عندنا تحديث لا حداثة: عباس بيضون يحاور نصر حامد ابوزيد

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-11-2024, 10:46 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الشاعر اسامة الخواض(osama elkhawad)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-05-2004, 01:37 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عندنا تحديث لا حداثة: عباس بيضون يحاور نصر حامد ابوزيد

    لم يكن نصر حامد أبو زيد يحسب، ولا كنا نحن ايضا نحسب انه سيجد في بيروت في انتظاره حزبا مناصرا، او انه سيجد جمهورا حافلا متعطشا للنقاش، اذا هو لم يتوقع ذلك تواضعا فإننا لم نتوقعه عن جهل بما يتفاعل في وسط ثقافي تمزق من اعلاه ولا ندري ماذا يجري في قاعدته، احتفى بنصر حامد ابو زيد وبدا ان شاغله الذي هو كثير الاختصاص وشخصه المقيم من اعوام طوال في هولندا جذابان لجمهور تُرك بلا نقاش وبلا قضايا ردحا طويلا. احب الجمهور الرجل الذي يدعم كلامه بعاطفة لا يستطيع ان يمسكها وبحماس وحب حقيقين. بقي نصر حامد ابو زيد يجاهد ليمسك دموعه وظلت طوال الوقت معلقة في عينيه. هذا ما يجعل من خطابه حياة وسيرة وحوار مباشر، هذا ما يجعل موضوعا لأهل الاختصاص شاغلا عاما. ويجعل من رجل مستغرق في بحوثه لنصر حامد ابو زيد رمزا، انه واحد من الرموز القليلة التي انتجتها اليوم ثقافة عربية معاصرة فالرموز تأتينا هذه الايام من مكان آخر، وهو هكذا رمز اخلاقي وانساني بقدر ما هو رمز ثقافي، نصر حامد ابو زيد عاد في اليوم الثالث الى هولندا وترك لنا هذا الحديث:
    › سؤالي الأول هو الرجوع الى ما كنا تحدثنا عنه سابقاً، وهو عن المؤسسة التي أنت بصدد إعلانها، لا بد أن هناك أموراً أخرى قد طرأت، فماذا تقول في الحديث عن ذلك؟
     أعتقد أنه يمكن أيضاً الحديث عن القانون الأساسي للمؤسسة، لأن المؤسسة تم تسجيلها في جنيف.
    قامت فكرة المؤسسة بعد مداولات بيننا، كيف نقوم بدور في سبيل تشجيع ودفع مسألة التحديث على المستوى الفكري. في مناقشاتنا أدركنا أن هناك مناطق كثيرة من المعرفة مغلقة، من هذه المناطق التعرف على كيف يفكر الآخر، على المستوى الفلسفي، على مستوى التحليل التاريخي، وعلى مستوى كيف يفكر الآخر في تراثنا، وأدركنا أن حركة الترجمة في هذه المجالات متجمدة تقريباً، حيث تركز اكثر على الآداب وعلى الشعر والرواية، لكن الترجمات الفكرية متوقفة خاصة أن هناك الكثير من المحرمات في مجال الترجمة وهناك مخاصمة للفكر الغربي في ما يتصل بدراساته عن الإسلام والتاريخ الإسلامي.
    هذا جزء، وهو الترجمة. الجزء الثاني هو التأليف وخاصة الاطروحات التي يطرحها الشباب والمتأثرة إلى حد كبير بمناهج متقدمة، أيضاً في مجال التاريخ الاسلامي والثقافة الاسلامية والنصوص الدينية... الخ نجد أن بعض هذه الابحاث جيد جداً لكنه لم يأخذ طريقه الى النشر بسبب المحرمات المتعددة.
    هناك مجال ثالث نفكر فيه وإن كان يحتاج الى أموال كثيرة جداً، وهو ترجمات دوائر المعارف وخاصة دائرة معارف القرآن التي صدر منها المجلد الثالث وليس في العالم الاسلامي وباللغة العربية أي فكرة عن هذه الدائرة، على الرغم من انه في العالم غير العربي، مثلاً في أندونيسيا أو في إيران أو تركيا نجد اهتماماً كبيراً لا بترجمة دوائر المعارف هذه فقط بل بالاضافة اليها من منظور محلي.
    طبعاً الخطط طموحة لأن يصبح هناك استخدام للوسائل الحديثة مثل الانترنت، ربما في المستقبل البعيد يكون هناك نوع من استئجار بعض الساعات في بعض الفضائيات. الخطط طموحة على المستوى القريب وعلى المستوى البعيد. لكن ما حققناه حتى الآن هو اختيار مجموعة من النصوص من لغات مختلفة (الانكليزية والفرنسية والألمانية) للترجمة، وبالفعل بدأت عملية الترجمة في بعض هذه الكتب، وربما بعضها على وشك الصدور.
    اخترنا أيضا مجموعة من نصوص ودراسات أكاديمية أنتجتها مجموعة من الشباب، معظمهم من الجامعات التونسية، عن الحديث النبوي ومنزلته وعن المؤتلف والمختلف، ونطمح أيضاً الى نشر بعض الكتب التي تتناول قضايا لا تجد تشجيعا من دور ومؤسسات النشر المعروفة. ننوي في نهاية شهر نيسان إقامة مؤتمر دعونا اليه مجموعة كبيرة من المثقفين المهتمين بالفكر، الذين نتصور انهم يتبنون الفكر الحداثي، اذا كان هذا هو هدف المؤسسة فلا بد من أن تقيم علاقة مع المثقفين الذين تتفق معهم في الحداثة بشكل عام لا في التفاصيل الصغيرة. الحداثة بمعنى كل ما يملك مستقبلاً في الفكر السياسي والفكر الاقتصادي والفكر التعليمي والفكر الديني... على أساس أن هناك خمسة محاور في هذا المؤتمر، كل محور يقدم فيه بحث يعقّب عليه معقبان بورقة مكتوبة ومن ثم يُفتح النقاش بين المشاركين، فالمؤتمر يركز أساساً على النقاش. ومن الممكن لهذا المؤتمر الأول الذي يعرض فيه إطار المؤسسة، وتناقش فيه القضايا الاساسية، قضايا التحديث الثقافي، التحديث السياسي، التحديث الفلسفي، التحديث الاجتماعي، من الممكن أن تصدر أعماله في كتاب يكون الكتاب الاول في سلسلة كتب غير دورية تصدر كل بضعة شهور، كل كتاب له محور. وفي المستقبل قد يتطور هذا الكتاب الى أن نترجم مقالات مختارة من دوائر المعارف ذات موضوع واحد، وتصنف هذه المقالات تصنيفاً ألفبائياً بحيث تجمع بين شكل دائرة المعارف وشكل الكتاب، مثلاً إذا أردنا إصدار كتاب عن حياة محمد أو السيرة النبوية. نختار جميع المواد في دائرة المعارف التي تتناول السيرة النبوية، سواء عن حياة محمد، أو عن مكة، عن زوجات النبي خديجة وعائشة وغيرها، أي تُترجم كل المواد التي تتصل بشكل أو بآخر بحياة محمد، وتوضع في كتاب بعنوان <<حياة محمد>> وترتب المواد في الداخل ترتيبا ألفبائيا.
    عندنا طموحات كبيرة جدا لترجمة الأعمال التي كتبت عن القرآن بلغات أخرى كالفرنسية والألمانية، لكن لا يمكن أن يكون في هذه المشروعات الطموحة مترجم واحد بل نحتاج الى فريق ترجمة تحت إشراف لجنة ترجمة، لكن بصفة عامة نشاط المؤسسة متركز في التحديث، حيث نرى ان هناك نقصاً في ربط الفكر العربي بفكر الحداثة، ليس فقط حداثة القرن العشرين بل ذاكرة العلوم الإنسانية بشكل عام.
    مؤلف على المؤلف
    › هناك كتب لم تترجم الآن لتناقضها مع التصور الإسلامي، هل تفكرون في ترجمة هذه الكتب؟
     نحن نفكر في ترجمتها وقد اخترنا بالفعل بعض هذه الكتب التي تطرح وجهة نظر مخالفة لوجهة النظر الشائعة والمسيطرة، ولأن الهدف هو خدمة الكتاب المترجم سوف نسمح بالتعليقات التي تفند الآراء كما كان شائعاً في الترجمات في ثلاثينيات القرن الماضي، إذن نورد في الكتاب المترجم وجهة نظر المؤلف، واذا كان هناك من رد يكتب في كتاب (مختلف)، بحيث لا يبقى القارئ تحت سلطتين: سلطة المؤلف، وسلطة مؤلف على المؤلف. نرى أن ذلك نوع من ممارسة السلطة على المؤلف، فمثلاً دائرة المعارف التي ترجمت في الثلاثينيات من القرن الماضي في مصر والتي وصلت الى حرف العين ولم تكتمل، كل مادة مترجمة ترجمة أمينة ولكن هناك معلق متخصص يعلق على المادة، وهنا لا يعود القارئ حراً مع المادة، بحيث لا يقرأها بالضرورة الا في ضوء التعقيب. نحن نريد أن نترك للقارئ الحرية في قراءة المادة وكذلك الردود عليها، بحيث تبقى عنده حرية التقييم، ولا يبقى محكوماً بوجهة نظر المعلق الذي يتتبع المؤلف في كل فكرة جزئية ويعلق عليها رفضاً أو قبولاً.
    حتى في الكتب التراثية، ستجد مثلاً ان تفسير الزمخشري نشره <<الحلبي>> ولا يزال يُنشر وعلى هامشه رد ابن المنير عليه، وكأن الشرط لمنح الكتاب وجهة النظر المعتدلة في التفسير مشروعية هو أن توضع في اطار التحجيم والرد عليها، وبالتالي نريد أن نفك هذا التحجيم. وأنا كنت أتمنى قراءة كتاب الزمخشري وبعدها أقرأ ابن المنير السني يرد عليه ويفنّد آراءه. ربما لا يتفق كثيرون معنا في هذه الفكرة، لكن مسألة احترام المؤلف مهما كان الاختلاف معه، لأن الاختلاف مع المؤلف يجب أن يبقى خارج اطار طرحه لفكرته، بحيث لا يكون هناك أي نوع من الرقابة داخل الكتاب نفسه على المؤلف.
    المؤسسة
