الدكتور فتح العليم صاحب قلم رشيق ..يعطر صفحات (الصحافة) من حين لآخر برائعة من مقالاته الممتعة والهادفة في الوقت نفسه.. والدكتور في اعتقادي (فلتة) لم تكتشف بعد.. لنقرأ معا مقاله المنشور تحت عنوان خرقاء ذات بيقةٍ ---- العاصمة والمدن في كل السودان زائداً البصات السفرية مخترقة الولايات والامصار ليس بها مراحيض كأن هؤلاء الركاب ليسوا من ولد آدم.. أستثني من ذلك السكة الحديد حيث تجد بالقطارات مراحيض تخدم «20%» من الركاب و«90%» من هذه الـ «20%» من نصيب ركاب الدرجة الأولى، اما السابلة والعوام الذين يكدرون الماء ويزحمون الطريق فعليهم ان «يتصرفوا». الثقافة السودانية تعتبر دخول المرحاض نوعاً من المعرَّة التي لا تليق بكريم ابن كرام وذلك يتجلى واضحاً في الاحجام عن كل ما يتعلق بهذا الموضوع لدرجة ان الرجل اذا اصيب بإسهال قال المعدة تعبانة شوية اما النساء فانهن يقلن انهن يعانين من التهاب اللوزتين حتى لو اصبن بكوليرا عينك عينك. موقع المرحاض في معظم بيوت الارياف «التي بها» تجده بعيداً جداً عن الغرف وليس له باب فقط يكتفي الناس بان يكون المدخل اليه ملتوٍ وفي ذلك منتهى الاحتشام. اذا شعر «المشترك» باية خطوات تقترب منه ما عليه سوى الحمحمة فان دنت شيئاً ما صاح «في زوول ياخي». عندما نركب القطار للشمال نجد ان النساء عامة قد احجمن عن الاكل والشرب خوفاً من الاضطرار الى دخول المرحاض. اما من هن فوق الاربعين فانهن يكابدن الصبر على شغب المعدة وقهر المثانة فان اشتد بهن الحال استلفن احد الاطفال ودخلن به المرحاض كي يظن الناس ان الطفل هو الذي يريد. اذكر مرة ان بعض المعلمات استلفن احد الاطفال اكثر من ثلاث مرات وفي الرابعة انتفضت امه وصاحت «وحات سيدي الحسن تاني ما تشيلنو، انتن ما تمسكن نفسكن!» لا انسى هذه العبارة ابداً خاصة وان هذه السيدة قد سبقت ناس سيداو وحقوق الطفل 1991م في المؤتمر الشهير بالقاهرة. البصات تسافر لمدة «12» ساعة و«24» إلى ساعة جميع امصار السودان، وعلى الراكب الصبر الجميل، فالرجل مسموح له ثقافياً بانتزاع هذا الحق اذ عندما يقف البص عند اية محطة يهرول الرجال مندفعين نحو المحطة فهذا يقف خلف حائط وذاك فوق مزيرة وتجد ان اربعة قد بركوا على الارض متقابلين مثل طلاب الكلية الحربية عند تسليم وتسلم العلم يوم التخريج. اما الجنس الآخر فتجدهن كما قال الشاعر: خيل صيام وخيل غير صائمة تحت القتام وخيل تعلك اللجما بالرغم من انني لست طبيباً الا ان الخلل الذي يصيب الكلى والمسالك وبعض الأجهزة من الجسم واضح جداً ولا تحتاج معرفته ان تكون «ماخذ احياء». ايها الناس وبالذات الولاة وضباط المحليات بالمدن انتم مسؤولون امام الله والشعب وانفسكم من هذه الورطات التي تصيب العباد، علماً بان حل هذه المشكلة لا يحتاج الى استيراد اية مواد -حفرة- حيطة- موية، دي عايزة حسن سير وسلوك او اخلاء طرف من الخدمة الوطنية؟ هل تعتقدون بان الملايين الاربعة الذين يجوبون ولاية الخرطوم يومياً كلهم يسكنون السجانة؟ هنالك حمامات تجارية ببعض المساجد الا انها لا تفي سوى باحتياج «3%» من المصلين ناهيك عن البقية الذين يصلون في بيوتهم او أصحاب الديانات الاخرى الذين لا يصلون اصلاً. اذكر انني ذهبت مع رحلة طلابية العام 1995م الى منطقة القضارف، وكان عدد الطلاب فوق السبعين ثلثاهم من الاناث. في اليوم الثاني للوصول بدأت تصلني اخباريات عن احدى الطالبات بان حالتها الصحية آخذة في السوء، طمام، رجفة، سواد في اللون، وعدم تركيز. اخذتها للمستشفى فطلب منها الطبيب بولاً للفحص، ذهبت الى مرحاض المستشفى وجاءت مهرولة زائغة العينين ولا ادري ماذا قالت للطبيب عندما همست له ببعض الكلمات.. على الفور قررت ارسالها الى الخرطوم في معية احدى الطالبات المسؤولات وبعد وصولها اتصلت والدتها تلفونياً شاكرة على الاهتمام وفكت لي ذلك الطلسم بان ابنتها ما بتعرف تستخدم مرحاض بلدي! يا اصدقائي في اليابان تجد حمامات عمومية كل «300» متر على اي طريق وكلها مجهزة بكل الاحتياجات ماء، مناديل، بخار تجفيف، عطر، ولعلمكم ان معظم الاشياء داخل الحمام تدار بواسطة الضغط على ازرار موجودة حول المقعد يعني انت ما عليك الا تلعن ابليس وتقعد وباقي المهام يقع على عاتق الحكومة اليابانية. شعرت بالحزن واليأس وسوء المنقلب وانا اقرأ لوحة كبيرة مثبتة على جدار مراحيض نادي اساتذة جامعة الخرطوم مكتوب عليها: أ/ ارجو جر السلك عقب الانتهاء. ب/ نرجو عدم استخدام الحجارة. إذا كانت هذه التنبيهات توجد مكان هؤلاء الصفوة الذين زاروا معظم بلاد الدنيا وتعتبر تصرفاتهم انموذجاً يتبعه الآخرون فأي نوع من التنبيهات يمكن ان يكون في مراحيض مرحلة اساس في ولاية حدودية؟ لن انسى ان اقول لكم إن شعب اليابان يكتب على اللافتات داخل المراحيض هذا النص: water is life and sanitation is dignity. اي شرح او تفسير لهذه العبارة ينتقص من قدرها التربوي. عملي في الآثار فترة طويلة ادخلني في ضائقات عديدة مع الأجانب حيث نكون في مرور بسوق الخرطوم فتقول لي احدى الكنديات: ممكن امشي التواليت؟ تواليت مين يا بطة نحن يا أستاذة في بلد ممنوع فيه التبول والتجول والتصوير. السودانيون يمارسون نوعاً من الحياء الضار او القاتل في كل ما يتعلق بالأجهزة الاخراجية التي يقال عنها حساسة ولا ادري هل هذه الحساسية مادية ام معنوية؟ لو دخلت الى عيادة اي طبيب جلدية وتناسلية وسألت كل الحضور عن سبب حضورهم هنا فسوف تكون الاجابات بهق، تساقط شعر، حكة في الحاجب الايمن وهكذا، أما الشق الآخر من اللافتة فلن يذكره أحد ابداً واقسم لكم لولا وجود كلمة جلدية على اللافتة لمات اطباء الأجهزة التناسلية من الجوع. ساءني جداً ان اجد في بعض المصالح مرحاضين فقط واحد لكل العاملين رجالاً ونساءً وزواراً والآخر للسيد المدير المسافر طول العام، ودائماً ما تجد امامه حارساً كالح التعابير مطراق عبوس ربما يقذف بك في الطريق العام ان تجرأت وطلبت منه المفتاح. رأيت بعض المحبين لاعمال الخير يحفرون مقابر كصدقة ويشيدون سبيلاً للماء بل ويرسلون الموائد الى المساجد والخلاوى لكنني لم اسمع بان رجل بر واحسان حفر مرحاضاً.. يا جماعة جاء في الحديث ان من فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه سبعين كربة من كرب يوم القيامة. ولعلمكم ان الموضوع الذي نحن بصدده به كرب شديدة الوطء يخشاها القوي قبل الضعيف. احدى نساء عشيرتي حكيمة جداً وتفتي بالقول القاطع في كل الشؤون ومن اشهر فتاويها انك اذا اردت ان تعرف شيئاً عن سلوكيات خطيبتك ودرجة تحضر وحسن تصرف اهلها فلا تكترث لما في مطبخهم او صالونهم فكل ذلك وجاهات ادخل الى حمامهم في شكل مفاجأة وهناك ستعرف اي انواع الاسر هذه، كلام سميك مش؟ حكمة: سئل ابن المقفع ما البلاغة؟ قال التي إذا سمعها الجاهل ظن انه يحسن مثلها. =الصحافة12 يوليو 2005 =
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة