فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 08:48 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة احداث امدرمان 10 مايو 2008
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-07-2008, 04:10 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !!

    [size=24]العدد رقم: 863 2008-04-07

    بين قوسين
    العودة إلى جذور المشكلة

    عبد الرحمن الزومة
    كُتب في: 2008-04-05





    العودة إلى جذور المشكلة
    لا تخلو صحيفة من الصحف هذه الأيام و لا منتدى من المنتديات من حديث عن ما يسمونه (المفاوضات) بين الوطنى والشعبى أو بعبارة أخرى اعادة الوحدة الى الحركة الاسلامية. الشعار لابد أنه شعار طيب ويلامس شغاف قلوب عدد كبير من الاسلاميين. لكن المسألة ليست بهذه (البساطة) وعودة الوحدة الى صفوف الحركة الاسلامية يجب ألا ينظر اليه من تلك الزوايا (العاطفية) لأن تلك النظرة لن تقود الى أية نتائج على أرض الواقع.
    انه من المفهوم أن الطبيب المعالج وعندما يريد أن يقدم الوصفة العلاجية المناسبة لمريضه لابد له من أن يقوم بعملية (التشخيص) لذلك المرض أولاً وهذه المسألة تقتضى من الطبيب أن يلم بـ (تاريخ المرض) وما اذا كان أى من (أسلاف) ذلك المريض يعانى من ذات المرض وما شابه وتلك خلفية مهمة تمكن الطبيب من التوصل الى تحرير الوصفة العلاجية الصحيحة التى تقود الى العلاج الشافى.
    ان الذين يتحدثون عن التفاوض مع المؤتمر الشعبى لابد لهم أولاً من العودة بالأمور الى بداياتها الأولى و (تحليل) تلك البدايات وارجاع المشكلة الى (عناصرها) الأولية وأيضاً (تحليل) تلك العناصر لأنه فى تلك الفترة تكمن (الجذور) الحقيقية للمظاهر التى نراها اليوم أو ما يمكن أن نطلق عليه (يوميات) النزاع الحالية.
    وهنالك حفنة من الأسئلة لابد من أن تكون الاجابات عليها واضحة ومعلومة للجميع. ومن ضمنها سؤال عن الذين يتحدثون باسم المؤتمر الشعبى: من هم وما هى صلاحياتهم فى الوصول الى أى اتفاق! ان هذا السؤال يمكن وضعه بصيغة أخرى وهى (استرجاع) واستعراض الظروف التى قام فيها حزب المؤتمر الشعبى. والاسئلة تمتد لتشمل قضية أخرى أكثر أهمية بل هى القضية المحورية وهى تشخيص ما حدث : هل هو (انشقاق) بالمعنى الكلاسيكى للكلمة أم ماذا؟
    حسناً دعونا نرسم صورة (قلمية) لتلك الأيام التى كان فيها الاسلاميون لاهم لهم غير الاجتماع والانفضاض من أجل هدف واحد وهو (اقناع) السيد الترابى بأن يعتزل منصب الأمين العام بسلام وهدوء بعد أن قر رأى الأغلبية الساحقة منهم على أنه لم يعد الشخص المناسب للاستمرار فى ذلك المنصب. لقد أحصيت أكثر من خمسة عشر مجموعة فى تلك الأيام تجتمع يومياً صباح مساء من أجل انجاح عملية (نقل السلطة) بسلام.
    اجتمع ما يربو على (ألف وخمسمائة) فرد من كبار شيوخ وقيادات الحركة الاسلامية ذلك الاجتماع التاريخى فى قاعة الصداقة ودُعى الترابى لذلك الاجتماع غير أنه سخر منه بل وأصدر مذكرة (يحذر) من حضور الاجتماع وقام الاجتماع وطالبه بالتنجى.
    جاء عدد من كبار قادة الاخوان من كل مكان من العالم الاسلامى وطالبوا الرجل بنفس المطلب لكن الرجل أصم أذنيه وأصر على موقفه. اجتمع المؤتمر العام للمؤتمر الوطنى أو ما عرف بمؤتمر (العشرة آلاف عضو) وقرروا عزل الترابى بما يشبه الاجماع وتم عزله فقط من منصب (الأمين العام) ولم يتطرق المؤتمر الى فصله من عضوية التنظيم وبالرغم من ذلك أنشأ حزبه. ان التسمية الصحيحة لذلك الحزب هى أنه حزب (منشق) وهذه تختلف عما يسمى بانشقاق الحركة الاسلامية.

    العدد رقم: 863 2008-04-07

    بين قوسين
    لكل حادث حديث

    عبد الرحمن الزومة
    كُتب في: 2008-04-06




    حاولت فى مقالى السابق أن أحلل الظروف التى نشأ فيها حزب المؤتمر الشعبى ورجحت أن التسمية الصحيحة لذلك الحزب هى أنه حزب (منشق) أكثر من كون ما حدث هو (انشقاق) فى صفوف الحركة الاسلامية. هذه مسألة مهمة لأن التسمية الخاطئة هى مثل (التشخيص) الخاطئ للمرض يقود كلاهما الى العلاج الخاطئ.وتنبع أهمية تلك المسألة من أنه اذا كان هذا الحزب (منشقاً) فان ادارة الحوار معه تختلف عن ادارة الحوار فيما اذا كانت العملية هى انشقاق فى صفوف الحركة الاسلامية لأنه كما يقولون لكل حادث حديث ولكل حالة لبوسها.
    أما المسألة الأخرى المهمة فهى شخصية الرجل الذى (انشق) وطبيعة الوضعية التى يتمتع بها من يقودون اليوم (المفاوضات) مع المؤتمر الوطنى. ولتوضيح رأيى حول هذه النقطة بالذات أحكى لكم ما حدث فى الأيام الأخيرة من الأزمة وأنا هنا أنقل الرواية عن شخصية كبيرة ونافذة.
    كان أحد الشيوخ الكبار من قادة الاخوان (من خارج السودان) يقود جهود وساطة وطلب من الحكومة أن تسمح له بمقابلة (أخيرة) مع الترابى والذى كان حينها فى السجن. قال الرجل انه قد تكلم مع الترابى (أمس) وأنه اتفق معه على كل شئ من أجل حل الخلاف وأن الترابى طلب منه أن يتحدث مع عبد الله حسن أحمد وأنه يوافق على كل ما توافق عليه (جماعته فى الخارج).
    تمت الموافقة على الزيارة ليس هذا فحسب بل فتحت أبواب (سجن كوبر) لتدخل سيارة القصر وبداخلها الشيخ الجليل. انتظر الناس عودة الشيخ ولما جاء قال كلمة واحدة (اتركوه) ولما سألوا المزيد والايضاح قال انه وبعد أن اتفق مع الترابى وذهب لتأكيد الاتفاق بعد أن أكد له أنه اتفق مع عبد الله حسن أحمد على كل شئ تنصل الترابى بحجة (اننى سجين) والسجين لا رأي له.
    الشاهد فى قولى هذا وعطفاً على ما قلت الآن وفى مقالاتى السابقة فاننى أرى أن أى شخص فى هذا الحزب لا يملك رأياً يخالف الترابى والأصوب والحالة هذه هو أنه اذا كان لابد من حوار فليكن مع الترابى شخصياً. ان أى مفاوضات مع أى شخص غيره هى مضيعة للوقت بل اننى أعتقد أن العملية كلها محاولة من الترابى لكى يسخر من قادة المؤتمر الوطنى ويظهرهم بمظهر (المتهافت) للصلح معه.
    وشاهدى على ذلك هو أنه وقبل حدوث مفاوضات صلح بين أى جماعتين فلا بد أن تكون هنالك مظاهر تدل على تقارب بين تلكما الجماعتين فأين هى مظاهر التقارب مع الترابى؟ قبل أيام صرح الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل بأنه يتوقع لقاءً بين البشير والترابى فخرجت كل الصحف فى اليوم التالى تقول ان الترابى يرفض لقاء البشير.
    قبل أسبوع سألت احدى صحف الجنوبيين الترابى حول ما اذا فازت الحركة الشعبية وجاء (رئيس مسيحى)! أجاب الترابى انه اذا كان هنالك مرشح مسيحى ومرشح مسلم (فسأصوت) لمن كان منهم (أميناً)! الايحاء واضح فالترابى يقصد أن يقول أن المسلم ليس (أميناً) لكن ما يقصده الترابى (أكثر) فهو أنه يريد أن يقول أن الرئيس البشير ليس أميناً لأنه يعلم أن مرشح المؤتمر الوطنى هو الرئيس البشير. أين مظاهر التقارب مع هذا الرجل!!! على مسؤوليتى لا تضيعوا وقتكم و( قولوا الزومة قال)!.



    السودانى [/size]
                  

04-07-2008, 04:36 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)



    رغم «المصالحة » عناصر نافذة في حكومة مايو لا ترغب في مشاركة الحركة الإسلامية
    الداخلية لا علم لها «بالفلاشا».. ولم يحقق معها في محاكمات (رموز مايو)



    «انقلابات.. واغتيالات ودماء وتعذيب وهروب».. تفاصيل لمشهد سياسي راسخ في ذهنية العقل السياسي السوداني، وهي كذلك صور وملامح لما بعد البيان الأول لأية حقبة حاكمة ليس في السودان فحسب لكنها أيضاً نموذج يمكن أن ينطبق في أية دولة من دول العالم الثالث.. وهكذا احتشدت الذهنية السودانية بواقع ومجريات التاريخ السياسي في السودان من لدن العام 1956م إلى ما بعد عشية 30 يونيو 1989م وكلما ارجع العقل السوداني ذاكرته إلى الوراء كلما ازدادت قناعته بفشل النخب السودانية في إرساء نموذج للحكم يلبي طبيعة أهل السودان واحتياجاتهم وطموحاتهم ويزيل عنهم (الرهق) والشقاء..
    في ذاكرتنا الآن حركة يوليو 1976م التي (تبلورت) عبر أطروحات وأفكار (الجبهة الوطنية) المناهضة لنظام جعفر نميري والتي عرفت فيما بعد بـ(حركة المرتزقة) ولكن ومهما اختلف الناس أو اتفقوا حول حقيقة هذا التحرك المعارض فإن حركة يوليو 1976م تبقى شكلاً من أشكال الإرادة السودانية في سبيل بحثها عن الحكم الرشيد وتفكيك أنظمة الحكم الدكتاتوري، والحد من خطر الأنظمة العسكرية على وحدة واستقرار السودان وعلى المنطقة.. هكذا كان منفستو (الجبهة الوطنية) لمخاطبة القوى السياسية السودانية من أجل اقصاء نظام نميري الذي كانت طبيعته يسارية حمراء ومتشددة مع الإسلاميين.
    (الوطن) حرصت على أن تجلس إلى مولانا أحمد عبد الرحمن محمد أحد أبرز رموز الجبهة الوطنية ممثلاً لحركة (الأخوان المسلمين) والذي يتولى الآن مسؤولية إحدى الواجهات الحكومية وهي مجلس الصداقة الشعبية العالمية، حاول في هذه المقابلة ارجاع ذاكرته إلى تلك الأيام والأجواء السياسية التي صاحبت انقلاب مايو 1969م وتشكيل الجبهة الوطنية المعارضة فيما بعد والتي تبلورت في المملكة العربية السعودية ثم استوطنت وتوسعت في بيروت بلبنان لينتهي بها المطاف في أرض الجماهيرية العربية الليبية.
    في هذه المقابلة تشعب الحوار وتداخلت القضايا ورغم الأجندة والتساؤلات التي وضعناها أمام مولانا أحمد عبد الرحمن في بدايتها البعد التاريخي إلا أن واقع الحركة الإسلامية اليوم يستوجب البحث في واقعها ومستقبلها وكشف الحقائق والمسكوت عنه في خلافات الإسلاميين. وبالنظر إلى دور واسهام الأخوان المسلمين آنذاك في حركة يوليو 1976م لا يكاد يُرى لهم (أثر فاعل) في مجمل مخطط الجبهة (الإقصائي) وذلك باعتراف مولانا أحمد عبد الرحمن نفسه ولكن الحركة الإسلامية الحاكمة الآن تؤكد الحقائق التاريخية بأنها صعدت إلى واجهة السلطة بشكل متسارع ودرامي بعد أن كانت مجموعة ضعيفة ومهمشة وغير مؤثرة في الجبهة الوطنية.. أكثر من الساعة ونصف الساعة جلستها (الوطن) مع مولانا أحمد لكنها بالطبع ليست كافية لإدارة حوار مع رجل يحمل عدة (واجهات) الدخول فيها يحتاج إلى ساعات طوال.. والسؤال الاستثنائي الذي نطرحه هنا.. ما بال مولانا أحمد يمارس فضيلة (الاعتكاف السياسي) وهو الذي يدرجه البعض ضمن منظومة حكماء وعقلاء الحركة الإسلامية التي هي الآن في حاجة لهؤلاء العقلاء؟..



    اجرى الحوار: هاشم عبد الفتاح / تصوير: سعيد عباس



    * هل طالبتم نميري بتقوية مشاركتكم في السلطة عبر مواقع قيادية؟
    - كنا موجودين في الحكومة لفترة أكثر من عام، كانت عضويتنا شاغرة في مجلس الأمن القومي، وهي فترة اعتبرها نميري فترة حسن «سير وسلوك»، بعدها ملأنا مواقعنا في مجلس الأمن القومي، ولو لا نميري لما دخلنا هذا المجلس لأن القيادات العليا النافذة في نظام نميري خاصة في أجهزة الأمن لم تكن راضية بمشاركتنا أو تمكين الحركة الاسلامية في أي موقع ناهيك عن مواقع قيادية.
    * ومتى تحققت المفاصلة بين السيد الصادق المهدي ونميري؟
    - اتفاقية كامب ديفيد كانت بمثابة مفترق طرق بين نميري والصادق المهدي، فالمكتب السياسي لحكومة مايو اجتمع لمناقشة موقف السودان من كامب ديفيد، وهنا السيد الصادق المهدي انتهز هذه الفرصة وأعلن خروجه من نظام مايو.
    * وماذا كان موقفكم أنتم كحركة إسلامية من هذه الاتفاقية؟
    - نحن لا ندعي بأننا كنا مؤثرين في نظام مايو حتى نقول رأينا في هذه الاتفاقية تأييداً أو معارضة، ولذلك لم يكن لدينا وجود حقيقي حتى تحسب لنا كامب ديفيد أو تحسب ضدنا، ومن هذا المفهوم كنا لا نرغب أن نتحمل مسؤولية ليست لنا.
    * إذن كامب ديفيد كانت السبب المباشر لخروج المهدي من الحكومة وفض المصالحة مع نميري؟
    - أبداً هذا ليس السبب المباشر لخروجه، فالصادق المهدي لم يكن مرتاحاً لوجوده داخل نظام مايو رغم أنه صاحب المبادرة أو المصالحة، لكنه لم يجد تطلعاته ورؤاه لا في المواقع التنفيذية ولا المواقع السياسية، وأدرك بأنه لا داعي للاستمرار في المصالحة مع نميري.
    * أنت كوزير للداخلية في نظام مايو ما حقيقة الاضطراب أو الضعف في السنوات الأخيرة لحكم نميري؟
    - قبل انتفاضة رحب أبريل 1985م كنا كحركة إسلامية أمورنا تسير بشكل طبيعي، ولم يكن لدينا استعداء ضد نميري، وكنا نعتقد أن فترة نميري هي بمثابة فرصة لنا (للتنفس) من المواجهات السابقة والتي لم يكن لدينا فيها سهما كبيرا، ونحن أكثر الكيانات السياسية التي تعرضت للسجون والمعتقلات لسنوات طويلة والمطاردات والملاحظات من جهاز أمن نميري.
    وفي الأيام الأخيرة لنميري بدأنا نفكر في المستقبل، وأن توسع قاعدة الحركة بالاستقطاب والطريق السلمي وطرح أفكار وبرامج الحركة الإسلامية، واعتقد أن مظلة الاتحاد الاشتراكي التي كنا ننضوي تحتها تتيح لنا الفرصة الكاملة لممارسة هذا النوع من العمل، خاصة أن نميري في سنواته الأخيرة بدأت توجهات تتخذ منحنى إسلامياً.
    * إذن ما هي الأسباب أو العوامل المباشرة التي أدت لخروجكم من منظومة مايو؟
    - هناك قوة خارجية كان لها تأثير كبير جداً على نظام نميري وهم الأمريكان، حيث حضر وفد أمريكي بقيادة بوش الكبير والتقى بكل القوى السياسية في اجتماع بالسفارة الأمريكية بالخرطوم بعد أن وجهت الدعوة لكل هذه القوى ما عدا الحركة الإسلامية، وهذه كانت بمثابة قاصمة الظهر بالنسبة لنا، وبكل أسف كانت حاضرة هذا اللقاء وموافقة على أن الحركة الإسلامية خطرة على نظام نميري وغيره من القوى السياسية. في هذا الأثناء نشطت المخابرات الأمريكية واستطاعت ان توغر صدر المسؤولين على ان الحركة الاسلامية اذا «لم تتغدوا بها سوف تتعشى بكم».. ومن دون مقدمات وجدنا أنفسنا في السجون وعلمنا من البيان الأول بأننا متجهين إلى سجن «شالا» رغم أننا كنا وزراء.
    * وكيف كانت تداعيات هذه العملية من جعفر نميري؟
    - هذه هي الغلطة التاريخية التي وقع فيها نميري باعتقاله لقيادات الحركة الاسلامية، ونظام نميري كان في حالة استقرار منذ انعقاد المصالحة في 1976م، حيث لم تكن هناك مظاهرات أو اضرابات من الطلاب أو العمال أو غيرهم من قطاعات الشعب، وهذه العملية بضرب الاخوان المسلمين كانت قاصمة الظهر وبذلك وجدنا انفسنا اكبر مجموعة في المعتقلات والسجون.
    * في تقديرك لماذا حاول نميري ضرب الإسلاميين وتحجيمهم في السلطة؟
    - رغم ان نميري كان متعاوناً مع الحركة الاسلامية لكنه كان ينسب كل ما له علاقة بالمنهج الاسلامي إلى نفسه كرئيس للجمهورية، ولا يقبل بمشاركة أي مجموعة أو أي فرد من الحركة الاسلامية، بل ان نميري وجه مستشاريه بعدم الاتصال بالدكتور الترابي فيما يتعلق بتطبيق القوانين الاسلامية رغم انه كان وزير عدل في الحكومة، ولكن نميري شكل لجنة فنية برئاسة خلف الله الرشيد رئيس القضاء السابق وسكرتارية الدكتور الترابي (وزير العدل) على ان تستعين هذه اللجنة بكل العلماء والفقهاء السودانيين في مجال التشريعات الاسلامية، كما استعانت اللجنة بعدد من رجال الفقه والقانون من البلاد العربية خاصة مصر، وقامت اللجنة بعمل كبير ونظرت في كل القوانين المعمول بها في السودان من أجل امكانية مطابقتها للتوجه الاسلامي في البلاد، وتبين لهذه اللجنة ان حوالي 85% من القوانين المعمول بها تطابق التوجه الاسلامي.
    * هنالك اعتقاد من بعض الاسلامية ان التوجه الاسلامي لحكومة نميري في ايامها الأخيرة هو الذي عجل برحيلها؟
    - ربما يكون هذا صحيح لأن نميري أصر على تطبيق القوانين الاسلامية دون تدرج وركز على الحدود الاسلامية رغم ان هناك جهداً وتحركاً من القضاة الموجودين آنذاك بأنه لا بد ان تراعي عملية تطبيق قوانين الحدود الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تواجه السودان في تلك الفترة.
    * أنتم كحركة إسلامية ما هو موقفكم من عملية تطبيق القوانين الإسلامية التي أعلنها نميري؟
    - ليس لدينا فرصة ان نقول أي شيء وخاصة ونحن داخل النظام، لكن حافظ الشيخ الزاكي رئيس القضاء واحد قيادات الحركة الاسلامية كان لديه موقف مشهود في هذه القوانين، ولكنا سعينا لعمل مستوى آخر للاستئناف، حيث تم تكوين لجنة مراجعة الاحكام (الحدود) وهي لجنة أعلى من المحكمة العليا وحتى الآن لا تزال هذه اللجنة موجودة باسم (لجنة المراجعة)، وهذه اللجنة تعطي الآن الأهتمام الكامل باعتبار ان الحركة الاسلامية هي الحاكمة الآن.
    * أستاذ أحمد قضية ترحيل «الفلاشا» الشهيرة شكلت أحدى مسالب مايو بل اعتبرها البعض «عار» ولعنة لا زالت تطارد السودانيين كيف حدث ذلك وأنت وزير داخلية؟
    - هذه هي طبيعة الأنظمة الديكتاتورية لا تنتهج العمل المؤسسي، بل هي تضيق بهذا العمل. وانا كنت في وزارة الداخلية التي هي مسؤولة عن اللاجئين، ولكن للأسف الشديد قضية «الفلاشا» طرحت من كافة الجوانب والأجهزة الكبيرة في الحكومة ما عدا وزارة الداخلية وهي لا علاقة لها بهذه القضية وحتى المحاكم التي انعقدت ما بعد مايو لم تدع لها وزارة الداخلية لمحاكمتها أو أخذ رأيها بشأن هذه القضية.
    ولذلك نعتقد ان عدم دعوة الداخلية تبرئة لساحتنا من أي جريمة في هذه القضية، ولكن على مستوى السودان تعتبر هذه القضية شيئاً (غير مقبول) لانه لا يمكن ان تكون هناك وزارة للداخلية غير معنية باوضاع وقضايا اللاجئين وان تكون أجهزة الأمن هي المسؤولة عن هذه القضية.
    * إذن من المسؤول بشكل مباشر عن هذه القضية؟
    - الحقائق التي وضحت في المحكمة ان جهاز الأمن والسفارة الأمريكية بالخرطوم هي الجهات المسؤولة بشكل مباشر عن هذا الملف.
    * وكيف كان يمكن أن تتعامل مع هذه القضية اذا أوكلت إليكم في وزارة الداخلية في ذلك الوقت؟
    - ان كان هؤلاء (الفلاشا) هم لاجئون حقيقيون كنا سنتعامل معهم حسب القانون، والذي يتيح لكل لاجيء الهجرة من بلد لآخر بغض النظر عن ديانته ولكن الواضح ان التعامل مع هذا الملف لم يكن باعتبار هؤلاء الفلاشا «كلاجئين».
    * وهل كنت تعلم بأن هناك مجموعات (يهودية) قدمت من إثيوبيا واستوطنت في منطقة القضارف بشرق السودان؟
    - أنا حاولت معرفة الحقيقة وذهبت إلى منطقة (العزازة) بولاية القضارف حينما علمت بأن هناك طائرات إثيوبية هبطت في هذه المنطقة وذهبت لتقصي الحقائق ان كانت الطائرات تحمل اسلحة أو أشياء أخرى، وأخبرني أحد الخفراء هناك بأن هذه الطائرة أحضرت مجموعة من الإثيوبيين، ولكني وجدت في الموقع جرائد (عبرية) يهودية واتضح لي فيما بعد ان المسألة «مطبوخة» بين السفارة الأمريكية والمخابرات الأمريكية وجاهز أمن نميري بهدف ترحيل هذا المجموعة إلى إسرائيل.
    ولذلك كنت أتمنى ان تطلب منا محكمة (الفلاشا) سماع شهادتنا في هذا الموضوع وكنا متحمسين لذلك.
    ورغم ان عملية (الفلاشا) تمت عبر طبخة بين حكومة مايو والمخابرات الأمريكية إلا أنني استدعيت أحد المسؤولين بالسفارة الأمريكية آنذاك وحاولت معرفة بعض المعلومات عن هذه القضية ووجهت له سؤالاً واضحاً (ماذا تعملون في السودان..؟).
    * كيف تمت اقالتك من حكومة مايو؟ وهل ملف الفلاشا له أية علاقة بهذه الاقالة؟
    - أنا كنت في زيارة رسمية إلى الصين واليابان لتوفير دعم مالي للاجئين وفوجئت بقرار فصلي من التلفزيون، وأنا كنت في هذه الفترة أبحث عن أي معلومات عن (الفلاشا)، واسفرت هذه العملية ان أحد السودانيين بعث لي بصحيفة تصدر في مدينة (فولتا مور) في أقصى غرب الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت هذه الصحيفة قد نشرت تحت عنوان: «حملة لجمع التبرعات لنقل الفلاشا من السودان إلى إسرائيل». ولذلك هذا التحرك الذي قمت به لجمع المعلومات عن ملف الفلاشا أكد للجهات الحكوية بأنني مهتم بهذه القضية وربما يكون هذا هو سبب فصلي من الحكومة.
    * قضية اعدام محمود محمد طه من القضايا التي لا زال التاريخ يتحدث عنها وهي أيضاً حدثت وأنت وزير داخلية في حكومة مايو كيف تمت هذه العملية؟
    - هذه أيضاً من القضايا الكبرى التي انفرد بها النظام، حيث أن الدكتور الترابي (وزير العدل) آنذاك كان لديه رأي مخالف حول الردة ولا يزال، فهو يرى ان لم تكن هذه الردة مصحوبة بقوة لتغيير النظام أو فرض رأيك لا يمكن ان يكون العقاب القتل». وقد سئلت في هذه القضية كثيراً. وحقيقة أنا لم أحضر فترة تنفيذ حكم الأعدام على محمود محمد طه.
    * ألا ترى ثمة شبه ما بين (نظام نميري) في أيامه الأخيرة والانفاذ في (بواكيرها) باعتبار ان العنف والقتل والتعذيب كان القاسم المشترك في كلا النظامين؟
    - الانقاذ قامت في مناخ محدد، فالقوات المسلحة كانت تتأهب للانقضاض على السلطة، وتأخر وتردد بعض المجموعات خاصة البعثين مما دفع برجال الانقاذ إلى استلام السلطة، ولكن حاول البعض استرداد هذه السلطة وهنا كان لا بد للانقاذ ان تستخدم خيار القتل ولذلك كانت المحاكم العسكرية فاعلة في ذلك الوقت لحسم كل من يريد اجهاض نظام الانقاذ.
    وأقول أن كلا النظامين ـ نظام البشير ونظام نميري ـ طبيعتهما عسكرية خاصة في السنوات الأولى، حيث القبضة العسكرية القوية على مفاصل الحكم وهذه هي طبيعة أي نظام جديد ليس في السودان فقط وانما في أي مكان من الدنيا، ولكن رغم ذلك لا أعتقد ان النهج الذي اتخذه نظام البشير كان في حاجة إليه وكان بالامكان ان تحقق الأهداف بأقل من ذلك، فالسودان لا يحتاج لمثل هذا الضغط لكنه في النهاية نتاج خوف وعدم استقرار..

    الوطن

    عمر محمد الطيب يشعل النيران ويكشف الحقيقة ..قضية الفلاشا تعود الى واجهة الاحداث ..فضيحة القرن

    رئيس جهاز أمن مايو يروي الجديد حول ترحيل اليهود الفلاشا
    الخرطوم: «الوطن»
    فجّر الفريق الدكتور عمر محمد الطيب ، النائب الأول للرئيس الأسبق المشير جعفر نميري، معلومات خطيرة، تقال لأول مرة حول «ترحيل اليهود الفلاشا» .. حيث مارس الرجل قدراً عالياً من الشفافية بالقول: «أنا أعطيت عثمان السيّد فضل السيد توجيهات الترحيل بقرار من رئيس الجمهورية».
    وكشف عمر الطيب السر الكبير بنبرة مثيرة، بالقول: « عثمان السيد كان المخطط والمنفّذ والمتابع للعملية».. «وهو الذي اختار الضباط الذين نفذوا العملية، والذين لا أعرف منهم أحداً ، خلاف الفاتح محمد أحمد عروة»..!.
    واسترسل عمر في كشف معلوماته كتابة وبخط يده ، قائلاً:« أؤكد وأجزم بأن عملية سبأ ؛ وهي العملية الثانية لترحيل الفلاشا كانت تدار من منزل عثمان السيّد بالحي الشرقي»..!.
    وأوضح أن عثمان السيّد هاتفه يوم 21 مارس من عام 1985م في تمام الساعة الثامنة والنصف صباحاً، «واعطاني تمام بأن العملية تمت بمطار العزازة»...
    مشيرا إلى أن الأمريكيين كانوا يتابعون العملية «لحظة بلحظة».. وأن عثمان السيّد قال له :« الجماعة معي بالمنزل»، ويقصد الأمريكيين - على حد قول الفريق عمر محمد الطيب-.
    مضيفاً أنه تلقى ما يفيد بتشكيل الأمريكيين لمركز قيادة بالاتصالات والمواصلات لمتابعة العملية حتى نهايتها، «حيث بلّغني عثمان السيد بذلك» - على حد تعبير الفريق عمر..!.
    وختم عمر الطيب توثيقه المكتوب المثير بالقول:« عثمان السيّد كان يراجعني يومياً ، ويستفسر عن تاريخ وبدء عملية الترحيل .. وكان ذلك بإيعاز من صديقه مستر «ملتون» ، والذي لازمه تماماً ، وصار لا يفارقه كالظل في المكتب والمنزل»..!.
    الوطن» تنفرد بحلقات خطيرة جداً.. يكتبها الفريق عمر محمد الطيب

    ما كنت أُريد نشر «الغسيل الوسخ» ولكن..!
    عثمان السيد هو الذي خطط ونفذ وتابع «ترحيل اليهود الفلاشا»..!
    مستر «ملتون» كان مُشرفاً.. والأمريكان كانوا يتابعون من أحد المنازل بالخرطوم..!
    لا أعرف من الضباط المنفذين خلاف الفاتح عروة
    هل أعفانى نميري.. أم قدمني لمحاكمة..؟.. هذا الرجل كان يراجعني يومياً ويستفسر عن تاريخ وبدء عملية الترحيل..!.



    «الحلقة الأولى»
    في حلقة اليوم... يتناول الفريق عمر محمد الطيب... النائب الأول للرئيس الأسبق المشير جعفر نميري... تفاصيل دقيقة ومهمة ومثيرة حول عملية ترحيل اليهود الفلاشا.
    كاشفاً الشخوص والأحداث التي لازمت أخطر ملف، وقع، في فترة مايو.
    إنَّ الفريق الدكتور يتحدث بشفافية عالية... دونما تنصل من المسؤولية أو رميها في آخرين...
    ولحسن الطالع، فإنَّ الذين وردت أسماءهم عبر توثيق الفريق عمر محمد الطيب، هُم أحياء... ومن حقهم أنْ يصححوا أو يوضحوا... و«الوطن»... على أتمَّ الاستعداد لتلقي أية مساهمات أو كتابات في هذا الجانب...
    إنَّ عملية ترحيل اليهود الفلاشا مرت بمراحل... وصحبتها وسبقتها خطوات... لقد كانت العملية، حسبما ما جاء في إفادات الدكتور عمر محمد الطيب، المكتوبة... أنها كانت بقرار من الرئيس نميري، موجهاً نائبه الأول، ومدير جهاز أمن الدولة... والذي بدوره قام بتوجيه سفير السودان الأسبق... والذي كان وقتها، ضابطاً كبيراً بجهاز أمن الدولة... السيد عثمان السيد.
    الحلقة الأولى، تحوي الكثير والمثير:



    بسم الله الرحمن الرحيم
    قال تعالى: «يأيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) صدق الله العظيم - الحجرات الآية «6».
    كنت خارج السودان لفترة شهرين لعلاج أحد أفراد أسرتي بالقاهرة ورجعت قبل عيد الفطر بيومين، فوجدت أن عثمان السيد فضل السيد الذي كان يعمل تحت قيادتي لفترة ثماني سنوات بجهاز أمن الدولة ،للاسف الشديد اتخذ من من احدي الصحف التي تربطه برئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير علاقات خاصة،منبراً ونشر مقالات عن عملية الفلاشا في خمس حلقات وننتظر الحلقة السادسة.
    لقد قرأت مقالاته بتمعّن شديد وفي ذهني شخصية عثمان السيد فضل السيد الذي عرفته تماماً وعايشته وقيمته خلال فترة عمله معي بإدارة الأمن الخارجي بجهاز الأمن القومي ،ثم جهاز أمن الدولة في نهاية فترة حكم مايو، وأثناء محكمة قضية الفلاشا حيث أنكر دوره في العملية وهو على اليمين، ثم عندما سافر إلى جدة للعمل بجهاز الأمن السعودي في إدارة الثورة الإريترية قبل نجاحها هو والفاتح محمد أحمد عروة وضباط آخرين، ثم عندما تعين سفيراً للسودان بأثيوبيا وكيف تم ذلك حتى رجوعه بعد خمسة عشر عاماً ،وأخيراً رئاسته لمركز الدراسات الافريقية والشرق الأوسط وحتى اليوم.
    توصلت إلى الغرض الذي آثار حفيظة عثمان السيد فضل السيد ،وجعله ينشر هذه الحلقات ويسترسل في أحاديثه الحاقدة والكاذبة والملفقة التي سبق ان قالها في المحكمة في قضية الفلاشا وسمعها وتابعها كل الشعب السوداني في الداخل والخارج.. و إن ما دار في المحكمة مسجل وموجود بصوته وصورته. الغرض هو الرد على (ضرته) العميد حسن بيومي الذي أجرى مقابلة مع قناة الجزيرة، وقد كنت خارج البلاد ،ولا أدري شيئاً عن هذه المقابلة ولم استشر فيها، كما يظن عثمان السيد فضل السيد.. لانه تعود على التآمر وسوء الظن بالآخرين. والغريب ان النار التي تشتعل في قلبه والحقد الدفين الذي ينثره في كلماته عن حسن بيومي ليس جديداً حتى بعد حل الجهاز، حيث كان يقول فيه ما قال مالك في الخمر، غيبة ونميمة وخسة، ولم يسلم منه زملائه الأفاضل مثل اللواء كمال حسن أحمد نائب الجهاز والضباط الكبار عناية عبد الحميد والفاتح الجيلي والمرحوم اللواء خليفة كرار.. وكل هؤلاء الضباط كانوا ممتازين وعلى خلق عظيم، وأولاد قبائل ورجال. وقد منعته من القيل والقال والنميمة خاصة في زملائه. وقد حجمته تماماً خاصة في تعيين القناصل وتنقلاتهم في البلدان الخارجية، هذا هو سبب حقده واستهدافه لي.
    * أقول له إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصاراً.
    سوف أرد على النقاط المهمة والتي تستحق التوضيح للرأي العام السوداني، والتي جاءت في مقالاته بعيداً عن اسلوبه الرخيص ومجاراته في خصومته الفاجرة.. أحب ان أؤكد للشعب السوداني عامة، ولكل من اطلع على مقالاته بأن عثمان السيد فضل السيد هو الذي خطط ونفذ وتابع عملية ترحيل الفلاشا ..بعد ان أعطيته توجيهات الترحيل بقرار من رئيس الجمهورية. وهو الذي اختار الضباط الذين قاموا بالتنفيذ تحت قيادته وبإشرافه.. ولا أعرف منهم أحداً خلاف الفاتح محمد أحمد عروة ..لان والده رحمه الله كان قائدي، وأحب أن أؤكد وأجزم بأن عملية (سبأ) وهي العملية الثانية لترحيل الفلاشا كانت تدار من منزله بالحي الشرقي ،حيث يوجد شهود عيان على ذلك يمكن إبرازهم في الوقت المناسب. وأحب أن أؤكد بأن عثمان السيد فضل السيد اتصل بي تلفونياً بمنزلي يوم الجمعة 21 مارس 1985م في تمام الساعة الثامنة والنصف صباحاً وأعطاني تمام بأن العملية انتهت من مطار العزازة، فسألته كيف علمت بإنتهاء العملية بهذه السرعة ،فأجابني:والله على ما أقول شهيد (عندي اتصال مباشر مع مطار العزازة والجماعة معي بالمنزل)، يقصد الامريكان. والجدير بالذكر لقد حضرت سيارة تحمل رقم السفارة الامريكية في الصباح الباكر نفس يوم الجمعة لمنزله ،وعملوا مركز قيادة بالاتصالات والمواصلات لمتابعة العملية حتى نهايتها حيث بلغني تلفونياً بذلك. وقد أمر عثمان السيد فضل السيد بإعتقال صحفي أجنبي ظهر في موقع الترحيل، وأمر بإحضاره للجهاز، وتم تدوين ذلك في دفتر الأحوال بواسطة الضابط النوبتجي للجهاز الرائد عمر الخليفة. وقد اطلعت على هذا الدفتر ما اطلع عليه غيري وهم أحياء يرزقون. ما كنت أريد نشر هذا الغسيل الوسخ وغيره في المحكمة حفاظاً على سمعة الجهاز ..ولازال هذا الرجل العجيب والمتفرد بالدهاء والمكر والغش يدعي انه لا يعرف شيئاً عن عملية ترحيل الفلاشا ، وبأنه علم بكل هذه التفاصيل من الضباط المنفذين، وفي الواقع والحقيقة هو المهندس الذي خطط ونفذ وتابع عمليتي «موسى وسبأ»، ولكنه خاف وارتجف وتصبب عرقاً من لجنة التحقيق المكونة من بعض الشيوعيين والبعثيين ،التي أصبحت هيئة الإتهام واعتبرته شاهد اتهام ليقوي قضيتهم لمحاكمة نظام مايو في شخص النائب الاول لرئيس الجمهورية لعدم وجود السيد الرئيس بالسودان.
    لقد ذكر في مقالاته إنني قمت بهذه العملية بمفردي ويجزم بأن الرئيس نميري لا يعلم عنها شيئاً، إن كان هذا صحيحاً وبعد أن علم الرئيس نميري بأنني اتصرف بمفردي ماذا عمل؟؟.
    هل أعفاني من منصبي أم قدمني لمحاكمة!! آراك يا عثمان السيد فضل السيد تستخف بعقول الناس، وللناس عقول وبصائر.. وأحب أن أؤكد وأجزم بأن عثمان السيد فضل السيد كان يراجعني يومياً ويستفسر عن تاريخ وبدء عملية الترحيل قبل اتخاذ القرار، وكان ذلك بإيعاز من صديقه المستر ملتون الذي لازمه تماماً وصار لا يفارقه كالظل في المكتب وفي المنزل، وعندما ذهبت مايو وصار الأمر في المحكمة (جات الحارة)، حنث الرجل بالقسم مرتين، قسم خدمته بالجهاز والقسم الثاني أمام المحكمة وينكر ويدعي عدم معرفته بالعملية.
    صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل إذا لم تستح فأصنع ما شئت.
                  

04-10-2008, 06:19 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    العدد 179 - الأربعاء 9 أبريل 2008


    د. التجاني عبد القادر في حوار متجدد (1):ندرة المفكرين بالحركة الاسلامية أعاق خروجها من الأزمة

    الحوار المعلن حيناً والمسكوت عنه أحياناً بين شطري الحركة الإسلامية الرئيسيين ، جعل العديد من المهتمين يتساءلون عن المنهج الذي يقوم عليه ، وأي القضايا

    يخاطب ذلك الحوار، ويفتح ذات الحوار أسئلة من شاكلة هل خاض الناشطون على رتق شق الإسلاميين القضايا التي أدت إلى العاصفة التي ضربت التنظيم ؟! الأحداث من خلال بحثها وتنقيبها في هذه المسألة وتنشيط الذاكرة بشكل عام ، وذاكرة المتحاورين ، تعيد نص المقابلة التي أجرتها صحيفة (الصحافي الدولي) في العام 2000م مع د. التجاني عبد القادر، فإلى الجزء الأول منه...
    نص المقابلة المطولة مع صحيفة الصحافي الدولي والتي نشرت في عام :2000م
    وقعت فتنة عظيمة بين الإسلاميين طاولت واختبرت الكثير من أطروحاتهم, كيف تقرأ وتوصف ما حدث؟
    د. التجاني عبد القادر : توصيف ما وقع من أحداث بين الاسلاميين يقتضينا أن نعيد النظر في الرؤية الأساسية التي قامت عليها الحركة الاسلامية في السودان وارتكز عليها المشروع الاسلامي, باختصار يمكن أن أقول أن أحد مكونات هذه الرؤية هي محاولة تكوين نخبة من ذوي الالتزام الخلقي والتحرر الفكري والإنتماء الوطني والإنفتاح العالمي, وأنها تروم من خلال التنظيم الإداري أن تجعل تلك النخبة ذات قدرة عالية على التآخي الروحي, وذات قدرة علمية على فهم أصول ومبادئ الاسلام وذات قدرة وتأهيل علمي تمكنها ايضاً من فهم الواقع السوداني والاقليمي المعاصر ومن ثم نستطيع باستيعابها لعناصر الفكر الاسلامي ولعناصر الواقع السوداني والاقليمي المعاصر أن تركب برنامجاً ثقافياً اجتماعياً سياسياً يستطيع أن يستوعب مشاكل المجتمع السوداني ويستطيع أن يواجه أسباب التخلف في هذا المجتمع وينطلق به الى مراحل أرقى من حيث النمو الروحي والمادي معاً, فيكون بذلك نموذجاً للتحول الحضاري المنشود.
    هذه الرؤية تقتضي إيجاد تنظيم اداري له هياكل محددة وعلاقات واضحة, كما تقتضي أيضاً وجود قيادة فاعلة ومتجددة, ليست قيادة سياسية فحسب، وإنما قيادة متكاملة يلتقي فيها السياسي والاجتماعي والفكري ، وقادرة على التجديد والتجدد. ويقتضي هذا ايضاً معرفة بواقع المجتمع السوداني وبمسببات التخلف, بمعنى آخر يمكن أن نقول إن مشروع الحركة الإسلامية مشروع تنموي, لأن الحركة الاسلامية ليست منفصلة اصلاً عن مسائل التنمية في المجتمع السوداني. التنمية في المجال الاداري والبشري, وكل هذه الجوانب تستبطن من حيث ما نظرت اليها قدراً من المشاكل, فإذا نظرت مثلاً الى ناحية المكون الفكري للحركة الاسلامية وعلاقاته بالتراث الاسلامي فستجدها منطقة شائكة لأننا لا نريد اعادة إنتاج التراث الاسلامي بتفاصيله ومشاكله, وإنما نريد أن نقف منه موقفا علمياً موضوعياً فاحصاً فنأخذ الجوانب التي لا بد منها ونترك الجوانب التي لابد من اسقاطها, وهذه عملية تحتاج الى بصيرة وجهد نقدي كبير, ولكن النقد واعادة القراءة والتقويم قد تدخل الحركة الاسلامية في مشاكل أخرى وقد وقع ذلك بالفعل إذ أن بعض مشاكل الحركة الاسلامية وبعض جوانب الأزمة التي تعاني منها الحركة الاسلامية الآن متصلة بالجانب الفكري, ولكن كيف تكون القيادة وكيف تبدل وكيف تحاسب فهذه ايضاً مسائل ضرورية ولكنها ايضاً منار اشكال وذات صلة وثيقة بالأزمة الراهنة.
    هناك جانب آخر يتعلق بالتنظيم الاسلامي نفسه الذي تولد فيه القيادة فهو تنظيم اداري قصد به ترتيب الأولويات وجمع المعلومات وحشد الموالين.. الخ, إلا أن التنظيم كهيكل اداري يمكن أن يفرز مشكلات ذات طبيعة فكرية وسياسية ولا يخفى عليكم انه عندما وصلت الحركة الاسلامية الى مرحلة الدولة نشأ الاشكال هذه المرة في منطقة العلاقة بين الدولة والتنظيم, وهذه مشكلة وإن كانت إدارية إلا أنها متعلقة بالناحية الفكرية وبالنظرة الكلية للعمل الاسلامي وبمستقبله في السودان, هناك ناحية أخرى متعلقة بتركيبة المجتمع السوداني السياسية والاجتماعية وتأثيراته سلباً أو ايجاباً على الحركة الاسلامية, وهذا ايضاً مكان نزاع ومكمن اختلافات لأنه يمكن أن تختلف الرؤى حول مكونات وخصائص المجتمع السوداني وما هو أساسي وما هو طارئ.
    ويمكن أن ينشأ خلاف حول تقدير مواقف القوى السياسية قرباً أو بعداً من المشروع الاسلامي المطروح وهذا ايضاً موضع من مواضع الاشكالات, وفي تقديري ما حدث هو حصيلة لهذه الاشكالات التي تجمعت في كل هذه المواضع وهي اشكالات تقع في صميم البناء الايدولوجي, ومن الممكن أن تؤدي الى تعقيدات والى أزمات حادة.
    هناك اتهام بأن وصول الحركة الاسلامية الى السلطة بإنقلاب جاء استعجالاً لها أو للتغيير في وقت كان كسبها الشعبي الديمقراطي يتزايد؟
    د. التجاني عبد القادر : هذا أمر تقديري, فالمشروع له جوانب عسكرية وسياسية لا يستطيع أن يقدرها بحق الا من وجد في مواقع عليا في القيادة وتوفرت له المعلومات المناسبة, فإذا قدر في ذلك الوقت أن هناك تداعيات كثيرة تموج بها الساحة السياسية السودانية وأن هناك خطراً ماثلاً على الوجود الاسلامي, وأن هناك تسابقاً نحو السلطة من جهات كثيرة بعضها داخلي وبعضها خارجي, إذا قدر كل هذا ولم يستعجل فإنه لا يصلح للقيادة فهذه أسباب موضوعية تدعو لهذا الاستعجال, ولو كانت الحركة الاسلامية تعمل في الساحة لوحدها لآثرت التريث حتى يتم إنضاج البرامج فكرياً واستراتيجياً ولكن السياسة لا تمهل المفكر، ففيها اضطراب وتداعيات لا تستطيع أن تتحكم فيها لأن هناك لاعبين آخرين في الساحة يلعبون معك, وأنت مجبور في كثير من الأحيان في العمل السياسي العام أن تستفيد من تداعيات الموقف وإلا فستتجاوزك الوقائع والأحداث بصورة تجعل عملية اللحاق صعبة إن لم تكن مستحيلة.
    وهل ترى ثمة مخارج للإسلاميين من مأزقهم الراهن ،أو لم يكن في الواقع رؤية ارهاصات الأزمة ومعالجتها؟
    د. التجاني عبد القادر : الذين يوجدون المخارج من الأزمات هم المفكرون والمثقفون الذين يملكون مقدرة على التأمل والتدبر في الظواهر، في مآلاتها قبل أن تستفحل ولا أخفي عليكم سراً إذا قلت إن وجود هذه الشريحة في داخل الحركة الاسلامية ضئيل وضامر يغلب في الحركة الاسلامية الحركيون والمهنيون المتخصصون في جوانب بعينها يخلصون فيها ولكن لا يصلحون لغيرها, وضمور الشريحة الأولى وغيابها أو ضعفها جعل إحتمال المخارج من الأزمات ضعيف, فإذا أصاب البرنامج أو أسلوب إنفاذه بعض الأعطاب أو بعض الفشل فالذين يقومون بالإصلاح هم الذين تسببوا في فشل البرنامج لأنه لا توجد بدائل قيادية كثيرة تستطيع أن تتقدم بأفكار ورؤى مغايرة.
    إن جنوحنا نحو الوحدة والإنسجام في المواقف وفي الأفكار ونحو الحشد والتعبئة في تنفيذ هذه الأفكار كان أضخم من البحث عن الرؤى الجديدة أو الأفكار غير المألوفة.
    وبالتالي عندما وقعت الأزمة صعب ايجاد بديل أو رؤية مناسبة تطرح على الناس ليتأملوا فيها, فإما أن يعاد ترميم البناء من هذه الزاوية أو من تلك الزاوية ولكن لم تكن هناك مقدرة حقيقية لايجاد بديل أو خارطة جديدة وهذا نتاج لضعف الشريحة الفكرية في داخل الحركة الاسلامية.
    ولكن أليس غريباً لحركة تغيير فكري هذا النمط المتواضع من الاداء؟
    د. التجاني عبد القادر : بعض العناصر القيادية في الحركة الاسلامية كانت تتوجس من ظهور طبقة من رجال الدين أو العلماء بالصورة التي وجدت بها في المجتمعات الاسلامية الأخرى فلم تنشط أو تتحمس أبداً للتفكير في هذا الاتجاه.. وقد يكون هذا تقديرا صائبا لأنه لا أحد يريد أو يسعى لإعادة إنتاج المشكلة التي نرى صوراً منها في بعض الدول الاسلامية ولكن أن تغيب شريحة ذات قدرة على استيعاب المشاكل في بعدها الفقهي والإنساني وأن تضمر في داخل الحركة الإسلامية وفي داخل القيادة بهذه الصورة المفزعة فهذا شئ ضار وغير حميد, وكان ينبغي أن يستدرك ولكن لم يستدرك حتى غطى السياسي على الفكري وعلى الثقافي بصورة كبيرة وصارت معظم الموارد المادية والبشرية توظف بصورة شعورية أو لا شعورية على ما هو سياسي, وصارت المؤسسات التي تعنى بالتعليم، بالثقافة ،والفكر تتضور جوعاً ولذلك عندما تفاقمت الامور واحتجنا للمفكر والمثقف المتأمل والاستراتيجي لم نجده وإنما وجدنا التنفيذي المهني السياسي, ولا يستطيع الإنسان السياسي المحض أن يتحول بين عشية وضحاها الى مفكر واستراتيجي فهو لا يستطيع إلا أن يتعامل مع السياسة بواقعها المتجزئ, وليس في مقدوره إلا أن يخرج بمشاريع اصلاحية صغيرة ومحدودة فهو ليس مشغولاً بالنظر الطويل وليس مشغولاً بقضايا الفلسفة والفكر بل لعلك تلاحظ أن الفلاسفة والمفكرين يستهزأ بهم في داخل الحركة الاسلامية وهذا أمر غريب في حركة فكرية وحركة تجديد وبناء فكري وليست حركة مزاحمة سياسية فقط. حركة طليعة مثقفة ومفكرة تريد أن تقدم مشروعاً بديلاً عن التكوينات المحلية "المهلهلة" ومشروعاً بديلاً يمكن أن يتطور ليكون مشروعاً تستلهمه الحركات الاسلامية على المستوى الأرحب في العالم, فكان أولى قطاع بالحيوية والتفاعل هو هذا القطاع ولكن كما قلت إن السياسي يتفوق دائماً على المفكر.
    ولكن لماذا تؤثر الشريحة الواعية والمفكرة الإنسحاب وهي المفترض فيها أنها الضمير الحي لمشروع التغيير.. ولماذا ترضى التقهقر وترك الأمر للنشطاء السياسيين والتنفيذيين هكذا؟
    د. التجاني عبد القادر : هذا خطأ كبير وعيب يقع فيه المفكر فينبغي على المفكر المسلم أن يثبت في الميدان وأن يجاهد ويثبت جدواه حتى تثبت ايضاً جدوى الفكرة التي يقول بها ولكن محاولات اثبات الجدوى تؤدي الى الصراع والاحتكاك الذي ترى سماته في الأزمة الأخيرة.. وكثير من الناس كانوا يظنون أنه يكفي الحركة الاسلامية ما فيها من صراعات, فهي في صراع مع كثير من القوى, فهي في صراع اقليمي وهي في صراع دولي وهي صراعات حادة وكافية للقضاء عليها, ولذلك فكثير من العقلاء كانوا يظنون أنه ليس من الحكمة أن تضيف صراعاً جديداً بين السياسي والفكري..
    ولئن ينجح مشروع سياسي جزئي خير من أن يضرب المشروع بجملته سياسياً وثقافياً وكان هذا هو تقدير من انسحب من هؤلاء ولكن المشروع نفسه لم يسع لتكوين شريحة فاعلة في هذا الاتجاه اصلاً.. لم يكن هناك توجه ايجابي قاصد لخلق أطر فكرية تقود العمل, وكان التوجه القاصد لخلق أطر أخرى. وطبعاً على المستوى الفردي لا يجوز للشخص أن ينسحب, ولكن نحن نتحدث عن المستوى التنظيمي كان ينبغي أن توفر وسائل وأدوات وتمويل للنشاط الفكري بمثلما توفر للمجالات الأخرى. ويكون هناك نوعا ًمن الاهتمام ونوع الاستعداد النفسي نفسه لم يكن موجوداً وبالتالي عندما تقع المشكلة نفتقد الرؤية حتى نحن صرنا في بعض الأحيان نتجادل ونختلف حول الرؤية الأساسية ذاتها للعمل الاسلامي مكوناتها الأولى وبداياتها ونهاياتها غير معروفة لعناصرها.. فضلاً عن الخطة الاستراتيجية من الذي يضعها؟ وكيف توضع؟ وهذا عمل صعب لا يستطيع كل الناس القيام به, وعدد كبير من الناس ينتسب الى الحركة الاسلامية والعمل الاسلامي ويكتفون بالقيام بالأعمال السهلة, وهذا عمل تحضيري طويل ولا تظهر ثماره بين عشية وضحاها, وبالتالي يضمر بصورة تلقائية إلا اضاءات هنا وهناك وهي مجهودات فردية..



    الاحداث
                  

04-10-2008, 10:02 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    خمسون إنجازاً للحركة الإسلامية السودانية: (7)

    ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها عليها

    د. محمد وقيع الله
    [email protected]

    كان سيدنا كعب بن مالك، رضي الله عنه، ممن تخلفوا عن ركب الحركة الإسلامية، يوم زحف تبوك، وبقي في المدينة يماطل ويتلبث، حين طابت الظلال والثمار، وكان يتلفت حوله، فلا يرى فيمن بقي معه بالمدينة، إلا منافقا أو ضعيفا، وآذاه ذلك وأرَّقه، وعبر عما وخزه من الألم، فقال: كان "يحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصا عليه في النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء".

    ولكن كعبا بنقائه وصلابته، صبر ولم يتمادَ، ولم يخن عهد الدعوة وميثاقها، ولم يغدر بالدعوة أو يطعنها، كما خان صاحبنا وغدر وطعن. لقد خيب كعب بن مالك ظنون أعداء الإسلام، الذين قعدوا وهم غير معذورين، كما خيَّب ظنون أعداء الإسلام الذين أرادوا أن يستميلوه إلى جانبهم، حتى يكتب لهم التقارير المفصلة عن مسار الحركة الإسلامية، وخططها، ويعمل موظفا "برتبة ومرتب" في آلة الدعاية لديهم، فيقوم بهجاء الحركة الإسلامية والتعريض بها، فقد كان كعب شاعرا مُفْلِقا "أي صحفيا ضليعا بلغة اليوم، فقد كان الشاعر هو الذي ينافح وقتها عن الدعوات، والحركات السياسية، والحكومات!".

    قال كعب، رضي الله تعالى عنه: فبينا أنا أمشي بالسوق، إذا نبطي يسأل عني من نبط الشام، ممن قَدِم بالطعام يبيعه بالمدينة: من يدل على كعب بن مالك؟ فجعل الناس يشيرون له إليَّ، حتى جاءني فدفع إليَّ كتاباً من ملك غسان... فإذا فيه: أما بعد: فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان، ولا مضيعة، فالحق بنا نُواسِك. قلت حين قرأتها، وهذا من البلاء أيضا، قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع في رجل من أهل الشرك، فعمدت بها إلى تنُّور فسجَّرته بها..!!

    الأصيل والعميل:

    فها هو كعب بن مالك الداعية الصحابي الصادق الأصيل، يعي خطورة موقفه الذي بدأ بالتخلف عن الركب الزاحف، ويدرك أنه ربما ينجر بعد ذلك إلى ما هو أخطر من ذلك، بارتكاب الخيانة الأعظم: خيانة عهد الدعوة، وميثاقها، ومعاونة أهل الكفر عليها، فاستيقظ ضميره بلا تراخٍ ولا انتظار، ولم يكن في حاجة إلى أن يفكر أكثر وأكثر، فهذا العرض السخي، الذي جلبه له أحد عملاء الامبراطورية الرومانية "إحدى القوتين العالميتين العظميين حينها!" لم يستحق لديه إلا أن يحرق فوريا، فأخذه وسجَّره حالا في التنور..!!

