|
الإحتفاء بالذكرى الأولى للأستاذ محمود محمد طه
|
خواطر من زمن الإنتفاضة (17)
الإحتفاء بالذكرى الأولى للأستاذ محمود محمد طه
د. إبراهيم الكرسنى
صاحب إغتيال الأستاذ محمود محمد طه وإنتصار إنتفاضة السادس من أبريل 1985 م المجيدة ، وذهاب النظام المايوي إلى مزبلة التاريخ ، صحوة فكرية وسياسية وثقافية ، لم تشهدها البلاد طيلة فترة النظام المايوي الكالحة . لقد ضرب البلاد خلال الفترة المايوية جفاف وتصحر أديا إلى خلق المجاعة في غرب السودان ، التى أشرنا إليها فى حلقة سابقة ، مما دفع بعشرات الآلاف إلى مغادرة قراهم وديارهم الآمنة ليعيشوا حياة هامشية بالفعل على أطراف المدن . لم تؤدى سياسات النظام المايوي ، وبالأخص بعدما نصب النميرى من نفسه " إماماً " على الأمة ، في خطوة إستباقية لإعلان دولة " الخلافة " ، مدعوماً بعلماء السوء، إلى خلق المجاعة فقط ، بل أحدثت جدباً فكرياً وثقافياً وروحياً لم يشهده السودان من قبل، طيلة تاريخه الحديث ، سوى أثناء الفترة التى تمكن خلالها علماء السوء وأصحاب " الجهل المسلح بالشهادات " من إدارة شؤون البلاد بالأصالة !! أعقب إنتصار الإنتفاضة إزدهار العديد من الأنشطة السياسية والثقافية والفكرية والرياضية ... الخ. فكانت دور الأحزاب والمنتديات ، داخل الجامعات وخارجها ، و كذلك الأندية تموج كخلايا النحل بتلك الأنشطة . كان الفرد منا يجد نفسه أمام مجموعة من الأنشطة والفعاليات المختلفة التى تعقد فى نفس اليوم و في ذات الوقت ، ولكن في أماكن مختلفة ومتباعدة ، مما يصعب من عملية المفاضلة ، ثم الإختيار فيما بينها . تصور أنك مواجه بتحدي " أين تذهب هذا المساء ؟ " ، ليس إلى السينما، كما جرت العادة، و إنما إلى حضور فعالية فكرية أو ثقافية... فتأمل !! ، يا لها من فترة ثرة ومترعة بالحياة ذات الأبعاد والمعاني العميقة والجميلة ، التي لو استمرت حتى وقتنا الراهن ، حتماً كان سيتغير على إثرها وجه الحياة في السودان ، وفي جميع مناحيها !! لكن ماذا نقول مع " عصابات المافيا " السياسية وقطاع الطرق من " فتوات " السياسة الذين لا يجيدون أداء مهنتهم إلا أثناء الظلام، كالخفافيش تماماً !! كانت جامعة الخرطوم بمثابة القلب لهذه الأحداث والأنشطة التى كانت دافقة ، بكل ماهو جميل ومفيد ، كالسيل الهادر الذي كان يجرف أمامه البرك الراكدة والآسنة التي خلفها النظام المايوي ، ويروى بمياهه العذبة الصحارى الفكرية والثقافية التي خلفتها تلك الفترة، حالكة السواد من تاريخ شعبنا ، وليعلن للملأ بداية النهاية لفترة " الجدب " المايوي !! في خضم هذا الزخم من النشاط ، أخذت الهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم، تحت قيادة الأخوين العزيزين د. عدلان أحمد الحردلو ، كرئيس لها ، و د . مروان حامد الرشيد ، كسكرتيرها العام ، أن تأخذ زمام المبادرة في دفع ذلك النشاط إلى الأمام ، وبالأخص ما يتعلق منه بالمناسبات الفكرية والوطنية . أتوجه بتحية التقدير والإجلال لهذين الرجلين وأشيد بمواقفهما الصلبة قبل وأثناء وبعد إنتصار الإنتفاضة المجيدة . فتحت قيادتهما ، تمكنت الهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم من لعب دور ريادي ومحوري في تكوين التجمع النقابي، و كذلك في قيادة أحداث الإنتفاضة حتى لحظة انتصارها .