    › بقيت هناك تفاصيل أساسية حول اسم المؤسسة وأعضائها...
     اخترنا اسم <<المؤسسة العربية للتحديث>>، المبادرة جاءت من أحد رجال الأعمال محمد الهوني، وهو في الأصل حاصل على دكتوراه في القانون، ولأسباب ليست سياسية تماماً بل تتعلق بالضغوط في المجتمع الديني، هاجر واشتغل في الأعمال في روما بإيطاليا، وله مجموعة شركات عمل في روما، وهو رجل مثقف، وقد كان صاحب المبادرة. عرفت من طريق الاستاذ محمد أركون أنه التقى به عدة مرات في باريس وبالأستاذ جورج طرابيشي، ونشأت فكرة استثمار بعض الأموال في خدمة الثقافة العربية. حين اتصل بي الأستاذ أركون سألته هل تعرف هذا الرجل؟ وأنت تعرف الشكوك المتبادلة بين المثقف ورجل الأعمال في اطار ثقافتنا وخاصة بالنسبة الي، المهم اننا التقينا معاً وحين طرح الاستاذ اركون المقترحة تولدت عندي طمأنينة، فقد طرح مثلاً الدكتور عبد الشرفي ومحمد الشرفي من تونس وكلاهما باحث وأستاذ ومثقف وأعرفهما منذ فترة طويلة. اذن صار عندي اطمئنان الى أن صاحب المبادرة يختار مثقفين لا ينتمون الى مؤسسات وهم مستقلون فكريا ولهم انجازاتهم في مجالات تخصصهم المختلفة في ما يرتبط بقضية التحديث، ومن هنا وافقنا على ان نلتقي ودعانا الدكتور الهوني الى روما وعرفنا على نفسه وأدركنا أنه ملمّ بخريطة الثقافة العربية وأن المساهمة التي يقدمها ربما تساعد المؤسسة على العمل لمدة سنة مثلاً. لكن مجرد أن تنشأ مؤسسة من هذا النوع يعطي أملاً بأن يكون هناك تشجيع لمموّلين آخرين، لكن كان كلامنا أن تنشأ المؤسسة بقانونها الاساسي، ليكون أي تمويل آخر موافقاً لقانون المؤسسة، فلا يبقى الممول قادراً على أن يتدخل في قانون المؤسسة. وقد أنجزنا نحن القانون الأساسي، شارك معنا بعد ذلك الدكتور نسيب نصار، الأستاذة ليلى شرف، وانضم الينا وإن لم يكن مشاركاً بقوة جابر الأنصاري وفريدة منان من المغرب، هناك ممثلون من المغرب وتونس والجزائر والأردن ولبنان ومصر...
    في المؤتمر الأول نسعى الى خلق المؤسسة نفسها، لأن المؤسسة ليس هي المؤسسين بل مجموع المثقفين الذين يقتنعون بهذا المشروع ويحاولون الإسهام به وتطويره. وهذا هو الهدف من المؤتمر الأول، ولذلك سترى أنه في لن يقدم فيه أحد من المؤسسين بحثاً، فهو دعوة للمثقفين من أماكن مختلفة ليقدموا أبحاثاً ومن ثم يعقب آخرون ثم يفتح النقاش، باعتبار أن المشكل السياسي والمشكل الفكري والثقافي والمشكل الاجتماعي والمشكل التعليمي، من أهم المشكلات التي تحتاج الى تحديث. وستكون الجلسة الافتتاحية لتقديم المؤسسة بالشكل الذي تكلمت عنه، فأنا سألقي كلمة والأستاذ أركون كلمة وربما الدكتور الهوني أيضاً، لأننا ينبغي أن نقدم أنفسنا للحياة الثقافية العربية بشكل واضح ولا يحتمل اللبس وتكون القصة معروفة للقاصي والداني ولا أسرار فيها.
    زيارة
    › إذا وضعنا جانبا مسألة المؤسسة وعدنا اليك، فهمت أن انقطاعك عن مصر، في جزء منه، كان اختيارياً، بمعنى انه بعد المنفى كان هناك هذا الجرح الذي جعلك تنقطع عن البلاد العربية كل هذا الزمن. الآن عدت، وكما لوحظ هنا وفي مصر رافق هذه العودة قدر كبير من الحفاوة، هل يمكن الكلام عن هذه العودة؟
     سئلت السؤال نفسه في مصر، وقلت لا، هذه ليست عودة بل زيارة، لأن العودة ليصح أن تحدث فيجب أن تمكنني من القيام بدوري كمعلم وأستاذ مشرف على رسائل وعلى تخريج أجيال... لأن دوري كباحث لم يتأثر كثيراً، كان الغرض من ترك المكان هو الاحساس باستحالة الاستمرار في القيام بالدورين: دور المعلم ودور الباحث، وحين يصاب أحد الدورين باحتقان فقد يؤثر على الدور الآخر، وبالتالي كان قرار المغادرة قراري أنا، والهدف هو الاحتفاظ بإمكانية ان أستمر كباحث. من حسن حظي أني استطعت أن أقوم بدور المعلم، وأن يصبح عندي تلامذة، ليس فقط من الأوروبيين، بل أيضا من المسلمين، من أندونيسيا، من ماليزيا وإيران وتركيا... السنوات الثماني خلقت عندي روابط. حين رجعت اول مرة الى مصر سألني أصدقائي إن كانت تلك عودة، فكان ردي بسيطاً جداً وهو أنني اضطررت لأن أترك حديقتي الصغيرة (وهي طلابي الذين أمرّنهم) مرغماً عام 1995، فهل تطلبون مني الآن أن أتركهم الآن مختارا، هذا موقف غير أخلاقي.
    لم أكن مخاصماً للعالم العربي، فأول زيارة لي للعالم العربي كانت في سوريا سنة 99 وكنت سعيداً جداً بذلك حيث كانت المرة الأولى بعد اربع سنوات التي ألقي فيها محاضرة بالعربية. كانت تلك عودة الى اللسان. بعد ذلك جاءت الدعوات من الاردن والمغرب ولبنان، كما كانت هناك ايضا دعوات من مصر، لكن كان بودي أن أعود الى مصر بدعوة من الجامعة لا من أي مؤسسة أخرى، فقد جاءت الدعوات من مؤسسات لم اكن في عمري بعيدا عنها لكن عقدة العقد بالنسبة إلي كانت مؤسسة الجامعة التي لم تستطع برغم كل نداءاتي المتكررة التي نشرتها أن تدعوني كعضو لجنة مناقشة مع أحد الطلاب الذين تسجلوا معي مثلاً، لكن ذلك لم يحدث. كنت ملخصاً وطني في الجامعة، وهذا كان خطأ، فالجامعة احدى المؤسسات <<الخربانة>> ضمن الخراب الام في المجتمع، أو الفاسدة ضمن الفساد العام. اكتشفت أني كنت مخطئا في اختصار الوطن في الجامعة. الوطن هو أهلي وأصدقائي وبعضهم في الجامعة والناس الذين يحبونني وأحبهم. من هنا قلت لنفسي: هل أنتظر حتى يدعوني أحد الى وطني؟ وأكاد أقول لنفسي: يا أيها الغبي... لأول مرة أكتشف ان هذا كان غباءً، ولذا قمت بالرحلة الاولى ولا أستطيع وصف الحال... الوطن ليس المكان. لقد كنت أظن أني حين تصل الطائرة الى جو المطار سيأخذني جو الأفلام والأغاني وتلك الاشياء الجميلة. كما ظننت أني حين أصل الى ارض المطار سأقبل الأرض...
    الرحلة الثانية كانت حين بلغت الستين، وذهبت فيها الى الجامعة، فقط لأوقع عقد الانفصال وأمضي أوراق المعاش، وكانت تلك فرصة لمقابلة الناس، وأهم شيء في الجامعة كان استقبالي بحب غير ملتبس من الموظفين والسعاة ومع أن عندي مشكلة في تذكر الاسماء الا أن الغريب اني تذكرت أسماءهم.
    الجماعة
    › مشكلتك الأساس جزئيا هي مع المؤسسة الدينية في مصر ومع التيار المتعصب عملياً، هل وجدت أخيرا أن المشكلة ليست فقط مع هذين التيارين بل أيضا مع الجامعة؟
     المشكلة هي أساسا مع الجامعة، فالمؤسسة الدينية والمتعصبون كانوا موجودين من السبعينيات، فالازهر بدأ منذ السبعينيات يتحول الى مؤسسة وهابية تقريبا، والمتعصبون أيضا بدأوا بالحضور منذ السبعينيات وكانوا داخل الجامعة، ومشكلتي معهم هي مشكلة أي مصري. ولم تكن هناك مشكلات شخصية، لكن ما حصل أن المشكلة كلها أتت من الجامعة لا من خارجها فالتقرير الذي كُتب ضدي من أجل حرماني من الترقية وتداعيات ذلك التقرير كلها من الجامعة. الكتب التي اتهمتني بالكفر وبالإلحاد والطعن بالصحابة والقرآن صدرت أيضا من جامعة القاهرة. مشكلة طه حسين مثلا أو علي عبد الرازق جاءت من الأزهر أي من خارج الجامعة التي وقفت مع طه حسين. لكن مشكلتي أنا جاءت من الجامعة لا من خارجها، فجرحي لم يكن في الواقع من تلك المؤسسات التي أعرفها وأعرف حجمها، لكن كيف تحولت الجامعة الى مؤسسة غير أكاديمية، وجاءت المعركة التي قررت أن أخوضها وأدفع الثمن واعياً، لأن معركة الترقية كان يمكن أن تفض لو أني سكت بضعة شهور ثم قدمت طلب الترقية وينتهي الامر، وكان ذلك أحد العروض من رئيس الجامعة الذي بعث يفاوضني في هذا، لكن القضية لم تكن قضية الترقية، بل قضية الحريات الأكاديمية في الجامعة، فكيف تمضي الجامعة على تقرير لا يمت الى التقارير الاكاديمية بصلة بل هو مجموعة عبارات مسيئة، وضع الجامعة هنا كان يشخص ويلخص وضع المجتمع ككل، أنت في مجتمع تعرفه لكن يبقى عندك أمل بأن الجامعة ستبقى منارة، وكلنا نحلم بالمؤسسة الثقافية والمؤسسات التعليمية التي تحافظ على درجة من الاستقلال عن الفساد خارج الجامعة، وهذا يعطينا الأمل بأن يستعيد المجتمع عافيته، لكن حين تتحول الجامعة الى جزء خاضع تماما لقوانين الفساد التي خارجها فهنا المأساة. لا القانون ولا المحكمة ولا غيرها هي الأساس بل كانت تداعيات، إنما الزلزال الحقيقي هو زلزال الجامعة. حين عدت ودخلت الجامعة مرة اخرى وجدت أنها اصبحت حطاماً، وكثير من زملائي قالوا لي بشكل مباشر او ضمني اني ينبغي أن أكون سعيدا بتركي الجامعة، وحتى إن بعضهم قال لي ضمناً أتمنى لو كنت مكانك فأنت على الأقل حر وتمارس حريتك تمارس علاقتك بتلاميذك. من حوالى شهر زارني أحد تلاميذي وكان قد حصل على الدكتوراه، قال لي كلمة أسعدتني كثيرا وارهبتني كثيرا، قال: لا معنى لأن تفكر في العودة، فأنت لديك تلاميذك وعندك مكانك وأبحاثك وعندك دور لا يختلف أبدا عن الدور الذي كنت تقوم به في مصر، فقط يختلف من حيث هوية التلاميذ والبيئة، لكن الدور هو نفسه. وأنا لو قررت العودة فأنا الآن محال على المعاش. لذلك صممت على أن تلك كانت زيارة لا عودة. والزيارة جعلت المنفى يتحول الى مهجر، وهناك فرق بين الاثنين.
