دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: الطيب صالح :اراء في السياسة والهجنة الثقافية-الجزء قبل الاخير (Re: osama elkhawad)
|
الجزء الثاني: وللمزيد من التأكيد على انتفاء اشكالية الهجنة الثقافية أصلا ,يعود الى فكرة "الأصل الانساني الواحد" حين يتساءل:"وحتى العرب من أين أتوا؟والأفارقة من أين أتوا؟كل هؤلاء في النهاية يعودون الى أصل واحد". ويصل التأكيد على انتفاء تلك الاشكالية قمتهوحين يقول أن "مسألة الأعراق فكرة أوروبيه".
هكذا نرى نفيا لاشكالية الهجنة الثقافية بالمطلق, وتبنيا لفكرة "التسامح العرقي" في السودان.وهي –بالتاكيد-فكرة مغلوطة.فلا التاريخ,ولا نصوص الطيب صالح نفسه,تبرهن على ما قاله عن "الخضم المتحضر للاعراق المختلفة", و"الخليط العرقي السلمي في السودان", وحتى تصريحاته الصحافية لا تؤكد ذلك. ففي حوار مطول أجراه معه طلحة جبريل,ونشر مسلسلا في "الحياة" يؤرخ الطيب صالح نفسه لنهاية "التسامح السياسي" في السودان بظهور الأنظمة الشمولية , وفي السودان لا يمكن الفصل بين السياسي والثقافي خاصة في التاريخ المعاصر.
ولعل فكرة "التسامح العرقي",هي محض حلم تحول الى حقيقة كرد فعل على اراء بعض الجنوبيين في الطيب صالح الذي يقول عن ذلك "اني متهم من اخواننا الجنوبيين بأني متعال عرقيا".وفي هذا الصدد نذكر المظاهرات التي نظمها الطلاب الجنوبيون في "جامعة الخرطوم" احتجاجا على عرض فيلم "عرس الزين" للمخرج الكويتي "خالد الصديقي", باعتباره يسيئ الى صورة الجنوبيين من خلال عرض مشاهد تصور "الخدم" في واحة "ود حامد".
لقد تعامل الطيب صالح برد الفعل,فاثر- في اضطراب- أن يتبنى فكرة "التسامح العرقي المتحضر".ورد الفعل ذاك,جعله يحصر نفسه في ثنائية الصراع العرقي الشمالي-الجنوبي.وهي ثنائية تجاوزها التاريخ السوداني المعاصر,حيث دخلت مجموعات ثقافية أخرى فضاء ذلك الصراع,وعبر "العمل المسلح",نذكر هنا "جبال النوبة"و"الانقسنا" و"البجا".
ورد الفعل ذاك جعله ينسى ما كتبه –بالانجليزية بعده-فرانسيس دينق وهو كاتب جنوبي مرموق, عن الرق وعلاقات الاسترقاق, بشكل واضح في كتابيه" طائرالشؤم" و"بذرة الخلاص"-ولأن الاشارة الى "العرقية" صادرة من كاتب جنوبي, لم يتهمه الجنوبيون بالتعالي العرقي,بل قرظ من أحد مترجميه الشماليين لجرأته!!!- المترجم هو الدكتور عبدالله النعيم مترجم "طائر الشؤم"- هذه المعلومة لم ترد في المقال, وأوردناها هنا للمزيد من الاضاءة.
ورد الفعل ذاك جعله ينسى ما كتبه أكاديميان شماليان مرموقان في الثمانينيات من هذا القرن عن عودة ظاهرة الرق الى السودان مرة اخرى,من خلال ما كتبه دكتور سليمان بلدو ودكتور عشاري أحمد محمود في كتابهما عن "مذبحة الضعين".
كما جعله ينسى المقال الشهير للدكتور حيدر ابراهيم علي "العرب والأفارقة-الصور التبادلة عبر التاريخ" في العدد الثالث لمجلة "كتابات سودانية"-كما جعله ينسى الكتاب الأشهر عن المسالة العرقية السودانية للباحثة اليابانية يوشيكو كورتيا في كتابها المترجم "على عبداللطيف وثورة 1924م-بحث في مصادر الثورة السودانية" وقام بترجمته الاستاذ القاص مجدي النعيم-والتقارير التي بثتها منظمات حقوق الانسان في السنوات الأخيرة تؤكد عودة الرق وعلاقات الاسترقاق مرة اخرى الى بعض مناطق السودان.
