( ماجيسي ) النوبية أما تعبير " السقاية بمَاء العيون " فهو مجازي، لا أنسبُ لنفسي فضل نحته او سبق إبتداعه. إنه شائع ومتداول فى كلام النوبيين، يتردد كثيراً في أشعارهم وأغانيهم. انه تعبير يحلق بالأذهان نحو عالم المحبة الخالصة النابعة من سويداء القلب، المقرونة والممزوجة والمدعومة بافعال الحرص والبذل والتضحية من أجل "موضوع" المحبة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مرحبا بالموقع الجديد للأستاذ:عثمان محمد صالح (Re: osama elkhawad)
|
عن عثمان محمد صالح كسوسيولوجي حكيم-شهادة الصاوي نموذجا:
تحرص زوجتي علي أن تمر علي سودانيزأونلاين مرورا سريعا كل يوم لمعرفة ما يدور في الساحة السودانية مثلها ومثل الكثيرين. فاجئتني الشهر الماضي بسؤآل مباغت ونحن نتناول طعام الغداء قائلة "إنت الراجل الإسمو عثمان محمد صالح ده بتعرفو؟" فأجبتها "والله ما بعرفه معرفه شخصية لكن بتعجبني كتاباتة ومقدرتة العالية في تطويع المفردات في التعبير". فأردفت سؤآلها بآخر "يعني هو ما مجنون؟" وعندها عرفت ماذا تقصد فضحكت قائلا "لا ما مجنون". فاستطردت قائلة "لي اسبوع كلما افتح لي موضوع اقرأه القي عثمان ده داخل ليهو بي كلام مامفهوم وبشاكل في الناس". لعلكم تذكرون تلك الفترة التي اعلن فيها عثمان محمد صالح حربة علي عدد كبير من الأعضاء والحمد لله فقد مرت سحابة الصيف تلك وعاد لنا عثمان الأديب الشاعر ليمتعنا بكتاباتة. بعد هذه المقدمة الغير ضرورية أؤكد إن عثمان محمد صالح كان الأكثر عقلا و حكمة فينا إبان الأزمة والأحداث الدامية التي مرت بها العاصمة الأيام الماضية. لقد كان عثمان أكثرنا تجولا هنا وبقاءا مهدئا للنفوس الغاضبة ومعليا لصوت الحكمة وداعيا للصبر والتعقل. لقد كان عثمان يصب الماء في نار الفتنة عندما كان دعاتها يصبون الزيت. لم يكن عثمان مجنونا بل كان اكثر منا عقلا. لقد ظل عثمان يرفع من كل البوسات التي تدعم السلام وتعمل علي مؤآخاة القلوب وإطفاء الفتنة وتدعو الي الصبر والحذر لتجاوز هذا الوقت العصيب وهذا البلاء المقدر. احييك يا آخي عثمان واحيي كل العقلاء والحكماء من أبناء و بنات بلادي مثل الأخ محمدين والأخ لؤي والأخت تماضر والأستاذ الموصلي والأخ خدر وغيرهم من الكثيرين من محبي الوحدة والسلام، وحقا لولا حكمتكم و تعقلكم لإستطاع دعاة الفتنة أن ينفخوا كيرها ولأشعلوها نارا تقضي علي الأخضر واليابس ولأدخلونا في حرب اهلية لن تنقذنا منها قوات دولية ولا محلية ولن ينفعنا الندم. الصاوي عثمان محمد صالح أنت الأكثر عقلا فينا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مرحبا بالموقع الجديد للأستاذ:عثمان محمد صالح (Re: osama elkhawad)
|
Quote: ان الحزب الشيوعي السوداني بخيره وشره، بغضه وقضيضه، بغثه وثمينه، بإنتصاراته المقيمة وإنكساراته الأليمة، ما يزال نماء شجرته ضرورياً وحيوياً في بيئةٍ جافةٍ مثل عتمور السودان، احالها "مَحْل" التقليدية والتأخر الإقتصادي والإستبداد السياسي وفساد الحكام وتنازع الهويات وإنطفاء فبس التنوير والمعرفة العقلانية وغياب العدل وسلطة القانون وإنعدام المساواة وإختناق مؤسسات المجتمع المدني الراسف فى أغلال الدولة الشمولية القاهرة – أحالها إلى صحراء بلقع لا يتسَيدُها سوى صوت الريح وعبثها فى الفراغ !
عثمان محمد صالح / هولندا
عضو سابق بالحزب الشيوعي السوداني |
هذا الرجل الحكيم يستحق موقعآ مستقلا يطل منه على العالم. بالكلمة والصورة والحكمة والشعرية والتفلسف والتواضع. شكرآ له ولك يا اسامة الخواض. بالنسبة لنقل الروابط عليك الضغط بيمين الماوس على عنوان الرابط على يمين الصفحة الرئيسية وانسخه فى متصفحك، ثم الصقه بعد ذاك فى المكان الذى ترغب..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مرحبا بالموقع الجديد للأستاذ:عثمان محمد صالح (Re: Mustafa Mahmoud)
|
سلام اسامة والجميع
الموقع له قرابة العام .. وليست به كل اعمال العزيز عثمان
المطلوب هو التالي :
1/ تجميع كل اعمال عثمان وانزالها بالموقع . 2/ تطوير الموقع تقنيا وفنيا .
بما اني مسؤول عن الشؤون الادارية والفنية للموقع حسب طلب الاخ عثمان فارجو من الجميع تقديم اقتراحاتهم عبر ايميل عثمان
او ارسالها لي مباشرة على العنوان التالي [email protected] والتزم بتوصيلها للاخ عثمان
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مرحبا بالموقع الجديد للأستاذ:عثمان محمد صالح (Re: osama elkhawad)
|
عزيزي المشاء تحياتي الحارة
أشكرك جداً وأنت تدلنا علي موقع الاديب الفذ الاستاذ عثمان محمد صالح لك الشكر والتقدير .. دخلت الموقع ويقيني أنه سيمثل إضافة ثرة تحسب لصالح الثقافة السودانية بمجمل ضروبها . للاستاذ عثمان طريقة جميلة في الكتابة الامنيات له بالمذيد من الأعمال والنجاحات .
شكراً عزيزي أسامة
.........
خضر
| |
|
|
|
|
|
|
|