وقد تحول نادي أساتذة جامعة الخرطوم إلى قلعة صامدة في وجه النظام المايوي حيث عقدت في داره الرحبة جميع ما أسميته ب " ندوات المقاومة " ضد ذلك النظام الفاسد . وقد شرفني أساتذة جامعة الخرطوم برئاسة اللجنة التنفيذية لذلك النادي العريق، وقد سعدت كثيراً بالعمل مع أعضاء تلك اللجنة، التي كونت فريق عمل متجانس، وتمكنت من تقديم العديد من الخدمات لأساتذة الجامعة وأفراد أسرهم. وبهذه المناسبة أخص بالذكر الأخوة الأفاضل د. أبو القاسم أبو النور ، د. زهير حسن بابكر والأستاذ الشاعر السر دوليب ، الذين عملوا معي كأعضاء في تلك اللجنة، وشكلوا قلب فريق العمل المشار إليه ، لهم جميعاً التحية والتقدير والإعزاز . كما أود أن أروى قصة طريفة حدثت، على ما أعتقد، أثناء إعدادنا لندوة المجاعة في غرب السودان. أذكر أنه قد جاءنى داخل النادي قبل بداية الندوة بساعات قليلة ، ونحن في غمرة إعدادنا لها ، الدكتور يونس الأمين ، الأستاذ بقسم اللغة الفرنسية ، له التحية والإجلال ، وأخبرني بأن البروفيسور عمر بليل ، عليه رحمة الله ورضوانه ، مدير الجامعة آنذاك ، يريد مقابلتي وفي الحين ، وذلك لأمر هام . سألت الأخ يونس ، " وأين هو الآن ؟ " . أخبرني الأخ يونس بأنه ينتظر خارج فناء الدار . سرنا سوياً وحينما تجاوزنا المدخل الرئيسي بخطوات فقط ، قلت للأخ يونس ، " وينو الدكتور عمر بليل دا ؟ " ، كان المرحوم البروفيسور عمر يقف على بعد خطوات منا، وسمع سؤالي للأخ يونس ، فرد علىٌ قائلاً ، " ايوا أنا عمر بليل " !! أحسست حينئذ بحرج بالغ لم يخرجني منه إلا الأسلوب الراقي الذي تعامل به البروفيسور مع الموقف ككل. فقد بادر بتحيتي تحية حارة ، ثم أعتذر للحضور قبل إنعقاد الندوة بفترة قصيرة ليبلغني رسالة ويسدى لي نصيحة ، بإعتبارى رئيساً للجنة نادي الأساتذة . وقد قال لي البروفيسور ، " والله ناس الأمن إتصلوا بى وأخبروني بأن الظرف السياسي في البلاد لا يسمح بعقد مثل هذه الندوات ، وبالتالي فهم يطلبون تأجيل موعد إنعقاد هذه الندوة إلى أن يحين الوقت المناسب " ، ثم خاطبني مباشرة قائلاً ، " والله يا دكتور أنا بنصحك بإلغاء هذه الندوة ، بناءاً على تلك الرسالة . " !! شكرت البروفيسور عمر ، شكراً في صيغة إعتذار ، حيث كانت تلك المرة الأولى التى أقابله فيها وجهاً لوجه ، وأخبرته في أدب جم ، بأنه يستحيل إلغاء هذه الندوة ، ليس فقط لضيق الوقت ، وإنما لموقف مبدئ يتعلق بحق أساتذة جامعة الخرطوم في التعبير الحر، وإبداء آرائهم في كل ما يتعلق بشؤون البلاد ، ناهيك عن أن يكون ذلك في أمر يتعلق بموت وحياة مواطنين يقطنون جزءاً عزيزاً من أرض الوطن . وبأن الهيئة النقابية، ولجنة نادي أساتذة جامعة الخرطوم، على إستعداد لتحمل مسؤولية وتبعات إنعقاد هذه الندوة . شكرني البروفيسور ، ثم ودعني بنفس حرارة إستقباله لي في بادئ الأمر . ومنذ ذلك الحين سرت طرفة ظريفة في أوساط الأساتذة ، كان مصدرها الأخ العزيز د. يونس الأمين، مفادها، " تصوروا د. الكرسنى ما عرف مدير الجامعة ؟!" وكان يحلو للأخ د. يونس ترديدها حتى بعد إنتصار الإنتفاضة !!
