|
التــحــليـق بطــيران أعلى ..
|
التحليق بطيران أعلى .. (( الى روح سهام عبد الرحمن)) ...........................................
أنتِ – مضيفة طيران - , وبحكم عملك تعرفين ان خطوط الطيران درجات.. تماماً كبقية الأشياء فى هذا العالم , ذي الطبقات , شديد التباين. تجربة السفر على الخطوط السودانية – مثلاً – تختلف عنها فى الخطوط القطرية , مثلما يزيد الفرق اتساعاً حين تكون المقارنة مع خطوط سنغافوره او البريطانية , فأنتِ تشعرين بالإختلاف فى مظهر الطائرة وفى مخبرها , فى نوعية الخدمة التى تقدم لكِ , مدى الراحة والترفيه المتوفر , احترام المسافر – ذلك الإنسان – بتوفير متطلبات السلامة والأمان , تشعرين حتى بالفرق بين الإبتسامة والتبسّـم المفتعل , حين صعودِك الطائرة وحين مغادرتها .
*****
ولأنكِ أحببتِ وظيفتك كمضيفة طيران , فاظنك إذن ستكونين سعيدة جداً لو ارتفع تصنيف الطيران الذى تعملين به من بضع نجيمات صغيرة لا تكاد ترى بين سُحب الإخفاق والإهمال , الى نجوم خمس , هي قمة ما يصله مستوى الخدمة والإحترام !.
ولأنكِ اخلصتِ فى عملك , وأديتيه بطريقة إنسانية , فإن السماء التي شهدت منك هذه الإنسانية آثرت ان تنقلكِ – بنفسها – الى المستوى الأعلى من الطيران !.
*****
نعم ان البشر بطبعهم يحبون الحياة , وفى لحظات الموت تظهر هذه الغريزة بوضوح .. ولكنك تغلبتِ على هذه الخصلة , وكان ضمير الإنسان وصوت الواجب عندك أكثر وضوحاً من حب الحياة .. لذلك , لم تكن الطائرات العادية - المصنوعة لخطوط طيران عادية لنقل الناس العاديين - تصلح لرحلتكِ الاخيرة , فكان طبيعياً ان تحملك فى هذا الاقلاع الأخير , خطوط طيران أسمى , وأكثر نقاءً ... وهل هناك أفضل من أجنحة الملائكة للتحليق بها ؟!
*****
ليس مهماً أنكِ سافرت بلا حقائب او أمتعة , فهذه الأشياء لن تكون ضرورية لك ِ فى تحليقك الأخير هذا .. الحقائب - كما تعرفين - ضرورية فقط حين تكون رحلتكِ على متن خطوط ارضية عادية , لأن هذه الخطوط الأرضية – مهما سمت – فإنها تظل عاجزة عن نقلك الى مكان لا تحتاجين فيه الى حقائب ! ولكن فى الطيران الأعلى هذا , فإن الأشياء الأكثر قيمة لا وزن لها فى الواقع على ميزان الأمتعة والحقائب التقليدي , لأنها أشياء - رغم قيمتها العالية - ليست مادية ملموسة , ومن حسن حظكِ انكِ قد أخذت منها الكثير فى محطة اقلاعكِ الأخير : إخلاصك لمهنتك , مساعدتكِ للآخرين , إنقاذكِ لأرواحٍ كثيرة , تضحيتكِ بنفسك .. عليكِ ان تثقي تماماً بأن هذه الأمتعة ستصل سالمة ومكتملة , ولن تتخلف فى مطار الإقلاع , فإن الطيران الأعلى هذا – خلافاً لما تعرفينه عن الطيران القديم - دقيق جداً فى عمله , ولا يخطيء أبداً أبداً .
*****
ربما تشعرين ببعض الأسى لأنكِ لم تودعي أفراد اسرتكِ قبل اقلاع الطيران الأعلى الذي يحملك .. ولكن هذا الشعور بالأسى سيتلاشى بالتأكيد , حين تدركين – بينما تجلسين فى راحة أبدية على متن طيرانك الأعلى – ان هناك عشرات كانوا فى وداعكِ ! , اولئك الذين نجوا فى محطة المغادرة الأخيرة , بعد ان فتحتِ أنتِ لهم باباً للنجاة , ومعبراً لحياة جديدة.
*****
وحين تصلين الى محطتكِ الأخيرة , ستلاحظين بفرح , كيف أن هذه الرحلة كانت مختلفة وممتعة ! , ليس فيها اى شيء من رهق السفر المعتاد , فعليكِ الآن ان تنتبهي للتفاصيل فى محطة وصولكِ , لأن ما ستشاهدينه هناك , لن يشبه ما اعتدتِ على مشاهدته فى محطات الوصول فى المطارات السفلى , فهنا مستقر السعادة , ومكمن الرضا الحقيقي , وهنا فقط , ستجدين التقدير الحقيقي للعمل النبيل الذى جاء بكِ الى هنا !.
*****
أنظري الى هذه الوجوه المنيرة التى تحيط بكِ , وتستقبلكِ بإبتساماتها المشرقة , أنهم اسرتك هنا , ورفاقك فى هذا المكان , الذى وصلت اليه عبر الطيران الأعلى .. هم – أصحاب أعمال نبيلة مثلك , وقد صرتم الآن عائلة واحدة . نعم .. ان طبيعة اعمالكم التى جاءت بكم الى هنا مختلفة , وحتى الأماكن التى جئتم منها متنوعة , ومن أزمان متباعدة .. ولكن الشيء المشترك بينكم جميعاً – هو أنكم قد اخترتم بطريقة انسانية فريدة , ان تمنحوا شيئاً من أرواحكم , وأعمالكم , لتجعلوا الحياة - هناك - فى محطة المغادرة , أفضل ... وأكثر إشراقاً .
نعم , يا عزيزتي سهام , ربما تكون رحلتك الى حيث الخلود قد جاءت هكذا دون حجز مسبق , ولكن الشيء المؤكد , ان هذه الرحلة – على متن الطيران الأعلى – قد كانت رحلة سعيدة.
...................... وائل فحل [email protected]
(عدل بواسطة وائل فحل on 07-29-2008, 06:02 PM) (عدل بواسطة وائل فحل on 07-29-2008, 06:42 PM)
|
|
|
|
|
|