    › حين يكون مشروعك في عمقه مشروعا تحديثيا وتكتشف أن الثقافة الحديثة هي قشرة خارجية وصورية لدرجة أنه خير لأبنائها وللمثقفين الحديثين أن يهاجروا، وأن عملهم في الخارج أفضل. أي انطباع تحمله هذه المسألة لك؟
     هذا يخلق كماً هائلا من المرارة، وأنا لا اقدم حلاً هنا، بل أقدم حلا مرا جدا لوقائع شخصية. أنت محق في أن الثقافة العربية الشائعة هي ثقافة قشرية، لكن بذور وبراعم التحديث موجودة فيها، وإن سفّ عليها التراب والرمال، وهي موجودة من بدايات القرن التاسع عشر. اللقاء مع العالم ومحاولات بناء الجسور مع العالم، لن أردك الى الجسور التي كانت مفتوحة مع العالم في تاريخ الثقافة العربية الاسلامية، لكن على الاقل في القرن العشرين والقرن التاسع عشر كانت هناك محاولة لبناء الجسور والالتقاء مع العالم ولتطوير المعنى، معنى التراث ومعنى الثقافة... هناك رمال غطت على تلك المحاولة، ربما اتت تلك الرمال مع البترول.
    كيف تزيح تلك الرمال وتستعيد تلك البراعم وتنميها وتسقيها بماء جديد، ليس ماء تحديث القرن العشرين، بل ماء القرن الواحد والعشرين وتربط العقل والثقافة العربية والفكر العربي ثانيةً بمنابع الفكر العالمية. هذا دور ثقافي وإلى حد بعيد نخبوي، فنحن لم نرتكز على الجماهير او العمل الشعبي، وإنما نقوم بدور على المستوى البنية الثقيلة أو الصناعة الثقيلة اذا جاز التعبير. كيف يمكن لهذا الدور ان يأخذ ابعادا شعبية لأن التحديث اذا ظل على مستوى النخبة فقد تجد الريح.... هذا سؤال حول وسائط الثقافة، الإعلام والتلفزيون والفضائيات والانترنت، الشباب الناشط، الهيئات المدنية والمؤسسات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، الناشطين في مجالات المرأة وحقوق الانسان وفي مجال الفن والأدب، وعندنا الآن أجيال من الشباب لها رؤية جديدة وتحاول أن تصوغ هذه الرؤية برغم الصعوبات الشديدة، هذه القوى الناشطة الوليدة بحاجة الى نظام معرفي تستطيع أن تستند إليه من أجل التغيير. اذا صح هذا الوصيف فهو الأمل الذي يعطي هذا المشروع قدرا من الايمان بالمستقبل.
    النخب والدين الشعبي
    › كلمة <<شعبي>> ردتني الى كلام لم أستوعبه جيدا في احد لقاءيك، وهو نوع من رد الاعتبار للدين الشعبي، وفهمت أن رد الاعتبار للدين الشعبي نظريا هو لرفع يد المؤسسات عن الدين، ولكن هناك جانب آخر خطر لهذه الفكرة، ففي هذا <<الدين الشعبي>> شحنة هائلة من ضيق الأفق ومن التحريم والتعصب... الخ. هل يمكن ان تشرح هذه الفكرة على نحو افضل؟
     الشعبي الذي تصفه بقدر هائل من ضيق الأفق والتعصب والتحريم والتحليل، هو الأصولية الشعبية. حين أتكلم على الدين الشعبي فعلى أفق أوسع بكثير من الممارسات المعهودة، الأولياء والأضرحة والمزارات والاحتفالات الدينية والصوفية... التي كثيرا ما ننظر اليها بازدراء واحتقار من دون أن نحاول أن نفهمها، وهذا الازدراء مع وجود طبقة من أنصاف المتعلمين الذين صنعهم الاستعمار الذي احس بالتميز وبالتالي حصل احتقار لهذه الثقافة الشعبية، جعل الناس أنفسهم يحتقرون ثقافتهم الشعبية، وبالتالي دائما الجيل المتعلم الوسيط هو الذي كان الارض الخصبة التي رعى فيها التعصب، فحين تنظر الى شباب الجماعات الاسلامية فلن تجد الشباب الجاهل والأمي بل ستجد أنصاف المتعلمين، بل معهم شهادات عليا في الطب لكن بعيدا عن العلوم الانسانية، نتج عن ذلك فراغ ما فلم يعد هناك رصيد روحي ناتج عن الدين الشعبي يملأ هذا الفراغ، بما في ذلك زيارة الاضرحة وكتابة الرسائل للامام الشافعي والشكوى الخ...
    فالنقد غير الخلاّق، والنقد الاحتقاري لهذا الدين الشعبي خلق فراغا لم يكن يملأه الا الدين الشكلي، الذي لم يعد فيه احتفالات ومبادئ. الاحتفال الشعبي للدين يرتبط بالمقدس، يحول ضريح الولي الذي يزوره الناس للبركة الى ساحة لممارسة كل أنواع الأنشطة الجنونية، ففي الوعي الشعبي يختفي الفصل الكامل بين المقدس والمدنس، بين الدنيوي والأخروي، فتمارس الدنيوي وأنت ذاهب الى الديني. وهذا يمارسه الحجاج، اذ انهم وهم ذاهبون الى بيت الله الحرام يتاجرون أيضاً يشترون ويبيعون... والقرآن نفسه يتكلم عن ذلك: <<ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معدودات>>، فكيف تعيد من جديد الوحدة بين المقدس والانساني. هذه الوحدة كانت موجودة في الدين الشعبي، الذي جمع بين التصوف والشعائرية والتسامح والتشدد أحيانا، هذه المنظومة اختفت لحساب منظومة لا ترى الا الحلال والحرام ولا ترى الا الشعائر والاشكال، وذلك بفعل نخبة اصلاحية تنويرية، لكنها لم تستطع أن تنظر الى الثقافة في مداها الواسع، فكانت هناك ثقافة العامة وثقافة النخبة، وهنا احتُقرت ثقافة العامة لحساب ثقافة النخبة.
    انا لست في صدد استعادة ثقافة العامة، بل القضية هي كيف نلغي ثانية الفصل بين ثقافة العامة وثقافة النخبة؟ وهذا سؤال يحتاج الى دراسات في الانتروبولوجيا والى دراسات اجتماعية وفي انتروبولوجيا الثقافة وفي الدين واشكال التعليم الديني، وهذه الدراسات هي ما نحتاج اليه.
    قصدت الدين الشعبي وليس الدين الشعبوي، الذي قدمه الاخوان المسلمون، لكنه قدموا دينا شعبويا عسكريا، تتمثل فيه الاشبال والكشافة، دين كالذي عمله هتلر (القمصان البيض والخضر الخ...). اذن عسكرة الدين بدأت بتصفية الدين من ابعاده المتعددة لحساب بعد واحد هو البعد القانوني الذي يقدم الاله المشغول فقط بالعقاب والثواب، بينما الاله في الدين الشعبي في المراحل الاولى لا يقدم بهذه الطريقة.
    › هل ترى أن المسؤولية الاولى عن الركود والاستنقاع الذي نحن فيه تعود الى النخب نفسها التي أسيء توليدها، نخب انتهت الى نوع من الدين الاستبدادي، ونخب حداثية تحولت ايضا الى نوع آخر من التفكير الاستبدادي والنظام الاستبدادي؟
     لا أستطيع ان اقول المسؤولية الاولى، بل أحاول هنا ان اتأمل في ما حدث في الظروف التاريخية لما يسمى نشأة المثقف، المثقف بعد أن انفصل عن الشيخ، والشيخ الذي كان ودعني اقلها بلغة غرامشي <<شيخا عضويا>> أصبح شيخ المؤسسة، والشيخ العضوي الذي كان يحمي الناس وكان يدلهم ويفهمهم وكان يحتفل معهم ويشاركهم طقوسهم، ما إن خرج من الناس واصبح موظفا لدى الدولة أصبح يمارس سلطته بنفس منطق السلطة: افعل ولا تفعل، لم يعد الشيخ يعيش الحياة مع الناس. من هذا الشيخ الذي انفصل عن عضويته نشأ المثقف، طه حسين كان شيخا وأمين الخولي كان شيخا. المسألة هنا ليست هجانة افراد وانما الظروف الموضوعية التي تولّد فيها مشروع الحداثة، المرتبط بميلاد المثقف، الأفندي والشيخ. الافندي الذي طلع من الشيخ، والشيخ الذي طلع من الدرويش وشيخ الطريقة، شيخ الطريقة الذي كان جزءا من الناس، يتصدى للحاكم اذا مسّ الناس. مع نشوء الدولة الحديثة انفصل الشيخ ليصبح جزءا من جهاز الدولة. من <<رحم>> هذا الشيخ ولد المثقف الحديث، وحين تنظر الى جميع مؤسساتنا تجد أنها لم تخرج من رحمها الأول. فجامعة القاهرة مثلا المفروض انها مؤسسة حداثية أنشئت مع بداية القرن العشرين بسبب العجز عن تحديث المؤسسة التقليدية، والبديل عن هذا العجز هو خلق مؤسسة موازية، هذه المؤسسة الموازية هل استطاعت أن تحل تماما محل المؤسسة القديمة؟ لا. والدليل أن المثقف يخرج من المؤسسة القديمة ليذهب الى المؤسسة الحديثة، طه حسين خرج من الازهر الى جامعة القاهرة، أمين الخولي، عبد الرازق الخ... وهنا ستجد أن المؤسسة التقليدية سيطرت ثانية على المؤسسة الحديثة، ما حصل سنة 93... أن جامعة القاهرة احتلها الأزهر ليس على المستوى السيميولوجي فقط وإنما ايضا على المستوى القانوني فهناك كلية في جامعة القاهرة هي كلية دار العلوم لا تقبل غير المسلمين. اذن هل اصبح داخل حرم الجامعة علمانية؟ لا. دار العلوم أنشئت لتجمع بين علوم الازهر والعلوم الحديثة، أي الصيغة الوفيقية، ثم حين انشئت المؤسسة الحديثة اصبحت مؤسستين ولم يعرفوا الى ايم يردون تلك المؤسسة الوسيطة، وفي النهاية ألحقوها بجامعة القاهرة.
