|
Re: محمود درويش ومارسيل خليفة في بيروت (Re: osama elkhawad)
|
بيروت تعانق شعر درويش وعود خليفة بيروت - بيار أبي صعب الحياة 2003/12/18
محمود درويش في الأونيسكو. الحدث بحد ذاته يغطي على كلّ ما عداه. علاقة الشاعر الفلسطيني بالمدينة خاصة وغريبة. ومع أن جمهوره منتشر في العالم, تبقى هناك "رعشة" خاصة في علاقة درويش بجمهور بيروت, وجمهور بيروت ليس جمهوراً "لبنانياً" حصراً. جاء صاحب "أحد عشر كوكباً" إلى بيروت, كمن يعود إلى مكان أليف ارتبط به في مرحلة أساسية من تجربته الانسانيّة والشعريّة. قبل أسابيع وقّع ديوانه الجديد "لا تعتذر عمّا فعلت" في معرض الكتاب (دار الريّس). وها هو يقف مجدداً على خشبة قصر الأونيسكو ومعه مارسيل خليفة, في إطار الاحتفال بالذكرى الأربعين لانطلاق "مؤسسة الدراسات الفلسطينية". هنا, في المكان نفسه الذي وقف فيه قبل عقد, منشداً "بيروت خيمتنا الأخيرة", وكان "جنود تساهال" مرّوا من هنا, تسللوا من هوّة ضعفنا الفاغرة ليقضوا على آخر الأحلام العربيّة بالصمود والتحرّر. ومن كان بوسعه يومها أن يغنّي تلك الهزيمة الجديدة, بصوت ملحمي, بلغة ملوّنة نازفة صوراً, ومفعمة وجعاً مأتميّاً جميلاً, أكثر من محمود درويش.
وكان عودته إلى بيروت في العام 1999. وفي 2001, وقف على الخشبة نفسها على هامش "مؤتمر المهندسين العرب", وكان الموسيقي اللبناني مارسيل خليفة أيضاً هنا, خارجاً من معركته القضائيّة العبثية بسبب "أغنية يوسف" (من كلمات درويش). يومها كان الجوّ أشبه بمظاهرة, ووصل الجمهور إلى الباحة الخارجيّة لقصر الأونيسكو. وها هو درويش مجدداً هنا, "مجنون ليلى آخر يتفقّد الأطلال". بين غيابين عن بيروت اتسعت سلسلة الهزائم, كلما ازداد التعب اتسعت الجراح الشخصيّة وتكاثرت. لكن الشاعر هو نفسه. كأنّه لم يغادر. شعره شهد أكثر من نقلة وتحوّل, أوغل في الذاتي والحميم... مفرداته اكتسبت شحنات جديدة. ومع ذلك كنّا مساء أوّل من أمس في بيروت على موعد مع النبرة الغنائيّة الأليفة نفسها. الصورة الشعريّة المسرفة في جماليّتها... الانسياب العذب للمَشاهد, لعبارات مصقولة بمقص صائغ. فتح درويش جعبته السحريّة فأغرقنا. أسكر جمهوراً مكتسباً سلفاً, جاء بغزارة تثير الدهشة, في زمن لم يعد أي حدث ثقافي في بيروت قادراً على استقطاب هذا الكمّ من الناس.
مارسيل خليفة وعوده في الحفلة. (علي سلطان) جمهور مختلط على كلّ المستويات, يؤكّد "سجال التعددية على الحصريّة" كما ذكر أحد الخطباء الذين مهّدوا لاطلالة درويش ومارسيل خليفة برفقة عازف الكونترباص بيتر هربرت. جاؤوا, معظمهم من الشباب, وكنا نرى كثيراً من الطلاب الجامعيين والطالبات متلفعين بالكوفيّة الفلسطينية. صفّق بعضهم لما يمكن أن يذكّر بالشعار في شعر محمود... وهي غالباً قراءة ممكنة لأكثر قصائده حميميّة من دون أن تكون مستوى القراءة الوحيد. لكن معظم الحاضرين عرف كيف يلحق بمحمود درويش على أرض الشعر العذراء. وعرف كيف يصغي إلى مارسيل خليفة على العود, اذ فاجأنا هو الآخر بحوار ثنائي مع آلة الكونترباص. مارسيل المنشغل في هذا النوع من المناسبات بإبعاد صفة "المغنّي السياسي والملتزم" التي تلصق به لدى فئة أساسيّة من الجمهور, والتذكير بأنّه موسيقي أوّلاً أخيراً, أعطى للسهرة نكهتها الخاصة, عشيّة أمسياته الثلاث في الأونيسكو ابتداءً من مساء الغد (نشير إلى صدور فيلم وثائقي عن الفنّان بعنوان "مارسيل خليفة, المسافر", في أسطوانات DVD).
تاريخ عريق
الجزء الأوّل من حفلة الأونيسكو كاد يطول فينفد صبر الحاضرين. في البداية كان من الطبيعي أن يبدأ هشام نشابة, رئيس مجلس أمناء "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" الذي قدّمه الزميل صقر أبو فخر, بالتقديم للمناسبة, واستعراض تاريخ تلك المؤسسة العريقة وأهدافها وانجازاتها. هكذا اكتشف الجمهور مثلاً أن بين المشاركين في انشاء "مؤسسة الدراسات الفلسطينية", إلى جانب المؤرّخ وليد الخالدي, أعلام مثل ادمون رباط وموريس الجميل وقسطنطين زريق وشارل حلو وسعيد حسن حمادة وفؤاد صروف ونبيه فارس ووداد قرطاس... وأنها أصدرت منذ إنشائها أكثر من خمس مئة كتاب بالعربية والإنكليزية والفرنسية, وأنّها تصدر مجلتين فصليتين بالإنكليزية, ومجلة بالعربية, ورابعة بالفرنسية.
ولكن سرعان ما خاطر باسل عقل, عضو مجلس الأمناء بعظة وطنيّة, انتقل منها إلى ممارسة النقد الأدبي... فإذا به يستغرق في الاستشهاد بشعر درويش, مفسداً علينا متعة لقاء الشاعر... علماً أن أسوأ من يمكن أن يرتكب بحقّ شعر درويش, هو تقطيعه إلى استشهادات, سرعان ما تستحيل شعارات, والتعليق عليها في خطاب سياسي/ وطني مباشر!
وعندما دخل الشاعر إلى المسرح مع خليفة ورفيقه, تنفسنا الصعداء... وبدأ زمن الموسيقى والشعر. في معظم القصائد والمقاطع جاء الشعر موزعاً على صوتين: أنا وأنت, الشاعر والظلّ, القاتل والقتيل, العائد والسجّان, الرجل والطفل الذي كانه, جلغامش وأنكيدو: "أنكيدو... سأحمل عمرك عنك ما استطعت". محمود درويش الذي قرأ من جديده, وتحديداً من ديواني "جدارية الموت" و"لا تعتذر عما فعلت", بدا متجلياً, وحملنا في رحلة تصاعديّة وصولاً إلى الذروة الدراميّة لـ"الجداريّة": "هذا البحر لي/ هذا الهواء الرطب لي/ هذ الرصيف وما عليه/ من خطاي.../ ومحطة الباص القديمة لي/ ولي شبحي وصاحبه. وآنية النحاس/ وآية الكرسي, والمفتاح لي/ والباب والحراس والاجراس لي".
وأخيراً ترجّل الشاعر عن المنبر مثلما فعل في قصيدته "الباص": "لا شيء يعجبني/ ولكنني تعبت من السفر
| |
|
|
|
|