    فهل يا ترى يملك صاحبنا، هذا الذي يجادلنا، شيئاً من صلابة كعب بن مالك، رضي الله تعالى عنه، ووفائه، ونقاء ضميره الديني، فيسجِّر كتب الدعوات التي تترامى إليه من المراكز ذات الصلة الوثقى بالاستخبارات البريطانية، والاميركية، والتي ما تَنِي تطلب منه الرأي والمشورة الناجزة في أساليب التصدي للمسلمين؟!!



    إن أملنا في ذلك، وفيه ضعيف، جد ضعيف! فها هو يدين حركة المقاومة الفلسطينية علنا كمطلوب من متطلبات العمل بمعهد بروكنجز، ومعهد السلام بواشنطون، وكلاهما من معاهد المحافظين الجدد، والقدامى، وعتاة الصهاينة، ولقد أرضى صاحبنا بإدانته للمقاومة الفلسطينية، كبير الصهاينة الذي يتزعم ذلك المعهد، فقربه إليه، وأسبغ عليه المنح، التي يُشترى بمثلها أمثاله.

    وإذا عرفنا أن كبير الصهاينة بذلك المعهد، هو ذات الشخص الذي دبر مسألة الرسوم الكرتونية المسيئة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كشفت ذلك إحدى صحف فيلادلفيا، في العام قبل الماضي، فربما نقف ذات يوم قريب على سر علاقة صاحبنا هذا، الناقم على الحركة الإسلامية السودانية، الراجي موتها، بذلك الصهيوني العتيد، فقد أمسينا لا نستغرب صلات معارضي الإنقاذ بالصهاينة، فها هم يصافحون الصهاينة "مصافحات غير عفوية ولا بريئة كما يزعمون!"، وها هم يزورون إسرائيل ويستنجدون بها، وها هم قد قرروا أخيرا أن يقيموا مكاتب لحركاتهم التخريبية، المتمردة في دارفور، في عقر ديار الإسرائيليين، وفي عز أيام غطرستهم، وعدوانيتهم، التي يبيدون بها جماعيا أهل فلسطين..!!

    حدود طموح أستاذ انتهازيي الإنقاذ:

    وإذا كنا لا نستغرب مكائد السياسيين من خصوم الإنقاذ، فإن استغرابنا يزيد ونحن نطالع مطالع الخيانة عند بعض مؤيدي الإنقاذ وجلاوزتها القدماء، هؤلاء الذين صرحوا بطموحاتهم الزائدة على الحد، عندما زعموا أنهم شركاء في الإنقاذ، وليسوا أجراء لديها، مع أنهم ما كانوا إلا مجرد أجراء لديها جاءوا إلى خدمتها بإغراء المرتبات والامتيازات والعلاوات والبدلات.

    فقد قامت ثورة الإنقاذ، ثم تأسست دولة الإنقاذ، ولم يسهم أمثال هؤلاء في التمهيد لها بشيء، فقد ظلوا أبعد ما يكونون عن ساحات العمل اليومي، دع عنك ساحات الفداء، ولا يغرن أحد تشدق صاحبنا هذا، بأنه لولا جهاده لما صار المشير عمر البشير، ولما صار الشيخ على عثمان، فيما صارا فيه من مجد ومن علياء، ومن أسف فإن صاحبنا صدق زعمه هذا، كما صدق أشعب وهمه، ولهذا ظن صاحبنا، وظنه إثم مُتَجانفٌ لإثم، أن إبعاده عن الخارجية كان افتئاتا على حق أصيل له!

    بين الخارجية والإعلام:

    ولقد كنت في السابق قد أوردت معلومتين متضاربتين بشأن "رتبة" صاحبنا هذا في خدمة الإنقاذ، في أعوام التمكين، وزمان الشدة على المخالفين، أولاها أنه عمل بالخارجية، وثانيها أنه عمل بالثقافة والإعلام، والصحيح أنه عمل وزيرا مفوضا "برتبة" ملحق إعلامي "ومرتب" مقطوع لتلك الرتبة، وسار سيرته التي يعلمها الكل، في مسار التطرف البالغ، في تأييد الإنقاذ، بالحق وبالباطل، بلا تريث، ولا تورع، ولا اكتراث، وبذل جهده كله في تغطية وتبرير جرائرها، وبطشاتها الأولى، ولم يقدم صاحبنا هذا حتى يوم الناس هذا نقدا ذاتيا، لا مجملا ولا مفصلا، يتناول أخطاءه الأولى، التي لا يزال يلاحقه بها المتضررون، في أروقة المنظمات الدولية وساحات الإعلام، ولا يريد صاحبنا أن يتفضل حتى بمجرد ردود على هؤلاء الذين يلاحقونه، ويتقدمون ضده بالاتهامات على صفحات الصحف والانترنت..!!

    صحيح أن صاحبنا عمل بوزارة الخارجية، ولكنه وصل إلى منصبه بالخارجية، بطريقته الانتهازية الفريدة، التي فاق بها كل الانتهازيين العالقين بأطراف الحركة الإسلامية السودانية، ممن تكاثروا على أبوابها في أيام الطمع، وتراجعوا عن رحابها في أيام الشدة الفزع.

    فالمعروف أن الملحق الإعلامي، يكون في العادة تابعا لوزارة الإعلام لا الخارجية، وكذلك يكون الملحق العسكري تابعا لوزارة الدفاع لا الخارجية، وكذلك الملحق التجاري يتبع لوزارة التجارة لا الخارجية. ولكن صاحبنا هذا باعترافه قد قام باختراق القاعدة الدبلوماسية الوطيدة، وأصبح الملحق الإعلامي الوحيد، المعين على وجهين: وجه ظاهر معلن للناس، وهو وجه الملحق إعلامي، ووجه خفي مخفي عنهم كوزير مفوض..!!

    وهذا مما يدل على قوة صلة صاحبنا هذا بقادة التنظيم الذي درج على أن يدعوه خطأ على أنه "سوبر- تنظيم"، ويدل كذلك على عظيم تودده إلى هؤلاء القادة في "المايكرو- تنظيم" كما يجب أن يسمى، أولئك الذين منحوه، لسبب وجيه، نفهمه، ونتفهمه جيدا، تلك المعاملة التفضيلية، التي ضنوا بها على أبناء الحركة الإسلامية السودانية الأوفياء المجاهدين، وصناع الإنقاذ الحقيقيين وأعطوها إياه. فأبناء الحركة الإسلامية الأصيلين الأماجد لا يُشتَرَوْن بالمناصب والأعطيات والصدقات، ولا يبيعون الحركة الإسلامية مهما بلغ الإغراء، وهذا يُشترى بالثمن البخس، ويَبيع الحركة الإسلامية بثمن بخس!

    ومهما يكن، وسواء أعمل صاحبنا هذا بالخارجية أم بالإعلام، فإن نتائج أعماله وصنائعه سيَّان، لقد عمل صاحبنا بوظيفة إعلامية شبيهة بوظيفة الشاعر في بلاطات الحكام في العهود الخالية، فهو إذن قد كان "شاعرا" كشعراء البلاط الأموي، يرضى فيمدح، ويسخط فيهجو، يمدح الخلفاء، ويهجو المعارضين، ويشتط في الحالتين، ويتكسب قوته بهذا السبيل، كما يتكسب الشاعر الأموي قوته بهذا السبيل، وذلك مع فارق واحد جوهري مهم، هو أن شعراء بني أمية كانوا "مخلصين"، ولم ينقلبوا على سلاطينهم كما انقلب هذا على سلاطينه.

    فهل تعلم صاحبنا هذه المراوغة من الشاعر الشيعي الرافضي الخبيث دِعَبْل الخزاعي، الذي فاجأنا بالحديث عن حبه له، وإيثاره إياه، والاستشهاد بشعره، مع أن دِعبلا هذا كان قد حشا ديوانه بأشنع السوءات وافظعها، عندما هجا أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وسائر الصحابة الأجلاء، من المهاجرين والأنصار، الذين حضروا أعظم مجلس شورى في التاريخ، في يوم السقيفة المجيد.

    جيل القيادة الجديد:

    لقد ظن صاحبنا بنيله لتلك المعاملة التفضيلية في وزارة الخارجية، أنه كادر ذو قيمة نادرة يعز وجود مثيل له، وأن الإنقاذ لا يمكنها أن تستغني عنه، ذلك مع أن الإنقاذ تملك آلاف الكوادر غيره، بعضهم أفضل منه كثيرا، حتى في المجال الذي برع فيه وهو مجال الإعلام، وجلهم من أهل الصدق، والوفاء، والغيرة على الإسلام.

    وهذه ميزة خاصة للحركة الإسلامية السودانية، دون سواها من الحركات الحزبية السودانية الأخرى، لأنها ربت جيلا إسلاميا، رساليا، محتسبا، من أصحاب المهارات القيادية المصقولة في مجالات مختلفة، وهؤلاء هم الذين يقودون البلاد بنجاح الآن، وربما صح أن نسميهم جيل شعبان، أو جيل دبك، كما يحلو لأحدهم أن يقول، وهذا الجيل هو الذي خاض ملاحم الكفاح اللافحة، يوم كان صاحبنا يحبر مقالاته في صحافة مايو المؤممة.

    هذا الجيل الذي ربته الحركة الإسلامية السودانية، وعجمت عوده بمعاركها، ومجاهداتها النبيلة، هو الجيل الذي خبر طلائعه عن قرب عمنا الفاضل، الشيخ مضوي محمد أحمد، الذي مهما اختلفنا معه فلن نصفه بغير الصدق، فقد عُرف الزعيم الاتحادي الشيخ مضوي محمد أحمد هذا الجيل الإسلامي الصلد المجاهد، أيام الندوات السياسية ضد مايو، وأيام المعتقلات الطوال، ووبخ قومه من الاتحاديين، لأنهم لم ينتجوا قادة سياسيين وإداريين مدربين ومقتدرين مثلهم، أو مثل بهاء الدين، كما قال..!!

    ولكن كم في الحركة الإسلامية السودانية من أمثال بهاء الدين؟! إنه يوجد فيها من أمثاله عشرات المئين..!! فهي حركة "ديناميكية" مستقبلية، لا تتوقف ولا تدور إلى الخلف، كما تدور دوائر الأحزاب السياسية السودانية الأخرى، بلا استثناء قليل أو كثير.

    إن أكثر قيادات الحركة الإسلامية السودانية، هم في طور الشباب أو الكهولة، ومعهم شيوخ قليلون، والتركيبة القيادية للحركة الإسلامية السودانية، تماثل الشعب السوداني بتركيبته العمرية تماما، حيث لا يحتكر القيادة السياسية في الحركة الإسلامية السودانية، مجموعة قليلة، من الطاعنين كثيراً في السن، الأمر الذي تعاني منه الأحزاب السياسية السودانية الأربعة الأخرى، التي "يتحكر" في قيادة إحداها شخص منذ عام 1963م، وفي الثانية شخص منذ عام 1965م، وفي الثالثة شخص منذ عام 1968م وفي الرابعة يتحكم من هو الأحدث عهدا بالقيادة، لأن وصوله إلى منصبه هذا لم يكن إلا في عام 1971م..!! وأمثال هؤلاء أحرى أن يقودوا البلاد إن تمكنوا فيها إلى الخلف كما يفعلون بأحزابهم، أما قادة الحركة الإسلامية السودانية فإنهم يقودون البلاد والحركة الإسلامية إلى غد وضئ، رغم مشاكسات الرجعيين الراجعين بأحزابهم وأنفسهم إلى ظلام الأمس الوبيل.

    سوسيولوجيا الحركة الإسلامية:

    وكما شكلت الحركة الإسلامية السودانية، على مستوى القيادة، تركيبة متماثلة مع التركيبة العمرية للشعب السوداني، فقد شكلت على مستوى القاعدة تشكيلة قومية متجانسة مع التشكيلة القومية السودانية. فعضوية الحركة الإسلامية السودانية موزعة توزيعاً إثنياً متكافئاً بين أقاليم السودان الأربعة، بما فيها جنوب السودان رغم ظروفه المعروفة.

    وقد عملت الحركة الإسلامية السودانية بوعي ثاقب على أن تكون تشكيلتها القاعدية قومية متناسقة مع تشكيلة هذا البلد العظيم. ولحسن الحظ، فقد نشأت الحركة الإسلامية السودانية، في أوساط العلم، ومعاهد التعليم الحديث، واكتسبت أكثر عضويتها من تلك البيئة الكريمة، حيث تم تجنيد أكثر المريدين، وتم تسليكهم في سلك الطريقة، وهم في سن البراءة، والمثالية، والطهر والتطهر.

    ولما كان قبول الطلاب في تلك المدارس والجامعات، يتم على أساس غير جهوي، ولا عرقي، ولا طائفي، فقد نشأت الحركة الإسلامية على ذلك النهج، بِمَنْجَاةٍ من عقد الجهوية والعرقية والطائفية وعقابيلها. ثم ساعدت تعاليم الإسلام المتفوقة، والمتجاوزة لنُعرات التعصب للأرض، والعرق، في توجيه أتباع الحركة الإسلامية السودانية ومنسوبيها، وجهة لا جهوية ولا عنصرية ولا قبلية، فلم يسمع فيها قبل انشقاقها الأخير، صوت ناعق ينعق باسم قبيلته دون الإسلام.

    وفي أكثر دهرنا الذي عشناه في رحاب الحركة الإسلامية السودانية، لم نكن نسمع كلمة صريحة، ولا كنائية، تشير إلى توجه إقليمي، أو قبلي، أو عرقي، أو نحو ذلك، فكان ذلك مما لا يصرح به، ولا يشار إليه، ولو على سبيل المزاح، لأنه أمر "جاهلي"، منكر، منافٍ لمفاهيم الحركة، ومُتَبَنَيَاتِها، ومقاصدها، وركائزها الخُلقية الكبرى، وإذا كانت هذه المشاعر المنحرفة قد ثارت أخيرا في بعض الأوساط التي انخلعت عن سعة هذا المفهوم الإسلامي الجامع، واعتصمت بتخوم القبلية الضيقة، فإنما جاء ذلك بفعل من كانوا يضمرون قديما ما لا يظهرون، وقد كان طبيعيا أن يخرج هؤلاء من الحركة الإسلامية السودانية، التي لا تتسع لغير الولاء لله تعالى، ولرسوله، صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين أجمعين، بمختلف أعراقهم، ومنابتهم، "من دون فرز" قبلي أو جهوي.
                  

04-15-2008, 07:01 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    البراءة من دم ابن يعقوب (واعتقاله)

    د. عبد الوهاب الأفندي
    [email protected]

    (1)

    كنت أعتقد أنني تجاوزة مرحلة الاستغراب والصدمة لما يقع في السودان. فما من شيء من الكبائر والعظائم يمكن أن يقع في ذلك البلد المنكوب بأهله إلا وقد وقع ما هو أفظع منه. وهل بعد دارفور وما شهدته من عظائم استحلال دماء المسلمين وأعراضهم من كبيرة؟ وهل بعد التعاون مع مخابرات الدول الاستكبارية والتزلف لإسرائيل من إثم يمكن أن يرتكب؟

    (2)

    ولكنني أعترف رغم كل هذا أن صدمتي حين علمت لأول مرة بحادث الاختفاء الغريب للشاب محمد الخاتم موسي يعقوب ابن الصحافي السوداني المعروف موسى يعقوب لأكثر من عامين دون العثور على أثر له فاقت كل ما سبق. سبب الصدمة والاستغراب هو أن كل الدلائل تشير إلى أن جهة ذات طابع رسمي هي المسؤولة عن اختفاء الشاب الذي كان أحد كوادر الحركة الإسلامية ومن مؤيدي النظام قبل أن ينقلب عليه ويصبح معارضاً شرساً. وهي تشير إلى أنه لم تعد هناك حرمات أو خطوط حمر أو عصمة لحقوق العباد.

    (3)

    أبرز وأهم الدلائل على المسؤولية الرسمية تأتي من تصرف الأسرة، وخاصة والده المعروف بأنه من الموالين الخلص للحكم على ضراء لحقته. وقد لزم موسى يعقوب الصمت لأكثر من عامين وهو الصحافي المفوه صاحب العمود الراتب في الصحف السيارة والمتحدث الضليع في الندوات. وكان من الواضح أن هذا الصمت كانت بترتيب مع من يهمهم الأمر، حتى "نفد الصبر" كما قال يعقوب في مقابلة صحفية عندما سئل لما ذا قرر رفع صوته بالشكوى بعد طول صمت.

    (4)

    بحسب معلومات أسرة محمد الخاتم فإن الشاب الذي تخرج في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم كان من كوادر الحزب الحاكم النشطة، حيث عمل بعد تخرجه في الإعلام المركزي التابع للحزب. وكان قبل ذلك ممن التحق بتمطوعي الحرب في الجنوب، حيث أصيب أكثر من مرة. وقد انحاز إلى المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس البشير في الصراع الدائر بين شقي الحركة، حيث تولى قيادة مجلس شورى المؤتمر في الجامعة. ولكنه بعد خلافات مع إخوته تحول إلى دعم المؤتمر الشعبي بقيادة الشيخ الترابي قبل أن يترك التنظيمين معاً وينشط كإسلامي مستقل ينتقد الحكومة بهمة ونشاط في بيانات وخطب يلقيها في المحافل الطلابية والشبابية، ولكنه نقد من موقع الموالاة ومحاولة الإصلاح.

    (5)

    في يوم الجمعة الثالث من مارس عام 2006، خرج الخاتم من منزله للحاق بموعد عاجل، ولم يلتفت لتنبيه والدته بأن وقت الغداء قد حان. وعندما لم يرجع حتى منتصف الليل بحث عنه أهله في المستشفيات وغيرها من المظان. ثم تلقوا اتصالاً من جهات أمنية تطلب منهم تحضير ملابس واحتياجات لابنهم الغائب. وكانت المفاجأة أن الحقيبة التي أعدت وتركت في المنزل "اختفت" بدورها بفعل فاعل استخدم مفتاح الابن الغائب للدخول إلى المنزل وأيضاً لتفتيش سيارته والعبث بمحتوياتها.

    (6)

    لم يسمح للأسرة بزيارة ابنها المختفي، وبعد مدة تحول الموقف إلى إنكار المعرفة بمكانه. وعندما استيأس الأهل رفعوا الشكوى لأهل الشأن حتى بلغت الرئاسة، وتم تشكيل لجنة على أعلى مستوى للبحث في مصير الشاب الغائب، ولكنها لم تحرز نتيجة رغم مرور قرابة الثمانية أشهر على تشكيلها.

    (7)

    الجهات الرسمية تدعي البراءة من دم ابن يعقوب ومن التسبب في اختفائه. ولكن المريب يقول دائماً: خذوني. فكما ذكرت في مرة سابقة عن إحصاءات ضحايا دارفور، فإن الجهة التي تعرف براءتها من تلك الدماء لا تجادل في عدد الضحايا وتحاول التقليل منهم. وبالفعل فإن موسى يعقوب قارن بين الضجة التي أثارتها الحكومة حول اختفاء أحد دبلوماسييها في مدينة جوبا عاصمة الجنوب في مطلع العام الحالي حين زعمت السلطات هناك أيضاً جهلها بمصيره كما يدعي القوم في الخرطوم حول ابن يعقوب. ولم يهدأ للسلطات بال حتى تم العثور على الدبلوماسي المفقود وإعادته إلى الخرطوم على طائرة خاصة.

    (8)

    الريبة أيضاً تحيط بما حدث من إقناع والد المختفي بعدم إثارة الموضوع علناً، وهو إقناع لا بد أن يكون تم من جهات ذات سلطة. فموسى يعقوب ليس بالجاهل بهوية أهل الحل والعقد في البلاد، وليس بالغريب عن دوائر صنع القرار. ولا يمكن أن يكون لزم الصمت لعامين وهو كسميه يكظم حزنه ويردد: وا أسفا على محمد، إلا إذا كان قد فهم من جهات ذات شأن أن صبره سيكافأ بإعادة ابنه الذي هو في الحفظ والصون. ولو كان الأمر غير ذلك لما اعترض معترض على رفع الصوت بالمطالبة بتحديد مكان الغائب، ولكانت الجهات الرسمية إياها تسابقه في البحث عمن يستهدف أنصار الحكومة –حتى وإن كانوا مشاكسين- وأبناءهم.

    (9)

    حين ما بلغتنا تفاصيل غرائب ما وقع لابن يعقوب عبر قائمة "سودان-نيوز" البريدية التي يتحفنا بها الأخ الدكتور محمد جزاه الله خيراً، وما كشف عنه الخبر من ممارسات ما كانت تخطر لنا بالحسبان، لم يجد أحد الإخوة المشتركين ممن اكتوى بنفسه من ممارسات سابقة للقوم، لم يجد ما يعلق به إلا عبارة واحدة: "حسبنا الله ونعم الوكيل!" (بالانجليزي كما يقول جماعة مدرسة المشاغبين). ونحن أيضاً لا نريد أن نزيد عليها ونحن نختم هذا التعليق. حقاً، حسبنا الله ونعم الوكيل!
                  

04-20-2008, 06:38 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    العدد رقم: 874 2008-04-20

    بين قوسين
    بوصلة الترابي

    عبد الرحمن الزومة
    كُتب في: 2008-04-16




    كان أول من اخترع وأطلق تعبير (الترابى فقد البوصلة) هو الدكتور نافع على نافع ويبدو أن التعبير جاء فى وقته وزمانه المحددين لذلك وجد ما يستحقه من (هوى) فى نفوس الناس والذين وجدوا فى التعبير (ضالتهم) التى تعينهم على تفسير سلوكيات ومواقف الترابى والتى ليس لها من تفسير غير أنها بالفعل صادرة من رجل فقد (البوصلة).
    لذلك فقد تحول التعبير وبسرعة البرق الى ما يشبه (الشعار) ومن ثم أصبح الشعار (ماركة تجارية مسجلة) خاصة بالترابى لا تستخدم الا عنه و (تدمغ) بها كل مواقفه وتصريحاته خاصة تلك التى تتعلق بـ (هرطقاته) المتعلقة بأمور ثابتة من الدين بالضرورة مثل (انكاره) للملكين (منكر ونكير) وانكاره لعذاب القبر فاستعمل التعبير عدد من الناس فكان الرجل كلما سمع أو رأى أمراً من أمور الترابى قال ببساطة ان الترابى فقد البوصلة!
    و آخر من استعمل التعبير الشيخ المجاهد الطيب مصطفى وكان يعلق على تصريحات الترابى الذى زار مدينة (واو) لمدة يومين فجاء ليدبج القول فى مدح الحركة الشعبية وفى بحر الحريات الذى يجرى فى الجنوب والتسامح الذى ينعم به المسلمون هناك.
    يأخذ الطيب مصطفى على الترابى تجاهله للأحوال الحقيقية لمسلمى الجنوب وكيف أنهم يعانون الأمرين وكيف أن مساجدهم حولت الى (خمارات) و هو أمر استنكرته حتى الصحف الجنوبية و أكثر من ذلك تعترف به حكومة الجنوب نفسها ويكفى القرار الذى أصدره الفريق سلفا كير بمعالجة قضية (مسجد رمبيك) و ضرورة اعادته الى المسلمين بعد أن تم نزعه منهم بصورة غير قانونية وهو أمر حدث للعديد من المؤسسات الاسلامية من خلاوى وأوقاف و بنوك وغيرها.
    الطيب مصطفى و بعد ايراد العديد من (الشواهد) على ما توصل اليه حول الترابى يقول (ببساطة) " أقولها وكلى ثقة بأن الترابى قد فقد البوصلة وبات عبئاً على حزبه ...الخ" غير أن هذا الحديث يجب ألا يمر هكذا خاصة عندما يأتى من الطيب مصطفى فالرجل له مواقف مشهودة يوم أصدر الرئيس البشير قرارات الرابع من رمضان وهى مواقف أرجو أن يفصح عنها الأستاذ الطيب بنفسه.
    نعود الى حكاية (البوصلة) لأقول لكم رأيي فيها. ابتداء أقول لكم ان العبارة مقبولة (شكلاً) ومرفوضة (مضموناً)! لماذا؟ القول ان الترابى فقد البوصلة يمكن أن يعنى من ضمن ما يعنى أن الرجل كانت له (بوصلة) ومرجعية اسلامية و أنه (الآن) فقدها. وهذا ليس صحيحاً و لايطابق الحقيقة والواقع و لا حتى بقدر مثقال حبة من خردل. الحقيقة هى أن (بوصلة) الرجل كانت (هى هى) منذ أن جاء من (باريس) على عجل ليسيطر على (أذكى) حركة اسلا مية فى العصر الحديث.
    لقد ظل الرجل يدير شؤون الحركة بنفس البوصلة (الأصلية) التى جاء بها من (فرنسا) وكل الذى حدث هو أن أبناء الحركة الاسلامية (الأذكياء) الأتقياء الذين كانت نيتهم ولا تزال بحمد الله صافية وصادقة قد (كشفوا اللعبة) وطردوا الرجل من صفوفهم ونزعوا عنه (الغطاء) الذى كان من تحته يمارس دوره و سحب الله منه (الكُبْس) الذى كان يجعل من فوقه تلك (الهالة) ووجد الرجل نفسه فى (الصقيعة) فبان على حقيقته.
    هذه المقولة تذكرنى بـ (فرية) أخرى وهى الادعاء أن الترابى قد تأثر بضربة (كندا) وأن الآراء الشاذة التى باتت تصدر منه هى نتيجة لتلك الاصابة. انها محاولة (ساذجة) من البعض لخلق (الأعذار) له لكن اطمئنوا يا (أحباب الشيخ) فى الجانبين فالرجل يعى كل مايقول وصحته (صاغ سليم) وكل ما يقوله (كان و لايزال) يتمشى وينسجم مع شخصيته والدور الذى يلعبه


    العدد رقم: 874 2008-04-20

    بين قوسين
    أنا كضاب؟؟؟

    عبد الرحمن الزومة
    كُتب في: 2008-04-20




    أنا كضاب؟؟؟
    العبارة ليست عبارة (تقريرية) بمعنى أنها تفيد أن قائلها يعترف على نفسه بأنه كذاب. بالعكس انها واحدة من الاختراعات (الشايقية) الذكية التى صارت لها قوة المثل (الساير). ذلك أن الطريقة التى تنطق بها تفيد عكس المعنى الذى يتبادر الى الأذهان. فهى تنطق فى شكل (سؤال استنكارى) بمعنى: هل أنا كذاب؟ أو بمعنى أدق: هل جربتم على كذباً من قبل؟
    ان الشخص عندما يطلق تلك العبارة فانه لا بد يخاطب أناساً كان قد قال لهم مقولة وفى أغلب الأحيان كان سامعوه (غير مصدقين) لمقولته لكن عندما تأتى الأيام بتصديق تلك المقولة فانه يلقى فى وجوههم بالعبارة وكأنه يقول لهم "الم أقل لكم ياقوم؟" وتكون أكثر وقعاً خاصة اذا صدقت الأيام نبوءته بعد وقت قصير من اطلاقها.
    و الآن نأتى الى (الحساب) وذلك بمحاولة (اسقاط) هذه العبارة على الواقع. تذكرون اننى قبل أيام معدودة كتبت مقالاً عن ما يدور حوله الحديث هذه الأيام حول ما يسمى بالمفاوضات بين المؤتمر الوطنى والمؤتمر الشعبى. لا أنكر اننى القيت كثيراً من (الشكوك) حول الأمر برمته وهى شكوك ترقى فى نظرى الى درجة (اليقين) القطعى الذى لا يقبل الشك ولا التأويل وليس هنا مجال تفصيل تلك الشكوك.
    لكن مما قلته ان الترابى ليس (فى وارد) أى نية لأى صلح بل انه يوعز الى بعض (أتباعه) لكى يتحدثوا عن المفاوضات فقط بقصد أن يظهر المؤتمر الوطنى بمظهر (المتهافت) على الصلح معه فقط من أجل ارضاء غروره الذاتى وقلت انه اذا كان لابد من مفاوضات فلتكن مع الترابى شخصياً ذلك اننى لاحظت أن اتباعه الذين كانوا مشاركين فى الحديث عن تلك المفاوضات كانوا يصرون على تسميتها بأنها مفاوضات (غير رسمية)! انها عبارة تدل على سوء النية وعدم الجدية.
    غير ان بعض الاخوة الذين (يقتلهم الشوق) الى عودة الصفاء الى صفوف الحركة الاسلامية لا يقبلون اثارة تلك الشكوك وهم (يا حليلهم) فى انتظار نتيجة تلك المفاوضات على أحر من الجمر. أحدهم لامنى على ما كتبت و(اتهمنى) بأننى لست (متحمساً) بل ومعارض لعودة الوئام الى صفوف الحركة الاسلامية. قلت له: انتظر يومين فان (صاحبك) سيقضى على أى أمل لانجاح المفاوضات و (سيطرشق) الفيلم كله!.
    لكن (صاحبه) لم ينتظر اليومين! بعد يوم واحد على حديثى أعلن الترابى أنه لن يتفاوض مع المؤتمر الوطنى الا على أساس (الندية) و بشروط ثم عدد شروطه (السبعة الموبقات) و كلها مما يمكن أن يطلق عليه كلمة (تعجيزية) بل ان شرطاً واحداً منها يكفى لنسف كل أمل فى الوصول الى اتفاق كامل أو حتى مجرد اتفاق مبادئ.
    طالب باعادة (أملاك) حزبه واطلاق سراح (المعتقلين) السياسيين من أنصاره وهو يعلم تمام العلم أنه لا يوجد فى السودان معتقلون سياسيون بل هنالك مدانون بواسطة القضاء. ومن شروطه (بسط الحريات) وهو يتنسم الحرية التى تتيح له الطعن ليس فى الحكومة بل فى (منكر ونكير)! ثم يختم الترابى (سباعية) الشروط باعلانه انه لن يتفاوض مع المؤتمر الوطنى بصفة (السجين والسجان)!
    العجيب ان جماعة الترابى الذين كانوا طرفاً فى مسألة المفاوضات صمتوا بعد تلك التصريحات وقد مر أسبوع وهم (لا حس ولاخبر). ان المطلوب هو ايقاف هذه (المهازل) التى يستخدمها الترابى للضحك على الناس والتلاعب بشعارات وحدة الحركة الاسلامية وهى شعارات عظيمة واذا أراد أى واحد من أنصاره العودة الى الصف فأهلاً به فالباب (يدخل جمل)!.

    السودانى
                  

04-21-2008, 04:10 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    العدد 189 - السبت 12 أبريل 2008


    د. التجاني عبد القادر في حوار متجدد (3) تجربة الحزب القابض غير مجدية

    الحوار المعلن حيناً والمسكوت عنه أحياناً بين شطري الحركة الإسلامية الرئيسيين ، جعل العديد من المهتمين يتساءلون عن المنهج الذي يقوم عليه ، وأي القضايا

    يخاطب ذلك الحوار، ويفتح ذات الحوار أسئلة من شاكلة هل خاض الناشطون على رتق شق الإسلاميين القضايا التي أدت إلى العاصفة التي ضربت التنظيم ؟! الأحداث من خلال بحثها وتنقيبها في هذه المسألة وتنشيط الذاكرة بشكل عام ، وذاكرة المتحاورين ، تعيد نص المقابلة التي أجرتها صحيفة (الصحافي الدولي) في العام 2000م مع د. التجاني عبد القادر، فإلى الجزء الأول منه...
    في موضوع الحل هذا, بعض الناس يرون أنه لولا حلّ الحركة لما حدث ما حدث, هل تتفق مع هذا الرأي أم لا؟ وهل تعتقد أن المسألة كان سيكون شكلها مختلفاً لو لم تحلّ الحركة؟
    حتى بعد حل الحركة إذا استطاعت الأجهزة التي قامت على أنقاضها أن تهتدي بمنهج الحركة ورؤيتها كان ممكناً أن يكون الأداء أحسن مما تم, ولكن الإشكال أن كثيراً من الناس لا يعرفون هل هم محلولون أم باقون, وفي بعض الأحيان رغماً عن أنك محلول ولكن تكلف بتكاليف الذي هو باق وقائم, وينسون أنه ليس هناك تنظيم وهذه البلبلة لم يكن هناك أي داع لها.. وإننا عندما قررنا تدريجياً أن نقلص بعض جوانب الحركة كان من المفترض أن نكون جريئين وواضحين مع أنفسنا ونقيم إحلالاً مؤسسياً واضحاً وموضوعياً وسريعاً حتى نملأ الفراغ ونباشر العمل, الاحلال التنظيمي المؤسسي هذا إما أنه تأجل أو حدث فيه تباطؤ وعدم وضوح وهذا يرجع ايضاً لمسألة الموازنات والتقديرات السياسية والنسب، رؤي أنه يجب ادخال بعض عناصر المجتمع التقليدي القبلي الطائفي حتى نحفظ الموازنة السياسية وهل إذا أدخلنا هذا العنصر بنسبة 60% هل هذه الموازنة تكون مناسبة أم نجعلها بنسبة 50% ونسينا طبعاً أن العنصر الذي يستوعب ليس خالياً من أجندته الخاصة, وأي إنسان تريد أن تستوعبه له أجندة خاصة إلى جانب أجندتك, خاصة إذا كان هذا الإستيعاب هو إستيعاب سياسي لشريحة ذكية أصلاً كانوا قيادات ونسينا أن هؤلاء الذين يأتون بأجندتهم ويؤثرون على التنظيم ويؤثرون على القيادة.
    إن العناصر التي دخلت إما أنها لم تنسجم بصورة كاملة لأننا لم نولها الثقة الكافية أو أنها دخلت وعندها أجندة مختلفة، أصبحت العناصر الإسلامية والتي كان من الممكن أن تقود إما هي نفسها في موضع أقلية أو هي بعيدة عن موضع اتخاذ القرار, وأن بعض العناصر التي دخلت واستوعبت أصبحت تحاول استخدام السلطة نفسها, كحركة إسلامية ودولة إسلامية لتحقيق مآربها أو هي أيضاً في حالة التباس لم تستطع أن تستوعب ماذا تريد الدولة الاسلامية حتى يتسنى لها أن تشارك فيها وبالتالي حدث نوع من الفراغ, وهذه خلفية الحديث عن الإنفراج في السلطة ومركز القوة.
    هل تعتقد أن الطريقة الضبابية التي اكتنفت موضوع الحل انطوت على نوع من الانتهازية إذا جاز التعبير بحكم أن التنظيم ربما كان يمثل قيداً على قيادته؟
    ..أوافقك...
    من خلال كتاباتك السابقة يستشف أنك مع فكرة العودة الى التنظيم الشبكي للحركة الاسلامية ،الآن ومن خلال الحوار شعرنا وكأنك قد نسخت هذه الفكرة أو تراجعت عنها، وكذلك أشرت لاشكالية العلاقة بين الدولة والتنظيم, فأين تكمن المشكلة في علاقة الدولة بالتنظيم خاصة وأن هذه النقطة تحتاج الى فحص بعد الأزمة الأخيرة؟
    إن تجربة الحزب المركزي القابض من خلال لجنة مركزية على الدولة تجربة سياسية طبقت في المعسكر الاشتراكي وهذه التجربة عليها ملاحظات من حيث النظرية والتطبيق وقد أثبت التاريخ عدم جدواها ولا أظن أن احداً في اطار الفكر الاسلامي التقليدي أو المعاصر يقول إنه إذا نشأت دولة إسلامية تكون القبضة فيها للحزب الاسلامي بالطريقة ذاتها التي طبقت في الاتحاد السوفيتي, بل إن أدنى قراءة للتاريخ السياسي الاسلامي تشير الى أن تجربة المسلمين قائمة على مؤسسات المجتمع, إذ أن مؤسسات المجتمع الاقتصادية والتعليمية لها نصيب وافر في إدارة وتنظيم الحياة العامة, وإن الدولة الاسلامية لها دور ولكنه ليس الدور الأوحد وإن الحزب السياسي له دور ولكنه ليس الدور المركزي القابض مطلقاً وإن هناك تداخلاً وتلاقياً وتلاقحاً في بعض الدوائر ولكن لا الدولة تهيمن وتقبض على المجتمع بصورة كاملة ولا المجتمع الاسلامي هو المجتمع الخامل بالصورة التي يخطط لها في كل صغيرة وكبيرة وإنما هو مجتمع حي ورائد يتولى كافة شؤون حياته.
    هذا طبعاً مقروءاً مع نظام العبادات الاسلامية ونظام الشعائر الاسلامية, فدور الدولة الاسلامية إذن هو شبيه بدور الدولة الليبرالية منه بدور الدولة الشمولية, فالدولة في النظرية الليبرالية هي بمثابة وسيط وحكم بين مجتمعات اجتماعية وثقافية عديدة تتنافس وتتعاون ولكن الدولة تقوم بدور الوسيط وترعى الحقوق فهي "دولة الحد الأدنى".
    أما الدولة في الاسلام فهي ايضاً تتوسط بين مجموعات اجتماعية وثقافية فاعلة لكي تحفظ بينها ميزان الحقوق والحدود حتى لا يترك الأمر للفوضى المطلقة, فالفرق بين النظام الليبرالي والنظام الاسلامي هو أن النظام الليبرالي يترك دوراً للسوق أكبر حتى من الدور الذي يتركه للدولة نفسها.. فالدولة وهي تقوم بعملية التنظيم هذه يجب عليها أن تناغم مع قوى السوق, فالسوق هو الذي يخفض ويرفع وهو الذي ينظم المجتمع والدولة واحدة من أدوات السوق نفسه, لكن النظام الاسلامي لا يذهب الى هذا المدى, يمكن للدولة في بعض الأحيان بما لها من ارتكاز على منظومة قيمية أن تعدل بعض الاتجاهات في السوق, وتتوسط بين قوى السوق وقوى المجتمع, حتى لا تنسف العدالة جملة واحدة والسوق في النظام الاسلامي قد يفرز قيماً فرعية ولكنه لا يفرز القيم الاساسية التي يرتكز عليها المجتمع, فالمهمة الأساسية للدولة هي حماية ورعاية هذه القيم الاسلامية العلوية وحفظ التوازن في تطبيقها بين افراد المجتمع وقوى السوق, وفيما عدا ذلك فالدولة محدودة السلطات وليست لها هيمنة مطلقة على المجتمع..
    وفي هذا الاطار إذا سعينا لتكوين حزب اسلامي ينبغي أن نراعي أن هذا الحزب يجب أن يكون حزباً مجتمعياً بمعنى أنه ينبغي أن ينظم ويستوعب الفعاليات الاجتماعية والثقافية والخصوصيات الموجودة في داخل المجتمع, وينبغي أن يعبر عنها, فهو حزب يجمع الارادة الشعبية في بعض الأحيان.. ويعبر عن هذه الارادات احياناً أخرى.. ويحدث نوعاً من التقارب في بعض الأحيان, حتى يتفادى الاحتكاكات العرقية الطبقية ويمتص المظالم فنشاط الحزب الاسلامي في تقديري أقرب الى مجالات التنسيق والتخطيط وبالتالي تكون العلاقة بينه وبين الدولة هي علاقة في هذه المجالات ولذلك لا أرى اي مناسبة للحديث عن ارتباط عضوي بين الحركة الاسلامية كتنظيم وبين الدولة. يمكن أن تكون هناك دولة, ويمكن أن تكون هناك حركة اسلامية والعمل بينهما يتباين، الوظيفة والنشاط والدولة نفسها ينظر اليها كمجموعة فاعلة في داخل المجتمع في اطار معين تحدده بالطبع دساتير وقوانين ومواثيق, فإذا كانت الحركة غالبة اجتماعياً يكون نصيبها في تحديد هذه القوانين كبير, وأما إذا فشلت في أن تحظى بقبول واسع من الجمهور فإن دورها سيتقلص.
    طرحت من قبل عند بداية الأزمة دعوة لاقامة تنظيم شبكي.. هل مازالت عند دعوتك تلك أم تراجعت عنها؟
    أنا لم أتراجع, وما أتحدث عنه ليس تراجعاً وإنما محاولة تطوير العمل الاسلامي, كثير من الناس يرون أن التنظيم الاسلامي إما أنه تنظيم مركزي قابض "بهياكله وقوانينه ولوائحه" على الدولة والمجتمع, أو أنه تنظيم فضفاض قائم على تحالفات فضفاضة وليس له مركز وليس له مقدرة على المحاسبة والتخطيط والخياران مرفوضان عندي.
    أنا أتحدث عن خيار تنظيمي يجمع بين الأثنين اسمية التنظيم الشبكي وهو تنظيم يحيط بالنشاط العام في المجتمع من خلال منظومات متنوعة ومتعددة بحيث يكون لكل منظومة سلطة وهامش للابداع وللاجتهاد والتطوير في المكان أو القطاع أو النشاط الذي توجد فيه "عملية تسيير ذاتي" والذي يجمع بين هذه المنظومات المتعددة خطة استراتيجية واحدة للحركة الاسلامية وللسودان, وكل منظومة وشريحة تؤدي فيها الدور الذي تكون قادرة على ادائه ويتم التنسيق بين هذه المجموعات المتداخلة من خلال ادارة تقوم على الخطة الاستراتيجية الموجودة وهذا يعني أن مهمة القيادة أن تساعد في بلورة الأفكار الرئيسية وفي وضع الاستراتيجية ولكن هذا لا يعني أن لهذه القيادة صلاحية مطلقة. بل إن صلاحياتها تتضاءل, كلما تقوى القطاعات والمنظومات وتثبت كفاءة فتتحول القيادة تدريجياً الى ساحة الترشيد والتخطيط الاستراتيجي حتى لا يقع تضارب في الأدوار أو تصادم في الرؤى, وهذا نمط من التفكير عرف في تاريخ المسلمين الأوائل فتجد الامام الشافعي مثلاً يصف المجموعة القيادية في المجتمع بـ(نظار المسلمين) وهم القيادات المجتمعية صاحبة المقدرة على التخطيط للمجتمع الاسلامي, فتستشرق المستقبل وتقرأ التاريخ الماضي ولكن لديها وضعية قابضة على تنفيذ النشاط نفسه, لأنه يفترض في الاطار الاسلامي أن هناك حداً من التدين يقوم به كل فرد أياً كان موقعه دون تدخل الدولة والقيادة. هناك مستوى من التكاليف الدينية تقوم به المجموعة الدنيا في المجتمع مثل الاسرة أولو القربى وغيرها, وهناك مستوى تقوم به دولة المسلمين, ويوجد نظار المسلمين في القطاع العام سواء في الدولة أو في المنظومات والقطاعات المتنوعة وفي بعض الأحيان تكون هناك أزمات وقد يتعرض المجتمع الى انهيار أو محاصرة مما يدعو الى تجميع هذه الطاقات أو مركزتها لكنه تمركز مؤقت رهين بزوال الأزمة, وأنا اعتقد أن واحدة من مشاكلنا في التنظيم الاسلامي أننا لم نفرق بين التمركز المؤقت والتمركز المستمر فنحن عندما نشأنا كحركة اسلامية نشأنا في ظروف عصيبة وظروف حصار لم يكن هناك اي مجال للحديث عن تنظيم مفتوح فكانت المركزية التنظيمية ضرورة حياتية حتى يتم تجميع الطاقات وتتكبل الارادة فإذا فتح الله بالحريات والامكانات فينبغي أن ترتخي هذه القبضة التنظيمية المركزية.
    أنا لا أتصور أن تكون للتنظيم الاسلامي قيادة مستدامة من نوع القيادة التي تسمى الأدبيات الحديثة بالقيادة التاريخية. قد توجد قيادة تتمركز لديها السلطة في ظروف طارئة فإذا زالت هذه الظروف يتغير نمط القيادة وتتجدد بصورة طبيعية أما إذا ظل التنظيم الاسلامي يعمل بقيادة مركزية قابضة غير قابلة للتجدد فهذا يعني أن التنظيم الاسلامي صار يعاني أزمة باعتبار أنه فقد المقدرة على الحركة والنمو بفقده المقدرة على البسط بعد القبض, واعتقد أن دولة الإنقاذ كانت في أولها مبنية على فكرة القبض والبسط, وكان الفهم أن السلطة السياسية حصرت في أيادي حزبية غير أمينة وفيها كثير من الفساد الذي يهدد المصالح القومية والأمن القومي مما برر فكرة القبض على السلطة حتى يعاد ترتيب الوضع المرتبط بالأمن القومي والمصالح القومية والسلام الاجتماعي ومنع الأجنبي من التدخل, لكنه قبض مؤقت, وكان مفهوم لدينا تماماً أن يحدث بسط بصورة تدريجية فيعود المجتمع الى وضعه الطبيعي وتعود الحركة والدولة الى الوضع الطبيعي وهذا جزء من نظرية متكاملة ولها مسوغات في الفقه الاسلامي وفي أدبيات الحركة الاسلامية.

    خلال فترة الأربعة سنوات التي قضيتها خارج السودان اتيحت لك فرصة للتقييم, ما هي أبرز السلبيات والايجابيات من وجهة نظرك؟
    هناك العديد من الايجابيات في تقديري أولها أن السودانيين عموماً استطاعوا أن يحافظوا على الوطن دون أن نصل مرحلة الإنهيار الكامل والتمزق الذي كان من الممكن أن يحدث, اقصد بالسودانيين الحاكمين والمحكومين والمعارضين. ثانياً إن المسألة الاقتصادية أخذت حيزاً مقدراً من الاهتمام والجدية, وغني عن الذكر أن الإنجازات التي تمت في مجال التعدين والاتصالات والطرق واستخراج الطاقة وما يتبعها من نشاط تؤدي الى بعض الإنفراج في الأمور المعيشية اليومية بالنسبة للمواطن السوداني.. وهذا شئ إيجابي واضح.
    الشئ الايجابي الثالث هو أن الدولة بدأت تطور حساسية ايجابية نحو مسائل الحرية وحقوق الإنسان والحوار السلمي واقتسام السلطة والثروة بين قطاعات الشعب المختلفة, وهي حساسية ايجابية كانت مفقودة. شئ حسن أن يحدث اصلاح في جانب حقوق الإنسان وفي التعامل مع دول الجوار وهذه مسألة منهج وأسلوب في ادارة الأزمات والتعامل معها أرى تحسناً قد وقع في هذا الجانب.
    في فترة سابقة كانت السمة الغالبة هي الإنكار المطلق, الاقتصاد ليس فيه مشكلة, ليس لدينا مشكلة مع دول الجوار, لكن الآن أصبحت هناك عقلانية وحساسية ايجابية في التعامل مع هذه الأمور وكان لابد أن تحدث هذه الاستجابة لتكون لديك قدرة على المراجعة والتصحيح, وكل كائن يفقد المقدرة على المواءمة مع البيئة التي يعيش بها محكوم عليه بالموت, أنا أشعر أن الدولة أصبحت لديها القدرة على المواءمة وهذا قد يكون مثار نقد واعتراض من بعض الجهات لكنني اعتقد أنه عامل حيوية وعامل حياة.
    أما السلبيات والتي كنت أتمني أن تزول فواحدة منها أنني لم استطع حتى الآن أن ألمس ملامح نظرية كلية لقضية التنمية, نلاحظ سياسات واسعافات ومعالجات لكنا لا نلاحظ ملامح نظرية تنموية متكاملة تنظم في داخلها كل هذه المعالجات توجد إنجازات هنا وهناك ولكن هذه الإنجازات ستذهب أدراج الرياح مهما كبرت إذا لم تتعزز مكانتها الحرجة من تاريخ السودان في داخل رؤية تنموية متكاملة, وغريب ألا تأخذ التنمية موقع الصدارة في الأجندة السياسية.. فمازال لدينا من يعتقد أن السياسة هي كلام "وطق حنك" وهذا عيب كبير.. اعتقد أن أي برنامج سياسي أو أي نشاط عام لا يرتبط في هذه اللحظة بقضية التنمية ارتباطاً واضحاً ومحدداً يكون مضيعة لوقت الناس وتبديد لمجهوداتهم وطاقاتهم ولا ينبغي أن يقوم علينا سياسي لا يستوعب ميكانيزمات التنمية أو مخطط تربوي غير واعي بتحديات التنمية ولا ينبغي أن يقوم علينا اقتصادي ليس لديه وعي متكامل بقضية التنمية, ولا ينبغي أن يكون لدينا كل هؤلاء دون أن يربطوا هذه المسائل برؤية الاسلام, فما يميزنا ويميز رؤيتنا هو المحتوى الاسلامي فإذا فشلنا في أن نربط نشاطنا بالرؤية الاسلامية بصورة علمية فلن يبقي الا الشعار, أن قدرتنا على تحويل الأفكار والمفاهيم الاسلامية الحقيقية الى برامج تنموية هي التي تخرجنا من حالة التخلف, ولكن عملية الربط والتحويل هذه هي مهمة التنظيم لأنه عامل ربط وتحويل للأفكار من اطار النظر الي الواقع ومن يفقده المقدرة على الربط والتحويل يفقد قيمته ويتجاوزه المجتمع تماماً ومن يقوم بعملية الربط في داخل التنظيم من العلماء والفنانين والتربويين والمبدعين, ودور هؤلاء بكل أسف ضئيل الآن لأن الاسلام قد طرح اطاراً دستورياً, ولم يطرح كمشروع تنموي وإذا طرح بهذه الصورة فسوف يتقلص التهريج السياسي, ويتمدد العلم. السلبية الثانية أن صورة المجتمع السوداني أصابها ضرر وأذى شديد, وكنت أتمنى أن يبذل المجهود والمال في سبيل اصلاح هذه الصورة لأن الآخرين يتعاملون معه ومعك من خلال الصورة التي قد يكونها عنك اعداؤك ومنافسوك، لكن على أي حال فإن الصورة تشكل مدخلاً اساسياً للتعامل معك دبلوماسياً وتجارياً وسياسياً فإذا كانت الصورة مشوهة فالتعامل معك لا يتم بالصورة التي تتوقعها والذي يحزنني أنه لا توجد محاولات جادة لاصلاح هذه الصورة بطريقة فعالة وهذا ليس عتب على الاعلام فقط ولا على العمل الديبلوماسي فقط وإنما عتب على السودانيين كلهم, بغض النظر عن توجهاتنا ومواقعنا الفكرية فنحن في حاجة أن نعيد صورة الوطن الى أجمل ما يمكن أن نعيد صورة الإنسان السوداني إلى ما كان عليه واستمرار هذا الحال خطر علينا سواء في المعارضة أو الحكومة لأن الآخرين ينظرون إلى حكومتنا أو الى معارضتنا ويضحكون وهذا غير جيد, ونحن أذكى من ذلك واقدر وأقوى من ذلك والشعب السوداني ليس شعباً طارئاً ولا ساذجاً وإنما هو شعب عريق وله تاريخ وحضارة فلماذا لا تكون لدينا القدرة لنعرض تاريخنا وحضارتنا ونحسن صورتنا أمام العالم.. لأن هذا سوف يؤثر على التنمية والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية.
    ألا ترى أن مأزق الاسلاميين يأتي من طرحهم للمشروع الاسلامي من منظور ايدولوجي دوغماتي؟
    هناك نوعان من الايدولوجيات, ايدولوجيا مغلقة تعتمد على وضوح الفكرة وتمسكها الداخلي وتنطلق منها لتنفيذ هذه الفكرة.. هذه الأيدولوجيا يمتلئ اصحابها بالزهو لمجرد شعورهم بتماسك الفكرة واتساقها داخلياً وينطلقون في التنفيذ بغض النظر عن المعطيات الواقعية.. وهناك نوع آخر من الايدولوجيات يمكن أن نسميه أيدولوجيا منفتحة تشترك مع الأيدولوجية الأولى وأن هناك قيماً وأفكاراً أو مفاهيمَ مركزية واضحة ومتماسكة داخلياً ولكنها في نفس الوقت منفتحة وتستجيب وتتعامل مع معطيات الحس والتجربة والعلم وتحاول أن تعيد ترتيب المفاهيم والأفكار الأساسية بصورة جديدة كلما تجددت المعطيات وبهذه الطريقة تستطيع الايدولوجيا أن تصحح نفسها بنفسها وإذا تكلمت عن الإسلام كأيدولوجيا يمكن أن أقول إنه أيدولوجيا منفتحة, وطبعاً هناك فرق بين الإسلام كعقيدة والإسلام كأيدولوجيا. والأيدولوجيا الإسلامية المنفتحة مستمدة من مفاهيم العقيدة الإسلامية ولكنها ليست هي العقيدة وهذه نقطة دقيقة وهناك الكثير من الناس يعتقدون أن الأيدولوجيا الإسلامية تعني العقيدة الإسلامية الخالدة والثابتة في مبادئها لكننا نقصد بالأيدولوجيا الأفكار والمفاهيم التي يستمدها المسلم الفاعل مع الحياة من العقيدة والمبادئ الثابتة وبالتالي تكون قابلة للتطوير والإنفتاح, وهذا مهم لأن هذه الأيدولوجيا متصلة بالعلم الطبيعي والإنساني والبشري وبهذه الطريقة يمكن للإنسان المسلم المتفتح أن يبني برنامجاً ذا شقين أحدهما أيدولوجي والآخر علمي, وهذا البرنامج أيضاً منفتح ومتطور وأنا أعتقد أن هذه الفكرة كانت موجودة في بداية الإنقاذ وهي أيدولوجيا مفتوحة وتقبل المستجدات وتستجيب للمستحدثات, لكن لا تفلت جملة واحدة من نسق المفاهيم الأساسية, أخشى أن يكون هناك أشخاص في داخل الحركة وفي داخل الإنقاذ لا يكون هذا الفهم واضحاً بالنسبة لهم, ويعتقدون أن لديهم أيديولوجيا صماء ينبغي أن يبلغوا بها بنهاياتها ويعتقدون أن أي استجابة لشروط ومعطيات جديدة هو تنازل عن الأيدولوجيا وبالتالي يصاب بالإحباط والإستياء وتنشأ عملية الإتهامات المتبادلة والتخوين, لكن لو فهمنا أن أيدولوجيتنا نفسها أيديولوجيا قابلة للتطور والإنفتاح فسنكون مستيقنين من عقيدتنا, صادقين مع أنفسنا ونكون في نفس الوقت تطوريين نقبل أن نعطي ونأخذ ومن المهم أن يطرح الإسلام بهذا الفهم ويجب أن يفهمه الآخرون كذلك دون أن تكون الإستجابة للواقع كأنما هي خصم من الأيديولوجيا, وأيديولوجيا الإسلام تختلف عن الماركسية, حتى الماركسيون الجدد الذين قالوا إن المفاهيم المركزية والمقولات الأساسية التي تحدث عنها ماركس إذا ما اتبعناها ستنتهي بنا الى أيديولوجيا مغلقة ولابد أن نفتح كي نستجيب لحركة التطور العلمي والتي دعى لها ماركس نفسه، لكن لا نعمي أبصارنا عن هذه التطورات العلمية والواقعية كي نحافظ على الأيديولوجيا ونتمسك بها لأنها بهذه الطريقة سوف تكون صفة سالبة وسلبية والإنسان الأيديولوجي بهذا المعنى يكون إنساناً أعمى يتبع الأيديولوجية فقط ويغمض عن التطور وتصير الأيديولوجيا هنا شريطاً دغماوياً يمنع عن رؤية الأشياء والواقع كما هو, ولذلك فإن خصوم الحركة الإسلامية يحبون أن يروها حركة أيديولوجيا مغلقة فيصفونها بالتنظيمات العقائدية أو المغلقة وهذا نوع من المصادرة والترهيب الفكري, وهذا لأنك لم تطرح نفسك كأيدولوجيا منفتحة, أنا أعتقد أن الإنقاذ عموماً والحركة الإسلامية على وجه الخصوص تحتاج أن تبين وجهها الأيدلوجي بصورة أذكى مما هو عليه وتحاول أن تطرحه للناس حتى يكونوا على بينة, لكن الغموض والضبابية في هذا المجال قد أضرت كثيراً, كان يجب أن تكون برامجنا في إطار أيدلوجي واحد تسهل رؤيته ويسهل الدفاع عنه وانتقاده وإصلاحه.
    هل هذا التطور استجابة فقط لدواعي الضغوط التي يجب أن نتعامل معها أم أنه تطور نظري مماثل أصبح جزءا من قناعات راسخة بحيث لوزالت الضغوط نرجع للقديم, هل ما حدث للإنقاذ هو استجابة لضغوط أم قد صاحبه فهم وقناعة في الايديولوجيا؟
    أنا طبعاً أتمنى أن يكون هذا الانفتاح انبثاقاً عن فهم للأيديولوجيا نفسها ولضرورتها وتطوراتها لكن إذا كان هذا التطور والإنفتاح الذي تم هو مجرد إنفتاح سياسي واقتصادي استجابة لضغوط خارجية مباشرة بدون ربط محكم للنسق الأيديولوجي فسوف يكون حده قريب لأن الضغوط ستسير بك الى اتجاهات لا ساحل لها وفي كل مرة ستواجه بأنواع من الضغوط, وميزة الأيديولوجيا المنفتحة أنها تضع إطاراً ضابطاً تتعامل في داخله مع أي نوع من الضغوط وتكون الأيديولوجيا مثل الإطار أو المصفاة التي تمكنك من استيعاب الظرف واستيعاب الآخر ومحاولة فهمه بل محاولة قراءة ذهنيته وفي غياب الأيدولوجيا من الصعب أن نقرأ الآخرين. الأيديولوجيا تساعدك في قراءة الآخر والواقع بصورة موضوعية وتحاول أن تناغم ايديولوجيتك مع هذه الوقائع لكنك إذا ذهبت فقط تستجيب للضغوط بدون هذا الاطار الايدولوجي فسوف تتبدد بين الايديولوجيات المختلفة وهي مسألة تحتاج الى تنظير عميق.

    في بداية حكم الإنقاذ أطلقت شعارات (أممية) تتجاوز حدود السودان وتحمل نفس تصدير الثورة والآن هناك ميل أكثر للإنكفاء على الداخل لمعالجة المشاكل القطرية, هل ترى تناقض بين الشعارات الاسلامية والدولة القطرية؟ والى أيهما تميل أنت؟
    أي دولة لها نطاق ثقافي وتجتهد لتعبرعنه بأي صورة من الصور, لكن في نفس الوقت للدولة حدود قانونية واقليمية ودولية تتعامل معها وهذا واقع موجود لم تفرضه التجربة الاسلامية, وعلي الدولة المسلمة وعلى المجتمع المسلم أن يراعي هذا الواقع وأن يحاول بقدر الامكان الا يبرز شيئاً من تناقض أبدي أو توتر حاد بين النطاق الثقافي والاطار القانوني للدولة, بمعنى أن على من يسير أمور الدولة ألا يكون ساهياً عن الإطار الثقافي والحضاري كما ينبغي الا يصل بها الى تصادم مستمر وإنما نحفظ الميزان, لماذا أقول هذا؟ لأن النطاق الحضاري والثقافي الذي يسندك يتداخل مع دول أخرى ومناطق وأقاليم والدين الذي تدعو اليه يمتد في فضاءات بعيدة وأنت لا تستطيع نسيانه واغفاله ولا ينبغي أن تغفل الدولة عن هذه الحدود, أنت تبحث عن صيغة وسطى تسمح لك أن تراعي الى درجة ما نطاقك الحضاري والثقافي ولكن دون أن تصادم العرف الدولي والاقليمي الذي تعمل فيه تصادماً يؤدي بك الى حافة الحرب وهذه ايضا تعالج في اطار الايدولوجيا المنفتحة فلو كان لك اطار ايدولوجي واضح تستطيع أن تقدم وتؤخر ولن تنداح وتسرع الخطى بغير هدى وهذا الواقع نحن لم نصنعه, فلو كنا نعمل في فراغ وجئنا للعالم ووحدناه بدون قوانين ولا دول لاستطعنا أن نفعل ما نشاء لكنك جئت الى عالم منظم وفيه موازين للقوى ويجب ايضاً أن ترتب نفسك وفقا لموازين القوى المتاحة لك فلو كانت لديك قوة غير محدودة فمن الممكن أن تفعل ما تشاء, لكن طالما أن قوتك محدودة بشرياً ومادياً وبالتالي دينياً أنت مطالب بهذا النوع من التوفيق ناهيك عن السياسة الرشيدة، أن تراعي ذلك ومن حسن السياسة وحسن التدبير أن توفق. والآن هناك دولة قومية وقطرية مفروضة لم تصنعها وهذا قدر أن تضطر للعمل في داخل الدولة القطرية لكن إذا كانت ايديولوجيتنا واضحة وقائمة على فعاليات المجتمع وعلى الإندياح الثقافي والحضاري فنستطيع عندها أن نفهم كيف نصنع سياستنا الخارجية.. وسنفهم كيف نتعامل مع الناس وهذا هو تاريخنا الذي لا نستطيع أن ننسلخ عنه وهو تاريخ اسلامي عربي افريقي, وهو فضاء نتحرك في داخله شئنا أم أبينا, نؤثر فيه ويؤثر فينا فلابد أن نعي بهذه المسائل, فلا نحن دولة قطرية مطلقة عمياء عن العوامل الثقافية والحضارية ولا نحن دولة أممية شمولية مطلقة عمياء عن الحدود والخصوصيات العربية والأفريقية.
    أشرت الى أن واحدا من الإنجازات في فترة الإنقاذ الحفاظ على وحدة السودان من التمزق ولكن البعض يعتقد أن الإنقاذ جذرت النزاع ،أعطته خلفيات عنصرية وجهوية ألم تلاحظ ذلك؟
    هناك بالطبع مشاريع تعتمد على الجهات وعلى الخصوصيات العرقية وهذه المشاريع لم تصل الى نهاياتها بعد وبعض هذه المشاريع ليس بجديد, فالمشاريع الجهوية والعرقية قديمة منذ الستينيات, حيث تكونت تنظيمات جهوية في الغرب والشرق والجنوب, ولكن شيئا فشيئا بدأت هذه التنظيمات تفقد قدرتها وصحيح أنها لم توصلنا الى مرحلة الصراع العنيف, ولكنها لم تصل بنا الى السلام الاجتماعي وهي دائماً تظهر في فترة ضعف الايدولوجيات والأحزاب فعندما تكون الايديولوجيا هشة, تبرز البرامج الجزئية, ففي التجارة مثلاً تنشط التجارة الجهوية التي ترتكز على الجماعة ذات اللغة المشتركة حيث يلتقي افراده في اطار تجاري واحد.. والسبب في ذلك يرجع لانعدام المؤسسات الاقتصادية ذات الشفافية فالتاجر يخشى أن يدخل في شركة تضيع فيها الحقوق ويفضل أن يبحث عن أهله وأبناء عمومته, ويستغني بذلك عن المجتمع العريض على أن هذه الظواهر محدودة وإني أعتقد أن الشعب السوداني فيه مقومات ومؤهلات تجعله يدير الصراع والتنافس على مستوى أرفع من مستوى العرق والجهة.
    ألا تعتقد أن الإنقاذ عمقت النزاع الجهوي والعرقي والذي برز فيما عرف بالكتاب الأسود؟
    كنت أقدر أن ما أبرز مسألة الجهوية والقبلية وعمقها هو النظام الفيدرالي في السودان. وهو نظام يقصد به أشياء كثيرة, من ضمنها أحداث قدر من التراضي الاجتماعي لأن مجموعات متباينة ثقافياً واقتصادياً تريد نظام حكم مرضي للجميع, وبالتالي فالفيدرالية بما فيها من مراعاة للخصوصيات قد تنعش بعض النوازع السالبة دون أن تكون للنظام الفيدرالي وسائل كافية لاستيعاب تلك السلبيات فيما هو قومي وفيما هو عام مثل أن يكون منهج تربوي تعليمي قوي يمتص هذه المسائل ويرشدها. أو أن يكون له نظام اتصال قوي وفاعل, وقاعدة اقتصادية قوية تمتص هذه النوازع, فبدون ذلك سيعمل النظام الفيدرالي على إنعاش النوازع والتوترات.
    فالإنقاذ ولجت الفيدرالية بنية حسنة, ولكنها خرجت منها بمتاعب ومشاكل يبدو أنها لم تحسب حسابها وهذا شئ مؤسف لأن البرنامج ينبغي أن يكون متكاملاً وقائماَ على معرفة كل نتوءاته وإفرازاته السالبة فإذا كنت لا تستطيع أن تتراجع عن الفيدرالية فعليك أن تحتوي الآثار السلبية التي افرزتها, وإلا فإن القوى المحلية ستتفجر خاصة مع ضعف الاحزاب والايدولوجيات وازدياد الشعور بالغبن الاقتصادي, لأن السودان تولدت فيه شرائح اقتصادية يمكن أن تكون مثار غبن, فإذا فهم المغبون والفقير أن أسباب فقره تعود الى الجهة التي ولد فيها فسوف يستنتج استنتاجات تقود الى التطرف والعنف واعتقد أن هذه مسألة تحتاج الي معالجة عميقة وسريعة لأنها ربما تؤدي الى مضاعفات لن تعاني منها حكومة الإنقاذ وحدها وإنما سيعاني منها كل السودان.
    خلال لقاءاتك العديدة بالخرطوم كيف تنظر لمجمل ما حدث بين الإسلاميين وما هو تقييمك للمصير الذي آلوا له بانقسامهم لحزبين؟
    العارفون يقولون إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون, نحن نريد للمسلمين أن يتحدوا على إقامة الحق والعدل, وإذا اختلفوا في إقامة الحد الأدني من العدل والحق وتفرقوا فيجب عليهم وهم متفرقون أن يلتزموا بإقامة الحق والعدل في أنفسهم بمعنى أن تكون هناك مبادئ أصلية وثابتة تحكم حركة الإنسان المسلم في الحياة العامة, حتى ولو لم يكن عضواً في جماعة سياسية المهم إن اتفقنا أو اختلفنا أن نراعي القيم الأساسية الحاكمة التي نلتزمها وهي السعي نحو الحق ونحو إقامة العدل, وأن يكون الواحد منا عادلاً "لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى".
    والعدل ليس نسبياً ومثلماً تعدل في تنظيمك الخاص وفي علاقاتك التنظيمية تعدل ايضاً مع الآخرين وهذه قيم أساسية نحتاجها.. أصبح الآن ظاهراً أن عدداً كبيراً من أعضاء الحركة الإسلامية يتقبلون فكرة أن يكون هناك أكثر من تنظيم إسلامي, ولا بأس لديهم في أن يطرح كل تنظيم برنامجه الذي يتوخى فيه الحق والموضوعية, ويتنافس به على السلطة بصورة صحية وطبيعية, وأنا لا أرى بأساً في ذلك, بل بالعكس ربما اخرجنا هذا من كثير من التشنجات التي صاحبتنا لفترات طويلة, وهي تشنجات كانت بسبب القلة والحصار والاستضعاف, فكنا نخاف أن يتخطفنا الآخرون إذا نحن اختلفنا, فكنا نتماسك عاطفياً خوفاً من الآخر, ولم يكن تماسكنا بالضرورة تماسكاً صحياً.. الآن وقد زالت اسباب التماسك الوهمي, القائم على التخوف من الآخرين فأصبح واضحاً أن لدينا رؤى مختلفة ولا يمكن أن نتماسك بهذه الطريقة, المهم أن يتخذ كل منا مواقفه على قدر كبير من وضوح الرؤية وأن ننفتح على المجتمع السوداني الذي كنا نتخوف منه وأن ننفتح ايضاً على المجموعات السياسية التي كنا نخاف في يوم من الايام أن تتخطفنا فيستطيع كل منا أن يتخطى حاجز الخوف ويتعامل مع الواقع السياسي بصورة طبيعية, وهذه فائدة لم نخطط لها.. نحن لم نخطط للإنقسام لكن طالما أنه قد وقع فيجب أن ننظر الى الجانب الايجابي ونطور الى شئ صحي ومفيد ونتعامل مع السياسة بصورة واقعية وعلى الاسلاميين أن يعترفوا أن السياسة فعل يدور حول السلطة وحول تخصيص هذه السلطة وتوزيعها في المجتمع وحول توزيع السلطة في داخل التنظيم الاسلامي نفسه فنحن سابقاً كنا نتوارى من هذه المسألة , ولا نسأل عن كيف توزع القوة داخل التنظيم سواء كانت قوة اقتصادية أو قوة سياسية, فتوزع القوة داخل التنظيم كيفما توزع ونعتبر أن على الفرد السمع والطاعة, لكن الناس الآن يتساءلون دون خجل ومن حقهم أن يتساءلوا عن كيف توزع الموارد وكيف توزع القوة داخل التنظيم الاسلامي ومن الذي يقوم بعملية التوزيع هذه؟ ونحن نعبر عن ذلك بمصطلح الامارة ولكن كيف يتم التأمير نفسه, والتأمير إذا فحص بدقة فما هو الا عملية توزيع للسلطة والقوة.. المهم أن يكون لدينا في كل الأحوال والمراحل منهج وأجهزة توزع السلطة بصورة طبيعية وتجعل تبادلها يتم ايضاً بصورة طبيعية.
    هل تم الإقرار بهذه الحقيقة؟
    لست متيقناً تماماً أي مرحلة قطعنا في هذا, لكن هذا الجانب مهم وضروري ومن بعد هذه الأزمة لو كانت هناك عبرة نخرج بها فهي ضرورة أن تتفطن القيادة الى طريقة توزيع السلطة والثروة داخل التنظيم الاسلامي لتقييمها على منهج سليم وواضح مثلما تفعل المجموعات السياسية العادية.. وهي مسألة لا تحتمل اللف والدوران..
    ولكن هذا الإنقلاب كبير يا دكتور والاسلاميون كلهم عاشوا على غير هذا, الناس أصيبوا بخيبة أمل وصدمة ليكتشفوا أن هذا ما عابوه على الناس, هل هذه عودة الوعي؟
    لحسن الحظ إن القوة ليست هي القيمة الوحيدة في النظام الإسلامي, وهي قيمة إلى جانب قيم أخرى, نحن نقول أنه ينبغي أن يضبط هذا المجال بصورة جيدة لكن هذا لا يعني أنه لا توجد قيم ضابطه أخرى.. إن التوزيع العادل للقوة داخل التنظيم الاسلامي لا يتم إلا إذا عزز النظام الاخلاقي الاسلام. ولعلك تلاحظ أن بعض الناس إذا تحدثوا عن الاخلاق في الاسلام يعتبرونها من النوافل والآداب ويضعونها في مرتبة أدنى من الأحكام فنشأ فهم مخلوط في الذهن المسلم أن الاحكام القانونية أهم من الموجهات والقيم الاخلاقية, اعتبروا أن الاحكام القانونية هي الأصل وأن القيم والموجهات الاخلاقية هي نافلة فقيم الصدق والكذب والبر والترحم لا يعتبرون أن لديها وزناً مثل الأحكام القانونية الصريحة, فهذا النوع من النظر خلق مشكلة في ضعف الاحساس بالنفوذ الاخلاقي في النظام الاسلامي, فنجد بعضهم يظن أنه لو نفذ الأشياء ذات الصفة القانونية في داخل التنظيم أو في داخل الدولة, هذا يقترن بمسألة أخرى هي أن الذين توزع بينهم هذه السلطة يكون لديهم التزام اخلاقي ولديهم وعي بالقيم الاخلاقية الاسلامية الاساسية بحيث يتكامل ذلك مع النشاط السياسي التنافسي, وإلا سيصبح تنافسياً سياسياً مكشوفاً حول السلطة مثل التنافس في كل الأطر الايدولوجية الأخرى, فنحن نتوقع أن يتوازن الاخلاقي مع السياسي, ولا يكون تنافسنا حول القوة منقطعاً تماما عن النسق القيمي الاخلاقي الاسلامي الذي نعرفه وتربينا عليه, وقد لا يعي الإنسان في كل الأحوال بهذا النسق القيمي خاصة الإنسان الذي يباشر العمل العام ويحتك بالمنافسين الآخرين فهذا الجانب التنافسي الصراعي يكون فيه أظهر أوضح وأقوى مثل الذي يستخدم عضلة معينة ويهمل أخرى فإن هذا يؤدي الى ترهل العضلة المهملة, فنحن لن نستخدم العضلة الاخلاقية بصورة كافية في الاطار السياسي الآن ونحتاج لتنشيطها وهذه عملية شاقة طويلة ولكن لابد منها.

    وكيف ينظر الناس خارج السودان لما دار بين الاسلاميين؟
    الناس في الخارج إما مشفق وهو من الصف الاسلامي وإما شامت وهو من الصف غير الاسلامي, والشامت يعتقد أن ما حدث نتيجة طبيعية للممارسة والفكر فلتذهب كل الحركة غير مأسوف عليها, والمشفق من الاسلاميين سبب اشفاقه أن اشواقه قد تعلقت لفترة طويلة بنموذج لدولة اسلامية وحركة اسلامية يتجسد فيها الطهر والتجرد والتفاني, لأنه وقعت احباطات كثيرة في جوانب متعددة من العالم الاسلامي, اخفاقات وفشل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أو قبل ذلك فكلما تسمع خبراً.. هو خبر عن فشل فكأن الناس يتشوقون باستمرار الى قصة نجاح تعيد الأمل الى نفوسهم وعندما جاء النموذج الإنقاذي الاسلامي اعتقدوا أنه الخبر السعيد, وظلوا يراقبونه من هذه الزاوية وكثير منهم لم تتح له الفرصة ليتعرف على السودان وعلى الحركة الاسلامية ولم يتعرف على الاشكالات الحقيقية, لا هم شامتون ولا هم مشفقون, يعتقدون أن هذه التجربة اياً كانت النتائج التي وصلت اليها فهي تجربة جديرة بالتأمل والدراسة لأنها المرة الأولى التي يتاح فيها للحركة الاسلامية أن تمارس فيه أفكارها وتجتهد وتبتكر وتخطئ وتصيب, فهذا النوع من الدارسين وفيهم المسلمون وغير المسلمين, يعتقدون أنه لو درست هذه التجربة بعيداً عن التهريج والمزايدات يمكن أن تكون فيها دروس مفيدة تثري العمل الاسلامي ايضاً, وأنا أعتقد أن هذا اتجاه سليم بلا شك وكان الواحد منا يتمنى أن ينمو مثل هذا الاتجاه داخل الحركة الاسلامية, لأنه طالما أن الواقعة قد وقعت فينبغي ألا تأخذنا المفاجأة والعواطف عن المغازي والمقاصد الأساسية فندرس الظاهرة دراسة حقيقية وموضوعية, ونفحص المعلومات بصورة موضوعية ايضاً ونتمكن على الأقل أن نجيب على سؤال لماذا حدث هذا؟ ونقطع شوطاً في اتجاه : كيف نخرج من هذا؟.. وبالتأكيد فإن هذا ما لا يتوقع أن يفعله السياسيون الذين صنعوا الهزيمة ولكن آمل ألا يقطعوا الطريق على الآخرين الذين يمكن أن يفعلوا.

    أين موقعك مما حدث؟
    دخولي في السياسة هو دخول اضطراري فأنا لم أخطط لأن أكون سياسياً, ولكن ظروفاً معينة جعلتني أعمل اعمالا سياسية في فترة الثانوي والجامعة, ولكن كلما تزول هذه الأسباب الاضطرارية تجدني أنسحب لأنني أعتقد أن العمل السياسي هو أحد الجبهات التي يكثر فيها الجنود, فهناك من يعمل في السياسة بالفطرة, ولكن هناك جبهات أخرى للعمل الاسلامي, علينا فيها متأخرات وديون كثيرة, أظن أن الحقل العلمي والفكري هو أحد هذه الجبهات الفارغة والتي ليس لنا فيها إنتاج تراكمي, فآليت على نفسي أن اعمل في هذه المجالات التي يقل فيها الزحام ونفعها على المسلمين عموماً سيكون كثيراً, لأنه لو حدث فيها تقدم فإنه يفيد الجبهة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, فأنا منذ الفترة الأخيرة في الجامعة ربطت نفسي بمشاريع بحثية أتمنى ألا اضطر للإنصراف عنها.
    لماذا هاجر د. التجاني لخارج السودان في وقت شهد الدعوة لمن بالخارج للعودة للبلاد؟
    السبب المباشر لخروجي من السودان أنني شعرت بأن مشاركتي في العمل السياسي المباشر غير مفيدة أو غير مرغوب فيها ولا أريد أن أضخم نفسي بأن كان لي إسهام يغير الموازين ولكن أرجح فعلا أن اسهاماتي في العمل السياسي ليست ذات أهمية كبرى ولذلك فالقابضون على أزمة الأمر السياسي لم يستشعروا بأنني يمكن أن أؤدي دوراً سياسياً مباشراً بصورة كبيرة ولذلك أول ما طلبت الإذن بالإنسحاب أذن لي فصدق ظني وتحليلي وفضلت بالفعل أن أرجع الى المجال الذي يمكن أساهم فيه بصورة مفيدة من غير أي حساسية أو غضب.
    ففي مرحلة الفتح كان الرأي أن تنسحب الوجوه القديمة وتفسح المجال لوجوه جيدة وأنا من المقتنعين بذلك, أنا أعتقد أن أي إنسان عامل في الحركة الاسلامية عليه ألا يصر على عمل بعينه أو موقع بعينه فإذا وجد شخص يستطيع أن يقوم بالعمل مثله وافضل منه فمن الأفضل أن ينسحب الى موقع آخر يبدع فيه ايضاً ويسلك طرقا أخر وأنا بعد قليل إذا وجدت أن الناس يتقدمون بصورة طيبة نحو المجال العلمي فليس لدي مانع في أن أنسحب الى مواقع أخرى "وكل مهيأ لما خلق له"
    وإلى متى هذا الإنسحاب؟
    إلى أن يأذن الله بغير ذلك, فطالما أنت مرتبط بالإطار الإسلامي وتخدم في هذا الإطار بصورة طيبة فالموقع الجغرافي في رأيي ليس ذو أهمية وأنا كنت أقول لبعض الأخوان, أصبح لدي قناعة قوية جداً أنه ليس مهماً أين يوجد الإنسان؟ وأين يعمل الإنسان؟ ولكن المهم هو ماذا يعمل الإنسان؟ فإذا أنا أعمل عملاً صالحاً يفيد المسلمين ويقويهم ويرفعهم, فالموقع الجغرافي الذي أوجد فيه أنا اليوم ليس مهماً, يمكن الموقع الجغرافي اليوم يكون أمريكا وغدا السودان وممكن آسيا وأي مكان آخر, ولكن لا أحب أن أحشر نفسي في موقع لا أستطيع أن أعمل فيه بصدق وقناعة فهذا العمل وإن كان علمياً وأيضاً أنا شعرت بأنني محشور فيه حشراً ومفروض على أن أتركه أيضاً, والموقع الجغرافي نفسه إذا شعرت أنني لا أستطيع أن أعمل فيه أيضاً أغيره, فهناك هامش في هذا المجال وأنا أتحرك فيه ومقتنع به تماماً والله أعلم.
    وما الذي تراه الآن من ذلك الموقع؟
    طبعاً مسألة ماذا ترى هذه مرتبطة بسؤال If then وطبعاً إذا حدث هذا وهذا وهذا فإني أتوقع هذا وهذا وهذا وإذا لم يحدث هذا وهذا وهذا فإني لا أتوقع هذا وهذا وهذا, فرؤيتي للمستقبل وما عساه أن يقع مرتبطة ببعض العوامل وبعض المعطيات والمتغيرات في داخل السودان وحوله وأنا ذكرت في معرض حديثي جزئية في باب السلبيات, والإيجابيات, وتأسيسنا على هذا فإن الإيجابيات التي ذكرتها إذا بقيت إيجابيات كما هي ثم عززت وطورت فأنا أتوقع للحركة الإسلامية والسودان أن يخرجا من هذا المأزق بصورة جيدة, والعكس صحيح طبعاً, فإذا السلبيات التي ذكرتها لم يتم فيها عمل دؤوب ولم يحدث فيها تطور فإن الذي أتوقعه أن الأزمة ستطول وتتفاقم ولكن لا يعرف الغيب إلا الله ونحن نحاول أن نقرأ على ضوء المعطيات المتاحة لنا, وأنا أقر وأعترف بأنه ليس متاحاً لي كل معطيات السياسة السودانية بصورة كاملة كمعلومات دقيقة ولا إحصاءات متكاملة, أؤسس هذا على رؤية إنسان عابر وعلى رؤية إنسان دارس ومهتم يراقب من بعيد ولو كنت في غير هذه الحالة لكان من الممكن أن أرتب نتائج غير هذه النتائج التي ذكرتها.

    الاحداث
                  

04-21-2008, 09:37 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    العدد 190 - الأثنين 21 أبريل 2008


    حتى لا ننتكس إلى مراحل الطفولة السياسية
    د.التجاني عبد القادر
    البحث والكتابة في أمور الدين والسياسة والتاريخ لا يخلو من إثارة بعض الحساسية، إذ ليس في مقدور أي باحث أن ينخلع عن تاريخه الثقافي والسياسي ليكون ميزانا

    ً محايداً تستوي عنده اللآلئ والأحجار، أقول هذا وفي الذاكرة أحد أساتذتي الذين درست عليهم تاريخ الثورة المهدية: كان يخرج على النص، ويعترض على المؤلف، ويتدخل فى وقائع التاريخ مستنداً إلى حكاية عن جدته التي شهدت أواخر المهدية، أو إلى رواية أبيه الذي شارك هو وآباؤه في معارك المهدية التي كانت تدور في المنطقة ذاتها التي ولد وتربى فيها. فالمهدية لم تكن عنده "تاريخاً"، وإنما هي "وجدان" حي يتشابك مع وقائع الحاضر، ويتشاكس مع مقررات الدراسة.
    وهذه بالطبع ليست حالة خاصة بأستاذنا الجليل (السويكت)، وإنما هي حالة جيل كامل من السودانيين، وليست حالةً خاصة بتاريخ الثورة المهدية، ولكنها تمتد لتشمل تاريخ الختمية ومواقف الجعليين، والشايقية، والدينكا، والرزيقات، والأشراف، والخليفة عبد الله، والسلطان علي دينار، والإخوان المسلمين، والشيوعيين، وأنصار السنة، وهلمجرا. فكل هذه مناطق محفوفة بالمخاطر ومغروزة في الوجدان، ولذلك فإن إخراجها إلى دائرة الضوء ووضعها على مشرحة البحث العلمي سيكون حساساً وموجعاً، وسيثير حفيظة البعض. ولكن ماذا يفعل باحث الاجتماعيات؟ هل ينصرف لدراسة الفئران والأرانب، كما يفعل علماء الطبيعة، لأن بعض الناس يغضبون إذا تحدث عن قبائلهم وطرقهم وتنظيماتهم؟ أم يكتب عن السودانيين وتنظيماتهم السياسية ولكن بلغة أجنبية، فيتمتع بهامش واسع من الحرية ويبقى بعيداً عن الحساسية القبلية والمذهبية والسياسية (وهي الحساسيات الضرورية التي تتشكل منها مادة الحياة وتتقرر بها مصائر الناس)؟ أيكون ذلك هو أحد الأسباب التى تجعل الدراسات السودانية تزدهر نسبياً في اللغات الأجنبية، وتقام لها المراكز وتعقد لها المؤتمرات، بينما لا توجد مؤسسة فاعلة في السودان تهتم بترجمة مثل تلك الأعمال ونشرها؟ أيكون ذلك هو أحد الأسباب التى تجعل طلابنا يؤثرون السلامة، فيميلون لدراسة تاريخ الممالك القديمة، والآثار الفرعونية والنوبية السابقة لميلاد المسيح عليه السلام؟ أيكون ذلك ما جعل الأستاذ الدكتور جعفر ميرغنى يسأل ذات مرة أحد أصدقائه من علماء الآثار وهو يداعبه: لماذا تغمضون أعينكم عن أحداث التاريخ التى تقع بين أيديكم كل يوم، حتى اذا استقرت فى باطن الأرض، ومرت عليها آلاف السنين، أجهدتم أنفسكم فى الحفر والنبش؟
    إن الكتابة عن الأحداث الغضة، والأشخاص الأحياء (خاصة أولئك الذين فى قمة السلطة أو الثروة) تتضمن مغامرة ومخاطرة، قد يفقد فيها الكاتب كثيراً من أصدقائه، وتنقطع بها كثير من علاقاته ومصالحه، بل وقد تقطع فيها أصابعه، كما حدث لسليم اللوزي، صاحب مجلة الحوادث، أو تقطع فيها رقبته، كما حدث لمحمد طه، صاحب جريدة الوفاق، وغيرهما من الصحافيين والكتاب فى عالمنا العربى المأزوم، رحمة الله عليه وعليهم جميعاً.
    على أن فى المخاطرة حياة للكاتب وللمجتمع الذى يكتب اليه، والكاتب الذي لا يغامر بالسير منفرداً، مرة تحت الشمس الحارقة، ومرة تحت المحاصرة الخانقة، ستظل كلماته مثل الأعشاب التى تنمو تحت "الزير"؛ ريانة ومخضرة وبدينة، ولكنها عديمة الرائحة، عديمة الطعم، وعديمة الجدوى. ثم إن الكتابة الجريئة المغامرة ضرورية ليست فقط لحياة الكاتب، وانما هى ضرورية لحياة المجتمع والجماعات والتنظيمات السياسية. فهذه الكيانات قد تصاب أحياناً بالتخمة والخدر، فتحتاج الى شيء من الوخز بالإبر لتستعيد الإحساس بمن حولها ومن تحتها، وقد تصاب أحياناً بضعف في الرؤية أو ضعف فى الذاكرة، فتحتاج لمن يصرخ فى وجهها ليجعلها تتراجع عن التخبط القاتل، وتلتزم خريطة الطريق.
    (2)
    لقد كان علماء الإدارة يؤشرون باستمرار على وجود نوعين من التنظيمات: تنظيمات منفتحة وقابلة للتعلم، وأخرى مغلقة، فاقدة للجهاز العصبى الحساس، وفاقدة للذاكرة، وغير قابلة من ثم للتعلم. أما التنظيم القابل للتعلم (learning organization) فهو تنظيم ذو جهاز عصبى حي، يوفر له قدرة ومهارة في الإحساس بما لديه وما حوله، كما يوفر له "ذاكرة" قوية تختزن المعارف وتسترجعها، وهو تنظيم تتوفر له فوق هذا وذاك "إرادة" وجرأة تمكنه من تعديل سلوكه ليتواءم مع المعارف المكتسبة. وصار "نضج" التنظيم لا يقاس فقط بحساب المدة الزمنية التى مرت عليه، أو بحساب المكاسب التى حققها، وانما يقاس بقدرته على الاستفادة من تجاربه، وتطوير أدائه بصورة مستمرة، وأن التنظيم الذي لا يستفيد من تجاربه سينتكس لا محالة من حالة النضج الى حالة الصبا أو الطفولة. وقد لوحظ بالفعل أن كثيراً من التنظيمات، سواء كان ذلك في مجال الصناعة أو السياسة، لا تستفيد من تجاربها السابقة، أو حتى من مشاريعها الناجحة، فتراها تهدر خبراتها السابقة، أو تسقطها من الذاكرة، فتشرع بالتالي في تكرار الأخطاء وفى العودة الى مراحل الطفولة.
    هذا، ولا يفوت عليك أننا في "الحركة الاسلامية" ننطلق من افتراض أساسي: أن تنظيمنا هذا له "حركية" تماثل النظم الحيوية (dynamic systems)، من حيث أنه يمتلك القدرة على تطوير نفسه، سلوكاً وأساليب وأهدافاً وقيادة، ليتمكن من التواؤم مع بيئته الداخلية والخارجية، كما أن مفهوم "الحركية/الحيوية" يعنى أن هذا التنظيم ليس نظاماً عضوياً مغلقاً بحيث لا تدخله عناصر من خارجه، أو لا تخرج بعض عناصره، وانما هو تنظيم "مفتوح" يؤثر فى بيئته كما أن البيئة قد تؤثر فى بعض مكوناته وتغيرها. يضاف الى ذلك أن "الحركية" تعني القدرة على التعلم من التجارب والمشروعات السابقة، وبدون ذلك لا تتأتى للتنظيم استمرارية أو فاعلية.
    وكل هذا يعني أن توجد فرصة للتأمل في التجربة التنظيمية؛ فرصة للمراجعة والنقد والتقويم، وهو مطلب بسيط ومتواضع، ولكنه مطلب بعيد المنال، لماذا؟ لأن المراجعة تقتضي استرجاعاً للماضي، واسترجاع الماضي يعني الحصول على معلومات صحيحة عن الأداء، وعن القرارات، وعن السياسات، وعن الذين كانوا يقومون عليها، وهذا هو مربط الفرس وبيت القصيد. لأن "المعلومات" محتكرة، ولها "أصحاب" غلاظ يعتقدون أنهم يمتلكون السلعة النادرة التى بدونها لا يكون بقاء في قمة السلطة والثروة، ولذلك فهم يوصدون عليها النوافذ بالضبة والمفتاح، ولذلك فهم لا يكرهون أحداً كما يكرهون الصحافة الحرة، والقضاء الحر، والكتاب الأحرار، ولا يبغضون كلمة كما يبغضون كلمة المراجعة أو المحاسبة أو الشفافية، ولا يحبون أحداً كما يحبون الكتاب والصحافيين ونواب البرلمان "الفقراء" الذين ينبتون تحت "الزير الحكومي"، ويعتمدون عليه في أرزاقهم.
    لقد مرت الحركة الاسلامية بتجارب كثيرة ومتنوعة، مثل تجربة الجبهة الوطنية، والمصالحة الوطنية، والبنوك الاسلامية، وتجربة الانقلاب العسكري، والدفاع الشعبي، والشراكة الأمنية، والمفاوضات الدولية، وغيرها من التجارب المعقدة على المستوى الداخلي والخارجي، وعلى مستوى التنظيم والدولة، وعلى مستوى الفكر والممارسة، إلا أن هذه تجارب لم تدرس بطريقة موضوعية، ولم تقوم، ولم تستخلص منها الدروس، ولم تصبح مادة مضادة لتكرار الأخطاء، لماذا؟ لأن بعضاً من الذين كانت بيدهم تلك "الملفات" و"الأسرار" ما يزالون "يقبضون" عليها، وعلى ناصية الحركة الإسلامية، وما يزالون يعتقدون أن "الليل لم يزل طفلا"، ولكنهم لن يضيعوه فى المراجعات "الفارغة"، وما على الجميع إلا أن ينخرطوا معهم فى مواجهة "التحديات" التى تحيط بالدولة والوطن؛ أي التحديات التى "خبزوها" بأيديهم، والمآزق التي انساقوا فيها باختيارهم.
    ليت أحداً يصدقني أن "التحدي الأكبر" الذي يواجه الحركة الاسلامية فى الوقت الراهن هو هؤلاء، وهو هذا "المنطق" الذي يلوذون به، والذي قد ينتكس بالحركة الإسلامية من مراحل النضج السياسي والفكري الذي بلغته، الي مراحل الصبا والطفولة، ولا قوة إلا بالله



    الاحداث
                  

04-23-2008, 04:39 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    المحبوب عبد السلام فى حوار غير تقليدي مع «أخبار اليوم» حول أسرار تنشر لأول مرة
    بتاريخ 14-4-1429 هـ
    القسم: الحوارات
    هذه هى التفاصيل الكاملة للقاء الذى جمع الدكتور الترابي ومدير عام المخابرات والعمليات الفرنسية بمطار باريس حول تسليم كارلوس
    { فى نيفاشا كنا نساهم بالرأي عن طريق وفد الحركة الشعبية والترابى كتب ورقة حول علاقة الدين بالدولة بناء على طلب وسطاء الايقاد {
    { لاعلم لى بزيارة على عثمان لمدير الاستخبارات ليلة 29 يونيو وشاي المغرب الذى شربه الترابي مع الصادق للتمويه {

    اجراه :عبد الرازق الحارث

    الاستاذ المحبوب عبد السلام ابرز شباب الحركة الاسلامية الذين اصطفاهم الدكتور الترابي الامين العام للمؤتمر الشعبي وعراب الانقاذ السابق والزعيم الروحي للحركة الاسلامية ليبقوا بجانبه فى معاركة الفكرية حيث ظل يدافع عن شيخه بقلمه ولسانه ويتصدي لخصومه بجسارة وبرهان
    والرجل شاهد على العصر حيث ظل قريبا من الترابي ترجمانه وسيفه ودرعه يقاتل عنه بالسيف الراعف ويسانده فى ظل الحكومة او عندما تشتد المعارضة ويطول الدرب

    اخبار اليوم جلست الى المحبوب عبد السلام امين العلاقات الخارجية بالمؤتمر الشعبي فى حوار لم تنقصه الصراحة اجاب على اسئلتها بكل الصدق والوضوح حول مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية فى جنيف واسرار وخفايا 30 يونيو والعلاقة مع الحركة الشعبية بعد وفاة قرنق وتسلم سلفاكير وملف تسليم الارهابى الدولى كارلوس فالى التفاصل

    { مذكرة العشرة كانت القشة التى قصمت ظهر بعير الحركة الاسلامية وكانت مفاجأة داخل حزب واحد {
    { كنا نرتب لعقد لقاء مابين الدكتور الترابي والدكتور جون قرنق برعاية البرلمان السويسري فى جنيف {
    {المذكرة التى وقعتها كممثل للمؤتمر الشعبي مع الحركة الشعبية كانت القشة التى قصمت ظهر البعير
    للمرة الثانية فى الحركة الاسلامية؟

    انفرجت اساريره عن ابتسامة هادئة ثم ابتدر حديثه قائلا« أنا شخصياً لم اكن اقدر أن المذكرة ستحدث كل ذلك الوقع الذى حصل وتصبح معلما فائقا فى التاريخ كما فى السؤال احد الاخوة اسمى كتابه الحركة الاسلامية صراع الهوي والهوية ولكن العنوان الجانب كان مذكرة العشرة الى مذكرة التفاهم ولعلك تقصد أن القشة الاولي كانت مذكرة العشرة والقشة الثانية كانت مذكرة التفاهم.
    يمكن المذكرات يكون فيها هذا الجانب انك انت لاتقدر وانت تكتبها وانت توقع عليها او يوقع عليها عدد من الناس او يكتبوا بنودها لا يقرأوا جيداً المستقبل يقرأوا بعض الاثار ولكن لايحسبوا كل الاثار اظن هذا ينطبق ايضاً على مذكرة التفاهم .
    اعتدل قليلاً فى جلسة ثم قال «بالنسبة لمذكرة العشرة طبعا كانت هى مفاجأة داخل حزب واحد مفاجأة من جانب على جانب اخر
    لكن بالنسبة لمذكرة التفاهم كانت قى تقديرنا ونحن مقبلون على التفاوض على المذكرة كان فى تقديرنا اننا نريد أن نصل الخطوات التى بدأت بعد تأسيس المؤتمر الشعبي .
    واسهب محدثى الاستاذ المحبوب عبد السلام شارحاً حول هذه النقطة «المؤتمر الشعبي اراد أن يتجاوز منذ العام 1977 عام المصالحة الوطنية بدأت الساحة السياسية تتداعي بين القوي السياسية وبين يدي الانتفاضة الشعبية عام 1985 تباعدت المسافة بين الحركة الاسلامية والقوي السياسية وخاصة عندما وقعت القوي السياسية كلها مذكرة التجمع الحزبية النقابى آنذاك
    ثم جاءت الانقاذ فازدادت المسافة بين الاحزب ..
    وبالنسبة للحركة الشبعية والحركة الاسلامية كانا على طرفي نقيض كنا نحن طرف وكانوا هم الطرف الاخر كنا طرف الصراع كان كل منا على اخر ضد وهو ما ادي أن تكون العلاقات مابيننا حادة
    وانا البارحة كتبت مقالا فى الذكري السابعة لمذكرة التفاهم التى وقعت فى 19/2/2001م والاثنين الماضى مرت عليها سبعة سنوات .. والناس لاتقدر هذه المدة الطويلة مضى عليها وقت طويل منذ توقيعها المذكرة عندما اقبلنا عليها كنا نريد أن نكمل خطوات اصلاح ذات البين بين الحركة الاسلامية وقوي الساحة السياسية السودانية التى كما قلت بدأت تتباعد منذ المصالحة الوطنية مع النميري
    وتباعدت فيما بعد الانتفاضة وتباعدت فى فترة الحكم الحزبى برئاسة الصادق المهدي وتباعدت جداً بعد الانقاذ عام 1999 بحل البرلمان بدأ يتبلور خطاب جديد من قادة المؤتمر الشعبي خاصة الشيخ حسن الترابي كان يتحدث عن الحرية باشد مما كان يتحدث عليها فى أية مرحلة من مراحل حياته ويتحدث عن اللامركزية هذه هى المبادئ التى بدأ فيها الخلاف داخل الحركة الاسلامية عام 1998م
    الخلاف ضم الى بعضه شيئاً مافى اجازة الدستور الدائم عام 1998م
    ولكن الخلاف تفجر مرة ثانية مع قضية اللامركزية فى انتخاب الوالى وشعب الولاية تفجر الخلاف مرة ثانية وعندما جاءت 4 رمضان كانت بمثابة قطع طريق على اللامركزية فى السودان وكان خرقا للدستور هذا تحول كبير فى داخل الحركة الاسلامية ومفارقات بين صفيها ولذلك عندما مضينا الى مذكرة التفاهم كنا نريد أن نعبر الجسر الاصعب وهو الحركة الشبعية .. واستطرد قائلا: الحركة الشعبية كما كتبت فى مقالي قال لى ترباتى وهو مذيع فى اذاعة مونت كارلو وكان يريد أن يجري معى مقابلة قال لى انتم صورتم الحركة الشعبية لمدة 10 سنوات انها حركة انفصالية وأنها حركة صليبية وأن لها علاقات مع اسرائيل وأن رئيسها اسمه «جون»
    وهذه قناعة فى العالم العربي وكان خطابكم القوي بالتركيز على هذه المسائل وهى الحركة الشعبية نفسها بوصفها للانقاذ والحركة الاسلامية وهى تخاطب الغرب بأن هذا حزب دينى يحكم السودان وبالضرورة المواطن الجنوبى فيه مواطن من الدرجة الثانية هذا حزب غير أنه حزب دينى حزب مركزيته عربية واسلامية لذلك انتم فعلاً طرفى النقيض ونحن قلنا فى البيان التالي للمذكرة بعد توقيع المذكرة واعتقال شيخ حسن وحل الحزب وايقاف الجريدة وزير الاعلام انذاك الدكتور غازي صلاح الدين شن علينا حملة شديدة وقعنا بيانا أنا والاخ ياسر عرمان باسم اللجنة التى كانت هناك اللجنة المشتركة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي لمتابعة تنفيذ الاتفاقية وكنا نريد فى الشهر الخامس لان التوقيع كان فى الشهر الثاني
    فى الشهر الخامس كنا نريد أن نعقد لقاء بين الدكتور جون قرنق والدكتور حسن الترابي فى جنيف برعاية البرلمان السويسري وبين مايو وفبراير فى الوسط كنا نريد أن نعقد لقاءات فى مستوي اعلي بين القيادات الحزبية فى الطرفين المذكرة تحول كبير فى علاقة الحركة الاسلامية بالحركة الشعبية وفى علاقة الحركة الاسلامية بالجنوب والى اللقاء الذى كنا فيه قبل اسبوع بمدينة واو يوم الاحد الماضى تحديداً كنا فى مدينة واو
    كان هذا اللقاء فى مدينة واو هو من ثمرات مذكرة التفاهم بمعنى اذا بعد اتفاقية السلام والحركة الاسلامية ماتزال تضغط تقول الحرب هذه مشكلة هنالك جانب اخر اختفى سنوات الانقاذ فى الدعاية السياسية هو أن الحركة الاسلامية لها مجهود كبير فى رعاية العلاقة مع الجنوب منذ عام 1964 مؤتمر المائدة المستديرة مقترح الحكم الاقليمي جاء من الدكتور حسن الترابي فى عام 1985 مؤتمر الجبهة الاسلامية القومية اقرينا الفيدرالية .
    قبل عام 1987 كتبنا ميثاق السودان الذى اسس العلاقة فى السودان على المواطنة وليس على الدين وتولي المنصب العام
    وجاء دستور 1998 يؤكد أن الناس متساوين فى الوطن وفى الانتماء اليه كان هنالك المرسوم الدستوري الثاني عشر المؤقت والذى اعطي سلطات واسعة للاقاليم
    وعندنا تراث طيب من العلاقة مع الجنوب غطت عليها سنوات الجهاد وسنوات الانقاذ وكنا فعلا محتاجين لهذه المصالحة التاريخية.
    { الاستاذ المحبوب عبد السلام القرار النهائي لانقاذ 30 يونيو صدر من المكتب الخاص التابع للدكتور حسن الترابي الذى كان يتكون من 7 شخصيات وبه عدد من القيادات الامنية والعسكرية وفق التفويض الممنوح له بانقاذ مايراه فى مصلحة الحزب؟ حدثنا قليلا عن صراع التيارات مابين الانقلابيين والديمقراطيين وكيف حسم الخلاف؟؟
    كان هناك مجلس شوري الحركة الاسلامية ويتكون من 40 شخصا وكانت هنالك هيئة شوري الجبهة الاسلامية وفيها حوالى 300 شخص .. فى هيئة شوري الجبهة الاسلامية تم تفويض هئية قيادة الجبهة لاتخاذ ماتراه مناسباً فى ضوء الظروف التى حدثت فى ذلك الوقت
    وكان فى الشهر الثاني كانت هنالك مذكرة الجيش التى امهلت رئيس الوزراء اسبوعا وبمجرد ما اخطرت الجبهة القومية الاسلامية بأن الجيش تقدم بمذكرة امهلت رئيس الوزراء اسبوعا اعتبرت هذا انقلابا خاصة عندما استجاب رئيس الوزراء للمذكرة فاعتبر انقلاب ناحج لابعاد الجبهة القومية الاسلامية لذلك فى تلك الظروف فوضت الجبهة قيادتها فى اتخاذ ماتراه مناسبا فى التعامل مع الحالة السياسية .. مجلس شوري الحركة الاسلامية الذى يتكون من 40 شخصا ناقش هذه المسألة واعطى هذا التفويض لـ 7 اشخاص وهم الشيخ حسن الترابي ومعه ستى اخرون .. وكان هنالك حوار الكثير من الناس كانوا يعتقدون أنه اذا لم نتقدم للسلطة سيأخذها اخرون
    وأن البلد اصبحت مفتوحة لان الصراع وصل الى مداه والتشقق وصل الى مداه واذا لم نتقدم نحن سيتقدم اخرون الفراغات لاتستمر فى السياسة والحكم والدولة تأتى جهة تتقدم ، الجهة التى اكثر نظاماً وقوة والقوات المسلحة ستتقدم لاخذ النظام لذلك كان القرار فى مجلس شوري الجبهة الاسلامية فى هذا الاتجاه كانت هنالك قلة والقلة هم شخص او شخصان كانوا يرون أن الديمقراطية تصلح بنارها الهادئة لتنضج فيها الحركة الاسلامية وكانوا يرون أن الحركة غير مؤهلة فى استلام الحكم ،بالمقابل كان هنالك رأي يقول أن الحركة الاسلامية بها العشرات من التخصصات ،وكل تخصص تجد به العشرات من الاشخاص ولذلك ينبغي أن نتقدم لاخذ الحكم ولن تكون هنالك تجربة كتجربتنا لان كثير من الانقلابات وقعت فى افريقيا والعالم العربي الانقلاب شئ عادي لكن لم نجد كادرا جيدا فى الاحزاب البعثية الاشتراكية والقومية والماركسية التى استلمت البلاد مثل كادر الحركة الاسلامية . طبعا أي انقلاب يحتاج الى حزب يدعمه لكن دعمنا كان اوسع مما وقع فى كثير من البلدان لانه لدينا حزب كبير ومؤسس وقائم على تخطيط استراتيجي وكان يتهيأ للتمكين واستلام السلطة منذ اوائل السبعينات
    لذلك دار هذا الجدل هل نحن مهيأون لحكم البلاد ام نحتاج أن تصبح الحركة الاسلامية فى نار هادئة
    كانت الجهة المقابلة قوية كذلك لانه اذا تركتوا البلاد لن تنضج فى نار هادئة ولكن ستتقسم لان الحركة الشعبية كانت تأخذ مدن الجنوب مدينة بعد مدينة كلها تسقط فى يدها .
    كانت بداية الصراع القبلى فى دارفور يهدد كذلك وينذر بتمرد وكان ينتقل الى جنوب كردفان والشرق كان كذلك تتفاعل فيه عوامل كثيرة .. والخطر داخل الخرطوم كان كبيرا لو تذكر ،قامت هيئة حماية العقيدة والوطن ،الجو كله كان مضطرباً لكن القرار كان أن يتقدم هؤلاء السبعة بما يرونه مناسباً لانقاذ البلاد لم ينص القرار صراحة على القيام بانقلاب لكن التفويض كان يسمح بأن تحرك آله الحركة الاسلامية داخل الجيش وآلتها الخاصة المسلحة حتى بين اعضائها لتستلم البلاد واستطرد محدثى الاستاذ المحبوب عبد السلام قائلا ولكن كان ذلك مدرج فى اطار استراتيجية
    والسنوات منذ اليوم الاول للانقلاب وحتى العام الثالث كانت تقريبا الخطوات واضحة انه فى الاول نحتاج أن نحافظ على هذا النظام لتغطية هويته الاسلامية وذلك بالتمويه الذى كان سائدا فى تلك الفترات ثم نكشف عن وجهنا شيئا فشيئا ثم نعيد السلطة الى الشعب خلال 3 سنوات وبالتالى خلال هذه السنوات الثلاثة سيحل مجلس قيادة الثورة وتحدث كل الخطوات ،تأخرت قليلا ، بعض الخطوات تقدمت مثلا المجلس العسكري الانتقالي حل مجلس قيادة الثورة واصبح فى محله مجلس تشريعي معين ولكن له كل سلطات التشريع لدي مجلس قيادة الثورة .كان هذا المجلس الوطني الانتقالي كان هذه خطوة فى بداية المراسيم الدستورية
    ثم جاءت التوالي السياسى لتأسيس الوضع السياسي كله على الحرية وهذه هى النقطة التى اختلفنا فيها كما كان فى الاجابة الماضية لكن الانقلاب نفسه كان شئيا طبيعيا فى العالم العربي وفى افريقيا الى ذلك الوقت ولكن كان هنالك شعور قوي فى الحركة الاسلامية بأنه بمجرد أن تستلم السلطة بانقلاب ينبغي أن تقوم بمجهود لتصحيح هذا العمل لان الانقلاب عمل اضطراري وهو عمل ليس جيداً ينبغي أن نصححة بسرعة وكانت هنالك كما قلت لك خطة موضوعة ينبغي أن تتبع بدقة لم تتبع بدقة فادي الى الازمات التالية
    { الاستاذ على عثمان فى ليلة 29 يونيو 1989 ذهب صباحاُ لمقابلة مدير الاستخبارات العسكرية صباحا لجس نبضه حول مدي المام جهاز المخابرات بتدابير الانقلاب وذلك تحت ستار نقل الاغاثة والمؤن للجيش فى الجنوب بينما كان الترابي يزور فى نفس عصر اليوم صهره رئيس الوزراء آنذاك الصادق المهدي ويشرب معه شاي المغرب
    هل هذه الخطوات جزء من تكتيك الجبهة الاسلامية لاستلام الحكم ام تقديرات القدر والمصادفة؟
    انا لا علم لى بهذه الاشياء التى ذكرتها ، كنت خارج السودان فى السنوات الخمسة فى باريس فى تلك الفترة ولا علم لي بالتفصيل ما الذى حدث لكن على حال ليلة 30 يونيو 1989 فى يوم 29 يونيو فى الامسية يعني موصولة جدا بالترتيبات الفنية للانقلاب وبالتالي هى ترتيبات تقوم على مسائل تكتيكية وسريعة وقصيرة ولذلك وارد جدأ أن ترتب زيارة تمويهية الى جوبا ووارد جداً ان يزور الدكتور الترابي الصادق المهدي مساء .. واستدرك قائلا( لا اظن هذا حدث قد يكون داخل ترتتبات الاعداد للانقلاب الذى كان واقعاً لامحاله ..
    اذا تمت هذه الزيارة وام لم تتم او تم التمويه او لم يتم .. المعد أن ساعة الصفر اتفق عليها اطراف كثيرة جدا كانت هنالك اجراءات كثيرة من هذا القبيل حتى رئيس الانقلاب العميد آنذاك عمر البشير جاء من الجنوب من «ميوم» وكان يقوم باجراءات عادية للسفر فى اليوم التالي لكورس تدريبى فى القاهرة هنالك اجراءات كثيرة تكتيكية ساعدت فى أن ينجح الانقلاب
    { القربان الاعظم الذى قدمه المؤتمر الشعبي بعبوره الجسر وتوقيعه لاتفاقية مع الحركة الشعبية ادت لتعميق المفاصلة بين الاسلاميين
    واعتقال الدكتور الترابي برغم كل ذلك العلاقة ما بين المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية ما يزال يلفها الضبابية والغموض.
    {انت تعلم اننا لم نكن حزءا من مفاوضات نيفاشا ولا اي من القوي السياسية.. ووقعت اتفاقية نيفاشا بدون مشاركة القوي السياسية مشاركة فعالة فى المفاوضات نحن كنا نساهم بالرأي ولكن عن طريق وفد الحركة الشبعية لا عن طريق وفد الحكومة واحيانا يطلب من الوسطاء طلب شركاء الايقاد من الشيخ حسن الترابي اعداد ورقة حول علاقة الدين بالدولة فكتبها ،كان لدينا اتصالات مع ياسر عرمان ومجموعة الحركة الشعبية اثناء التفاوض وكانت هنالك قطيعة كاملة مابيننا الاخوة فى الحركة ولم يكن بيننا أي اتصال لذلك جاءت نيفاشا تؤسس علاقة جديدة مع المؤتمر الوطني الشق المناوئ للمؤتمر الشعبي وكان اقتراضا آنذاك أن نشارك مع الحركة الشعبية كحكومة الجنوب اذا كان الوضع الفيدرالي يسمح بذلك .. لكن حدث هنالك حدث غير كثيرا من المعادلات هى وفاة الراحل الدكتور جون قرنق لان العلاقات تأسست اساسا فى ظل الدكتور جون قرنق وكان الجيش الشعبي يسيطر على غالب نشاط الحركة الشعبية وكان النشاط السياسي للحركة الشعبية محدود فى الدكتور جون قرنق ومجموعته لوح بيديه ثم قال عندما توفى الدكتور جون قرنق دخلنا فى المعادلات الجديدة أن الحركة الشعبية تريد أن تتحول من حركة مسلحة مقاتلة وحزب معارض الى حركة سياسية تريد أن تعمل وكان هذا الفرق كما قلت كان من المفترض تجديد العلاقة بيننا ومابين الحركة الشعبية يعني الحركة الشعبية حتى تسوي اوضاعها كلها بعد وفاة جون قرنق اخذت وقتا وعندما مضى هذا الوقت كانت العلاقة تعقدت بينها وبين الشريك فى مواجهة مشاكل الوطن كلها واصبح عليها تأسيس نظام دولة فى الجنوب وكان ذلك يأخذ من وقتها فانا اعتقد أن الحركة الشعبية لم تجد الوقت الكافى لتكمل مشروعها الفكري السياسي وعلاقاتها السياسية خاصة مع حزب مثل حزب المؤتمر الشعبى .. لكن عمقنا هذه العلاقة بالاتصالات الشخصية وتبادل الاراء . الزيارات الاجتماعات كلها كانت فى حد ادني نحافظ عليها ولاتنسى أن الحركة الشعبية لها علاقة بالتجمع الوطني اطول واعمق من علاقتها مع المؤتمر الشعبى لكن مع ذلك احزاب التجمع الوطنى الديمقراطي تشتكي من العلاقة مع الحركة الشعبية . والحركة الشعبية محتاجة الى وقت حتى تؤسس جيداً كحزب سياسي وحتى تؤسس علاقاتها السياسية ولكن كلامك صحيح أن العلاقة لم تمض كما ينبغي ومخطط لها
    { واللقاء مابين زعيمي الشعبي والشعبية الدكتور حسن الترابي والفريق سلفاكير ميارديت لماذا اصبح امنية فى ضمير الغيب لا تتحقق علي ارض الواقع؟؟
    هو من ناحية الدكتور حسن الترابي سعي الى لقاء سلفاكير . وكنا قلت لك لم تنقطع العلاقة مابيننا وبين اخوتنا فى الحركة الشعبية دون مستوي رئيس الحركة قيادات الحركة الاخري كلها كانت تأتي الى لقاء الدكتور الترابي دوريا وفى كل المناسبات وفى الاجتماعات واحيانا لعرض بعض الامور العلاقة عامرة دون مستوي رئيس الحركة
    ولكن سلفاكير كما تعلم يقضى اغلب وقته فى الجنوب وحتى فى زيارتنا الاخيرة الى واو كان الاقتراح الاول أن نمضي الى جوبا اولا ويجلس الدكتور الترابي مع سلفاكير فى لقاءات مطولة ونبقى فى جوبا يوم ثم نغادر الى واو ولكن فكرة الحركة الشعبية أن سلفاكير ينبغي أن يلقي كل الاحزاب كما تعلم أن سلفاكير لم يعقد لقاءات مطولة مع السيد الصادق المهدي ولامع السيد الميرغني ولامع نقد اللقاءات التى تمت مابين الرئيس البشير وقيادات الاحزاب سلفاكير لم يحضرها .. علاقة الفريق سلفاكير مع قادة الاحزاب بسبب غيابه المتطاول لم تتصل كما ينبغي والاخوة فى الحركة الشعبية يقولون أنه من الضروري أن يلتقي الفريق سلفاكير بالدكتور حسن الترابي ويجلس معه ساعات نحن نأمل أن تحدث فى الفترة المقبلة لكن كلامك صحيح أنها تأخرت جدا رغم اهميتها
    { هل تتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة لقاءات مابين الدكتور الترابي والفريق سلفاكير ميارديت؟
    { هل هنالك اتصالات او لقاءات او محاولات لترتيب هذا اللقاء؟؟
    نعم كانت هنالك دعوة من الحركة الشعبية لزيارة جوبا ولكن لم تحدد موعدها .. ثم جاءت دعوة أن رؤساء الاحزاب يزوروا الفريق سلفاكير مجتمعين ويصلوا الى واو ويعقدوا معه اجتماعا .. ثم عدل هذا الاقتراح للتشاور مع الاحزاب بأن يذهب رؤساء الاحزاب فرادي ويلتقوا بالفريق سلفاكير ثم من بعد ذلك يمكن أن يحدث هذا اللقاء فى اطار يجمع كل الاحزاب حتى المؤتمر الوطني
    { ملف كارلوس من الملفات الغامضة دخوله الى السودان؟؟ وتسليمه لفرنسا خاصة أن هنالك تقارير اشارت الى أن الدكتور الترابي عقب عودته من مدريد التقي فى المطار لمدة ربع ساعة بمسؤول فرنسي رفيع المستوي ابدي له خشيته من عدم تسليم السودان كارلوس وبعد عودة الترابي للخرطوم تم تسليمه بتلك الطريقة الدرامية؟ ولا نستطيع أن نتحدث حول هذا الامر دون التوقف بمحطة المحبوب عبد السلام مترجم اللقاء؟؟
    ابتسم ثم رد قائلا النقطة الاخيرة صحيحة وهي انني كنت اقوم بالترجمة مابين جهاز الامن السوداني وجهاز الامن الفرنسى فيما يتعلق بموضوع كارلوس لذلك انا مطلع على هذا الملف جيداً الدكتور الترابي سافر الى اسبانيا وقدم محاضرة وفى طريق عودته كانت الرحلة تسمى الرحلات المقلة وحدث conatian
    بتديل للطائرة لمواصلة الرحلة جلسنا فى مطار باريس ساعات حتى اتى مدير عام العمليات الفرنسية وقابل الدكتور الترابي لكن الخطأ فى تناول موضوع كارلوس فى السودان دائما يتجه الى أنه موضوع سياسى حكومة الانقاذ آنذاك تعاملت مع ملف كارلوس بوصفه ملفا امنيا من جانب كارلوس كان يظن أن هذا النظام الاسلامى الثوري سيكون متحمسا فى التعامل معه حقيقة كارلوس ضاقت عليه الارض بما رحبت كان يبحث عن مأوي كان يبحث عن مقر وفى دولة عربية ضافت به ذرعا وهرب اليها من دولة عربية
    الدولة هذه الاخيرة كانت تريد ان تتخلص منه كان البلد الوحيد الذى يستقبل العرب بدون تأشيرات كان السودان بعثت به هدية مسمومة الى السودان جهاز الامن فوجى بوجود كارلوس فى السودان وقدم نفسه على أنه شاين كارلوس وكارلوس هذا لقب وليس اسمه الحقيقي الذى كان يريد التفاوض مع الامن الفرنسى هو الامن السوداني وكان السياسيون مثلا الفريق البشير والترابي وعلى عثمان كانوا فقط يخطروا بتطور المفاوضات معهم والمفاوضات كلها كانت منصبة فى أنه ينبغي أن يغادر السودان .. نحن لاشأن لنا به ولم نكن بعض من عملياته فى العالم العربي وانا تحليلي الشخص أن كارلوس لم يعد ذلك المناضل الذى ينصر القضايا العربية تحول الى مثير دولى والذى قاله مدير المخابرات والعمليات الفرنسة للدكتور الترابي انهم دولة فرنسا بمذكره صادرة من الانتربول البوليس الجنائي الدولي تريد أن تستلم كارلوس وسلم هذه المذكرة للدكتور الترابي فهذا كان شأن قانوني وعلاقات دولية محضة والدكتور الترابي كما تعلم هو شخص قانوني ومختص بالقانون الدستوري ومختص بالقانون الدولى فكانت اجابته واضحة اذا كانت هنالك مذكرة توقيف باسم القانون الجنائي الدولى ينبغى أن تتم المسألة فى هذا المستوي لانه سياسيا لا شأن لنا بكارلوس ولكن دولة فرنسا وهى دولة بالمناسبة الوحيدة فى العالم التى عندها ملف جنائي مع كارلوس هو قتل ثلاثة ضباط من ضباط المخابرات الجنائية الفرنسية قتلهم فى شقتة فى باريس مباشرة من مسدسه فعندهم قضية مكتملة لذلك واقف الانتربول بأن يصدر هذه المذكرة بتسليم كارلوس الى فرنسا اينما وجد
    كذلك مدير المخابرات الفرنسية تحدث بأن هنالك مساومات تتم بينهم وبين الامن السوداني حول هذا الموضوع الترابي اكد انهم يرفضون أي مساومة فى موضوع جنائي واكد أن التسليم يتم على اساس جنائية محضة فى اطار البوليس الدوليوالانتربول السوداني و الانتربول الفرنسي . تم التسليم على هذا الاساس فملف كارلوس كان ملف امنى ثم اصبح ملفا جنائياا ولم يكن فى يوم من الايام ملفا سياسياً


    اخبار اليوم
                  

04-27-2008, 08:27 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    العدد رقم: 881 2008-04-27

    حديث المدينة
    أصحى.. يا بريش..!!

    عثمان ميرغني
    كُتب في: 2008-04-27

    [email protected]


    سألني باحث بريطاني يزور السودان هذه الأيام.. سؤالا افتراضيا جديراً فعلا بالإجابة المتأنية العميقة.. قال لي ( اذا افترضنا ان أحد أعضاء الحركة الإسلامية في السودان نام في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.. ولم يستيقظ إلا الآن.. ثم سار في الشوارع وقرأ الصحف وتأمل في المجتمع والدولة.. دون أن يقدم له أي فرد مساعدة للتعرف على ما تغير خلال العشرين سنة الماضية.. فهل يستطيع ان يعرف أن الأمور كلها خلال فترة نومه كانت تخضع لحكم جماعته..؟؟)
    قلت له.. ولو أُعطي (خيارات!!) فلن يستطيع تخمين الإجابة الصحيحة..
    سأتقمص السياق الافتراضي الذي اختاره الباحث البريطاني.. وأتصور أن هذا الرجل ( وربما يكون من قيادات الحركة الإسلامية).. وبعد ان استيقظ..اول ما فعله وبكل شوق ولهفة أن ذهب الى منزل (الشيخ!) حسن الترابي.. وجلس في طرف الصالون بكل هدوء يسمع تصريحات وتحليلات الشيخ للأوضاع.. وكأني بهذا الرجل الذي استيقظ من منامه يقول في قرارة نفسه.. وهو يسمع لكلام الشيخ الترابي..( إذن لقد فعلها الشيوعيون.. !!).. ثم واذا به وهو راجع (بالمواصلات طبعا).. بشارع أفريقيا وجوار مدخل المطار.. تكاد تربكه الدهشة.. وهو يكمل الجملة (.. ويصَّلون..الشيوعيون !!).
    وربما وقع في حيرة ودهشة اهل الكهف.. حينما قالوا لأحدهم أذهب بورِقِنا هذا فلينظر أيّها أزكى طعاما.. فقدم ورقه (العملة) للتجار فنظروا اليه وسألوه من أي عهد تاريخي سحيق هبط..
    المعايرة القياسية التي طلبها الباحث البريطاني للفرق بين النظرية والتطبيق.. تحتاج اولا وقبل الغوص فيها الى استنباط وحدة القياس..حتى يمكن معايرة الطرفين والكتلتين بنفس الوحدة القياسية.. فلا يمكن – مثلا معايرة جسمين واحد بالكيلو.. والآخر باللتر.. أو بالمتر..
    ماهي وحدة القياس التي تحسب المسافة الفاصلة بين النظرية والتطبيق..
    اقترح استنباط وحدة قياس نطلق عليها (كيلو انسان).. الوزن المعياري للانسان.. على هدى معادلة بسيطة تفترض أن (الكيلو إنسان) هو الناتج الطبيعي لحصيلة جمع التنمية والخدمات والمشاريع التي تقدم له مع الحقوق التي يكتسبها.. فإذا توفرت للانسان مشاريع ضخمة وخدمات مترفة وتنمية هائلة.. ونال معكوسها من الحقوق الذاتية والمعنوية فإن (الكيلو انسان) يصبح في وزن الذبابة..
    بوحدة القياس هذه يمكن إجراء اختبارت خارجية في دول أخرى.. والتأمل في ناتج (الكيلو انسان) فيها.. فدول عملاقة من فرط جبروتها خرقت غلاف الكرة الأرضية وارتفعت بإنسانها الى الفضاء الخارجي. لكن انسانها على الأرض كان لا يساوي إلا قيمة تافهة من الـ(كيلو انسان).. وكانت النتيجة الطبيعية بالتحديد انهيار منظومة (الاتحاد السوفيتي).. وحلف وارسو ودخول بعضها في حلف الناتو..
    الأمثلة كثيرة.. وبعضها لا يزال شاخصا.. وسنة الحياة البشرية ان الانسان هو محور الحياة.. وأكدها القرآن الكريم الذي جزم ان كل ما في الحياة الدنيا هو مسخر لأجل الانسان. في البر والبحر والفضاء..
    إذن فلنستخدم مسطرة أخينا الدكتور أمين حسن عمر الشهيرة.. ونحسب كم (كيلو انسان) يسوى السوداني..؟؟
    السودانى



    --------------------------------------------------------------------------------

    خمسون إنجازا للحركة الإسلامية السودانية:

    ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها عليها!!

    د. محمد وقيع الله
    [email protected]

    (8)

    تحدثنا في المقال الماضي عن توازن الحركة الإسلامية السودانية، في تركيبتها القيادية العُمْرية، حيث بان لنا أنها الحركة السياسية السودانية الوحيدة التي تملك تشكيلة قيادية، تمثل أفضل تمثيل التركيبة العمرية العامة للشعب السوداني في الوقت الحاضر. وتناولنا بالحديث التركيبة الاجتماعية للحركة الإسلامية السودانية، فاتضح أنها تركيبة قومية، بحق وحقيق، تتمثل فيها جميع ألوان الطيف الاثني السوداني.

    وبهذا التركيب المتوازن، الذي ميز الحركة الإسلامية السودانية، وزانها، اكتسبت تصرفاتها، وأفعالها، توازنا مشهودا، نأى بها عن التطرف في وجهيه: إفراطا وتفريطا.

    التعامل المتوازن مع الأحزاب:

    ونود اليوم أن نتحدث اليوم عن بعض أنماط التعامل السياسي المتزن، للحركة الإسلامية السودانية، بادئيه بتعامل هذه الحركة مع الأحزاب السياسية الأخرى. فبالرغم من أن الأحزاب السياسية التقليدية والعقادئية قد استقبلت الحركة الإسلامية السودانية، في تجليها السياسي، منذ حقبة جبهة الميثاق الإسلامي(1965-1969م) ، بكثير من التحفظ، والاستهانة، والاستخفاف، والازدراء،( تشهد على ذلك مداولات الجمعية التأسيسية بوجه خاص، وهي مصدر جيد لدراسة السوك السياسي في حقبة الديمقراطية الثانية)، إلا أن الحركة الإسلامية السودانية، ظلت تعامل تجمعات الأحزاب السياسية الأخرى (عدا الحزب الشيوعي) بقدر كبير وافر من التقدير والإحترام، ويمكن القول بأنها ما زالت تعاملها منذ ذلك الزمان بكثير من التقدير والاحترام لأوزانها وأقدارها.

    لقد جاءت الحركة الإسلامية السودانية بمحتوى حزبي، أصيل، واعد، متفوق، من حيث الخلفية والبنية الفكرية، والبرامج السياسية المفصلة، ونوعية الكوادر المدربة المحتسبة. ومع أن الحركة الإسلامية السودانية كانت متقدمة على الأحزاب من هذه النواحي، إلا أنها عمدت مع ذلك إلى التعامل مع هذه الأحزاب، على أساس التفهم والاستفادة من تجارب من سبقوها في التجربة والبلاء، بدل أن تصادمهم وتسعي سعيا عاجلا لإزاحتهم، وهكذا أخذت الحركة الإسلامية السودانية من كل حزب خير ما فيه، ونبذت ما فيه من الشرور والبذور التي لا تنسجم مع برنامجها السياسي المستقبلي التقدمي.

    وقد بحثت الحركة الإسلامية السودانية دوما عن المشترك بينها وبين الإحزاب السياسية السودانية الأخرى، فاتضح لها أن ما يجمعها بالأحزاب التقليدية هو البرنامج الإسلامي، أي التوجه السياسي الإسلامي، أو ما كان يدعى حينها بالدستور الإسلامي، إذ لم يكن أمر القانون الإسلامي، أو الأسلمة الشاملة مما يمكن أن يطرح أو يستوعب في أفق ذلك الزمان.

    (معالم في الطريق) السوداني:

    وهكذا أخذت الحركة الإسلامية السودانية، في ذلك الزمان الذي كان فيه كتاب (معالم في الطريق)، يرجُّ العالم العربي والإسلامي، بأطروحاته الجسورة الخطرة، تتعامل تعاملا هادئا غير ثوري، ولا جذري، مع الأوضاع السياسية السودانية. بل تعدى الأمر ذلك عندما كتب أحد فلاسفة الحركة الإسلامية السودانية، وهو الدكتور جعفر شيخ ادريس، حلقات متصلة بصحيفة (الميثاق) الإسلامي، لسان حال الحركة حينها، يحلل فيها أطروحات (معالم في الطريق)، وينتقدها، وقد بلغ أمر تلك الانتقادات إلى سيد قطب، ولم يقبلها، وذلك شأنه، رحمه الله، فقد كان صادقا في مواجهة الواقع القمعي الذي يتعرض له، وكانت الحركة الإسلامية السودانية، صادقة في تعاملها مع واقعها الذي تتعامل معه، ولم يكن يطغى عليه الغزو الفكري والاستبداد اليساري الشيوعي الناصري، كما كان الأمر في مصر، وهكذا لم تكن الحركة الإسلامية السودانية، مستعدة لاستيراد أطروحات فكرية حركية جاهزة، من واقع بعيد، من دون أن تتأملها، وتحللها، وتقبل منها ما تقبل، وترفض ما ترفض.

    والتزاما بهذه المنهجية التحليلية، النقدية، الحصيفة، المتوازنة، نأت الحركة الإسلامية السودانية، عن اتباع أساليب الاستعلاء، والبراء، والمقاطعة مع الآخرين، والتزمت بمنهج التلاقي والتعامل الرصين الجاد معهم ، من أجل التأثر الخِّير بهم، والتأثير الخيِّر فيهم. وسعت للتحالف مع الآخرين من العاملين في المسرح السياسي السوداني ولو التقت بهم عرضا في الطريق، وما اتخاذ الحركة لمسمى (الجبهة) منذ ذلك الوقت، إلا دلالة على رسوخ تلك النزعة لاتخاذ التحالف مع الآخرين نهجا ثابتا في العمل السياسي.

    وفي طوال دهرها لم تبادر الحركة الإسلامية السودانية أحدا بالعداء، وما زالت على ذلك النهج، تأمل أن تتحالف مع كل من فيه ذرة خير، حتى مع أصحاب تلك الأحزاب (العروبية) الهزيلة الكارهين للإسلام، كُرها غير مفهوم، والذين لا يترددون في ان يتحالفوا (تحالفات استراتيجية كما يقولون!) مع الحركات الشعوبية، العنصرية، الحاقدة، الكارهة للعروبة، وذلك لأن هذه الحركات تشاطرهم كره الإسلام!

    ويوما بعد يوم، نرى الحركة الإسلامية السودانية، تزداد التزاما بهذا النهج المستبين، وتمكن بحكمتها من كسر عداء الآخرين لها، حتى عداوة من عادوها عن حسد. أولئك الذين رموها جميعا عن قوس واحدة، يوم وصلت إلى السلطة، بانقلاب عسكري، اضطروها إليه اضطرارا، بممارستهم للمكائد السياسية من ناحية، وبعجزهم عن ممارسة السلطة السياسية من ناحية أخرى.

    وهنا أود أن أقول إن الوصول إلى السلطة، عن طريق انقلاب عسكري، لم يكن هو الوضع الملائم، هذا ما أقر به وأعتقده، ولكن إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا فما حيلة الحركة الإسلامية السودانية إلا رَكوبها؟!

    إن اللوم موجه إلى الآخرين لا إلى الإسلاميين في هذا الخصوص، إن اللوم موجه هنا إلى أولئك الذين استهانوا بالحركة الإسلامية السودانية، وأدانوها في البرلمان، عندما كانت في المعارضة، لمجرد أن الطلاب التابعين لها سيروا بعض التظاهرات في الخرطوم، ثم سعوا إلى إقصائها من الحكم، عندما اشتركت في حكومة الوفاق الوطني، وحرضوا عليها الجيش، مع أنها كانت أكبر سند للجيش في حرب التمرد في الجنوب، وشرع الكثيرون من الحزبيين في استغلال الجيش لتدبير انقلاب تكون أولى ضحاياه الحركة الإسلامية كما علَّمنا التاريخ.

    هكذا جاء هؤلاء:

    وهكذا اضطرت الحركة الإسلامية السودانية، إلى تجاوز هذه المؤامرات المتتابعة بتنفيذها لانقلاب الإنقاذ. والغريب أن خصوم الحركة لم يتعلموا الدرس، وواصلوا استهانتهم بها، وتوقعوا انهيار حكمها بعد شهور، وسأل سائلهم سؤال الغافل: من أين جاء هؤلاء؟ّ! ولم يفطنوا، أو قل إنهم لم يشاؤوا - في إصرار - أن يفطنوا إلى أن هؤلاء القادمين الذين سألوا عنهم، تضرب جذورهم عميقا، في تاريح العمل السياسي السوداني، إلى منتصف أربعينيات القرن الميلادي الماضي، وأنهم لم يتوقفوا عن الفعل السياسي يوما واحدا منذ ذلك التاريخ، وأن آثارهم برزت واضحة في كل مفصل من تاريخ البلاد، في حملة الدستور الإسلامي، في أوائل الخمسينيات، وفي مقاومة الحكم العسكري، في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، وفي قيادة ثورة أكتوبر 1964م، وإنشاء جامعة أم درمان الإسلامية في عام 1965م، (التي أنجز قرار قيامها السياسي الوطني العظيم الوزير الإتحادي بدوي مصطفي، أفسح الله له في مقامات المجاهدين، وقاد خطوات تأسيسها شيخنا العلامة الرائد الدكتور كامل الباقر أفسح الله له في مقامات الصديقين).

    وقد قادت الحركة الإسلامية السودانية، حملة الدستور الإسلامي، مرة ثانية، في الستينيات، وشاركت في حرب فلسطين في السبعينيات، وشاركت في مقاومة النظام الشيوعي الناصري المايوي في حرب الجزيرة أبا، بالاشتراك مع الأنصار المجاهدين، وواصلت مقاومتها للحكم المايوي لسبع سنوات تلت، وأنجبت أكثر كوادرها الصلبة خلال تلك الحقبة، وأسست العديد من المؤسسات الإسلامية خلال السبع سنين التي تلت المصالحة الوطنية، وأيدت التشريعات الإسلامية بقوة وحمتها، واجتاحت دوائر العاصمة، ونالت أكثر عدد دوائرها، وأكثر عدد ناخبيها، ونالت أكثر دوائر الخريجين، في انتخابات عام 1986م. فهل هذه حركة خفية، يسأل عنها إلا واهم فيقول: من أين جاء قادتها وأتباعها؟!

    هذا الوهم أو(اللا واقعية) السياسية، هي من بعض ما تعاني منه الحركة الإسلامية السودانية، خلال تعاملها مع الآخرين. والغريب أن هذا الوهم يطرق أحيانا بعض من يعرفون الحقائق عن كثب، معرفة وثيقة، لا ريب فيها، ولكن لا يحبون أن يصيخوا لصوتها، أويعترفوا بها. وآية ذلك أن هذا الشخص الذي أطلق تساؤله: من أين جاء هؤلاء؟! كان من قدامى أبناء الحركة الإسلامية السودانية في الأربعينيات، ولكنه تخلى عنها بهدوء، تخليا كريما، ونحن نحترمه، ونجله، كمفخرة أدبية وفكرية إجلالا واحتراما فائقا، ولم نستشهد بقوله هنا إلا في مقام جلاء العبرة لتبيان مكامن العلة في تعامل البعض مع الحركة الإسلامية السودانية. وعلى كل حال فصاحب هذا التساؤل قد برهن في سيرته أنه شخص وطني شريف، ولم يكتب التقارير الإستخبارية عن الحركة الإسلامية السودانية، ولم يساند الشعوبيين، العنصريين، الإنفصاليين، الذين أرادوا لفرط عدائهم للإنقاذ أن يدمروا الوطن برمته. وقد أكثر هذا الأديب الكبير المفكر في مقالاته من نقد الشعوبيين، العنصريين، الإنفصاليين، وتوبيخهم، ولم يكن قط كصاحبنا هذا اللا مبدئي، الناقم، الواهم، الذي ظن أن الحركة الإسلامية السودانية، قد ماتت بخروجه هو عنها، أو بالأحرى بإخراجه من خدمتها، ولم يهده ذكاؤه وفكره الزاخر، إلى أن يدرك أن هذه الحركة لم تمت عندما فصلته من صفوفها، عندما كان يكتب في صحافة مايو المؤممة في السبعينيات، وإنما ازدادت حياة على حياة، ولم يدرك أنها أضحت تزداد حياة على حياة، منذ أن استغنت عن استخدامها إياه في الدعاية لها في التسعينيات!

    لقد دل تاريخ الحركة الإسلامية السودانية، قبل الإنقاذ، وفي ظلها، على أنها تحسن التعامل مع الفرقاء السياسيين الآخرين، وأنها تستطيع أن تتعامل معهم تعاملا وفيا ذكيا حصيفا متوازنا، وقد استمرت بعض تحالفات الحركة مع الآخرين، فيما انفرط بعضها، وما أبرئ الحركة الإسلامية من الأخطاء في هذا الصدد، فبعض الأخطاء التي أدت إلى انفراط التحالفات مع الآخرين، تأتت من بعض تجاوزات قادة الحركة الإسلامية السودانية، وبعضها جاء من الآخرين، الذين تجاوزوا بطموحاتهم كل المألوف (مبارك الفاضل كمثال).

    ومن قديم كنت أدعو إلى ضرورة إحسان التعامل مع الحلفاء السياسيين، ولي بحث في ذلك مكتوب، تعرضت فيه لبيان هذا الأمر، وكانت لي محاضرة قدمتها مرارا لكوادر الحركة الإسلامية من الشباب الواعدين، كنت أحرص فيها على تربيتهم على رعاية حقوق الآخرين، بل إني دعوت بلا تردد إلى عدم السعي لـ (تجنيد) الحلفاء السياسيين، والعمل على إدخالهم في سلك الحركة الإسلامية السودانية، لأن هذا وإن كان أمرا طيبا، إلا أنه يهدر هدفا أهم منه، وهو هدف إحسان التعامل مع الآخر، والتعلم منه، والتعود على العمل التضامني، والتكيف مع بيئات وأساليب العمل المشترك مع الآخرين.

    وما كنت أحرص على تنبيه الشباب الناهض إليه، كان من نوافل تجارب الحركة الإسلامية السودانية، ولكني حرصت على تأصيله ببعض معارف العلوم السياسية، وهو في الأصل، خلق حميد، مستمد من أخلاق الإسلام، ومنتزع من شيم أهل السودان الكرام، وهو ولا ريب أجمل تراث يزين سيرة الحركة الإسلامية السودانية، ويحليها، ويرشد خطوها على الدوام، لاسيما في هذه الأيام، التي تواصل فيها السعي الحثيث الصادق مع الإمام، وأعوانه الأعلام، لإنجاز ما نأمل أن يتحقق بالفعل على أرض الواقع السياسي بالتحالف مع حزب الأمة العملاق المقدام.
                  

05-08-2008, 03:11 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    أي شريعة هذه التي تنتصر بجماجم الاطفال ..؟


    خالد ابواحمد
    [email protected]
    الحوار المتمدن - العدد: 1444 - 2006 / 1 / 28


    بطبيعة الحال أن كل الذين شاركوا في الحرب اللعينة التي قتل فيها السوداني أخوه (السوداني) سواء في جنوب، أو في شرق أو غرب السودان، تمر عليهم الكثير من الذكريات المؤلمة، أنني شخصيا أشعر بتأنيب ضمير شديد عندما كنت في تلك الساحة في ديسمبر من العام 1995م فيما يعرف برد الهجوم الذي أطلقت عليه الحركة الشعبية بقيادة الفقيد جون قرنق (الأمطار الغزيرة) هذه العملية العسكرية الكبيرة والتي قتل فيها المئات بل آلاف السودانيين من الجانبين، تختلف عن كل العمليات العسكرية في جنوب السودان لما فيها من مفارقات وتجاوزات إنسانية، تجعل من الهدف الكبير للحرب ضد (المتمردين) علامات استفهام كبيرة متمثلة في الموقف اللا إنساني للحكومة السودانية إذ استعانت لفترات طويلة بجيش الرب اليوغندي الذي يتزعمه المتمرد اليوغندي جوزيف كوني وهذا الجيش للأسف استعان بمشاركته إلى جانب الحكومة بحوالي 2000 طفل تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة والرابعة عشرة عاما من الجنسين.

    كانت لحظات محزنة وشعرت فيها بالألم النفسي لوجود هولاء الأطفال معنا في مكان واحد وكان منظرهم يدمي القلوب وهو يحملون الآليات والأسلحة الثقيلة، ومهما يحاول المرء لا يمكن أبدا أن يصور هذه المناظر المرعبة، عشرات من الأنفس البريئة كانت تطوف حولنا في مساء يوم بارد استعدادا للهجوم على أكبر معسكرات (الحركة الشعبية) في الميل 72 في طريق مدينة نمولي الحدودية مع يوغندا في يوم 12 ديسمبر 1995م، أطفال في سن البراءة الواحد منهم يحمل فوق طاقته وما زنته 40 كيلو جرام أو أكثر من العتاد العسكري الثقيل وصناديق الذخيرة، والذين حملوا مثل هذه الصناديق يعرفون كم هي قاسية الحمل في مسيرة قد تبلغ الساعات الطوال، وأحيانا اياما من السير في الطرق الوعرة، والرطوبة العالية حيث تتبلي الملابس تماما مما تصيب المرء بالإعياء وفي الغالب التهاب الصدر و المفاصل الذي يعيق الحركة، وهذا ما حدث لي شخصيا، فكيف بالأطفال..!!
    ... يا إلهي.. انه أمر فظيع..

    مهما أحاول لا يمكن أن أصور شكل الدموع الجافة على وجوه الصغار لا أجد لذلك سبيلا، ولم يكن هناك جنودا كبار السن وهولاء لا يتعدون العشرين من بين المئات من الجنود (الصغار) بالكاد تميز بين الذكر والأنثى، يساقون كالقطيع تماما يشهد الله على ذلك، وعلى بعد كل مائة (طفل) هناك جندي يوغندي يحث الأطفال بسرعة التحرك، و يضرب أحيانا الطفل في مؤخرته أو ظهره كي يستعجل ولا يبطي، في أجواء غريبة على عالم الطفولة، صوت الدبابات والمجنزرات وهي تتحرك إلى مكان قريب من بداية المعركة، مع صوت أجهزة الاتصالات اللاسلكية،، لحظات من التوجس والترقب والأوامر العسكرية من القادة هنا وهناك بالعجلة، وطقطقة الأسلحة الشخصية كل هذه الضجة تجعل المحارب يعيش في لحظات غريبة، والمحارب أو المقاتل قاب قوسين أو أدنى من الموت،، لحظات صعبة حتى على كبار السن،، فكيف بالأطفال الصغار..!!

    عندها كان ابني (أحمد) لا يتعدي الثلاث سنوات، وأبني (أواب) رضيعا في حضن أمه، لكن رغم ذلك تخيلت أن (احمد وأواب) من بين هؤلاء الجنود المحملين بالسلاح و العتاد، وثمة آخرين يضربونهم ويذلون كرامتهم، ولذا كنت كثير التفكير في مضمون هذه الحرب التي اندلعت من أجل الدفاع عن الأرض والعرض، والمفارقة أن الجانبين المتقاتلين يحاربون تحت راية واحدة هي الدفاع عن الوطن و تحرير الأرض من الأعداء .. ولكن ما بال هولاء الأطفال والنفوس التي خلقها الله كي تنعم بالأمن والأمان تحتاج إلى الرعاية والاهتمام تقاتل وتحمل روحها بين جنبيها وفي تلك الساحات تتعدد الأسباب والموت واحد،، الأمراض والإعياء والإرهاق الجوع والمسغبة وضرب القادة العسكريين.

    وأنا ومن معي في تلك الغابات الكثيفة كنا نتساءل أين ذهبت الحيوانات التي اشتهرت بها غابات جنوب السودان، ولماذا هربت حتى الطيور من هذا المكان، وكان واضحا ان لون الأخضر قد تحول إلى ألوان أخرى بسبب الحرب، ولم يبغي من الغابة إلا اسمها،، تتزايد الأسئلة الملحة في مخيلتي كلما نظرت لجنور جيش (الرب) وهم يحملون الأثقال،، لماذا ترضى الحكومة السودانية صاحبة المشروع (الإسلامي الحضاري) باستغلال هؤلاء الأطفال القصر والزج بهم في حرب ضروس لا غالب فيها ولا مغلوب..؟!
    ألم تكن الحكومة هذه قد وقعت على كافة قوانين الأمم المتحدة التي تحظر الإساءة إلى الأطفال، وتشدد على تقديم الخدمات لهم، وأليس هذا أمرا مهولا ومستغربا أن تنفذ الحكومة في السودان حملات التطعيم ضد الشلل للأطفال بميزانيات طائلة على كامل التراب الوطني، وتقتل أطفالا آخرين في الجنوب..؟ .
    وتحت أي مصوغ.. ديني وسياسي تم ذلك؟؟
    وأي مكاسب هذه التي تجنيها الحكومة السودانية على حساب هؤلاء الأطفال الصغار، ولماذا يستخدم جيش الرب أطفالا قصر في حربه ضد الحكومة اليوغندية..؟؟.
    يا إلهي ما هذا الذي يحدث.. وثمة أسئلة كثيرة كانت تصول وتجول في ذهني ولا تجد الإجابات الشافية،، وتزداد الأسئلة إلحاحا كلما نظرت تجاه هؤلاء البؤساء الذين كان قدرهم أن الله جلت قدرته ولحكمة يعلهما وهو وحده ..أوجدهم في هذا المكان من العالم..
    ولمن لا يعرف فإن أطفال جيش الرب اليوغندي يبلغ عددهم حسب إحصائية للأمم المتحدة حوالي 40 ألف طفل،يشكل القصّر ما يقارب 90 بالمائة من جنود جيش الرب للمقاومة، ويتم ضمهم إلى الجيش من خلال الإغارة على القرى، فتتم معاملتهم بوحشية وإجبارهم على ارتكاب ‏الفظائع في حق أقرانهم من المختطَفين، بل وحتى ضد أخواتهم. أما من تسول له نفسه الفرار، فيتم ‏قتله، بذلك يصبح العنف بالنسبة لهؤلاء الأطفال الذين يعيشون في حالة من الخوف الدائم أسلوباً للحياة.
    في تلك اللحظات عندما أتذكر أبنائي فإن أول ما يتبادر إلى ذهني طفولتهم البريئة وعفويتهم الصادقة، وفرحهم الذي يتجسد من خلال لعبهم وألعابهم المتنوعة التي يعبرون فيها عن ذواتهم، والتي تنمي مداركهم العقلية والذهنية حيناً، وتبعث في نفوسهم الفرح والسعادة والضحك في أحيان أخرى كثيرة، وأتذكر أن سعادة أبنائي هي غايتي وهدفي الدائم في الحياة، فكيف بالله أتحمل رؤية أطفالا مدججين بالسلاح الثقيل، ودموعهم يبست ولم تجد من يمسها، وصرخات أناتهم لا تجد من يوقفها بكلمة حلوة أو قبلة ترسم في وجوههم أهميتهم في الحياة.
    ولكن ثمة سؤال لم أجد له إجابة حتى اللحظة.. أي شريعة هذه التي تنتصر بجماجم الأطفال..؟؟.

    رداً على د. محمد وقيع الله

    أحلام وقيع الله التي تحققت ..!!





    خالد أبواحمد [email protected]

    صُدمت كما صُدم غيري من الصورة التي أعتبرها قبيحة تلك التي ظهر بها د. محمد وقيع الله والتي لا اعتبرها زلة قلم بل هي مكمن الداء للكثير من دعاة التبصر، الذين يرون أن علومهم النظرية التي تلقوها تجعلهم على بصيرة من أمور الحياة أكثر من غيرهم، ولو كان الاخرين قد اعتمدوا على التجربة بالبرهان والدليل العملي بعيدا عن التنظير.

    كنت أضع في ذهني صورة جميلة للغاية عن د. محمد وقيع الله ولو أنني لم ألتق به إلا مرات قليلة وعلى عجالة أيام فترة التنظير للحركة الاسلامية في منتصف الثمانينيات وكنت أقرأ له كثيراً عندما يكتب عن الفكر الإسلامي،وتشدني مقالاته الرصينة، ولا زلت استمتع بها بين الفينة والأخرى أطالعها عبر موقع الجالية السودانية بالولايات المتحدة الأمريكية.

    وفي فترة من الفترات أيام الديمقراطية الثالثة كانت هناك أقوال تتداول داخل مجتمعات الحركة الإسلامية مفادها أن د. حسن الترابي سئل ذات مرة عن خليفته في قيادة الحركة، وتقول الرواية أن الترابي قال "محمد وقيع الله- التجاني عبد القادر- أمين حسن عمر"، وفي رواية أخرى قيل "أحمد عثمان مكي قائد ثورة شعبان عليه رحمة الله ومغفرته- محمد وقيع الله – المحبوب عبد السلام" وهنالك روايات أخرى، والشاهد في المسألة أن اسم محمد وقيع الله ورد في كل الروايات المتداولة الأمر الذي جعل له حظوة واحترام القاعدة له وتقديره، ونحن السودانيون جميعنا نحتفي بالعُلماء وأهل الذكر، ونطرب لمطالعة إنتاجهم الفكري والأدبي مثلما أطربتنا من قبل مقالات مالك بن نبي ومحمد عبده والإمام حسن البنا إلخ، وقبل عقود من الزمان كان هذا الإنتاج له قيمته الفكرية والحضارية ولعب دوراً كبيراً في فتح الآفاق نحو التزود بالعلم وبالمزيد من التفكر والتأمل في هذا الكون العجيب.

    المهم كان محمد وقيع الله يمثل بالنسبة للشباب الإسلامي القدوة الحسنة والأمل المُرتجى، وشخصي الضعيف سعدت أيما سعادة لكون واحداً من نخبة الإسلاميين الشباب يتزود بالعلم من الجامعات الأمريكية والغربية بحيث يُصبح رصيداً للحركة الإسلامية مع باقي الكفاءات والكوادر التي تقود دولاب العمل الإسلامي، لكني لم أتوقع ألبته أن أفجع في محمد وقيع الله هذه الفجيعة،لكن..

    ولكن هذه تقطع القلب .. وتهده هداً..!

    وعندما جاءت مساجلة د. وقيع الله مع د. الأفندي سقط في مخيلتي ذلك (المثال) الجميل والذي كنت أحبه وأترقبه كلما أصدر نتاجاً،،، مقالاً كان أو محاضرة تتداولها المجتمعات بالرصد والإعجاب والمفاخرة.

    ولكنه سقط تماماً مثل أصنام كفار قريش، كانوا يصنعون التماثيل من العجوة، وعندما يجوع أحدهم يأكله ويسد به رمقه، أو صنماً من الخشب عندما تضيق به الدنيا يكسره ويرفسه رفساً برجليه..!.

    كنت أقرأ ردود د. محمد وقيع الله باندهاش شديد وما فيها من سب وشتيمة وهمز ولمز لا تليق أبدا بالعُلماء ولا بالسنوات الطويلة والعجاف التي قارع فيها وقيع الله المكتبات وأُمهات الكُتب والمراجع، وحقيقة لم يسقط في عيني بل في عيون الجميع الذين أتوقع أن يكونوا قد صُدموا أكثر مني، وعندما يكون السب والشتم وعدم المصداقية ديدن العالم (بكسر اللام) فما شان ضئيلي المعرفة من أمثالي، ليته وقف عند سب وشتم (الأفندي) إذا به يُعدد خمسين انجازاً لحكم (الإنقاذ) ليس هذا فحسب بل طفق ينتقد مواقف الآخرين من القائمين على السلطة التي قال فيها من لم يقله مالك في الخمر..

    ومبعث الألم هنا أنني يوما ما كنت أظن و(أن بعض الظن اثم) أن الاسلاميين أكثر من غيرهم إعمالاً لأدب الحوار تنزيلاً لكل معاني الدين القيم على أرض الخلافات، لكن للأسف بالدليل العملي سقطت لدي هذه النظرية وخاب ظني تماماً خاصة في مرحلة الخلافات فيما عرف بالرابع من رمضان، ثم جاء د. محمد وقيع الله ليؤكد أنه حتى قادة الشباب من المفكرين هم على الدرب سائرون ومُقتدون..!!

    ويوماً ما تابعت بسعادة غامرة مساجلات تحلت بالأدب الرصين والاخلاق الاسلامية الحقة في حوارات جمعت د.منصور خالد والاستاذ محمد ابوالقاسم حاج حمد عليه الرحمة والمغفرة، تعلمت منها الكثير من القيم والمبادئ، ثم تابعت مساجلات اخي العزيز المرحوم طه أبوقرجة مع د. خالد المبارك وما اتسمت به من أخلاق رفيعة في أدب الحوار، ثم أصبحت أقرأ لـ د. الطيب زين العابدين و للأساتذة أبوبكر القاضي و كمال الجزولي والحاج وراق وعثمان ميرغني، وجدت واقعية وأدب حقيقي في التناول جاء به الاسلام، لكنني لم اتوقع أبدا أن تكون هنالك مساجلة لـ د.محمد وقيع الله بهذا المستوى من الانحطاط بل الحقد والكراهية على كاتب عالم ومفكر بسبب أنه انتقد النظام نقد موضوعي وبأدب اسلامي رصين، ولم يجنح إلى الشتيمة والهمز واللمز.

    لا أحمل كراهية ضد الأخ محمد وقيع الله ولا أعتبر نفسي في هذا المحك مُنافساً له فهو رجل قد رزقه الله تعالى ويسر له الدراسة وتلقي العلوم حتى نال درجة الدكتوراه وهنيئاً له بذلك، أما العبد الفقير لله لم أنل حظاً من العلم الأكاديمي كما أوتي وقيع الله، والآن أسابق الزمن مع أولادي لتلقي العلم، لكنني أفتخر بتجاربي في الحياة وخبرتي الطويلة في المجال الإعلامي التي بلغت قرابة الربع قرن من الزمان والحمد لله ، واعتبر نفسي استفدت من الحركة الإسلامية أكثر بكثير من أخي وقيع الله لأن تجربتي هنا تجربة متكاملة نظرية وصقلت بالعمل في ظل (الإنقاذ) التي عصفت بنا في كل أرجاء السودان شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً وهذا فضل من الله لا يُقدّر بثمن، ونلت معرفة لم ينلها الأخ وقيع الله، فكل دراسته الأكاديمية المرتبطة بجوانب الفكر الإسلامي ما هي إلا تجارب نظرية فقط، مهما وصل صاحبها من علوم نظرية لا يمكن باي حال من الأحوال أن يصل للنتائج التي وصلنا إليها نحن الذين عشنا فترة التنظير والتطبيق، وشاهدنا بأم أعيننا مخازي ومآسي وكوارث التطبيق.



    السقوط المدوي

    والدكتور محمد وقيع الله في موقفه من تقييم نظام (الإنقاذ الوطني) مثل ذلك الطالب الذي غاب عن الدراسة سنوات طويلة ثم رغب آخيراً في مواصلة دراسته لكن مع دفعته الدراسية، وأصر إصراراً شديداً على أن يمتحن معهم ففعل لكنه سقط سقوطاً مدوياً..!!

    شخصياً أحسب أن الحركة الإسلامية في السودان مدرسة كبيرة نال كل منا نصيبه من المعرفة حسب استعداده الشخصي وميوله والبيئة التي عاش فيها، لكن أخينا محمد وقيع الله غاب عن هذه المدرسة سنوات طويلة وحضر معنا مرحلة من مراحل التنظير، وقبل مرحلة التطبيق بكثير غادر السودان ولم يعش معنا مراحل الابتلاءات ولا مراحل الفتن، وجاء مُؤخراً في مرحلة السقوط والانهيار لمبادئ الحركة، يُريد أن يغالط الحقائق والواقع والمنطق والشواهد التي لا ينكرها إلا عليل سقيم، وكان يكفيه فقط أن يذهب الى تجمعات جرحي الحرب من ضحايا الألغام يدرك حجم الأسى وحجم ما وقعت فيه (الانقاذ) وكان يكفي محمد وقيع الله أن يذهب الى منظمة الشهيد ويفتح الملفات ليعرف الأعداد الحقيقية لضحايا الحرب في السودان من الكفاءات والخبرات ومن طلبة الجامعات في كل التخصصات ليدرك بوعي كامل حجم الدمار والخسارة التي اوقعتها (الانقاذ) في السودان.

    وعندما يُعدد الأخ وقيع الله انجازات (الإنقاذ) المادية فإنه لم يأت بجديد فلم ينكر أي من المعارضين للحُكم هذه (الانجازات) المادية التي أبعد ما تكون عن جوهر ما جاءت به الحركة بعد الانقلاب المشئوم في 1989م، كما انه ليس من المنطقي أن نحكم على النظام بالانجازات التي ذكرها وقيع الله، حتى الانجازات التي تحدث عنها وقيع الله إذا تطرقنا إليها التفصيل سنثبت الكثير من الأخطاء والعواقب المستقبلية التي تحيطها والقنابل الموقوتة في أكثر من مكان، لكن السودانيين يحاسبون النظام بالنهج الذي جاء به، وبالبرنامج الذي أعلنه من خلال حركته اليومية في الإعلام والعلاقات الدولية والدبلوماسية، كما لم يكن في حسابات الذين اجتمعوا في ذلك الشهر من العام 1989م ليقرروا ما إذا كانت ساعة التغيير حانت أم لا أن يضعوا الانجازات المذكورة في حساباتهم، أبداً كان الهم الكبير يتلخص في (التمكين لدين الله في السودان)، وقد طالع القُراء مقالات محمد وقيع الله التي عدّد فيها انجازات النظام انه هرب بشكل واضح وجلي من التطرق إلى نتائج الحكم في تردي الأخلاق وانتشار الدعارة بكل أنواعها والجريمة المنظمة، والزيادة الفلكية في أعداد المصابين بالإيدز (الآن يعقد في العاصمة الخرطوم مؤتمر دولي يبحث مشكلة انتشار المرض في السودان) وانتشار المخدرات بين طلبة الجامعات، والازدياد الخطير في معدلات الطلاق، والهجرة الى الخارج، وهرب د. محمد وقيع الله هروب النعامة من الملفات التي تتحدث عنها الصحافة السودانية في ذات الايام التي كان صاحبنا يدبج في مقالاته مُعدداً إنجازات دولة بني أمية في السودان، هارباً من ملف (الأطفال مجهولي الوالدين) وموتهم بالعشرات يومياً ودفنهم بعيداً عن الأعين.

    انجازات (الإنقاذ)

    تحدث وقيع الله عن انجازات النظام على محيط (التدين) والارتقاء بالإنسان السوداني، هذا هو المحك الحقيقي لكنني هنا لا بد أن أقدم مختصراً للدروس العملية التي غاب عنها الأخ وقيع الله سنين عدداً، وشخصي صحفي وإعلامي وحركي غصت في أعمق مؤسسات الحركة الإعلامية والجهادية والتنظيمية، الأمر الذي يؤكد أن ما أقوله ليس أكاذيب ولا إملاءات من أحد انما أحداث عشتها لحظة بلحظة.



    التجاوزات الإنسانية وانتهاك التشريعات الإسلامية والدولية..!!

    كل السودان عاش سنوات الحديث عن تمسك الحكومة بالإسلام بل والدفاع عنه من كيد المتربصين، لكن من خلال معايشة في "مؤسسة الفداء للإنتاج الإعلامي" كمعد للبرنامج التلفزيوني الشهير بدأت تتكشف لي من خلال الأشرطة الخام التي كانت تأتينا من مناطق القتال ما لا يمكن أن يتصوره عاقل، و تحديداً من أحد الأشرطة الخام التي جاءتنا من منطقة شمال أعالي النيل متحرك (هدير الحق) عندما دخلوا منطقة شالي في النصف الثاني من التسعينات وهرب جنود الحركة الشعبية كان هناك طفل في الـ 14 أو 15 من عمره لم يتمكن من الهرب قاموا بقتله مع صيحات التكبير والتهليل وتم قتل كل الأسرى الذين كانوا داخل المعسكرات، وكان الشريط الخام يحتوي على مشاهد ليس لها أي علاقة بمن يدين بالإسلام ديناً، وعندما كنت أشاهد الشريط لفت بي الدنيا وكنت أحسب نفسي في كابوس لكنها كانت الحقيقة، علماً أن الأشرطة التي كانت تصلنا من مناطق القتال لا يشاهدها إلا مُعد الحلقة والمخرج، ويمنع منعاً باتاً للآخرين مشاهدتها لما فيها من تجاوزات.

    وفي الكثير من الأشرطة التي كانت موجودة في مكتبة المؤسسة كانت مشاهد دخول القوات الحكومية إلى بعض القرى في جنوب السودان منظراً لا يمكن أن يمحى من ذاكرتي أبداً، حيث يتم حرق البيوت المصنوعة من القش في مشاهد همجية وأحياناً يكون هناك بشر داخل هذه البيوت وتسمع صراخ العساكر وهم في حالة هستيريا ويطلقون النار عشوائياً، لا يمكن أبداً أن يكون ذلك إسلاماً مهما كانت المبررات، وضرب بالقرآن الكريم والحديث النبوي الواضح عرض الحائط إذ يقول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم:

    "لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا إمرأة ولا شيخاً فانياً ولا مُنعزلاً بصومعته, ولا تحرقوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناء"، لكنهم يا رسول الله عليك أفضل الصلاة وأتم التسليم فعلوا أكثر من ذلك بكثير...

    المؤسسة نفسها (ساحات الفداء) تعج بالفساد المالي والإداري وكان يرأس مجلس إدارتها الوزير الحالي أسامة عبد الله محمد وزير الدولة بالري المسؤول الأول عن خزان مروي، ويديرها مدير مكتب المؤتمر الوطني بالقاهرة حالياً كمال حسن علي، وكان نفر من السُراق يلعبون بالمال لعباً باعتبار المؤسسة فوق الجميع، والكُل يخاف منها حتى رئاسة الجمهورية كانت تخشى سؤال القائمين على أمر المؤسسة خوفاً من ردة الفعل، حيث كان القائمين على المؤسسة يذكرون للبعض أن (ساحات الفداء تابعة لأمن الثورة) وكان البعض يقول (ساحات الفداء تابعة لإبراهيم شمس الدين) في حين أن المرحوم العقيد إبراهيم شمس الدين نفسه كان يتحفظ على ما يحدث في المؤسسة من تصرفات ومن ألاعيب.

    ويوماً ما كان لدي عمل مع الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة اللواء آنذاك عبد الرحمن سرالختم باعتباره المسؤول عن التوجيه المعنوي وكان اللقاء بخصوص إنتاج حلقة خاصة بمناسبة عيد الجيش الذي يحتفل به سنوياً في 14 أغسطس، وبعد الانتهاء من الحديث والنقاش حول الحلقة، قام سرالختم بإغلاق باب مكتبه وقال ليّ ضاحكاً ( وهو الآن حي يُرزق) " ياخي بكل الصراحة أنا عاوز أعرف إنتو تابعين لمنو..؟؟" فضحكت ولم أرد، فكرر سؤاله مرة أخرى "إنتو تابعين لمنو ومن حقي أن أعرف إنتو تقوموا بشغلنا ونحن سعيدين بذلك لإمكانياتكم الضخمة وعملكم المُتقن، وانا ما عارف انتو مدنيين ولا عسكريين، لكن قول لي انتو مع سعادة إبراهيم شمس الدين..؟؟ ولا تابعين للتنظيم؟؟"، ومن هنا يدرك القاري كيف أن القائمين على المؤسسة كانوا يلعبون على ضبابية أيلولة المؤسسة، وهذه المسألة كانت تعود بالفائدة على هولاء من كل النواحي الاجتماعية والأدبية والمالية.

    فعلاً كانت أسئلة عبدالرحمن سرالختم وجيهة للغاية وقد لا يتصور المرء المنصب الكبير للناطق الرسمي والمكانة الكبيرة التي يتميز بها ومدير المكتب برتية عميد والموظفين العسكريين بالرتب العالية، ورتبة لواء في الجيش السوداني ليس بالأمر الهين، كونه لا يعلم شيئاً عن جهاز إعلامي كبير يتقمص دور إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة، وليس له أي سلطان عليه، والميزانية كانت مفتوحة ويتم شراء الأجهزة من دبي بدون مناقصات، وقد أثري مجموعة من ثلاثة أو اربعة أشخاص ثراءً كبيراً بسبب موجات الشراء العشوائية، وتم نشر كل ما يتعلق بالفضائح المالية، ولا حياة لمن تنادي ذلك لأن الفساد انتشر في السواد الأعظم من دولاب الدولة، فيما مؤسسات الحركة (الإسلامية) بعيدة كل البعد عن الرقابة المالية، ليس هذا فحسب بل مؤسسة مثل (ساحات الفداء) يخاف منها الكثير من الناس، الأمر الذي جعل وزارة المالية تصرف للمؤسسة شهريا مبلغاً كبيراً بدون وجه حق، في حين أن الامكانيات التي تزخر بها المؤسسة يجعلها داعمة وليس متلقية للدعم، لا رقابة مالية ولا إدارية والمسئول الأول من المؤسسة أحد (رجالات) علي عثمان محمد طه ومرفوع عنه القلم..!!



    دولة العدل الرشيدة..!!

    وقد لا يصدق المرء أن القائمين على هذه المؤسسة هم أنفسم القائمين على أرواح أبناءنا في معسكرات الخدمة الالزامية، فمجموعة من رجال المستقبل طلاب على أبواب الجامعات ماتوا ضرباً مبرحاً داخل معسكرات الخدمة (الوطنية) الإلزامية، وعندما ذهبت إحدى أسر الضحايا إلى وزيرالعدل تشتكي القوات المسلحة بعد أن أكد تقرير الطبيب الشرعي د.عبد الله عقيل بمشرحة مستشفى الخرطوم أن الوفاة كانت لنتيجة ضرب في أماكن مختلفة ومنها الرأس قال لهم وزير العدل آنذاك (عل محمد عثمان ياسين)" أذهبوا أن القوات المسلحة مؤسسة سيادية لا أحد يستطيع محاكمتها".

    اخي وقيع الله التقرير الطبي موجود والشهود موجودين والدكتور الطبيب الشرعي عبد الله عقيل سوار موجود، ليس قضية واحدة بل قضايا كثيرة..!! هذه دولة الإنقاذ التي تدافع عنها وتطلب وُدها..!!

    كلما أسرد هذه الواقعة أتذكر نفسي وأنا أنشد وأهتف باندفاع الشباب

    لا أبالي لا أبالي انني شعبُ رسالي********** قد تربى بين قرآن وساحات القتال

    مسلم قالت جموعي لست بعثي لا شيوعي *** عانقت أصلي فروعي رافضاً أي انفصال

    سوف نبني بالعقيدة دولة العدل الرشيدة****** لا دويلات عديدة شيدت فوق الرمال

    قد عشقت البندقية هاتفاً عندي قضية ******سحق حزب الماركسية انه حزب ضلالي

    وقد بان أن كل ماكانت تخالفه الابيات أصبح واقعاً..