    بمعنى آخر، الازهر يطارد طه حسين منذ ذلك الوقت حتى اليوم، المطاردة مستمرة... ليس فقط لعلي عبد الرازق بل حتى محمد خلف الله ، اذن ليس هناك حداثة حلت محل التقليدية.
    › أود أن أسألك عن نظرتك كمثقف <<تحديثي>>، للامور، التي قد تبدو متعارضة مع نظرة أخرى ترى أن المشكلة في الدين وأن محور المسالة هو نقد الدين، بينما نرى أن جانبا من تفكيرك ينصب على نقد التجربة الحديثة نفسها واعتبارها مسؤولة مباشرة أكثر من الدين نفسه...
     جزء من التجربة الحداثية هو المشروع الاصلاحي، والاصلاح الديني مشروع على الدرجة نفسها من الالتباس التي عليها مشروع الحداثة، لأن الذي قام بالاصلاح الديني هو نفسه المثقف الذي كان بين الشيخ وبين الحديث، وهنا أسئلة اساسية في الاصلاح حين حاول محمد عبده اثارتها حصلت عليه رقابة، وهنا أصبح لدينا محرمات، لأن الشيخ تحول بشكل او بآخر الى مرجعية في المشروع الحداثي، مرجعية لا يمكن بدونها تقبل الحداثة، فأصبحت الحداثة هنا هي الأصل، ولتقبل الحداثة يجب ايجاد مبرر، وهذا مشروع الاصلاح الديني كله، ومن هنا كانت فكرة فتح المعنى الديني، كانت المسالة ان عندك طرفين، في أي طرف تشتغل؟ في الدين، تفتحه، لكن ليس طبقا لآليات وادوات إجرائية معرفية حديثة وإنما طبقا للإجراءات والآليات المعرفية التقليدية. وهنا أمكن ايجاد نوع من التحديث تخدم به السياسة.
    الان انعكس السؤال، لم يعد قبول الحداثة بالدين بل الحكم عليها بالدين، ولم تعد المسالة هل يقبل الدين الحداثة؟ بعبارة أخرى: أسلمة الحداثة لا تحديث الاسلام.
    مشكلة المعنى الديني واحتقانها والصراع حولها جزء من مشكلة الحداثة، بدون التقليل من شأن الانجازات التي تكلمت عليها عن جذور وبراعم الحداثة. لكن ما قلته هو كيف نستعيد هذه البراعم لكن نرويها بمياه جديدة. مشروع التحديث كله كان مشروعا مفروضا وليس حركة حرة نحو الحداثة وإنما محاولة لتقبل شيء مفروض.
    ماذا تقول للمسيحيين
    › يبدو أن النقاش كله داخل الاسلام، وأنت كمفكر شاغلك الاساسي هو الفكر الديني، يبدو ان هذا الفكر الديني الذي يشغلك هو بصورة اساسية الاسلام، ماذا يقول مفكر مثلك للمسيحيين في العالم العربي وهم موجودون بوفرة في النخب المثقفة؟
     أعتقد أن الفكر المسيحي يحتاج الى شيء شبيه بما يحدث في الاسلام، وسأتكلم عن مصر، المجتمع الذي اعرفه، فالفكر المسيحي هناك لا يقل في احتقانه رسميا ولا في تعصبه عن الفكر الاسلامي. طبعا المسؤول الاول هو الأغلبية التي هي التي تحدد المعركة وتحدد المواجهة، لكن الانفتاح هنا يقابله انفتاح هناك، والانغلاق هنا يقابله انغلاق هناك. الحداثة اصبحت شأن اصحاب كل دين على حدة وليست شأنا وطنيا. كل أديان المنطقة بحاجة للدخول في الحداثة واجراء نقدها الذاتي وتاريخها الحديث.
    › اريد سؤالك عن المسيحيين كأقلية، ادى مشروع التحديث في أطواره الاخيرة الى مضاعفة تهميشها وخاصة في مصر.
     اعتقد ان هذه كبوة مشروع التحديث.... اذا كانت ثورة 1919 مؤشرا على نهضة سياسية وارتبطت بها نهضة فكرية وثقافية وحتى نهضة غنائية.... مع المبدأ يقل هذا الاحتقان، مع الكبوات والأزمات يزداد الاحتقان... وقبل وضع الدستور عام 1923 كان هناك نقاش مهم جدا حول النص على ان الدين الرسمي هو الاسلام ام لا، وكانت هناك معارضة شديدة لذلك، الأقباط هم الذين قالوا انه لا مانع من ذلك، كنوع من التعبير عن الثقة.
    هل الدين يجب أن يكون هو المرجعية، ام ان الدين له اختصاص وفضاء، وهناك فضاءات خارجه لا تخضع لمقولاته، وهو ما نسميه سياسيا فصل الدين عن الدولة. وذلك جزء من التحدي في مشروع التحديث الاصلي فطول الوقت كان الكتاب الحداثيون محتاجين الى الدين، ولا يزال الدين هو السلاح الذي يستخدمه الخصوم ضد السلطة. والنتيجة معاناة الناس.
    المشكلة هي صيغة الحداثة الملتبسة التي لم تستطع ان تقيم حداثة حقيقية في الفكر الديني، لأنه لم يكن هناك حداثة بل تحديث، حداثة قشرية في الشكل فقط لكن طريقة تفكيرنا تزداد تقليدية.
    › حياتك في الغرب (هولندا) هل غيرت في سؤالك وإشكاليتك؟
     لا، وسعت مجال البحث ومجال السؤال، لأني طوال حياتي في مصر يبقى اهتمامي بالصيغة العربية للاسلام، وحتى الصيغة المصرية. خروجي من مصر كان مفيدا جدا لي في معرفة صيغ اخرى عن الاسلام غير العربي، في اسيا وفي افريقيا وحتى في تركيا وايران، وذلك لم أكن مشغولا به في مصر، بل كانت القضايا الداخلية والمحلية هي التي تشغلني حيث يبقى مجال البحث ودائرة الحفر ضيقا للإجابة عن هذه الاسئلة المحلية، الان هناك سياق عالم اسلامي اوسع وسياق عالم اسلامي في علاقته مع عالم غير اسلامي، اوروبا، المسلمون في الغرب وفي اميركا، قضايا المسلمين في الغرب وفي اميركا، مشكلة الغرب مع الاسلام... هذه الامور تراها وأنت في الخارج بشكل مختلف عما لو كنت في الداخل، وتصبح طرفا في نقاش اوسع بين مسلمين اوسع من المسلمين العرب وبين مسلمين وغير مسلمين، وهذا يفتح لك نوافذ وقنوات للبحث لا يمكن أن تنفتح لك وأنت مشغول في مصر بفتوى تصدر عن الازهر أو بطلاب يسألونك لماذا القرآن كذا وكذا، واشعر بأني قادر على تقديم اجابات اكثر عمقا مما لو كنت في مصر.
    › هل فكرت ولو نسبيا في تغيير نطاق بحثك، اي الخروج من نطاق البحث الاسلامي الى موضوعات عربية اخرى؟
     دخلت مثلا في مقارنة في العلاقات المبكرة بين الاسلام والثقافات والاديان الاخرى قبله، الى اي حد كان للجدل الاسلامي وغير الاسلامي في القرون الاولى، دور في صياغة الثقافة الاسلامية بشكل عام وتحليل قضاياها... هذه الاسئلة هي نوع من الانشغال باسئلة من النوع العلائقي، مثلا بنية القرآن وعلاقتها ببنى نصية قبل القرآن، هذا كله خروج من أسر أن تبقى مشغولا بالاسلام كأنه لا علاقة له بما قبله، ثم ان تجربة الاسلام غير العربية تعطيك مجالا اوسع للبحث، فتكتشف مثلا الى اي حد الاسلام في اندونيسيا متشرب بالثقافة الهندية، وحتى في مصر، الى اي حد الاسلام متشرب بالثقافة المسيحية والثقافة الفرعونية قبل المسيحية والرومانية واليونانية، هناك اصرار على أننا مسلمون اولا واخيرا فقط. حين ترى الاسلام في اندونيسيا ثم تعود لتراه في مصر فإنك تراه من منظور جديد، وهذه ميزة تفتح لك ابوابا وتكشف لك اضواء، لكن المشكلة انك تجري ابحاثا متشظية فلا تعرف متى تصدر هذه الابحاث في كتاب، فقد تشغلك نقطة هنا 3 4 اشهر... المؤتمرات ايضا تفتح لك مجالات فكرية اخرى، هناك عالم انفتح وحين ينفتح هذا العالم قد يخضك لبعض الوقت حتى تستطيع ان تستوعب أنك في وقت ما ستستعيد توازنك.
    كيف تقدم الفكر الاسلامي في اطار النزعة الانسانية. هناك طالب مثلا غير متخصص بالفرق الاسلامية ولا يعرف العربية ولا الفارسية ولا التركية، بل هو طالب يريد تعلم الانسانيات. لقد وجدت نفسي ايضا اتعلم وفرحت جدا، فنحن مجموعة اساتذة ندرّس موضوعا واحدا، انا من وجهة نظر اسلامية، وآخر يدرّس من زاوية الفلسفة، وآخر من زاوية علم النفس، وآخر من زاوية البيولوجيا، وهنا تهتز لأنك طول الوقت كنت تدرس <<كورسات>> تمتلكها لكن الان تدرس موادا ليست ملكك وحدك، بل هناك مجموعة اساتذة غيرك. في البداية شعرت بخضة وانا اقرأ داروين مثلا، اذن في الجامعة الان الكل يشعرون بأنهم تلامذة حتى اننا نجري امتحانات بعضنا لبعض. هنا طلابي يتعلمون وأنا ايضا اتعلم.
                  

03-06-2004, 05:24 AM

zumrawi
<azumrawi
تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 3

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندنا تحديث لا حداثة: عباس بيضون يحاور نصر حامد ابوزيد (Re: osama elkhawad)

    Dear Osama Alkhawadh
    Here is another interview with Nasr Hamid Abuzaid
    from Nizwa magaine
    Issue #3
    June 1995
    التعصب هو رفض للآخر والتاريخ
    ومستجدات الحياة

    الصور المرافقة

    لقاء مع / نصر حامد أبوزيد


    --------------------------------------------------------------------------------


    تتمركز كتابات الدكتور نصر حامد ابوزيد حول تجديد الفكر الاسلامى الذى لابد ان يتحرر من القواعد والقولية والتكرار التى تؤدى الى الفهم الخاطىء باتجاه التحليل والتفكير او باتجاه الاستنباط والاجتهاد.

    فحسب ابو زيد ان العقل المسلم فى عصر الجمود اخذ يستهلك تراث اجداده، دون ان يكون قادرا على تنميته وتطويره فكان مثل الوارث الكسول الذى يكتفى بالافتخار بما ورثه من الاسلا ف.

    ومن هذا المنطلق لابد لهذا الفكر الانسانى الذى يحتوى امكانيات الخلق والتفكير من انتاج المعرفة والمساهمة فى تحديث الحياة وتطويرها.

    وقد كان لمجلة "نزوى" هذا اللقاء الخاص مع الدكتور "ابوزيد" قبل زيارته للسلطنة التى نتمنى تكرارها.