ولو تجاوز الطيب صالح رد الفعل ذاك,لكنا حظينا باضاءات لماحة عن الاشكالية العرقية في نصوصه. فالطيب صالح كما يرى الناقد السوداني محمد خلف في دراسته"عرس الزين نموذجا للحوارية النصية" من الكتاب الذين تضيئ اراؤهم "الطريق الى النص أو تومئ اليه".
تحفل نصوص الطيب صالح باشارات مهمة الى الاشكالية العرقية في المجتمع السوداني ,وهي مسألة مسكوت عنها طويلا-بحجة عدم اثارة النعرات العرقية والحفاظ على الوحدة الوطنية تارة,ولأسباب أيديولوجية وسياسية تارة أخرى,أو باقتراح مشاريع شعرية للتصالح المفترض بين الثقافات كما في مدرسة "الغابة والصحراء".
ولعل الأعمال الاخيرة سالفة الذكر-والتي تناولت المسالة العرقية في السودان-هي التي ستضيئ أكثر نصوص الطيب صالح,وتؤكد جرأتها وأسبقيتها في تناول تلك المسألة المسكوت عنها طويلا. ان الاشارات الواردة في نصوص الطيب صالح عن الاشكالية العرقية في السودان,لا تعني بالضرورة انحياز المؤلف اليها.ولعل مهاجمي الطيب صالح من المثقفين الجنوبيين خلطوا بين المؤلف و"رؤية العالم" كما تقترحها الرواية,
وانطلاقا من المواقف السياسية المتعجلة,خلطوا السياسي بالثقافي,ولم يميزوا بين الرواية كمتخيل لواقع ما بشروطه الاجتماعية والتاريخية-كما ترى يمنى العيد- وبين الطموح السياسي الحالم بواقع مستقبلي مغاير,يصل اليه عبر تغييب الواقع التاريخي والفعلي, والقفز فوقه.
كان عرض النص السينمائي لرواية"عرس الزين", هو بداية اكتشاف الاشارات العرقية في نصوص الطيب صالح,وقبل ذلك سكت النقاد السودانيون –عمدا أو جهلا –عن التنبيه اليها.
أما النقاد العرب فقد اشتغلوا على ثنائية"الغرب\الشرق" أو"الشمال\الجنوب",كما تبدت في "موسم الهجرة الى الشمال".ولم يتم =الا نادرا- تناول النصوص التي اتخذت من السودان فضاء لها.مثال على ذلك تناول "يمنى العيد"لعودة مصطفى سعيد والراوي الى السودان في كتابيها"في معرفة النص" و"الراوي:الموقع والشكل".
ويرجع عدم التناول ذاك , الى اعتماد الطيب صالح العامية السودانية لغة للحوار وللسرد أحيانا.وما صعب من فهم تلك العامية السودانية,ورود عشرات الاخطاء المطبعية التي تجعل مهمة الناقد شبه مستحيلة اذا ما راى الرجوع الى معاجم العامية السودانية. ويضاف الى ماذكرناه,جهل النقاد العرب بالتاريخ السوداني,وتاريخ الانتلجنسيا في السودان, اذ أن نصوص الطيب صالح قد اتخذت من ذينك التاريخين أرضية صلبة لتأسيس بنيتها .
ولم تكن مهمة الذين أرادوا اقتحام السودان كفضشاء لنصوص الطيب سهلة,فقد غاب عنهم ما ذكرناه من شروط, وارتكبوا اخطاء شنيعة سنشير الى بعض منها حينما نتناول في دراسة لاحقة"العودة التراجيدية لمصطفى سعيد".
ولعل ذلك سيثير من جديد ثنائية الداخل\الخارج, والنص\المرجع في مقاربة النص الأدبي. سنحاول في ما تبقى من المقالة ,أن نورد بعض النصوص التي وردت فيها الاشارة الى الاشكالية العرقية في نصوص الطيب صالح وسنبتدئ بالشخصية الأشهر "مصطفى سعيد".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح :اراء في السياسة والهجنة الثقافية-الجزء الاخير (Re: osama elkhawad)
|
الجزء الاخير: لمصطفى سعيد صلة حميمة بما اصطلح عليه بالزنوج المنمبتين قبليا:
Negroid but detribalized people
وهم كما -يرى المستعمرون البريطانيون-
"العبيد السابقون الذين ترجع أصولهم الى قبائل الجنوب او جبال النوبة,لكنهم استقروا في المجتمع الشمالي السوداني,وفقدوا بالتالي,اي صلة بقبائلهم الأصلية اذ لم يكن لهم في الشمال أي مكان في النظام الاجتماعي".