المهم في الأمر أن الهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم ، وفي إطار إهتمامها بتكثيف الأنشطة السياسية والفكرية والثقافية والإرتقاء بها ، كماً ونوعاً ، إرتأ ت بأنه ليست هناك مناسبة ، لدفع هذه العجلة إلى الأمام ، أهم من الإحتفاء بالذكرى الأولى لإستشهاد الأستاذ محمود محمد طه ، وذلك إستنادا إلى موقفها القيادي والرائد الذي لعبته في تنظيم وقيادة وقف تنفيذ الحكم على شهيد الفكر.الدليل على ما أقول، هو تنظيم الهيئة النقابية لأكبر ندوة سياسية في تاريخ الجامعة، عشية تنفيذ الحكم، بالميدان الغربي بمباني الجامعة مساء يوم الخميس 17/1/1985 م. لقد أم تلك الندوة الآلاف من بنات وأبناء شعبنا، وقد خاطبها نيابة عن الأساتذة الأخ الفاضل شيخ العرب الدكتور عدلان أحمد الحردلو ، ضمن آخرين، أذكر منهم الأخ أحمد المصطفى دالي ، له التحية والتقدير . وحينما تضع الأحداث في سياقها التاريخي الصحيح ، فلا تملك سوى أن تحنى هامتك إحتراماً وتقديراً للدكتور عدلان، و بقية المتحدثين الأجلاء، على ذلك الموقف الشجاع والمبدئ في ذات الوقت ، الذى شرف بالفعل أساتذة جامعة الخرطوم ، في وقت كانت مجموعات الهوس الديني في أوج " سعارها " وتشنجها وتتربص بأعدائها الدوائر، و كان مجرد إبداء رأى ، من خلال إصدار منشور، يمكن أن يكون سببا كافيا للذهاب بك إلى منصة الإعدام!! جاءني الأخ العزيز د. مروان حامد الرشيد ، و طرح علىٌ فكرة الإحتفاء بالذكرى السنوية الأولى لشهيد الفكر ، وفي سبيل ذلك، فإن الهيئة النقابية بصدد تكوين لجنة قومية لهذا الغرض وقد دعاني للإنضمام إليها كأحد أعضائها . لم أتردد لحظة في قبول دعوة الأخ مروان ، وشكرته عليها ، بل أخبرته بأنه شرف عظيم بالنسبة لي أن أكون أحد أعضائها . سألت الأخ مروان عن بقية الأعضاء فأخبرني بأن هناك عدة أسماء مرشحة لعضويتها. لا زلت أذكر من أعضائها الأخ مروان نفسه ، بالإضافة إلى المرحوم دكتور خليل عثمان ، عليه رحمة الله ورضوانه ، وكذلك الأخوين د . عبد الله بولا ، ود . مالك بشير مالك، لهما التحية والإعزاز والتقدير. لم تسعفني الذاكرة أو موقع الفكرة، في استكمال أسماء بقية أعضاء اللجنة ، حيث خلى الموقع تماماً من أي ذكر لها ، على الرغم من إحتوائه خيط عن الذكرى السنوية !!