    الدكتور نصر حامد ابوزيد واحد من ألمع المفكرين العرب فمن خلال نتاجه الفكرى استطاع ان يعيد قراءة التراث قراءة علمية عميقة جريئة، ولم يكن يتوقع الدكتور ان تقوم ضجة مفتعلة حول ما كتب، صحيح انه فى عالم الفكر والمعرفة لابد من الاختلاف والتنوع والاخطاء، أما أن تأخذ شكل التكفير والاتهام بالردة فهذا امر يرفضه الاسلام الحقيقى الذى لايقبل التكفير بناء على شبهات واثارات دون دليل.

    وابو زيد يرى ان الارهاب لايمكن ان يكون حكما على الفكر، فإنه بدون مساحة واسعة من الحرية والبحث العلمى لايمكن لنا أن نتقدم.

    والتطرف لابد ان يؤدى الى اغراق المجتمع فى مزيد من البؤس والحرمان والدم، انه ضد الفكر والتاريخ بالمعنى العميق.

    ان مشكلة الدين الحالية كما يراها محاورنا هى استغلال البعض له، من اجل تحقيق مآرب سياسية واقتصادية الى الحد الذى أخذنا نسمع الفتاوى الغريبة التى تبرر النصب المالى او السياسى او الاجتماعى.

    فى هذا الحوار مع الدكتور نصر حامد ابو زيد بعض الجوانب الفكرية التى يلقى عليها الضوء، وبغض النظر عن الاختلاف والاتفاق مع ابوزيد فى بعض مواقفه ومنطلقاته الفكرية، يظل صوتا مؤثرا فى ساحة الفكر العربى.

    * كيف نفرق بين التدين والتعصب ؟

    - التدين سلوك طبيعى وانسانى، وجزء من الروابط الاجتماعية بين البشر والتدين فى الاسلام جمعى بإقامة الشعائر والعمل بتعاليم هذا الدين، وهو جزء من الوجود الذى لايستغنى عنه الانسان.

    وليس صحيحا ان الانسان يستطيع أن يستغنى عن العقيدة فهى دليل تماسك ورؤيا للعالم والوجود، فأوجاع هذا الوجود يجعل التدين من تحملها امرا ممكنا.

    متى يتحول التدين الى تعصب ؟ هذا يحصل حين يحول المتدين دينه وسلوكه وشعائره الى الشكل الوحيد من ممارسة الدين ويرفض اى شكل سوى هذا الشكل.

    اذا سألت المتدين العادى: ما هى صفات الله ؟ فليس عنده اجابة، الله عنده مشخص ومجرد والله موضوع للحب والرهبة، دون وجود تناقض عنده فى ذلك وليست لديه مشكلة مع متدين أخر.

    المتدين الحقيقى يرى فى كل اشكال التدين تدينا.

    * وفى مصر كيف انتقل المجتمع من التسامح الدينى الى حالة الصدام والتكفير؟

    - عشنا فى المجتمع المصرى فى فترات من الزمن كان فيها المسلم يحترم شعائر المسيحى، وكذلك المسيحى بل يتشاركان فى المناسبات الدينية... لماذا؟ لأن هذا دين وهذا دين، وهذا الدين لا يقل عن الآخر بالنسبة الى من يعتقده.

    والتعامل مع العصاة يجرى بقدر كبير من التسامح يعنى "يا ابنى صل يا ابنى مش كويس كده " لكن لاتجد الاقراع،الاب يحض ابنه على الشعائر... هذا هو التدين وهو موجود فى فى بلدان العالم.

    التعصب هو رفض للأخر ورفض التعامل معه، واثارة الانقسام فى المجتمع على اساس دينى، التعصب هو تكفير وانغلاق ورفض للتاريخ ومستجدات الحياة.

    الهوية فى جانب منها سم اذا فهمت انها امر ثابت، عندمانتحدث عن انفسنا كنمط متميز من البشر هنا هوية شعب الله المختار، او العرقية، او الطائفية.

    المتدين العادى يؤمن ان كل ما يحصل فى العلم هو بارادة الله، لكن لايجد تعارضا بين ارادة الله ولوم المخطىء اى بين العلة الاولى والعللالمباشرة.

    مثلا عندما نسأل اذن: لماذا ابتعدنا عن الدين ؟ هذا سؤال مطروح واين ومتى كنا فى الدين ثم ابتعدنا عنه فى اية نقطة فى التاريخ " المتدين العادى يعيش فى التاريخ ويؤمن بالابدية، المتعصب لايعيش إلا فى الابدية ولا يؤمن بالتاريخ، لذلك فالمتعصبون يرون ان يعيدونا الى اللحظة الاولى فى الاسلام وهذا مستحيل او يحكموا علينا بالجاهلية.

    اما التدين فهو امر هام جدا، اذ عليه يقوم الاساس الاخلاقى للعلاقات الانسانية، اذا افتقد فالمجتمع مهدد من حيث هو بنية انسانية.

    * لكننا نلاحظ ان الكثيرين من نجوم التكفير الان كانوا ذ ات يوم خارج ئراة التعصب باعترافهم فلماذا لايعطون الا خرين فرصة للحياة ة كالتى اتيحت لهم؟

    - احد الكتب الذى تناولنى لاحد المتعصبين يذكر ان جيرانى يجب ألا يتعاملوا معى وعلى زوجتى ان تطلب الطلاق منى، وإلا فهى زانية وان على طلابى الا يجالسونى اى ما يسمى بالعزل هذا هو التعصب.

    بينما الطبيعى مثلا ان نقول ان فلانا مخطىء وليته او لعله يعود الى الصواب.

    لنفترض جدلا.. جدلا طبعا ان نصر ابوزيد مرتد، فانت اذا قتلته الان لمات مرتدا، بينما اعطه فرصة فقد يعود الى الايمان، خذ مثلا "مصطفى محمود وعادل حسين و جلال كشك " هؤلاء كانوا مسلمين ملتزمين ثم تراجعوا عن التزامهم ثم انتقلوا الى الالحاد وهم الان مسلمون عليهم ان يفترضوا انهم قد اقيم عليهم الحد عندما تراجعوا عن التزاماتهم الدينية كانوا ملحدين، ألم نحرمهم من فرصة العودة الى الايمان ثانية.

    الانسان المتدين العادى يرى ان احدنا قابل للتغير وليس معطى ثابتا غير قابل للتطور المتعصب عكس ذلك، وعندها نحن امام كارثة الكوارث.

    * ألا ترى يا دكتور ان التعصب ليس مرتبطه بالدفي فقط،فهناك تعصب وتكفير لدى مؤسسات واحزاب... اخ ؟

    - التعصب ليس مرتبطا بالدين فقط وكذلك نزعة تكفير الآخر، ويبدو لى ان التعصب لسبب تاريخى سيطر على العقل العربى، وهذا امر قابل للتغير ولكننى هنا اتحدث عن امر وجد فى سياق تاريخى معين، فالحياة العربية دار الصراع فيها على ارضية دينية، وان كان للامر اسباب سياسية، كالخلاف بين الفرق الاسلامية.

    وخذ حرب الخليج الثانية فكل من وقف مع قوات التحالف الدولى، او ضدها استند الى مرجعية دينية فى وقت كان الامر فيه واضحا، انه صراع دولي على مصالح وثروات لكن التبريرات كلها كانت دينية وهنا نحن نضع الدين فى غير مكانه ونسحبه الى امور لاعلاقة له بها.

    الفكر القومى فى الستينات تسيطر عليه الاحادية والقطعية كذلك الماركسية العربية، من خلال تعابير التحريفية والارتداد اى الكفر بالمعنى السياسى.

    لدينا خطابات متعددة ولكنها متعلقة وليست مفتوحة فيما بينها وهى خطابات تكفير وان جاءت بصيغة مختلفة.

    انت عندما تتجاهل فكر خصمك وتقاطعه فهذا نوع من النفى، فاذا كنت من انصار المجتمع الدينى فهذا لايمنع من قراءة الفكر الدينى، وعدم وجود حوار يجعل من كل فكر متمسكا بثوابته.

    * ومما يغذي التكفير سياسات بعض الانظمة لم ايضا؟ وللسياسة كما يبد و دور بارز فى الخطاب التكفيرى العربى؟

    - الممارسة السياسية فى الوطن العربى ايضا قائمة على التكفير، لان السياسة عندنا تتحكم فى كل شىء فهى لاتقبل من الفكري والثقافي إلا ما يساند توجهاتها السياسية فاذا تغيرت هذه التوجهات انقلبت وهذا معروف فى عالمنا العربى حتى الفكر الاشتراكى الذى عرفناه كان ذلك الفكر الذى يبرر توجهات السلطة السياسية وليس الفكر الاشتراكى النقدى.

    فاذا تطابقت سلطة الفكر مع سلطة السياسة تحصل الكارثة، فالمفكر هنا يطارد الفكر الذى يختلف معه.

    * كيف تستطيع الثقا فة ان تأخد استقلالها بمعزل عن التعصب والتبعية االسيا سية العمياء ولاتتوقف عن تأثيرها - لابد ان نجد وسيلة لكى نفصل بين المعرفى والثقافى والسياسى، اى نقطع الحبل السرى بينهما، طبعا لا نقطع العلاقة اشبه الامر بقطع الحبل السرى للطفل كى يعيش الطفل وتعيش الام.

    ولا اعنى انها انشطة مضادة، فأى فكر سياسى يستند الى الفكر، واى فكر يتضمن موقفا سياسيا حتى لا نتهم بأننا مع مثقف البرج العاجى وهو اكذوبة "فتوفيق الحكيم " وهو اشهر من تكلم عن هذا البرج نحن نعرف مع من كان يقف وضد من كان يمارس نشاطه.

    لكن الفكر له ألياته واهدافه التى يمكن ان تكون ضد اهوائنا، الفكر ضالته الحقيقة، والسياسة ضالتها النفع احيانا يوصلك الفكر الى نتائج تتعارض مع النفع هنا يقع التعارض، الفكر يبحث عن الحقيقة فى التاريخ.

    * الفكر ذ و صفة نقدية بالدرجة الاولى؟

    - طبعا... الفكر كذلك انه حارس القيم وليس له ان يندمج مع التأييد غير المشروط، قد يحصل طبعا ان يؤيد المفكر رجل سياسة ما، لكن شروط الفكر ورؤيته البعيدة، عندما يؤيد المفكر بشروط التكتيك السياسى هنا ندخل فى التبرير وليس فىالتفسير.

    علاقة السياسي بالثقافى فى الوطن العربى ملتبسة جدا....جدا... جدا، دائما،نلاحظ احيانا ان السياسى يحتاج الى الثقافي ليكتسب مشروعية، واول ما انقلب مشروع محمد علي على ذاته دفع الثمن رفاعة الطهطاوى مع انه هو الذى اسس المشروعية الفكرية التى قام عليها مشروع محمد علي، كذلك طه حسين،فهو الذى اسس المشروعية الليبرالية المصرية، مع ذلك الليبرالية المصرية هى التى حاربته كسياسة وهنا يجب ان نتذكر دور

    سعد زغلول السلبى من طه حسين وما حصل له.

    من هنا ضرورة تأسيس مؤسسات ثقافية مستقلة، وعندها لو دعمك السياسى فلا بأس، حيث سيدعمك بشروطك انت لقد كانت هناك فى مصر مؤسسات ثقافية مستقلة، ولكن جرى تأميمها فى ثورة (52)، وهذا اخطر ما حدث فى مصر،كيف نستعيد ذلك ؟ أي انشاء مؤسسات مستقلة ليس هاجسها سيف المعز وذهبه وانما انتاج المعرفة هذا هو المطلوب.

    انت عندما تزور بلدان العالم المتقدم تجد الجامعات وا لمؤسسات مشغولة بالعلم والمعرفة، وليس با لمعارك الهامشية لكن هذا قدرنا فى العالم العربى.

    وأرى على رأس المؤسسات التى يجب ان تكون مستقلة الجامعات، الابتدائى حتى الثانوى هذه للحكومة، تغذىالمواطن فيها بقيمها لكن فى ألجامعه... لا يجب ان يدخل فى قيم المعرفة.

    * مواصلة للفكرة لماذا نجد هده العلاقة الملتبسة جدا بين الثقافى وغيره فى التاريخ العربى؟

    - واقع تاريخى فالتعليم نشأ تحت ظل النخب السياسية، محمد على ارسل الطهطاوى الى فرنسا فكان من الطبيعى ان يظل رفاعة تحت وطأة الاحساس بالامتنان لهذا الحاكم الذى اتاح له هذه الفرصة والملك فؤاد مثلا هو الذى ارسل طه حسين للدراسة فى الخارج.

    والمثقف يتصور ان دوره تنوير النخبة من اجل الاصلاح لان الاصلاح فى يد النخبة السياسية فهى صاحبة القرار فى التنفيذ.

    اهم كتب طه حسين "مستقبل الثقافة فى مصر" كان فى الاساس برنامجا كتبه لوزير التعليم، ومايزال هذا قائما الى الان غير ان اى عمل لايأتى بنتائج إلا اذا قررته ودعمته السلطة، وبالتالى علينا تركيز الجهود لخلق سلطة مستنيرة.

    الحقيقة ان التنوير الحقيقى هو الذى يتجه الى الجماهير، لانها هى التى ستتبنى التقدم والدفاع عنه، اما التقدم الذى لايقوم على وعى الجماهير فما اسهل ان ينهزم بقوة خارجية،ومثالنا البارز ما حصل فى هزيمة 1967.

    انا هنا لا ادين فالمثقف اذا وضع الجماهير ومستواها فى ذهنه سينتج فكرا سطحيا، اذن نحن بحاجة الى مؤسسات تثقيف، تحول الثقافة والمعرفة الى غذاء شعبى، اى تشكل حلقة وصل تشيع المعرفة جماهيريا.

    * ألا ترى اننا بدأنا نلغى ذ اكرتنا التاريخية تحت غبار ودخان من الهموم الفرعية وافتعال الا زمات العابرة؟

    - فى العام الماضى مر على هزيمة 1967 ثمانية وعشرون عاما، فجريدة الاهالي عملت استفتاء بين شباب عمرهم خمسة وعشرون، واذا بهذا الجيل لايعرف اى شىء عن هزيمة 1967 فأى قتل للذاكرة.

    العقل العربى النخبوى لايميل الى الكلام عن الهزيمة، بينما لو ذهبت الى امريكا فى "بيدل هاربر" لوجدت انهم يحتفظون بذكريات تلك الضربة القاصمة، وتجد اللافتات المعلقة والمكتوب عليها "حتى لاننسى".

    أنا ذهبت إلى اليابان لسنوات ورأيتهم كيف يحيون كل عام ذكرى ضرب ناجازاكى وهيروشيما بالقنبلة الذرية فهل نحيى نحن ذكرى 5 يونيو؟ لماذا؟ لاننا نميل الى ان نسقط من ذاكرتنا كل ماهو سيىء بينما مانسقطه هو جز من الذاكرة.

    * ما هىالطريقة الناجعة التى تراها من اجل وقف موجة الارهاب والتكفير فى السياسة والتربية والدين ؟

    - كيف نقضى على الارهاب ؟ هل نقضى عليه بأن نزيف طريقة الوعى بأسبابه و نلصقه فقط بالتيار الاسلامى، ام نبحث عن ظاهرة الارهاب في اسبابها الاجتماعية والتاريخية، وعلاقتها بالارهاب الدولى بشكل عام، وبالتالى نقدم معرفة تستطيع ان تساهم فى حل المشكلة، الادانة والشجب وباقى هذه الامور لن توصلنا الى معرفة حقيقية.

    وهذا يحتاج الى الكثير من الاعداد والتضحيات لنقضى على بعض الازمات التى نعانى منها.

    * ما الذى حل بمشروع التنوير فى الوطن العربى، فبعد ان بدأ قويا نلاحظ اليوم انه يتراجع ؟

    - لقد كان تيار التنوير ضعيفا، انه بعض المحاولات التى جرت هنا وهناك ولم تخل من عناصر المقاومة العنيفة له..

    وا لاحبا ط... وا لمزايد ة.

    ولو اخذنا نماذج التنوير سنجد فى المقابل نماذج اخرى مقاومة بل واقوى.

    محمد عبده مثلا كان فى جانب والازهر فى جانب، وطه حسين من المعروف ما الذى حدث له.

    التنوير بدأ مرتبطا بالمشروع السياسى لمحمد علي باشا وهو ما سمى بمشروع النهضة، ولان المشروع قد ارتبط به،فمع انهياره تراجعت حركة التنوير، وقد كان ذلك التنوير يستهدف النخبة السياسية وليس الجماهير، اذا استثنينا مشروع التعليم عند طه حسين، وهو ايضا كان يحتاج الى السلطة السياسية لتنفيذه، وكذلك مشروع التعليم عند محمد هذا الارتباط الدائم جعل مشروع التنوير فى حالة تعثر دائم، واذا ما لم يجد الحاكم الشجاع المستنير الذى يعززه ويسهله تستطيع القوى الاخرى ان تجهضه.

    ما يتعرض له التنوير اليوم من هجوم هو أقسى مما تعرض له من قبل، فالهجوم ما يزال مستمرا على طه حسين وعلي عبد الرازق والكواكبى والافغانى.

    فما دام التنوير لم يتجاوز اطار النخب سواء فكرية او سياسية الى الوعى الاجتماعى فلن نستطيع القول ان التنوير قد تحقق وتحققه يتحدد فى تغير فى الوعى الاجتماعى.