    السودان وقد أصبح دويلات عديدة- انفصل عن كل تجاربه السياسية السابقة وعن محيطه الاسلامي بهذه التجربة التي لا يمكن أبداً أن نجد لها وصفاً يمكن ان يليق بما فعلته في السودان- حزب الماركسية الشيوعي السوداني ما أظن أنه اذا استلم الُسلطة يوماً أن يفعل في السودان ما فعلته (الانقاذ) وأهم شئ أنه سوف لا يتاجر بالدين ولا يرفع شعار الاسلام، وأن البندقية التي استخدمتها الحركة الاسلامية لم تجلب لنا إلا الدمار والقتل والابادة الجماعية التي أصبحت وصمة عار في جبين الحكم وهو يتحدث ويرفع شعار الاسلام، وقد بان واضحاً أن القضية هي الانتصار للنفس وقد سادت عقلية (التكويش) وقريباً ستظهر العقارات التي تم شراؤها في تركيا وفي ماليزيا، حتى زوجة الرئيس الجديدة أصبحت تنافس كبار التجار في العاصمة وقد تم إعطاؤها مشروع صالات وقاعات كبيرة لعدد من الجامعات،وقامت بشراء منتجع كبير في إحدى دول النمور الآسيوية، وبعد أن كانت محبوسة بين جدران بيوت جهاز الأمن بالقرب من المطار أصبحت ست أعمال كبيرة تتحدث بالارقام الكبيرة، فيما تم إعطاء أصغر أشقاء الرئيس رخصة لتصدير الماشية السودانية التي أصبحت حكراً على أشخاص بعينهم.. رحمك الله أخي عثمان حسن البشير طبت في عليائك بُعداً عن أكل السحت وقد كنت تقود الموتر (السوزوكي الأسود) وتجتهد في تعليم الناس قراءة (القرآن الكريم) وتحتفل وتسعد عندما تجد الجميع قد جلس على الأرض وبدأت التلاوة وزرفت الدموع الحرى محبة في الحبيب المصطفى.



    فساد المهندس..!!

    وثالثة الأثافي أن (المهندس) المدير العام لمجموعة شركات أحد البنوك السودانية المشهورة قد أفسد فساداً ليس له نظير في تاريخ السودان، وقد كُنا في الوسط الصحفي في فترة ( 1994-1998) نتبادل وثائق فضائحه المالية ونحن صحفيي الحركة (الإسلامية) نعرفه جيداً ونعرف الفاسدين معه وعندما أصبحت المسالة حديث كل مجالس الحركة الإسلامية قررت إحدى الجهات وضع حداً لفساد الرجل المهندس فتم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وأعرف شخصياً رئيسها وقدم ملف الفساد بالأدلة إلى ديوان الثراء الحرام وأثناء البحث والتقصي ودراسة القضية جاء وفد من جهة عليا وطلب ملف المهندس الفاسد وعرّف أحدهم نفسه بأنه مرسل من (رئاسة الجمهورية) لاستلام ملف فساد الشخص المعني بل قام بتأنيب القائمين على أمر الديوان على فعلتهم ونيتهم في محاسبة الرجل.. وإلى هذه اللحظة لم يُقدم الرجل للمحاكمة أما مجموعة البنك فقد راحت في خبر كان، هذه قصة يعرفها كل قيادات وأعضاء الحركة الإسلامية وكل المنتمين للمؤتمرين الوطني والشعبي..!!.



    هذا قليل من كثير..!!

    هرب وقيع الله هروباً مخزياً عن ملفات الفساد المالي ووهنا أقتبس فقرة من مقال الاستاذ أسامة بابكر حسن في رده على وقيع الله "فطوال عمرنا هذا لم نسمع بأي مسؤول، صغيراً أو كبيراً في حكومة الإنقاذ وقف أمام محكمة في أي قضية، بينما وقف الإمام العظيم أستاذ الإنسانية علي بن أبي طالب الذي منح هالرسول (ص) صفة " أقضى الناس" أمام قاضي دولته في خلاف مع يهودي على درع، والإمام يعلم كذب اليهودي في دعواه، لكنه وقف أمام القاضي لكي تنتظم ثقافة العدل المجتمع ليثبت في المجتمع حديث الرسول (( الناس سواسية))، ولكن حدث ذلك في أمريكا في عهد كلينتون الذي لا يحكم بالإسلام ووقف حاكم أكبر دولة في العصر الحديث أمام المحكمة وهو لم يضع قانوناً للحسبة شرط به أئمة المساجد آذان الناس تنظيراً".!!

    أطفال جيش الرب

    بطبيعة الحال أن كل الذين شاركوا في الحرب اللعينة التي قتل فيها السوداني أخوه (السوداني) سواء في جنوب، أو في شرق أو غرب السودان، تمر عليهم الكثير من الذكريات المؤلمة، فأنا شخصيا أشعر بتأنيب ضمير شديد عندما كنت في جنوب السودان في ديسمبر من العام 1995م فيما يعرف برد الهجوم الذي أطلقت عليه الحركة الشعبية (الأمطار الغزيرة) هذه العملية العسكرية الكبيرة والتي قتل فيها المئات بل آلاف السودانيين من الجانبين، تختلف عن كل العمليات العسكرية في جنوب السودان لما فيها من مفارقات وتجاوزات إنسانية، تجعل من الهدف الكبير للحرب ضد (المتمردين) علامات استفهام كبيرة متمثلة في الموقف اللا إنساني للحكومة السودانية إذ استعانت لفترات طويلة بجيش الرب اليوغندي الذي يتزعمه المتمرد اليوغندي جوزيف كوني وهذا الجيش للأسف استعان بمشاركته إلى جانبنا بحوالي الألف طفل من مجموع 2000 طفل كانوا موجودين تحت قيادة جيش الرب في المنطقة الاستوائية، والأطفال اليوغندين التابعين لجيش الرب الذين كانوا معنا في ذلك اليوم تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة والرابعة عشرة عاماً من الجنسين، وبالكاد تميز الذكر من الأنثى.

    كانت لحظات محزنة وشعرت فيها بالألم النفسي لوجود هولاء الأطفال معنا في مكان واحد وكان منظرهم يُدمي القلوب وهو يحملون الآليات والأسلحة الثقيلة، ومهما يحاول المرء لا يمكن أبدا أن يصور هذه المناظر المرعبة، عشرات من الأنفس البريئة كانت تطوف حولنا في مساء يوم بارد استعدادا للهجوم على أكبر معسكرات (الحركة الشعبية) في الميل 72 في طريق مدينة نمولي الحدودية مع يوغندا تحديداً يوم الأربعاء الموافق 12 ديسمبر 1995م، أطفال في سن البراءة الواحد منهم يحمل فوق طاقته وما زنته 40 كيلو جرام أو أكثر من العتاد العسكري الثقيل وصناديق الذخيرة، والذين حملوا مثل هذه الصناديق يعرفون كم هي قاسية الحمل في مسيرة قد تبلغ الساعات الطوال، وأحيانا اياما من السير في الطرق الوعرة، والرطوبة العالية حيث تتبلل الملابس تماما مما تُصيب المرء بالإعياء وفي الغالب التهاب الصدر و المفاصل الذي يعيق الحركة، وهذا ما حدث لي شخصيا، فكيف بالأطفال..؟!.

    ... يا إلهي.. انه أمر فظيع..

    مهما أحاول لا يمكن أن أصور شكل الدموع الجافة على وجوه الصغار لا أجد لذلك سبيلا، ولم يكن هناك جنودا كبار السن فهم لا يتعدون العشرين من بين المئات من الجنود (الصغار) يساقون كالقطيع تماما يشهد الله على ذلك، وعلى بعد كل مائة (طفل) هناك جندي يوغندي يحث الأطفال بسرعة التحرك، و يضرب أحيانا الطفل في مؤخرته أو ظهره كي يستعجل ولا يبطئ، في أجواء غريبة على عالم الطفولة، صوت الدبابات والمجنزرات وهي تتحرك إلى مكان قريب من بداية المعركة، مع صوت أجهزة الاتصالات اللاسلكية،، لحظات من التوجس والترقب والأوامر العسكرية من القادة هنا وهناك بالعجلة، وطقطقة الأسلحة الشخصية كل هذه الضجة تجعل المحارب يعيش في لحظات غريبة، والمحارب أو المقاتل قاب قوسين أو أدنى من الموت،، لحظات صعبة حتى على كبار السن،، فكيف بالأطفال الصغار الذين استخدمتهم (الانقاذ) يا د. محمد وقيع الله..!!

    تصور يا وقيع الله كم هي مكلفة تلك الحملة التي اقامتها حكومة (الانقاذ) عندما تم خطف أطفال دارفور من قبل منظمة فرنسية..؟؟ تتذكر كيف أن الحكومة السودانية جيشت الإعلام والرجرجة والدهماء وتباكت على الأطفال والطفولة البريئة، وكيف أن التلفزيون السوداني جند كل برامجه ضد المنظمة الفرنسية المسكينة لخطفها الأطفال..!!

    دارفور وأحداث تشاد

    د. محمد وقيع الله لم يعش معنا المرحلة العملية في حياة الحركة الإسلامية التي نعتبرها الميدان الحقيقي للكفاءة والانقياد لأوامر الدين الحنيف، ومرحلة التنظير كانت جميلة وزاهية ولكن ميدان العمل أظهر أننا ضُعاف أمام حقائق الحياة، نعم هناك انجازات مادية ولكنها لا تساوي شيئاً ألبته مع الكوارث والمآسي التي جلبتها (الإنقاذ) للشعب السوداني ومهما حدث من انجازات في نظره ونظر الآخرين لا يمكن أبداً رُؤيتها عندما ننظر إلى كارثة دارفور، أخي وقيع بكل الأمانة والصدق أن قادة (الانقاذ) هم الذين تسببوا في اندلاع شرارة مشكلة دارفور،كنت أعمل في صحيفة (دارفور الجديدة) ليس لي مصلحة في أن أكذب على النظام لكن الحقيقة الساطعة كالشمس أن الذين تذكر انجازاتهم عندما غرتهم الحياة الدنيا لم يتحملوا مطالبة الأهل في دارفور بحقوقهم، فقاموا بضربهم بالطائرات قاذفة اللهب وحرقوا بيوتهم، وأظنك طالعت أحاديث د.علي الحاج في صحيفة (الصحافة) في اللقاء الصحفي وكيف أن عنجهية أهلنا الشماليين وعنصريتهم هي التي كبدتنا جميعاً ملايين الضحايا في الجنوب والغرب ومكنت من دخول القوات الدولية بلادنا..!!.

    ومن إنجازات (الانقاذ) التي تحدث عنها وقيع الله هي أن الشرخ بل الجرح الكبير الذي حدث في السودان بسبب مشكلة دارفور لا يمكن ألبته علاجه بالساهل ويحتاج لعقود من الزمان بعد حل المشكلة (إذا تم حلها)، ولدي الكثير من الاخوة الاعزاء من أبناء دارفور الذين راحت أسرهم ضحايا لمجازر القوات المسلحة السودانية في قراهم، أحد الاخوة قد وصل من بعد معاناة ومطاردة من أجهزة الأمن السودانية الى تشاد ثم الى الكاميرون ثم الى فرنسا فالسويد واتصل بي هنا بتوقيت مكة المكرمة الساعة الثانية صباحاً حكى لي كيف ان طائرات الجيش غارت على منطقتهم في غرب الجنينة وكان سارحاً مع الماشية وعندما رأي الطائرة في الجو تدق الارض بقذائفها جرى مسرعاً إلى منطقته ثم الى بيت فرأى والدته وشقيقاته على الأرض والدماء قد أغرقت المكان، وكان يحكي لي ويبكي بأعلي صوته ويسألني " أبواحمد انت عشت معنا هل نحن انفصاليون..؟؟" و"هل نحن أشرار يرسل أخواننا في الخرطوم الطائرات لتقتلنا..؟؟" كانت لحظات صعبة للغاية ولم أنم ليلتها ولم أهنأ بالنوم منذ تلك المكالمة قبل أكثر من 3 سنوات.

    الآن في الوقت الراهن كل العالم أصبح يدرك بوعي تام أن الحكومة السودانية لا تريد حسم قضية دارفور، وقد كشفت التقارير الإخبارية أن أيادي حكومة (الانقاذ) في أحداث شاد كانت واضحة جدا جداً وقد راح ضحية لذلك عشرات الأنفس البريئة، وعندما حاولت بعض الصحف نشر جزء بسيط جداً من معلومات خاصة بتدخل أيادي حكومية في أحداث تشاد تم اعتقال رُؤساء تحرير تلك الصحف، وأفرج عنهم بعد ضغوط شديدة من الحركة الصحفية في بلادنا وقد أصبحوا هم خط الدفاع الأول عن السودان وليس الحكومة التي تدافع عن انجازاتها.



    محاولة اغتيال مبارك في أثيوبيا 1995م

    من أكثر الفترات العصيبة التي مر بها السودان كونه يتهم لأول مرة في تاريخه الطويل بمحاولة اغتيال رئيس دولة مجاورة هو محمد حسني مبارك في أثيوبيا، وأتذكر أن الرئيس البشير ود.حسن الترابي كانا قد أقسما بالله قسماً غليظاً بأن السودان برئ من محاولة اغتيال الرئيس مبارك لكن المخابرات المصرية قد قامت بخديعة مخابراتية تم الكشف بعدها عن الذين قاموا بالمحاولة من أكبرهم الى أصغرهم، وتم تصفية عدد من (الصغار) وفي وضح النهار، وقد كسبت مصر (أخت بلادي) معركتها ضد السودان التي استمرت آلاف السنين وانتصرت آخيراً حيث وضعت السودان في (مُخباها) بالمعنى البحريني وفي (جيبها) بالمعنى السوداني تلعب به كما تشاء، وبسبب محاولة الاغتيال هذه نالت مصر ما لم تنله من السودان لآلاف السنين وهي الآن تدافع عن السودان دفاعاً مستميتاً وقد وُهبت الأرض في الشمال وأدخلت شركاتها العقارية للعمل في السودان (عايرة وأدوها صوت) لتبني لنا المباني الفخمة الخدمية منها والعامة..!!.

    أحلامنا التي .....

    لا يستحي د. محمد وقيع الله عندما يقول أن "أحلامنا تحققت" ... يا الله.. يا الله....كم هذا الكلام مُقزز ومُبكي..إذن كان حلم وقيع الله كابوس في ليلة شديدة العتمة نام صاحبها نجساً والعياذ بالله ويمضي ويقول:

    "لكن الحركة الإسلامية ماضية تحقق إنجازاتها غير مبالية بهم كثيرا أو قليلا"،

    قد يكون قد تحققت لـ د.محمد وقيع الله كل أمنياته لكن أعضاء الحركة الإسلامية المنتشرين في كل بقاع العالم يؤكدون عكس ذلك تماماً فالانجازات لا تتعدى البترول الذي لم ينتفع به الشعب السوداني ولا من المؤمل ان ينتفع به في القريب غير عوض الجاز وزمرته، الخدمة المدنية وقد دُمرت تماماً فحتى درجة وكيل الوزارة أصبحت وظيفة سياسية بالتعيين السياسي وقد كانت هي المرجعية المهنية والقانونية في كل وزارة، وكان وكيل الوزارة دائما هو القبلة التي يتجه اليها الجميع في كل شئ، هو الأب والأخ والصديق والزميل وهو المسؤول الأول والأب الروحي للجميع بدون فرز، أما وأن (الانقاذ) قد أحالت هذه الخاصية إلى الصالح العام، وأصبحت الوزارات تدار بالكذب والنفاق والتملق، والخدمة المدنية ليس بالشي الهين الذي نتقاضى الحديث عنه، فهي العمود الفقري للتطور البشري على مر العصور.

    وعن مشاريع التنمية حدث ولا حرج وقد بيعت كل المشاريع التي كانت تُوفر الغذاء للمواطنين (الرهد الزراعي- النيل الازرق- النيل الابيض – السوكي – الشمالية-إلخ).

    التجارة أصبحت فقط للموالين للنظام وكذلك التصدير والاستيراد لقادة النظام وأعضاء المؤتمر الوطني من العضوية النشطة سياسياً واقتصادياً، منظمات النفع العام جميعها للموالين، أما التي يقودها غير موالين للحكم توضع العقبات في طريقها حتى يتعذر عليها الاستمرار في العمل.

    الصناعات كذلك غالبيتها لأعضاء النظام خاصة القطاعات المؤثرة وهولاء تُوفر لهم التمويلات المصرفية وتزال من أمامهم كل المعوقات.

    التعليم والتعليم العالي.. لا يحتاج مني لحديث فالكل يعلم والأمر جلي للعامة وباعتراف الكثير من المسؤولين في النظام.

    الدبلوماسية أيضاً كتاب فاضح مفتوح الكل قرأه وقد تحولت السفارات جميعها الى مراكز مخابرات في الخارج والعمل القنصلي ما هو إلا ديكور، والعقلاء من السودانيين في الخارج يعرفون حتى رتب الدبوماسيين الأمنية وتخصصاتهم الأمنية، والآن قد عرف السودانيين من خلال ما ينشر في الاعلام أن ضباط الأمن هم الذين يتولون المناصب المهمة في سفارات السودان في الخارج.

    ومن هنا لا أرى أي انجازات غير استخراج البترول وتصديره، دون أن يرفع من المستوى المعيشي للمواطنين.

    لكن حلمنا في الدولة الاسلامية قد تحول إلى كابوس، بل أصبحت دولة مافيا اقتصادية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

    هذا الحديث يذكرني أحد الاخوة من الصادقين عندما كنا في انتخابات الإعادة في دائرة أمبدة 1988م بعد وفاة نائبها المرحوم صلاح الصديق المهدي كنا في مدينة امدرمان مستنفرين للعمل في هذا الدائرة التي تنافس فيها الشيخ صادق الكاروري من الجبهة مع أحد قادة حزب الأمة، وعندما كانت تأتي بنا الحافلة في منتصف الليل او الساعات الأولى من الصباح كان يحدثني أخي ويقول الظاهر قصة الدولة الاسلامية بعيدة جدا" ورحنا نتذكر الصحابة الأجلاء ثم شهداء الحركة أمثال عبدالإله خوجلي و حسن سليمان و عبدالله ميرغني والامام الهادي المهدي (تقبلهم الله في الخالدين)، فبكى أخي بكاءً كثيراً، وحقيقة أن أشواقنا للدولة الإسلامية الحقة لا يمكن أن يصفها إنسان، فهي دولة العدل.. ودولة الدين.. دولة الرحمة.. دولة الصدق.. ودولة التسامح الديني، دولة نعيش فيها كلنا مسلمين ومسيحيين ويهودا ووثنيين في مكان واحد، نعم نختلف في عقائدنا لكن نحتمي ببعضنا البعض ونهرب من بعضنا لبعضنا البعض لا تفرق بيننا المناطق ولا الجهويات ولا القبليات ولا الكسب الدنيوي.

    ترى كم من الآلاف من كادر الحركة الذين خرجوا من النظام مبكراً عندما تأكد لهم أن النظام يسير نحو عكس ما كانوا يعملوا من أجله السنين الطوال..؟؟؟ ترى كم من الشباب الذين غادروا محطة (الانقاذ) وهربوا بدينهم من جحيم زيد وعبيد، ترى كم من الآلاف الذين قدمتهم الحركة في جنوب السودان ، مسيرة طويلة من الصديقين والشهداء الذين عافت أنفسهم نعيم الدنيا من شهداء 1973م إلى عبيد ختم البدوي وأحمد عثمان مكي ومحمد عثمان محجوب مرورا بالهيثم عبدالهادي الحسن ويوسف سيد والبادرابي والمنصوري وعلي عبدالفتاح، وعبدالله جابر وعبدالله بابكر، وحسين سرالختم وشقيقه خالد، والكثير من الذين لا يعرفهم د.محمد وقيع الله باعوا حياتهم رخيصة من أجل دولة العدل الرشيدة.

    ومن هنا أسأل الله للدكتور محمد وقيع الله أن تكون هذه شهادته لـ (الانقاذ) فيُبعث بها يوم القيامة يوم تصطف الخلائق جميعها أمام رب العزة والجلالة كل بمظلمته وذنوبه،حينها يكون الكثير من الناس في موقف لا يحسدون عليه، فشهادة للنظام الذي قتل الأبرياء في الجنوب وفي دارفور والشرق وداخل المعتقلات وداخل معسكرات الخدمة الإلزامية لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن يكون من أهل الجحيم لأن ما قاموا به من مجازر حقيقة وليس إدعاء كاذب، كل الشواهد والأدلة ستقف أمام رب العالمين في يوم يخسر فيه الظالمين ومن أيدهم وساندهم.

    فإذا كنت قد دافعت عن (الانقاذ) كل هذا الدفاع (بالصح والكضب) فمن الذي يدافع عنهم يوم العرض..يوم الدين.. يوم الحساب،وإذا كان للنظام أقلامه وكُتابه وقنواته الفضائية تمجد كل أعماله وتصدق أكاذيبه فتذكر أخي د. محمد وقيع الله قول الله عز وجل وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [ابراهيم:43،42]..

    وقوله سبحانه: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36].

    وقوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:45،44]. وقوله : إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

    وفي يقيني التام أن الظالم مهما مكث في كرسي الحكم يوما ماً سيطاله الحساب في الدنيا والاخرة والتجارب علمتنا ذلك من الديكتاتورصدام حسين الذي أصبح يمثل أكبر النماذج القريبة جدا لعالمنا ولواقعنا، وأمامنا قوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ الشعراء:227

    هذه بعض من صفحات من تاريخ النظام المخزي كُتبت بصدق وبأمانة ويكفي أن كاتبها خارج السودان يعاني البعد عن الأهل وعن الأسرة، ويُعرف لدى الجميع في البحرين أنه أبعد الناس عن ممثلية النظام وحتى عن مقر الجالية، سبع سنوات خارج الوطن..

    أتمنى من الاخ د. محمد وقيع الله أن يطالع هذه السيرة وان يسأل عن كاتبها وعن صحة ما كتبه

    وإذا ادعت الامور لكي أزيد فيما كتبت فسوف آتي لا محالة..
                  

05-13-2008, 05:43 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)




    الحكم الراشد

    بروفيسور مصطفى إدريس البشير



    لم تقتصر النجاحات التي حققتها الحركة الإسلامية من تصالحها مع مايو على الدعوة المفتوحة وتوسيع مؤسسات الحركة الدعوية والاقتصادية فحسب، بل التفتت الحركة الى جوانب أخرى رغم حساسيتها وخطورتها على العلاقة مع نظام الحكم المايوي. وتمثلت هذه الجوانب في التغلغل في أجهزة الدولة الحساسة كالجيش وجهاز الأمن والشرطة، وأقامت أجهزة في غاية من السرية والحذر تتبع مباشرة للأمين العام لمتابعة استيعاب شباب الحركة في الكلية الحربية وكلية الشرطة والانخراط في الأجهزة الأمنية، ويتم ذلك برغم التزامها الصارم بالحفاظ على العهد الذي أبرمته مع النميري على عدم الغدر به، وقد التزمت بذلك العهد حتى غدر بها هو من جانبه في عام 1985 بعد زيارة بوش الأب للسودان.
    آثرت قيادة الحركة الاستمرار في اعداد الكوادر العسكرية المدربة من داخل السودان بعد أن تمت تصفية المعسكرات الخارجية، وفتحت الحركة عددا من المعسكرات السرية داخل السودان من باب اعداد العدة للجهاد والتحوط لما قد يطرأ بالبلاد من أي جهة كانت.
    ولكي تحافظ الحركة على سرية العمل العسكري قامت القيادة بتغييرات كبيرة في صفوف القيادات التي كانت تتولى قيادة العمل العسكري ابان فترة الجبهة الوطنية المعارضة للنميري خارج السودان من أمثال الشيخ السنوسي وعثمان خالد ومهدي ابراهيم.. وجاءت بقيادات شابة ووجوه جديدة لتتولى تنسيق العمل العسكري من داخل السودان، وتم تغييب شبه كامل للقيادات الظاهرة عن تفاصيل ما يجري من باب التحوط الأمني، اذ إنهم كانوا تحت رقابة أجهزة النظام الأمنية.. وأذكر أن ذلك العزل والتغييب للقيادات السابقة أثر سلبا على بعضهم، فابتعد وانزوى وكاد يخرج على الحركة كلية.... وقد كانت تلك أيضا تجربة ناجحة استطاعت الحركة أن تعد بها قوة ضاربة قوامها بالآلاف تعرف معظم فنون القتال وتتعامل مع أنواع كثيرة من الأسلحة السائدة في ذلك الزمان، ومعظم منسوبيها من طلاب الجامعات وحملة الشهادات الجامعية وفوق الجامعية. ورغم حساسية الظرف وخطورته فقد كان الشيخ يقضي نهاره ما بين ديوان النائب العام والقصر أو الاتحاد الاشتراكي ويقضي ليله بين المجاهدين في مواقع التدريب دون خوف أو مبالاة، ودون أن ترصده أجهزة أمن النظام رغم حرصها الشديد على متابعة تحركاته.
    وأستطيع أن أقول بأن الحركة الإسلامية كان بمقدورها أن تدبر انقلابا ناجحا أبيضا على حكم النميري منذ عام 1983 ولكنها لم تفعل، بل كانت على العكس تماما تنبه أمن النظام بصورة غير مباشرة على كثير من النشاطات الانقلابية ويتم اخمادها في مهدها... وقد تم ذلك أكثر من مرة.
    أما الحقبة التي تلت الانتفاضة في أبريل 1985 وحتى قيام الإنقاذ في الثلاثين من يونيو 1989 فلم أكن شاهدا لها عن قرب بسبب السفر للدراسة خارج السودان، ولكن الحركة استطاعت بحنكتها وتجاربها المتراكمة في العمل العام أن تتجاوز الحصار الذي أرادت القوى الأخرى فرضه عليها وتحميلها أوزار مايو (السدنة)، فبادرت بتكوين الجبهة الإسلامية القومية وخاضت مع الأحزاب الأخرى التجربة الديمقراطية مستهدية بتجاربها في المشاركة في الحكم مع نميري، واستطاعت أن تكون القوة الثالثة في البرلمان من حيث العدد، ولكن في حقيقة الأمر كانت القوة الأكثر نظاما وقدرة على الحركة والمبادرة في الساحة السياسية، ولو قدر لتلك التجربة الديقراطية أن تستمر لاستطاعت الحركة الإسلامية في السودان أن تحقق النموذج التركي القائم حاليا (حزب العدالة والتنمية).. ولكن الحرب في الجنوب والتي بدأت تزحف شمالا حتى وصلت الى تخوم كوستي، وضعف الأحزاب التقليدية وعدم جديتها في مواجهة قضايا الجمهور الأساسية من مأكل ومشرب ووقود، عجل بوأد تلك التجربة الديمقراطية، كما جاء في النعي الشهير للراحل زين العابدين الهندي من داخل البرلمان، ولو لم يعجل الإسلاميون بالانقضاض على السلطة لسبقهم عليها آخرون كانوا على أهبة الاستعداد، كما تفيد التقارير الرسمية الموثقة في تلك الفترة.
    وكما أوردت سابقا كان في مقدور الحركة الإسلامية أن تنفذ انقلابا ناجحا منذ مطلع الثمانينيات في القرن الماضي ان أرادت الوصول الى السلطة بأقصر الطرق فحسب، ولكنها كانت تحسب حساباتها للعوامل الخارجية والداخلية التي يمكن أن تعيق مسيرتها اذا انفردت بالحكم، وأستطيع أن أؤكد أن قرار الانقلاب في الثلاثين من يونيو 1989 جاء بعد حوار طويل وعسير وكان من أبرز معارضيه في البداية شيخ حسن ولكنه سلم بوجهة نظر معاونيه المقربين في قيادة وإدارة الأجهزة التنظيمية الخاصة التي كانت بعيدة عن أنظار معظم الشخصيات القيادية الظاهرة في الحركة، حيث إن بعضا من هذه القيادات التاريخية فوجئوا بالانقلاب واتخذوا مواقف معارضة له عند قيامه.
    من كل ما سبق يتبين لنا جليا أن الحركة الاسلامية في السودان استطاعت أن تحقق نجاحات كثيرة في مسيرتها من النشأة وحتى قيام الإنقاذ وأن تتخذ نهجا متفردا في التعامل مع الواقع السياسي في السودان مما ساعدها على تنمية قدراتها كما وكيفا واستطاعت أن تستغل الظروف الماثلة مهما كانت صعبة لصالحها وكان لها كل ذلك بعد توفيق الله بسبب القيادة الواقعية الواعية التي تدرك ان التدين الحقيقي هو السعي لتضييق الهوة بين الواقع الأرضي والمثال العلوي، ومما ساعدها على النجاح والسبق أيضا هو رفضها للتبعية الكاملة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين لتحتفظ لنفسها بحق الاجتهاد وفق مقتضيات الظرف المحلي في السودان. ومما تجدر الإشارة اليه أن اجتهادات الحركة الإسلامية في السودان والتي سبقت بها رصيفاتها في العالم الإسلامي كانت محل نقد شديد وصل الى حد القطيعة والاتهامات، ولكن أثبتت التجارب أن الذين ينقدون الحركة الإسلامية في السودان بسبب اجتهاداتها السياسية يصلون الى ذات القناعة بتلك الاجتهادات ويسيرون في ذات الدرب بعد فترة من الزمان.
    فعلى سبيل المثال خاضت الحركة الإسلامية في السودان الانتخابات بعد ثورة أكتوبر ودخلت البرلمان وشاركت في السلطة في مايو، وكانت تلك الاجتهادات محل نقد لاذع بل وقطيعة من الحركة الإسلامية في مصر وبعض البلدان الأخرى، ولكن تمر عشر سنين على تجربتنا في المشاركة السياسية فإذا بإخواننا في مصر يترشحون للبرلمان ويرفعون شعار (الإسلام هو الحل) ويتصدرون النقابات ويقيمون جمعيات النفع العام بعيدا عن الصبغة الإخوانية الصارخة، بل ويباركون الآن ما يجري في تركيا وبإعجاب شديد حيث يحكم الإسلاميون في ظل دستور علماني متطرف، وقد طرحت حركة الإخوان المسلمين في مصر مؤخرا رؤية جديدة لمستقبل عملها السياسي العام ضمنته كثيرا من الاجتهادات التي حرموها علينا قبل أربعين عاما..... وليت اخواننا في مصر لو تقدموا خطوات أكبر وأحدثوا اختراقا أكبر في جسم الدولة المصرية وحاولوا اختراق جدارها العلماني السميك -سرا وعلنا- فالكل يعلم أن دوائر المخابرات الغربية والإسرائيلية تعمل ليل نهار هذه الأيام لترسم سيناريوهات الحقبة التي تعقب رحيل الرئيس مبارك، ومن الأرقام الصعبة في مصر بالنسبة لهم هي حركة الإخوان المسلمين التي ملأت الساحات كلها دون أن يكون لها أي أثر يذكر في اتخاذ القرار السياسي والسيادي، أو أن تقترب من السلطة رغم رصيدها الجماهيري الهائل في الشارع المصري، ونأمل أن يستفيد اخواننا في مصر من تجربة الحركة الإسلامية في السودان وتأثيرها الواضح في مجريات الأحداث في السودان خلال نصف القرن الماضي ويتجنبوا ما وقعنا فيه من أخطاء في ذلك المجال، ولهم أيضا في تجربة الإمام البنا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي عظة وعبرة وخبرة نأمل أن يعيدوا قراءتها من جديد، وآمل أن يكون هذا الموضوع (الإخوان في مصر) عنوانا لمقال آخر، ان شاء الله.
    ما أردت أن أصل اليه من كل السرد السابق للاجتهادات والنجاحات الميدانية التي حققتها الحركة الإسلامية في السودان هو كيف نجد تفسيرا مقنعا للخيبة الشديدة والانحسار والتراجع الذي أصيبت به الحركة بعد أن صارت تحكم دولة المليون ميل مربع وكسرت شوكة أعدائها في أربع جبهات للقتال الشرس على حدودها وفجرت خيرات الأرض ذهبا أسود وأحدثت استقرارا نسبيا في الاقتصاد وتوسعت في التعليم.
    وللإجابة على هذين السؤالين -أسباب الخيبة وكيفية الخروج منها- لا بد من وقفة تأمل وتشريح دقيق ونقد بناء لمسيرة الحركة والإنقاذ لنتبين خطواتنا في المستقبل.
    فما هي العلاقة بين الحركة الإسلامية والإنقاذ؟
    الإنقاذ صنيعة الحركة الإسلامية بمؤسساتها السرية والعلنية من ألفها الى يائها، ولا مجال لأحد أن يدعيها لنفسه ولم تولد (بروسا)، بل كانت لها بذرة غرست في أرض السودان وسقيت وخصبت بدماء الشهداء من لدن محمد صالح عمر الى أحمد قاسم.
    نعم وصلت الحركة الإسلامية الى سدة الحكم دون اراقة دماء واستطاعت أن تموه عن نفسها لبعض الوقت داخليا وخارجيا وبإعداد محكم ودقيق لخصه الشيخ وأفصح عنه بعد المفاصلة القاسية، حين قال "قلت للرئيس اذهب أنت الى القصر رئيسا وسأذهب أنا للسجن حبيسا". وللحقيقة والتأريخ لم تكن مهمة الرئيس في القصر باليسيرة وقتها، بل كانت أصعب من مهمة الشيخ.. فقد كان الرئيس واحدا من مجموعة في الميدان تكابد مشقات تثبيت الدولة الناشئة والتمكين لسلطانها على أرجاء البلد الواسع، وقد قام بدوره كاملا وفي تواضع تام لم يخفه عن قواعد الحركة، فقد قال الرئيس لجمع كبير من اخوانه في أحد اللقاءات التنويرية المقفولة "نعم أنا رئيس مجلس الثورة ولكن رئيسي المباشر هو أخوكم فلان هذا" وأشار اليه بيده، وكان فلان من الحاضرين في ذلك التنوير. أما الشيخ فقد مكث وراء القضبان بإرادته لبعض الوقت ثم خرج من بعد ذلك الى منزله في المنشية لينظر لمسيرة الثورة ويقودها من صالونه العامر.
    وعلى وجه العموم فقد استطاعت الإنقاذ في بداية عهدها أن تقدم نماذج للطهر في القيادة والتجرد وتحقق نجاحات باهرة بكل المقاييس في عديد من المجالات خاصة الاقتصادية والاجتماعية والتعبوية والأمنية في ظل تلك القيادة المزدوجة بين القصر والمنشية، حيث كانت رموز الحركة تراقب المسيرة وتوجه من بعيد، وقيادة الدولة تنفذ وبروح عالية من الانضباط والتجرد الذي ضرب فيه اخواننا العسكريون المثال الأعلى من التجرد ونكران الذات، خاصة الأخ الرئيس والشهيد الزبير عليه رضوان الله، رغم المضايقات والاستفزازات التي كانوا يجدونها في كثير من الأحيان من بعض اخواننا القياديين.. وقد شهدت أمثلة منها داخل القصر الجمهوري ربما نسرد تفاصيلها في مقال لاحق.. ومضت مسيرة الإنقاذ تحت شعارات محددة هي التأمين والتمكين والدعوة.
    أما في مجال التأمين فقد استطاعت أن تعبئ الأمة لمواجهة حركة التمرد التي وصلت الى مشارف كوستي وبدأت تعد العدة لاجتياح الخرطوم، وكان بعض منسوبيها يوزعون الغنائم قبل أن تقع في أيديهم، فكان الرد العاجل والحاسم في عمليات صيف العبور واندحار التمرد الى أقصى حدود الوطن الجنوبية. ولم تقف الحملة عند ذلك بل امتدت لتغيير الأنظمة الحاكمة في الدول التي يصلنا منها الشر في اثيوبيا والكونغو وتشاد وإريتريا... ونأمل أن يكتب من بقي من اخواننا على قيد الحياة من الذين كانوا يرعون كل هذه النشاطات، نرجو منهم أن يسجلوا ذلك التأريخ للعبرة.
    وأما في مجال التمكين فقد قامت الإنقاذ بحركة تطهير واسعة داخل القوات النظامية والخدمة المدنية أبعدت منها كل من تشك في ولائه أو فساده، وقد يكون ذلك ضروريا في البداية ولكن للحقيقة أقول بأن عمليات التطهيرأو ما سمي الإبعاد من أجل الصالح العام لم تكن كلها صائبة وموفقة، فقد أضير منها أبرياء كثر، وجئنا في كثير من المواقع ببدائل عديمة الخبرة شديدة الحماس لا تحدها أطر ولا تراعي الأعراف والتقاليد، فأحدثت آثارا مدمرة داخل القوات النظامية والخدمة المدنية.. وللأسف قد زادت هذه الآثار المدمرة عمقا بعد الانشقاق، وأصبح كثير من أهل الولاء المزيف هم الذين يقودون ويتميزون في كثير من المواقع القيادية دون خبرة أو ولاء صادق، وربما نفصل في ذلك لاحقا.
    أما في مجال الدعوة فقد حدثت بعض النجاحات في مجال نشر الوعي وإيقاظ الشعور الديني والاهتمام بالقرآن وازداد عدد المساجد وتم بعض الإصلاح في المناهج... ولكن كما قال بعض الظرفاء لاحقا (الجبهجية فتحوا لينا المساجد وهم دخلوا السوق). ربما كان في ذلك التصوير شئ كبير من الحقيقة بعد فترة التأمين والتمكين الأولى التي كان يتسابق فيها الإسلاميون الى مناطق العمليات وتقديم أرتال من الشهداء من صفوف القيادة ومن ذراريها وآلها وذويها، ولكن سرعان ما دب الغرور والاستحواذ والمحسوبية وادعاء حق الأهلية للحكم ومقدرات الأمة مما سنفصل فيه بعض الشئ لاحقا.
    اذا أردنا أن نلخص أسباب النجاح والاستقرار النسبي خلال الفترة الأولى من عمر الثورة فيمكن اجمالها في الآتي:
    * القدوة الحسنة التي جسدها قادة الإنقاذ الميدانيين ومشاطرة العوام في معاناتهم حيث كان يستوي الحاكم والمحكوم.
    * الاهتمام المباشر بحوائج العباد اليومية من مأكل ومشرب ووقود.
    * المرجعية في القيادة...
    حيث كان الشيخ ومعاونوه في التنظيم بعيدين عن الجهاز التنفيذي ويوجهون من على البعد، فحفظت لهم الهيبة وعدم التحمل المباشر للأخطاء التي تقع من التنفيذيين.
    لقد كانت خطة الحركة بعد نجاح الانقلاب ومرحلة التأمين والتمكين أن تتخلى عن شعاراتها المرحلية كحركة ذات أهداف مرحلية تعمل للوصول الى دولة الإسلام والحكم بتعاليمه، ومن ثم أرادت الحركة أن تتحول الى عمود فقري يحمل جسد الأمة كلها عبر الدولة الناشئة وينطلق بها الى آفاق أرحب وفق تعاليم الشريعة السمحاء بعيدا عن العصبية الضيقة لجماعة واحدة بعينها والعمل على انهاء الصبغة العسكرية للحكم وبسط الشورى والحريات العامة لأقصى ما يمكن الوصول اليه.. وقد ظل الشيخ يبشر بهذا التوجه منذ وقت مبكر بعد قيام الإنقاذ، وللحقيقة والتأريخ أقول كانت الغالبية العظمى من قواعد الحركة -وأنا منهم بالطبع- ضد هذا التوجه بعد مرحلة التمكين والانفراد بالسلطة وتحقيق بعض الإنجازات الملموسة.
    كانت تلك الخطة للتحول من الثورة الى دولة الحكم الراشد، ولكن حدثت أحداث كبرى أثرت سلبا في مسيرة الإنقاذ وأخرت من خطوات التحول المنشود وأدت في نهاية المطاف الى الانشقاق المشؤوم منها:
    * الغزو العراقي للكويت في أغسطس1990
    * العلاقة بين أهل الظاهر وأهل الباطن في الدولة والتنظيم
    * حادثة الاعتداء على الشيخ حسن في كندا عام 1994 وما ترتب عليها من خلط الأوراق في القيادة
    * محاولة اغتيال الرئيس محمد حسني مبارك في أثيوبيا عام 1995
    * الرحيل المفاجئ للشهيد الزبير عليه رحمة الله في فبراير 1998، وما أحدثه من فراغ هائل وما دار من معارك لتحديد خلفه
    * تسلل الرويبضة الى قيادة الحزب والدولة
    * مذكرة العشرة وتجذّر الصراع الداخلي في التنظيم والدولة
    * صراع الأفيال في التنظيم والدولة
    * الآثار السلبية لشخصية الشيخ المتفردة
    لقد كان لهذه الوقائع والأحداث أبلغ الأثر في مسيرة الإنقاذ حزبا ودولة، وعلى علاقاتها الداخلية في داخل صفوفها وعلاقاتها الخارجية مع العالم الخارجي القريب والبعيد، وكانت في مجملها ما أوصلنا الى الانشقاق والتردي المستمر الذي ساقنا الى الذل بعد العزة وكاد يقذف بنا في قاع جهنم بما فرطنا فيه من حقوق الأمة وحدود الله، ويستوي في ذلك الفريقان؛ الذين يتسنمون قيادة الدولة والذين يناصبونها العداء. ومن المخجل حقا أن يهرول كل من الطرفين ويسعى للتحالف مع الرزايا والنطائح وما اكل السبع ليتناصر به على الطرف الآخر، حتى فقد الجميع البوصلة وضللنا الطريق وضيعنا الأمانة ونسينا القضية الأساسية التي ظللنا نجاهد من أجلها لنصف قرن من الزمان، ولا حول ولا قوة الا بالله. وتعالوا بنا لنغوص في الآثار السلبية للعوامل أعلاه على الدولة والحركة، وذلك غداً بإذن الله
    السودانى
    12/5/2008
                  

05-14-2008, 03:31 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    العدد رقم: 897 2008-05-13

    الحركة الاسلامية والانقاذ.. التقمهما الحوت فهل من مسبِّح؟ (3)دعوة مفتوحة لجمع الصف الإسلامي للمحافظة على مكتسبات الأمة

    بروفيسور مصطفى إدريس البشير



    لقد كان غزو العراق للكويت فاجعة كبرى وفخاً نصب بذكاء فوقعت فيه الأمة العربية بأكملها فريسة سمينة وصيدا سهلا لأعدائها، وفتحت الأبواب على مصراعيها لدخول القوات الأجنبية الى قلب الأمة وسلبت البقية الباقية من ارادة الأمة وقرارها المستقل وأحدث الغزو فرقة وشتاتا يصعب لمه في المنظور القريب وكان حظنا في السودان هو الأوفر من ذلك كله، فقد كان الموقف الرسمي للدولة هو حل المشكل بالوساطة والدبلوماسية من داخل الأمة العربية والاسلامية ومعارضة التدخل الأجنبي في المنطقة ولم يجد هذا الطرح قبولا من النظام العراقي الذي قضى على الأخضر واليابس في الكويت، وكذلك لم يكن مقبولا من الغالبية العظمى من القوى الفاعلة من العرب ولم ينحصر موقف السودان على الحياد فحسب الذي انتهجته الدولة رسميا ولكن سافر كثير من القيادات الاسلامية البارزة والنافذة في الحزب والسلطة الى بغداد وباركوا الصنيع الشنيع للنظام العراقي في الكويت تقديرا لما قام به من مد السلطة ببعض العتاد الحربي بعد قيام الانقلاب، وقد شاهدت أفلاما مصورة لتلك الوفود التي كانت تتقاطر على صدام وتبارك صنيعه وتشجعه على المضي في خطه المعادي للرجعية والعملاء.... وبكل أسف فقد تاجر بهذه الوثائق والصور خصوم الحركة والدولة في السودان ونشروها في اوسع نطاق في الخليج وأوروبا..... وقد كانت ردة الفعل بعد التحرير الذي تم على أيدي الأمريكان من الكويتيين ودول الخليج عامة وكذلك مصر، كانت ردة الفعل صعبة على الحكم في السودان وتم بموجب ذلك تضييق الخناق على النظام في السودان ودعمت المعارضة في الجنوب وغيره من دول معروف عنها البعد عن الدخول في الصراعات مع الغير أيا كان هذا الغير، ومن ثم قطعت كل أشكال الدعم المباشر وغير المباشر التي كانت تصل الى السودان بما في ذلك العون للمنظمات الطوعية والمؤسسات الاستثمارية المشتركة وشهدنا ما عانته منظماتنا ومؤسساتنا المالية وتنامى العداء الغربي للنظام بمؤازرة لصيقة من أشقائنا وجيراننا.... وشهدنا ما كان يدور في حلايب ومثلث ثار من كر وفر، ولكننا تجاوزنا تلك المرحلة رغم قساوتها باللحمة ووحدة الصف واستطعنا أن نغير الخارطة السياسية من حولنا في دول الجوار وأن نستعيض عن الدعومات المالية التي تأتي عبر القنوات الرسمية باستنفار الأمة السودانية وبالدعومات التي ظلت تتدفق عبر قنوات العلاقات الشخصية التي كانت لبعض الأفذاذ من أبناء الحركة الاسلامية والذين تنكرنا لبعضهم فيما بعد ولفظناهم......
    لقد تبنت الحركة الاسلامية سياسة التمويه على هوية الانقلاب في السنين الأولى فدفعت بقائدها الى السجن وحرصت على ابعاد كل الوجوه الظاهرة في الحركة عن الأجهزة التنفيذية وجاءت بشخصيات موالية او غير معروفة من كوادر الحركة منهم من تم استدعاؤه من دول المهجر ليصبحوا وزراء في الحكومة بجانب الكوادر العسكرية للحركة الذين تم تكليفهم بقيادة مجلس الثورة والمواقع الحساسة في الدولة مع الحفاظ على اضفاء القومية على مجلس الثورة حيث تم تمثيل الجنوبيين فيه وكافة مناطق السودان..... وظلت القيادات النافذة في الحركة من حواريي الشيخ يديرون الدولة والتنظيم من وراء الكواليس بتفويض تام من الشيخ وقد رأيناهم يستخدمون فيتو التنظيم في حسم كثير من المسائل الخلافية....دا رأي التنظيم..... وقد نجحت هذه السياسة في الشهور الأولى من عمر الثورة في توفير غطاء مريح للدولة لتجد الاعتراف بها من دول الجوار خاصة مصر التي زار رئيسها السودان وبارك الحركة الانقلابية في نشوة غير معهودة وأعطى كل ذلك التمويه الحكومة الجديدة نفسا لتبسط نفوذها على البلاد كافة ولكن سرعان ما بدأ التصادم بين أهل الظاهر وأهل الباطن الذين يملكون الحق المقدس في فرض رؤاهم...... فخرج بعض العناصر من مجلس الثورة من كوادر الحركة الملتزمة في ظروف غامضة لم يتملك الرأي العام في الحركة أبعاده وخلفياته ومن ثم بدأ حوار جاد حول الدور المستقبلي للحركة الاسلامية بطبيعتها التقليدية في تسيير دفة الحكم من الباطن وكيف يمكن احتواء الافرازات السالبة لهذه العلاقة الشاذة والتي أدت من قبل للصدام المسلح والمفاصلة المبكرة بين نميري والحزب الشيوعي الذي تحمل عبئاً كبيراً في قيام الانقلاب في مايو 1969. فقامت الحركة الاسلامية بتكوين لجان لتقديم الدراسات حول مستقبل هذه العلاقة والبدائل المتاحة وتحدث وقتها اناس عن حل الحركة كلية!!...... وطالب آخرون بقيام حزب جديد.......المهم في الأمر أن هناك بعض الخلافات التي بدأت تطفو للسطح تمثلت في تضارب بعض التصريحات وهناك قرارات تتخذ دون أن يكون أهل الشأن في الجهاز التنفيذي على علم بتفاصيلها وكانت هنالك بعض الفظاظة والاستفزازات المتكررة من الملكية للعسكر مما جعل احتواءها أمرا صعبا، هذا بجانب انكشاف السر ودخول العوامل الخارجية في التدخل بصورة غير مباشرة عبر وسائط مختلفة منها الحملة الاعلامية المضادة ولولا انشغال الجميع بحرب الجنوب وصد التمرد لقادت تلك الخلافات التي ظهرت الى انفجار الأزمة في وقت مبكر ولم تتأخر لعشر سنين، ونذكر جيدا المرات المتكررة التي أبدى فيها الرئيس نفسه عدم رغبته في الاستمرار في موقعه وطلب اعفاءه من المسئولية.....
    أما الضربة التي تعرض لها الشيخ في كندا فقد أدخلت الحركة والدولة في مرحلة جديدة فقد كان الظن الغالب بأن الشيخ لن يسلم من تلك الحادثة واذا قدر له أن يعيش فلن يتحمل تبعات القيادة بعدها وكانت هنالك حركة نشطة في عمل الترتيبات لخلافة الشيخ وكان هنالك صراع عنيف يدور وراء الكواليس يحسه ويراه من يعرف كيف كانت تدار الدولة والحزب، وأذكر تماما ذلك الامتعاض الذي عبر لي عنه أحد خلصائي من أقارب الشيخ القريبين جدا منه حين ألتقيته في بيت الشيخ بعد الحادثة بأسبوع وسألته عن الأخبار الحقيقية بشأن حالة الشيخ فقال لي (اخوانك مشغولين بتقسيم التركة وليس من همومهم الآن حالة الشيخ الصحية- فقد لجنوهو....). ولا أريد أن أسرد كل ما أعرفه عما كان يدور في تلك المرحلة ولكن أريد أن أنفذ الى ما ترتب عن تلك الحادثة وما تلاها من أوضاع في الدولة والحركة. لقد كان للشيخ اسلوبه المتفرد في القيادة ويفصل تماما ما بين المسائل العامة المفتوحة للجميع والأخرى ذات الطبيعة الأمنية الحساسة وكان يدقق في الاختيار لادارة الشؤون الحساسة ويحصر العلاقات الادارية بشأنها في أضيق نطاق مع توفير الرقابة المزدوجة، وقد كان الشيخ يمسك بخيوط وملفات كثيرة تتجمع كلها عنده هو فقط وبعد الاصابة في كندا وتواتر الأخبار عن سوء حالته الصحية لم يكن هنالك بد من أن يفصح كل صاحب أمانة عما أؤتمن عليه وأن تؤول كل تلك الصلاحيات لنائبه، ومنذ ذلك الوقت بدأت تظهر المحاور والأحلاف داخل القيادة وعندما أفاق الشيخ وجد أن كثيرا من الأمور حوله قد تبدلت وأن صراعا خفيا على النفوذ قد بدا للعيان، وبدأ هو بعد تعافيه دورة جديدة في اعادة ترتيب الأوضاع من جديد مع بعض المرارات التي نتجت من تداعيات أحداث مرت في تلك الفترة وبدأ صعود نجوم جديدة وتراجع آخرون وترتب على ذلك بعض الاجراءات العملية ربما لا يسمح الظرف بالخوض فيها الآن.
    من الأحداث التي أعقبت تلك الفترة وأججت الصراع داخل الدولة والحزب محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في اديس أبابا وان لم يكن للدولة والحزب ضلوع مباشر في تنفيذ تلك العملية فقد أظهرت بجلاء بعض مظاهر التفلت وتغييب القيادة العليا في اتخاذ بعض القرارات غير المحسوبة بدقة من بعض العناصر داخل الدولة والحزب، وأيضا ترتبت عن تلك المرحلة اجراءات عملية كان من أهمها الدفع بعدد من القيادات التنظيمية التي كانت تعمل من وراء الكواليس الى الأجهزة التنفيذية في الدولة وأقصاء عدد من النافذين في الدولة من مواقعهم والتفاصيل يعرفها أهل الشأن.....
    أما الشهيد الزبير عليه رحمة الله ورضوانه فقد كان رمزا للنقاء والطهر وصدق التوجه وقد كان رجل الميدان الذي وجد مكانا سامقا في نفوس العوام والخواص، وما أوكل للشهيد الزبير مشكلة الا وقد كان موفقا في حلها وقد شهدت له العديد من المواقف في حل الاشكالات الداخلية في الدولة والحزب، وقد كان لرحيله المفاجئ أثراً سلبياً كبيراً في مسيرة الانقاذ، وأما السعي لاستخلافه فقد كان مرحلة جديدة لتأجيج الصراع وسط القيادات في الحزب والدولة وكثير من المعلومات عن استخلاف الشهيد الزبير قد رشحت الى وسائل الاعلام وأصح الروايات عندي بأن التنظيم قدم للرئيس مرشحين علي الحاج أو حسن الترابي فكان الرد من الرئيس للشيخ أو مندوبه (أما الشيخ فلا أرضى لنفسي أن أرأسه في العلن وهو رئيسي في السر وأما علي الحاج فلا أطمئن للتعامل المباشر معه والتعاون التام في هذا الموقع الحساس)....وتم تعيين الأستاذ علي نائبا للرئيس خارج ارادة التنظيم.... وجرت من بعد ذلك مياه كثيرة تحت الجسر كادت أن تهد بنيانه وربما يحين تفصيلها وتوثيقها في مرحلة لاحقة.
    لقد فرضت ضرورة التمويه على هوية الانقاذ عند قيامها الاستعانة بعدد كبير من الشخصيات التي لا تنتمي للحركة الاسلامية ولها صيت في المجتمع بحكم ارتباطها بأنظمة حكم سابقة أو احزاب أو عشيرة أو مؤسسة علمية ولم نراعِ المعايير التي نؤمن بها لاستيعابهم ظنا منا بأنهم سيكونون أدوات لمرحلة محدودة، فبعضهم تم تجنيدهم وسلكوا الدرب مع الجماعة وبعضهم استمر بأجندته الشخصية الخاصة وحرصه على المغانم العاجلة والمنصب وعدد مقدر عرف كيف يتسلق الي قمة الهرم القيادي في الدولة والحزب واصبح يدس السم ويمشي بالنميمة وينشر الفتنة وسط الجماعة كما تبين لنا فيما بعد، ولعل أبلغ تعبير سمعته في هذا الجانب مقولة الشيخ في معرض اعترافاته بأخطاء التجربة في الانقاذ (البعض جئنا بهم ممثلين فصاروا مخرجين)، وقد جمعتني جلسة في صالون في مناسبة أسرية اجتماعية مع أحدهم قبل الانشقاق لا يعرفني من قبل ولم يلق الي بالاً، وكان كل الحضور في تلك الجلسة تقريبا من خلصائه فبدأ يحدثهم عن تجاربه الشخصية مع أهل الانقاذ والكيزان بأسلوب استفزني أشد الاستفزاز فقاطعته قبل أن يكمل حديثه وكادت أن تقع بيننا خناقة لولا تدخل بعض العقلاء ورغم اني نقلت ماحدث لجهات الاختصاص وقتها ولكن يبدو أنهم حملوا على الظن بأنني من تيار المحافظين الذين لايقبلون التعايش مع الوافدين الجدد......
    أما مذكرة العشرة فلم يكن الذين وقعوها كلهم من أصحاب الوزن الثقيل في قيادة الحركة والدولة، بل ان بعضهم ليس له سابقة أو عطاء يذكر وسط الاسلاميين وربما كان الذين من وراء المذكرة أو باركوها خلسة أكثر بكثير وفي أعلى درجات السلم القيادي وأرادوا أن يتواروا وراء ذلك النفر الكريم، والطريقة التي كتبت بها المذكرة وحملت بها الى داخل الاجتماع الشهير والطريقة التي وزعت بها تنبئ بصراع عنيف كان يدور في الخفاء ومرض خطير كان ينخر في جسم الحزب والدولة حالت الرهبة من المواجهة المباشرة للشيخ والتي كانت فوق ما كنا نتصور دون البحث عن أسلوب بديل غير تلك المباغتة غير المستساغة عرفا ولا شرعا وربما يذكرنا ذلك بقصة الفيلة والخليفة عبد الله التعايشي علية رحمة الله المتداولة كثيرا في الأوساط الشعبية. وقد كان وقع المذكرة أليما على الشيخ فقد دخلنا عليه في مجموعة من أهل مهنة الطب بعدها بأيام- ولأهل الطب حظوة خاصة عند الشيخ - فوجدناه في غم شديد لم نعرفه فيه حتى في أحلك الظروف التي مرت بها الحركة في تأريخها الطويل، ورغم مرارة ما حدث قبل الشيخ بما خرج به ذلك الاجتماع وتم سحب بعض سلطاته وتمليكها لرئيس المؤتمر الوطني، واستطاع أن يمتص الصدمة ويستوعب الظرف الذي خرجت فيه المذكرة والاصابع التي حركتها وبدأ يعد العدة لكسب الجولة القادمة، فالرجل الذي نعرفه لا يقبل الهزيمة ولا يعرف الانكسار فجاب السودان شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وقاد حملة تعبئة واسعة جدا وسط القواعد أتعب فيها كل أعضاء الوفود الذين رافقوة في مناطق السودان المختلفة، الا هو لم يكل ولم يمل وكان بعض مرافقيه يروي بأنه ربما صلي بالوضوء الواحد أربعة أوقات مفروضة، وعندما انعقد المؤتمر العام الأخير للحزب قبل الانشقاق كان هنالك استقطاب حاد وعزل مقصود لبعض الرموز التي صنفت بأنها مناوئة للشيخ والتفاصيل معروفة للكثيرين... وربما نوثق لها لاحقا. تزامن ذلك الصراع داخل الحزب مع الصراع الذي كان يدور ما بين القصر والمجلس الوطني حول التعديلات الدستورية وانتخاب الولاة... وقد كانت تلك الظروف مناخا ملائما ومرتعا خصبا لاخوة سلاطين باشا وعبد الله ابن سبأ الذين نشطوا بدرجة عالية في المشي بالوشايات والنمائم بعد اضافة التوابل اللازمة لها وتوغرت الصدور وفشا الطعن المتبادل والغمز واللمز الذي وصل الأعراض والذمم وتعداها الى الطعن في العقائد ولا حول ولا قوة الا بالله وقاد كل ذلك الى المفاصلة المشؤومة التي دفعنا ثمنها غاليا.
    أما صراع الأفيال الذي أقصده فأعني به تكوين المحاور داخل الدولة والتنظيم الذي بدأت تظهر معالمه واضحة بعد الضربة التي تعرض لها الشيخ في كندا وتطور بسبب جملة الأحداث التي ذكرتها آنفا. فبعد افاقته وتسلمه القيادة من جديد والمامه بالواقع بدأ الشيخ في اعادة توزيع الأدوار من جديد (شك الأوراق) فقذق بقيادات تنظيمية نافذة الى الجهاز التنفيذي وأعفى آخرين من الجهاز التنفيذي خاصة بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري وعمد الى الأجهزة التنظيمية الخاصة وأعاد ترتبيها من جديد وكذلك القيادات النافذة في الحزب وأدرك الشيخ تماما خطورة ما يمكن أن يحدث اذا غيبه الموت أو المرض المقعد ولكن يبدو أن الداء قد وصل العظم كما يقولون.... ولم تفلح تلك المحاولات التي قام بها في كبت الصراع الذي كان يجري وانعدام الثقة بين بعض القيادات الذي وصل الى حد زرع الكوادر في مكاتب الآخرين لتتجسس لهم على خصومهم من اخوانهم ليسجلوا عليهم مواقف سلبية، وعندي شواهد على ذلك وأمثلة حية. بدأ الشيخ يطلق التصريحات النارية عن مظاهر الفساد في الدولة وعن الرغبة القوية في الانفتاح وبسط الحريات وقد كان يبدي مخاوفه من جنوح بعض القيادات في مجالسه الخاصة وبدأ طرحا جديدا من أهم معالمه تراجعه هو عن قيادة الحزب حيث جاء بشخصية ذات مقبولية واسعة لدي قواعد الحركة وله قدرات فكرية هائلة وتأريخ ناصع في الالتزام والتجرد وهو الدكتور غازي صلاح الدين واذكر عندما عقدنا المؤتمر العام للقطاع الصحي في أكتوبر 1996 حضره الشيخ برفقة الدكتور غازي وأعلن لنا من المنصة الرئيسية أمام أكثر من ألفي شخص من المؤتمرين بأن أموركم التنظيمية بعد اليوم قد آلت لأخيكم هذا الذي يجلس بينكم وأشار الى الدكتور غازي. أما هو فأراد أن يتقدم خطوات نحو الجهاز الأعلى للدولة واختار في البداية طريق البرلمان....قام الدكتور غازي بجهد كبير لادخال النهج العلمي والمؤسسي في نشاط الحزب واجتهد في توفير بنيات أساسية واسعة لنشاط الحزب ولكن واجهته عقبات كبيرة أهمها عدم القدرة على تأطير القيادات التنظيمية النافذة ووقف الصراع بين الأفيال والحد من مظاهر التفلت هنا وهناك....وقد كنت قريبا منه واستمعت الى شكاواه المتكررة من التخطي للمؤسسات الرسمية وما عاناه من احباطات متراكمة دفعت به للتراجع ليتقدم الشيخ مرة أخرى لقيادة الحزب من جديد.



