|
الطاحونة المجنونة
|
غبار ابيض كثيف يعتلى الراس حتى تتخلخل ذراته بين مساماته المتباعدة التى طالما اشتاقت الى بلة او كشحة ماء .. غبار الدقيق العالق يتجه فى تسارع وتباطؤ نحو طاقة رسمت فى اعلى منتصف الحائط الجنوبى يعبر من خلالها شعاع الشمس فى مضمار مخروطى شكلت خطوط حوافه المستقيمة ذرات الدقيق الدقيقة التى تتسابق فى مسار الضؤ بزهو و تبختر ... انه السباق المحموم بين حبات الفتريتة ، ومايو ، وقليل من دخن ، واسماء ظلت مبهمة فى قناديل مشروع الجزيرة ... السرعة المسموح بها فى المسار المائل صعودا الى اعلى يجب ان تتماشى وايقاع الحجرين ... كثيرون هم الذبن اتيحت له فرصة الخروج عن مسار الضؤ فأثروا " التعلق " فى شعر رأس القديح ، وشعر أنف القديح ـ وشعر رموش القديح ... "القديح عامل الطاحونة وخبير الدقيق هو ذلك الرجل القصير... فى ثوبه القصير ...وشعره القصير ... ابيض القلب ، والسن والعراقى يسميه أهل المسيد " ود ادم " ... بياض نثار الغيار غطى الرأس فاختلط الشيب بالمشيب ... صوت الضجيج الناتج عن احتكاك حجرى الطاحونة ... ابداع لا يعرف كنه شفرته الا .. خضر حنون... صاحب الطاحونة استوقفنى ذلك الشكل الدائرى الخرصانى كثيرا.. فهو مزيج من الحديد الذى فيه منافع الناس والبأس الشديد ... وحجر من صخر أملس " نسميه من صوته " " الصج " .. تماسكا بقوة ، وتعاهدا برسالة حفظت خصائص كل واحد منهما ليؤدى رسالته فى الحياة ، العهد بينها كان اسمنتيا صلبا ... تسابق الحجرين فى اتجاه معاكس ليس اختلافا فى الرأى ولم يفسد يوما للود قضية ، بل دارا حول محور واحد " يسميه الجمهوريون والديموقراطيون فى امريكا ، ثوابت الدولة " وانطلقا يعين بعضهما بعضا فيما اتفقا فيه ، ويعذر بعضهما بعضا فى اختلاف وجهات النظر الى حبة العيش الصغيرة لا يهم جنسها او لونها اوقبيلتها أو درجتها من الجودة او الطبقة الاجتماعية .. فالهدف واحد ، ليس سحق العيشة !! ... بل توظيف خصائصها واستفزاز دواخلها لتخرج لخدمة الانسان .. الله على انسانية الحجر ... الله على دبلوماسية الحجر ... كثيرون ينظرون الى غلظته ، وصوته الاجش ، وسطحه الخشن ، لكنه فى خاطر القديح " حنينا يثير النغم " ، وأمينا لا ينقص المكيال "" وعزيزا ان تمنّع أو تعصّب او تحمّق حتى اذا وقف امام صبابة قماش دمورية الاكالة ، التى تغطى فم الطاحونة ، صفوفا من الجرادل وشولات الخيش والبلاستك ، والصفائح وملايين من الحبوب بالمسميات العظيمة ، وصفوفا من المنتظرين ، وصفوفا من المتاسبقين فى مسارب الشعاع ، وقبل كل ذاك وذاك صفوفا من الافكار تحت جمجمة القديح مسدودة المسام بذرات الدقيق ... - ملحوظة : ... فى طاحونة الدنيا الان .. اجد نفسى فى الحالة " القديحية ". ودعوة من المعنى للوقوف عند بوابة هذه الطاحونة .... قاتل الله الكسل ... وخفف الصعاب ... وبارك للمتسابقين فى مسارب الشعاع جهدهم للخروج من هذه الطاحونة ... وأيد الله القديح بشعر كثيف قادر على ان يحمى مسامات الزمن من غبار دقيق .. وافرح الله السمك ... على رواية عبد الرحمن " ود التف " حينما سألنى : انت قايل السمك الليلة فرحان ليه ؟ قلت لا ادرى ؟ قال : لانو القديح عام فى البحر ... فهمت حينها ان حتى عوالق الدقيق المختلط بالعرق لها " زبائن " ... ترى اين انا الان ؟ فى مسارب الشعاع ؟ ام فى بطون السمك ؟ ولكم الود كله
|
|
|
|
|
|