لقد شرفني الإخوة أعضاء اللجنة القومية للإحتفاء بالذكرى السنوية للأستاذ محمود محمد طه ، وهو على ما أعتقد الاسم الرسمي الذي اعتمدته اللجنة ، بأن أكون مسئولا عن إعداد الندوات اليومية و التقديم لها، ضمن برنامج الإحتفال بالذكرى والذي أستمر لفترة أسبوع كامل . لقد تضمن أسبوع الاحتفال ، بالإضافة إلى الندوات ، إقامة معرض مصاحب بدار أساتذة جامعة الخرطوم ، كان يفتح أبوابه منذ الصباح الباكر ويستمر إلى ما بعد إنتهاء الندوة اليومية . لقد إمتلأ ذلك الأسبوع بقدر وافر من النشاط الفكري والأدبي والفني و الثقافي، بما يليق والقامة السامقة لشهيد الفكر . غطت ندوات الأسبوع العديد من جوانب إسهامات الأستاذ محمود، وإن لم تشملها جميعاً !! فإسهامات الأستاذ محمود، ومدى تأثيره فى الحراك الفكري والسياسي والإجتماعى السوداني، من الكثرة بمكان، بحيث يستحيل تغطيته في أسبوع واحد . لقد قمت، نيابة عن اللجنة القومية، بدعوة العديد من المفكرين والعلماء للتحدث في تلك الندوات ، كل في مجال تخصصه . وقد لبى جميعهم العوة، مشكورين، وشاركوا مشاركة فعالة فى إثراء تلك الندوات والمحاضرات التى إحتوت على مواد، أعتقد يمكن أن تقع فى عداد أخصب المواد التى تم تقديمها للجمهور من خلال منبر عام ، حيث أنها جمعت بين العمق والبساطة في آن واحد ، وهو أمر يصعب تحقيقه إلا من قبل من توفر له غزارة العلم وموهبة مخاطبة البسطاء وعامة الناس باللغة التى يفهمونها فى ذات الوقت . وبهذه المناسبة أود أن أتوجه بالتحية والتقدير لكل من شارك في تلك الندوات والمحاضرات من أساتذتي الأجلاء ، من داخل وخارج الجامعة ، الذين كان لمشاركتهم القدح المعلى في نجاح تلك الندوات ، بل وفي نجاح الأسبوع بأكمله .
لقد أم تلك الندوات جمع غفير من المواطنين ، وقد أتى بعضهم من أطراف العاصمة المثلثة ، بل أتى بعضهم الآخر من أقاليم السودان البعيدة . كان بعض الحضور ، وبالأخص الأخوة الجمهوريين ، يأتون مبكراً إلى النادي، ولا يغادرونه إلا بعد إنتهاء الندوات مساءاً . وقد مضت أيام الأسبوع في أفضل صورة ممكنة ما عدا ندوة واحدة تخللها بعض الأحداث المؤسفة. لا أذكر على وجه التحديد أية ندوة تلك ، ولكنني حينما كنت أعتلى المنصة ممسكاً بالمايكروفون لتقديم أحد المتحدثين ، إذا برجل يأتي من الصفوف الخلفية مسرعاً نحو المنصة . كانت أحدى كشافات الإضاءة تواجه وجهي تماماً. لذلك لم أتفرس فيه ، ولم أعره إهتماماً ، بإعتبار أن نادي الأساتذة كان يعتبر من أكثر الدور أمنا و أمانا . لكن الرجل تقدم بخطى مسرعة، وقذف حجرا نحوى، لم ينقذني منه سوى كاشفة الضوء التي كانت أمامي، حيث وقفت سداً بيني وبينه. قام الإخوة الحضور بشل حركته ، وقد طلبت من الأخ د. مالك بشير تولى الأمر مع الجهات المختصة ، ثم خاطبت الحضور مجدداً طالباً منهم الهدوء والجلوس لإستمرار الندوة . بالفعل إستجاب الحضور لتلك الدعوة بأسلوب غاية في الرقى إلى أن فرغ آخر متحدث من مساهمته .
لكن المفاجأة كانت أن الذى قام بالإعتداء علىٌ يعمل كمساعد تدريس في أحد أقسام الجامعة، وأظنه كان يعانى من بعض المتاعب النفسية . والمفاجأة الكبرى كانت حينما تعرفت على شخصيته ، فإذا بى أمام نفس الرجل الذى حاولت إنقاذ حياته أيام مشاركتنا في مظاهرات الإنتفاضة . لقد تعرض هذا الرجل للضرب من قبل أجهزة الأمن حتى صار ينزف دماً أمام مبنى مركز الدراسات الإنمائية ، حيث كانت تقف عربتى بالقرب منه. وحينما وجدناه في تلك الحالة، ما كان منى ، ومعي بعض الإخوة ، إلا أن حملته بعربتي إلى قسم الحوادث بمستشفى الخرطوم ، حيث تم إسعافه ، ومن ثم أوصلناه إلى الفتيحاب بأمدرمان ، حيث كان يسكن . فلكم أن تنظروا فى أمر هذا الرجل، حيث حاول إيذاء شخص كان حريصاً على إنقاذ حياته قبل فترة وجيزة من الزمن، وفى ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها وقتها، أنها كانت عصيبة بالفعل ... فتأمل !!