    السودانى
                  

05-15-2008, 03:17 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    الصحافة
    الأربعاء 14 مايو 2008م، 9 جمادي الأولى 1429هـ العدد 5352

    رأي
    دروس إلى الأستاذ عثمان ميرغني:

    د.محمد وقيع الله



    نعم أنا أدعو إلى جيش مهيب.. وأمن متين مكين ركين (1- 3)
    قرأت التعليق الذي كتبه عني الأستاذ عثمان ميرغني بعنوان «جيش مهيب.. وأمن متين مكين»، وذلك بعد أكثر من شهرين من صدوره. ولأهمية تعليقه وأهمية أسئلته التي وجهها إلي، رأيت لزاما أن أرد عليه الرد الشافي الكافي الوافي المخرس، لاسيما وأنه قد وجه أسئلته إلي بنبرة لا تخلو من تعالم وأستاذية مزعومة.
    وقد أخفق الأستاذ عثمان في بداية تعليقه مرتين، عندما استعرض معلوماته الهندسية وثقافته العامة. ومن الغريب أن هذين الإخفاقين البينين قد جاءا في مستهل المقطع الأول من تعليقه، ثم لم يكن غريبا بعد ذلك أن تتوالى الأخطاء والارتكاسات والسقطات على طول الطريق، وهأنذا أجيبه، بناءً على طلبه، عن كل أسئلته، بتفصيل تام، فإن وعي هذه الدروس التي طالبنا بتعليمها إياه، كان بها، وإلا عدنا لمزيد التفهيم.
    خلعاء الإسلاميين:
    ذكر الأستاذ عثمان أنه أدرك بعد أن قرأ مقالا لي في الرد على أحد الكتاب من زملائه، أن نظام التشغيل في عقلي وروحي أضحى يحتاج الى إصلاح جذري. ذكر هذا المعنى مستخدما كلمات إنجليزية تتصل بتشغيل الحاسب الآلي الذي يبدو أنه يمتهن مهنة بيعه وإصلاحه وتأجيره. فقال: «الكمبيوتر.. يستمد «منهج تفكيره».. من «نظام التشغيل» Operating system.. مثلا الكمبيوترات الشخصية الشائعة الاستخدام تعمل في الغالب بنظام التشغيل المسمى النوافذ Windows بنسخه المتواترة.. فإذا كان هناك خطأ ما في نظام التشغيل، فإنه حتما يؤثر بصورة شاملة على كل التطبيقات التي يقوم بها الكمبيوتر.. فلا جدوى من محاولة اصلاح البرامج التطبيقية التي تعمل في الكمبيوتر لأنها حتما ستخضع في النهاية لسلطان نظام التشغيل الأساسي».
    وهذه المعارف البسيطة التي يتباهى بها الاستاذ عثمان، ربما كان من الممكن ان يتباهى بها انسان في القرن الماضي، أما الآن فقد غدت هذي المعارف متداولة مبذولة، ويعرفها كل من له أدنى علاقة بهذا الجهاز، وربما يكون أطفال اليوم وصبيته، هم خير من يعرفونها، لأنهم نشأوا معها، أي نشأوا في العهد الذي انتشر فيه الحاسب الآلي الشخصي فتعلموا نظم تشغيله وإعادة تشغيله بلا عناء، تعلموا ذلك بالسليقة، وبهذا ربما أصبح تعلمهم لهذه المصطلحات والمعارف أكثر أصالة ممن تعلموا هذه المعارف قديما في الكليات!
    وغُبَّ إيراده لهذه المعلومات المبتذلة، انتقل الأستاذ عثمان ليقول عني: «وعندما يكون الخطأ في «نظام التشغيل» يصبح هدراً اضاعة الوقت في إصلاح «التطبيقات».. الأوجب مراجعة منهج التفكير.. فإذا أصلح.. انصلحت التطبيقات Applications كلها». أي أني قد اختُلِط علي حتى احتاج عقلي وقلبي إلى ما هو أكثر من إعادة تشغيل. وهذا زعم باطل أملته على الأستاذ عثمان دوافعه النفسية لا معارفه العلمية، التي تشدق بها، وحاول من دون جدوى أن يبهر بها الأنظار.
    فالذي يتابع ما أكتب وما أقول لا يجدني قط متخبطا، ولا متقلبا، بين الأفكار، والمذاهب، والأحزاب، والحركات السياسية، ولا يراني منخلعاعن إطار دعوتي الإسلامية الصميمة التي انتمي إليها. «وهنا استميح العلامة الفاضل البروفيسور عبد الله علي إبراهيم لكي استعير منه مصطلحه الذي نحته لوصف زملائه السابقين المنخلعين عن العروبة، لكي أصف به أقطابا من شيعتي المنخلعين عن الحركة الإسلامية السودانية»، فأنا بحمد الله تعالى سائر على الخطة التي اتخذتها لنفسي منذ أن كنت طالبا في السنة الأولى في المرحلة المتوسطة، حين كنت في الحادية عشرة من العمر، ومازلت منذ ذلك الأوان البعيد أتكلم في المجامع في مسائل الدعوة، والفكر الإسلامي، والبعث الإسلامي، وأؤيد كل من يعمل للإسلام، سواء أكان منتميا لإحدى الحركات الإسلامية، أو غير منتمٍ لأي منها، وأتحدى أي باحث متابع مدقق أن يثبت عني أني حدت عن هذا الخط الإسلامي، قيد شعرة، أو تنكرت له، أو أدبرت عنه، ولو ثانية واحدة من ليل أو من نهار..!!
    ودون من يحاول أن يثبت ضدي شيئا أكثر من ألفي مقال صحفي نشرتها، وأكثر من عشرة كتب أصدرتها، فليدرسها كلها، سطرا سطرا، وليستخرج منها ولو سطرا واحدا، وليرني منهم، ولو مجرد قرينة يتيمة واهية، تشير إلى غير ثباتي على ديني، وإصراري على الدعوة إليه. فأنا بحمد الله تعالى ثابت على موقفي الإسلامي لا أتزلزل عنه، ولا أحول عنه ، ولا أتقلب، ولا أتذبذب، ولا أتردد، ولا يراني أحد أبدا، ممسكا بعصا من منتصفها، وإنما أمسك بالعصا من ممسكها الحق، ولا أبالي أن أقرع بها، بلا هوادة، ولا رفق، رؤوس طغاة الفكر الظلمة، الذين يتجنون على الإسلام، ويتهجمون على قيمه، وجهود الدعوة إليه.
    وهذا التحدي الذي أرفعه بهذا الخصوص أوجهه لجميع خصومي، وبشكل أخص أوجهه إلى الأستاذ عثمان، الذي كتب عني الكلام الآنف، فإن كان يأنس في نفسه كفاءة علمية، وصبرا على تكاليف البحث العلمي، فليكتب لنا بحثا موثقا، يجعل إطاره النظري، ما زعمه في مقاله عني من افتراضات، ثم ليحاول أن يثبتها بالتوثيق والتحليل والاستنتاج والمقارنة بينما كان عليه أمسي وما آل إليه يومي، فهذا هو السبيل لكي يثبت دعواه عن اضطراب جهازي المفاهيمي، وإلا فإن الأعمدة الصحفية المبتسرة التي يكتبها بعضهم لمجرد الصدور ويحشونها بالترهات، لا تكفي لإثبات دعاواه العريضة، القائمة على غير أساس، إلا الرغبة في نصرة كاتب إسلامي سابق، انخلع مثله عما كان يدعو إليه وحاد عنه..!!
    ليس كل ناقد بخليع:
    وكعادة هذا الكاتب، وعادة صاحبه الذي يدافع عنه، في الافتراء علي، فقد زعم أني قلت إن كل من ينتقد الحركة الإسلامية السودانية هو شخص حاقد أو منسلخ أو طابور «خامس» أو عميل. وهذا هو نص دعواه المفتراة علي: «ورغم ان الدكتور وقيع الله افتتح مقاله بالمأثور في «أدب اختلاف الرأي» الشائع عند بعض اعضاء الحركة الإسلامية.. وهو افتراض ان وراء كل كلمة نقد.. حقدا.. أو انسلاخا أو «طابورا» نزولا حتى درجة «عميل».. إلا أن فقرة واحدة من المقال كشفت خلل «نظام التشغيل».. يقول وقيع الله «فقد انتقلت الحركة الإسلامية السودانية -بحمد الله- من طورها القديم لتصبح دولة حديثة، وجيشا مهيبا، وجهازا أمنيا متينا مكينا ركينا يحميها..».
    في رأي وقيع الله أن مبلغ نجاح الحركة، أنها تحولت الى دولة حديثة بجيش مهيب.. وجهاز امن متين مكين ركين.. وهي بالضبط ذات الصفات التي انتقل بها حزب البعث في العراق من مجرد حزب الى «دولة حديثة بجيش مهيب وجهاز امن متين ومكين ركين» بلغت من القوة أنها كانت على مرمى حجر من تصنيع القنبلة النووية.
    هل كان ذلك هو مطمح «نظام التشغيل» الذي يدير عقل وتفكير الحركة الإسلامية؟
    «جيش مهيب.. وأمن متين مكين ليحمي مَن مِن مَن؟..»
    وهذا كلام ركيك، غير مترابط، وفيه نقل غير أمين، وهو إن شئت قول كاذب كذب بينا. ولا أريد أن أتهم صاحبنا ولا أتهم «كومبيوتره» بأنه سبب ركاكة هذا القول وتفككه، ولكن النقل غير الأمين هذا القول المفترى افتراء، إنما أتى من جهة الكاتب بالتأكيد، لا من جهة «كومبيوتره» الشخصي، حيث لا مشكلة لي مع«كومبيوتره» الشخصي ولا أتهمه بشيء! وأعود فأقول بأني لم أقل في أي سياق ولا في أي نص ولا في مجرد تلميح خاطف إن كل من ينتقد الحركة الإسلامية يحمل بالضرورة تلك الصفات المذمومات «وإن كان منهم من يحمل بعضها أو يحملها كلها أو ما هو أزيد منها!».
    ولو كنت قد قلت حقاً هذا القول المسرف، لكان هذا الكاتب الذي يتمنى أن يضبطني متورطا بخطأ فظيع كهذا، قد جاء به موثقا ومنصوصا عليه بعلامات التنصيص، ولكن هيهات أن يجد هو او غيره شيئا مثل ذلك عني، فليس هناك قول مأثور عني يشبه هذا القول أو يضاهيه، وذلك لسبب بسيط جدا يعرفه من يعرفني من الأصدقاء والقراء الكرام، وهو أني أؤمن إيمانا شديدا بضرورة نقد الحركة الإسلامية السودانية، وكثيرا ما أشارك في هذا المسعى شفاهةً وكتابةً، بل إن كثيرا من أصدقائي يظنون أني مولع بنقد الحركة الإسلامية، وأني أقوم بتجرئة الآخرين على الانخراط في هذا الجهد، وفي مقالاتي العشر التي نشرتها في الرد على افتراءات ذلك الكاتب الذي يدافع عنه الأستاذ عثمان، ورد مني نقد كثير للحركة الإسلامية السودانية، فكيف أقوم بنقد الحركة الإسلامية السودانية، وأقوم بتجريم نقدها في آن؟! هذا ما لا يستقيم في الأذهان، وإن استقام في ذهن صاحبنا عثمان..!!
    ذهنية التجزئة:
    وبهذه الذهنية التجزيئية اتنزع الكاتب عثمان من مقالاتي العديدة في دفع افتراءات زميله وإبطال مزاعمه، هذه العبارة التي ظن أنه سيعيرني بها حيث قلت: «فقد انتقلت الحركة الإسلامية السودانية - بحمد الله- من طورها القديم لتصبح دولة حديثة، وجيشا مهيبا، وجهازا أمنيا متينا مكينا ركينا يحميها». وأنا بحمد الله تعالى مازلت ثابتا على هذه العبارة، وعنها لا أحول، وإذا كان صاحبنا هذا قد جاء بهذه العبارة ليوهم القارئ بأني من دعاة القهر والدكتاتورية والحلول الأمنية، فهذا خبث شديد انطوت عليه، وإلا فإني قد ذكرت أكثر من خمسين إنجازا للحركة الإسلامية السودانية توزعت على مجالات مختلفة، منها بطبيعة الحال المجال الأمني، الذي تحتاجه الحركة لكي تحافظ على انجازاتها الأخرى، ولكي تحمي تراب الوطن الغالي، الذي يتآمر عليه الخصوم من الداخل ومن الخارج، ويتآمر ويتجرأ عليه جيش الخلعاء الذي اجتاح العاصمة في الأسبوع الماضي.
    هذا وإذا كان الأستاذ عثمان مازال مصرا على رفع تساؤله القائل: «جيش مهيب.. وأمن متين مكين ليحمي مَن مِن مَن؟..» ويريد أن يسمع مني إجابة عنه، فإنه قد رأى، بحمد الله تعالى، إجابة هذا السؤال المتخرص بأم عينه أمس. أما أنا فقد كنت أرى ذلك منذ أول أمس. ولذلك كتبت مرارا وتكرارا ورفعت عقيرتي أنذر وأحذر، وسأظل أنذر وأحذر مما سيجئ به دعاة النقمة والخراب في الغد، وهم لن يكفوا عن محاولاتهم المتصلة المحمومة المسمومة لتقويض أمن البلاد وتحطيم نظامها الإسلامي الإنقاذي.
    تجربتي مع حزب البعث:
    وأما الاستنتاج المغرض الذي جاء به الأستاذ عثمان، القائل بأني أدعو إلى دولة مماثلة لدولة حزب البعث في العراق: «في رأي وقيع الله أن مبلغ نجاح الحركة، أنها تحولت الى دولة حديثة بجيش مهيب.. وجهاز امن متين مكين ركين.. وهي بالضبط ذات الصفات التي انتقل بها حزب البعث في العراق من مجرد حزب الى «دولة حديثة بجيش مهيب وجهاز أمن متين ومكين ركين» بلغت من القوة أنها كانت على مرمى حجر من تصنيع القنبلة النووية..» فهو استنتاج غير موضوعي ينضح بالغرض وبالتخرص.
    حيث أني لم أقل إن ذلك هو مبلغ نجاح الحركة الإسلامية السودانية، وإنما قلت إنه جزء من انجازاتها لا غير، ولذلك أقول للأستاذ عثمان إن عبارة: «مبلغ نجاح الحركة»... قد جاءت من «عندياتك» كمجرد تزيد أضفته إلي، وهو تزيد لا أقبله منك، وإني راده لا محالة عليك، فلو كنت أريد أن أقول هذه العبارة أو ما فيها معناها لقلتها بنفسي ولم انتظر أن تقولني إياها!
    ثم إني أريد أن أسال الأستاذ عثمان لماذا ترى أن قولي عن الجيش المهيب والأجهزة الأمنية المتينة المكينة الركينة لا ينطبق إلا على دولة البعث العراقي وحدها، ولا ينطبق على غيرها من دول الدنيا؟! ألا ينطبق هذا القول على أكثر دول الدنيا، وينطبق أكثر ما ينطبق على دول مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا والهند والأرجنتين وجنوب إفريقيا وغيرها من الدول الغربية التي تمتلك جيوشا مهيبة وأجهزة أمنية متينة ومكينة وركينة ؟! بلى! ولكن هذا ما لا يريد الأستاذ عثمان أن يراه، ولذلك فهو يلوي عبارتي ليا كما يشتهي ليضعني بهواه قريبا من نموذج البعث..!!
    وبمناسبة حزب البعث العراقي الذي يتحدث عنه عثمان بهذه اللهجة اليوم، فأظن أنني سأكون مصيبا، لا متفاخرا، إن قلت إنني كنت من ضمن كتاب قلائل جدا في العالم العربي، تصدوا للكتابة النقدية الفاضحة لجرائم حزب البعث العراقي ودولته فيما بين عامي 1985م- 1988م، وهي الفترة التي كانت فيها أكثر دول العالم العربي تساند نظام البعث العراقي ضد إيران. وقد كتبت في تلك الفترة عديد المقالات في صحف كـ «الراية» و«ألوان» و«صوت الجاهير» ضد ذلك النظام البغيض، ثم أصدرت كتابا بعنوان «أكذوبة حزب البعث» في عام 1990م وهو الكتاب الذي صادره نظام الإنقاذ الذي كان يقف مع العراق بعد أن كان يقف مع إيران، وأنا لم أقف مع إيران لا أمس ولا اليوم، ولم أقف مع دولة البعث في العراق، بل ناصبتها العداء طوال الوقت، ولكني لم أتقول عليها كذبا، ولم أقل عنها ما يتقوله عليها الأستاذ عثمان اليوم، حيث قال إنها كانت على مرمى حجر من انجاز السلاح النووي، وهو الزعم النكر الذي جاء به الصهاينة، والمحافظون الجدد، واتخذوه ذريعة لغزو العراق، وتحطيمه، ونهب ثروته، وهو زعم اتضح زيفه وكذبه فيما بعد.
    حقا إني كنت أعادي نظام البعث العراقي بكتاباتي، أشد العداء، ولكني لم أكن أحرض عليه، ولم أدع إلى إسقاطه وتحطيمه، لأني كنت أعرف أن ذلك يجر إلى فساد أعظم بكثير من فساد البعث، وهو فساد الفوضى والحرب الأهلية المريعة التي تلف عراق اليوم، لقد كنت في خصامي لحزب البعث العراقي شريفا أقول كلمة الحق وحسب، وكنت أقولها، بحمد الله تعالى، متحررا من كل هوى وقيد. وأما مصادرة حكومة الإنقاذ لكتابي عن«أكذوبة حزب البعث» فهي مسألة انتقد حكومة الإنقاذ عليها، ولا أحاربها من أجلها، فإني لا أعادي الدولة لشأن خاص، وهذا هو الفارق المائز بيني وبينك يا أستاذ عثمان.
    «وفي الحلقة القادمة أعود بإذن الله تعالى لأتحدث بالتفصيل عن جهاز الأمن والمخابرات الوطني، حيث سأعرب عن رأيي الصريح المتكامل فيه».
                  

05-15-2008, 03:54 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    العدد رقم: 898 2008-05-14

    بين قوسين
    اعتقال الترابى: هل هوالطبعة الثانية من الهجوم التشادي؟ (1-2)

    عبد الرحمن الزومة
    كُتب في: 2008-05-14




    ساذج هو الذى يظن أن ما حدث يوم السبت الماضى هو فقط من أجل احداث فوضى فى الخرطوم واثارة الرعب بين الناس وقتلهم. ان كل الدلائل والمنطق يقول ان العملية كانت عملية ضخمة وشاملة بقصد الاستيلاء على السلطة بالقوة. القوة المهاجمة كانت لها أهداف محددة وهى ثلاثة: الاذاعة والقصر الجمهورى والقيادة العامة لقوات الشعب المسلحة. والذى يستولى على تلك المرافق الثلاثة فانه من (الناحية الفنية) يكون قد استولى على السلطة. ان الأسلحة والمعدات والتجهيزات التى كانت بحوزة القوة وحجم (القيادات) المشاركة فيها كل ذلك يؤكد ذات المعنى وهى ان العملية بقصد الاستيلاء على السلطة.
    واذا كان ذلك كذلك فانه ساذج أيضاً ذاك الذى يعتقد أن حركة بهذا الحجم والقصد من الممكن أن تأتى الى الخرطوم دون (تواطؤ) مع بعض القوى (السياسية) فى الداخل. والآن دعونا نبحث عن تلك القوى السياسية فى الداخل وفى الذهن والبال بطبيعة الحال حملة الاعتقالات التى شملت عدداً من قيادات المؤتمر الشعبى على رأسهم زعيم ذلك الحزب حسن الترابى والأمين السياسى بشير آدم رحمة. السؤال هو من هى أقرب جماعة سياسية فى الداخل يمكن أن تكون (عوناً) لأولئك الغزاة؟ من أقرب اليهم سوى حزب المؤتمر الشعبى وزعيمه حسن الترابى؟.
    نحن لا نملك الآن غير أن نحلل ونرجع الى بعض (الأحداث) والتطورات و(التحركات) الصغيرة والتى ربما تبدو وكأن لا رابط بينها غير أن (الرابط) أظهر من الشمس فى رابعة النهار. العلاقة بين خليل ابراهيم وبين حزب الترابى كانت حاضرة فى كل مفاصل المرحلة الفائتة. كل وسائل الاعلام كانت تربط بين (مسجونى المحاولة التخريبية) وبين حزب الترابى. وحزب الترابى نفسه أعطى (الدليل) على تلك الرابطة وذلك باصراره على اطلاق سراحهم كـ(شرط) للتفاوض مع المؤتمر الوطنى. لقد اتضح الآن ان الهدف من ما سمى بمفاوضات اعادة توحيد الحركة الاسلامية كان فقط اطلاق سراح أولئك المحكومين والذين يسميهم الترابى (معتقلين) تابعين لحزبه مع أنه ابان محاكمتهم كان ينفى علاقته بهم. أصر الترابى على ذلك الشرط لدرجة أن المفاوضات توقفت أو فشلت بعد أن رفضت السلطات اطلاق سراحهم بعد أن كاد (صاحب القلم) أن يبصم على القرار القاضى باطلاق سراحهم!.
    هذه واحدة أما الثانية فهى ان (كل) قيادات الحزب كانت (خارج الخرطوم) لحظة الهجوم. الترابى كان فى سنار حيث قضى فيها أربعة أيام مع أن سنار (فركة كعب) من هنا ويمكنه (المبيت) فى بيته. حتى زوجته السيدة وصال المهدى والتى لم يعرف عنها حبها للأسفار كانت خارج العاصمة. الترابى حضر الى الخرطوم الساعة الثانية من صبيحة الاثنين وتم اعتقاله الساعة الخامسة. عبد الله حسن أحمد كان خارج الخرطوم ولأكون (صادقاً) لم يكن يوجد فى الخرطوم سوى الحاج آدم والذى يعتقد على نطاق واسع أنه (المسئول العسكرى) للحزب! اننى لست (محققاً) فى جهاز الأمن غير أن ربط بعض أجزاء من (الصورة) المهشمة ربما تساعد على فهم بعض توجهات القوى السياسية خاصة اذا كان الأمر يتعلق بتفسير ما حدث فى الخرطوم ظهيرة السبت الأسود!...

    السودانى
                  

05-15-2008, 04:00 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    العدد رقم: 898 2008-05-14

    الحركة الإسلامية والإنقاذ.. التقمهما الحوت فهل من مسبح؟ (4)المام كل طرف بتفاصيل الاخر خفف من حدة المواجهة

    بروفيسور مصطفى إدريس البشير



    هنا لا بد من الإشارة الى أن شخصية الشيخ الذي ظل على رأس الحركة أربعين عاما ومن بعد ذلك أصبح يقود الدولة معها لعقد من الزمان، كان لشخصيته المتفردة كثير من الآثار السلبية التي أدت لتأجيج الصراع وانتهت بنا الى الانقسام. فالشيخ يفوق من حوله عشرات المرات في تفكيره ونظرته الثاقبة للأمور وسرعة البداهة والقدرة على الإقناع والجرأة في طرح الأفكار والمبادرات. وقد أثبتت التجارب عبر السنين الطويلة، التي قاد فيها الحركة كما اسلفت في الحلقات الماضية، أنه يتمتع بصفات كثيرة أهلته للقياده دون ظهور منافس كفء، وربما ترتب عن ذلك بمرور الزمن في العلاقة بينه وبين أتباعه كبارا وصغارا ما يشبه نظرة الشيخ التقليدي الى حيرانه الذين يتلقون منه التعليمات دون نقاش عميق، بحكم الثقة المطلقة والتجارب التأريخية الناجحة الثرة. ولكن بعد الدخول في مرحلة الدولة والسلطة والنفوذ لم يعد ذلك ممكننا، كما كان سابقا (الكتوف اتلاحقن)، ولم يدرك الشيخ تلك الحقيقة بكل أسف، فبدأ البعض في التفلُّت على الشيخ، بل التحريض ضده كما كنا نشهد في بعض المجالس داخل السودان وخارجه.
    ومن صفات الشيخ القيادية ايضا، والتي كان لها انعكاساتها السلبية في مسيرة الحركة والدولة، شدته في طرح الرأي الذي يؤمن به للدرجة التي تبلغ القسوة مع الآخرين في بعض الأحيان، وهي صفة قديمة عنده. وأورد للقارئ حادثة شهدتها عام 1983 عندما كانت الحركة الإسلامية تشارك في السلطة مع النظام المايوي وبدأت تتمدد في الساحات كلها بما فيها وسائل الإعلام الرسمية للدولة مما أثار حفيظة المايويين التأريخيين فأوعزوا للرئيس نميري بأن الإخوان المسلمين كادوا يسيطرون على كل شئ، وساقوا له أمثلة بنشاطات كثيرة موثقة في وسائل الإعلام الرسمية للدولة، فقام النميري وبطريقته المعهودة في التعامل مع وزرائه باستدعاء أحد الوزراء من الإخوان في وزارة سيادية وقال له بالحرف الواحد في لهجة تحذيرية، كما حكى ذلك الوزير نفسه "نحن متابعين الحاجات البتعملوا فيها دي أحسن تعملوا حسابكم"، وأذكر من الأنشطة التي جرت وقتها في تلك الفترة المسيرة المليونية لدعم تطبيق الشريعة وانعقاد المؤتمر العام للجمعية الطبية الإسلامية الذي رافقه بعض الزخم الإعلامي وأشياء أخرى كثيرة، وقد التقينا مع ذلك الوزير في عشاء ضم مجموعة صغيرة منتقاة في حضور الشيخ في بيت المرحوم الدكتور التيجاني أبو جديري، الذي كان من المقربين جدا من الشيخ الترابي، ويبدو ان اللقاء كان مرتبا له مسبقا لطرح ما ذكره الرئيس نميري من تحذيرات للحركة الإسلامية للشيخ في حضور حِبّه التيجاني، وما أن بدأ الوزير في الشكوى من تزايد النشاط الإخواني وخطورة الموقف على الحركة وأنه لا بد من أن نحافظ على ثقة الرئيس.... عندها تدخل الشيخ وقاطعه بلهجة الغاضب جدا واستخدم عبارات قاسية جدا في حق الوزير الذي هو من أبناء جيله ومن السابقين الأولين في الحركة، واضطررنا نحن الصغار للانسحاب الفوري من الصالون.. ومن وقتها ارتسمت في ذهني جوانب أخرى من شخصية الشيخ القيادية وأستطيع على ضوئها أن أجد بعض المبررات للذين قاموا بإعداد وتقديم مذكرة العشرة وإصدار قرارات رمضان وصفر وما تبعها من أحداث.
    وفي ذات السياق أذكر أنه في منتصف سبعينات القرن الماضي أيضا عندما كان أخونا المرحوم محمود برات، عليه رحمة الله، يكتب ويوزع للإخوان نشرات من حين لآخر يعارض فيها أفكار الشيخ ويتطرف جداً في نقده له... وقد قمنا نحن مجموعة من طلاب جامعة الخرطوم بزيارته في منزله العامر فأكرم ضيافتنا وحدثنا بثقافته الموسوعية عن كل شئ، وعندما طرحنا عليه: لم لا تجلس مع الشيخ وتحاوره مباشرة فيما يطرحه من آراء؟ قال بالحرف الواحد: "لا أستطيع اقناع الترابي". ومما ترتب على بقاء الشيخ لفترة طويلة في القيادة والنجاحات التي حققها أنه أصبح يثق في نفسه ثقة مفرطة دون الاعتبار الكبير لما يجري من حوله من متغيرات وصراعات وتحول في الولاء قبل وقوع الانشقاق، فقد كان يصر على مواقفه ويرفض تقديم أي تنازلات أو حتى إرجاء بعض المسائل المطروحة لفترة لاحقة رغم الوساطات النشطة ومن أقرب المقربين اليه، والتي كانت تتحرك على مدار الساعة بين القصر وبيت الضيافة والمنشية والمجلس الوطني واستطاعت أن تجمع بينه وبين الرئيس في أحلك ساعات الأزمة ويبدي الرئيس بعض التنازلات ويقوم بتقبيل رأسه في آخر جلسة جمعت بينهما، ولكن كان الشيخ يصر على شروطه كاملة للحل مما جعل الأمور تتفاقم بعد ذلك وتصل إلى الانقلاب الذي لم يحسب له الشيخ حساباً بسبب هذه الثقة المفرطة التي كان يتعامل بها مع الأحداث المتلاحقة.
    ولعل هذه الثقة المفرطة هي التي جعلته يستهين بالانقلاب الذي تم في رمضان وفي صفر، وقد لمست ذلك فيه عندما طلب مني مقابلته بعد الانشقاق وقد كنت وقتها أمينا للدائرة الصحية التي اجتمع مجلس شوراها بعد الانشقاق مباشرة وصوّت ستة عشر، من جملة سبعة وعشرين عضوا حضروا الاجتماع، لصالح الانضمام للمؤتمر الشعبي وسبعة للانضمام للمؤتمر الوطني وثلاثة وقفوا في الحياد كنت واحدا منهم. دار بيني وبينه حوار طويل في جلسة ثنائية حول الأزمة التي حدثت وحددت له موقفي منها، وقد لمست منه تلك الثقة المفرطة بأن هذه الأوضاع ستتغير ولا بد أن يعود الحق إلى نصابه، رغم أني قد حاولت لفت نظره بلطف بأن هناك شخصيات مفتاحية لحسم هذا الصراع اذا لم يضمن وقوفهم معه فقد تكون المهمة صعبة في اعادة الأمور إلى نصابها، ومن الشخصيات التي ذكرتها له بالتحديد: عوض الجاز ومجذوب الخليفة ونافع علي نافع.
    أيضا من الصفات الشخصية للشيخ والتي أدت لتفاقم الأزمة في مثل تلك الظروف التي ساد فيها القيل والقال هي السخرية والمحاكاة والمزاح الخشن الذي يمارسه الشيخ مع جلسائه وفي كثير من الأحيان على المنابر العامة، وقد وجد المشائون بالنميم مرتعا خصبا، فقد كانوا يتنقلون بين مجالس الشيخ ومجالس الفريق الآخر وينقلون كل ما يقال بعد الدبلجة والإخراج الفني المثير... فزادوا في إيغار الصدور.
    وبالرغم من اني شخصيا كنت أرى وقتها بأن الحق، في مجمل ذلك الصراع الذي كان يدور، مع الشيخ، ولكنه اراد أن ينتصر له بطريقة غير مألوفة في الطبع السوداني وفي دول العالم الثالث على وجه العموم. كما أضرت به الثقة المفرطة في نفسه وعدم التريث في طرحه لتلك الأفكار ليخلق لها تيارا عريضا مناصرا وسط القواعد ويضمن وقوف بعض الشخصيات المفتاحية في الحركة الإسلامية والدولة بجانبه لتسانده في هذا التوجه الذي كان يريده. وأغلب الظن عندي أن كثيرين منهم اجتهدوا عندما بلغت الأزمة ذروتها وقرروا مساندة الدولة للحفاظ على المكتسبات التي تحققت عبرها، رغم قناعتهم بصحة ما كان يطرحه الشيخ.
    في أوج ذلك الصراع وقبيل الانشقاق الذي حدث وحين كانت الأزمة وقتها بين المجلس الوطني والمؤتمر الوطني من جهة (الشيخ)، والقصر وأنصاره من جهة أخرى، دخلت على أحد اخواني العسكريين النافذين في السلطة فوجدته مهموما مغموما محبطا وليس من عادته ذلك في أحلك الظروف التي مرت بها الإنقاذ، فسألته لماذا هو في هذه الحالة؟ فلم يزد أن قال لي إخوانك الكبار ديل دايرين يبوظوا علينا مشروعنا اللي قدمنا فيه آلاف الشهداء بي الجدل الفارغ.. ثم دار وقتها بيننا حوار طويل حول تفاصيل ما يجري، وقلت له في نهايته أنا عندي حل لهذه الأزمة فقال لي ما هو فقلت له الآتي:
    "توجه للأخ الرئيس من مكانك هذا وأقنعه بأن يدعو أسماء بعينها من القيادات النافذة في الدولة والحزب إلى بيته في القيادة العامة لاجتماع مهم جداً، وتقوم أنت بتجهيز طائرة هيلوكبتر تحملهم فيها من المطار الحربي إلى سجن دبك القريب من الخرطوم وتقطع عنهم كل الاتصالات لمدة 72 ساعة ويطلب منهم أن يخرجوا بورقة مكتوبة لحل الأزمة يوقعوا عليها جميعا (سميت له ثلاثة عشر من القيادات ومعهم خمسة من المشايخ لإمامة الصلاة والوعظ عقب الصلوات الخمس دون المشاركة في الحوار)، في حضور المشايخ الخمسة وإذا لم يصلوا إلى حل خلال الزمن المحدد يبلغوا بأنهم لن يغادروا المكان أحياء ويمهلوا 24 ساعة أخرى فإذا لم يتوصلوا الى حل تحملهم الطائرة وتهوي بهم في النيل قبالة الخرطوم وتنتشل الجنائز ونصلي عليها في المؤتمر الوطني وندفنهم بجوار بعضهم في مقابر الصحافة وندفن معهم أزمة الحركة الإسلامية والإنقاذ ونبدأ عهداً جديداً.. فضحك صاحبي وقتها وظن أني أمزح، ولكنه على أقل تقديرخرج من الحالة التي كان فيها".
    وإن كنت ما أزال مقتنعا بأن أزمة الحركة الإسلامية سببها هؤلاء الأفراد الذين لا يتعدون أصابع اليدين، وأنهم إذا تنحوا أو غيبوا بطريقة أو أخرى يمكن أن تستعيد الحركة والدولة عافيتها وتبدأ دورة جديدة تكون خيراً وبركة على الأمة السودانية والأمة الإسلامية جمعاء. فما أدري ان كان بالإمكان تطبيق السيناريو أعلاه في الوقت الحالي بعد أن رحل صاحبي وبعض من سميتهم له إلى الدار الآخرة، وأسأل الله أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته اخوانا على سرر متقابلين، بجوار علي وعمار وطلحة والزبير وعائشة.



    الانشقاق المشؤوم



    مهدت كل تلك الأحداث لقرارات رمضان ومن بعدها قرارات صفر وحدث الانشقاق وتمايزت الصفوف ودخلنا مرحلة جديدة من أسوأ وأسود صفحات تاريخ الحركة الإسلامية في السودان، تعثرت فيها مسيرة الدولة وماتت فيها الحركة الإسلامية موتا سريريا. ولم تفلح حتى الآن كل المحاولات التي جرت لرأب الصدع من لدن لجنة عبد الرحيم علي إلى لجنة آدم الطاهر حمدون - التي تتحرك هذه الأيام بصورة نشطة وتواجه صعوبات معلنة وغير معلنة من ذات الأفيال. فقد درج الذين لا يريدون للجماعة أن تلتئم من جديد على اختراق تلك اللجان وتفتيتها من الداخل، وقد شهدت ذلك في لجنة أستاذنا صلاح أبو النجا، امد الله في أيامه، والتي أفلحت في بداية مسعاها وجمعت أكثر من مائة وخمسين من قيادات الطرفين في اتحاد المصارف وتم التوقيع على ميثاق شرف واستبشرنا خيرا، ولكن سرعان ما تم اختراق اللجنة وتم تعطيلها من داخلها والحديث يطول ويطول هنا عما آل اليه حال تلك اللجنة ومثيلاتها من قبل.
    ومما نحمد الله عليه، رغم المصيبة الفادحة في الفرقة وتشتت الصف، اننا لم نشهد مواجهة مسلحة بين الطرفين، ويرجع السبب في ذلك -بعد لطف الله سبحانه وتعالى- إلى الاختراق الأمني المتبادل العميق حتى النخاع بين الطرفين الذي خفف من حدة المواجهة وأبعد احتمالات الاقتتال، اذ كان وما زال كل طرف يلم بتفاصيل ما يدور في كواليس الطرف الآخر فيتم عمل التحوطات اللازمة قبل التهور في اجراءات عملية ضد الآخر. ومما خفف من مضاعفات الأزمة أيضا المهنية العالية التي تعامل بها جهاز الأمن والحكمة التي أدار بها الأزمة وابتعد بها عن اراقة الدماء، رغم ما يكال له من اتهامات، فقد حشدت الحركة الإسلامية لجهاز الأمن مع قيام الإنقاذ نخبة ممتازة من أبنائها من كل التخصصات بما فيهم الأطباء والمهندسون وحملة الشهادات في علوم الشرع والقانون، وكان على رأسه استاذ جامعي تم تعيينه في رتبة لواء ليقود الجهاز، كل ذلك ساعد في احتواء الأزمة على الأقل في المركز في أضيق نطاق، وإن لم يمنع من افرازاتها في الأطراف كما هو الحال في أزمة دارفور والشرق.
    وقد راوحت الأزمة مكانها لسنوات دون حل يجمع الطرفين، كما كنا نتوقع في بادئ الأمر، لأن كثيرا من الذين في السلطة أصبحت تجمعهم عصبية المصير المشترك والمصالح المكتسبة والضغوط الخارجية القريبة والبعيدة والخوف من عودة الشيخ إلى الصدارة مرة أخرى، كما عبر أحد كبارهم بعد مقابلة لجنة المهندس حمدون الأخيرة، حيث نقل عنه أنه قال بصريح العبارة لجمع تنظيمي مخصوص إنهم في قيادة الدولة ضد أي حل يعود بالترابي مرة أخرى إلى الواجهة وبأي صفة كانت، ويبدو أنه يرد على ما قاله الترابي في حوارات سابقة مع الدكتور غازي اطلعت على تفاصيلها مكتوبة، حيث ورد في شروط الترابي لجمع الصف أن يبقى بعض القياديين ممن خاضوا في الفتنة في مؤخرة الصف حتى الممات، ويا له من حكم قاسٍ.
    وأما الذين تمترسوا حول الشيخ فمنهم أصحاب البيعة الخالصة لبرنامج الحركة الإسلامية، ومنهم أصحاب الولاء والصحبة التأريخية، ومنهم أهل العصبية الطائفية التي أصبحت كمثيلاتها الأخرى في الساحة السودانية، ومنهم من التف حول الشيخ بحسبان أنه سيحسم القضية مع خصومه في وقت وجيز ومن ثم يعودوا إلى المناصب التنفيذية التي أعفوا منها قبل الأزمة، ولكن طال الانتظار وصعب الفطام من ثدي السلطة فتبدلت مواقف بعضهم وانزوى آخرون.
    وعند التأمل في كسب كلا الطرفين خلال الفترة الماضية ندرك فداحة الأزمة والخسارة التي ألمت بالحركة والدولة والنفق الذي أدخلنا فيه البلاد برمتها. فإذا بدأنا بما أصاب الدولة فأول مصيبتها بعد الانشقاق كانت في موت الحزب الحاكم الذي حل محله (جهاز الأمن الوطني) الذي يسير دولاب الدولة ويتبنى أطروحاتها السياسية. وقد سمعت أحد المسؤولين الكبار يقول ان من أكبر العقبات التي تهدد الإنقاذ هو موت حزبها الذي يفتقر لأي مبادرة ناجحة عبر السنوات الماضية سوى نيفاشا، وما أدراك ما نيفاشا.
    حسنا فعلنا بالتوجه إلى السلام وعقد الصفقات مع بعض المحاربين في الجنوب والشرق والغرب، ولكن لن تحل المشكلة باقتسام المناصب والثروة وبناء العمارات الشاهقة للقيادات في قلب الخرطوم وتمليك السيارات الفارهة، فهذه الترتيبات قد تكون ضرورات عاجلة لإسكات المدافع إلى حين ولا أظنها أفلحت في ذلك، فكان لا بد أن يصحبها عمل قاعدي واسع ومدروس لاستيعاب هؤلاء المحاربين فكريا لصالح المشروع الوطني الكبير الذي يمثل فيه الإسلاميون وطرحهم الفكري رأس الرمح، وهذا هو دور الحزب الحاكم المرتجى منه، ولا أظن أنه مؤهل للقيام به، فحاله في التعامل مع المعطيات التي تفرضها اتفاقيات السلام الموقعة كحال الاتحاد الاشتراكي في مايو عندما تصالحنا مع نميري واستطعنا أن نبدل كل شئ في البلاد في أقل من عشر سنين بما فيها مواثيق الحزب الحاكم وشعاراته وتوجهات الدولة، وأخشى أن يحل بنا ما هو أسوأ من مصير الاتحاد الاشتراكي ودولته فتسقط دولتنا وتقع في أيدي من لا علاقة لهم بالوطن أو الوطنية وتصبح حالنا أسوأ من حال العراق والصومال وأفغانستان، فأين مبادرات الحزب الحاكم لاستيعاب الظروف الجديدة التي فرضتها اتفاقية نيفاشا وأزمة دار فور؟ وأين دوره في وقف التداعيات السلبية لسيل القوات الأجنبية التي تتدفق على البلاد؟ وما هي خططه لاستقبال الانتخابات القادمة؟ وما هو دوره في التراجع المستمر عن شعارات طرحناها في بداية الثورة وجمعنا تحتها شريحة كبيرة من السودانيين الغيورين على وطنهم ودينهم؟
    فهذه أسئلة صعبة لا يمكن الإجابة عنها بالتخبط والقرارات غير المدروسة التي تتخذ أحيانا في الهواء الطلق وما نلبث أن نبلعها أو نجد لها مخارجات مضحكة، ولا يمكن أن يكون الحل بعنتريات بعض اخواننا الأعزاء وتحديهم للآخرين بطريقة (أطلع معانا الخلا... نتباطن) كما كنا نفعل في زمان الصبا الماضي... ولا أرى الحل في الحشود الجماهيرية التي تبذل فيها المليارات وتنفض بعد مغادرة الزعيم المحتفى به، ولا البيعات مدفوعة الثمن للوجهاء الذين هم مع من يدفع أكثر في ساعة الصفر، كما دلت تجارب سابقة.



    السودانى
                  

05-15-2008, 09:22 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    العدد رقم: 899 2008-05-15

    بين قوسين
    اعتقال الترابى: هل هو الطبعة الثانية من الهجوم التشادى (2-2)

    عبد الرحمن الزومة
    كُتب في: 2008-05-15




    فى محاولتى للاجابة على سؤال مهم يتعلق (بالجهة) أو الجهات المحلية التى يمكن أن تكون (متواطئة ) مع هجوم (المرتزقة التشاديين) خلصت فى الحلقة الماضية الى (ترصد) بعض الشواهد والأحداث التى ربما تساعد على تفسير ما حدث وتشرح فى نفس الوقت التحركات والتصرفات التى قامت بها قيادات حزب المؤتمر الشبعى وعلى رأسهم زعيمه السيد حسن الترابى.
    من النقاط المهمة و(اللافتة) لانتباه أى مواطن عادى دعك من كونه محققاً عدلياً يحقق فى واحدة من أخطر (الاختراقات) الأمنية والسياسية التى شهدها السودان فى عهد الانقاذ الوطنى وهو أمر لم يحدث حتى ابان سنوات الحرب, من تلك النقاط التى لفتت انتباهى أن (كل) قيادات الحزب (تصادف) أن كانوا (خارج العاصمة) فى الفترة التى سبقت الهجوم وأثناءه!.الترابى كما قلت قضى أربعة أيام فى (سنار) بحجة الاشراف على مؤتمرات حزبه وهو وقت لم يقضه فى الجنوب اذ مكث هنالك يومين اثنين فقط.
    أما نائبه ابراهيم السنوسى فأمره أعجب. سافر الرجل الى الأبيض بينما كانت زوجته على فراش المرض بحجة تلقى (العزاء) فى وفاة (ابن اخته) والذى تلقى فيه العزاء هنا فى الخرطوم. ذهب السنوسى الى الأبيض بينما كل أهل المتوفى موجودين فى الخرطوم. السنوسى جاء الى الخرطوم بعد وفاة زوجته يرحمها الله.
    نائب الأمين العام للحزب عبد الله حسن أحمد يعتقد أيضاً أنه كان خارج الخرطوم وان كانت الحجة التى بموجبها كان هنالك غير معروفة لدى. أما اذا أردنا أن نستعرض (خريطة) الذين تم اعتقالهم مع الترابى فيلفت نظرنا مسئول الحزب فى كرفان ومعروف أن كرفان كانت (محطة) محورية فى تحرك المرتزقة التشاديين. لقد كانت كردفان (هدفاً) لمتمردى حركة العدل والمساواة منذ زمن واتضح أخيراً أن معارك ضارية دارت فى شمال كردفان قبل هجوم المتمردين وبعده وآخر تلك المعارك هى التى دارت عصر الأحد وكانت معركة فاصلة قتل فيها ما يقرب من خمسين من قادة حركة خليل ابراهيم وعلى رأسهم المدعو (الجمالى) والذى يعتقد أنه الساعد الأيمن و (كاتم سر) المتمرد الهارب خليل ابراهيم.
    أما المسئول السياسى للحزب بشير آدم رحمه فقد شاهد كل الناس بعض ضباط الأمن وهم يستعرضون بعض (الوثائق) التى ضبطت مع المرتزقة الغزاة ومن ضمنها خطاب معنون الى ( الأخ بشير آدم رحمة). وبطبيعة الحال فان التحقيقات التى تجرى الآن ستكشف الحقيقة من الخيال. ولعل بعض قادة الحزب الذين لم يشملهم الاعتقال شعروا بـ (خطورة) الوضع فقد بدأوا فى اطلاق التصريحات (الاستباقية) اذ قال بعضهم لقناة (الجزيرة) ان الاعتقالات محاولة من الحكومة للتغطية على (فشلها) فى التصدى (الاستخبارى) للغزو! ملاحظة أخيرة (غير ذكية) وهي أن المؤتمر الشعبي هو الحزب الوحيد الذي لم يسجل إدانة للغزو.
    آه ... هنالك نقطة (فاصلة) تدحض كل (الايحاءات) التى سقتها للربط بين الترابى وبين الحركة الأخيرة و(تنسفها نسفاً) وهى عبارة أطلقها الترابى من سنار وذلك بينما كانت عربات المرتزقة تشق الفيافى لتستولى على السلطة فى الخرطوم: قال الرجل (لا فض فوه) انه يعارض أى انقلاب عسكرى ضد السلطة القائمة! هنالك ثلاثة قراءات لذلك التصريح : اما أن الرجل ربما يريد أن يعيد ما قاله قبل أسبوع من انقلاب (30 يونيو) أو مجرد (تلاعب بالألفاظ) واستخفاف بعقول الناس وهى صفات عرف بها الرجل منذ خلقه خالقه أو أنه يعتقد أن هجوم السبت ليس (انقلاباً عسكرياً) والله أعلم.
    السودانى
                  