فوالدة مصطفى سعيد -فاطمة عبد الصادق- كانت من تلك الفئة-تقول احدى شخصيات "موسم الهجرة الى الشمال" عنها"ويقال أن أمه كانت رقيقا من الجنوب ومن قبائل الزاندي أو الباريا,الله اعلم. الناس الذيت ليس لهم اصل هم الذين تبوأوا أعلى المراتب أيام الانجليز"ص 63 -من الاعمال الكاملة- دار العودة بيروت,1988.
صحيح ان والد مصطفي سعيد كان عربيا من "العبابدة القبيلة التي كانت تفيش بين مصر والسودان"-ص-63. ولذلك كان مصطفي سعيد كما يقول في الرواية -عربيا افريقيا,الا ان أباه توفى قبل ولادته,وانقطعت علاقة مصطفى سعيد باسرة أبيه لأسباب لم تقلها الرواية,فانبت عن جذوره العربية,وأصبح كأمه-زنجيا منبتا بامتياز,لذلك قال"لم يكن لنا أهل"-ص29 ولانبتاته القبلي هذا,ولاسباب أخرى لم يرجع مصطفى سعيد مباشرة بعد انهاء دراسته,وقضى وقتا طويلا متسكعا بين البلدان, اذ أنه كما يقول الراوي -بعد أن يخرج من السجن-"يتشرد في أصقاع الأرض, من باريس الى كوبنهاجن الى دلهي الى بانكوك"-ص78-79.
وحتى حينما عاد لم يعد عودة طبيعية-حسب الراوي_ ولم يختر قريته الجديدة بدلا عن الخرطوم أو ضواحيها, بل عاد عودة عبثية الى قرية منسية الذكر على منحنى النيل-يقول مصطفي سعيد عن ذلك -اذا أخذنا روايته على محمل الجد: "كنت في الخرطوم أعمل في التجارة.ثم لأسباب عديدة قررت أن أتحول للزراعة,كنت طوال حياتي أشتاق للاستقرار في هذا الجزء من القطر,لا أعلم السبب.وركبت الباخرة, وأنا لا اعلم وجهتي, ولما رست في هذا البلد,اعجبتني هيئتها.هجس هاجس في قلبي: هذا هو المكان"-ص20.
ولأنه بلا أصل قبلي, ولا تاريخ يقبله القرويون, لم يتزوج طواعية من امراة عادية, بل تزوج امراة من أصل قبلي متواضع..يقول الجد عن قبيلة زوجته حسنة بنت محمود, معلقا "تلك القبيلة لا يبالون لمن يزنوجون بناتهم"ص16. ترد في نصوص الطيب صالح اشارات كثيرة عن "الرق", يقول ودالريس عن جارية خطفها من بيت العرس "كانت فرخة عديلة من جواري بحري"ص84 .وفرخة بالعامية السودانية تعني"أأمة" أو "عبدة" أو" جارية". ونرى ايضا أن موسى الأعرج احدى شخصيات "عرس الزين" "كان عبدا رقيقا لرجل موسر في البلد, ولما منحت الحكومة الرقيق حريتهم اثر موسى أن يبقى مع مولاه".ص202-203. وموسى هذا هو الذي طرده "سيف الدين" بحجة أنه لم يعد رقيقا ,وانه ليس مسؤولا عنه, ص229.
وبدا وضع الرقيق سيئا ,عندما حلف والد سيف الدين "ليسجننه طوال حياته في الحقل كالعبد الرقيق" ص229.
وأحيانا لا تكتفي نصوص الطيب صالح بالوصف الاحادي فقط,بل تقدم عرضا بانوراميا,حين تتحدبث عن وضع"الجواري" في "ود حامد"...تقول الرواية"الجواري-الخدم كما يقول أهل البلد-كن رقيقا أعطى حريته,بعضهن هاجر من البلد,وتزوجن بعيدا عن موطن رقهن.وبعضهن تزوجن من الرقيق المعتقين في البلد وعشن حمياة كريمة,بينهن وبين سادتهم السابقين ود وتواصل, وبعضهن لم تستهوهن حياة الاستقرار,فبقين على حافة الحياة في البلد,محطا لطلاب الهوى واللذة"ص229-230.
نلاحظ ان الرواية على قتامة الصورة تعكس ظلالا متدرجة عنها,لكن نص العرض السينمائي في تعامله مع النص المكتوب اختار الظل الاشد قتامة, مما أثار حنق الجنوبيين.
لا تعكس نصوص الطيب صالح الوضع المتري للرقيق بأبعاده المختلفةفقط,بل تعكس بعض مظاهر"التمايز العرقي".ففي "عرس الزين" تم التحدث عن "عرب القوز"-الذين يرابطون-كما تقول الرواية-على طرف الارض المزروعة,فعرب القوز لا يتزاوجون مع السكان الاصليين,فهم يعتبرون أنفسهم "عربا خلصا",وأهل البلد يعتبرونهم "بدوا أجلافا",ص197-198.
ان الحديث هنا لا يدور عن الخليط العرقي السلمي,كما يرى الطيب صالح,بل عن صورتين متنافرتين يعكسهما كل من الطرفين على الاخر-الحديث هنا يختص "بالتمايز العرقي",ولذلك يتحدث محمد خلف في دراسته عن "خطاب الدرويش" عن أن"عرب القوز تم احتجازهم في ما وراء الخطوط المبينة للنقاء العرقي". ومن هنا نرى أن مسألة الأعراق ليست أوروبية فقط, وانما يمكن أن تكون سودانية أيضا.
لسنا وحدنا –في هذا العالم- الذين تؤرقهم , وتزلزل أركان مجتمعهم اشكالي الهجنة الثقافية.فأغلب المجتمعات تعيش-بشكل أو باخر_اشكالية الهجنة الثقافية.فأكبر بلدان العالم الان-أمريكا,تئن تحت وطأة هذه الاشكالية.يتحدث ادوارد سعيد في "الثقافة والامبريالية" عن الالتباس المزدوج "للهوية الأمريكية".
المهم الان –بالنسبة الينا كسودانيين, الاعتراف بوجود اشكالية للهجنة الثقافية.فعبر النقد الأليم,والاعتراف بالمرارات والخيبات,يمكن لنا على شارع الدموع والعذاب,أن نعبر الى فضاء"التسامح والاحترام المتبادل".
ان النص الابداعي,كنصوص الطيب صالح,يمكن ان يساهم في قيامنا بتلك الرحلة الأليمة.بالتأكيد هنالك فرق شاسع بين النص الذي يقفز فوق التاريخ والحقائق الدامغةليشوه صورة "الاخر" و"الواقع" معا, وبين النص الذي يرينا –من كل ذلك صورتنا القبيحة التي نحاول اخفاءها عبر أقنعة وحيل كثيرة,واعتقد ان هذا ما نجحت نصوص الطيب صالح في انجازه.وهذا ما سيجعلنا كسودانيين أكثر محبة له, وافتتانا بنصوصه.
هامش: كتب هذا الموضوع –كما يقول خلف في رسالة لاحمد عبد المكرم,في اطار من العزلة عما يدور في الملاحق الثقافية,اذ انني لم اطلع على دراسة محمد عبدالخالق التي نشرت على خمس حلقات في "الخرطوم" ,وعلى دراسة خلف "اعادة نظر في شهادة مأمور متقاعد". وبالرغم من ذلك ,ارتاينا نشرها للتاكيد على ما يثيره كتاب ما –مثل كتاب يوشيكو كورتيا عن علي عبداللطيف من أفكار متشابهة رغم اسوار العزلة الثقافية..بالتأكيد ان دراستي محمد عبدالخالق وخلف تطرحان افكارا أكثر ثراء من محاولتي المتواضعة,لكن محاولتي في المقابل تشتغل على مفهوم شغلني لزمن طويل, وهو مفهوم النسيان, وما يثيره من ظواهر ثقافية,كما تهتم تلك المحاولة-ضمن مفهوم النسيان-بالكشف عن الصور المتبادلة,صورة الذات وصورة الاخر.
| |
|
|
|
|
|
|
شكرا لكلامك "صديقي خالد" (Re: osama elkhawad)
|
شكرا لكلامك صديقي خالد لكن تعرف البوست دا ليهو اكتر من ستة شهور, وما في زول هبب ليهو غير أنور كينق؟ وسبق لي صديقنا عثمان تراث أن قال نفس ما قلته ,
Quote: وهي قراءة بالفعل تخرج عن سياق المألوف في تناول صالح. |
وسأورد ذلك في وقت لاحق. المهم لي قدام المشاء
| |
|
|
|
|
|
|