بهذه المناسبة أود أن أتوجه بالتحية الحارة لجميع أعضاء اللجنة القومية للإحتفاء بالذكرى السنوية الأولى للأستاذ محمود محمد طه، الذين و على الرغم من خلافات بعضهم المذهبية و السياسية مع الأستاذ محمود، لم يجمعوا على شئ أكثر من تقديرهم و إحترامهم و إعزازهم، بل و محبتهم لهذا الرجل. و كذلك أود أن اتقدم بالشكر الجزيل، نيابة عن تلك اللجنة، لكل من ساهم فى نجاح فعاليات الأسبوع المختلفة و المتنوعة، ولو بالقدر اليسير، كما آمل أن يستمر هذا التقليد الحميد، حتى نذكر أجيالنا القادمة دوما بنوعية بعض الجرائم، التى إرتكبها بعض البلهاء من أسلافهم، و التى يندى لها جبين البشرية جمعاء !!
د.إبراهيم الكرسنى
2/5/2007
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الإحتفاء بالذكرى الأولى للأستاذ محمود محمد طه (Re: ابراهيم الكرسنى)
|
أخي العزيز الدكتور إبراهيم الكرسني،
تحية المودة والإعزاز
كم أنا سعيد بكتاباتك.. وبالذات هذا الموضوع "الإحتفاء بالذكرى الأولى للأستاذ محمود محمد طه".. فقد كتبت في واحدة من حلقات هذه الكتابة هذه المداخلة: بين الشِّعبة والعمود يفرجها المعبود!! والآن جاءت الفرصة لإكمال الكتابة فشكرا لك.. انتهت أيام العزاء الثلاثة بعد رحيل والدي عليه رحمة الله كما أسلفت وبعدها مباشرة سافرت إلى الخرطوم لمقابلة عمنا الأكبر عبد الله المليح، عليه رحمة الله، والذي لم تمكنه ظروفه الصحية من المجيء للعزاء.. صادفت تلك الأيام قيام أسبوع الذكرى وقد تشرفت بحضور بعض الليالي وأذكر أن من المتحدثين الدكتور لام أكول الذي شبَّه الدكتور الترابي بالثعلب وقرأ أبيات الشعر المشهورة كاملة: برز الثعلب في ثياب الواعظينا
كما أذكر الليلة الختامية ولا زلت أحتفظ بشريط فيديو لها كاملا وكان من ضمن المتحدثين فيها الدكتور الراحل علي المك ومن ضمن شعرائها الأخ عوض الكريم موسى والشاعر الياس فتح الرحمن وقد غنى فيها الأستاذ محمد وردي وأنشد فيها الجمهوريون والجمهوريات، وشاهد الجمهور كله فيديو فيه فيلم المحاكمة المهزلة للمهلاوي وكذلك الحادثة المهزلة التي اشتهرت بـ "الإستتابة" للجمهوريين الأربعة الذين حكم عليهم بالقتل مع الأستاذ.. لقد كان لتلك الليلة الختامية أثراً عجيبا عليَّ فقد رفعت ذبذتي الروحية لدرجة مكَّنتني من الإلتقاء بالأستاذ محمود لقاءً روحيا عدة مرات وفي عدة أماكن بأمدرمان، وأنا أعرف أن هذا الكلام سوف يُستغرب من الكثيرين، ولا أريد أن أدخل في تفاصيل تلك اللقاءات ولكن يكفي أن أقول أنها تتكرر دائما عندما ترتفع ذبذبتي الروحية، وقد حدثت أيضا في مناسبة الذكرى الحادية والعشرين، وكما تعرف هي الأيام التي فقدنا فيها إبننا الشريف في يوم 19 يناير 2006، وهو ثاني يوم للذكرى.. في هذه المرة شعرت بالوجود الحسي للأستاذ محمود في منزلنا وقد كان صوت القرآن لا ينقطع أبدا، سواء كنا في صحو أم كنا في نوم، وذلك عبر جهاز التلفزيون [إذاعة القرآن الكريم من مكة المكرمة بواسطة الستالايت وأيضا من أمدرمان].. طبعا هناك تفسير علمي لمثل هذه الظواهر الروحية، ولكن الشاهد أن الشعور لم يكن لدي وحدي وإنما أيضا لدى إلهام، بل ولدى عدد من الجمهوريين في مناطق مختلفة من العالم وقد نقلوا لنا رؤاهم ومشاهدهم الروحية فمثلا بعضهم شاهد رؤى منامية عجيبة فيها الشريف، ومنهم من رآه مع الأستاذ محمود ومنهم من رآه مع الأستاذ سعيد، بعض هذه المشاهد والرؤى مسجل كتابة في صالون الجمهوريين. لقد قرأت كتابتك هذه في صالون الجمهوريين اليوم قبل أن أقرأها هنا وهي بالتأكيد من المواد التي تستحق أن تضاف إلى موقع الفكرة وأرجو مثلك أن يتمكن شهود ذلك الأسبوع من الذكرى الأولى من توثيق ذكرياتهم مثلما فعلت أنت.. أرجو كذلك أن تمكنني التقنية من بث بعض مواد ذلك الإحتفال بالصوت والصورة ولكن على الأقل هناك في موقع الفكرة تسجيل بالصوت للأخ عوض الكريم موسى وهو يلقي قصيدته تلك.. وربما يلاحظ الناس أن الأيام قد مرت وجعلت الأخ عوض الكريم يصبح من مؤيدي حكومة الإنقاذ، فتأمل في هذا التحول.. المهم القصيدة تستحق الإستماع إليها وقراءتها هنا: http://alfikra.org/article_page_view_a.php?article_id=52&page_id=1
ربما أعود بالجديد..
ياسر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الإحتفاء بالذكرى الأولى للأستاذ محمود محمد طه (Re: ابراهيم الكرسنى)
|
الأخ العزيز ياسر أشكرك جدا على إهتمامك بالموضوع، وحقيقة لقد ’بقرت‘ من ذاكرتك الحديدية. نعم بالفعل لقد تحدث الأخ لام و الرحوم على المك وكذلك أذكر أن أستاذى الجليل وصديقى محمد سعيد القدال قد تحدث لإى أحد ندوات الأسبوع. كلى أمل فى أن يساهم كل من حضر ذلك الأسبوع فى سرد أسماء من تحدثوا فى ندواته و ّذكر المواضيع التى تطرقوا لها. أما حديثك عن المرحومين والدك وإبنك ياسر، عليهما رحمة الله، والرؤى فى حضرة الأستاذ، فتلك ’ترهات‘ أرجو ان تترك أمرها للمتصوفة فقط!!
ألاخ الفاضل الطيب شيقوق أشكرك كثيرا و كلى أمل فى أن تثرى النقاش بما تختزنه ذاكرتك بتفاصيل أحداث تلك الأيام الخالدة. أشكركم مرة أخرى. إبراهيم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الإحتفاء بالذكرى الأولى للأستاذ محمود محمد طه (Re: ابراهيم الكرسنى)
|
عزيزي الأخ د. إبراهيم الكرسني، تحية المودة والإعزاز كلمة "تُرَّهة" تعني "باطل" أو "زيف" أو "تزييف" أو "كذب" وهذا ما يعادلها باللغة الإنجليزية.. falseness , falsity , fabrication , flimflam , drivel , aspersion , calumny , lie , libel , traducement , falsehood , vilification
وأنت طلبت مني أن أترك هذه "التُرَّهات" "للمتصوفة فقط" وذلك بسبب أنني تحدثت عن مسائل وصفتها بالروحية.. أنا شخصيا لا أظن أنك استخدمت الكلمة وفي ذهنك هذا المعنى الفظيع.. ولكن الناس اعتادوا أن يطلقوا الكلمة ويقصدوا بها معاني مثل "خرافات" أو "شطحات" عندما يصفون مثل هذا النوع من الرؤى والمشاهدات.. فإذا كان ظني هذا في محله، فإنني أريد أن أقول أن الفكرة الجمهورية فكرة علمية واضحة، ولكنها لا تنكر ما اشتهر في كتب الصوفية من حدوث المشاهدات الروحية والتجارب، ولا تعتبره خرافة أو شطحا، دع عنك أن تعتبره كذبا، ولكني أعرف أن هذا الجانب الروحاني من الفكرة الجمهورية لا يروق الكثيرين من المثقفين والمتعلمين ولذلك يجيء مثل هذا النوع من الكلام.. تعرف يا عزيزي كرسني لو كانت الفكرة الجمهورية فكرة عقلانية فقط وليس لها بعد آخر لما استهوتني أبدا.. أكثر من ذلك، فإني أعتقد بأن أس الرجاء في الفكرة الجمهورية ليس هو في جانبها الفكري العقلاني، وإنما بقولها أننا نعيش في بيئة روحية ذات مظهر مادي حسب عبارة الأستاذ.. وقد قال الأستاذ في "الديباجة" أن هذه الحقيقة ستحدث ثورة في مناهج التعليم
Quote: إن البيئة التي نعيش فيها إذن إنما هي بيئة روحية، ذات مظهر مادي.. وهذه الحقيقة ستحدث ثورة في مناهج التعليم الحاضرة، التي ظهر قصورها، وإليها يرجع فساد الحكم، وقصور الحكام، والمحكومين .. ما هي الروح ؟؟ هي الجسد الحي الذي لا يموت!! وفي المرحلة، قبل ظهور الجسد الحي، الذي لا يموت، فان الروح هي الطرف اللطيف من الجسد الحاضر ـ الروح هي العقل المتخلص من أوهام الحواس، ومن أوهام العقل البدائي الساذج.. الروح هي العقل المتحرر من سلطان الرغبة ـ الهوى .. ونحن لا نصل إلى الروح إلا بالإيمان، وبتهذيب الفكر، ومن أجل ذلك قال النبي الكريم : ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به..)) وما جاء به هو الشريعة، والطريقة، والحقيقة .. هذا شرط أول الطريق.. |
وأنت تعرف أن الأستاذ محمود تحدث عن فشل الماركسية في كتاب "الثورة الثقافية" ويحسن بي أن أثبته هنا:
Quote: ولما كانت فكرة الخالق مجحودة عند كارل ماركس فقد تبع ذلك رفض وحدة الوجود.. ومن ثم فإن المتناقضين عنده يقومان على إختلاف نوع.. وهذا ما يجعل العنف عنده أصلاً من الأصول.. وهو ، بطبيعة الحال ، أس الخطأ في تفكير ماركس ، مما يجعل الماركسية مرحلية.. وإن كانت هذه المرحلية في غاية الأهمية في تاريخ تطور المجتمع فكرياً، واجتماعياً، وسياسياً، في القرنين الأخيرين.. الماركسية مرحلية لأنها، حين قطعت صلتها بالغيب، عجزت عن إدراك القوة التي تؤثر في تطور الإنسان من خارج المادة.. لقد خدمت الماركسية غرضاً كبيراً ولكنها قد استنفذت غرضها هذا، وأخذت تدخل التاريخ.. وهي لن تكون لها في المستقبل غير قيمتها التاريخية هذه.. وهي قيمة كبيرة، من غير شك، إذ قد شكلت قنطرة تربط، ربطاً علمياً، في مجال الفكر، ومجال التنفيذ، بين المادة والروح.. فهي بذلك ـ أعني الماركسية ـ قد جعلت عودة الإسلام، من جديد ممكنة، وواجبة .. |
ولك شكري..
ياسر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الإحتفاء بالذكرى الأولى للأستاذ محمود محمد طه (Re: ابراهيم الكرسنى)
|
عزيزى ياسر
لك التحايا و أشكرك على المداخلة القيمة، كعادتك دوما. هذا بالضبط ما قصدته، أن من يقرؤون حديثك حول المشاهد مع الأستاذ، وهم لا يؤمنون بمنهج التصوف، ربما سيصف بعضهم تلك الحالة بأنها أحد "ترهات" المتصوفة. أى ليست سوى باطل وكذب و زيف، وحاشاك من كل هذا. هذا كان المعنى المقصود، و آسف لأى لبس فى الموضوع. أشكرك مرة أخرى. إبراهيم
| |
|
|
|
|
|
|
|