05-20-2008, 05:51 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    المحبوب عبد السلام فى حوار غير تقليدي مع «أخبار اليوم» حول أسرار تنشر لأول مرة
    بتاريخ 14-4-1429 هـ
    القسم: الحوارات
    هذه هى التفاصيل الكاملة للقاء الذى جمع الدكتور الترابي ومدير عام المخابرات والعمليات الفرنسية بمطار باريس حول تسليم كارلوس
    { فى نيفاشا كنا نساهم بالرأي عن طريق وفد الحركة الشعبية والترابى كتب ورقة حول علاقة الدين بالدولة بناء على طلب وسطاء الايقاد {
    { لاعلم لى بزيارة على عثمان لمدير الاستخبارات ليلة 29 يونيو وشاي المغرب الذى شربه الترابي مع الصادق للتمويه {
    اجراه :عبد الرازق الحارث
    الاستاذ المحبوب عبد السلام ابرز شباب الحركة الاسلامية الذين اصطفاهم الدكتور الترابي الامين العام للمؤتمر الشعبي وعراب الانقاذ السابق والزعيم الروحي للحركة الاسلامية ليبقوا بجانبه فى معاركة الفكرية حيث ظل يدافع عن شيخه بقلمه ولسانه ويتصدي لخصومه بجسارة وبرهان
    والرجل شاهد على العصر حيث ظل قريبا من الترابي ترجمانه وسيفه ودرعه يقاتل عنه بالسيف الراعف ويسانده فى ظل الحكومة او عندما تشتد المعارضة ويطول الدرب
    اخبار اليوم جلست الى المحبوب عبد السلام امين العلاقات الخارجية بالمؤتمر الشعبي فى حوار لم تنقصه الصراحة اجاب على اسئلتها بكل الصدق والوضوح حول مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية فى جنيف واسرار وخفايا 30 يونيو والعلاقة مع الحركة الشعبية بعد وفاة قرنق وتسلم سلفاكير وملف تسليم الارهابى الدولى كارلوس فالى التفاصل
    { مذكرة العشرة كانت القشة التى قصمت ظهر بعير الحركة الاسلامية وكانت مفاجأة داخل حزب واحد {
    { كنا نرتب لعقد لقاء مابين الدكتور الترابي والدكتور جون قرنق برعاية البرلمان السويسري فى جنيف {
    {المذكرة التى وقعتها كممثل للمؤتمر الشعبي مع الحركة الشعبية كانت القشة التى قصمت ظهر البعير للمرة الثانية فى الحركة الاسلامية؟
    انفرجت اساريره عن ابتسامة هادئة ثم ابتدر حديثه قائلا« أنا شخصياً لم اكن اقدر أن المذكرة ستحدث كل ذلك الوقع الذى حصل وتصبح معلما فائقا فى التاريخ كما فى السؤال احد الاخوة اسمى كتابه الحركة الاسلامية صراع الهوي والهوية ولكن العنوان الجانب كان مذكرة العشرة الى مذكرة التفاهم ولعلك تقصد أن القشة الاولي كانت مذكرة العشرة والقشة الثانية كانت مذكرة التفاهم.
    يمكن المذكرات يكون فيها هذا الجانب انك انت لاتقدر وانت تكتبها وانت توقع عليها او يوقع عليها عدد من الناس او يكتبوا بنودها لا يقرأوا جيداً المستقبل يقرأوا بعض الاثار ولكن لايحسبوا كل الاثار اظن هذا ينطبق ايضاً على مذكرة التفاهم .
    اعتدل قليلاً فى جلسة ثم قال «بالنسبة لمذكرة العشرة طبعا كانت هى مفاجأة داخل حزب واحد مفاجأة من جانب على جانب اخر
    لكن بالنسبة لمذكرة التفاهم كانت قى تقديرنا ونحن مقبلون على التفاوض على المذكرة كان فى تقديرنا اننا نريد أن نصل الخطوات التى بدأت بعد تأسيس المؤتمر الشعبي .
    واسهب محدثى الاستاذ المحبوب عبد السلام شارحاً حول هذه النقطة «المؤتمر الشعبي اراد أن يتجاوز منذ العام 1977 عام المصالحة الوطنية بدأت الساحة السياسية تتداعي بين القوي السياسية وبين يدي الانتفاضة الشعبية عام 1985 تباعدت المسافة بين الحركة الاسلامية والقوي السياسية وخاصة عندما وقعت القوي السياسية كلها مذكرة التجمع الحزبية النقابى آنذاك
    ثم جاءت الانقاذ فازدادت المسافة بين الاحزب ..
    وبالنسبة للحركة الشبعية والحركة الاسلامية كانا على طرفي نقيض كنا نحن طرف وكانوا هم الطرف الاخر كنا طرف الصراع كان كل منا على اخر ضد وهو ما ادي أن تكون العلاقات مابيننا حادة
    وانا البارحة كتبت مقالا فى الذكري السابعة لمذكرة التفاهم التى وقعت فى 19/2/2001م والاثنين الماضى مرت عليها سبعة سنوات .. والناس لاتقدر هذه المدة الطويلة مضى عليها وقت طويل منذ توقيعها المذكرة عندما اقبلنا عليها كنا نريد أن نكمل خطوات اصلاح ذات البين بين الحركة الاسلامية وقوي الساحة السياسية السودانية التى كما قلت بدأت تتباعد منذ المصالحة الوطنية مع النميري
    وتباعدت فيما بعد الانتفاضة وتباعدت فى فترة الحكم الحزبى برئاسة الصادق المهدي وتباعدت جداً بعد الانقاذ عام 1999 بحل البرلمان بدأ يتبلور خطاب جديد من قادة المؤتمر الشعبي خاصة الشيخ حسن الترابي كان يتحدث عن الحرية باشد مما كان يتحدث عليها فى أية مرحلة من مراحل حياته ويتحدث عن اللامركزية هذه هى المبادئ التى بدأ فيها الخلاف داخل الحركة الاسلامية عام 1998م
    الخلاف ضم الى بعضه شيئاً مافى اجازة الدستور الدائم عام 1998م
    ولكن الخلاف تفجر مرة ثانية مع قضية اللامركزية فى انتخاب الوالى وشعب الولاية تفجر الخلاف مرة ثانية وعندما جاءت 4 رمضان كانت بمثابة قطع طريق على اللامركزية فى السودان وكان خرقا للدستور هذا تحول كبير فى داخل الحركة الاسلامية ومفارقات بين صفيها ولذلك عندما مضينا الى مذكرة التفاهم كنا نريد أن نعبر الجسر الاصعب وهو الحركة الشبعية .. واستطرد قائلا: الحركة الشعبية كما كتبت فى مقالي قال لى ترباتى وهو مذيع فى اذاعة مونت كارلو وكان يريد أن يجري معى مقابلة قال لى انتم صورتم الحركة الشعبية لمدة 10 سنوات انها حركة انفصالية وأنها حركة صليبية وأن لها علاقات مع اسرائيل وأن رئيسها اسمه «جون»
    وهذه قناعة فى العالم العربي وكان خطابكم القوي بالتركيز على هذه المسائل وهى الحركة الشعبية نفسها بوصفها للانقاذ والحركة الاسلامية وهى تخاطب الغرب بأن هذا حزب دينى يحكم السودان وبالضرورة المواطن الجنوبى فيه مواطن من الدرجة الثانية هذا حزب غير أنه حزب دينى حزب مركزيته عربية واسلامية لذلك انتم فعلاً طرفى النقيض ونحن قلنا فى البيان التالي للمذكرة بعد توقيع المذكرة واعتقال شيخ حسن وحل الحزب وايقاف الجريدة وزير الاعلام انذاك الدكتور غازي صلاح الدين شن علينا حملة شديدة وقعنا بيانا أنا والاخ ياسر عرمان باسم اللجنة التى كانت هناك اللجنة المشتركة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي لمتابعة تنفيذ الاتفاقية وكنا نريد فى الشهر الخامس لان التوقيع كان فى الشهر الثاني
    فى الشهر الخامس كنا نريد أن نعقد لقاء بين الدكتور جون قرنق والدكتور حسن الترابي فى جنيف برعاية البرلمان السويسري وبين مايو وفبراير فى الوسط كنا نريد أن نعقد لقاءات فى مستوي اعلي بين القيادات الحزبية فى الطرفين المذكرة تحول كبير فى علاقة الحركة الاسلامية بالحركة الشعبية وفى علاقة الحركة الاسلامية بالجنوب والى اللقاء الذى كنا فيه قبل اسبوع بمدينة واو يوم الاحد الماضى تحديداً كنا فى مدينة واو
    كان هذا اللقاء فى مدينة واو هو من ثمرات مذكرة التفاهم بمعنى اذا بعد اتفاقية السلام والحركة الاسلامية ماتزال تضغط تقول الحرب هذه مشكلة هنالك جانب اخر اختفى سنوات الانقاذ فى الدعاية السياسية هو أن الحركة الاسلامية لها مجهود كبير فى رعاية العلاقة مع الجنوب منذ عام 1964 مؤتمر المائدة المستديرة مقترح الحكم الاقليمي جاء من الدكتور حسن الترابي فى عام 1985 مؤتمر الجبهة الاسلامية القومية اقرينا الفيدرالية .
    قبل عام 1987 كتبنا ميثاق السودان الذى اسس العلاقة فى السودان على المواطنة وليس على الدين وتولي المنصب العام
    وجاء دستور 1998 يؤكد أن الناس متساوين فى الوطن وفى الانتماء اليه كان هنالك المرسوم الدستوري الثاني عشر المؤقت والذى اعطي سلطات واسعة للاقاليم
    وعندنا تراث طيب من العلاقة مع الجنوب غطت عليها سنوات الجهاد وسنوات الانقاذ وكنا فعلا محتاجين لهذه المصالحة التاريخية.
    { الاستاذ المحبوب عبد السلام القرار النهائي لانقاذ 30 يونيو صدر من المكتب الخاص التابع للدكتور حسن الترابي الذى كان يتكون من 7 شخصيات وبه عدد من القيادات الامنية والعسكرية وفق التفويض الممنوح له بانقاذ مايراه فى مصلحة الحزب؟ حدثنا قليلا عن صراع التيارات مابين الانقلابيين والديمقراطيين وكيف حسم الخلاف؟؟
    كان هناك مجلس شوري الحركة الاسلامية ويتكون من 40 شخصا وكانت هنالك هيئة شوري الجبهة الاسلامية وفيها حوالى 300 شخص .. فى هيئة شوري الجبهة الاسلامية تم تفويض هئية قيادة الجبهة لاتخاذ ماتراه مناسباً فى ضوء الظروف التى حدثت فى ذلك الوقت
    وكان فى الشهر الثاني كانت هنالك مذكرة الجيش التى امهلت رئيس الوزراء اسبوعا وبمجرد ما اخطرت الجبهة القومية الاسلامية بأن الجيش تقدم بمذكرة امهلت رئيس الوزراء اسبوعا اعتبرت هذا انقلابا خاصة عندما استجاب رئيس الوزراء للمذكرة فاعتبر انقلاب ناحج لابعاد الجبهة القومية الاسلامية لذلك فى تلك الظروف فوضت الجبهة قيادتها فى اتخاذ ماتراه مناسبا فى التعامل مع الحالة السياسية .. مجلس شوري الحركة الاسلامية الذى يتكون من 40 شخصا ناقش هذه المسألة واعطى هذا التفويض لـ 7 اشخاص وهم الشيخ حسن الترابي ومعه ستى اخرون .. وكان هنالك حوار الكثير من الناس كانوا يعتقدون أنه اذا لم نتقدم للسلطة سيأخذها اخرون
    وأن البلد اصبحت مفتوحة لان الصراع وصل الى مداه والتشقق وصل الى مداه واذا لم نتقدم نحن سيتقدم اخرون الفراغات لاتستمر فى السياسة والحكم والدولة تأتى جهة تتقدم ، الجهة التى اكثر نظاماً وقوة والقوات المسلحة ستتقدم لاخذ النظام لذلك كان القرار فى مجلس شوري الجبهة الاسلامية فى هذا الاتجاه كانت هنالك قلة والقلة هم شخص او شخصان كانوا يرون أن الديمقراطية تصلح بنارها الهادئة لتنضج فيها الحركة الاسلامية وكانوا يرون أن الحركة غير مؤهلة فى استلام الحكم ،بالمقابل كان هنالك رأي يقول أن الحركة الاسلامية بها العشرات من التخصصات ،وكل تخصص تجد به العشرات من الاشخاص ولذلك ينبغي أن نتقدم لاخذ الحكم ولن تكون هنالك تجربة كتجربتنا لان كثير من الانقلابات وقعت فى افريقيا والعالم العربي الانقلاب شئ عادي لكن لم نجد كادرا جيدا فى الاحزاب البعثية الاشتراكية والقومية والماركسية التى استلمت البلاد مثل كادر الحركة الاسلامية . طبعا أي انقلاب يحتاج الى حزب يدعمه لكن دعمنا كان اوسع مما وقع فى كثير من البلدان لانه لدينا حزب كبير ومؤسس وقائم على تخطيط استراتيجي وكان يتهيأ للتمكين واستلام السلطة منذ اوائل السبعينات
    لذلك دار هذا الجدل هل نحن مهيأون لحكم البلاد ام نحتاج أن تصبح الحركة الاسلامية فى نار هادئة
    كانت الجهة المقابلة قوية كذلك لانه اذا تركتوا البلاد لن تنضج فى نار هادئة ولكن ستتقسم لان الحركة الشعبية كانت تأخذ مدن الجنوب مدينة بعد مدينة كلها تسقط فى يدها .
    كانت بداية الصراع القبلى فى دارفور يهدد كذلك وينذر بتمرد وكان ينتقل الى جنوب كردفان والشرق كان كذلك تتفاعل فيه عوامل كثيرة .. والخطر داخل الخرطوم كان كبيرا لو تذكر ،قامت هيئة حماية العقيدة والوطن ،الجو كله كان مضطرباً لكن القرار كان أن يتقدم هؤلاء السبعة بما يرونه مناسباً لانقاذ البلاد لم ينص القرار صراحة على القيام بانقلاب لكن التفويض كان يسمح بأن تحرك آله الحركة الاسلامية داخل الجيش وآلتها الخاصة المسلحة حتى بين اعضائها لتستلم البلاد واستطرد محدثى الاستاذ المحبوب عبد السلام قائلا ولكن كان ذلك مدرج فى اطار استراتيجية
    والسنوات منذ اليوم الاول للانقلاب وحتى العام الثالث كانت تقريبا الخطوات واضحة انه فى الاول نحتاج أن نحافظ على هذا النظام لتغطية هويته الاسلامية وذلك بالتمويه الذى كان سائدا فى تلك الفترات ثم نكشف عن وجهنا شيئا فشيئا ثم نعيد السلطة الى الشعب خلال 3 سنوات وبالتالى خلال هذه السنوات الثلاثة سيحل مجلس قيادة الثورة وتحدث كل الخطوات ،تأخرت قليلا ، بعض الخطوات تقدمت مثلا المجلس العسكري الانتقالي حل مجلس قيادة الثورة واصبح فى محله مجلس تشريعي معين ولكن له كل سلطات التشريع لدي مجلس قيادة الثورة .كان هذا المجلس الوطني الانتقالي كان هذه خطوة فى بداية المراسيم الدستورية
    ثم جاءت التوالي السياسى لتأسيس الوضع السياسي كله على الحرية وهذه هى النقطة التى اختلفنا فيها كما كان فى الاجابة الماضية لكن الانقلاب نفسه كان شئيا طبيعيا فى العالم العربي وفى افريقيا الى ذلك الوقت ولكن كان هنالك شعور قوي فى الحركة الاسلامية بأنه بمجرد أن تستلم السلطة بانقلاب ينبغي أن تقوم بمجهود لتصحيح هذا العمل لان الانقلاب عمل اضطراري وهو عمل ليس جيداً ينبغي أن نصححة بسرعة وكانت هنالك كما قلت لك خطة موضوعة ينبغي أن تتبع بدقة لم تتبع بدقة فادي الى الازمات التالية
    { الاستاذ على عثمان فى ليلة 29 يونيو 1989 ذهب صباحاُ لمقابلة مدير الاستخبارات العسكرية صباحا لجس نبضه حول مدي المام جهاز المخابرات بتدابير الانقلاب وذلك تحت ستار نقل الاغاثة والمؤن للجيش فى الجنوب بينما كان الترابي يزور فى نفس عصر اليوم صهره رئيس الوزراء آنذاك الصادق المهدي ويشرب معه شاي المغرب
    هل هذه الخطوات جزء من تكتيك الجبهة الاسلامية لاستلام الحكم ام تقديرات القدر والمصادفة؟
    انا لا علم لى بهذه الاشياء التى ذكرتها ، كنت خارج السودان فى السنوات الخمسة فى باريس فى تلك الفترة ولا علم لي بالتفصيل ما الذى حدث لكن على حال ليلة 30 يونيو 1989 فى يوم 29 يونيو فى الامسية يعني موصولة جدا بالترتيبات الفنية للانقلاب وبالتالي هى ترتيبات تقوم على مسائل تكتيكية وسريعة وقصيرة ولذلك وارد جدأ أن ترتب زيارة تمويهية الى جوبا ووارد جداً ان يزور الدكتور الترابي الصادق المهدي مساء .. واستدرك قائلا( لا اظن هذا حدث قد يكون داخل ترتتبات الاعداد للانقلاب الذى كان واقعاً لامحاله ..
    اذا تمت هذه الزيارة وام لم تتم او تم التمويه او لم يتم .. المعد أن ساعة الصفر اتفق عليها اطراف كثيرة جدا كانت هنالك اجراءات كثيرة من هذا القبيل حتى رئيس الانقلاب العميد آنذاك عمر البشير جاء من الجنوب من «ميوم» وكان يقوم باجراءات عادية للسفر فى اليوم التالي لكورس تدريبى فى القاهرة هنالك اجراءات كثيرة تكتيكية ساعدت فى أن ينجح الانقلاب
    { القربان الاعظم الذى قدمه المؤتمر الشعبي بعبوره الجسر وتوقيعه لاتفاقية مع الحركة الشعبية ادت لتعميق المفاصلة بين الاسلاميين
    واعتقال الدكتور الترابي برغم كل ذلك العلاقة ما بين المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية ما يزال يلفها الضبابية والغموض.
    {انت تعلم اننا لم نكن حزءا من مفاوضات نيفاشا ولا اي من القوي السياسية.. ووقعت اتفاقية نيفاشا بدون مشاركة القوي السياسية مشاركة فعالة فى المفاوضات نحن كنا نساهم بالرأي ولكن عن طريق وفد الحركة الشبعية لا عن طريق وفد الحكومة واحيانا يطلب من الوسطاء طلب شركاء الايقاد من الشيخ حسن الترابي اعداد ورقة حول علاقة الدين بالدولة فكتبها ،كان لدينا اتصالات مع ياسر عرمان ومجموعة الحركة الشعبية اثناء التفاوض وكانت هنالك قطيعة كاملة مابيننا الاخوة فى الحركة ولم يكن بيننا أي اتصال لذلك جاءت نيفاشا تؤسس علاقة جديدة مع المؤتمر الوطني الشق المناوئ للمؤتمر الشعبي وكان اقتراضا آنذاك أن نشارك مع الحركة الشعبية كحكومة الجنوب اذا كان الوضع الفيدرالي يسمح بذلك .. لكن حدث هنالك حدث غير كثيرا من المعادلات هى وفاة الراحل الدكتور جون قرنق لان العلاقات تأسست اساسا فى ظل الدكتور جون قرنق وكان الجيش الشعبي يسيطر على غالب نشاط الحركة الشعبية وكان النشاط السياسي للحركة الشعبية محدود فى الدكتور جون قرنق ومجموعته لوح بيديه ثم قال عندما توفى الدكتور جون قرنق دخلنا فى المعادلات الجديدة أن الحركة الشعبية تريد أن تتحول من حركة مسلحة مقاتلة وحزب معارض الى حركة سياسية تريد أن تعمل وكان هذا الفرق كما قلت كان من المفترض تجديد العلاقة بيننا ومابين الحركة الشعبية يعني الحركة الشعبية حتى تسوي اوضاعها كلها بعد وفاة جون قرنق اخذت وقتا وعندما مضى هذا الوقت كانت العلاقة تعقدت بينها وبين الشريك فى مواجهة مشاكل الوطن كلها واصبح عليها تأسيس نظام دولة فى الجنوب وكان ذلك يأخذ من وقتها فانا اعتقد أن الحركة الشعبية لم تجد الوقت الكافى لتكمل مشروعها الفكري السياسي وعلاقاتها السياسية خاصة مع حزب مثل حزب المؤتمر الشعبى .. لكن عمقنا هذه العلاقة بالاتصالات الشخصية وتبادل الاراء . الزيارات الاجتماعات كلها كانت فى حد ادني نحافظ عليها ولاتنسى أن الحركة الشعبية لها علاقة بالتجمع الوطني اطول واعمق من علاقتها مع المؤتمر الشعبى لكن مع ذلك احزاب التجمع الوطنى الديمقراطي تشتكي من العلاقة مع الحركة الشعبية . والحركة الشعبية محتاجة الى وقت حتى تؤسس جيداً كحزب سياسي وحتى تؤسس علاقاتها السياسية ولكن كلامك صحيح أن العلاقة لم تمض كما ينبغي ومخطط لها
    { واللقاء مابين زعيمي الشعبي والشعبية الدكتور حسن الترابي والفريق سلفاكير ميارديت لماذا اصبح امنية فى ضمير الغيب لا تتحقق علي ارض الواقع؟؟
    هو من ناحية الدكتور حسن الترابي سعي الى لقاء سلفاكير . وكنا قلت لك لم تنقطع العلاقة مابيننا وبين اخوتنا فى الحركة الشعبية دون مستوي رئيس الحركة قيادات الحركة الاخري كلها كانت تأتي الى لقاء الدكتور الترابي دوريا وفى كل المناسبات وفى الاجتماعات واحيانا لعرض بعض الامور العلاقة عامرة دون مستوي رئيس الحركة
    ولكن سلفاكير كما تعلم يقضى اغلب وقته فى الجنوب وحتى فى زيارتنا الاخيرة الى واو كان الاقتراح الاول أن نمضي الى جوبا اولا ويجلس الدكتور الترابي مع سلفاكير فى لقاءات مطولة ونبقى فى جوبا يوم ثم نغادر الى واو ولكن فكرة الحركة الشعبية أن سلفاكير ينبغي أن يلقي كل الاحزاب كما تعلم أن سلفاكير لم يعقد لقاءات مطولة مع السيد الصادق المهدي ولامع السيد الميرغني ولامع نقد اللقاءات التى تمت مابين الرئيس البشير وقيادات الاحزاب سلفاكير لم يحضرها .. علاقة الفريق سلفاكير مع قادة الاحزاب بسبب غيابه المتطاول لم تتصل كما ينبغي والاخوة فى الحركة الشعبية يقولون أنه من الضروري أن يلتقي الفريق سلفاكير بالدكتور حسن الترابي ويجلس معه ساعات نحن نأمل أن تحدث فى الفترة المقبلة لكن كلامك صحيح أنها تأخرت جدا رغم اهميتها
    { هل تتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة لقاءات مابين الدكتور الترابي والفريق سلفاكير ميارديت؟
    { هل هنالك اتصالات او لقاءات او محاولات لترتيب هذا اللقاء؟؟
    نعم كانت هنالك دعوة من الحركة الشعبية لزيارة جوبا ولكن لم تحدد موعدها .. ثم جاءت دعوة أن رؤساء الاحزاب يزوروا الفريق سلفاكير مجتمعين ويصلوا الى واو ويعقدوا معه اجتماعا .. ثم عدل هذا الاقتراح للتشاور مع الاحزاب بأن يذهب رؤساء الاحزاب فرادي ويلتقوا بالفريق سلفاكير ثم من بعد ذلك يمكن أن يحدث هذا اللقاء فى اطار يجمع كل الاحزاب حتى المؤتمر الوطني
    { ملف كارلوس من الملفات الغامضة دخوله الى السودان؟؟ وتسليمه لفرنسا خاصة أن هنالك تقارير اشارت الى أن الدكتور الترابي عقب عودته من مدريد التقي فى المطار لمدة ربع ساعة بمسؤول فرنسي رفيع المستوي ابدي له خشيته من عدم تسليم السودان كارلوس وبعد عودة الترابي للخرطوم تم تسليمه بتلك الطريقة الدرامية؟ ولا نستطيع أن نتحدث حول هذا الامر دون التوقف بمحطة المحبوب عبد السلام مترجم اللقاء؟؟
    ابتسم ثم رد قائلا النقطة الاخيرة صحيحة وهي انني كنت اقوم بالترجمة مابين جهاز الامن السوداني وجهاز الامن الفرنسى فيما يتعلق بموضوع كارلوس لذلك انا مطلع على هذا الملف جيداً الدكتور الترابي سافر الى اسبانيا وقدم محاضرة وفى طريق عودته كانت الرحلة تسمى الرحلات المقلة وحدث conatian
    بتديل للطائرة لمواصلة الرحلة جلسنا فى مطار باريس ساعات حتى اتى مدير عام العمليات الفرنسية وقابل الدكتور الترابي لكن الخطأ فى تناول موضوع كارلوس فى السودان دائما يتجه الى أنه موضوع سياسى حكومة الانقاذ آنذاك تعاملت مع ملف كارلوس بوصفه ملفا امنيا من جانب كارلوس كان يظن أن هذا النظام الاسلامى الثوري سيكون متحمسا فى التعامل معه حقيقة كارلوس ضاقت عليه الارض بما رحبت كان يبحث عن مأوي كان يبحث عن مقر وفى دولة عربية ضافت به ذرعا وهرب اليها من دولة عربية
    الدولة هذه الاخيرة كانت تريد ان تتخلص منه كان البلد الوحيد الذى يستقبل العرب بدون تأشيرات كان السودان بعثت به هدية مسمومة الى السودان جهاز الامن فوجى بوجود كارلوس فى السودان وقدم نفسه على أنه شاين كارلوس وكارلوس هذا لقب وليس اسمه الحقيقي الذى كان يريد التفاوض مع الامن الفرنسى هو الامن السوداني وكان السياسيون مثلا الفريق البشير والترابي وعلى عثمان كانوا فقط يخطروا بتطور المفاوضات معهم والمفاوضات كلها كانت منصبة فى أنه ينبغي أن يغادر السودان .. نحن لاشأن لنا به ولم نكن بعض من عملياته فى العالم العربي وانا تحليلي الشخص أن كارلوس لم يعد ذلك المناضل الذى ينصر القضايا العربية تحول الى مثير دولى والذى قاله مدير المخابرات والعمليات الفرنسة للدكتور الترابي انهم دولة فرنسا بمذكره صادرة من الانتربول البوليس الجنائي الدولي تريد أن تستلم كارلوس وسلم هذه المذكرة للدكتور الترابي فهذا كان شأن قانوني وعلاقات دولية محضة والدكتور الترابي كما تعلم هو شخص قانوني ومختص بالقانون الدستوري ومختص بالقانون الدولى فكانت اجابته واضحة اذا كانت هنالك مذكرة توقيف باسم القانون الجنائي الدولى ينبغى أن تتم المسألة فى هذا المستوي لانه سياسيا لا شأن لنا بكارلوس ولكن دولة فرنسا وهى دولة بالمناسبة الوحيدة فى العالم التى عندها ملف جنائي مع كارلوس هو قتل ثلاثة ضباط من ضباط المخابرات الجنائية الفرنسية قتلهم فى شقتة فى باريس مباشرة من مسدسه فعندهم قضية مكتملة لذلك واقف الانتربول بأن يصدر هذه المذكرة بتسليم كارلوس الى فرنسا اينما وجد
    كذلك مدير المخابرات الفرنسية تحدث بأن هنالك مساومات تتم بينهم وبين الامن السوداني حول هذا الموضوع الترابي اكد انهم يرفضون أي مساومة فى موضوع جنائي واكد أن التسليم يتم على اساس جنائية محضة فى اطار البوليس الدوليوالانتربول السوداني و الانتربول الفرنسي . تم التسليم على هذا الاساس فملف كارلوس كان ملف امنى ثم اصبح ملفا جنائياا ولم يكن فى يوم من الايام ملفا سياسياً ..


    -: المحبوب عبد السلام فى حوار فوق العادة مع «أخبار اليوم» الاولى (2-2)
    بتاريخ 28-4-1429 هـ
    القسم: الحوارات
    الترابي لم يلتقي مسؤول ملف الارهاب C.I.A فى معتقله بكافوري ولم يدلي بأي معلومات حول الارهاب
    { لامانع أن يلتقي الدكتور الترابي بشخصية يهودية دينية او روحية والحوار مع اسرائيل يحتاج إلى فكر آخر {
    { لم نستخدم ملف اغتيال حسني مبارك والمعلومات المتداولة ادلي به ضابط منشق من الامن الاثيوبى فى لندن
    { هذه هى القصة الكاملة لزيارة كارلوس لسكرتارية الترابي فى المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي ولماذا رفض طلبه؟
    فى الجزء الثاني فى حوارا مع اخبار اليوم كشف الاستاذ المحبوب عبد السلام امين العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني الشعبي معلومات جديدة حول الزيارات التى قام بها الارهابي العالمي كارلوس الى سكرتارية الدكتور الترابي الامين العام للمؤتمر الشعبي العربي والاسلامي بهدف مقابلته والكتاب الذى تركه فى الاستقبال والاتصالات التى اجرتها المخابرات الفرنسية بالاجهزة الامنية بعد شهرين من وصوله وقصة رقم جوازه الدبلوماسى الذى كان يمتلكه واكد المحبوب عبد السلام أن حزبه لم يستخدم ملف اغتيال الرئيس المصري حسنى مبارك مشيرا الى أن المعلومات التى نشرت فى صحيفة الشرق الاوسط قدمها ضابط منشق من جهاز الامن الاثيوبي كان قد وصل الى لندن هارباً ونشر حلقات حول التحقيق الذى قام به مع بعض الشخصيات التى تم القبض عليها اثناء المحاولة من الجماعات الاسلامية ونفى المحبوب عبد السلام المعلومات التى تداولت حول لقاء جمع مابين زعيم الشعبي ومسؤول مكافجة الارهاب بـ ((cia فى معتقله بكافوري حيث تداولت انباء بأن الدكتور الترابي قدم معلومات استراتيجية حول الجماعات الاسلامية التى كانت موجودة بالسودان في سنوات الانقاذ الاولي
    وفى هذه الحلقة اجاب المحبوب ابرز تلاميذ الترابي حول هجومه على الدكتور جعفر شيخ ادريس فى مقاله الشهير عودة طائر البطريق حيث اعترف لاول مرة بان الرد كان به خروج على ادب الخلاف ودافع المحبوب عبد السلام بشدة عن المشروع الفكري الذى يطرحه الدكتور الترابي مشيرا الى أنه اذا لم نتأمل اصول مشروعة سنندم كثيراً على ضياع الفرصة بيد انه اهم فى فكرته انه يعود بالاصول الى القرآن ويجعل القرآن حاكما على السنة كل هذه القضايا فى ثنايا هذا الحوار الذى لم تنقصه الصراحة فالى التفاصيل
    سكرتارية الدكتور حسن الترابي فوجئت بكارلوس فى استقبال المؤتمر الشعبي والاسلامي اكثر من ثلاثة مرات وكان يريد مقابلة الزعيم الروحي الـ 30 يونيو ؟ لماذا رفض الدكتور الترابي مقابلته فى مكتبه؟
    كارلوس كان يقدم نفسه لبعض الناس الذين كانوا يؤتمنهم انه سياسي وكان يريد عندما طلب من بعض الشخصيات السودانية التى كان يعرفها طلب منهم اما أن يقابل البشير او الترابي او السيد عبد الرحيم محمد حسين الذى كان وزير الداخلية يومها
    كما قلت كان يقدم نفسه كسياسي ولم يكن مقتنعا بالتعامل مع الاجهزة الامنية فقط وكان يظن ان هذا النظام ثوري واسلامي عنده اعمال كبيرة سيساعده هذا فى أن يجد موطئ قدم بعد أن ضاقت عليه الارض بما رحبت
    واستطرد محدثى امين العلاقات الخارجية بالمؤتمر الشعبي قائلا هو فعلا جاء الى الاستقبال فى المؤتمر الشعبي العربي والاسلامي وطبعا لانستطيع ان تدخل الى المؤتمر الشعبي لتقابل الترابي دون أن نعرف من انت ودون أن يكون هنالك موعد خاصة أن الموجودين فى الاستقبال لايستطيعون أن يتعاملوا مع شخص كهذا لم يفصح عن اسمه لكنه ترك كتاب معروف ومشهور اسمه الى نهاية العالم كتبه صحفى ايرلندي «يفيديلو» تحدث عن قصة كارلوس وترك هذا الكتاب وقال أن هذا الشخص الذى كتب هذا الكتاب «كتب عنه هذا الكتاب يجب ان يقابل» فنحن ظننا أن الصحفى الايرلندي موجود فى الخرطوم ولكن عندما اتصلنا بالجهات فى الاعلام الخارجي لم نجد اثر «ديفيد يلو» فى الخرطوم فلذلك صرف عن هذا الامر ولكن الاجهزة الامنية اكتشفت كارلوس منذ وصوله للخرطوم منذ الاسبوع الاول كان معروف لدي الاجهزة الامنية لكن بعد حوالي شهرين من وصوله الى الخرطوم اتصلت المخابرات الفرنسية وقدمت معلومات للسودان عن شخص مواصفاته كذا . وكذا وانه هذا كارلوس وكانوا يعرفون حتى رقم جوازه بالضبط وكان متطابقا مع جواز السفر الذى دخل به للسودان وهو كان اسهل مكان لديه هو المؤتمر الشعبي والعربي والاسلامي
    واسهب محدثى الاستاذ المحبوب عبد السلام قائلا طبعا لايستطيع أن يذهب الى وزارة الداخلية وطبعا لايستطيع أن يذهب الى القصر الجمهوري فجاء الى المؤتمر الشعبي
    {من ضمن الانتقادات التى وجهت للمؤتمر الشعبي أنه استخدم كرت محاولة اغتيال حسنى مبارك فى المؤسسات الدولية بصورة لم تراع صفاء الود القديم لاخوان الامس؟
    رد بسرعة اطلاقاً نحن لم نستخدم هذا الملف أي استعمال الملف مثلا استعمله الامن الاثيوبي مرة ضابط منشق من الامن الاثيوبي جاء الى لندن وقدم حلقات حول تحقيقة مع الشخصيات التى تم القبض عليها اثناء المحاولة من الجماعات الاسلامية وقدم لها ونشرت فى جريدة الشرق الاوسط اللندنية كانت ترد اسئلة للدكتور على الحاج والدكتور الترابي من وسائل الاعلام ومن صحفيين فى التلفزيون او بعض الصحف كانوا يسألون الدكتور الترابي هل هو كان بعض من هذه العملية كان يقول لا
    وكان يسألون هل هنالك بعض شخصيات سودانية كانت تعرف هذا الملف كان يقول نعم
    ومرة طلب منه أن يذكر اسماء فرفض أن يذكر اسماء وقال انه لن يذكرها الافى محكمة
    لانه فى المحكمة تقول الحق وتشهد حتى على نفسك يعنى لكن نحن لم نستغل هذا الملف يعنى الا اذا جاءت جهة وسألت وطالما أن الموضوع مغري ومثير وكثير من الصحفيون يحبون الاثارة ولكن نحن لم نبادر الى الحديث عن هذا الملف او كشف معلومات عنه حتى للجهات التى تملك معلومات عنه لم نبادر عن كشفها اذا قلت أي كلام فيما يتعلق بهذا الملف نحتاج الى تحقيق يعني محتاج الى جهات تحقق فيه محتاج الى محكمة تفصل فيه فحتى الذى يعرف التفاصيل يمكن أن يحكي القصة ولكنه لايمثل تجريم لجهة بعينها مالم تنعقد محكمة .
    حقيقة لم نستغل هذا الملف لا امرة واحدة هنالك برنامج معهم فى قناة العربية لكشف بعض الاشياء وفى اطار هذا البرنامج مع كان هنالك سؤال للدكتور الترابي وكما تعلم أن الدكتور الترابي تمسك برفض الحديث حول هذا الموضوع
    {هنالك معلومات تسربت بأن الدكتور حسن التر ابي التقي بمسؤول كبير من المخابرات الامريكية فى محبسه الاخير وقضوا معه حوالي 8 ساعات قطعتها اوقات الصلاة ووعدهم تسليم كل المستندات التى بحوزته والمتعلقة بالارهاب فى الخارج فى سنوات الانقاذ الاولي وايام تواجد بن لادن فى الخرطوم وفقا لما ادلي به الدكتور المحيس؟؟
    هو لم يحدث هذا انا سمعت هذا الكلام ان هنالك شخص ذهب للدكتور الترابي فى سجن كوبر والتقي به وظننت انه شخص يتبع للامم المتحدة حتى على هذا المستوي لم يزر أي عنصر غربى الترابي فى سجن كوبر ولم يزره أي عنصر غربي فى المعتقل المنزلي في السجن كافوري لم يزره أي شخص من الغرب لا شخص يتبع منظمة لا شخص من الغرب لا شخص يتبع للمخابرات المعلومات الدقيقة الوجودة , المعلومات الصحفى جون افقاندي هذا الذى كتب كتاب واسماه «اسامة»
    وجون افقاندي ظل يحضرللسودان منذ الثمانينات كل مرة يحضر للسودان يقابل الدكتور التبرابي يتحدث معه عن الحركات الاسلامية يتحدث معه عن الارهاب
    هذا هو اكثر صحفى كان يحضر بصورة منتظمة ويتحدث فى هذا الموضوع وكتب كتاب اسماه اسامة واكد قائلا محدثى الاستاذ المحبوب عبد السلام لكنه لم يحدث قط انه اذ ذكر الدكتور المحيس هذه الافادات فهي غير صحيحة.
    {قيل أن الصحفى الغربي الذى ظل يدير الحوار مع الدكتور الترابي هو جزء من المنظومة الاستخباراتية العالمية؟
    لا .. لا .. هو صحفى لم يزره فى السجن هو كان يأتى عن طريقنا نحن فى مكتب الترابى ونجلس معه فى لقاء صحفي عادي وهو ليس عنصر استخباري بل هو صحفي مشهور جدا فى السبعين من عمره ومعروف جدا
    {تعليق الحركة الشعبية للتعداد السكاني تقيمك لهذه الخطوة وما هو موقف المؤتمر الشعبي من التعداد السكاني؟
    المؤتمر الشعبي لم يصدر كلاماً عن موقفه حتى الان فى هذا الخصوص لكن رأيي الشخصى هذا تعبير عن ازمة العلاقة بين الشريكين وازمة حكم السودان لان كلاهما يمثل اكثر من 80% من السلطة
    العلاقة بينهما امر يخص كل السودان والعلاقة بينهما تمضي فى ازمات من ازمة الى ازمة
    يمكن جدا أن تكون الاسباب التى ذكرتها الحركة الشعبية تكون مقنعة أن فصل الخريف سيدخل وانما لديها اعتراضات على الاستمارة وكذلك الحديث الذى ذكره المؤتمر الوطني او ذكرته مفوضية التعداد السكاني ربما يكون حديث منطقى لكن كان ينبغى طالما أن الشريكين يحكموا السودان كان ينبغي أن تكون هذا الاشياء فى اطار الاجهزة الرسمية التى تجتمع بينهما لكن واضح أن مثل أن المؤتمر الوطنى لايطبق بروتوكول ابيي وبخرق الاتفاقية فى ذلك يمكن جداً أن الحركة الشعبية تخرق الاتفاقية فى امر اخر
    كما تعلم أن التعداد السكاني شأن اتحادي مركزي ليس شأن حكومة اقليمية فى النهاية حكومة الجنوب ليس من اختصاصها التعداد السكاني لكن هى ممثلة فى المفوضية
    وفى النهاية هى عرض لمرض العلاقة بين الشريكين واعتقد أن يجب ان تقوم مبادرة من القوي السياسية لاحتواء الازمات وللوصول لهذه العلاقة لحالة من الاستقرار تساهم فى أن تقوم بانتخابات حرة عادلة ونزيهة فى الفترة المقبلة لانه اذا لم يتم احصاء الجنوب ولم تحصى دارفور وحلايب كما اتضح , يصبح الاحصاء مشكلة تضاف الى مشاكل السودان يجب أن يكون هنالك شئ يساعد على حل مشكلة السودان ينبغي أن تتضافر الاحزاب السياسية لحل هذه المشكلة
    {استاذ المحبوب المقال الذى كتبه بعنوان عودة طائر البطريق ضد المفكر الاسلامي جعفر شيخ ادريس بعض المتابعين اشاروا الى انه خروج على ادب المخاطبة فى الحركة الاسلامية ماهو تعليقك؟؟
    رد بهدوء قائلا : هو كان رد على محاضرة كان قدمها جعفر شيخ ادريس بقاعة الشارقة وكفر فيها الدكتور الترابي اكثر من خمسة مرات بدون ادلة وشواهد فى أي من محاضراته يعتقد على السمعيات نحن قدمنا بالرد بعد ذلك فى محاضرة سميناها حركة التجديد تواجه خصومها كانت اللحظة هى لحظة مواجهة مع الدكتور جعفر شيخ ادريس لذلك يمكن أن نكون خرجنا على ادب الخلاف وكانت محاضرة الدكتور جعفر شيخ ادريس محاضرة غير علمية و محاضرة اجتماعية منفصلة بعلاقته الشخصية بالدكتور الترابي ونتج عنها كلام خطير هو تكفير الدكتور الترابي هى كانت رد على تلك المحاضرة
    {العنوان اللافت المثير لكلمة طائر البطريق فى مقالك ضد جعفر شيخ ادريس من أي المرجعيات اقتبسه؟؟
    انت صحفى وتعرف أن عناوين المقالات مثل عناوين القصائد نظرا اثناء كتابة المقال انظر اثناء التفكير فى المقال لكن الفكرة بسيطة طائر البطريق سمي على البطريق الذى يشبه زي القسيس وهو عنده فترة بيات شتوي طويلة ثم يظهر على الشواطئ من هنا جاءت الفكرة ان جعفر شيخ ادريس يتلبس لبوس الدين ولكن يختفي فى امريكا ويختفي فى السعودية ثم يظهر فى محاضرة كل عام فى السودان ويحدث بها هذه البلبلة
    {التفسير التوحيدي ومجالس الدكتور الترابي التى ظل يعقدها لنخبة مختارة من تلامذته حدثنا عنها قليلا, خاصة أن هنالك احد الكتاب الاسلاميين قال انه حضر احدي هذه المجالس حيث فوجئ بالترابي جالسا على كرس العلماء فى صالونه وحوله 7 من تلامذته من بينهم المحبوب وامين حسن عمر واخرين وكان الدرس عن طريق الاشارات والايماءات؟
    ضحك قيلا ثم قال مفارقة كبيرة هى كانت جلسة علمية كنا نجلس جلسة علمية فى كراس متساوية مرة من المرات كان حصل حريق فى المؤتمر الشعبي العربي والاسلامي فتحولوا الى هيئة الاعمال الفكرية وكانت ضيقة الدكتور الترابي كان يجلس فى مكتبى يعني وكنا نجلس فى مكتب شخص كما تجلسون الان واذا كان هنالك شئ يمكن أن يعاب على هذه الحلقة هى حدة النقاش فيها كانت اراء الترابي تجد نقاشا شديدا جداً من المحاضرين وتقبل بعد تمحيص شديد جداً هى حلقة حوار ساخنة بمعني الكلمة ولم تكن حلقة تسليم خاصة أن القضايا كلها كانو مطلعين على التفاسير الذين كانو يشهدون الحلقة وكانوا مطلعين على التفاسير كنا نقسم العمل أنا مثلا كنت اطلع على الزمخشري شخص اخر كان يطلع على الطبري شخص يطلع على ظلال القرآن شخص يطلع على التنوير والتحليل وشخص يطلع على محمد عبده وشخص يطلع على تفاسير الصوفية مثل ابن عربي فكانت كل هذه المعارك تشبك فى الحلقة فكان الترابي الذى كان من المعتقلات الاولي ايام النميري بدا قرارات مطولة فى تفسير القرآن فهو كان يبلور رأيه عادة فكنا نتداول معه حول الراي واذهب محدثى الاستاذ المحبوب عبد السلام شارحا حول هذه النقطة الترابي يعتقد أن العلم كذلك شوري مثل ان هنالك شوري فى السياسية هنالك شوري مابين الزوج والزوجة بين الوالدين والابناء يعتقد أن العلم شوري فى الغرب تأسست المدارس الفكرية بين الاستاذ الكبير والتلاميذ ويؤسسوا منهج وتصبح مؤسسة فكرية المذاهب فى تاريخ الاسلام مثل الامام الشافعي الامام ابن حنيفة, كانوا يجلسوا حوله ويتداولوا ومن هنا ظهرت المذاهب الاسلامية الترابي يؤمن حتى فى محاضراته واوارقه التى يقدمها خارج السودان كانت مجتمع لها لجان تطرح الفكرة ويدور حولها النقاش وتكتب النقاش وتكتب وبعدين تقرأ وتضع لها اللمسات الاخيرة ايمانا بالشوري العلمية فحلقة التفسير التوحيدي هى ثمرة لهذه الشوري العلمية
    {اين وصلت مراحل طباعة التفسير التوحيدي المعلومات التى امتلكها تشير الى أنه فى مراحل الطباعة فى دار الساقى بيروت؟
    اشار الى كتاب التفسير التوحيدي الذى وضع بعناية كشر عزيز على صدر مكتبته وقال لى هل شفت هذا فرددت لا فقام من مقعده واخرجه من مكانه وناولني اياه ثم قال كان التقرير أن يخرج ثلاثة مجلدات كل مجلد عشرة اجزاء لكن قد يكتمل ويصبح 4 مجلدات الترابي فى معتقل كافوري ومنذ ان خرج تجاوز الجزء 15والسادس عشر والسابع عشر وباقي حوالي ثلاثة اجزاء حتى نهاية العام سيصدر المجلد الثاني من التفسير التوحيدي من الحادي عشر الي العشرين هذا هو الجزء الاول من سورة الفاتحة الى سورة التوبة
    {الاستاذ المحبوب عبد السلام اتفق اغلب العلماء فى العالم السنى بان الافكار التى يطرحها الترابي والفتاوي والاجتهادات بها بعض الشذوذ عن ماهو متعارف عليه وفق اجماع الراكزون فى العالم؟هل يكتفي الترابي بشتم مخالفية الراي بانهم علماء الحيف والتعاس؟؟
    رد بهدوء قائلا: الدكتور الترابي لايشتم العلماء التقليديين ولكن يناقش ارائهم احيانا بلا حدة لكنه لايشتم. استجمع افكاره واورقه قائلا انا دائما ما ادعو والان ادعو أن تقرا الترابي قراءة شاملة بمعني أن الترابى كتب كتاب الصلاة فى التسبعياينات بعنوان الصلاة عماد الدين) ثم كتب كتاب الايمان اثره فى حياة الانسان ثم قدم مسودة لنظريته اصول الفقه فهو عنده مشروع متكامل مؤسس على علم تجديد وعلى تجربة فى الحياة وفى السياسية وفى التدريس وهو يجدد بهذا المعنى وهو هذا المهم
    الاراء الفرعية انت مثلا يمكن أن تتفق مع الدكتور الترابي فى اصوله التجديدية ولكن قد لاتري زواج المسلمة من الكتابي جائز وقد تراه اليوم غير جائز ولكن بعد سنة قد تقتنع براي الدكتور الترابي هذا فى الفروع لكن انا اهتم بان تناقش اصول الدكتور الترابي ومثلا الجزء الذى ذكرته اخيرا أن هذه المسائل مخالفة للقرآن هو اهم شئ فى نظرية الترابي هو أنه يعود بالاصول الى القرآن ويجعل القرآن حاكما على السنة مثل ماكان الاصوليون يقولون قديما لكن الان من منهجنا عادة أن ناتى با قوال السلف الصالح فى المساجد وفى الفتاوي ثم بعد ذلك اذا وجدنا حديث قد نضطر للحديث ثم اذا لم نجد حديث شق علينا جدا ان لم نجد حديث وراي من السلف نلجأ الى القران هو يريد لهذه المعادلة أن تستقيم بمعنى أن يصبح القرآن مهيمنا فعلا حتى على السنة وحاكما لها لذلك انت مثلا اذا قلت لك انه لا توجد أي اية فى القرآن تمنع زواج المسلمة من الكتابي والاصول فى الدين الاباحة والا أن نجد نص يحرم خاصة فى التحليل والتحريم لكن انت تقول هذا جري به العمل فى السلف الصالح وانه فيه اجماع سكوت بانه لم يأتى احد فى الامة يخالف هذا الكلام
    قد تذكر هذا الكلام هذا فيه خلل فى المنهج الذى يعتقده الترابي الذى يقوم على القرآن.
    الترابي كذلك ادخل النظرة الجديدة للاجماع، الاجماع فى الاصول كان شئ لا يمكن تحقيقه، اجماع كل علماء الارض على مسالة هذا لا يحدث لكن هو جعله اجماع اغلبية خاصة فى شؤون التشريع، المهم هو أن نقرا مشروع الترابي الفكري كله من كتاب الصلاة عماد الدين، كتاب الايمان واثره فى حياة الانسان، تجديد اصول الفقه، التفسير التوحيدي، السياسة والحكم، المصطلحات السياسية فى الاسلام، عندئذ سنري ملامح هذا المشروع الفكري للترابي.
    أنا اعد فى رسالة حول 40 صفحة عن مشروع الترابي التجديدي حتى لانضيع فى الفروع ولا نمسك بحديث الذبابة وزواج المسلمة من الكتابى، هذه كلها مسائل فرعية ومحدودة وخطرها ليس كبيرا، لكن المنهج الذى وصل به الى هذه النتائج هو المهم والذى سيعالج المرض.
    طبعا نحن متفقون أن هنالك مرضا شديدا، واقع المسلمين مزري جدا، الجسد الاسلامي عليل، العالم متطور ومتقدم فلا بد أن ننظر اين الخلل فى تفكيرنا لماذا هذ الجمود لماذا هذا التخلف؟ هذه الاسئلة هى التى حركت المجددين، هنالك مجددون لهم المقدرة على الابداع مثل الشاطبي فى القرن الثامن الهجري، واعتقد أن الترابي الان يقوم بمشروع مماثل، اذا لم نتامل اصول مشروع الترابي سنندم كثيرا على ذهاب الفرصة.
    ü فرنسا تعتبر محطة مهمة لدراسة قيادات الحركة الاسلامية، هنالك انباء ان قيادات من المؤتمر الشعبي كانت تقابل بعض الشخصيات اليهودية الفكرية فى فرنسا وتدير معها حوار حول الاسلام واليهودية، هل يمكن ان يفاجئ الدكتور الترابي الجميع بأي خطوة فى الحوار مع اليهود أو مع اسرائيل؟
    - رد بهدوء فى هذه المسائل لانلجأ للمفاجات ولكن احب أن نكون واضحين فيها، لم تكن فرنسا محطة بهذا المعنى حوارات بين الحركة الاسلامية السودانية وجهات يهودية ولكن الذى حدث تاريخيا هو أن الحاخام الاكبر الفرنسي مختلف قليلا عن بقية الحاخامات ومعروف انه عنده نظرات فيها عدالة، وقد قرأ تصريحات للدكتور الترابي فى احدي المجلات، الترابي تحدث عن انتحاري -كما يقال- واستشهادي قام بتفجير حافلة فى اسرائيل. والصحفي سال الترابي وهو رد عليه قائلا أن هذا الشخص يقوم بهذا العمل امامه ولم يجد الا أن يفجر نفسه لشعوره بحالة من الظلم الشديد وحالة من العجز الشديد فكتب هذا الخاخام الاكبر يقول انه يأسف جدا من شخص يعتبر مفكرا اسلاميا كبيرا أن يقول هذا الكلام ووجه رسالة مفتوحة سماها خطاب مفتوح للترابي وعندهم جريدة تصدر فى فرنسا اسمها لوخا الصليب نشرت هذا الخطاب المفتوح للترابي فرد عليه الترابي، فى أول نقطة ذكرها الترابي أن ثلث القران يتحدث عن اهل الكتاب والحوار مع اليهود والنصاري، لذلك أن نتحاور مع اليهود والنصاري واجب بالقران وأن نجادلهم بالحسني ونحاورهم بالمنطق ولا نلجا للاساءة حتى لا يسيئوا للاسلام ويسيئوا لربنا سبحانه وتعالي، فى هذا الاطار تم تبادل رسالتين رسالة من الخاخام مفتوحة فى الجرائد
    وهى مشهورة فى وسائل الاعلام ورد الترابي على ذلك فى خطاب مفتوح شرح فيه فهمه للقضية الفلسطنية وتصرف الفلسطينيين بسبب الظلم الواقع عليهم، لكن مبدئيا لا يوجد مانع أن يتم حوار اديان بين الاسلام والمسيحية وبين الاسلام واليهودية ليس بالمؤتمر الشعبي هذه قضية عامة لكل المسلمين.
    ü هل يمكن لدكتور الترابي بثقله المحلي والدولي كزعيم اسلامي ان يلتقي بشخصية يهودية يدير معها حواراً حالياً أو مستقبلاً؟
    - قال : شخصية فكرية يهودية او دينية او روحية، نعم ممكن لا شئ يمنع، واسهب شارحاً حول هذه النقطة قائلا : كما ذكرت لك أن الحوار ياخذ حيزا كبيرا جدا فى القران، سورة البقرة كلها حوار اليهود وسورة ال عمراني حوار مع النصاري، فى العالم التاسع للهجرة بعد زيارة وفد نجد أن السور التالية سورة التوبة وسورة المائدة كلها فى هذه العلاقات،
    تحديد الثقافة الاسلامية من الاثر الكتابي عليها لذلك هناك جدل كثير جدا عليها، الان هم يحكمون العالم باسم المسيحية الجديدة، دولة اسرائيل من اسمها هى دولة دينية اليس كذلك.
    فى هذا الاطار لابد أن يكون هنالك حوار، اصلا الحوار السياسي احيانا يتعذر، الان منذ أن وقع ياسر عرفات على كامب ديفيد لم نصل الى المرحلة الثانية والثالثة فى الحوار بين الفلسطينيين والاسرائيلين، لكن الحوار الاسلامي المسيحي يمكن ان يتصل لانه هنالك لجنة فى الفاتيكان كان يرأسها الكاردينال ارينزي وهو نيجيري مختص بالحوار مع الاديان، الجهات اليهودية اقل انفتاحا لان اليهودية نفسها دين مغلق مافيه فرصة لداخل جديد الا اذا كانت اصولك يهودية، لكن الحوار معهم لانهم يؤثرون علينا وهم جزء من العالم ويؤثرون فى كل العالم، والحوار معهم لا يوجد شئ يمنعه اصولياً، اما أن تحاور دولة اسرائيل وتدخل معها فى اتفاق وعلاقات هذا يحتاح الي فكر اخر ومنهج اخر يحتاج لحساب موقفك الاستراتجي فى اطار القضية العربية الاسلامية وهل تستطيع انت وحدك ان تتحدث باسم الامة .. لابد أن تستصحب كل الامة فى هذا الحوار السياسي او الفكري، لذلك كما قلت لك هو ليس موضوع يخص فقط المؤتمر الشعبي ولكن يخص المؤتمر الشعبي ضمن منظومة الموقف الاسلامي، الاديان الان مهمة جدا، الان اذا نظرت فى نشرة اخبار الجزيرة تجد الاسلام مهيمنا على معظم الاخبار 90% من الاخبار فيها كلام عن الاسلام، الاسلام عنصر مهم جدأ حتى فى العالم لكن الباحث الاسلامي ضعيف البحث فى القران ضعيف فى الفكر ضعيف البحث فى قضايا التاريخ، الوعي للمسلم المعاصر محدود لذلك كان الحوار هذا سواءً حاورنا اليهودي او غيره كل ذلك يزيد معارفنا.
    ü أمين حسن عمر بعد أن كان سيف الترابي ودرعه وأبرز المدافعين عنه تحول الى سهم ضدي، وفى تصريحاته الاخيرة قذف المؤتمر الشعبي وشيخه الترابي بالحجارة من وراء اسوار، ماهو السر وراء تبدل موقف الرجل .. هل هي ردة؟
    - لا اقول ردة، نحن مختلفون فكريا وسياسيا لكن لم يقم شخص منا بتكفير الاخر، هو طبعا لانه وزير وقيادي بالمؤتمر الوطني والاسئلة التى تلح عليه مسائل سياسية فى مقابل حزب هو يُعتبر الحزب الذى ينتقد المؤتمر الوطني نقداً أصولياً ننتقد الفكرة التى تأسس عليها المؤتمر الوطني نحن نعتقد أن المؤتمر الوطني ليس حزبا اسلاميا ولكن يتاجر بالشعارات الاسلامية فهذا النقد هو النقد المؤلم للاخوة فى المؤتمر الوطني منهم الاخ امين حسن عمر هو اعتبره لايعبر عن موقف فكري حقيقي يعبر عن التزامه السياسي فى هذا المفهوم
    ü الحوار بين الوطني والشعبي لماذا وصل الى طريق مسدود؟
    - هو وصل الى طريق مسدود لانه فى مبادرة محدودة جدا جاءت من المؤتمر الوطني قابلتها مجهودات كبيرة جدا من افراد بصفتهم الشخصية بالمؤتمر الشعبي. الاخوة بالمؤتمر الشعبية ادم الطاهر حمدون، هباني وصديق الاحمر التقوا بـ 16 شخصية بالمؤتمر الوطني، التقوا بالدكتور مصطفي عثمان والتقوا بالدكتور نافع، صلاح قوش، على عثمان، ابراهيم احمد عمر، احمد عبد الرحمن، عبد الرحيم على، عبد الرحيم حسين، بكري حسن صالح ود. غازي صلاح الدين، والقائمة تطول، فهذا مجهود كبير اليس كذلك .. واعتقد انه مجهود ناجح ان تقوم بكل هذه اللقاءات حتى الر ئيس، وكانوا دائما يقولون هنالك شروط حتى يتم حوار رسمي أن يتم اطلاق سراح المعتقلين فى كوبر فى اقرار واضح لمبدأ المساواة امام القانون لانه أي شخص اشترك فى محاولة تخريبية انت اطلقت سراحه. هم الان يحتجون وراء الكواليس أن هؤلاء الاخوة اذا خرجوا من المعتقل سيذهبون الى حركات المقاومة فى دارفور. افرض ان 28 انضموا للمعارضة فى دارفور هذا لن يحدث تغيير نوعي للمعارضة فى دارفور لن تحل المشكلة ولن تنهزم الحكومة فى اليوم التالي بخروجهم هذه بالنسبة لنا حجة مرفوضة فى الاساس لانهم دخلوا بإسم المؤتمر الشعبي الحكومة تحدث الناس أن المحاولة التخريبية قام بها المؤتمر الشعبي الان نسبتهم الى حركة العدل والمساواة ولا تريد أن تخرجهم بهذه الحجة، كل ما تاخر خروج هؤلاء الاخوة من المعتقلات كلما تأخر الحوار الشعبي والوطني.
                  

05-29-2008, 05:21 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    الصحافة
    الإثنين 5 مايو 2008م، 29 ربيع الثاني 1429هـ العدد 5366

    رأي
    دروس إلى الأستاذ عثمان ميرغني:

    د.محمد وقيع الله


    لماذا لا أعتد بإحصاءات جمعيات حقوق الإنسان؟! (3 - 3)
    في مواقع أخرى يجد القراء الكرام ما كنا نزمع أن ننشر في الأسبوع الماضي من آراء لم تعجب من حجبوها فحجبوها، وأقول لهؤلاء الذين لم يرضهم أن يصل مقالي في الأسبوع الماضي إلى القراء، إنه قد وصل إليهم فعلا، وإن عليهم أن يحجبوا إذن شبكة المعلومات الدولية بأسرها إن استطاعوا.
    والحمد لله الذي سخر لنا هذه (الآلية) التي فتقت في الحكومات فتقا ما تستطيع له رتقا، فما علينا والأمر كذلك إلا أن نصل القول، مطمئنين إلى أنه سيصل إلى القراء بهذا السبيل أو ذاك، ومطمئنين قبل ذلك وبعده إلى أنا لا نبغي بما نقول شيئا إلا مصلحة الإسلام وأهله وأنا لا نريد أن نستعدي أحدا أو نغضبه أو نرضيه.
    لماذا لم استشهد باحصاءات حقوق الإنسان:
    هذا وقد كان الأستاذ عثمان قد استنكر في كلمته التي كتبها عني، دفاعي عن دولة الإنقاذ. ولعله يكون قد علم الآن، هذا إن لم يكن يعلم أصلا، أو كان يعلم، ولكنه لغرض في نفسه يتجاهل، أني لا أدافع عن قومي بالباطل، ولا أتردد في نقدهم فيما أراه خطأ وقعوا أو قد يقعوا فيه.
    وكان مما قد تعالم به الأستاذ عثمان - في غير علوم الكومبيوتر هذه المرة، وإنما في علوم السياسة التي لم يدرسها ولم يدر كنهها!- أن خاطبني باستهزاء مستغربا أني استشهدت في مقال سابق لي بإحصاءات صدرت عن بعض المؤسسات النقدية العالمية، كصندوق النقد العالمي، والبنك والدولي، والمؤشرات الاقتصادية السنوية التي تصدرها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
    وقد كانت هذه المنظمات قد أبرزت احصاءات طيبة للنمو الإقتصادي السوداني، مؤداها أن إجمالي الدخل القومي السوداني، قد قفز من (10.3) بلايين دولار في عام 2000 م، إلى (18.5) بليون دولار في عام 2004م، وإلى (23.3) بليون دولار في عام 2005 م، وأن مستوى الدخل الفردي قد قفز من (310) دولاراً سنوياً في عام 2000م، إلى (522) دولاراً في عام 2004 م، وإلى (640) دولاراً في عام 2005م، أي أنه تضاعف خلال خمس سنوات، وأن السودان قد أصبح يسجل باطراد نسبة نمو اقتصادي لا تقل عن 7% سنويا، وأن هذه النسبة كادت أن تصل في العام الماضي إلى 10%..
    ولأن هذه الإحصاءات لم تعجب الأستاذ عثمان، الذي لا يحب أن يرى خيرا لوطنه، إن كان هذا الخير قد تحقق على يد الإنقاذ، فقد قال إن: « خطأ ما في (نظام التشغيل) عند الحركة الإسلامية.. هو الذي يجعل مفكرا إسلاميا مثل د.وقيع الله يستشهد بإحصاءات الغرب عن معدل النمو في السودان.. بينما يرفض إحصاءات ذات المصادر عن حقوق الإنسان في السودان التي فرضت علينا مبعوثا خاصا يراقبنا لأكثر من عشر سنوات».
    ولا يخفى ما في هذا القول من التخليط الشديد، الذي أرجو ألا يكون مقصودا. وإلا فإن الغرب ليس شيئا واحدا، كما يظن الأستاذ عثمان، وإن المصادر التي تحدثت عن النمو الإقتصادي في السودان، ليست هي عينها المصادر التي تحدثت عن انتهاكات حقوق إنسانه. وأنه لا يتحتم موضوعيا ولا منطقيا على كل من يتحدث عن الشأن الإقتصادي السوداني، أن يتحدث كذلك عن احصائيات حقوق الإنسان التي تصدر عنه، فهذا إلزام بما لا يلزم، وإقحام لأمر في أمر ليس له به صلة!.
    وإذا ما قررنا أن نتغاضى عن هذا التخليط كله، مقصودا كان أو غير مقصود، ثم تغاضينا عن ركاكة هذا النص وهلاميته، هذا النص الذي لم ينبئنا على وجه الدقة عمن فرض علينا مبعوث حقوق الإنسان (ذلك المبعوث الذي أساء إلى القرآن.. لو يذكر عثمان!) إذا أغضينا عن ذلك كله، وعدنا للإجابة عن السؤال المرفوع، فإني أقول للسائل إن الكتاب الجادين المنشغلين بالمباحث السياسية والإقتصادية، ومن يدرسون العلوم السياسية والإقتصادية، يتفقون على حيادية وعلمية هذه الاحصاءات الإقتصادية التي تصدرها المنظمات التي استشهدت بإحصاءاتها ولم يشكك فيها أحد منهم فيما نعلم.
    ومما يؤكد علمية هذه الإحصاءات وحياديتها أنها تأتي في الغالب متشابهة، ولا تختلف اختلافا كبيرا، ومما يزيد من موثوقيتها أنها تُجرى على أرض الواقع، وعلى انفصال واستقلال عن بعضها البعض( بلا تآمر مع مراكز قوى مريبة)، وأنها تنضبط بمنهجيات بحثية إحصائية صارمة، ويشرف عليها باحثون أكفاء وأساتذة مؤهلون (غير مسيسين). ولهذه الأسباب مجتمعة فقد تواطأ الأكاديميون على الأخذ بها، بلا حرج، وسمحوا لطلاب الدراسات العليا باستخدام نتائجها في أبحاثهم بلا تثريب.
    التعريفات الصلبة: والمائعة:
    وثمة خاصة أخرى مهمة امتازت بها هذه الإحصاءات الاقتصادية، التي تصدرها المؤسسات النقدية الدولية، وهي أنها نهضت على تعريفات علمية صلبة، لمصطلحات إقتصادية متفق على استخدامها، مثل إجمالى الناتج المحلي، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإجمالي الناتج الصناعي، وإجمالي الناتج الزراعي، وميزان المدفوعات الخارجية، وغير ذلك من المصطلحات الإقتصادية المهمة المنضبطة المعنى والدلالة.
    وأما احصاءات حقوق الإنسان التي طالبنا الأستاذ عثمان أن نأخذ بها، فهي على النقيض من ذلك، تقوم على تعريفات متحيزة مائعة، لا اتفاق عليها، منها زعمهم أن محاربة الشذوذ الجنسي انتهاك لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وأن تعدد الزوجات انتهاك لحقوق المرأة، وأن الحجاب قيد على حريتها، وأن تجريم الإجهاض افتئات على تملكها لجسدها وحرية تصرفها فيه، وأن منع الدولة للخمر انتهاك لحريات الناس، وأن إجبارهم على الصلاة جماعة في المسجد تعدٍّ على حرياتهم الخاصة، وهذه مجرد أمثلة لتعريفات كثيرة لا نتفق عليها معهم، وهذا لا يقع في المجال الإجتماعي وحده، وإنما في المجال السياسي حيث يتعاظم تحيز بعض دعاة حقوق الإنسان المشبوهين ويطغى.
    وإلا فليخبرني الأستاذ عثمان كيف يمكن أن أحترم تقريرا لمنظمة كبرى من منظمات حقوق الإنسان، أصدرته أثناء اشتعال حرب البقان، سودت فيه أكثر من ثلاثين صفحة عن انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، بينما لم تكتب أكثر من سبع صفحات عن جرائم الصرب التي ارتكبوها بحق البوسنويين؟! وكيف أحترم تقارير هذه المنظمات التي كانت تتحدث عن ظاهرة الرق في موريتانيا ثم سكتت عن ترويج تلك الدعوى فور تطبيع تلك الدولة لعلاقاتها بإسرائيل؟!
    وكيف أحترم ذات المنظمات التي كانت تتحدث عن أسواق الرقيق العامرة بالخرطوم أم درمان، ثم سكتت عن ذلك عقب توقيع اتفاقية نيفاشا، وكيف احترم هذه المنظمات ذات البعد الصهيوني التي تدعي الدفاع عن حقوق انسان دارفور، بينما لا تنبس ببنت شفة واحدة عن انتهاكات حقوق الإنسان المسلم في أفغانستان والعراق وفلسطين؟!
    ألا يمكن أن أفهم أن هذه منظمات تتلاعب بحقوق الإنسان، وتوظفها لممارسة الضغوط على بعض البلدان، التي من بينها وفي طليعتها السودان، أولا يمكن أن أفهم أن أشخاصا من أمثال عثمان، تهوِي قلوبهم لحب هذه المنظمات، لا لسبب إلا لأنها تكيد لدولة الإنقاذ، التي كان عثمان يهيم بهواها يوما، ويتمنى أن يزداد وميضه في عهدها، فلما خاب مناه، انقلب عليها، وأصبح يتمنى أن تظاهره في تمرده وشغبه على الإنقاذ، هذه المنظمات المشبوهة، التي لا أجد في قلبي ذرة احترام واحدة لها!!
    لماذا لا أحترم هذه المنظمات:
    إنني لا أحترم هذه المنظمات، لأسباب وجيهة جدا، منها أن هذه المنظمات هي مجرد وكالات تتاجر بشعارات حقوق الإنسان، وتوظف نفسها لدى أجهزة المخابرات العالمية، ومراكز القوى الدولية، والشركات عابرة القارات، وعلى هذا تتوافر الأدلة وتتضافر البراهين.
    وكنت قبل سنوات طويلة قد كتبت تعليقا أثنيت فيه على فطنة الأستاذ كمال الجزولي، الذي كتب مقالا ذكر فيه أن المنظمة السودانية لحقوق الإنسان، تلقت عونا ماليا(ذكر أنها رفضته) من مؤسسة أمريكية مشبوهة، وقد جاء هذا الدعم المالي للمنظمة عندما كانت تعترض على تطبيق الشريعة في السودان، وتقيم في الخرطوم، مؤتمرا لمنظمات حقوق الإنسان العربية، التي كانت تظاهرها في ذلك المسعى، وهو ذات المؤتمر الذي اعترض أعضاؤه على اقتراح الكاتب الشريف الدكتور عبد الله النفيسي، بتصدير بيانه الختامي بالبسملة، وصوتوا بالأغلبية ضده وأسقطوه!!
    إنني لا أحترم هذه المنظمات المشبوهة، لأن لها كيدا عظيما للإسلام، ولكل من يدعو له ويناصره، وقد شنت هذه المنظمات حربا غير شريفة على السودان والإنقاذ، وقد رعتها ووجهتها في هذا السياق العدائي دول كبرى، لم يكن لها تاريخ مشرف في احترام حقوق الإنسان، وأسوأ من ذلك أن لها حاضر غير مشرف في استغلال موضوع حقوق الانسان، والضغط به بطريقة ذرائعية انتقائية ضد بلد دون آخر!
    لماذا لم ينتفع عثمان بهذا القول:
    ولست أنسى ما قرأته في مطالع تسعينيات القرن الماضي، من قول صريح للدكتور عبد الوهاب الأفندي، حينما كان موظفا في خدمة الإنقاذ، ذكر فيه أن المسؤولين الأمريكيين أخبروهم - أي المسؤولين الإنقاذيين والأفندي منهم- أن الحكومة الأمريكية لن تكف عن استغلال شعار حقوق الإنسان ضد السودان، حتى تنصاع الإنقاذ للإرادة الأمريكية، وحينها ستسكت أمريكا عن الإنقاذ، كما تسكت عن أنظمة كثيرة تنتهك حقوق الإنسان، أشد الانتهاك، ولكنها توالي أمريكا وتخدم مصالحها في خاتمة المطاف.
    فهذه الشهادة القديمة القيمة التي أدلى بها الأفندي، فيها تعضيد لما أقول لصاحبه عثمان اليوم، وقد كان حريا بعثمان أن يفقهها وينتفع بها إن كان قد اطلع عليها في ذلك الحين. وفي الوجهة الأخرى فأرجو أن يكون الأفندي نفسه ما زال ثابتا على هذه الشهادة التي فاه بها قديما، ولم ينقلب في سياق - تجارته الحاضرة التي يديرها في مركزه في لندن عن موضوع الحريات - ليصبح مثل صديقه عثمان حليفا مستظهرا بهذه المنظمات التي تتاجر بحقوق الإنسان!
    مأساة الحركة الإسلامية مع الخلعاء:
    ومهما يكن فإن احتفال عثمان واستظهاره بهذه المنظمات المشبوهة واحصاءاتها، لشأن ملئ بالدلالات، وإنه ليكشف لنا عن جانب كبير من ضعف معلوماته وتصوراته السياسية، وخلله المفاهيمي، كما يكشف لنا عن ملمح من ملامح مأساته مع الحركة الإسلامية، ومأساة الحركة الإسلامية معه ومع بعض أشباهه من أبنائها الخلعاء، الذين بنوا شخصياتهم في ظلها، ثم تنكروا لها، وانخلعوا عنها، وغدوا يستعْدون العالم عليها.
    وأشنع ما تبدو لنا تقاسيم هذه المأساة المروعة في سيرة بعض من ولتهم الحركة الإسلامية رئاسات اتحادات الطلاب في الجامعات، فأصابهم الغرور، واستبدت بهم الأوهام، وخيلت إليهم أنهم زعماء أبد الدهر، ولم يقتنعوا أن زعاماتهم ما كانت لتزيد عن فترة عام أو زهائه، كما اقتضت طبائع تلك الأحوال!
    ولذلك شطت ببعض هؤلاء الرؤساء( ولا أقول بهم جميعا بطبيعة الحال، فإن منهم شهداء أعزاء، كالحافظ، وعجول، وآخرين لما يلحقوا بهم) شطت بهم الأوهام والأحلام، وظنوا أنهم إنما وصلوا إلى تلك المقامات العلى، في قيادات اتحادات الطلاب، بقدراتهم الخارقة، لا بقوة الحركة الإسلامية، ورصيدها التاريخي، النضالي، والأخلاقي، الباقي، في وسط الحركة الطالبية، وصاروا يتيهون بالمجد الكاذب، وينتفخون بالخيلاء والزهو، ويزايدون بالشعارات الخلب، ويدفعون بالمطالب الشخصية الخيالية غير المشروعة، ويفتعلون المشاكل والمشاجرات، ويتمردون على الحركة الإسلامية. ولم يكن هذا المدعو خليل بدعا في هذا الشأن، وإنما كان له فيه سابقون ولاحقون.
    هذا ولا يخالجني أدنى شك في أنه يدخل في زمرة عشاق الزعامة هؤلاء، هذا المدعو عثمان. وقد لمست ذلك من وراء سطوره كثيرا، وهاهو يفصح أخيرا عن ذلك بزلة يراع عابرة، عندما حكي عن تجربته الصغيرة القصيرة، في رئاسة اتحاد الطلاب، فقال :» لم نكن ندير اتحاداً للطلاب.. كنا ندير (جمهورية) كاملة.. للطلاب..!!» .. إنه سطر حسير كسير عبر بعمق ودقة متناهية عما يعتمل بدواخله من مطمح بعيد عتيد في أن يصير زعيما على نطاق قطري أو قومي، أي زعيما لـ (جمهورية) كاملة!.
    ولتحقيق ذلك الغرض الهائل، أنشأ منبره الفاشل، الذي سرعان ما انفض عنه السامر، بعدما انكشف زيفه، وانفضحت خبيئته!.
                  

06-04-2008, 08:42 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    الأربعاء 4 يونيو 2008م، 30 جمادي الأولى 1429هـ العدد 5373
    الصحافة

    ما يستخلص من دروس الغزو الأخير (1-2)

    د.محمد وقيع الله



    خلّف الغزو الأخير لأم درمان دروساً جمّة تستحق أن يعكف عليها المتأملون المحللون. وهي دروس كبرى تتصل بمصائر هذا البلد الذي يتناوشه الأعداء. ومهما يكن فقد استبطن هذا الغزو خيراً كثيراً رغم بشاعته البادية للعيان.
    فقد أبان يوم الروع مجدداً عن صلابة أهل الإيمان، الذين تصدوا للغزو، وأعرب فيه أهل الإعلام الذين كانوا يشنون الغارة تلو الغارة على نظام الإنقاذ أنهم أهل وطنية وموطن مسؤولية فلم يرتضوا الغزو ولم يشمتوا في النظام. وأعلن الشعب الأبي بكامله عن رفضه للفوضى ومعارضته لتحركات القبليين العنصريين لتقويض نظام الحكم.
    فهذه مشاعر ينبغي أن يستثمرها أهل الإنقاذ، أقصد الحادبين منهم (وليس أغبيائهم الغارقين في الانتهازية والسلبية والموات) ليجددوا روابطهم بهذا الشعب، ويعمِّقوا وجودهم فيه. وكنت قد لمست خلال السنوات الأخيرة إهمالاً من الكثيرين من أهل الإنقاذ لبعدهم الشعبي الوطني، وساورني إحساس وكأنهم هؤلاء قد قرروا أو تواطأوا على أن يستغنوا عن هذا البعد، ولا أدري مدى صحة إحساسي من خطئه، ولكن هذه اللحظة الراهنة هي اللحظة الناضجة السانحة للتحرّك للإنغماس في صميم الشعب والاهتمام بصورة أكبر بمطالبه.. وهذا مجرّد نداء إلى بيروقراطية ما يسمى بالمؤتمر الوطني!!
    عبقرية تحطيم الحركة الإسلامية:
    أقول هذا لأنه إذا كانت القوات النظامية قد أبلت في مقاومة الغزو وإزهاقه، فإن أفراد الشعب كان لهم دورهم العظيم في الإبلاغ والتعقّب ومحاصرة الفلول الشاردة والقبض عليها وقد اتضح ذلك من دلالة الرقم المهول للإتصالات الهاتفية التي تلقتها الأجهزة المختصة بتنظيف العاصمة من الغزاة.
    وبعد ذلك فعلى الشعب أن يواصل جهوده بمسؤولية وبراعة لينظف العاصمة من أفراد الطابور الخامس الذي لا يقل شراً عن شر الغزاة، وأن يعمل على تمييز أفراد هذا الطابور ومراقبتهم وشلِّ حركتهم، فهم المنوط بهم تسديد حركة الغزاة وتوصيلهم إلى أهدافهم، ولا نعدو الدقة إن قلنا إن قيادة هذا الطابور الخامس بالداخل هي التي دبّرت هذا الغزو من الأساس.
    وإن هذا الشيخ الذي استخدم عبقريته في الماضي ليسهم في إعادة هيكلة الحركة الإسلامية وتشكيلها وتوجيهها وقيادتها نحو تحقيق نجاحاتها، يريد اليوم أن يستخدم عبقريته لتحطيم الحركة الإسلامية وتبديد منجزاتها، ولكن فاته أن يعلم أن ذلك غير ممكن وغير متاح، لأن ظروف الزمان المواتية له قد ولّت وانقضت، وقد فات على أصحابه ومعاونيه أن يدركوا أن فلسفة التاريخ قد أثبتت أن دور البطل لا يصنع وحده مفاصل التاريخ، وأن عبقرية الزعيم مهما عظمت لا تفعل فعلها عن استقلال عن ظروف الزمان والمكان!
    وقد فات على هؤلاء جميعاً أن يستيقنوا أن مكامن القوة في الإنقاذ ستتصدى لهم دائماً، وتفطن لمكرهم، ومن هو أقدر على فهم مكائد الشيخ من تلاميذه وتلاميذ تلاميذه وتلاميذهم، بل إن الشعب كله قد أصبح متفطناً لهذا الدهاء الشرير الذي خطط يوماً لاعتقال قادة الحكم وهم يؤدون صلاة الجمعة وهو دهاء أين منه دهاء إبليس!
    وإذا كان هذا الشيخ قد ظن أنه مثلما بنى الحركة الإسلامية فهو قادر على تقويضها، فليدرك أنه قد وجد حينها على الخير أعواناً من أهل البر المتجردين المحتسبين، وهذا هو غير حاله اليوم حيث لا يجد على ما يبغي من الشر أعواناً إلا من زمر العنصريين المعزولين الذين لا قضية لهم تقنع ولا هوى للشعب فيهم، فهم منبوذون من قبل أهلنا الكرام الأحبة في دارفور قبل غيرهم، ولا أدل على ذلك من أن هؤلاء الغزاة البغاة من عشاق السلطة، لم يجدوا لهم أعواناً وجنداً إلا من الأطفال الصغار القصّر أو من جاوزوا سن الرشد بقليل، وأمثال هؤلاء لا يمكن أن ينجزوا للشيخ أهدافه الكبار التي يتعصًّب لإنجازها ويرهن لها ما بقي له من سني العمر القصار!
    الحماقة أعيت من يداويها:
    وهكذا فربما كتب على الحركة الإسلامية السودانية أن تبقى في حالة تربص دائم مما تجود به قريحة هذا الشخص المفتون، فهو يرى أن لزاماً عليه أن يحطم كل شيء ليشفي غيظه وغيظ العنصريين وينتقم. ولذا لا تراه يبدي أدنى مرونة في حوار أو مشروع تصالح، والذي يحدوه التعصب ومرض النفس بهذا الحال ما أحراه أن يفشل في تحقيق كل هدف يرنو ويصبو إليه!
    إن هذه الأحقاد المشتعلة التي تأبى عليه الجنوح إلى الصلح كانت هي بلا شك مسوغ توجيهاته كما كانت بواعث تحركات ذلك الغزو الإجرامي الأثيم، وأما التلفع بالشعارات الطنانة (في بسط الحرية والفيدرالية)! وأما الانتساب إلى مبادئ (العدل والمساواة!) فهذا كله زور في باطنه الزور، وكلها دعاوى تتعارض مع تبريرهم المتوقح لارتكابهم جناية الغزو، وترويع الآمنين، وهو التبرير القائل بشرعية نقل المعركة إلى الخرطوم!!
    وهذا التبرير ردده للأسف البالغ هذا الشيخ السابق، الذي ملّ الناس وسئموا من كثرة تعابثه بالمنطق وتعاظله بالألفاظ، وما عادوا يرون فيه إلا علامة من علامات الحمق والجهل الذي يودي أول ما يودي بصاحبه، وصدق من قال: لا يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه!
    والجهل بهذا المعنى هو نقيض الحلم وليس نقيض العلم. فأخو الجهالة في قول القائل هذا هو من لا يفيده علم، وإن كان من أصحاب العلم الوافر، لأن جهله يطغى ويَعم ويُعمي ويَصم! وإلا فما الذي أضل هؤلاء المتشنجين الذين غزوا العاصمة هذا الغزو الطائش الذي نحروا فيه أنفسهم، إلا توتر عواطفهم وتأجج أحقادهم الذي أعشى أبصارهم وبصائرهم وخيّل إليهم أنهم يمكن أن يدحروا جحافل قواتنا المسلحة الباسلة، وقوات أمننا المستيقظة، وكتائب دفاعنا الشعبي المفطورة على عشق الجهاد!
    دلالة العامل الفرنسي:
    أم يا ترى أن ما شجّع هؤلاء الغزاة هو قدوم العامل الفرنسي الذي جاء يشد من أزرهم ويؤكِّد وزرهم؟! وتدخل فرنسا في شؤون السودان قد جاء في هذه المرة بصورة سافرة ليس لها مثيل منذ يوم فشودة. ورغم أن الحكومة السودانية قد أشارت إلى هذا العامل من دون أن تسميه، إلا أن الناس قد فهموا أن الفرنسيين هم المقصودون وأنهم هم الذين قاموا بمد الغزاة بمعلومات الأقمار الصناعية عن مسارات الجيش السوداني في الصحراء حتى يتفادوه.
    وإن صح هذا الاتهام، وليس من شيء يحول دون ذلك، فلا يمكن أن يكون الدور الفرنسي قد اقتصر على ذلك العمل الإرشادي التوجيهي وحده، ولا بد أن يكونوا قد قاموا بأدوار أخرى في مساندة الغزاة في مجالات التخطيط والتدريب والتمويل، وبالتالي فلا بد أن تكون للفرنسيين مصالح كبرى، مباشرة أو غير مباشرة، دعتهم للتورط في دعم الغزاة بهذا القدر، فما هي تلك الأهداف؟!
    قد يقال إن خوف الفرنسيين من سقوط النظام التشادي هو الذي دعاهم لمحاولة اسقاط نظام الإنقاذ، ولكن يصعب قبول هذه الفرضية لأن الإنقاذ لا تريد اسقاط النظام التشادي ولو أرادت لفعلت فإسقاط النظام التشادي لا يخدم الإنقاذ في شيء بل ربما عقَّد أوضاع دارفور أكثر وأكثر، ويزيد من ضعف هذه الفرضية أن فرنسا لم تقدّم اتهاماً صريحاً ولا ضمنياً لحكومة السودان بالتدخل في الشأن التشادي أو محاولة اسقاط حكومة انجمينا.
    وربما قيل إن الحكومة الفرنسية قد جاءت في عهدها اليميني الحاضر بأجندة جديدة تتصل بتقوية مستعمراتها السابقة حيث تريد توسيع نفوذها اهتداءً بالنموذج الأميركي في توسيع نفوذ الدول الحليفة لتؤدي أدواراً إقليمية لصالح الاستراتيجية الأميركية.
    وهنا ربما هدفت فرنسا ساركوزي إلى تقوية تشاد بتمكينها من مدِّ نفوذها إلى السودان والتحكّم فيه وتسخير إمكاناته لخدمة الاستراتيجية الفرنسية في المنطقة. وهنا ربما هدفت باريس إلى اللعب بعامل الأقليات الإثنية الذي لعبته واشنطون بنجاح من قبل حيث ساندت عدة أقليات إثنية صغيرة ومكَّنتها من حكم أقطار إفريقية أصبحت تدور في الفلك الأميركي، والنموذج الفرنسي المطلوب صنعه في هذه الحال شبيه بالنموذج الذي اصطنعه الأميركيون في أوائل التسعينيات بمساندتهم لأقلية إثنية صغيرة تمتد في قطرين إفريقيين متجاورين، وتمكينها من حكم هذين القطرين اللذين يحدان السودان من تلقاء الشرق!
    وربما افترض البعض أن فرنسا لم تؤد هذا الدور في مساندة الغزو الأخير إلا بالوكالة عن أميركا وحكامها من المحافظين الجدد الغلاة الذين آن لهم أن يتخلوا عن الحكم قبيل نهاية هذا العام وهم لا يريدون أن يتخلوا عن الحكم مجللين بهزائمهم وارتكاساتهم في أفغانستان والعراق ويريدون أن يحققوا انتصاراً تعويضياً خاطفاً في السودان.
    وهذا قول له وجاهته ومقبوليته وعليه انتقاد. فمما يزيد من وجاهته ومقبوليته أن فرنسا أصبحت تسارع في رضا أميركا وتجتهد في فعل كل شيء يرضيها ويقربها منها، ومما يزيد من وجاهة هذا القول ومقبوليته أن المرشح الرئاسي الجمهوري، جون مكين، وهو وإن لم يكن من المحافظين الجدد إلا أنه ليس بعيداً منهم، أضحى في أشد الحاجة في موقفه التنافسي الحالي الحرج إزاء أوباما إلى أي نصر أميركي في الخارج، ولا شك أن انتصار المتاجرين بقضية دارفور وتمكنهم من تحطيم نظام الإنقاذ كان سيدعم موقف مكين الانتخابي إلى أقصى حدّ.
    ولكن مما ينتقد عليه هذا الفرض القائل بقيام فرنسا بدعم الغزو الأخير النيابة عن أميركا أن واشنطون كانت قادرة بنفسها على أداء هذا الدور الذي أداه الفرنسيون وما كانت بحاجة إلى توكيل طرف آخر ليقوم به. كما أن أميركا ربما لم تكن ترى فائدة في هذا الغزو لأنه سيربك في حال نجاحه خطتها في إنفاذ اتفاق نيفاشا الذي تستهدف به في النهاية تمكين طرف آخر من جنوب السودان وليس من غربه كي يتمكّن من حكم السودان.
    وأخيراً ربما تسرّب قول يربط ما استهللنا به هذا البيان بما هو في آخره، وهو أن العامل الفرنسي في الغزو الأخير له ارتباط شديد بدهاء خريج السوربون الذي سلمهم كارلوس من قبل فقدروا له ذلك الفعل ووثقوا بجدوى التعامل معه وانخرطوا من ثم في مساندة أتباعه المرتبطين به.
    وهذا القول إذا أصاب فصوابه جزئي، لأن الأحداث الكبار لا يصح تعليلها بالعوامل العرضية وحدها، فمثل هذا العامل إذا صح وروده، لا بد أن يأتي مستصحباً في ثنايا حشد من العوامل التي تتجاوزه قدراً وأهمية فهو يكتسب أهميته منها لا العكس.
    ولكن حتى الآن لا يوجد ما يدعو لاستبعاد هذا العامل الجزئي، ومما يدعو إلى النظر الجدي فيه، ما تأكد من أن واحداً من أهم وأسرع ما كان الغزاة بصدد تحقيقه، هو اختطاف عدد من المسؤولين وتسليمهم لجهات خارجية لتقوم بتسليمهم لما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية.
                  

06-12-2008, 03:57 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)

    11 يونيو 2008م، 7 جمادي الآخرة 1429هـ العدد 5380

    رأي
    ما يستخلص من دروس الغزو الأخير؟! (2من2)

    د.محمد وقيع الله
    الصحافة

    من المنشية.. إلى انجمينا.. إلى باريس!
    تحدثنا في الحلقة الماضية عن بعض دوافع الغزو الأخير، وتركّز أكثر حديثنا على العامل الداخلي، المتصل بصراع الإسلاميين فيما بينهم، وقلنا إنه عامل ما كان ينبغي أن يتطاول إلى هذا الحد، لولا إصرار شخص واحد على تطويل أمد الصراع، وتكثيفه، والاستخفاف بنتائجه. كما تحدثنا عن العامل الخارجي، وركّزنا على ما يمكن أن يدفع دولة مثل فرنسا لمؤازرة غزو السودان انطلاقاً من تشاد.
    وفي حديث اليوم نركِّز على بعض مهمات ما بعد الغزو، وملامح الحل الجذري المرتجى لمعضل دار فور.
    تنمية دار فور:
    وفي هذا المدى لا يحسن أن تستغرقنا أو تستخفنا تفاصيل أحداث الغزو الأخير، وتبعدنا بالتالي عن لب الموضوع وجوهره. ومع تسليمنا بأن الكثير من عوامل الصراع في دار فور وحولها هي عوامل سياسية محضة، إلا أن الحل الجذري الناجز لهذا الإشكال المعضل، لا يمكن أن يتأتى، في تقديرنا، إلا طريق الاقتصاد.
    ولهذا فمن المهم إلى أقصى مدى أن تتواصل مجهودات التنمية في المناطق الآمنة في دار فور، وأكثر مناطقها هي آمنة الآن، بحمد الله، وأن تعطى دار فور في مجملها الأولوية الكبرى في خطط التنمية والتعمير، خلافاً للخطة المنسوبة لحمدي. فالتنمية الاقتصادية هي أساس الحل للمشكل الدار فوري على المدى البعيد. فعندما يرى المحاربون الفارق بين تقدّم المناطق الآمنة وتقهقر المناطق المشتعلة فتناً وفوضى سيدركون تماماً أن ما كانوا يحاربون من أجله -إن حقاً أو باطلاً- قد تحقق في المناطق الآمنة التي ليست ببعيدة عن رقعتهم.
    وليست مشاريع التنمية التي يطالب بها أهلنا الكرام الأحبّة في دار فور بالمشاريع الباهظة التكاليف، ومما نعرفه عن أهل دار فور أنهم أكرم من أن يغالوا في طلب أو يطلبوا محالاً، فكل ما طلبوا من مشروع هو أمر مشروع، بل هو أقل مما كان ينبغي أن يطلبوا بكثير.
    ولا نرى أن البشير غافل عن تلبية ما يطلبه أهل دار فور الكرام، ولكن بيروقراطية الدولة المقيتة، ووزراء الغفلة السذج، هم الذين يصعِّرون خدودهم، ويتجافون عن تحقيق هذه المطالب العادلة، تعالياً منهم، واهمالاً، وقلة إحساس بآلام الناس ومشاكلهم ومطالبهم.
    فارس كأسامة:
    وإذا كانت الدولة جادة في تنفيذ خطط تنمية سريعة لدار فور، فلا بد لها من كادر تنفيذي مختلف، يقوم عليها، أو قل لا بد لها من أشخاص من خارج مجلس الوزراء، ومن خارج بيروقراطية الجهاز التنفيذي، من عشاق الاجتماعات والسفرات. لا بد لها من أشخاص من أصحاب الهمم العالية، والثورية العارمة كأسامة، ذلك الهمام الذي قرر أول ما قرر أن يتخطى عقبات وعقابيل البيروقراطية التعيسة، ليتسنى له أن ينجز ما أتى من إنجاز تاريخي هائل حفظ به مكانة عليا في تاريخ جهاد التنمية في السودان!
    وإن أمثال أسامة في أبناء دار فور لكثر، وإن الدولة لن تعجز أن تجد منهم من توليه أمر التنمية هناك، وتعفيه -لزاماً- كما أعفت أسامة من معوقات الروتين التي يمكن أن تحبط هذا الجهد المطلوب.
    لبنان دار فور:
    ولتكن البداية التنموية بداية قوية تسهل ما يليها من مهام، ولتكن هذه البداية بحفر مائة أو مائتي ألف بئر ارتوازي خلال نصف عام أو عام، وبذلك تنحل أكثر مشاكل الصراع القبلي حول الكلأ والماء، ويمكن تخضير أراضي دار فور جميعاً طوال العام عن طريق هذه الآبار، فيتوطَّن الناس ويتركون حياة التنقال، ويسهل تقديم الخدمات الصحية والتعليمية إليهم، وتنشأ المصانع تدريجياً لتصنيع خيرات الأرض، فتصبح دار فور جنَّة من جنان الدنيا كالدنمارك ولبنان!
    إن هذا ليس حديثاً عجباً من أحاديث الأحلام! بل هو الواقع الذي يمكن صنعه بعزائم الرجال، وإذا كانت الإمكانات قد أعوزتنا في الماضي، فهي ليست تعوز بلادنا اليوم، إن الذي يعوزها هو تبلَّد بعض الوزراء، وفحش الجهاز البيروقراطي، وقصر نظره، وضعف الحس العلمي لديه، وكثرة تعلله بضعف الإمكانات!
    وما على من يشكك في كلامي هذا إلا أن يدرس تجربة إقامة سد مروي العملاق، وليحدثني إن كان إنجازه ممكناً عن طريق الإكثار من الاجتماعات، وإصدار القرارات، التي تنسخها قرارات، تتلوها قرارات، يصدرها بلا توقف ولا روية عشاق إصدار القرارات في لجان الجهاز البيروقراطي المريض الممراض.
    أسئلة ثقافة التخلَّف:
    ولا بد من سائل متنطع يسأل ويقول: وما ضمان أن يحل المشكل الدارفوري عن طريق تنمية ذلك الإقليم، والرد على أمثال هذه الأسئلة الجاهزة جاهز، وهو أن تنمية ذلك الإقليم أمر مستحق وواجب حتى ولو لم تأت التنمية بالحل الناجز للإشكال.
    والواقع أن مثل هذه الأسئلة الاحباطية هي من نتاج ثقافة التخلف (المزدهرة!) في السودان، فكلما طرأت فكرة للتنمية انبرى البعض لتسخيفها والغض منها بمثل هذه الترهات. وفي الواقع فإني لم أطرح هذا الحل إلا لأنه -في رأيي- هو الحل النهائي طويل المدى لموضوع الصراع، وأما الحلول التكتيكية، قصيرة المدى، التي تعتمدها الحكومة الآن، فهي وإن أسهمت في التهدئة من جانب، فإنها تسهم من جانب آخر في إطالة عمر الصراع، لأنها تستبقي أسبابه ولا تخاطبها ولا تواجهها بالحل الأصيل.
    ولعله مما لا يشجِّع الحكومة على اعتماد الحل التنموي كحل أساسي للصراع، ما تلمسه من عدم اهتمام حركات التمرد في دار فور بهذا البعد، وإن اتخذته تعلَّة للتمرد وحمل السلاح، فالمشكل قد يبدو للحكومة بهذا المنظور مشكلاً سياسياً، ونتاج مؤامرة خارجية تستهدف حكم الإنقاذ، وترنو إلى الهيمنة على السودان إثر إزاحة سلطة الإنقاذ القومية من الحكم، وتحكيم أقليات اثنية صغيرة فيه.
    وقد يبدو الأمر للحكومة أن المشكل برمته لا علاقة لدار فور به، وأنه مجرَّد بقايا إفرازات لمفاصلات الحركة الإسلامية وفصلها لأحد أجنحتها بقرارات رمضان. وقد عبَّر عن هذا الفهم أخيراً الدكتور مسار عندما قال لصحيفة (الشرق الأوسط) إن غزو أم درمان كان فصلاً من ملحمة الصراع بين جناحي الإسلاميين لا غير، وإنه ليس لدار فور به ناقة أو بعير، وهذا قول ليس عليه نكير، فموضوع الغزو الأخير كان قد تمخَّض بأكمله عن عقل في المنشية، تجاوب معه عقلان بانجمينا وباريس، ووظّف لتنفيذه فريق العدالة والمساواة الموظّف لدى الشعبي وليس لدى أهل دار فور الكرام.
    إن قول مسار صحيح، وقد كان حصيفاً ودقيقاً عندما حصر قوله في موضوع الغزو الأخير، ولم يشمل به كل أبعاد الصراع ومسبباته، وبهذا فيمكن للحكومة أن تراعي في مسألة صراعها مع أتباع (العدالة والمساواة) أمر ارتباطهم بالمؤتمر الشعبي، كما يمكن لها أن تراعي في ناحية صراعها مع مجموعة محمد نور أمر ارتباطها بالحزب الشيوعي السوداني.
    ولكن هذا كله لا يتعارض في النهاية مع ضرورة التصدي لأمر التنمية في دار فور، واعطاء هذا الإقليم أولوية مطلقة على بقية أقاليم السودان في هذا الخصوص، فهذا هو الحل الأصيل الناجز، لا ذاك الذي يعقد مع أفراد النخب، على أساس استرضائهم بالمناصب والأعطيات. وبالطبع فلا بأس بهذا الحل الأخير، على المستوى التكيكي، مع التسليم بأنه لا يغني عن المضي والانخراط في المجهود التنموي الكثيف.
    الطرق على الحديد الساخن:
    وقد جاءت غزوة أم درمان الأخيرة على بشاعتها لتكون بمثابة عامل تسخين يهيء ظروف التفاوض والصلح، حيث نأمل أن يتسارع عقلاء الأمة وعلى رأسهم المشيران البشير وسوار الذهب للبدء في طرق هذا الحديد الساخن. وهنا لا بد أن تبدي الحكومة مزيداً من المرونة والتنازل، وأن تعدل لغة خطابها الحالي المتشدد مع بعض أطراف التمرد، وأن تكشف عن سماحة معقولة (في إطار الحزم) مع من ارتكبوا جرم الغزو.
    وهنا نرجو أن ينال المعتقلون المتهمون بالاشتراك في الغزو معاملة حسنة، وأن يحاكموا محاكمات عادلة، وأن تخلو أحكامها من العقوبات المشددة كالإعدام ونحوه. وأما أبناؤنا الصغار الذين استخدموا في الغزو، فقد أحسنت الحكومة معاملتهم فيما نعلم، وبذلك شهدت بعض منظمات المجتمع الدولي، وإذا لم تقرر الحكومة فك أسر هؤلاء الصغار وإلحاقهم بذويهم، فيرجى أن تكتفي بحبسهم في مدرسة داخلية راقية، يجري إعدادهم فيها للمستقبل إعداداً طيباً، كغيرهم من أبنائنا الصغار، وبذلك تقدم الإنقاذ مأثرة حضارية خيرة جديدة، في سياق مآثرها الحضارية الخيرة التي لا يحصيها التعداد.
    قوة مضافة إلى الإنقاذ:
    ولا يضعف الإنقاذ في شيء أن تجنح إلى التسامح والتصالح والتغافر، كما لا يضعفها في شيء أن تتوالى عليها المحن والإحن والشدائد، وأن تصطلح عليها النقائض والأضداد، فكل ذلك مما يقويها ويرسِّخ جذورها ويمد لها في أسباب البقاء.
    وقد شهد فلاسفة التاريخ الأقدمون، وشهد عميدهم في هذا العصر، أن أكثر الدول والشعوب تعرضاً للغزو والعدوان، تبقى الأشد تأهباً للكفاح، والأكثر عمراناً وازدهاراً في خاتمة المطاف، وضربوا لذلك الكثير من الأمثال!
    وهذه هي سيرة الإنقاذ منذ بدايتها تشهد بإئتمار كبار طغاة العالم عليها، وبتعرّضها لكل ضروب الحصار الاقتصادي والبغي والعدوان، سواءً من تلك الدول الكبرى مباشرة، أو عن طريق الدول الصغرى المجاورة. وقد استطاعت الإنقاذ -بفضل الله تعالى وطوله- أن تمتص جميع الضربات، وأن تخرج من كل محنة وإحنة، وهي أزكى جوهراً، وأصقل عوداً، وأمضى قوة وشكيمة.
    وقد أبانت معارك التصدي لجحافل الغزو الأخير، عن شيء من ذلك كثير، ونالت الإنقاذ من رضا الشعب القدر الوفير، فياليتها تحافظ عليه وتصونه، وتنميه بمزيد من العمل الصالح، والضرب بأيدٍ من حديد مُحَمَّى، على سوس الفساد الناخر في بعض الجذور.
                  

06-19-2008, 05:19 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان فى السودان !! (Re: الكيك)


    الممكن والمستحيل في إنقاذ الإنقاذ

    د. عبد الوهاب الأفندي
    [email protected]

    تحدثنا في المقال السابق عما نعتقد أنه العقبة الأكبر أمام نظام الإنقاذ وهو يواجه اختبار المشروعية والتطبيع في الزمن الضائع، حيث يبدو أنه في حال من القوة والسطوة بسبب تركز السلطة والمال في يده وضعف المعارضة وتشرذمها، إلا أن هذه القوة تتعرض من جهة لهجمة شرسة من الداخل والخارج، بينما تبدو هشة حتى في نظر أصحابها الذين يعتقدون أن مجرد تعليق في صحيفة قد يهدد قبضتهم على السلطة.

    ولا تنبع هشاشة هذه القبضة على السلطة من التحديات المادية التي تواجهها، على عظم هذه التحديات التي تمثلت في الثورة المسلحة والرفض الشعبي والاستهداف الدولي، بل من إشكالات أعمق تتمثل في فراغ الشرعية من جهة وضعف المقدرات والإمكانيات السياسية من جهة أخرى. فراغ الشرعية المركب نشأ من عدة عوامل متداخلة، أولها نتج عن اعتماد النظام شرعية مزدوجة متناقضة ذاتياً. فهو من جهة يطرح مشروعاً إسلامياً (أطلقت عليه تسمية "المشروع الحضاري") اعتبر أساس شرعية الحكم والتعبئة لصالحه، إضافة إلى رسم الحدود بين من يقف مع النظام ويقف ضده. ولكن النظام كان من جهة أخرى قد باعد بين نفسه وبين الشرعية الإسلامية (كما يتضح من اختيار تسمية المشروع الحضاري) لعدة أسباب، منها في أول عهده التخوف من ردة الفعل المضادة داخلياً وخارجياً، ومنها أيضاً طرح النظام نفسه كنظام قومي يخاطب كل الشعب السوداني الذي يضم قطاعاً كبيراً من غير المسلمين.

    هذا التناقض الذاتي في أساس الشرعية وصل مرحلة الأزمة بسبب عاملين آخرين، الأول الصراعات الداخلية والانشقاق الذي مزق الحركة الإسلامية، وثانيهما التناقض الصارخ بين الشعارات والممارسة. الضرر الناجم عن الانشقاق لم يقتصر على تنابز أطرافها المتصارعة بالألقاب، وتبادل الاتهامات بالفساد والانحراف، وإن كانت تبادل الاتهامات من الكبائر ومن مقوضات الشرعية. فحين تصدر الاتهامات من شيخ الإسلاميين لكل أقطاب الحكم بالفساد والانحراف، خاصة حين تكون مؤيدة بالشواهد والمعلومات، فإنها تكون مسموعة لدى الرأي العام ومصدقة لديه أكثر مما لوصدرت عن المعارضين المعروفين. وبالمثل فإن اتهامات أهل الحكم لشركائهم السابقين في الحكم بكل نقيصة تكمل الحلقة وتقنع من كان متردداً بأن الإسلاميين مستودع لكل نقيصة وانحراف. ولكن التصدع العلني للحركة الإسلامية كشف فوق ذلك عن انهيار أخلاقي شامل لم يكن الانشقاق سوى آخر حلقاته. فقد كانت الحركة أفرغت نفسها من محتواها الأخلاقي حين داست على محظورات كثيرة في سبيل الوصول إلى السلطة والتمسك بها، فيما يشبه العملية الانتحارية. وعليه فإن الانشقاق لم يكن هو السبب في سقوط الحركة، بل مجرد الإعلان عنه.

    ومهما يكن فإن الرأي العام لم يكن في حاجة لشهادة الإسلاميين على أنفسهم حتى يقتنع بأنهم بعيدون عن الالتزام بما ألزموا أنفسهم به من اتباع لقيم الإسلام. فقد شهد الناس من الإسلاميين أثرة في أمور المال والسلطان، وإقصاء لمن خالف أو شك في ولائه. وقد تطور الأمر بحيث أن غالبية الإسلاميين قد وجدوا أنفسهم بدورهم في خانة المشكوك في ولائهم، حيث أصبح الولاء المطلوب ليس لله ورسوله وقيم الإسلام، بل لمن بيدهم الأمر. وفي هذا الصدد فإن التشكك فيمن يعتقد فيهم صدق التوجه الإسلامي يكون أكبر لأنهم على الأرجح لن ينصاعوا لكل ما يطلب منهم من أمور قد تخالف ضمائرهم.

    ولا يقتصر الأمر على اختصار المشروع الحضاري في منطق السلطة وإخضاع كل اعتبار آخر لهذا المنطق، بل إن الانتقال من إنكار المشروع الإسلامي إلى التنكر له مر بمرحلة تحول فيها التدثر بالخطاب القومي من قناع إلى اقتناع. كثير من المراقبين، وخاصة الزوار الأجانب لاحظوا أن كبار رجال السلطة كانوا يتحدثون عن السودان أكثر من حديثهم عن الإسلام. على سبيل المثال، حين كانوا يتحدثون عن الخلاف مع النظام المصري أو أنظمةعربية أخرى، فإن الخطاب لا يركز على خلاف بين نظام علماني وآخر إسلامي، وإنما كان يركز على التباين الثقافي بين مصر والسودان. فكأن الحكام اعتبروا أنفسهم الناطقين باسم الهوية السودانية والمجسدين لها. وقد رشح هذا الخطاب إلى الإعلام الذي أصبح يكثر من التغني بالسودان وحضارته الضاربة في القدم وما يتمتع به من مزايا وينفرد به من مكارم وخصال.

    ولكن الإشكال في هذا التبدل في الخطاب أنه لم يبلغ الجمهور المقصود به أو يؤثر فيه الأثر المطلوب. فالخطاب الإسلامي لم يقنع القطاع المتدين بسبب التسييس الحزبي المفرط لهذا الخطاب، وتضارب الولاءات التي يتدثر بها مع الولاءات التقليدية لقطاع كبير من المتدينين. هذا فضلاً عن الشعور العام بعدم الصدق في هذا الخطاب وتضاربه مع ممارسات الأثرة والإقصاء التي أشرنا إليها. أما خطاب القومية السودانية فهو أيضاً لم يصب هدفه لأنه يتضارب من جهة مع الخطاب الإسلامي، ومن جهة أخرى مع أطروحات منافسة حول الهوية السودانية تطرحها قوى سياسية أخرى، أبرزها الحركة الشعبية.

    من هنا يمكن أن يقال أن فشل الخطاب الرسمي في بلوغ أهدافه ينبع أساساً من ضعف هذا الخطاب وتناقضاته الذاتية، وافتقاده للصدق ولتطابق الأقوال والأفعال. وهناك فوق ذلك ضعف الخطاب نفسه وعدم احترامه لعقول الناس. على سبيل المثال نجد أن الخطاب ظل لفترة طويلة يجتهد لإقناع العالم بألا علاقة للنظام بالحركة الإسلامية، في حين أن الأسماء المعروفة في قيادة الحركة الإسلامية كانت توحي عبر ممارساتها وخطابها بالالتحام الكامل بين النظام والحركة. ولكن الخطاب تطور بعد ذلك، خاصة بعد الانشقاق، لتكذيب الخطاب السابق وتأكيد العلاقة الوثيقة بين الحركة الإسلامية والسلطة، مما أضر إضراراً مزدوجاً بمصداقية الخطاب الرسمي.

    وقد تعمق الإشكال بضعف وإضعاف القدرات السياسية للنظام، أولاً كنتيجة لإضعاف الحركة الإسلامية وإخضاعها لأجهزة الدولة، وخاصة الأجهزة الأمنية وبقية التشكيلات السرية. وقد أضر اعتماد التشكيلات السرية بالقدرات السياسية للنظام لأن من كانوا يحتلون مواقع صنع القرار في هذه التشكيلات كانوا يستخدمون الواجهات العلنية للنظام، بمن في ذلك كثير من القيادات العليا في الحكومة، كأدوات قابلة للاستغناء عنها. فكان يلاحظ إلقاء اللوم في السياسات المكروهة على هذه القيادات العلنية دون مبالاة بفقدانها للشعبية، أو تعرضها لفقدان المصداقية بسبب التغير المستمر للسياسات. وقد انعكس هذا الواقع على النظام ككل حيث أن هذه الشخصيات كانت واجهاته.

    من جهة أخرى فإن التشكيلات السرية لم تكن تهتم بكسب الرأي العام عبر الإقناع والحوار، خاصة وأن الشخصيات الفاعلة لم تكن تريد أن تكشف عن دورها في هياكل السلطة أو عن سياساتها الحقيقية. لهذا لم يكن هناك مفر من استخدام القوة أو الإغراء للتغلب على الخصوم أو كسبهم. ولأن إمكانية الإغراء محدودة عند النظام بسبب ضعف موارده وعمق الخلاف مع الخصوم، فإن القوة (أو المخادعة) كانت السلاح المفضل.

    هذه الأساليب عوقت بدورها نمو القدرات السياسية وإمكانية التعبئة، لأن الاعتماد الزائد على الدولة جعل الكوادر السياسية تفتقد القدرات والمهارات اللازمة للتحرك السياسي. فلأن زعيم الحزب الحاكم في كل ولاية أو محافظة يكون هو الوالي أو المحافظ بحكم المنصب، فإن هذا المسؤول يعرف أنه هو الذي يرأس كل الكوادر الحزبية ويتحكم في ميزانية الولاية، وبالتالي فإنه لا يحتاج لأن يدخل في حوار مع مرؤوسيه في الحزب لاستمزاج رأيهم في السياسات، فضلاً عن أن يدخل في حوار مع بقية المواطنين والمعارضين ويأخذ آراءهم في الحسبان. حتى في القطاع الطلابي نجد أن النظام يغدق على أنصاره إمكانيات مالية ضخمة، ويربطهم بمغانم السلطة ونفوذها، مما يفقد هذا القطاع أهم مميزاته، وهي التعبير عن المبادئ والتضحية في سبيلها.

    وبالتالي فإن أضعف أحزاب المعارضة تمتلك قدرات تعبوية أكبر من الحزب الحاكم، لأنها مضطرة للنضال من أجل تحقيق القبول الجماهيري، وذلك عبر الاستماع إلى صوت الشارع والتعبير عن مشاعر ومظالم ومطالب الجماهير. وبالمقابل فإننا نجد النظام وإعلامه الرسمي يتجاهل صوت الشارع ويسعى لعكس صورة مشرقة للواقع ينكرها المواطن العادي.

    كنت قد شبهت في تعليق سابق التنافس الحزبي بالتنافس الرياضي الذي ينتظر أن يفوز فيه الفريق الأفضل تأهيلاً وتدريباً ومهارات. وفي هذا المجال فإن الحزب الحاكم في السودان أشبه بفريق يعتقد مالكوه ومدربوه أن الوسيلة الأضمن هي بالفوز تتمثل في إضعاف الفريق المنافس، ربما عبر تكسير أقدام أفضل لاعبيه، أو إبعادهم بالقوة من الملعب، أو برشوة الحكام، أو عبر التلاعب بالكرة أو الملعب. ولأن تركيز إدارة الفريق كانت على مثل هذه الأساليب، فإنها أهملت تدريب الفريق واختيار اللاعبين المهرة أو اعتماد الخطط الناجحة، بحيث أن هذا الفريق لو دخل في أي منافسة حرة بدون استخدام الأساليب الملتوية فإنه سيمنى بخسارة فادحة.

    الإشكال هو أن الفريق الحكومي مقبل الآن على منافسة من هذا النوع، هي الانتخابات القادمة التي تؤكد اتفاقية نيفاشا على ضرورة أن تكون حرة ونزيهة وتحت رقابة دولية. ومهما يكن فإن هناك مناطق مهمة، خاصة في الجنوب ومناطق جبال النوبة ودارفور والشرق تقع خارج السلطة الفعلية للحزب الحاكم وأدواته. وهذا يعني أن المجال المتاح للحزب للتحرك فيه بأدواته القديمة هو محدود بأقل من 60% من الأصوات، مما يفرض على الحزب أن يحصل على أكثر من 80% من الأصوات في أقاليم الشمال حتى يحافظ على أغلبية مطلقة في البرلمان، وهو هدف شبه مستحيل.

    كما أسلفنا فإن مجرد كسب الانتخابات لا يعني نهاية المطاف، خاصة لنظام يربط مشروعيته بمشروع أخلاقي ديني يجب أن يتخطى في أهدافه عمر النظام وأشخاص قادته، وخاصة إذا كان النظام قد ظل في الحكم لقرابة عقدين من الزمان لم ينجح خلالهما في أن يزيد من جاذبية مشروعه، بل بالعكس أضعف من هذه الجاذبية عند الجماهير. مقياس نجاح مشروع كهذا لا يكون بالبقاء في السلطة بالسيف، وإنما بالقبول الجماهيري الواسع، وأكبر تطابق بين الممارسة والمبادئ. أما إذا حدث العكس، فإن التناقض بين خطاب المبادئ وواقع الأفعال يشكل أكبر ضربة لهذه المبادئ يجعل الجماهير تعرض عن هذا الخطاب وأصحابه، وهو ما حدث الآن للأسف.

    المنطق يقول إن إنقاذ مشروع الإنقاذ الإسلامي كإطار أيديولوجي في مواجهة الأطروحات المنافسة من ليبرالية وقومية يواجه عقبات كثيرة على المدى القصيرة، ويحتاج إلى إعادة صياغة كاملة ووجوه جديدة. أما إنقاذ الإنقاذ كسلطة وأفراد فقد يكون متاحاً على المدى القصير، ولكنه أشد صعوبة علىالمدى الطويل بسبب الرفض الداخلي والتربص الدولي الذي ينتظر أن يدخل مرحلة جديدة بعد إعلان المحكمة الجنائية الدولية أدراج أسماء مسؤولين كبار في قائمة المطلوبين.

    ولنا عودة إن شاء الله.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de