    ولا اظن اننا وصلنا الى هذه الدرجة فى اى فترة من تاريخنا المعاصر، لذلك يجب ان نستفيد من هذا الدرس فاذا اردنا ان نستعيد لحظة التنوير فعلينا ان نضعها فى افق مختلف اى ألا يكون موجها للنخبة فقط، وان وجه لها فعن طريق خلق رأى عام وواسع، والدخول مباشرة فى انتاج هذا الوعى، اما اذا ظللنا على نفس المستوى فسيظل التنوير لحظة يحتاج اليها الحاكم والنظام فى مجتمع عربى.

    فى الفترة الناصرية عندنا فى مصر مثلا انزعجت السلطة من مبادرات الجماهير فى سنة 1956 صحيح انها سلطة وطنية لكن هذا ما حصل... لهذا فالتنوير ظل محدودا وضيقا ومحصورا ولم يصل الى جذور الوعى الاجتماعى.

    *التراث يا دكتور نصر قد يكون عبئا، وقد يكون جزءا من الهوية والتعبير والتجديد، انه ذاكرة قد تكون احد ملامح وجودنا فى هدا العالم.. فكيف تلخص لنا فهمك لذلك ؟

    - التراث ببساطة هو كل ما ورثناه ليس فقط فيما كتب من كتب، بل العادات والتقاليد وانماط السلوك، محركات التراث الناس وليس الكتب ولكن علينا ان نبحث كيف تحولت بعض الكتب الى وعى اجتماعى.

    هناك جانب من التراث انسرب فى الوعى الاجتماعى بحكم الشهرة او السيادة او السيطرة فانت قد تجد مواطنا لم يقرأ الغزالي ولم يسمع به ولكن البنية العقلية التى اسسها الغزالي هى التى تحكم سلوك هذا المواطن، بحكم ان الغزالي انحل فى الخطاب الدينى الشعبى والرسمى وتحول النص اللغوى عنده الى مجموعة من النصوص.

    من هنا اذا وقفنا عند نص الغزالي فنحن نفعل ذلك مع الاصل قبل ان يتحول الى فعالية، هذا نجده ايضا بالنسبة لنمط الفكر الاشعرى بصفة عامة، والتصوف المرتبط بنسق الفكر الاشعرى، كذلك المعتزلة وابن رشد.

    فتحديد ما هو موروث او تراث لايجب ان يقف عند ما هو مكتوب فى الكتب القديمة، بل ايضا ما انسرب عبر مؤسسات تعليمية وخطابات ومؤسسات دينية.

    هنا نلاحظ ايضا كيف تقوم هذه المؤسسات على تحويل الكثير من الكتب الى أنماط سلوك، واستبعاد بعض الكتب لذلك من المهم دراسة ما الذى انتقل وعبر وما الذى همش واستبعد.

    والذى انتقل وعبر هل بقواه الذاتية؟ هل بقوة مضافة؟ هل للسياسة دور فى ذلك ؟ هذا ما يسمى السياق التاريخى لنشأة هذا الفكر او ذاك.

    التراث علاقات معقدة جدا اذا نظرنا الى التواصل التاريخى حتى الآن فلابد ان تتضافر جهود كثيرة لكى نفحص،االتراث الحى" اى التراث الذى ما يزال فاعلا ومؤثرا وهل هو هو ام اصابته بعضى التغيرات ؟

    هناك تراث ليس له فعالية وهو جزء من الماضى وهذا يجب ان يدرس ايضا وفى رأيى انه علينا ان ندرس التراث فى سياقه التاريخى وندرس تياراته ليس لنستخدم هذا التيار ضد الاخر وليس بالمنهج النفعى الذرائعى فهذا يقود الى قراءة خاطئة اسميها "قراءة تلوينيه".

    فمثلا اذا احتجنا للحرية قلنا ان الحرية عند المعتزلة مثلا، ونتجاهل ان ما قدمه المعتزلة للانسانية على اهميته ليس حرية الانسان فى المجتمع وانما حرية الانسان ازاء الارادة الالهية،مصطلح "خلق الافعال " وليس حرية الارادة.

    فانت عندما تحول خلق الافعال الى حرية الارادة تكون قد قفزت من النسق الفكرى للمعتزلة الى نسقك انت واجريت تسوية بين الماضى والحاضر فقضية الحرية فى عصرنا على درجة عالية من التعقيد.

    اذن يجب ان ندرس التاريخ فى ذاته، وضمن منظوماته.

    * ما هو رأيكم فى قراء ة التراث على ضوء فكرة مسبقة،او محاولة انتقائية من التراث لخدمة غرض آنى؟.

    - لجكن احيانا ان نفهم من دلالة ظاهرة او مقولة فكرية شيئأ يفيدنا، اويعنينا، ولكن دون- قفز ود ون ان نحمل فكرة فى الماضي ما ليس حنها عندها قد نقع فى القراءة الاصولية نفسها،ولكن من زاوية ثانية..

    التراث بحد ذاته لن يمدنا بالقوة نحن الذين نصفع هذه القوة - ورؤيتنا للحظتنا التاريخية هي التي تحدد رؤيتنا للتراث.

    مع الأسف نحق نعيش في جو احتفالي فاذا عدنا الى التراث بطريقة احتفالية فانما نكون قد درسنا التراث بالتراث حتى الكاتب الذي كان يبدأ كتابه بالفقير الى الله والراجى لعفو الله هو كاتب احتفالى يقوم بعمل احتفال بتواضعه.

    لابد مما يسميه الشيخ امين الخالى "قتل القديم بحثا" فاذا اسست وعيا علميا، به استطعت ا ن تتحرر من -سلطة التراث التى تشعر بها دون وعى ان تصنع تاريخك.

    التراث احيانا موضوع للمحاكاة. عند البعض، او للأستفهام عند البعض الأخر، او للاستخدام - عند طرف أو للفهم عند طرف أخر والحقيقة ان الذين يستخدمون التراث لاغراض سياسية هم الاكثر نجاحا لانهم يتعاملون مع الجانب الحى لدى عامة الناس، خانت اذا استخدمت المعتزلة او ابن رشد مستعيدا لهما، فالخصم لن يستعيد شيئا بل سيقاتلك بما هو موجود ولايحتاج الى إستدعاء مع ان هذا المستدعى قد لايكون مذ صحيح الدين مثلا ولكن المشكلة انه حى فى عقول الناس.

    فى الدراسة العلمية للتراث ليس هناك استبعاد او اختيار بل علي! إن تدرس كل الخطابات دون اهمال او تعصب والتراث يزداد تعقيدا بسبب سوء إستخدامنا له وتبديده والتراث متعدد ويحتاج الى فهم لهذا التعدد.

    وما فعلناه حتى الان لايعدو القشرة على الرفي من الدراسات الجيدة التى قمنا- بها- ير ماهى ابرز الدراسات،لقى تناولت التراث فى الوطن،لعربى وترى فكيها انجازات حقيقية؟

    - كثيرة ولها إنجازات علمية إذكر هنا محمد عابد جابرى الذى وضع يده بايبستمولوجية التراث، وطيب تيزينى وهو فى تصورى اقرب من درس التراث فن خلال القدرة على الفظ من خلال طبوغرافية التراث المعقدة، والفصل بين مستوياته ومستويات دلألته، وحسين مروة من خلال تركيزه على البعد إ-لمادى وحسن حنفى رغم ائه اسقط الكثير من.المعاصرة على في لتراث.. وهذه اهم قراء(ش التى الممت بتفاصيلها، وارى ان كل واحدة منها تكمل الاخرى، كل هذه الجهود فى رأيى تمهيدات لدراسة التراث، المشكلة اننا نسميها مشروعات - وانا اعترض على ذلك وربما لاننا فقراء جدا نبالغ بالتعابير.

    واذا بدأت بنفسى فليس عندى مشروع انما انا باحث فىالتراث.

    * دكتور نصر.. بصراحة... هل تخاف هن كل لاغتيال ؟

    - طبعا.. انا-أخاف من ان اقتل لاننى احب الحياة واحب ان انظر فى عير احبائى قبل الرحيل وآخذ فرصة لأقول لهم: ودإعا. دائما عندما اسال هذا السؤال تكون اجابتى المختصرة عليه "الحامى هو الله ".


    --------------------------------------------------------------------------------

    (عدل بواسطة zumrawi on 03-06-2004, 05:26 AM)

                  

03-06-2004, 07:01 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندنا تحديث لا حداثة: عباس بيضون يحاور نصر حامد ابوزيد (Re: osama elkhawad)

    شكرا زمراوي

    ارقد عافية

    المشاء
                  

03-23-2004, 12:06 PM

mutwakil toum

تاريخ التسجيل: 09-08-2003
مجموع المشاركات: 2327

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندنا تحديث لا حداثة: عباس بيضون يحاور نصر حامد ابوزيد (Re: osama elkhawad)

    up
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de