|
يا قادة السودان تعلموا الدرس من السيدة العظيمة ربيكا!!
|
يا قادة السودان تعلما الدرس من السيدة العظيمة ربيكا!!
د. ابراهيم الكرسنى
فى البداية لابد من تقديم واجب العزاء لأسر وأقارب وأصدقاء جميع شهداء شهر أغسطس الدامى فى جميع أنحاء البلاد, وبالأخص فى العاصمة المثلثة, ويأتى فى طليعة هؤلاء الشهيد الدكتور جون قرنق ديمابيور. العزاء الحار لزوجته المكلومة ربيكا ولأبنائه الأعزاء ولأفراد أسرته الممتدة فى جنوب السودان وشماله ولرفقاء دربه من قادة وأعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان ولجميع محبى السلام فى طول البلاد وعرضها. لكننى أود أن أختص السيدة الفاضلة ربيكا بعزاء خاص حيث أثبتت بالفعل, وليس القول وحده, الوفاء غير المحدود للمبادئ التى استشهد فى سبيلها رفيق دربها فى الحياة والنضال من أجل تحقيق آمال وطموحات أهلها فى الحرية والانعتاق والعيش الكريم حيثما وجدوا فى أرجاء المليون ميل مربع. ليس هذا فحسب, بل لقد أثبتت السيدة ربيكا أنها انسانة رائعة بكل ما تحمل هذه الكلمات من معانى وقائدة سياسية مسؤولة ومحنكة من الطراز الأول.
على الرغم من الخسارة الشخصية الجسيمة التى شكلها فقدان الزوج, وبهذه الطريقة المأساوية, بالنسبة للسيدة ربيكا شخصيا وكذلك بالنسبة لفلذات كبدها, الا أن هذه السيدة العظيمة قد تمكنت, وفى أكثر الظروف مأساوية وتعقيدا, من أن ترى الواقع المرير الجاثم أمامها برؤية ثاقبة وأن تصوغ التصور الكامل لتجاوز المحنة على جميع مستوياتها – الشخصى منها والحزبى وكذلك الوطنى. لقد لخصت هذه السيدة العظيمة الفاجعة, بكل عمقها, بكلمات بسيطة ولكنها عميقة الدلالة فى ذات الوقت حيث قالت, "لقد رحل جسد جون ولكن ستبقى رؤيته وأفكاره من أجل بناء السودان".
ما هى اذن, الدروس والعبر التى يمكن أن يستخلصها قادة السودان, حكاما ومعارضون على حد سواء, فى هذا الظرف العصيب و المنعطف السياسى الخطير الذى تمر به البلاد فى الوقت الراهن من موقف هذه السيدة العظيمة !!؟؟
الدرس الأول:
رباطة الجأش والتماسك, الوجدانى والعقلى, والثبات عند مواجهة المحن, مهما عظم شأنها, وبالأخص حينما يتداخل شقها الشخصى بالعام.
الدرس الثانى:
عدم اسقاط الجراحات و المآسى الشخصية على الشأن العام والباسه ثوبا أضيق من حجمه الطبيعى, حينها سيتسع الرقع ولن يفلح أمهر "ترزية" السياسة من رتقه.
الدرس الثالث:
النظرة الثاقبة ووضوح الرؤية فى أكثر المواقف حرجا وتعقيدا والتى ربما قادت فى الكثير من الأحيان الى ارباك وخلط جميع الحسابات, الشخصية منها والاجتماعية و السياسية.
الدرس الرابع:
الثبات على المبدأ, حيث يكون هذا الثبات بمثابة البوصلة التى تهدى الربان نحو بر السلامة فى بحر سياسى متلاطم الأمواج.
الدرس الخامس:
التحلى باليقظة التامة وتجاوز الصغائر والأحن الشخصية حيث أشارت هذه السيدة العظيمة, وجثمان زوجها لايزال مسجيا أمامها, الى أنها لا تتهم أحدا بالضلوع فى أمر استشهاده. بمعنى آخر أنه لا توجدfoul story من وراء استشهاده, كما تقول الفرنجة. الدرس السادس:
الموقف السياسى السليم الذى تبنته حينما نادت بضرورة العض بالنواجز على وحدة الحركة الشعبية, باعتبارها تشكل صمام الأمان, ليس لمستقبل الجنوب وحده, وانما لمستقبل الوطن برمته, وكذلك على انجازات الشهيد والتى يأتى فى طليعتها, بطبيعة الحال, اتفاقية السلام المبرمة بين الحركة و حكومة السودان.
الدرس السابع:
السمو فوق المرارات و المصالح الشخصية و عدم استثمار المحنة الراهنة لتحقيق أى مكاسب شخصية كانت أو أسرية, بل استثمارها وتجييرها لخدمة المصالح الوطنية العليا بكل ما يتطلبه ذلك من ادراك عميق لحجم المسؤولية الوطنية, ولكم فى استشهاد ياسر عرفات عظة وعبرة!!
اننى على يقين تام بأنه لو امتلك قادة السودان الحاليين, بمن فيهم قادة الحركة الشعبية, ما تمتلكه السيدة العظيمة ربيكا من حكمة وحنكة سياسية ورؤية ثاقبة وشجاعة فائقة وتحركوا بمستوى السرعة والوضوح اللذين تحركت بهما هذه السيدة المكلومة, لأمكن – الى حد بعيد- الحد من حالة الاحتقان السياسى وما صاحبها من انفلات أمنى, ان لم نقل تجنب المأساة التى شهدتها شوارع العاصمة المثلثة فى الأيام الماضية.
ان الدماء الطاهرة التى سالت من أجساد السودانيين الأبرياء, جنوبيين كانوا أم شماليين, ما هى سوى تعبير حى عن أزمة سياسية خانقة تمسك بتلابيب البلاد بأجمعها, وانه فى حالة عجز القادة عن "صناعة" الخطاب السياسى الملائم لهذه المرحلة الحرجة, فان البلاد مقدمة دون أدنى شك نحو حرب أهلية طاحنة, وما الانفلات الأمنى الذى تعيشه العاصمة القومية فى الوقت الراهن سوى "بروفة" لذلك.
كلمة أخيرة أود توجيهها الى حكام السودان الحاليين فى هذا الظرف العصيب الذى تمر به البلاد, وهى أن حركة غليان الشارع تسير بمتوالية هندسية بينما اجراءتكم فى جميع مستوياتهل, السياسية , الأمنية, الاعلامية... الخ, تسير بمتوالية حسابية بسيطة. فان عجزتم عن عكس هذه المعادلة واعادتها الى وضعها الصحيح, فان سيل الدماء الراهن سوف يتحول , لا قدر الله, الى بحر متلاطم الأمواج وسيكون حينها قادرا تماما ليس على اغراق سفينة السلام فقط وانما على اغراق السودان برمته, آملا حينها أن لا يتعدى هذا الطوفان حدود السودان الذى كان!!
د. ابرهيم الكرسنى
|
|
|
|
|
|