الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 06:21 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الراحل المقيم الطيب صالح
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-14-2003, 03:06 AM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح

    قرأتها لأول مرة عام 1986 وظلت معي كالتميمة أمر عليها كل أسبوع حتي أني أكاد أحفظها عن ظهر قلب وكيف لا وهو يأخذك فيها ويمشي بك الهوينا في عوالم سحرية مليئة بالجمال إلي حد النقاء يبكيك ويضحكك يعلمك الوفاء والصداقة الحقة كل ذلك بلغة أقرب للشعر منها للرواية ..مذكرات أديبنا الكبير الطيب صالح مد الله في أيامه عن صديقه أكرم صالح رحمه الله .



    (1)




    />





    يا ليت لي بالشام أدني معيشة
    أصاحب قومي فاقد السمع والبصر
    يا ليتني أرعي المخاض بقفرة
    وكنت أسيرآ في ربيعة أم مضر

    جبلة بن الأهيم


    أخر عهدي بأكرم صالح كان في تونس قبل شهر من وفاته في ردهة نزل المشتل إذا صوت يناديني (طيب مش معقول) لم أكن قد لاقيته منذ عام هكذا ظللنا نلتقي صدفة منذ تفرقت بنا السبل (ماذا جاء بك الي هنا) دعاني إتحاد إذاعات الدول العربية لإلقاء محاضرة عن النقد الرياضي سوف أذكر الرأي الذي قلته لي إن الناقد يجب أن يركذ علي المحاسن وليس علي المساوئ..النقد الرياضي مثل النقد الأدبي..كانت هذه عادته تجيش أفكاره عفو الخاطر بلا مقدمات وبلا نظام
    (متي قلت لك ذلك )
    (أسمع نتغدي معا ضروري ولا ترتبط علي العشاء)
    طيب طيب ولكن أي ندوة هذه
    كيف عبد (بكسر الباء) كيف أحمد
    كويسين
    أسمع طيب أنا فكرت إذا حصل أي شئ لعبد أو أحمد أترك كل شئ وأكون بجوارهم
    يا أخي ماذا يمكن أن يحدث ؟ أحوالهم عال وصحتهم زي البمب عبد الرحيم ترك التدخين بيتمشي مدة ساعة كل مساء في حقول بيرن وأحمد ساب التدخين من زمان وبيعمل (جوقنج) أي يمارس رياضة العدو
    طيب لازم ننفذ الفكرة نجتمع كلنا في بيرن عند عبد الرحيم أو في لندن خسارة ماإجتمعنا في باريس لما كنت إنت هناك كيف الدوحةمعاك ؟ ما تجي تسمع محاضرتي سوف أذكرك فيها
    لازم أحضر إجتماع وزراء الثقافة
    بالله عملوك وزير ثقافة؟
    الله يجازيك ما إنت عارف أنا بشتغل في اليونسكوهل أنا بتاع وزارات ؟ نحضر المؤتمرات مراقبين
    لازم يا طيب ترجع السودان بعدما نميري راح.. يا الله شو هادا الشعب ؟ كانت ثورة مش هيك ؟ مش إنقلاب
    كانت ثورة بحق وحقيقة
    بالله عبد صحته منيحة وأحمد ؟
    أحمد مش صحته منيحة عاوز يتجوز ثاني يرجع بني سويف ويبقي عمدة ويتجوز واحدة شرط سنها ما يذيد علي ستاشر وعبد الرحيم مبسوط الفلوس مش عارف وين يوديهابس زهقان
    الجماعة في الإتحاد ممكن يدبرو لي شغلة في تونس.. تونس حلوة مش هيك ؟ يا ريت إنت كمان تجي تونس
    خلاص إذا إنت جيت تونس كلنا نتجمع في تونس أصله اليونسكو أفلست ويمكن يقفلوها
    طيب إنت ضعفان أنا وزني نزل مش هيك ؟ بحياتك أنا باين علي الكبر؟ أبدآ شباب.. زي قبل عشرين سنة.. لا تنس إننا من نفس السن
    تشبث أحدنا بالأخر طيلة ذلك الأسبوع إسترجعنا ذكريات الماضي الذي يمتد أكثر من ربع قرن بمسراته وأحزانه. إستحضرنا شخوص أخوننا من ذلك العهد, منهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر. ولا بد أن الحديث عن الأحياء والأموات قد إخطلت بعضه ببعض ولم يجئ هكذا إنما هذا الأن لأن أكرم صالح قد مات كنا نتحدث ونضحك في الغالب,عن الأحياء والأموات . وكان قد بقي له نحو شهر فقط من رصيد العمر. قلت له إن موسي البشوتي كان أقومنا سلوكا لا يدخن ولا يشرب و لايقامر ولا..من البيت للمكتب ومن المكتب للبيت يتريض ويعيش في الهواء الطلق.مات بالسكتة القلبية. فلسطيني من الناصرة له ولدان من زوجته الإنجليزية لا بد أن ولديه قد كبرا وتخرجا من الجامعة نصراني إبن عرب قلبه مثل اللبن الحليب. كنت أقول له مازحا أن جسمه جسم فيل وعقله عقل عصفور لراجل طويل عريض زيك جاري ورا الكورة كان يحب كرة القدم وهو الذي شجع أكرم علي أن يكون معلقا رياضيا حاول أن يفهمني عدة مرات لعبة الكريكت ولكنني لم أفهم كان معجب بدمقراطية الإنجليز في بلادهم أحيانا يكرههم وأحيانا يحبهم
    ايه بس موسي كان عصبي
    صحيح كان حين يدخل ستديو الإذاعة يتحول الي كتلة من الأعصاب إذا فتح أحد عليه الباب يهب كالثور الهائج ويمسك بخناقه
    مرة كاد يقتل مستر.. فتح عليه باب الإستديو وهو يسجل برنامجا
    حسني العبوشي مسكين وجدوه ميتا في الحمام
    فلسطيني أخر لا أذكر الأن من أين القدس أم جنين كان متدينا جدا حتي في لندن في تلك الأيام يقبض علي دينه كالقابض علي الجمر.جاءنا من كراتشي مع عياله وزوجته الباكستانية قال له أبو جرجس وهما في المصعد وحسني يخالس النظر,فتاة مفرطة الجمال صعدت معهم (والله يا أبو..إذا طلعت الحكاية مش زي ما بتقولوا يكون خازوق) أبو جرجس سعيد العيسي نصراني إبن عرب من فلسطين شاعر معروف تشرب روح الإسلام ككل النصاري العرب المخلصين له قصائد جميلة في مدح الرسول صلي الله عليه وسلم . ذكرني بأميل بستاني إذ سألته في برنامج كنت أقدمه تلك الأيام إسمه (الواحة) ما هما الكتابان الذان يحملهما معه دائما في سفراته أجابني (القرآن الكريم وديوان المتنبئ) كان حسني رحمه الله يصلي الفجر حاضرا ويذهب الي سوق اللحم في سمثفيلد يشتري ما يلزمه وأحيانا يجئ به الي المكتب في قفة أعارني مرة نسخة لم أكن أعام إنها نادرة من كتيب شهير لهنري فورد عن اليهود لا بد أن حسني قد تركها في قاع المقطف ووضع عليها اللحم.وجدتها مبقعة بالدم فرميتها في سلة الزبالة.ظل يلاحقني الي أن تركت لندن .كان يوبخني إنني فرطت في الصلاة .نعم ذلك العالم المفتوح وفي الوجه ما يكفي من النضارة وفي الجيب ما يكفي من المال,واللسان طلق,والدنيا كأنها خلقت لساعتها.غفر الله لي فقد كان إسلامي رقيقا عهد ذاك

    ذهبت جدتي بطاعة نفسي
    وتذكرت طاعة الله نضواء
    كما قال الحسن بن هاني سامحه الله

    يتبع

    (عدل بواسطة aba on 08-31-2003, 03:43 PM)

                  

08-14-2003, 08:14 AM

WadalBalad
<aWadalBalad
تاريخ التسجيل: 12-20-2002
مجموع المشاركات: 737

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    شكراً يا أبا

    لدى منها 3 نسخ واحدة فى مجلدى الخاص بأدب أستاذنا الكبير وواحدة فى المكتب وأخرى فى حجرة النوم

    كلما يصيبنى السأم والضجر أتناولها وأقرأ وما هى إلا دقائق ويسرح خيالى فى أجواء لندن والبيبى سى

    هل تتخيل أن الطيب قد وصف شخصية من شخصياته أبلغ من وصفه لكامل الحكيم؟ لقد أكاد أراه واقفاً أمامى من دقة وصف الطيب له

    وماذا عن صورة المعلمين العراقيين فى زيارة للبيبى سى نهاية الخمسينات, هل يا ترى كلهم أحياء؟ وصورة السيد عبدالله خليل رئيس الوزراء السودانى لدى زيارته للندن عام 1958؟

    أم ذلك اليهودى الذى دفنوه فى مقابر السفرديم؟

    أعتقد أن ذلك المقال من أروع ما كتبه الطيب صالخ وكنت قد قرأت حلقاته الثلاث حال نشره عام 1986 وقد أحدث ضجة كبيرة للمثقفين العرب حتى أن أحدهم قال أنه لا يقرأ أى صفحة من المجلة إلا بعد أن يكمل قراءة الحلقة الخاصة بالطيب صالح

    وبالنسبة لى فإن المقال يشدنى إلى طفولتى حيث تعلمت من الوالد الإستماع لإذاعة لندن منذ طفولتى وإلى اليوم عبر الإنترنت ولذلك فكلما أقرأه أحس بأنى أعيش أجواء طفولتى وأكاد أعرف كل الأسماء والشخصيات التى تحدث عنها أستادنا

    شكراً لأستاذنا الكبير فلقد خفف عنا جحيم الحياة
                  

08-14-2003, 10:43 AM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: WadalBalad)

    ود البلد
    الله يخليك تتصور أنا قايل نفسي براي العجوز قلت شباب البورد لازم يقرأ الحاجات الجميلة دي ونعم الطيب صالح ذاك هو الرجل ما زال يطعم ماسخ أيامنا الله يديهو الصحة والعافية
                  

08-14-2003, 12:52 PM

ود العجمى
<aود العجمى
تاريخ التسجيل: 09-21-2002
مجموع المشاركات: 1595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    aba

    شكرا على هذه الهدية

    حاولت ان أجمع كتابات الطيب صالح فى مجلة المجلة ولكن وجدت أن هناك أعداد كبيرة ضاعت من يدى

    والان أبحث عن مقال له عن أحدى الروائيات فرنسية الجنسية كانت قد تحدثت فى ندوة حضرها الاديب الطيب صالح وأخذ يوصفها ويرد على بطريقة لا يكتب بها الا الطيب صالح

    وصفها لونها بالكاكاو بالحليب وذكر أنها الى الحليب أقرب .
    aba
    ندمت كثيرا لأنى فقد هذا العدد والان اذا استطعت أن تمدنا بهذا المقال أكون شاكر لدرجة كبيرة لك . لأنه من أجمل ما كتبه الطيب صالح ليس فى وصفه للروائية الفرنسية فحسب بل فى الرد عليها
    ومن المقال يتضح أنه لا يوافقها ارائها ولكن يسامحها ويصفق لها

    اها قلت شنو العدد ان شاء الله القاهو عندكم
                  

08-14-2003, 01:03 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: ود العجمى)

    ود العجمي
    تحية طيبة
    أبشر بالخير طلباتك أوامر ما عليك إلا توريني الأعداد الناقصة عندك وأنا بكمل ليك الباقي عن طريق البريد
    أبا
                  

08-15-2003, 02:21 AM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    (2)

    ألخطأ والصواب

    حين ذهبنا لندفن أخانا قيس كردي إحترنا برهة من يصلي بنا صلاة الجنازة.ما من أحد منا صلي بالناس صلاة الجنازة من قبل.وقفنا علي حافة القبر مسلمون ونصارة وأخ لنا عربي يهودي من البصرة شيعناه بعد ذلك بأعوام قليلة في مدافن اليهود (السفرديم) في جولدرزجرين. أذكر إنني قلت لنفسي,المقبر يغطيها عشب ندي شديد الإخضرار,وكل قبر عليه باقة من الزهور, والربوة التي فيها المقبرة تتحدر الي أودية من هنا وهناك , وضوء الشمس في ذلك الضحي ناعم ذو ألوان شتي كجناح فراشة, الموتي كأنهم أحياء.وقفنا في تلك المقبرة الجميلة ندفن رجلا مسلما ولا ندري كيف نصلي عليه. كان أكرم صالح وأنا أقرب الناس لقيس كردي,من القدس إذا لم تخوني الذاكرة,مرحا مهذارا جاء للعلم والعمل,كان يعمل طابعا في القسم العربي لهيئة الأذاعة البريطانية,تزوج إنجليزية من عائلة ثرية وكان حفيا فرح بها, حين رأيتهما معا قلت لأكرم أو لعبد الرحيم الرفاعي (هاذان علاقتهما هشة كفرخ الحمام,أدني شئ قد يكسرها) أنجب منها ولدين ثم تركها صدمته بسيارتها خطأ كما حكمت المحكمة فيما بعد
    وقفنا علي حافة القبر وفجأ خرج من بيننا شاب طويل وقور السمت مطمئن النفس, إسمه محمود السوقي , صلي بنا أحسن ما تكون الصلاة, ودعا أحسن ما يكون الدعاءْْ, بكينا كلنا علي أخينا مسلمون ونصاري وأخونا اليهودي البصري ونظرنا الي الشاب الذي صلي بنا لم يكن أرسخنا قدما ولا أطولنا باعا ولا أعلانا رتبة ولا أرجحنا عقلآ , نظرنا إليه فكبر في أعيننا وكأننا نراه لأول مرة.
    إنها قصة محزنة في مجموعها ولكن أكرم صالح كان مرحا حاضر النكتة,سريع البديهة,تقضي الوقت معه وأنت في ضحك متواصل.فلسطين كانت تؤلمه دون شك,مثل شوكة غاصت في باطن القدم,ليس أقل مما ألمت معين بسيسو صديقه القديم الذي ذكرناه أيضا في تونس,لكنه حمل ذلك العبء بخفة,حتي ليظن من لا يعرفه إنه لم يكن يبالي,كان توفيق صايغ مثله في ذلك ,لا تكاد تجد في شعره ظاهريا ذكرا لفلسطين, لكنها كانت تحيط به من كل النواحي, العبء الذي أنقض ظهر أكرم صالح كان عبئا أخر.وكنا نعجب لم ألقاه علي ظهره ولم ظل يحمله ما يقرب من عشرين عاما
    (يعقوب مسلم كان عنده القلب من زمان)
    يا ساتر يعقوب كان عصبيا جدا أكثر من موسي بشوتي يثور لأتفه سبب
    تذكر حين طارد مستر.. في ممر الإذاعة ؟
    جري وراءه وهو يحمل حذاءه في يده ويصرخ (والله لاكسر رأسك بها الكندرة ياإبن ... (كان متغطرسا ذلك الخوجة) كان عنده دكتوراه من إكسفورد , نشأ في روديسيا أو جنوب أفريقيا إختفي بعد تلك الحادثة هل تذكر ماذا فعلوا مع يعقوب ؟
    لا شيئ ناداه مستر هوايتهد وقال له هذا السلوك لا يليق بناس محترمين(مستر هوايتهد الله يذكره بالخير كان رجلا فاضلا أظنه ما يزال حيا )
    سمعت أنه يعيش في سمرست حين كنا معا في مكتب بيروت,ومرضت كان يزورني كل صباح في السادسة تماما طياة ثلاثة أشهر,كان يمشي علي قدميه من بيروت الي مصيف عالية كل صباح وفي طريقه يمر علّ في المستشفي ,وجهه الأحمر يتوهج بالصحة وهو فوق الستين. لابد أنه الأن في التسعين من العمر
    (كان معجبا بك)
    وأنا كنت معجبا به إختلفت معه مرة فقال لي (مشكلتك يا مستر صالح إنك ليس عندك ولاء للهيئة) قلت له تعرف يا مستر هوايتهد أنا ما عندي ولاء حتي لوطني بالطريقة التي تطلبها زاد وجهه إحمرارا وخرج جاءني بعد نصف ساعة وهو يبتسم .قال لي أنا آسف لم يكن يحق لي أن أقول لك ذلك
    (لو كنت في السودان أيام نميري كان دخلوك السجن )
    أو أحالوني علي المعاش علي أحسن الفروض
    (أظن نميري لم يكن يحبك )
    الحمد لله لم يكن يعرفني ولا أعرفه لاكن صديقا حكي لي أنه قال له صاحبك هذا طلبنا من يجي يشتغل معانا قال لا يمكن أترك لندن شوية سمعنا أنه طار راح إشتغل في قطر
    (الإنجليز كانوا متسامحين معنا جدا في تلك الأيام كنا كأننا نملك الإذاعة) أنت بالذات أتعبت مستر هوايتهد صبر عليك لأنه كان يعلم إنك إذاعي موهوب تذكر يوم زواج الأميرة مارجريت ؟
    (ايه اخدتني نومة الدنيا انقلبت أدخلوني بصعوبة , حرس ورجال أمن ودنيا ) أنت كنت تصف الحفل عند قصر بكنجهام وأنا عند تشرش وستمنستر بدعنا يومها
    رجعنا تعبانين وحالتنا بالويل, الخواجة دخل علينا كن نظن أنه سوف يهنئنا قال كنتو تقولو سيداتي وسادتي كتيرأنت قلت له علي طريقة عبد الرحيم يا خواجة ما تسيبنا في حالنا نحنا في ايه وانت في ايه
    (عبد وهو رئيس قسم كان كل ما تجيه مذكرة ينظر إليها بقرف ويقول يا أخي ما يسيبونا في حالنا ) أظن مستر هوايتهد أرسل لكل واحد منا خطاب تهنئة بعد ذلك
    (بالله عبد حالته منيحة )
    إنت عارف أصبح مدير إذاعة في سويسرا ترك كل شئ, المراهنة علي الخيل والتدخين, والجري ورا .. كلنا جرينا ورا(..) المال والفراغ والجدة ربنا يغفر لنا
    كنا أثرياء بمقاييس تلك الأيام عبد الرحيم وأنا كنا نسكن شقة في نواحي كامدن تاون, تذكر ندفع فيها عشرين جنيه في الشهر وباقي راتبنا نضيع أغلبه في الكلام الفارغ
    عدنان كان أشطر واحد فينا أول ما وصل لندن إشتري بيت في كرويدن
    عبد الرحيم الآن يذكرني بواحد في بلدنا كان كثير الزواج والطلاق عبد الرحيم الأن كل كم شهلر يبدل سيارته يشتري سيارات فاخرة سكند هاند بأثمان بخسة
    (ايه عبد كان مرزق ,كان دايما يجد فلوس وأشياء ثمينة ملقاة علي الأرض) أنا علي العكس تماما عمري ما وجدت شئ واقع
    ايه بس إنت كنت مرزق فيهن
    يا راجل كما يقول عبد الرحيم يا أخي في واحد عمل عمايلك إنت وعبد الرحيم
    عبد الرحيم كان مجرم
    وانت كل إمرأة تقابلها كانت تريد ان تتبناك هل كنت تفعل ذلك عن عمد
    أبدا والله سعود هو اللي كان يقول للبنت أنا فلسطيني مسكين ما عندي وطن يتيم أمي وأبوي ماتوا في الحرب
    سعود ألحق أضرارا كثيرة بهذه الطريقة
    وأحمد كمان ما قصر
    في ذلك السوق العامر كان كل واحد يجد رزقه ,محمود مرسي كان طويل وأشقر وعيونه خضر, كان ملفت للنظر لكنه كان خجول. نحن كنا مدبرين حالنا بالقليل الذي عندنا كان يقول لي ولعبد الرحيم فهموني بس إنتو بتعملوا سحر لهن ولا ايه بتكلموهم إزاي؟ بتقولولهم ايه؟

    يتبع
                  

08-17-2003, 00:56 AM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    (3)

    عبد كان لازم يتجوز (أبو اللوز) كما كان يسميها أبوها كان جنرال أو ماذا ؟
    وإنت لماذا لم تتزوج البنت التي كانت تجيئك من كمبردج ؟ ايه كانت عظيمة بس الرائعة فعلا كانت الكندية المتدينة بتاعة الكرستيان سينس كانت إمرأة فارهة كما يقول صديقنا عثمان محمد الحسن
    (وأنت ألم تحبك البنت اللي أهلها بيصنعوا المربي الشهيرة )
    كل مرة أشتري هذا النوع من المربي اتذكرها كانت رسامة ومتقلبة الأطوار, تحبك اليوم وتكرهك غدا
    يا باي أهلها كانوا مليونيرات..كان عندهم أكبر محل لبيع لعب الأطفال في لندن
    أرسلوها في رحلة بحرية طويلة إلي جنوب أفريقيا لتنسي

    (يعقوب كان من الناصرة)
    لا من بيت لحم
    رحمه الله كنا نتصرف وكأننا جنود في جيش غازي في مدينة مفتوحة, المضحك المحزن ان المدينة كانت لندن عاصمة الإمبراطورية البريطانية الناس الذين أعطو وعد بلفور وأنشأوا دولة إسرائيل كنا كما يقول الشاعر الإنجليزي نعيش زمنا رغدا علي حافة الجحيم لعل هذا ما عنيته حين قلت علي لسان مصطفي سعيد في موسم الهجرة الي الشمال (إنني جئتكم غازيا في عقر داركم قطرة من السم الذي حقنتم به شريان الشعوب
    طيب إنت لخصتنا جميعا في شخصية مصطفس سعيد
    أخذت روح تلك الفترة من جيلنا والجيل الذي سبقنا..بعض الناس يظنون ان مصطفي سعيد شخص بعينه, بعضهم يقول أنه انا..واضح إن الأمر ليس كذلك, هذه شخصية خيالية فيها ملامح من مئات الناس
    إنت علي أي حال عوضت بالكتابة
    الكتابة فيها بعض العزاء لكنها لا تعوض الزمن الضائع لا شئ يعوض عن الزمن الذي ضاع هدرا. تعرف يا أكرم أنا أؤمن الأن أن إبن العرب يجب أن يعيش في بلد عربي مهما كان الثمن, والمسلم يجب أن يعيش في بلد مسلم , لايمكن أن تكون مسلما في بلد كافر صدق عبد الرحمن الأبنودي : في الفجر قال الآذان
    زي في كل يوم بيقول
    بلاد الكافرين ما تسع غير الكافرين
    مهما الزمن يقصر ومهما يطول


    أسماء وأوصاف

    هل تظن في العمر بقية نعوض فيها عما فات ؟ كان أكرم متحمسا لتعويض ما فات
    أواخر المسينات وأوائل الستينات في لندن كنا صباح الوجوه بدرجات متفاوتة والذي حرم الوسامة كساه الشباب حلة تفي بالغرض وكنا حسني الأصوات بدرجات متفاوتة
    عبد الحيم الرفاعي , صوته مثل شخصيته مهذب عميق أنيق رائق واضح النبرات
    وأكرم صالح صوته مفعم بإحتمالات الأفراح والأحزان كأن أحد يريد أن يضحك ويبكي في الوقت نفسه
    وصلاح أحمد كأنك مزجت أصوات نات كنج كولول ولوي أرمسترونج وجلال معوض
    ومنير شمة كان حين يقول هنا لندن تحس كأن الأسير بحرا تلاطمت أمواجه
    وصلاح عز الدين , مزيج من طه حسين وبيرم التونسي يتحدث الفرنسية والإنجليزية بطلاقة أصله ثابت في أحياء القاهرة القديمة وفرعه في فنشلي رود والبوليفار سان ميشيل وصوته يوحي بكل ذلك
    وكان حسن الكرمي قبل ذلك قد قطع شوطا بعيدا في ميدان التعليم في فلسطين, من علماء اللغة العربية عميق المعرفة باللغة الإنجليزية موسوعي صاحب قواميس صوته وقولر متحفظ يقرأ نشرات الأخبار ولسان حاله يقول : فيا برق ليس الكوخ داري وانما
    رماني اليه الدهر منذ ليالي

    يتبع

    (عدل بواسطة aba on 08-17-2003, 00:57 AM)

                  

08-17-2003, 10:32 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)



    (4)

    وعبد الرحمن بشناق,كان قبل أستاذا في الكلية العربية العتيدة ودرس في كمبردج,صوته كريم وسيم مثل شخصيته
    ونديم صوالحة جاء الي لندن من بادية الأردن ولما يبلغ العشرين,حسن الوجه,حسن الصوت صوتوه بدوي لم تطمس بداوته دروس الدراما التي كان يتلقاها في كلية روزبوفرد
    وعلي ابو سن,طويل وسيم متوقد الذهن,من أرومة سامقة في السودان يقرأ نشرات الأخبار كالمتفضل علي الإنجليز,صوته يوحي بأنه لا ينوي أن يمكث طويلا في تلك المحطة, وأنه يرنو الي قمم أعلي وآفاق أرحب
    محمد البيبي,دمث موطأ الأكناف,يؤدي عمله بإخلاص,يأتي وينصرف في الوقت تماما.كالسجين تحسبه قد إستمرأ حياة السجن حين تستمع الي صوته الحي الحذر , لا يمكنك أن تتصور ما يعتمل في صدره من حنين للبلاد وأحزان علي مصائر العباد,ذلك الحنين وتلك الأحزان أنقضت ظهره فيما بعد.
    وأبراهيم رزق إداري كفء وإذاعي قدير, أخذ نفسه بالشدة مثل حبل قد يقطع في أي لحظة,من بيت جاله, فيما أظن ومن الكلية العربية يقينا , في صوته شئ من هذا وذاك
    و محمود مرسي الذي اصبح فيما بعد نجما سنمائيا لامعا , شكله إسكندراني وصوته صعيدي
    وفؤاد جميعي , شكله إسكندراني وصوته إسكندراني, صوته ليس عزبا ولا جميلآ ولكنه جذاب, تسمعه فيبقي في ذاكرتك وتسأل نفسك ما الذي أعجبك فيه
    وفؤاد علم , يعرف ما ينفعه ويحدد الهدف فلا يخطئه, يعمل لدنياه وآخرته كأنه يعيش أبدا , يذيع علي عجل لأنه يفكر دائما في شئ آخر
    وحسين أحمد أمين , صوته مصري إبن ذوات فيه نبرات من دار العلوم
    وليلي طنوس, مسيحية كالمسلمين , عربية كالأروبيين, أرستقراطية كبنات البلد , تشربت حب اللغة العربية في الجامعة العربية في بيروت , ومن البستاني والعلايلي ومارون عبود فيها من رومانسية جبران وجاذبية لبنان تتلمس الكلمات العربية وهي تنطقها كأنها قطعة من عملة أثرية نادرة
    وداؤد الذبيدي فيه أريحية العراق والأغوار البعيدة في وجدان الشيعة صوته خليط من قراءات عاشوراء ومقامات ناظم الغزالي
    وجمال الكناني ,جاء علي كبر , وقد رأي أياما أفضل , عمل في الدبلوماسية المصرية في عهد الملك ولما قامت الثورة أحالوه علي التقاعد , كان يحتقر الإنجليز سرا وعبد الناصر علنا , إبن شيخ أزهري وقد درس في جامعات بريطانيةوأميركا ,لم تكن الإذاعة من شأنه ولكنه تعلمها بالصبر وقوة الإرادة , رجل واضح المقدرة , كان ينفع سفيرا أو وزيرا لو أنهم لم يظلموه ولم يظلم نفسه , يذيع مثل شخص يعمل رئيسا للخدم في القصر الذي كان يملكه أبوه , والمالك الجديد إبن رئيس الخدم
    وصباح محي الدين , هل من دمشق أو حلب , جائنا يحمل درجة الدكتوراة من السربون وزوجه فرنسية كان حجة في نوادر الرفث عند العرب يحفظ منها قدرا هائلا شعرا ونثرا , تعود العيش مع الفرنسيين فما راقته الحياة في لندن كان يكره الإذاعة ويحتقر الأوربيين عموما كل الجهود لتعليمه الإذاعة باءت بالفشل , مات بعد ذلك في حادث سير في الكويت
    وموسي السعودي من القدس , لعله كان أحسن قارئ للأخبار في تلك الأيام , كريم متلاف صريع غواني له مطلب واحد يحصل عليه دون مشقة , كان مذيجا عجيبا من الفارس والصعلوك, قابلناه في جنيف عام 1973 عبد الرحيم الرفاعي وأنا , وكان قد طلق زوجته الإنجليزية وتزوج هولندية وحصل علي درجة الدكتورة وأصبح أستاذا في جامعة لايدن , نظرنا إليه ولم نعرفه أول وهلة فقد فعل فيه الزمن فعله , إلا أطلال من وسامته القديمة الملفتة للنظر وأصداء بعيدة من صوته الجميل الفريد

    أمة داخل أذاعة

    بوش هاوس ذلك الصرح الفكتوري المهيب ضم حشدا من القدرات العربية والمواهب العربية تقيم أمة , لو كان قومنا يعلمون , ولو لا أننا ظلمنا أنفسنا واستسلمنا للوهم الأوروبي الفتاك ,فضلت بنا السبل وتشعبت بنا الطرق بين السفارة الهندية والسفارة الأسترالية , تصله من شارع كنجز رود من ناحية من ناحية هولبورن في الشمال. والي الجنوب كنيستان شهيرتان بناهما سير كرستفرن ثم جسر واترلو علي نهر التيمز الي الغرب شارع ستراند الذي يؤدي الي ميدان الطرف الأغر والي الشرق شارع فليت الشهير شارع الصحافة هناك كانت الحياة تبدأ وتنتهي بين المكاتب والإستديوهات والكافتريا والنادي وقد إختلطنا بعضنا ببعض مع مرور السنين مكونين بناء واحد متنوع الأجزاء يشد بعضه بعضا عالم مستقل ولاؤه ليس للإنجليز ولا للعرب ولكن اذاته , وللعمل في حد ذاته كان وضعا شاذا مثل مستعمرة تحول فيها المحكومون الي حكام او سجن تحول فيه السجناء الي حراس كنا مثل كافور كما زعم المتنبئ نأكل من زاد الإنجليز ونطعمهم وقد جئنا الي ذلك المكان لأسباب شتي بعضنا جاء بغرض الدراسة وبعضنا جاء في طلب الرزق وبعضنا جاء فرارا من أذي يتهدده , هذا ثم ذلك السراب الأوروبي الخادع

    يتبع
                  

08-18-2003, 10:25 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)



    (5)

    لندن . هنا لندن بيكاديللي كنجزرود.تشلسي.همستد.إيرلزكورت.بارنزكورت .وستمنستر.نهر التيمز.جسر ووترلو.ساعة بج بن.مجلس اللوردات.النساء يستلقين علي العشب في حديقة هايدبارك.والدنيا عامرة في حوانيت وحانات ومسارح وسنمات بيكر إستريت.وريجنت إستريت ولستر إسكوير وهولبورنوتتنهام كورت رود وما حولها كنا في مقتبل العمر, صباح الوجوه بدرجات متفاوتة,ظماء الي أشياء غامضة بدرجات متفاوتة , والجو مفعم بروائح مثيرة لا ندري كنهها كنا قد صلينا وصمنا قبل أن نجئ غضضنا أبصارنا وحفظنا فروجنا.ولكن أحد لم يهيئنا لذلك اللقاء الرهيب.
    لندن, أوروبا , الغرب, محطة فكتوريا, عالم جين مورس , كنا خليطاً عجيباً , فينا الأخ المسلم والشيوعي والبعثيوالناصري واللامنتمي والمحب للإنجليز والكاره لهم , بل كنا جميعا في واقع الأمر نحب الأنجليز ونكرههم في أن واحد وكان مدير الإذاعة العربية رجلا من أسرة عريقة يسمي جوردن ووترفيلد كان محبا للعرب إذ قضي فترة من شبابه في مصر مرسلا لصحيفة التايمز وكان مؤرخا ذا سمعة حسنة أصدر عدة كتب منها كتاب لايارد عالم الآثار المعروف الذي إكتشف مدينة نينوي القديمة وكانت جدته ليدي جف جوردن قد عاشت ردحا من الزمن في الأقصر أواخر القرن الماضي للإستشفاء من مرض صدري وكانت تكتب الي عائلتها في إنجلترا رسائل تعد قطعا أدبية رائعة تنطق بحب مصر والعرب عامة وتنم عن فهم عميق وتعاطف أصيل مع المصريين الذين إلتقت بهم وخاصة الفلاحين الذين عاشت معهم في نواحي الأقصر كواحدة منهم كانت مثل لورد ولفرد بلنت من هؤلاء الأروبيين النادرين الذين إستطاعوا أن يخترقوا الجب الكثيفة من الجهل والتعصب التي أرخت سدولها علي أوروبا في تلك الفترة وما تزال ونظروا الي تراث العرب وحضارتهم وطموحاتهم بفهم يدعو للعجب وقد جمع مستر ووترفيلد هذه الرسائل وحققها وأصدرها في كتاب يقوم أستاذنا محمد فتحي بترجمته الي اللغة العربية , أرجو أن يصبح في متناول القارئ العربي قريبا
    كان مستر جوردن ووترفيلد رجلا ضخما بجميع المعاني جسمانيا وعقليا وروحيا فيه ترفع الارستقراط وتسامح الفنان ورحابة صدر المؤرخ كان يستحق ان يكون مديرا عاما لهيئة الإذاعة البريطانية بأسرها, أو نائبا في البرلمان أو سفيرا أو وزيرا لكنه لم يكن طموحا ولم يكن يبالي وكان يصرف شؤون القسم العربي بلا كبير جهد, ويهرع الي قلعته في إيطاليا أشهر الصيف يقرأ ويكتبوكان مع وقاره ضحوكا يعجبه بصورة خاصة مزاح عبد الرحيم الرفاعي لأنه مصري , ومزاحي لأنه كان يعاملني كزميل له في مهنة الكتابة فقد كانت بعض تراجم كتاباتي بدأت تظهر في لندن تلك الأيام . وكان يعجبه قول عبد الرحيم الرفاعي أن بريطانيا وطنه القومي ساخرا بذلك من الزعم اليهودي بأن فلسطين هي الوطن القومي لليهود
    مرة قلت له في جمع من الناس انيني إشتريت كتاب له من مكتبة لبيع الكتب القديمة
    قال لي هل قرأته
    قلت نعم
    قال لي أرجو أن يكون أعجبك
    قلت له أنه يستحق كل بنس أنفقته عليه
    فسألني كم دفعت
    قلت له ست بنسات , كما تقول ستة ملاليم
    هل كان إستعماريا يسوسنا بدهاء المستعمرين أم كان إنسانا فاضلا بحق فإن ذلك المكان في تلك الأيام كان مكانا عجيبا بحيث أن الإنجليز أنفسم لم يكونوا يعرفون أحيانا هل هم يعملون في بريطانيا أم في بلد عربي , ونحن هل كنا أدوات للمستعمرين الذين أذلوا بلادنا ونهبوا ثرواتنا وعرقلوا مسيرتنا نحو الحرية والتقدم أم كنا طلائع لعالم جديد لم يولد بعد يحب فيه العربي الإنجليزي دون إحساس بالذنب ولا إحساس بالجميل
    سراج منير , لم يكن قحا تماما مثلي حين جاء الي لندن كان بحكم نشأته القاهرية أكثر دراية بالحياة مع دماثة في الطبع وذكاء هادئ وروح فكهة خاصة بين أناس يرتاح لصحبتهم وكان مثلي جديدا علي العمل الإذاعي ولكنه تعلمه أسرع مني وتحول في فترة قصيرة الي إذاعي متعدد القدرات يجمع في شخصيته بين التروي وحب المقامرة وكنت أشاركه في التروي, وأكرم صالح يشاركه في حب المقامرة لذلك نشأت بينهم صداقة خاصة بالإضافة الي صداقتنا المشتركة ولما جاء أحمد البديني وهو أكثر تهورا من كليهما نشأت بين الثلاثة صلة لم أكن طرفا فيهاإلا كمتفرج من وقت لآخر من ذلك أنهم إنشغلوا لفترة بالمراهنة في سباقات الخيل والكلاب. أنا كنت أسري عن همي بوسائل أخري, لكنني كنت أرافقهم أحيانا بدافع حب الإستطلاع وفي المرات القليلة التي كنت أراهن فيها كنت أكسب شأن المبتدئين فأضع الربح في جيبي وأتفرج عليهم يكسبون ويخسرون وأحيانا يخسرون كل ما معهم عبد الرحيم كان يحول ذلك فيما بعد الي مادة للضحك كان يرسم صورة كركتورية بالغة الطرافة لعالم السباق والمراهنين وسلالات الكلاب وأسماءها والخيل وعاداتها وأمزجتها أيها يحسن الجري في الأرض الصلدة وأيها يعدو أحسن في الأرض المبتلة ولو شاء لأصبح كاتبا لامعا في الكتابة الساخرة والواقع أن أي منهم كان بوسعه أن يكون كاتبا ولعلني عرفت بينهم بمحض الصدفة .. سراج منير يضئ الآن في بيرن بسويسرا حيث يقيم كان شاهدا في زواجي فيما بعد ثم وليا لأمر إبنتي زينب أيام دراستها هناك من هؤلاء الناس الذين يحملون عنك مؤونة التكلف ويجعلون الحياة تبدو أكثر خيرا وأقل عدوانا والحديث عنه يطول

    يتبع
                  

08-19-2003, 11:33 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)



    تمنّت فُوَيقا والصراةُ حيالها ترابُُ لها من أينقٍ وجمالِ
    وأعجبها خَرقُ العضاهِ أنوفها بمثل أبارٍ حُدّدت ونصالِ
    فابكَ هذا أخضرُ الجالِ معرضا وأزرقُ فأشرب وأرعَ ناعمَ بالِ
    ستنسي مياهاً بالفلاةِ نَميرةً كنسيانها ورداً بعينِ أثالِ

    وا حسرتا يا إبن العم
    الموت كان يبتسم,ثالث ثلاثة ونحن نتذكر ونضحك في نزل المشتل وفي مطعم المرابطين وحين غنا لنا عبد الله حداد أغانيه المريرة الحزينة عن أحوال الفلسطينيين وسائر العرب
    كان الموت يبتسم لأن أحدنا قد بقي له شهر واحد من رصيد العمر ؟ هل كان يبتسم بسخرية أم حزن؟
    يموت جزء منك حين يموت صديق عزيز هذا ما عناه ابو نواس بقوله (وأراني أموت عضوا فعضوا)
    الأرض كأنما تتناقض أطرافها ,والمصابيح في دجي روحك ينطفئ منها مصباح , الأفق يتسع ويضيق, الصداقة مثل الحب ,أقل وأكثر الصديق الذي يحمل عنك مؤونة التكلف كما قال عبد الملك بن مروان (لقد تأبطنا الحسناء وركبنا القارة من الخيل, وأكلنا اللذيذ من الطعام, ولبسنا الناعم من الثياب, ولم يبقي الأن إلا جليس يحمل عنا مؤونة التكلف) لأنه أكرم عبد القادر صالح ولأنني الطيب محمد صالح, صرنا إبني عم , رب أخ لم تلده أمك وكذلك إبن عمك
    حييا يحبب إليك الحياة قليلا وميت يسهل عليك الموت قليلآ كمصابيح رهبان إمرئ القيس
    نظرت إليها والنجوم كأنها مصابيح رهبان تشب لقافل
    مصباح في بيرن ومصباح في واسنجنطون ومصابيح في لندن والخرطوم وتونس والقاهرة ومصباح في بيروت, أه, مصباح في بيروت, مثل نار المحلق
    تشب لمقرورين يصطليانها وكأن علي النار الندي والمحلق
    تشب علي ذري جبال في خيالك, من المحيط للخليج. أشقاء في المأزق والمنفي, المأكل والمشرب,وأحزان النزوح وأحلام التوبة والأوبة
    أن تعرف إنسانا قريبا مما تعرف نفسك. أو لا تعرفه كما لا تعرف نفسك, كما يعرف السجين السجين والمسافر المسافر, والطالب الغريم ,والجندي الجندي في ميدان القتال
    تضحكان لآن الضحك وراءه ضحك والأحزان وراءها أحزان, كموج في أثر موج وقد كنت شاهدا عليه , وكان شاهدا عليك, والزمان غض الإهاب والدار دار حرب, وأنتما أثيران ولا تدريان, مهزومان ولا تدريان(بكيت علي أطلال سلمي في الحانات وما صليت صلاة العشاء وقد أذن الفجر)..
    كل خطوة مشيتها , تفتكر وتنسي, وكل ذلك شر,لآن الذي تبحث عنه قد خلفته وراءك,سرت بقدميك الي حيث أخذت وأعطيت وذدت الي قيودك قيدا,نسيت من أنت وظننت الأمر سهل ,جزعت حين سمعت, وقد كنت سميعا مطيعا.
    وما حسن أن تأتي الأمر طائعا وتجزع ان دعي الصبابة أسمعا
    رأيت عينين سوداوين وبشرة سمراء, وهبت عليك ريح الخزامي,وقلت يا لهف نفسي,هاتان العينان,أين كانتا من قبل. تنورت نارها حين هطل الثلج ولكن هيهات هيهات
    طلبت الشفاء عند الأطباء ولكن شفاؤك عند الصبي العربي اليتيم
    ومالك بالمدينة وحده يسرح الإبل.
    لقد بكيتما معا حين قال شكري القوتلي (إننا نضع أقدام الأجيال القادمة علي طريق الوحدة والحرية).
    وبكيتما معا حين قال عبد الناصر إنه توقع القارة من الشرق فجاءته من الغرب, ولما أنشدت أم كلثوم من كلام صلاح جاهين (ثوار علي طول المدي ثوار مطرح ما نمشي يفتح النوار)
    يذهب فجأ كما يخيل لك , ولا يبقي إلا ما يشبه الإحساس بالعضو بعد بتره , أو شئ مثل ظل الغمام .

    يتبع

    (عدل بواسطة aba on 08-19-2003, 11:38 PM)

                  

08-21-2003, 05:36 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)



    (6)
    كامل حكيم من دنقلا العرضي حين جاء الي لندن كان يقترب من الأربعين طويلآ غير متناسق الأعضاء كل عضو في جسمه كأنه يتحرك بإرادة منفصلة ,ويسير في طريق مستقل,لكنه كان إنسانا ودودآ محبا للناس ضحكاته تجلجل في ردهات الإذاعة ونظراته تدخل الهلع في نفوس السكرتيرات الإنجليزيات, عمل ردحا من الزمن في إدارة السكك الحديدية بالسودان ثم فجأخطر له خاطر,كما يحدث للشعراء والفنانين,ولم يكن شاعرا ولا فنانا,رمي عهدته في وجوه رؤسائه علي حد قوله,وذهب دون أن يقول لهم مع السلامة,ساح في الأرض من كينيا إلي زنجبار إلي أندونيسيا إلي الهند ثم عاد إلي بلدته أقام بها عاما كاملآ لا يفعل شيئا(يتونس) ويأكل ويشرب وينام,علي حد قوله,ثم ألقت به المقادير عندنا في لندن في أواخر الخمسينات ,وسرعان ما إكتشف المسؤلون خطأهم فإن حكيم لم يكن يفهم في الإزاعة ولم يكن عنده إستعداد لكي يتعلم,فتركوه طيلة ثلاث سنوات وهي مدة عقده,لا يفعل أكثر من الربط بين البرامج حين تذاع علي الهواء يقول (سيداتي وسادتي تستمعون الي كذا,وإستمعتم إلي كذا) ذات يوم ذهب حكيم الي مستر ووترفيلد مدير الإذاعة وقال له باللغة العربية وباللهجة السودانية (يا مستر ووترفيلد الحكاي شنو؟ الناس كلهم رقيتوهم الأخد ترقية ال أخد علاوة.بس مستر حكيم رابط في محله,لايذيد ولا ينقص,يا مستر ووترفيلد الكلام ده أعوج منكم,مافيش ولا شلن عشان مستر حكيم؟
    دخل لندن وخرج منها مثل الشعرة من العجين يأتي في الصباح ومعه طعامه يعده بنفسه في داره في (شذك) ويعود مباشرة بعد إنتهاء العمل وقد حول المطبخ الواسع في داره الي (تكل) علي الطريقة السودانية وضع فيه سريرا وطيئا مثل (العنقريب) السوداني وجهاز الراديو والتلفزيون, وأول ما يصل داره يخلع سترته الأفرنجية ويلبس جلابية سودانية, ويعد طعامه ثم يستلقي علي قفاه علي السرير,يستمع إلي الراديو ويتفرج علي التلفزيون إلي أن يحل موعد النوم, وتزوج من السودان بالتوكيل وهو في لندن أناب أخاه ليقوم بإجراءات العقد,فأرسلوا له عروسه ولم يكن قد رأها من قبل ومعها كميات كبيرة من العطور السودانية والبخور ذادت كثيرا عن الوزن المسموح به واحتارت الإدارة الإنجليزية ماذا تفعل فقال لهم حكيم إنها أدوات تجميل فأعجبهم ذلك المخرج فقبلوه,وكان حكيم يذهب إلي الدلالات ويشتري قطع الأساس القديم بأثمان بخسة وجمع منها قدرا كبيرا وحين أراد العودة وجد أن تكاليف شحنها الي السودان أكبر بكثير من ثمنها فتركها حيث هي,كنا نذهب الي داره من أن الي أن صلاح أحمد محمد صالح وعبد الرحيم الرفاعي وأكرم صالح وأنا,فيستقبلنا في المطبخ ويطعمنا الطعام السوداني الكسرة والويكة والكمونية وحتي المرارة الكبدة النيئة كأنك في أمدرمان ومستر حكيم في تلك الضاحية من تلك المدينة الأوروبية النائية في جلبابه السوداني وصدره مفتوح مغطي بشعر أشيب كثيف والروائح الأليفة العطر السوداني وروائح الكمونية والويكة والشاي بالنعناع والقرفة وغناء أحمد المصطفي من المسجل كأنه في أم درمان,ولندن ,كأنك سافرت من دنقلا العرضي إلي الخرطوم يا سبحان الله أقول في نفسي وقد كنت منذ تلك الأيام أراقب الناس والحياة مثل الكاتب ولا أكتب بل أدع الأفكار تضيع مع سحب دخان السجائر الذي تعلمته بين نغائض أخري في تلك الظروف والأحوال, يا سبحان الله , هذا الإنسان العجيب لماذا لا يحزن ويعاني كما نعني ونحزن ؟ لماذا لا يحس هول الأمواج التي تتلاطم حوله؟ لماذا لا ينفعل لهذه الأصوات الغريبة والروائح الغامضة المثيرة,الأمر واضح عنده هنا مثل هناك, ليس أحسن ولا أسوأ, لكنه مختلف وحدود العالم معروفة,القطار الذي يحمله إلي مكان العمل ويعود به,ودكاكين البقال والجزار وبائع الخضار لا أكثر لم يكن طائرا مهاجرا بل كان طائرا صحراويا خلا له الجو وطاب له التحليق فطار وطار وحملته ريح الي بلد نائي أقصي الشمال,أقام ما شاء له أن يقيم,ثم حملته ريح ثانية من حيث جاء لايدري كيف جاء وكيف عاد,كنا نحبه لأجل ذلك,وكان هو يعاملنا كأننا أطفال لا ندري ما نفعل,وأحيانا كنا نستدرجه إلي ما كنا نأخذ به من طيش فيقضي السهرة كلها يضحك علينا ويسخر من أفعالنا كل فتاة يجد فيها مأخذا التي نحسبها فارعة يقول أنها طويلة مثل الجمل,أو الزرافة, وهذه مثل (عود السلك) وهذه وجهها مثل الحصان,وهذه مثل القملة, وهذه أسنانها مثل أسنان الحمار,وكنت تلك الأيام أميل إلي ممرضة من ليفربول,أظنها آية في الجمال والظرف, فيقول لي (التمرجية الكريهة دي أيه عاجبك فيها؟
    عاد كما جاء لما انتهي عقده لم يحاول أن يبقي أطول,قال لي (يا خوي شغلانة الإذاعة دي ماها نافعة كفاية ثلاثة سنين حوشنا فيها قرشين تنفعنا هناك في بلدنا. نتوكل علي الله نرجع بلدنا.وعاد كما كان من السكة حديد الي السكة حديد.عاد مديرا لسكك حديد الجزيرة. تذكرت كامل الحكيم منذ اسابيع في الرياض قابلت ضابطا شابا في الحرس الوطني السعودي , قضي عامين يتدرب في أميركا وقضي فترة في باريس.مثل حكيم غطس في الماء ولم يبتل,سألته عن باريس فقال لي(والله ما رأيت فيها أكثر مما رأيته في الملز)

    أكرم صالح خاصة,كان طائرا من نوع أخر مثل عصفور حط علي غصن شجرة عارية من الأوراق,والثلج ينهمر,والأرض مكسوة بالجليد,تحسبه قد يسقط في أية لحظة,وقد يموت من البرد,ولكن قدرته علي الإحتمال كانت تدعو للعجب
    جاء أواخر الخمسينات من أذاعة الشرق الأدني التي كانت واسعة الإنتشار في تلك الأيام ولم يكن معروفا إنها تمول مباشرة من وزارة الخارجية البريطانية أنكشفت تلك العلاقة عام 56 أثناء العدوان الثلاثي علي مصر,فقد إستولت عليها حكومة المحافظين بقيادة سيرأنتوني إيدن ,وحولتها إلي إذاعة صوت بريطانيا,فاستقال معظم موظفيها من العرب,جاء أكرم إلي لندن,إذاعيا ناضجا متمرسا,كان دون الثلاثين,فخورا بزوجته المالطية,التي كانت ملكة جمال,وبصوته المصقول بين الشامي والمصري,لأنه تربي في لبنان,وتعلم في مصر,يقول لك بلا حرج
    بالله مش صوتي حلو؟
    دهشت أول مرة سمعت منه ذلك,ثم أدركت أن السؤال لا ينم عن غرور أو نرجسية,بقدر ما ينم عن براءة كانت من مكونات جاذبيته
    نعم صوتك حلو
    أحلي صوتي ولا صوت عبد؟
    صوت عبد الرحيم أعمق من صوتك لكن صوتك جميل جدا
    وصوت صلاح؟
    صوت صلاح أعمق من صوتك وصوت عبد الرحيم
    بس صوتي أحلي
    كل واحد فيكم صوته جميل بصورة مختلفة
    العجيب أنه لم يكن يكترث لجمال صورته,كان وسيما ذا عينين واسعتين بين الزرقة والخضرة,له لمة فاحمة السواد فقدها تدريجيا مع تقدم السن,أمه درزية من جبل لبنان,فيما حدثنا,أحبها أبوه الشيخ عبد القادر شبل,فخطفها وبني بها,وأنجب منها ولدين,زهير وأكرم,وماتت وهما بعد صغيران,تلك كانت عقدة حياته,فقد حكي لنا القصة مرارا بصيغ مختلفة
    ربما لأنه كان فلسطينيا ولأن أباه كان سنيا وأمه درزية,ولأن أمه ماتت عنه وهو بعد طفل,,ولأنه نشأ في لبنان وتعلم في مصر,فقد كان سريع الإنفعال مضطرب النفس,يفرح بسهولة ويحزن بسهولة,متهورا رغم حيائه,لازع اللسان رغم أدبه الجم,وكانت النساء الإنجليزيات يجدن في كل ذلك جاذبية لا تقاوم
    هل كنت تجرك مشاعر الأمومة فيهن عن عمد؟
    إنما هو لم يكن يفعل أي شئ عن عمد, كل شئ يجيئ عفو الخاطر أو بمحض الصدفة,فقط أمام المايكرفون يصبح كل شئ واضحا ومنتظما.حينئذ يتحول الي شخص آخر.تنزل عليه سكينة عجيبة, ويصبح صوته مثل ألة موسيقية في يد عازف خبير

    يتبع
                  

08-25-2003, 03:43 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)



    (7)

    تذاكرنا الأعمال الإذاعية التي إشتركنا في تقديمها ,ونحن جالسان في مطعم المرابطين في تونس :
    (تذكر عودة الأجير)
    أضاء وجه بالسعادة,وتساقطت الأعوام كما يغسل الماء الغبار,وعاد كم كان ,منذ عشرين عاما أو تزيد ..كنا في عنفوان الشباب,كل واحد يملك موهبة,قلت أو كثرت ,مثل سر تود أن تبوح به, عبد الرحيم الرفاعي جاء بعدي بقليل ,وصلاح أحمد جاء قبلي , كنت أدرس في جامعة الخرطوم , فضقت بها وتركتها , عملت فترة قصيرة بالتدريس في بلدة رفاعة, لم يكن واضحا لدي ماذا أريد أن أفعل ,ولكنني كنت أحس بطريقة مبهمة ,أن الذي أريده لن يتحقق , وأن الذي سوف يتحقق ليس هو الذي ابحث عنه ,كنت أسمع الإعلانات من إذاعة أم درمان أن إذاعة لندن تطلب مذيعين ,ولم أكن أظن الأمر يعنيني, فلم يخطر في بالي أن أكون مذيعا , وذات يوم قلت لصديقي بل أخي فتح الرحمن البشير ,(ما رأيك) قال لي (ولما لا) قدمت بعد إنتهاء موعد تقديم الطلبات , بين الجد والمزاح , ومن هنا إلي هنا وجدتني فجأة في لندن , في عز الشتاء , أذكر بوضوح كيف كنت ابدو تلك الأيام,فلدي صورة من ذلك العهد , خارج محطة الأندر جراوند في كونزوي علي وجهي العابس شارب يجعلني أبدو أكبر من سني , ألبس معطفا اكبر إتساعا وطولا من ما يجب , وأحمل رزمة من الصحف والكتب , وفاكهة إشتريتها لتوي من شارع بيزووتر ,الشارب إختفي مع مرور الأيام ,كما إختفت سجادة الصلاة التي أحضرتها معي من السودان , تحت ركام التجارب فيما بعد , في مطار لندن حين وصولي ,نظرت إلي صلاح ونظر إليّ دون ود ,بعد ذلك حينما أصبحنا صديقين حميمين قلت له (تعرف أيام وادي سيدنا أنا كنت أستسخفك جدا ,أقول ما هذا الإنسان العويل الذي يغني المنلوجات , ويضيع وقته في التمثيل ) ضحك صلاح وقال (وأنا حين أخبروني أن سودانيا يدعي الطيب محمد صالح سوف يلتحق بإذاعة لندن , حاولت جاهدا أن أتذكرك فلم أفلح , فجأة تذكرتك قلت أعوذ بالله , وسألت الله أن يخيب ظني) كان صلاح أحمد يسبقني بعام , في مدرسة وادي سيدنا العتيدة , نجما لامعا في التمثيل وحفلات السمر , كما أصبح بعد ذلك مذيعا لامعا في إذاعة أم درمان ,كان من أولاد أم درمان ,قمة الحضارة في ظننا , ومن أولاد الأفندية , إذ كان أبوه الأستاذ الجليل أحمد محمد صالح رحمه الله , أحد الشعراء المعدودين من كبار رجالات التعليم في السودان , ونحن جئنا من البوادي والنجوع , جئنا من العمارة وكلكلة وكباسة , كما قال أستاذنا عبد الحليم علي طه رحمه الله , نجباء فقط في تلقي الدروس كما إتضح فيما بعد , نحتقر أولاد المدن ونسكن في داخليات يسميها أبناء المدن سخرية (داخليات أولاد الأقاليم ) هم ظرفاء في الغالب خبيرون بمسالك الحياة , ونحن أجلاف ,شعث غبر.هم صاخبون ضاحكون خارج الفصول , وحين تدق الأجراس وتبدأ الدروس يصمتون ونتكلم نحن , نحرز قصب السبق في الإمتحانات ,وهم يربحون في سباق الحياة , من زملائنا في ذلك العهد أخونا العزيز منصور خالد , الذي أصبح فيم بعد وزيرا للخارجية ,وجعفر النميري الذي لم يكن نجيبا في تلقي الدروس ,لكن قريحته تفتقت عن الأعاجيب بعد ذلك , ورغم أنه نشأ في أم درمان ,فإنه لما صار رئيسا للدولة إدعي الولاء للريف , وابتني لنفسه دارا في دنقلا , لم تمهله الأقدار التي لا تني تسخر من آمال البشر , حتي يسكن فيها , يصدق عليه قول أبو العلاء المعري :
    صوافن خيل عند باب مملك
    جمعن وما أيامه بصوافي
    ولعل أنبغ طالب في ذلك الزمان بل في كل الأزمنة , كان عبد الخالق محجوب, الذي لاقي حتفه, ويا للغرابة علي يدي جعفر النميري , وربما يكون دفع حياته ثمنا لنبوغه ,كان في السنة الرابعة ونحن في السنة الأولي , هادئا حيا ولكن كان لعقله دوي , ولو سارت الأمور سيرا طبيعيا , لأصبح أستاذا كبيرا في الجامعة , في الرياضيات أو في العلوم أو في اللغات , فلم يكن علم يستعصي عليه , لكنه سافر إلي مصر وأصبح شيوعيا , ثم أمينا عاما للحزب الشيوعي السوداني , واصطدمت أحلامه بأحلام شاب أخر , دخل الكلية الحربية وأصبح ضابطا في الجيش ,ولسبب ما خيل إليه أن العناية الآلهية قد إختارته لحكم السودان ,فقاد إنقلابا عسكريا , وأمسك بنواصي الأمور , أو هكذا خيل إليه ,كل هذه الأشياء المحزنة بذرت بذورها تلك الأيام , وهي قصة لم تكتمل فصولها بعد ,ومهما يكن فإن جعفر النميري واحدا منا ,حسناته من جنس حسناتنا , وسيئاته لم تكن إلا تجسيما لسيئاتنا , لفد رمي سهمه فأصاب قومه , ولم يكن بدعا في ذلك ,عمل عملا صالحا وآخر سيئا , وحسابه عند الله .


    يتبع

    (عدل بواسطة aba on 08-25-2003, 03:53 PM)

                  

08-28-2003, 04:21 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)



    (

    أما صلاح أحمد محمد صالح,فلم يكن في شيء من هذا كان شاعرا غنائيا شهيرا يغني قصائده حتي وهو طالب كبار المطربين,أمثل أحمد المصطفي وعثمان حسين,وكان يهوي الفن ويعشق السنما ويحفظ أسماء الممثلين المصريين والمخرجين عن ظهر قلب,ويطرب لأغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وأسمهان وفريد الأطرش وليلي مراد ولم يكن ذوقنا السوداني قد ألفها بعد ,ورغب أن يسافر الي مصر ويلتحق بمعهد التمثيل , ولكن أباه , ربما بسبب تجربته في الشعر , أراد أن يجنبه وعثاء طريق الفن , فمنعه من السفر ووجهه نحو العمل في السلك الدبلوماسي , كان أحمد محمد صالح شاعرا كبيرا ولكنه كان يسخر من الشعر والأدب , وأذكر وأنا في السنة الأولي الثانوية ,وجدني أقرأ كتابا أدبيا في فترة المذاكرة المسائية , حين كان يجب علي مراجعة دروس الجغرافية و التأريخ والرياضة , فقال لي بصوت فيه رنة مصرية خفيفة (حضرتك عاوز تكون أديب؟) وقبل أن أستطيع الرد قال لي (طظ) ومضي عجبت لذلك لانني كنت أحب الأدب ولكنني لم أفكر في أن أكون أديبا وقد ظلت عبارته تلك ترن في أذني منذ ذلك العهد كلما سمعت أو قرأت إستحسانا لما أكتب ,أسمع صوته الساخر يهمس في أذني (طظ) .
    لما زار علي الجارم الخرطوم في أوائل الأربعينات , أغفلوا دعوته لحفل التكريم , الذي أقيم للشاعر المصري الكبير , فقال في ذلك قصيدة حدا بها الركبان في ذلك الزمان جاء فيها :


    فينوس يا رمز الجمال وبقية الأيام عندي
    لما جلوك علي الملا وتخيروا الخطاب بعدي
    هرعوا اليك جماعة وبقيت مثل السيف وحدي
    لو كان لي ذهب المعز لاحسنوا صلتي ورفدي
    أو كان زندي واريا لتهيبوا كفي وزندي
    الي أن يقول :
    هذي اليراعة في يدي لو شئت صارت ذات حد
    أو شئت سالت علقما سما يري عند التحدي
    كان شاعرا فحلا وله قصيدة إشتهرت أيامئذ عن دمشق حين ضربها الفرنسيون بالقنابل مطلعها :

    صبرا دمشق فكل طرفا باك لما استبيح مع الظلام حماك
    هكذا كان الشعراء تلك الأيام كما قال حافظ إبراهيم :

    إذا ألمت بوادي النيل نازلة باتت لها راسيات الشام تضطرب
    وقد انصفوه اخر ايامه فعينوه عضوا في مجلس السيادة بعد استقلال البلاد, فظل كما هو لم يدع سخريته وبساطته ظل يعيش في داره ذاتها التي عاش فيها قرابة أربعين عاما , ورفض أن يضعوا له حراسا وظل وفيا لأصدقائه القدامي في سوق أم درمان حيث كان يقضي أيامه . رحمه الله فقد كان واحدا من جيل عملاق , منهم إسماعيل الأزهري , والتجاني الماحي , وعبد الرحمن نقد الله وعبد الرحمن علي طه ومحمد أحمد محجوب ومحمد صالح الشنقيطي ونصر الحاج علي وكثيرون آخرون , كانوا مثلا في الوفاء بالعهد , والصدق في القصد , والرباط علي جنبات النبع الأصيل , ذهبوا كلهم الان الا نفر يعدون علي أصابع اليد, وخلفوا لنا اذا أردنا أن نحذو حذوهم , هما ثقيلا , لقد صدق أحمد محمد صالح حين قال :
    مال ميزانها وحان الغروب
    وانقضي عهدها فليست تؤوب

    يتبع
                  

08-31-2003, 06:40 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)



    (9)

    انحسرت الأعوام كما يتخفف المرء من ثيابه,وغسلت الذكري غبار السنين كما تغسل وجهك بالماء. قلت له ونحن نجلس وجها قبالة وجه في مطعم المرابطين في تونس :
    (هل تذكر عودة الأجير؟)
    كانت تلك تمثيلية كتبتها من وحي قصيدة للشاعر الأمريكي روبرت فرست , وهو من الشعراء الأثيرين عندي , وخلاصتها ان عاملا اجيرا في مزرعة اختفي زمنا, وعاد وقد طعن في السن وفتك به المرض,ليموت,وفي هذه القصيدة قولة شهيرة لربرت فرست (الوطن هو المكان الذي إذا عدت إليه كان لزاما عليهم أن يقبلوك ) كان أكرم يؤدي دور الراوي, وكان دورا شاعريا رهيفا مثل تأرجح الموج علي صفحة نهر في صباح معتل النسيم. كان حين يبدأ في القراءة يصمت المهندسون الإنجليز تماما في غرفة التسجيل , بتأثير الصوت الجميل ووقع الكلمات الغريبة .
    (تذكر البرنامج الذي أخرجه جمال الكناني عن إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟)
    في ذلك المساء كلنا بكينا , حتي جمال الكناني بكي حين أخذ عمر الصحيفة من أخته وقرأ من سورة طه وقال (ما أجمل هذا) ثم ذهب الي الرسول الكريم في دار الأرقم , وجبذه الرسول جبذة فقال عمر (أشهد أن لا إله إلا الله وانك رسول الله) .
    (تذكر البرنامج الذي كتبه الدكتور محمد عبده عزام عن مولد الرسول صلي الله عليه وسلم؟)
    حدثت لنا حالة عجيبة في تلك الليلة اصبنا كلنا بالهلع قبيل التسجيل .ثم اضاء نور الإستديو الأحمر, وأطبق ذلك الصوت المروع الذي لا يعرفه إلا من جربه , أهون منه ان تواجه كمرات التلفزيون او تستقبل مئات العيون ترنو اليك في قاعة محاضرات مكتظة , هنا أمام الميكرفون انت وحدك ازاء اعمق أعماق ذاتك , وصوتك يرتد إليك من كاتمات الصوت داخل الإستديو , كأنما توسوس به نفسك,في تلك الليلة , لامر ما كان الهول أكبر , أذكر إن أكرم بدأ القراءة كحصان أصيل يتقدم خيلا عتاقا , ولأنه فلسطيني ,ولأن أباه سني وأمه درزية ,ولأنه نشأ في لبنان وتعلم في مصر , ولأنه طلق زوجته فهاجرت بعياله إلي أستراليا, ولأنه كما نحن , رضع لبان العروبة ويخدم الإنجليز ,ولأنه مثلنا جميعا بكي علي أطلال سلمي في الحانات والدار دار حرب , وقد أرقته أحلام التوبة والأوبة , لهذا كله خرج صوته مفعما بإحتمالات الأفراح والأحزان ,كمؤذن ينادي في الفجر ,غطسنا كلنا في ينبوع ذلك الحدث الجسيم , مولد الطفل العربي اليتيم , ودوت في مغارات أرواحنا أصداء الكلمات النبيلة.
    خرجنا متعبين , وكان جمل الكناني في غرفة التسجيل صامتا حزينا مثقلا بالهموم , ربما لأنه عاني اكثر , وقاوم أكثر , وربح و خسر أكثر , ولعله كان الوحيد بيننا الذي حياته تقرب من المأساة .
    (محمد عبده عزام يا له من كاتب )
    من حسنات جمال الكناني أنه هو من شجعه علي الكتابة للإذاعة (كناني كان انسانا عجيبا لا يبالي ظاهريا ومؤمن في قرارة نفسه , ووطني في قرارة نفسه يمالئ الإنجليز ظاهرا ويعجب بعبد الناصر سرا)
    وهو رئيس لقسم التمثيليات اكثر من التمثيليات عن الإسلام وكان عزام يكتب أغلبها , حتي إحتجت بعض الهيئات الكنسية لدي المدير العام وقالوا ان القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية تحول الي منبر للدعوة الإسلامية , بعد توقيع معاهدة كامب ديفد زرته في داره في تدنجتن كان مقعدا يجلس علي كرسي ذي عجلات , وجدته غاضب مثل نمر في قفص.. قلت له لماذا انت غاضب؟ اليس هذا ما كنت تنادي به دائما؟ ألم تكن تقول ان العرب لا قبل لهم بإسرائيل وعليهم ان يعقدوا صلحا معها؟ قال ولكن ليس بهذه الطريقة هذا إذلال لو كان عبد الناصر هو الذي عقد الصلح .. عبد الناصر كان رجلا أما هذا....
    (تذكر الظل القريب؟)
    (وقلوب مقسمة؟)
    (ولص السملء؟)
    أه المسلسل عن الأندلس كيف لا أذكره قصة الإنهيار العربي كتبها عزام ايضا كأنها تحدث اليوم, سجلتها في بيروت , وغنت أغانيها تلك السيدة الرائعة ,عفيفة إسكندر , بصوتها المبحوح , من تلحين محمد غازي .
    قد ملأ الكأس وحيي
    حي بها يا حبيبي
    فقلت أهلآ بالمني
    مرحبا يا حبيبي
    بالله مل معتنقا لاثما
    فمال كالغصن تفشته الصبي يا عيوني

    كان ذلك في أوائل الستينات والناس ناس , والزمان زمان , وبيروت بيروت ,ماذا فعل الله بها ؟ من أكثر النساء شهامة وأريحية , إمرأة تزن رجالا ..جاد الغيث ديارها , حيث حلت بأرض العراق .
    تعلمت من صحبة الدكتور محمد عبده عزام أكثر مما تعلمت من الكتب , وأعده أستاذا لي بحق , كان لنا بمثابة الأب ,كثيرا ما كنا نجتمع في داره غربي لندن , نسمر ونصيب من أطياب الطعام الذي تطهوه بحذق زوجته الفاضلة (ماما هانم) شاعره أبو تمام فقد نال درجة الدكتوراة في تحقيق ديوانه وكتب عنه كتابا بديعا نشر في سلسلة أقرأ عنوانه عشرة ليلي مع أبي تمام حدثني عزام ان أبا تمام أملأه عليه إملاء , فقد كان يجالسه فعلآ ويتحدث إليه كل ليلة , وله كتاب يسمي شيخ التكية وقصته أن الدكتور طه حسين وكان أستاذه , وهو من أوائل من تخرجوا علي يديه في الجامعة المصرية ,أراد أن يساعده فرشحه ليكون مسؤلآ عن الوقف المصري في مكة المكرمة , لم يذهب في نهاية الأمر ولكنه سجل خواطره عن إحتمال أن يكون شيخا للتكية في هذا الكتاب الفكه , وكان عزام حين تعرفنا عليه في لندن يعمل أستاذا للغة العربية بمدرسة اللغات الشرقية بجامعة لندن , وقد جاء الي لندن وظل يقيم فيها, لأنه أراد أن ينشئ إبنا وبنتا له ولدا وعندهما خلل في النطق . إنسان كريم النفس جريئ الفكر كان أول من لفت نظري إلي دقائق المعاني في شعر أبي نواس , وقد كتب فيه برنامجا للإذاعة نفذ فيه إلي وجدان الشاعر العبقري بصورة لم أجد لها مثيلآ في كل ما قرأت , أخبرني أنهم كانوا يحققون ديوان أبي نواس مع الدكتور طه حسين , لما وصلو الي قول الشاعر

    وأثن علي الخمر بآلائها**** وسمها أحسن أسمائها
    صرخ طه حسين منفعلآ (الله أكبر )
    هل تسمعون ما يقول هذا الشاعر؟
    هل تفهمون ما يعني؟
    بلي كان أبو نواس كافرا أكثر مما أدرك نقاده , ومؤمنا أكثر مما أدرك نقاده , وكذلك أبو العلاء المعري , لكنهم صنعا شعرا عظيما من الشكوك التي توسوس بها صدور المؤمنين , ولا يبوحون بها , وارجو ان تسعهما رحمة الله التي وسعت كل شئ .


    يتبع
                  

08-16-2003, 01:10 PM

haleem

تاريخ التسجيل: 09-10-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    أبا
    شكرا على هذه التحفة

    أبا وود البلد
    أمنى أن تجدوا طريقة لتعميم هذه الكنوز التي بحوزتكم للإستفادة منها ..أنا شخصيا أبحث منذ زمن عن طريقة للحصول على هذه المقالات
    أذكر الحلقات التي كتبها عن صديقه منسي كانت ممتعة جدا
    الرجاء مساعدتي في الحصول عليها أو عمل بوست بها

    وفي إنتظار التكملة
                  

08-16-2003, 01:20 PM

maia

تاريخ التسجيل: 03-05-2002
مجموع المشاركات: 2613

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    كم هو رائع الاستاذ الطيب صالح في سرده وكتاباته بطريقة سلسة بسيطة تجعلك تعيشها حية امامك
    شكرا ابا على هذه التحفة الجميلة
                  

08-16-2003, 01:33 PM

WadalBalad
<aWadalBalad
تاريخ التسجيل: 12-20-2002
مجموع المشاركات: 737

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    سلام حليم

    لدى كل الحلقات التى كتبها الطيب صالح فى مجلة المجلة تحت عنوان "نحو أفق بعيد" وعددها 525 حلقة رزمتها فى مجلد واحد وأخرجت منها عدة نسخ وزعت أغلبها على أصدقائى الأعزاء ولم يتبق منها إلا نسخة واحدة فقط حجزتها الأخت الجندرية ويمكنك أن تتصل بها فإذا تنازلت فسأرسلها لك مجاناً مقابل دعواتكم الكريمة لنا

    ودمتم

    (عدل بواسطة WadalBalad on 08-16-2003, 01:46 PM)
    (عدل بواسطة WadalBalad on 08-27-2003, 00:16 AM)

                  

08-16-2003, 01:59 PM

haleem

تاريخ التسجيل: 09-10-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    شكرا ود البلد على هذه الأريحية
    ويمكننا التنسيق لعمل نسخة منها..بالرغم من التعدي على حق المؤلف
    لكن ما باليد حيلة مع حبنا لكتابات هذا الرجل
                  

08-17-2003, 02:36 AM

الرايق


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    الأخ الأكرم أبا
    جزيل الشكر وعاطر التحايا على نشر هذا المقال فقد تابعته باستمتاع، أكرر جزيل شكري، وأعيد نشر تلخيص للسهرة التي بثها تلفزيون المستقبل العام الماضي " وكنت قد نشرتها عقب بث تلك السهرة مباشرة في البورد"
    الأخ ود البلد
    سلامات
    بالله لو ممكن نلقى طريقة مع الجندرية وحليم في مجموعة مقالات نحو أفق بعيد
    مايا وحليم
    ســـلام.. ، وهل من مزيد؟؟؟


    استضاف تلفزيون المستقبل الأديب والروائي السوداني العالمي الأستاذ الطيب صالح في برنامج " خليك بالبيت" الذي يعده ويقدمه الإعلامي الفذ الأستاذ زاهي وهبي الذي يعد محاور نموذجي بحضوره المتميز وثقافته العالية ومدى إلمامه بسيرة ضيفه وإنتاجه وحسن إعداده وتحضيره لهذا البرنامج.
    وطوال فترة ساعتين أو نحوها تابعنا ذلك الحوار الشيق، الذي أخذنا فيه الأستاذ زاهي وهبي في رحلة في عالم الطيب صالح ودنياه، وقصصه وشخوصه الروائية، جلس أديبنا العبقري بتواضع العظماء وبحضوره الآثر، وتحدث فأبان وأوضح وكفى ووفي وأمتع، تحدث بإيجاز عن فترة عمله في هيئة الإذاعة البريطانية ومنظمة اليونسكو، كما تحدث عن رواياته وشخوصه الروائية، وكم استمتعنا بحلو حديثه الرائع الشيق، ولشدما أبهرتنا سلاسته، وصراحته وصدقه، وبساطته. كان الأستاذ الطيب صالح خلال الحوار يمسح بيده اليسرى على ظاهر يده اليمنى وهو يستمع للأسئلة، يجول ببصره في فضاء الأستديو وهو يهم بالرد، يتلمس شعر رأسه وهو يتذكر، ويحك أذنه بحياء صادق حين يمدح ويثنى على إبداعه، وبقدر ما كان عاديا وبسيطاً ومتواضعاً في حديثه كان في ذات الوقت عميقا وهادئاً، قال رأيه دون مداهنة في النظام الحاكم في الخرطوم، وتحدث والشعر والرواية، والسياسة والثقافة. وكم كان عظيما في تواضعه، عميقاً في بساطته، لا تملك غير الامتلاء بالإحساس بالإعزاز والزهو بأن هذا الرجل من بني جلدتك.
    تناول الحوار عدة محاور ومواضيع، وكان أديبنا كعهدنا به من خلال رواياته وقصصه، يقدم السهل الممتنع، قطعاً مهما نكتب أو نصف فلن نوافي الرجل حقه، ولن أستطيع أن أنقل جو ذلك الحوار الذي قد يكون شاهده الكثيرين منكم، وهذه بعض مقتطفات مما جاء فيه.

    قال عن الغربة:
    قال عن الغربة إنها لم تكن خياره، ولم يوجد ما يدفعه إلى الهجرة أو السفر في ذلك الوقت سوى الدراسة، ثم قال أن الغربة أو البعد عن الوطن يخلق نوع من التوتر، (مثل الذي يحدث بين المحبين عند البعد)، والضغط وهو الذي يخرج بشكل أدبي، وأضاف زائداً الاحتكاك بالأخر. وأضاف أن الغربة والحنين إلى الوطن (نوستالجيا) تحرض على الكتابة. كما قال " إن لم أخرج من السودان، لا أعتقد أنني كنت سأكتب ما كتبت".

    كما تطرق إلى فترة وجوده في هيئة الإذاعة البريطانية، وعن أول لقاء له بالأشقاء العرب، وقال " لم أكن أعلم الكثير عن القضية الفلسطينية، وبكل تواضع قال أنه عرف الكثير عن القضية الفلسطينية خلال تلك الفترة، وفي معرض حديثه قال نحن كسودانيين "دائما ما نحتاج لبراهين لإثبات عروبتنا "، وعل في هذا رد على الذين يحاولون إقصاء تأثير الثقافة والعرق الأفريقي فينا.


    أسئلة ومداخلات عربية:
    بتكريمه للأديب الطيب صالح، واحتفائه به، بين الشعب اللبناني عن مدى تقديره لكاتب في قامته، بينما لا يزال الرجل غير مرضياً عنه من قبل الزمرة الحاكمة في الخرطوم، أضف إلى ذلك المساهمات المتنوعة التي جاءت من داخل لبنان.
    · طفل لبناني في الرابعة عشرة من عمره يسأل عن دومة ود حامد
    · معلمه أردنية تسأل عن قصته حفنة تمر والتي تدرسها ضمن المقرر الدراسي في بلادها
    · أكد طالب جامعي لبناني أعد أطروحة ماجستير في الآداب في الجامعة اللبنانية أن الطيب صالح هو رائد الواقعية السحرية وقد سبق غابرييل غارسيا ماركيز بدلالة صدور موسم الهجرة للشمال قبل صدور مائة عام من العزلة، فقد صدرت موسم الهجرة للشمال 1966م بينما صدرت مائة عام من العزلة في عام 1967م.

    في رده على سؤال حول هل أصبحت الرواية ديوان العرب بدلاً عن الشعر. قال إن الشعر سيظل هو ديوان العرب ولعقود قادمة من الزمن.

    موسم الهجرة إلى الشمال:
    عن الجنس في روايته موسم الهجرة للشمال قال :
    حين كتبت هذه الرواية فكرة الجنس كطاقة محركة للمجتمعات كانت رائجة وتناولها فلاسفة كبار مثل ماركوز علي سبيل المثال لا الحصر.
    سأل أحد المشاهدين لماذا يركز الطيب صالح على الحب والجنس والفحولة والإخصاب فقط هل هي كل شئ في حياة الإنسان؟؟؟
    جاء رد الأديب الكبير على أنها الأسس الفلسفية التي يقوم عليها العمل الروائي، وأضاف إنها ليست وحدها بل الدين كذلك، وأن الإنسان يحتاج للإيمان ولطاقة روحية.
    س: في مضاجعته للإنجليزيات هل كان مصطفي سعيد ينتقم من المستعمر؟
    ورد الأستاذ الطيب: ربما كان يزعم ذلك(ويعني مصطفي سعيد)، ثم أضاف أن فرويد يرى أن الاستعمار نوع من الإخصاء، وعندما تسيطر أمة على أخري فإنها بشكل ما تقضي على فحولتها. لذا قد يكون ذلك صحيحاَ.

    أيضا في معرض رده على أسئلة المشاهدين تحدث الأديب الكبير عن ثنائية الجد/الحفيد، وبالتالي تهميش الأب أو عدم حضوره، أي أن الحاضر ضحية تفكير في مستقبل باهر آتي.

    قال عن المتنبئ:
    تحدث كثيراً عن الشاعر أبو الطيب المتنبئ الذي يكن له كل الحب والإعجاب، وقال فيما قال عنه " هذا الرجل بلغ بالمعاني أقصى ما يمكن تحملها "

    قال عن فيروز:
    "فيروز تغني الحب الذي يقترب من الصوفية وهو يوقظ أشياء كثيرة في وجداني"

    11 سبتمبر:
    في سؤال عن مدى تأثير 11 سبتمبر على العلاقة بالغرب؟؟؟؟؟
    قال العبقري: الغرب تحمل لواءه أمريكا، فهو ليس الغرب الذي تعودنا محاربته وحوراه، ولا توجد علاقة حقيقية بينه وبين الشرق بل توجد خطط ونوايا ولا يوجد شرق بالنسبة إليه. وهذه قطرة من ما فاض به أديبنا المبدع الطيب صالح في تلك الأمسية
                  

08-17-2003, 03:19 AM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: الرايق)

    الأعزاء
    حليم
    مايا
    الرايق
    شكرا ليكم ويا ريت لو نجعل البوست ده ثابت نتبادل فيه ما نملك من ثمار هذا ألأديب الفنان ويا ود البلد أرجو مكاتبتي عن طريق المسنجر فهنالك ما يسرك إن شاء الله
                  

08-17-2003, 01:01 PM

Agab Alfaya
<aAgab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    العزيز ابا
    وكل الشباب الظريفين
    متابع و مستمتع جدا بهذا الحوار وعندي ليكم مفاجاة
    بعد ما اجي راجع


    الاخ رايق
    هل في الامكان الحصول علي التسجيل الصوتي لحلقة خليك بالبيت
    مع الطيب صالح
    ومتي كان تاريخ بث الحلقة
                  

08-17-2003, 01:41 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: Agab Alfaya)

    أستاذنا عجب الفيا
    فيك الخير وكلك خير
    منتظرنك بالشوق والشوق مطر
    أم عن الحلقة التلفزيونية برسلها ليك فيديو شن قولك مش أنا زول ما كعب

    هذا هو اللنك الخاص بمجلة المجلة وممكن لمن يملك المقدرة المالية طلب الأعداد المعنية


    http://www.uniquemagazines.co.uk/html/Magazine%20Web/ALMAJALLAMAGAZINE.htm


    منذ فترة وقد اختفى الطيب صالح عن الساحة الأدبية ولم يعد يصدر كتابات جديدة أو يكتب كما عودنا في المجلات والصحف المختلفة . والطيب صالح بلا شك ظاهرة تستحق الدراسة بعمق لما قدمه للأدب السوداني والعربي والعالمي .

    ويبدو أن الطيب صالح اكتفى وهو قد جاوز السبعين عمرا بحضور المنتديات الأدبية والثقافية والمحاضرة أحيانا في بعض منها ، بعيدا عن جحيم الكتابة ، ويبدو كذلك أن عينا أصابت الرجل وجعلته لا يكتب ، وتلك مقولة مشهودة له قالها لأصدقائه ، ورجل مثل الطيب صالح مفعم بالرموز الحياتية التقليدية والرمز الصوفي والديني كما برز في رواياته العديدة لا شك أنه يؤمن بالعين والسحر . ولكن من أين أصابت العين هذا الرجل الجامح الخيال؟

    ويفضل الطيب صالح الآن قضاء حياة بسيطة بعيدا عن الأضواء التي تحاصره أين ما حل . ومن كان يعرف أن الرجل كان متواجدا بالولايات المتحدة الأمريكية أثناء التفجيرات الأخيرة في الحادي عشر من سبتمبر . وقد نشرت صحيفة الراية القطرية مؤخرا هذا الخبر أثناء تواجد الطيب صالح بالدوحة العاصمة القطرية - ما بعد عطلة العيد الصغير- والتي يحرص الطيب على زيارتها كل عام على الأقل حيث يلتقي بأصدقائه القدماء الذين لا يزالون يقيمون بها ، ومن المعروف أن الرجل كان يعمل بوزارة الإعلام في قطر وله معارف وعلاقات وطيدة بها ، ويقيم في قطر شقيقه بشير محمد صالح المحامي الذي يعمل مستشارا بمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية والتي يوجد مكتبها الأم في الدوحة ، وبشير الأخ الأصغر للطيب وهو محبوب له وقد أهدى الطيب صالح إحدى رواياته لأخيه بشير وأخته عائشة .

    ولا يحب الطيب صالح وهو في الدوحة أن تحاصره الصحافة أو تطلب حوارات منه كما يقول بعض الذين يعملون في الإعلام هنالك ، فالرجل يرد دائما على الصحفيين بأنه ليس لديه ما يقوله ، فقد قال كل شئ . ويبدو أن حقيقة الأمر أن الطيب صالح يريد أن يقضي إجازة سعيدة بعيدا عن لندن حيث يقيم ومع أصدقاء الدوحة القدامى ، وهو رجل عرف بحنينه الدافق لكل ما يعبر بحياته من ذكريات لا تنسى . وقد كتب قصة مشهورة نشرت ضمن مختارات قصصية عربية عنوانها : " يوم مبارك على شاطي أم باب " تكشف حب الرجل لهذه المنطقة – أي الخليج العربي – والتي عاش فيها سنوات وبدأ من عندها طريقا نحو العالمية ، وليس من لندن كما يخال البعض .

    يظل الطيب صالح شاهدا على العصر بكل تفاصيله ومهما كتب الكتاب السودانيون عن الرجل فهم قاصرين عن احتواء هذا المحيط الرحب من المعرفة

    أخيرا عاد الطيب صالح للكتابة في مجلة المجلة في الصفحة الأخيرة

    (عدل بواسطة aba on 08-18-2003, 08:31 PM)
    (عدل بواسطة aba on 08-31-2003, 04:27 PM)

                  

08-17-2003, 06:53 PM

Agab Alfaya
<aAgab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    ابا، ايها الرجل السريع النهمة
    ربنا ما يحرمنا منك وان شاءالله يقدرنا علي رد
    الجميل باجمل منه

    ما كنت داير اقول المفاجاة لحد ما ود البلد يضمن لي البشارة
    لكن عشان انتظاركم ما يطول،المفاجاة هي انني تحصلت علي نص
    الرجل القبرصي
    وسوف اقوم بانزاله فور الفراغ من طباعته
    وبرضو حقي محفوظ يا ود البلد
    ولا شنو؟
                  

08-17-2003, 08:01 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: Agab Alfaya)

    أستمتع بما تنشرونه
    وأهتف هل من مزيد


    وأنتهز هذه السانحة، ولندعو معا لإقامة موقع للأديب الطيب صالح
    يجمع شمل ما كتبه هو وما كتب عنه

    هل ننتظر حتى يرحل لنكتب عنه، لماذا لا نسعى جميعا وبمخاطبته، لعمل موقع يليق بمكانته كأديب عالمي

    وأظن هذا المنبر يجمع كثير من المبدعين في هذا المجال
                  

08-17-2003, 09:19 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: Agab Alfaya)

    أخي عجب
    بشرك الله بالخير
    وننتظر زخاتك أيها الخريف

    أخي نادوس
    يا ريت والله لكن هل يترك السودانين عاداتهم بتكريم الموتي فقط ؟ مد الله في أيام أديبنا الطيب صالح
                  

08-17-2003, 08:26 PM

Remo
<aRemo
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 269

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    العزيزAba
    و كل الأحباب الذين زاروك فى حضرة الحبيب الأستاذ الطيب صالح
    نحن الآن فى حالة التأمل و الإنتظار حتى ينتهى عزيزنا أبا من كل الحلقات و بعد ذلك لنا الكثير الذى نشرف بقوله فى حق استاذنا الطيب طالح
    و يا ود البلد عليك الله نسخه من مقالات الأستاذ و على التصوير
    يا صديقى عبد المنعم بعد ما يجيك الشريط أكيد حترسل لى منو نسخه دى قاطع شكها
                  

08-17-2003, 08:40 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: Remo)

    Remo
    أخيرا يا إبن الدويم البار وشاعرها الرقيق قررت تزورنا
    بارك الله في الطيب صالح الرحيق الي جمع نحل المحبة, ولي عشق بالدويم وناسها من أيام الجامعة
    بكري الوسيلة السماني
    الطاهر بدوي محمد علي
    أزهري لعوتة
    عماد شريف
    ذكرهم الله بالخير من نعم الأهل والصحاب
    وهلا بيك من جديد وبنكمل إن شاء الله
                  

08-17-2003, 09:19 PM

WadalBalad
<aWadalBalad
تاريخ التسجيل: 12-20-2002
مجموع المشاركات: 737

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    الأخ عجب

    التحية

    والله عرفتها من قولتك أنها مفاجئة

    والشكر لك لأننى ظللت أبحث عن تلك القصة منذ زمن بعيد


    هناك شيئاً آخراً مهما فى أدب الطيب صالح وهو أدب المرثيات وكما نشاهد الآن فإن الأخ أبا يقوم بتنزيل مرثية الطيب محمد صالح فى وفاة صديقة أكرم محمد صالح, لكن هناك مرثيات أخرى فى أشخاص سودانيين فى غاية البلاغة والروعة مثل مرثيته لمحمد أحمد المحجوب ولصلاح أحمد إبراهيى (أخو فاطمة) وغيرهم نرجو ممن لديهم بعضاً منها تنزيله هنا

    وقد صار البورد وطناً
    صدقت يا بكرى
                  

08-20-2003, 01:25 AM

الرايق


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    الأعزاء أبا، ود البلد، عجب الفيا، نادوس 2000
    مايا وحليم
    ســـلامات ويسعدك مساكم نور
    كم هو شيق وممتع حديث هذا الرجل الطيب الصالح وكذلك الحديث عنه، وقد جاءت العديد من المقترحات من خلال المشاركات، كم ظهرت بعض من درر أديبنا النادرة لدى إخوان كرام. وحتما ستأتي الكثير من المشاركات بالكثير من الروائع .. ودعونا ننتظر
    الأخ أبا كيف يمكن أن أحصل على نسخة من حلقة "خليك بالبيت"؟؟؟؟
    ويا الأخ عجب الفيا نحن في إنتظار الرجل القبرصي

    أدناه حوار نشر في بيان الثقافة الملحق الثقافي لجريدة البيان الإماراتية والصادرة في يوم الأحد 7 مايو 2000م.

    يراوغ في العلاقة مع الفن لأنه يلتهم الحياة

    يشبّه نفسه، ضاحكا، ببعض أصحاب الحوانيت في القرى: يفتح حانوته يوما، ويغلقه يوما أو يومين يعود ليفتحه من جديد يسافر شهرا ثم يقول إن لدي رغبة شديدة في التعلم والمعرفة وعندي إحساس بأنني كتبت ما كتبت، وإني إذا لم اكتب من الآن وصاعدا، فلن يتغير شيء في العالم، وبهذا المعنى، وما دام عقلي يقظا، فهذا يكفي.. إذا قرأت كتبا جميلة، وعايشت شعراء رائعين، فبهذا فائدة أيضا. هذا نوع من التعبير الإبداعي. القراءة هي أيضا إبداع..« والطيب صالح شخصية أدبية تمتاز بالظرف والمرح والتواضع. هو لا يرى من لزوم للكتابة إذا كانت الكلمة التي يريد الكاتب أن يكتبها قد كتبت سابقا على يد سواه بطريقة افضل. وقد رأينا انه يعطي أهمية كبيرة للقراءة. في هذا الحوار يتحدث الطيب صالح عن أسباب صمته أو انقطاعه عن كتابة الرواية بعد أن سجّل فيها موسما ناجحا بإجماع النقاد والباحثين الذين كتبوا عن روايته الخالدة موسم الهجرة إلى الشمال. كما يتحدث عن جائزة نوبل وعنصر الحظ فيها، وعن مكانة الأدب العربي في الخارج، وبخاصة في أوروبا. وهذا نص الحوار: * عندما يذكر اسم الطيب صالح يذكر فورا عنوان عملكم الروائي: موسم الهجرة إلى الشمال، تماما كما يذكر العمل الأدبي للافونتين الفرنسي: حكاياته عن الحيوانات..، وكما يذكر هاملت عندما يجري الحديث عن شكسبير.. ولكنكم بدلا من أن تتابعوا السير على خط الإنتاج الروائي، نهجتم خطا أخر، أو على الأقل تركتم خط الرواية.. كان الطيب صالح مهيأً ليكون روائيا متراكم الإنتاج الروائي، ومنصرفا إليه، تماما كنجيب محفوظ.. فكيف يفسّر الطيب صالح ما حصل للطيب صالح الروائي؟ انه انقطاع محيّر..؟ ـــ لا. أنا لا أرى ذلك انقطاعاً أبدا. وما دام هناك نشاط فكري، أو طاقة تعبر عن نفسها بنوع من الإنتاج، فلا يوجد انقطاع. لا أجد لزاماً عليّ أن أظل اكتب روايات، مثلا. وأظن أن في ما افعله الآن، متعة لي. وأرجو أن تكون هناك متعة للآخرين في ما اكتبه اليوم، أقول دائما، وأرجو ألا يساء فهمي، لم أتعمد أن أكون كاتبا. وعندي إحساس إنني كتبت ما كتبت، وإني إذا لم اكتب من الآن وصاعدا، فلن تحصل »حاجة« في الدنيا.. وبهذا المعنى، وما دام عقلي يقظا فهذا يكفي. إذا قرأت كتبا جميلة (دون أن اكتب) وعايشت شعراء وروائيين كبارا، فبهذا فائدة كبيرة. كنت في القاهرة في مهرجان الشعر، سألني كثيرون لماذا لا تكتب، قلت لهم إنني اقرأ، هناك أناس يكتبون شعرا ولا يقرءون شعرا، وآخرون ينتجون رواية ولا يقرءون رواية.. هذا أمر غريب لا افهمه، كأنما ابن آدم هذا يظن انه الوحيد، الصوت الوحيد في الدنيا، وان الآخرين ينتظرون إنتاجه.. هناك أصوات كثيرة، آلاف الأصوات العظيمة في الدنيا، في ما مضى، وفي الوقت الراهن أيضا، وأنا عبارة عن قطرة في هذا البحر، ولا أظن إني انقطعت بالمعنى العميق للتواصل والتعبير الحقيقي. لست مكتئبا * ولكني ذا لجأت إلى سبر الأغوار وتحليلات النفس، قلت إني المح نوعاً من الإكتئابية لديكم في تفسير حالتكم، وكأنكم تشعرون بأن كل شيء عبث، وان ما قيل قد قيل، وان هذا كاف، ولا جديد يقال.. وحتى القراءة تكفي لنجاة المبدع والإبداع؟.. ـــ هذا التحليل يجانب الصواب، مع كل الاحترام، تحليلك ليس صحيحاً. السؤال الذي أطرحه حول أبي العلاء: إذا كان أبو العلاء قد زهد في الدنيا تماما، وأدار لها ظهره، لماذا لم يصمد تماما؟ هل هو زاهد، هناك تعريف للزهد يقولون: الذي إذا غاب لم يفتقد، وإذا حضر لم يلتفت إليه. شخص اصبح » أنونيم «، لا أحد ينتمي إليه. لماذا قال المعري الشعر، وكتب الفصول والغايات، ورسالة الغفران؟ لأنه أحس بالرغبة في التواصل. كانت فيه جذوة الحياة. الرغبة في التواصل دليل على إن هذه الجذوة لم تخب. وأنا لست مكتئبا، ولا أنا يائس، وإلا كنت انقطع عن كل شيء، فلا اكتب ولا اقرأ، ولا لي دعوا.. لكن أنا في حوار وتواصل مع ما سبقني من العقول في الثقافة العربية وفي الثقافة الأجنبية. إذا عنّ علي أن اكتب رواية، اكتبها. لكن لست من هؤلاء الذين يظنّون إن القضية قضية حياة أو موت. وليس لي هدف، بمعنى إني أريد أن أكون مجدا روائياً. هناك أناس مثل نجيب محفوظ، والإنسان يحترمهم جدا، أن هذا الرجل على مدى ـــ الله اعلم ـــ أربعين أو خمسين سنة، وكما نقرأ، كان كل يوم يجلس في وقت محدد من الساعة كذا إلى الساعة كذا ليكتب. بلزاك أيضا، أنا معجب جدا به. وكانوا يسمّونه آلة كتابية: »رايتنج ماشين«.. هذا، أولا، يخلّ بتوازن الحياة، يأكل الحياة لان الفن يلتهم الحياة، كما تعلم. والانسياق كليا وراء سراب الفن قد يؤدي إلى نتائج خطيرة جدا ونعلم ذلك من سير الفنانين والشعراء. أنا أحاول أن أوازن بين الأمور، والله اعلم. قد أكون ارتكب حماقات في ما بقي لي من سنوات.. * تعرف إن هناك من يعتبر أن كتابة القصة والرواية تدخل في باب الإبداع، في حين إن الكتابة الحرة عن أبطال التراث العربي تدخل في باب البحث والنقد، لا اكثر، وهما من غير الكتابات الإبداعية.. فهل نجازف ونقدم تفسيرا أخر لحالتكم موجزة أن الإبداع مرتبط بالعمر، وان نهر الإبداع في الصبا يكون اغزر منه في المنقلب الأخر من العمر؟ ـــ هناك بعض الصحة في إن كل مرحلة من العمر تقود إلى نوع معين من الإنتاج الفني أو الأدبي، لكن تجد أن هناك أناسا يبرهنون دائما على أن هذه النظرية ليست صحيحة تماما، وان هناك أناسا يبتدئون بالكتابة في سن متأخرة. وهناك أناس وفقوا بين ألوان مختلفة من التعبير. لكننا في العالم العربي مغرمون بالتصانيف. نحن نصنّف، لا نأخذ الكائن البشري هذا كشيء متكامل، ولا العقل الإنساني كشيء متكامل قادر ولديه القابلية على ألوان مختلفة من النشاط الفكري والفني. هؤلاء يحبّون أن يقولوا لك: هذا روائي، هذا ناقد، هذا باحث، هذا أكاديمي، هذا كذا.. بينما من الممكن الخلط بين هذه الأشكال. على أي حال، إن ما افعله الآن يريحني. في نهاية الأمر، من الحوافز على الإنتاج لكاتب إنجليزي أو فرنسي مثلا، إن هناك مقابلا في النهاية، فينتج اكثر. يصبح هو كصاحب معمل، أو مصنع. كل رواية تقدم له مردوداً.. نحن ليس لدينا أي مردود.. والذين يطالبون أي كاتب أو روائي بان يكتب اكثر، ليسوا مستعدين أن يتحملوا المسئولية. وهذا المصنع الذي تريده أن ينتج عليك أن تضمن استمرارية إنتاجه. أنا اعمل مثل بعض أصحاب حوانيت القرى حيث يكون صاحب الحانوت له مزاجه، يفتح حانوته يوما ويغلقه يومين، يسافر شهراً ويعود يفتحه من جديد.. وأنا اشتغل على هذه الطريقة.. كل كتاب عقل * وهل هناك مداخل أخرى إلى فهم شخصيتكم الأدبية؟ ساعدنا.. ـــ لست ادري. بعدما يودع المرء هذه الدنيا، يكون الناس أحرارا في أن يقولوا ما يريدون في هذا الشيء القليل الذي فعلته. إن كانوا يرونه ذا قيمة أم لا وأنا بالطبع لن اهتم بما سيحدث لاحقاً. ربما كان ذلك احسن ما عندي، ولديّ رغبة شديدة في التعلم والمعرفة والاستطلاع. أريد أن افهم ما يدور حولي. هذه العقول العظيمة احب أن أتعرف عليها. أحيانا انظر إلى مكتبتي، في بيتي ودعك من المكتبات الضخمة، وأقول إن كل كتاب فيها هو عبارة عن عقل، حديث وشخصية بين الدفتين وشيء مما عاشه ابن آدم وفكّر به. أريد أن اعرف وان استطلع. وإذا ما وجدت لنفسي حيزا صغيرا وسط العقول العظيمة جيد، وان لم أجد فلا يعنيني ذلك. * ما اندر هذا التواضع..؟ ـــ لا والله لست اعلم هل إن كان تواضعا. لكن هو هذا الإحساس ليس بعدم جدوى أي شيء، إنما الإحساس بضخامة العبء وكمية ما بذل من جهد، وان الوقت في الحياة قصير جدا.. جائزة نوبل * كيف تنظر إلى جائزة نوبل، وأسباب أو شروط الفوز بها؟ ـــ لا يعني الفوز بجائزة نوبل إن الفائز بها هو الوحيد الذي يستحقها. هي ليست امتحانا فيه أول وثان وثالث.. هناك كثيرون في العالم يستحقونها ولا يفوزون بها. كان جراهام جرين الكاتب الإنجليزي اعظم روائي في العالم ومع ذلك لم يعطوه الجائزة. ايثالو كالفينو الذي توفي قبل خمس عشرة سنة تقريبا، وهو روائي عظيم، لم يفز بها. من كتاب أمريكا اللاتينية أعطيت الجائزة لماركيز، ولم تعط لجورج امادو او لبورخيس. انا اعتقد إن امادو كان الأهم، وهو هكذا في رأي الكثيرين من كتاب أمريكا الجنوبية أنفسهم. في هذه الجائزة عنصر حظ، وعناصر أخري طبعاً.. ولكن نجيب محفوظ الذي فاز بنوبل من بلادنا العربية كاتب عظيم. وإذا كان بعضهم قد ذكر انه فاز بها لأنه أيد اتفاقيات كامب ديفيد، فأنا لا اعتقد ذلك. نجيب محفوظ كاتب كبير أولا، وإذا كان يقول أحيانا كلاما ما، فلأن الناس يطلبون منه.. ولكن ليس من الضروري أن يعبر هذا الكلام عن رأيه، وإذا كان قد قال مرة ما يوحي بأنه موافق على اتفاقيات كامب ديفيد، فلعل أحدا جاءه واحب أن يصرفه لكي يتفرغ لهمومه ككاتب روائي، فقال له كلاما من نوع.. »والله المسألة دي كويسة«.. ولكن يجب ألا نأخذ هذا الكلام مأخذ الجدّ.. بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل تعمدت إن اذهب إلى بعض مكتبات لندن لأسأل عما إذا كانت تضم كتبا مترجمة له. سألت عن كتبه فقالوا من يكون؟.. قلت لهم: لقد نال جائزة نوبل قبل يومين. فقالوا ليس عندنا كتب له.. ولا اكتمك إن هناك نوعا من المقاومة للأدب العربي في الخارج، وإذا ما قبل أدبنا في وروبا على سبيل المثال، فلن يكون ذلك إلا نتيجة تحول في وجدان الأوروبيين. وعندما يكون الكتاب العربي، الأصلي أو المترجم، موجودا في باريس، أو لندن، فيعني ذلك إن الفرنسيين والإنجليز قاموا بنقلة كبيرة جدا في وجدانهم.. لكن زمان الأدب العربي مقبل بلا شك. في هذا الأدب شيء يحتاجه الأوروبيون والغربيون عموما، ولكنهم لم يدركوه بعد. واعتقد انهم سيفعلون في يوم من الأيام. هناك واحات من الاهتمام في الجامعات الغربية، ولدى العلماء الذين زاروا العالم العربي. ولكن أدبنا لم يصبح بعد في متناول القارئ الغربي. * وهل تشعر انك تقدمت في العمر؟ ـــ أنا لم اكثر يوما من الإنتاج. أنا مقل لأني اشتغل في عمل اكسب منه. ولكن الناس ينسون أحيانا أن الكاتب يعيش في الدنيا أيضا. أنا اختلف لهذه الجهة عن ميخائيل نعيمة الذي كان يعيش في أعالي بسكننا، في جبل صنين، والذي كان خاليا من أية مسئوليات عائلية. زرته يوما في منزله وقلت له: »ليتني كنت في وضعك وليس عندي عائلة والتزامات«.. الكتابة ليست هي كل حياتي. وقد ذكرت مرة إنني أراوغ في عملية العلاقة مع الفن لان الفن يلتهم الحياة. يأكلها.. هناك من يقبل هذا المصير ولا يفعل شيئا سوى الرسم أو الكتابة أو نظم الشعر.. »أنا مش عاوز المصير ده«.. وأرجو بالطبع ألا يكون النبع قد جف عندي. ولكن ما ينقصني هو توفر الوقت..
                  

08-20-2003, 03:55 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: الرايق)

    أخي الرايق
    سلامات
    تشكر للمساهمة الحلوة وحقيقي ما عارف أقول شنو كمية طلبات لتلك الحلقة حتي بي ال إم أس مسنجر لكن سأقوم بتحويلها الي (Mbeg, File) وأقوم بإنزالها علي سي دي لتسهيل عمل الكوبي والتوزيع فصبرا علي
                  

08-21-2003, 12:58 PM

الرايق


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    الإخوة والأخوات رواد البوست العامر
    ســــــــــلامات
    نهاركم سعيد
    ونحن نجمع بعض كتبه أديبنا الكبير الطيب ود محمد صالح، أدناه مقال نشر بزاوية إطلالة في عشق الوطن جريدة الخرطوم الصادرة في 2 أغسطس 1999م.
    ويا ود البلد ماذا عن مقالات " نحو افق بعيد" ؟؟؟
    عجب الفيا نحن في إنتظار بالرجل القبرصي.!

    الأرض وجهد الإنسان

    لم يعودوا يلحون على تلك الدعوة الغريبة، كأنهم استحوا منها، وأحسوا أنها من تلك الشعارات التي تجلب السخرية، كانوا، كما نذكر، يقولون أول عهدهم إنهم يريدون "إعادة صياغة الإنسان السوداني". وأنشأوا لذلك وزارة تذكر بالوزارات التي ابتدعها خيال الروائي الإنجليزي "جورج أوريل" في روايته "1984" ومنها وزارة لإعادة صياغة الفكر.
    الحكومات المستبدة دائما تأتي بالعجائب، ونحن نذكر أكبر محاولتين في هذا القرن لـ"إعادة صياغة الإنسان" حدثتا في روسيا وألمانيا، رغم أنهم لم يعترفوا بذلك صراحة، كما فعل إخواننا في السودان، ومعلوم لما آلت إليه المحاولتان.
    النظم الدكتاتورية في طبيعتها إنها تأتي بنمط للمستقبل معد سلفا، ولأنه ليس مرتبطا بطبيعة المكان ولا مزاج الإنسان، فلا بد أن يساق الإنسان سوقا – بوسائل عنيفة متسلطة في الغالب- كي يقلص أحلامه وطموحاته ونوازعه الطبيعية، بحيث يدخل في ذلك الحيز الضيق الذي أعد له.
    هذا هو في ظني معنى قول الحجاج بن يوسف الثقفي، أحد طواغيت التاريخ الإسلامي في خطبته الشهيرة:
    وقد لفها الليل بسواق حطم
    ليس راعي إبل ولا غنم
    ولعمري، لقد كان راعي الإبل والغنم لا مراء، أرفق من رعيته من الحجاج، ومن على شاكلته ممن الجبارين المستبدين. من حسن الحظ، أن تلك الوسائل، لا تفلح أبدا، طال الزمن أم قصر، ذلك ما يعلمنا إياه التاريخ، إنه أمر مستحيل، يتعارض مع قوانين النمو الطبيعي للبشر.
    الأرض، أي أرض ليست صفحة بيضاء يكتب عليها كل تسول له نفسه أنه يستطيع أن يبني عالماً جديداً كل الجدة، لا صلة له بما مضى. ولا أجد أفضل من كلام المؤرخ الفرنسي الحبر "فيرناند برودل" في كتابه الجميل "هوية فرنسا" في الرد على هذا الوهم المدمر.
    يقول:- "واضح أن الأمة في أطوار نشوئها، لا تكون مخلوقا بسيطا لا تكون شخصا محددا. بل هي أنقاض تراكمات، وأشباح تصورات، ومجموعات كائنات حية (.....).
    كأنما التاريخ لا يعود إلى تلك العهود السحيقة التي يحجبها الضباب! كأنما التاريخ القديم والحديث ليسا نهرا واحدا متصلا! كأن قرى بلادنا لم تكن قامت وضربت جذورها في الأرض في الألف الثالث قبل الميلاد! كأن أرض "الغال" لمم تكن قد اتضحت معالمها التي سوف تتشكل في إطارها شخصية فرنسا..!".
    هذا عن فرنسا، فما بالك بالسودان، الذي نشأت فيه تجمعات بشرية متطورة، وقامت مدن، وازدهرت حضارات، في الألف السابع قبل الميلاد على الأرجح؟
    ماذا حدث لكل ذلك؟ هل اختفى كما يختفي الدخان في الهواء، وبقيت الأرض فارغة تنتظر "ثورة" في نهايات القرن العشرين، لتحي مواتها وتلم شتاتها؟
    ليس صدفة أن أحد وزراء ثقافتهم، أراد أن يحطم آثار الحضارات القديمة في متحف الآثار بالخرطوم بحجة أنها أوثان.. يا للعجب!! وهل يوجد سوء فهم لمغزى الحضارة أكثر من ذلك؟ تلك الآثار بالأحرى، إشارات بليغة إلى مساعي الإنسان السوداني وطموحاته وإنجازاته على امتداد الزمان. ولا يمكن أن يجئ الحاضر ولا المستقبل إلا في سياقها. وهو أمر لا يتعارض مع الإسلام الحنيف، بل على العكس، السودانيون صاروا مسلمين بالطريقة المميزة التي عُرفوا بها – ولم يقل أحد أن إسلامهم ليس صحيح – لأن الإسلام جاء وعاش فوق تلك التراكمات الحضرية العميقة الممتدة في غياهب الزمان.
    وما أجمل ما كتب العالم الفرنسي الجليل " فيرناند برودل" في هذا المعنى :-
    "بلى، الإنسان أسير نفسه في الأرض، إنه الوارث، وهو المحرك، وهو عنصر الوصل، وهو القّيم على الذكريات والمعارف والأعراف التي خلفها وراءهم البشر، الذين عاشوا قبله على تلك الرقعة من الأرض. هؤلاء الأسلاف قد صاغوا " حلماً " للأرض، وكبلوا الذين يجيئون بعدهم بأغلال من الحتميات (..........).
    لا يمكن عزل تاريخ شعب من الشعوب عن الأرض التي يقطنها، إن أردنا أن نجتلي الأمر بوضوح، علينا أن نتصور الوطن مستودعا لطاقات نائمة، مثل البذور في التربة، كي تستيقظ تلك الطاقات من سباتها..... ثمة يكون جهُد الإنسان.
    إنتهى
                  

08-26-2003, 08:15 AM

Optimist


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    الإخ أبا

    نشكركك ونشكر كل المشاركين في هذ البوست الرائع عن أستاذنا الطيب صالح

    ونحن في إنتظار حلقات " نحو افق بعيد"
    ويلا يا شباب أتحفونا بإبداعات الأديب
                  

08-26-2003, 09:42 AM

Optimist


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    الإنجليزي الأسـود على ضفاف النيل
    موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح

    رواية كلاسيكية لأدب ما بعد الكولونياليه، تُكتشـف من جديد

    د. هانز-بيتر كُونش، Dr. HANS-PETER KUNISCH

    ترجمة د حامد فضل الله 1
    أمير حمد 2

    اتسم اقتحام مصطفي سعيد لأوروبا وانسجامه بانسيابية مذهلة. كأول مبعوث سوداني يحقق حلم وصوله إلى لندن، حظي في سن الرابعة والعشرين بتعينه محاضراً للعلوم الاقتصادية، وكم تعلق كِلفا بحرث كتبه الجامعية، توهجت فيه ملاحقة النساء الأوروبيات بهوس جنوني، فتارة تجده يتصدر المنصة خطيباً من أجل "اقتصاد إنساني" ومندداً بالاستعمار. أما شقته فهي خيمة شرقية منمنمه تعتمد إستراتيجية الإغراء فيها على البخور وأعواد الصندل المحروق -مضفياً عليها- بإهابه الأسود الأكاذيب (اللذيذة) "عن الحياة على ضفاف النيل".

    قبل عامين مُنعت في السودان رواية موسم الهجرة إلى الشمال، أول رواية للكاتب الطيب صالح المولود عام 1929 والذي يعيش منذ سنوات في إنجلترا، وذلك لأنه كان قد أشار في صحيفة الحياة اللندنية إلى الوضع الاجتماعي والسياسي المحزن في وطنه، علماً بان الاحتجاج الرسمي تمثل في تصنيف الرواية كأدب "بورنوغرافي" ومخالفتها لإصول الإسلام. لقد جاء المنع بلا شك متأخراً بعض الشيء، فالرواية قد توطدت - من قبل - بين أوساط المثقفين "ككتاب مقدس" أوان نشرها لأول مره في منتصف الستينيات وهي الآن في مصاف الأدب العالمي.

    بفترة طويلة قبل صمويل هنتجنتون Samuel Huntington "صراع الحضارات" تطرق الطيب إلى هذه الموضوعة كشرخ ينسحب على بعض المصائر الفردية لشخصيات الرواية.

    مواجهة الحضارات

    احتدت المواجهة بمصطفى سعيد عندما التقى بند مثله، [أنت بشع، لم أر في حياتي وجهاً بشعاً كوجهك وفتحت فمي لأتكلم لكنها ذهبت] هكذا تفوهت جين مورس المغازلة لكل من هب ودب والمتحرشة والباحثة عن العراك أينما كان. تزوج سعيد "السوبر عربي" جين الفتاة المتحررة.

    وياله من ثنائي مجبول على التحرش، كأسلوب متطرف لمواجهة الثقافات.

    يختم صالح الرواية بفاجعة دموية، حيث تخون جين مورس سعيد "فرضياً" قبل أن يغمد الخنجر في قلبها تحقيقا لرغبتها.

    عقب سبع سنوات قضاها في غياهب السجن أثر الانزواء فأستقر في قرية صغيرة على ضفة النيل، حيث التقاه الراوي المتحدث بضمير الأنا. تزوج سعيد بفتاة من القرية وأنجبا طفلين وبالرغم من مساهمته الفعالة كعضو نافع في مجتمع القرية إلا انه كان شخصاً غامضاً لا يعرف أحـُدُ عن تاريخه شيئاً، سوى الراوي أثر صدفة أتاحت له الاستراق إليه وهو يتلو مخموراً قصيدة إنجليزية للعائدين من الحرب، فأضطره إلى كشف دقائق ماضيه الغابر خوف أن يشي به.

    بالرغم من مضى ثلاثين عاماً على ذيوع رواية صالح إلا أنها -ومما يدعو إلى الدهشة- لم يزل تأثيرها الروحي طاغياً وهذا ما ينطبق كذلك على ترجمتها إلى الألمانية التي أتت متأخرة جداً -مما يعلل تزكية الرواية هذه- هو أن القطيعة بين الثقافات رغم التناقض بين التحزب للعولمة أو التظلم منها لم تفقد أهميتها ولان الرواية كُتبت بحريه مُسيطرة. إن تعدد الاحتمالات داخل الرواية لهو مشروط بالفقرات "المقالية" وقصص أهل القرية الشفهية والمونولوج الداخلي وهذه العناصر في حد ذاتها توسع المنظور أكثر من مضمون حياة سعيد غـريبة الأطوار والذي تلاشى دوره مع انسيابية الرواية شيئاً فشيئاً.

    اختفى سعيد من القرية بعد أن تنازل عن تاريخ حياته، لعله مات منتحراً أو غرق أثناء فيضان النيل.

    يقف مصطفى سعيد الاقتصادي اللامع -إلى جانب قصص شخصيات الطيب صالح- كشخصية متغيرة، محفوفة بالأسرار والأخطار. إن المزج الأخاذ بين أوروبا وإفريقيا -في هذه الرواية- بتباين السرد الزمني من حيث الشكل والمضمون، خول لها التشكل كتجربة انفتاح على الإدراك الذاتي.

    أجل فالسودان نفسه كمستعمره أفروعربية سابقه قاوم منذ البداية تحديد هويته على عجل. أما حديث أعيان القرية فيقف بجانب القصص اللندنية وقصة الشاب اليتيم "غير العربي" الذي لا أصل له والغريب على أمه [لا أتأثر بشيء لا أبكي إذا ضربت، لا أفرح إذا أثنى على المدرس في الفصل ... كنت مثل شيء مكور من المطاط تلقيه في الماء فلا يبتل، ترميه على الأرض فيقفز].

    وجودي؟ انطوائي؟ ذاتي؟ أو ثلاثـتهم معاً. هل يفسر ذلك الإحساس بالتماثل القدسي مع الرواية الذي لا يمت بصله في نهاية الأمر إلى نمازج الحياة التي أفردها صالح جنبأً إلى جنب دون تقويم وأضح: قبل موته قرر مصطفى سعيد ذلك الإنجليزي الأسود العاجز عن غزو أوروبا الانسحاب من الحياة أثراً التكتم على حياته الأوروبية الغابرة كسر مقدس محتفظاً بذكرياته حول مدفأة ومحاطاً بكتب، أفلاطون، نقد الاستعمار، توماس مان، وفـتـغـنشـتاين داخل غرفه جلوس إنجليزية النمط في تلك القرية الصغيرة على ضفة النيل.

    يطوق نموذج الحياة العادية للراوي، القصص الأخرى المختلفة في هيكلية الرواية، كعائد أيضاً من أوروبا أبدى استعداداً لإعادة صلته والانسجام من جديد مع حياة القرية وساهم بالخداع المرير في مفتتح الرواية إلا أن طيف حياة سعيد كان يتجابه مع فعله الذاتي وبالرغم من ذلك ظل وسيطاً متأملاً متردداً بين ثـقافـات تتصدرها العقـبات فهو أشـبه ما يكون بالراوي في رواية (قلب الظلام) لجوزيف كونراد Josph Conrad بمطاردته مصيراً أخر.

    أما المشهد الختامي الرائع، جاء كنهاية مفتوحة ... أيتبع سعيد إلى النيل ...؟ تركت كل قضايا الصراع الحالية تقريباً المتعلقة بالحياة الأفريقية، بعد الاستعمار أثاراً واضحة في هذه الرواية المدهشة التي نُشرت في عام 1966:

    عواقب التطور (الثورة) التعليمية.
    السلوك الاستعماري الحديث داخل البلاد للنخبة الجديدة التي تعلمت في الغرب.
    حق تقرير المصير للأفراد والثقافات.
    الوضع الاجتماعي للمرأة وختان الإناث.
    اقتلوا عجوز الشهوة
    إن القصص المتداخلة بمهارة في بعضها البعض تؤدى برمتها إلى الكارثة:

    تدخل أهل القرية لتحقيق رغبه أحد الشيوخ بالتزوج من أرملة سعيد رغم إصرارها على حريتها وكالمعتاد فقد أدرك الراوي حبه لها متأخراً. قتلت الأرملة العجوز وقطعت عضوه بعد أن حاول اغتصابها ومن ثم انتحرت طعناً.

    إن الإثارة والروعة لا يكمنان في حادثة القتل المؤسسة على ميلودراميه شاقه وإنما في ما تشير إليه هذه الجريمة من واقع اجتماعي، انه صراع حضارات خفي يشتعل في تخوم قرية إفريقية.

    دون واعز أخلاقي يصوغ صالح هيكله السردي الموسوم بصراعات حادة والذي تتخلله انتقالات هادئة حتى الكارثة التي لا تمثل في حد ذاتها بشارة الخلاص.

    إن نصوص أخرى لأدب الرحلات -مثل "مسلم يكتشف أوروبا" لرفاعة رافع الطهطاوي في بداية القرن التاسع عشر أو السيرة الذاتية لطه حسين، "مواطن عالمي بين القاهرة وباريس" هي أقرب إلى التوثيق (مقارنة بصالح)- ترسم صورة تنحو إلى الطرافة في تباين الثقافات. من التعسف أن تعرض موسم الهجرة إلى الشمال كجوهرة نادرة "سوليتير". فالكتب المنشورة بالفرنسية للمغربي محمد خير الدين "الحفار؟ 1973" أو الجزائري رشيد بوجدرة "توبوغرافيا؟ 1975" تُشير بوضوح -وبالأخص الأخيرة- إلى نماذج طليعية تستحق الالتفات.

    ربما يكون إصرار صالح على المزج التجريبي والتقليدي في هيكليه السرد في هذه الرواية الصغيرة -التي تنمو من فصل إلى فصل والمشار فيها دائماً إلى جوزيف كونراد وتسترجع عطيل، وتقترب بصوره مدهشة من أثر شكسبير- هو الذي جعل تباين الثقافات والمناقشات الحالية حول السرد القديم والحديث مكسواً بالغبار.

    إشارة المترجم:

    كاتب المقال ناقد أدبي أما المقال نفسه فقد نُشر في صحيفة سودديتشا سايتنج Sueddeutsche Zeitung (العدد 139/199 وهى من أهم الصحف الألمانية وتصدر في ميونخ.
    نقلت الرواية عن العربية باقتدار د. رجينا قروشولي Regina Karachouli الأستاذة بمعهد الدراسات الشرقية جامعة لايبزج Leipzig وزوجه الشاعر السوري د. عادل قروشولي الأستاذ السابق في نفس الجامعة.
    اختتمت الترجمة بتعريف عن المؤلف كتبه د. هارتموت فندرش Hartmut Faehndrich المستعرب الألماني المتميز الذي شارك في مؤتمر الرواية العربية (القاهرة/ فبراير 199 والمترجم لعديدٍ من الروايات العربية منها تمثيلاً لا حصراً:
    (الزيني بركات: جمال الغيطاني، اللجنة: صنع الله إبراهيم، نزيف الحجر: إبراهيم الكوني).
    كُتب اسم المؤلف Tajjib Salich وهي صورة تختلف عما جاء في الدراسات الألمانية عن أدب الطيب صالح قبل ترجمة الرواية وعما جاء في الترجمة الإنجليزية Tayeb (Tayyib) Salih والتي هي أقرب إلى الهجاء والنطق العربي.
    تغير عنوان الرواية من "موسم الهجرة إلى الشمال" إلى "زمن الهجرة إلى الشمال" وهو خليق بحجم الغلاف الأنيق ويثير في الوقت عينه فضول وانتباه القارئ خاصة بعد التطورات العالمية الأخيرة حول قضيه الهجرة والمهاجرين.
    تحيه لدار لينوس LENOS(بازل/ سويسرا) التي نجحت أخيراً في نشر الرواية بعد محاولات عديدة لجهات مختلفة في السنوات السابقة لم تكلل بالنجاح.
    لا تزال ترجمة الأدب العربي إلى الألمانية طفيفة جداً بالمقارنة بالآداب الأخرى وهذه نقطه هامة لا مجال لمناقشتها الآن ربما نعود إليها في مقال لاحق، خاصة موقف ودور الكتاب والمثقفين العرب الذين يعيشون منذ فتره طويلة في ألمانيا.
    الجمل المُـقتبسة من الرواية التي جاءت في متن المقال اقتبست مباشرة من النص العربي (دار العودة بيروت 1981).
    _______________________
    1. طبيب سوداني مقيم في برلين/ منتدى حوار الشرق والغرب.

    2. كاتب وشاعر سوداني مقيم في برلين
                  

08-26-2003, 09:48 AM

Optimist


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    الأديب العالمى الطيب صالح فى حوار للمحايد

    أجرى الحوار : فتح الرحمن محمد يوسف محمد خير عوض الله
    ذا ما ارتحلت في فجاج الأرض وتعرفت على شعوب الدنيا عن قرب فيما وراء البحار والمحيطات بعيداً عن نيل الخلود رابط الإلفة بين نخيل الشمال وأبنوس الجنوب .. ولشهدت كم من قيمة ومعنى حصدت لوجدت السودان وطن الجمال والإنسان في كل مكان وزمان يحيي الروح في منابعها بنكهة التميز والتفرد من خلال شخصيات قد كبرت نفوسها فتعبت في مرادها الأجسام .. في أمسية بلون القهوة وطعم الكاكاو كان لنا لقاء مع الأديب العالمي الأستاذ الطيب صالح بفندق قصر الرياض بالعاصمة السعودية الرياض منتهزين فرصة تواجده مشاركاً في مهرجان الجنادرية السعودي رقم (1 ... استرحنا في رحابه المزدان بلآلئ الكلم ودرره .. وفيه شهدنا ملامح السودان الحبيب بحر من الود والصدق والأدب والتواضع الجم .. مدرسة من المعرفة تسعى على قدمين ... أديب شهد له العالم أجمع بأنه أحد أفضل مائة أديب عالمي على مر الأزمان والعصور جنباً بجنب مع تولستوي وجاكيز وشكبير ... كتبت روايته ( موسم الهجرة إلى الشمال ) في عشرين لغة كما كتبت ( عرس الزين ) في خمس عشرة لغة .. اعتراف بها يؤكد أنها من كنز أدبي عميق الفكرة والتجربة نتعرف بعض أفكاره الأدبية والسياسية لبلد من أغنى دول العالم لو تركه أهل الخصام السياسي من حزبيين وعساكر كي لا يكون حائراً بين الوحدة أو الانفصال .. ! مع أديبنا الطيب صالح في بعض محطات فإلى هذا الحوار الذي نرجو قد وفقنا فيه برغم ضيق مساحة الزمان . ü الرواية كضرب من ضروب الإبداع .. أثبتت أنها من أكثر أنواع الأدب تجسيداً لرسالة المجتمع في الحياة وأمتعها لرغبة الإنسان الفنان .. تعبيراً لا تترجمه الموسيقى ولا القصيدة .. والسؤال .. هل يمكن أن تصل الرواية العربية درجة الموسيقى في عالميتها في ظل تطور عالم التراجم لتصل كل جنس ولون من البشر ؟ ـ قضية العالمية .. قضية معقدة ودائماً حينما أسأل هذا السؤال أجيب بأننا نحن نخاطب بني قومنا وقناعتي من غير تواضع أنه إذا قرأت للمنطقة العربية أشعر بأنني عالمي .. بعد ذلك .. يأتي اهتمام الثقافات المختلفة بنا ولها أن تختار من تراجمها ما فيه ملامح وعناصر قد تساعدها على فهم ثقافات وشعوب الآخرين أو أشياء إنسانية قد تكون مشتركة .. وذلك لأن الأدب يصل في النهاية إلى أسس مشتركة بين الناس وهذا مهم جداً .. فنحن نقرأ لأدباء روس وألمان وإنجليز وفرنسيين .. الخ لقناعتنا أن الطموحات الإنسانية والعلاقات العائلية والصراعات الموجودة عناصر مشتركة بين الأمم ، ولذا لا ينبغي أن ننشغل بمسألة العالمية .. ولا يمكن أن أتصور شخصاً يريد أن يكتب رواية بالإنجليزية أو الفرنسية ليخبر عن بيئته أو مجتمعه وثقافته لأن تلك أشياء متروكة لخيار الشعوب .. غير أن الأدب العربي قديمه وحديثه وحتى الشعر الجاهلي الذي تم ترجمته يدل على أنه عالمي .. وقد وجد في الشعر الجاهلي قيم وأشياء معاصرة يفهمها الغرب . ü .. « مقاطعاً» .. ولكن في بيئتنا أو العربية ما يدعو العالم الغربي والذي يختلف في حضارته وبالأخص في عصر العولمة والتكنولوجيا أن يلتفت إلى ما تنقله الموسيقى العربية المكتوبة .. أقصد الرواية والتي غالباً ما تحمل صفات بيئتها ومجتمعها ؟ ـ في حوار سابق أجراه معي صحافي ألماني إبان تواجدي في ألمانيا العام الماضي .. سألته وقلت له أنت ألماني وأنا سوداني أكتب من وحي بيئتي السودانية فما الذي يحملك على التعرف على أدب يتكلم عن قرية سودانية .. فقال لي إن الناس ملّت واستهلكت الأدب الأوروبي ولم يعد بالشيء الممتع والجديد فلذا يطلب أن يتعرف على ثقافة وحضارة أخرى ؛ لأن الأدب الأروربي لن يخرج على أنه يحكي عن مشاكل شخصية مثلا طلاق امرأة أو زواج أخرى وهلم جر، مؤكدا أنه يجد في ثقافتنا وأدبنا وبيئتنا أشياء يكاد ينساها أو بالأحرى يفقدها مبيناً أن في بيئتنا المساحة الأدبية كاملة الصورة وهو يقول بأننا نرسم على لوحة واسعة نالت اهتمامهم وحبهم من خلال اطلاعهم على الأدب العربي . ü ... نعود إذن لسؤالنا الأول .. هل يمكن للرواية العربية لطالما هي بهذا الثراء ... أن تكون بمستوى الموسيقى في عالميتها ؟ ـ .. لا شك الموسيقى لغة عالمية تستطيع أن تدخل أذن أي مستمع أياً كانت لغته وجنسيته .. وقد تصل الرواية العربية لهذا المستوى إلا أن المعروف أن الموسيقى أسهل انتشاراً لأنها لا تحتاج أي لغة بعينها ولا ترجمة تحمل معانيها ولكن هي الأخرى لها معضلة أيضاً تواجهها فليس مثلاً بالضرورة أن تصل الموسيقى الأوروبية الكلاسيكية إلى كل أذن ومستمع وذوق فهناك من لا تروق له هذه النوعية من الموسيقى . لكل إبداع طريقته في الوصول للمتلقي .. .فالفن والرواية يصلان عن طريق الخيال والرسم يصل عن طريق العين والموسيقى تصل عن طريق الأذن . فالسمع يحرك الخيال وتأتي الصور على أثره وهنا يتعامل الإنسان معه بشيء من ذاته .. فهي عملية معقدة ولكنها تفترض إمكانية الوصول إلى الآخرين . ü عالمية الرواية العربية ساهم في صنعها أدباء كبار وأصحاب فكر ثاقب .. هل بالإمكان ونحن نتكلم عن الطيب صالح أن ينقل العادات والتقاليد السودانية متجذرة الحضارة والتاريخ للعالم لتخبره أن السودان كجزء من العالم جدير بالاهتمام والتقدير ويجب أن يعامل كوطن صاحب حضارة وتاريخ ساهم في تأصيل الإنسانية كقيمة نبيلة ؟ ـ .. « ملوحاً برأسه » .. هذا سؤال مرتبط بدور الفن والثقافة على وجه العموم وليس الرواية فقط فيما يختص بتقديم السودان للعالم ... وهناك أناس كثر ساهموا في هذا الصدر فمصلاً الفن التشكيلي ولحسن الحظ قام بدور كبير من خلال فنانين كبار كإبراهيم الصلحي وشبرين وعثمان وقيع الله وغيرهم وهؤلاء عرض لهم على مستوى عالم فمثلاً إبراهيم الصلحي عرضت له أعمال في نيويورك وألمانيا ولندن وكذلك راشد دياب فنان كبير ليس لأنه فقط يرسم ولكنه مؤمن بأنه يوصل هذا للآخرين .. على صعيد الموسيقى نجد أن الموسيقى السودانية تجد قبولاً لما تحتوي من أسرار فنية مفهومة للعالم .. فالموسيقار علاء الدين حمزة معروف جداً في أميركا وفي غيرها يعتبر من الأساتذة كما يعرف في سان فرانسيسكو ونيويورك .. في التاريخ هناك شخصيات سودانية من المؤرخين الذين ساهموا في بناء المجتمع العالمي دولياً .. على سبيل المثال أنور مكي عباس وقد كان أمين عام مساعد للأمم المتحدة وكان له دور في الكونغو كما كان مساعد المدير العام للمنظمة العالمية للزراعة والأغذية «الفاو» ... عمر عديل كان أقرب ما يكون رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة .. كامل إدريس أمين عام منظمة الملكية الفكرية إحدى منظمات الأمم المتحدة .. في جامعات العالم هناك أساتذة سودانيون فمثلاً في أوسلوا في النرويج هناك أستاذ جامعي يُدْعَى العدكي وهو يدرس الإدارة للنرويجيين لأحد أرقى شعب وبلاد في العالم وليس هذا فقط وإنما صار من خبراء اللغة النرويجية ... فالسودانيون انتشروا شرقاً وغرباً يحملون لواء العلم ولحسن الحظ كلهم خير أمثلة على ما ذكرته .. وهذا كله يصب في خانة الجهد الثقافي والحضاري كنهر كان مسدوداً ففتحوا له الدرب .. ولكن لسوء الحظ أن فترة النظام القائم من تاريخنا كانت تمثل ردة لأنها أغلقت هذه الأبواب والنوافذ بل بدأ الناس يأخذون فكرة على أننا لا نملك مساهمة في سوق الأفكار العالمي .. فلا بد أن نساهم ولنا القدرة ولكن هذا مرتبط بما يحدث في البلاد . ü . . « مقاطعاً » .. أنت تتحدث عن أشخاص ولكن ماذا تقول عن الحضارة السودانية ككل ؟ ـ الحقيقة نحن لسنا مدعين حضارة بل نحن أصحاب حضارة عريقة ... هناك شبه اتفاق عالمي بأن الحضارة السودانية القديمة ليست زيلاً ولا ظلاً للحضارة المصرية القديمة ولكنها موازية لها وقد كان هناك تفاعل بين الحضارتين بمعنى أننا أعطينا الحضارة المصرية بقدر ما أخذنا منها .. ولذا أستغرب عندما أسمع أن الحكومة الحالية تدعو لتوجه حضاري ولا أفهم ماذا يعنون ؟ لأنه ليس من الصعب أن يكون لنا حضور قوي ومؤثر في المجتمع الدولي وليس من حق أحد أن يدعي أنه زعيم إسلامي للعالم كله أو حتى للقرن الإفريقي أو مركز تحالف للمنطقة .. فنحن عندنا ما يكفينا عن الادعاءات قبل 7 آلاف سنة قبل الميلاد . ü .. طالما السودان بهذا الثراء الحضاري والثقافي ولطالما الأديب السوداني يتنفس الإبداع رواية وقصيدة وكلامه درر .. لماذا إذن هذه النظرة الدونية وبخاصة من بعض الأشقاء العرب للإنسان صاحب حضارة .. يعتز بأفريقيته وبسمرته .. لماذا يسأل إليه حتى في الدراما يكون دوره هامشياً ويبدل لونه بلون الطين والبن ؟ ـ « فاقعاً ضحكة مجللة » .. نحن نكتسب هويتنا وإحساسنا بأنفسنا مما نعتقد بأنه حقيقي .. نحن يا أخي لا نكتسب هويتنا من الآخرين بما يعتقدون .. فأنا أقول عربي لقناعتي التامة بأنني عربي بل أحمل أشياء إضافية لا توجد في غير السوداني كما يقول الشاعر صلاح أحمد إبراهيم .. نحن عرب وزيادة .. والزيادة هذه « ضاحكاً» يمكن أن تكون هي التي عملت فينا العمائل ولكننا يمكن أن نقول كل عربي هو عربي وزيادة « ضاحكاً» .. فالعرب الأقحاح قليلون جداً .. ففي الشام منهم من ينعت نفسه بالقومية العربية ولكن ليست دماؤه عربية خالصة وليست بأكثر منّا عروبة .. فلقد اختلطت دماؤهم بالدماء الأوروبية والأسيوية .. أما لماذا نحن سمر ؟ فنحن أيضاً أفارقة نعتز بأفريقيقتنا وبسمرتنا مع أنه لم تعد الألوان هذه مهمة في الدنيا الآن ... ومنهم من يقول أن اللون الأسود جميل وأنا اتفُق تماماً معهم وهذا معمول به مع زنوج أميركا .. أما كون أن العرب يعرفوننا أم لا فالعرب أنفسهم تجد أن بعضهم لا يعرف نفسه ففي مصر مثلاً وهي بلد ثقافة وصحافة قديمة وتنشر فيها وسائل الاتصال تجد أن بعضهم لا يعرفون عن إنسان الصعيد شيئاً والعكس قد تجده ولكن دعنا نهتم بأنفسنا ونثق في اعتقادنا وهويتنا بما عندنا من إرث حضاري وثقافي لا يستهان به لنمضي به دون توقف وحتما سوف يعرفنا الآخرون طال الزمن أم قصر ... ü في لقاء تلفزيوني سابق .. ذكر الشاعر عبد الرحمن الأبنودي أن الود الموجود في الشعر الغنائي السوداني يكفي نشر الحب والصدق في بلاد العالم أجمع بيد أنه مغلق ومقيّد وغير معروف الشيء الذي يحذ في نفسه كثيراً .. ما تعليقك ؟ ـ من يحجب نفسه عن الغناء السوداني فهذه مشكلته هو والأبنودي نفسه عندما هاجر إلي القاهرة صارع مدة طويلة لكي يثبت نفسه وهناك كثيرون يشكون من عدم الاهتمام ... فنحن شعرنا الدارجي وغناؤنا كله ما زال يسافر إلى أذان الآخرين ولكن لماذا نحن مشغولون برأي الآخرين حينا فدعنا نركز على جمهورنا خاصة وأن الدنيا الآن عيونها مفتوحة وتهتم بالآخر بسبب ما ذكره لي الصحافي الألماني فالناس ملوّا ما عندهم فدعهم يبحثون عن الآخر .. فالكاتبة الهندية (أرونداتي روى) من(كرالا) لم تكن معروفة من قبل سنتين فقط وبفضل رواية كان بالإمكان أن يكتبها وبها نالت أهم جائزة إنجليزية تسمى بوكر رايس وبين عشية وضحاها اشتهرت ولم تقل إني أحدثكم عن الهند وعن كرالا ولكنها برغم ذلك نالت حب الناس وانتشرت روايتها .. كذلك الكاتب النيجيري (جين وأجيبي) فهو من كبار كتاب الرواية في العالم لأنه كان يشتغل بالإذاعة النيجيرية وعندما كتب نصاً لرواية قدمه لرجل إنجليزي أنا أعرفه كان مسؤولاً عن التدريب في BBC هيئة الإذاعة البريطانية فعندما قرأها وجد عملاً جميلاً فساعده على نشره وهذا العمل هو الآن المشهور تحت اسم « أشياء تتداعى» «THINGS FOUR APARE» .... فالعالم يتحرك نحو التآلف والتقارب .. ü .. نحن في السودان ما زلنا نعيش على بعض الأدب القديم ... فهناك ندرة في الإنتاج الأدبي الشبابي الجديد .. هل هذا نتاج فجوة وعدم تواصل بينكم كجيل أدبي ساهم في صنع مجد الأدب القديم وبناء الجيل الجديد أم أن هناك ضحالة ثقافة ... ماذا تعتقد السبب ؟ ـ .. الأسباب حقيقة كثيرة ومعقدة لكن أهمها غياب دور الدولة عن الاهتمام بالثقافة إضافة إلى ندرة وسائل ودور النشر والتوزيع ولكن حسب علمي بدأ الأدب الشبابي ينتشر وهذا يحتاج إلى صبر ووقت .. ü .. « مقاطعاً » .. على ذكر الثقافة .. الخرطوم تعد لعاصمة الثقافة بحلول عام 2005 م .. هل الخرطوم مؤهلة لتقوم بهذا الدور ..أم هناك معوقات ترى أنها تحول دون ذلك؟ ـ .. هذه الفكرة من أساسها ظهرت في اليونيسكو لتحريك أشياء ترقى لذوق الإنسان بمختلف العواصم وليس بالضرورة أن تكون صحافة متقدمة أو نشر متقدم أو مسرح متقدم ... الخ.. وأي دولة حينما تختار عاصمة للثقافة على مدى عام فمن طبيعة الحال يقوم المسؤولون ببذل جهد مقدر ينتج عنه تحريك للأشياء الراكدة وقد تظهر أشياء جيدة تكن معروفة من قبل ..ولكني أرى أنها مؤهلة وزيادة لأن كثير من العواصم التي أقامت ثقافتها لم تكن بأحسن منها بكثير ذلك لوجود كل عناصر وخامات العمل الثقافي . ü لماذا لم يكن صلاح أحمد إبراهيم بنفس الحجم الذي حققه بعض الآخرين في العالم العربي من شهرة على قدر قيمته الأدبية ؟ ـ يوجد أناس كثيرون يعرفون صلاحاً بخاصة المهتمون بالشعر منهم ولكن لأن يكون مشهوراً بمستوى أحمد عبد المعطي حجازي الفرق يكمن في قدرتنا على التسويق والإعلان عن أنفسنا وعما عندنا وأظن هذه أهم السمات التي تميز المبدع السوداني لا يعرف أن يقول للناس تعالوا لتعرفوا من نحن وماذا عندنا .. فمن بين ما أنجب السودان البروفيسور عبد الله الطيب نسأل الله له الشفاء من علماء اللغة العربية المعدودين في العالم ولعله أكبر عالم في هذا المجال على نطاق العالم في هذا الزمان . والمهتمون باللغة العربية يعرفون ذلك ولو كان هذا الرجل العالم في بلاد أخرى لكان فلكاً يدور حوله الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ولحصد أعظم جوائز العالم ... هكذا يكون العالم السوداني ... ومن بين الحضور حولي أحد علماء اللغة العربية من موريتانيا يسمى محمد سالم ود عدود لا يعرفه أحد حتى الآن .. ü .. ومع ذلك تحتاج إلى دليل لتثبت أنك عربي ! ـ « يفقعها ضحكة مجلجلة » .. إذا أحد لم يقبل بأنني عربي عله ما قبل فأنا لا أحاول إرضائه ولست أنا عربي لأجل خاطره لكنني عربي في ذاتي وهؤلاء عرب في ذواتهم .. ü ذكر لي البروفيسور الحارث أن الشاعر صلاح أحمد إبراهيم عندما سافر إلى فرنسا تعلم لغتها وكتب بها بعض إبداعها ما لم يستطع أن يكتبه بلغته الأم .. فهل يمكن للأديب أن يكتب باللغة الأجنبية بأكثر ماكتب بلغته الأم ؟ ـ والله ... هذه قضية كبيرة ولكن أنا شخصياً لا أكتب بالإنجليزية إلا نادراً جداً فأنا أهتم وأحب أن أعبر بلغتي الأم لأنها مرتبطة بكل التراكم الوجداني ما أستطيع أن أكتب بالإنجليزية لأن لغتي فيها كلمات وعبارات مشحونة بالمعاني وتلبي طلباتي .. أما صلاح حسب معرفتي به فهو لا يحتفي بأنه كتب بالفرنسية لكنه كان شاعراً سودانياً خالصاً عشق العربية فكتب بها أجمل ما يكتب مبدع ... ü .. سبق أن سألت بروفيسور عبد الله الطيب عن ماهية الملكية الفكرية فقبل أن يجيبني أعطاني كتاباً للكاتب الليبي دكتور نعيم فأخبرني بأنه جاء على نسق كتابه (حقيبة الذكريات) بل صورة منه لم يضف مؤلفه غير استبدال معلومات البروف بمعلوماته الخاصة والتي تتعلق بالبيئة والمجتمع.. وبروفيسور عبد الله والذي تسلم الكتاب هدية من الكاتب الليبي يحزّ في نفسه أنه لم يتطرق حتى بإشارة إلى ذكر اسمه بالشكر ناهيك عن الاستئذان مسبقاً ... لكنه لأنه رجل عالم متواضع تغاضى عن هذا الأمر .. ماذا تقول عن حقوق المؤلف والتعدي الظالم برغم نشوء منظمة للملكية الفكرية .. ؟ ـ ... حقيقة هذه مأساة أدبية وخطيرة وانتهاك حقوق المؤلف يحدث دائماً في عالم تسوده الفوضى في غياب احترام القانون ولكن يبدو لي وبعد أن قامت منظمة الملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة « وايبو» والتي يقودها العبقري السوداني الدكتور كامل إدريس له محاولات جادة بمقابلة رؤساء الدول وحث الناس على احترام حقوق المبدع مهما كان مجاله لأن هذا حق .. حتى لا يتكرر ما حدث لبروفسير عبد الله الطيب . ü ... نعود إلى الرواية كضرب من ضروب الإبداع وندخل في بلاط الطيب صالح الأدبي .. فأنت كأديب عالمي تكتب وكتبت الكثير في هذا الصدد .. نسمع أن رواياتك كتبت بأكثر من 40 لغة .. ما حقيقة ذلك ؟ ـ .. صراحة .. « لا » لم تصل اللغات التي صدرت بها رواياتي هذا العدد .. ولكنني أقول إن رواية موسم الهجرة إلى الشمال .. وأنا لا أحب أن أتكلم عن ذلك وأعتبره لكأنه زهو .. لكن موسم الهجرة إلى الشمال ترجمت إلى عشرين لغة على وجه التحديد أما رواية عرس الزين ترجمت إلى تقريباً 15 لغة .. الله أعلم .. ü .. « مقاطعاً » . في روايات الطيب صالح ... ياترى شخصيات الحوارية .. مثلاً كشخصيات موسم الهجرة إلى الشمال .. هل لامستها في المجتمع السوداني .. بت مجذوب تشعل سيجارتها في مجتمع الرجال .. ثم تقعد . . ومايدور من حوارات .. في الريف الشمالي السوداني ؟ ـ هذه قضية تتصل بواقع الأدب .. فأنا لا أكتب أدباً واقعياً .. وحقيقة لم أقابل امرأة كبنت مجذوب .. « ضاحكاً» .. أنا دائما أقول لاأنتظر إلى أن يتحول الواقع إلي حلم وأكتبه والقاريء يعرف أن هناك موازيات في الواقع للأشياء وهذه هي الطريقة التي يعمل بها الفن والأدب ولكن الجواب عموماً .. ليست الشخصيات واقعية . ü .. « مقاطعاً» .. لكن هناك قول سائغ يقول أنك كنت مصطفى سعيد في كثير من فصول الرواية .. ماذا تقول ؟ ـ أعتقد .. « ضاحكاً » .. أي أحد متلقي لأدب يعرف علاقته بالواقع .. وأنا لو أردت أن أكتب عن سيرة حياتي لفعلت ولقلت للناس هذه سيرة حياتي . ولكن هذه الرواية .. وواضح أن مصطفى سعيد لا يمكن أن يكون واقعياً ولكن هناك قد يكون بعض الملامح قد توجد في المجتمع ... ولكنني أؤكد لست بمصطفى سعيد . ü ... الآن ... دعنا .. ندلف إلى السياسة ونتحدث عن الوضع في السودان .. فالحقيقة قد سبقتنا أجيال وطنية ناضلت وكافحت من أجل سودان مستقل موحد .. لطالما يجلس على بركة من البترول ويضم جبال من المعادن ويمتد على أخصب أرض في الدنيا يحرسها أعذب نيل ويسقيها الخريف ماءاً زلالاً .. وعليه تسعى ثروة حيوانية هائلة » .. تظللها ألفاف من النبات والغاب .. ومع هذا الثراء ما نزال نعيش جوعاً وفقراً ومرضاً وعناء وشقاء بحكم الفقر السياسي واللاوعي الوطني الذي اتسمت به الحركات والأحزاب السياسية منذ عهد الاستقلال وإلى يومنا هذا .. والسؤال .. متى وكيف ينعم الشعب السوداني بوطن يجمع كل عناصر التنمية والرفاهية الطبيعية والبشرية ؟ ـ .. هذا سؤال مهم جداً .. ويجب على المتطلعين إلي الحكم أن يتأملوا في مثل هذه الأسئلة .. نعم .. لماذا نحن منذ بزوغ فجر الاستقلال وإلى يومنا هذا في تراجع يوماً بعد يومٍ مع أننا والحق يقال أن الإنجليز تركوا لنا بنية تحتية كان بالإمكان البناء عليها .. فقد تركوا لنا شبكة مواصلات .. تعليم يضرب له المثل .. خدمة صحية .. فأنا كتربال أقول إن السبب هو الصراع بين طلاب الحكم .. لم يؤد إلى نتيجة عند ثلاث تجارب كل واحدة أرادت أن تحدث تنمية بشكل قسري .. التجربة الأولى هي تجربة الرئيس عبود وهي أخف ضرراً لأن الناس القائمين على أمرها خصوصاً عبود .. أناس عقلاء .. صحيح أنهم حدّوا من الحريات ولكنهم احترموا الناس ولم يهينوهم ... ثم جاء نميري عفا الله عنه ولم يستقر على مبدأ .. فمرة اشتراكية ومرة قومية .. ووصلوا إلى درجة من الإفلاس الفكري الكامل لم يستطيعوا بعدها تحقيق تنمية ما عدا بعض المشاريع بيد أنهم لم يحترموا طموحات الناس والسودان معروف أنه إذا عنده شيء واحد هو عشقه للحرية والكرامة لكنهم أزلّوا الناس ... بعدهم جاء النظام القائم الآن وأنا لي رأي معروف فيهم وللأسف جاءوا باسم الإسلام ومشوا على نفس الدرب ولم يفهموا خصوصية الشعب السوداني وتقدير الأشياء الكثيرة النادرة التي كان من المفترض الحفاظ عليها .. وكما رحل السابقون سيرحلون ولكنهم سيتركون كغيرهم إرثاً ثقيلاً . ü أنت تتحدث عن الحكومات العسكرية فقط ولكن إذا سألنا أنفسنا دون أن نبرر الأسباب لماذا ينقلب الجيش على الحكومات المدنية الحزبية .. مع أن السودان مر بثلاث تجارب ديمقراطية لكنها كانت فاشلة ولم تستفد من بنية تحتية قلت قد تركها الإنجليز .. وكان يجب أن نعمل بحكمة النبي صلى الله عليه وسلم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين » ولكن للأسف الشديد ظللنا ننتظر الديمقراطية المصدرة من الغرب والتي يحرسها بالتهديد الاقتصادي والثقافي والسياسي الذي يبيع لنا الحرية بالاستعباد ورهان الإرادة ... أعود فأقول ثانية لماذا لم يدركوا هؤلاء المعنيون المسؤولية لبناء سودان آمن غني بأهله وبموارده ولمسح بعض آلام الشعب المزمنة بسببهم لا بغيرهم ؟ ـ ... بكل صراحة .. هذا الكلام فيه كثير من الصدق .. وهذا السؤال مهم جداً جداً .. وحقيقة يجب على الأحزاب أن تكون أكثر صدقاً ووطنية وليسأل كل منهم نفسه لماذا لم يشهد السودان استقراراً أمنياً ولا اقتصادياً ولا سياسياً منذ استقلاله في 56 إلى يومنا هذا ولكن يجب أن يتذكروا أن بناء نظام ديمقراطي مستقر من أصعب الأمور وأكثرها تعقيداً ويحتاج إلى التزام فليس من الوعي السياسي أن يقوم عادة سياسي عندما تظهر صعوبةاستيعاب أمر ما لسحب السلطة ولو تتابعت الحكومات العسكرية تجد أنه يقوم عادة واحد مدني سياسي لم يستطع أن يحقق أحلامه وطموحاته في الديمقراطية بالاستعانة بالعساكر .. يجب أن يكون عندنا التزام ديمقراطي .. هذا أسلوب الحياة الذي ارتضيناه لأنفسنا ويجب أن نعترف أن الفترات الديمقراطية أحدثت تطوراً ولو أنه بسيط .. في التجربة الديمقراطية الأخيرة كانت حكومة الصادق تتراجع كثيراً لرغبات المواطن ولم يكن هناك كبت ولن تكون هناك بيوت أشباح والقضاء السوداني كان محترم جداً على نطاق العالم وهناك مساحة لصوت المواطن ، وهذه كلها فوائد يجب ألا نغفلها أما حكاية التنمية والرخاء ضرورية ويمكن أن نحققها فنحن نشأنا أساساً على الصبر والسودانيون سادة مصيرهم .. ولو أن الحكومات صارحت الناس وأشركتهم في الحكم وفهمتهم على أن الإنجازات لا تتم بين عشية وضحاها فنحن صبرنا على الإنجليز لماذا لا نصبر على بني جلدتنا .. ولكن حقيقة هناك تقصير وإهمال وأخطاء كثيرة نعترف بها أشغلها الحزبيون لمصالحهم بيد أن الديمقراطية هي أساس حياتنا وليست بالضرورة أن تكون على طريقة منستر المهم أن يكون الشعب حر ومشارك في عملية الحكم والبناء بشكل أو بآخر.. ü .. السودان يمر بمرحلة حرجة تكاد تعصف بوجوده .. يعيش خيار الوحدة أو الانفصال (أبغض الحلال) .. فهل هناك مشكلة حقيقية لأخوتنا الجنوبيين تصل صعوبتها لدرجة الانفصال .. ـ أنت سألتني عن شيئين دعني أجيب ... هل الجنوبيين مظالم؟ أقول نعم للجنوبيين مظالم ولكن ليست مظالم بالضرورة تؤدي إلى انفصال لأن الأمم إذا أرادت أن تبقى متحدة تستطيع أن تحقق ذلك بالصبر والمثابرة .. وأنا دائماً عندما أقابل إخوتنا الجنوبيين أقول لهم نحن أيضاً في الشمال نعاني مظالم لا تقل قسوة ومرارةعن مظالمهم ... فعندما كنت أدرس في الأربعينيات تجد في الشمال كله من وادي حلفا إلى «أدبرة» عطبرة فقط مدرسة ابتدائية في حلفا وأخرى أولية في (تنقسي) وإلى بربر قد تجد مدرسة ابتدائية واحدة فكنا مهملين ولكننا لم نأخذ السلاح ولم نتمرد ولم نطالب بالانفصال «ضاحكا» .. وبرغم لم تلبي لنا الحكومة مطالبنا إلا أننا ظللنا نتصارع معهم كمواطنين ولكن أنتم كل ما أعترتكم موجة غضب «ضاحكاً» تأخذون السلاح تذكرونا بالطفولة عندما (يزعل) الطفل يُبطل لعب .. أقول حقيقة ليس بهذه الطريقة تبنى الأمم .. وأنا قلت منذ زمن بعيد في لقاء سابق أنه إذا تأكد لنا أن الجنوبييين إنهم لا يريدون الاتحاد والعيش جنباً إلى جنب مع إخوتهم الشماليين وفضلوا الانفصال نقول لهم على الرحب والسعة فهذا حقهم فلينفصلوا ونحن سنساعدهم .. فنحن لا نريد أن نرغم إخوتنا الجنوبيين علي الوحدة فهذا خطأ ارتكبته الحكومات الشمالية الشيء الذي انتهى بهم إلى أن يشبهوننا بالبيض في جنوب أفريقيا .. فهم يقولون أن بيض شمال السودان أسوأ من بيض جنوب أفريقيا «ضاحكاً» .. وكنت أقول لهم .. يا إخوتي هذا شيء فيه كثير من الظلم والقسوة نحن ناس سودانيون مساكين في كثير من الأحياء أكثر سمرة منكم وليس من شيء يجمعنا ببيض الجنوب الأفريقي ، فالقضية هناك كمية من الحزازات ليس لها مبرر .. ولكن حقيقة الحكومات الشمالية ارتكبت أخطاءً بتعميق المسألة واعتماد حلها بالتجييش ولكن الجنوبيين أنفسهم لجأوا للتمرد المسلح كأسلوب ... ü .... « مقاطعاً » .. هل قابلت عدداً من الإخوة الجنوبيين وهل لك علاقات معهم ؟ ـ نعم .. أنا قابلت عدداً منهم ولي معرفة بونا ملوال وفرانسيس دنيق وآخرين .. ü .. « مقاطعاً » .. ما هو رأيهم ؟ ـ .. حقيقة هم أميل للانفصال للأسف .. الانفصال ليس بالشيء السهل فيه ما فيه من المشاكل الكثيرة المعقدة ومكلف جداً .. ü .. ألا ترى أن هناك قوى خفية تحرك هذه الروح الانفصالية؟ ـ حكاية القوى الأخرى التي قد لا توجد يجب ألا نضعها في الحساب لأنها أشياء خاضعة للتنبؤات التي قد تشغلنا عن الالتفات إلى تكثيف جهودنا وتشغلنا عن أنفسنا ... ü .. « مقاطعاً » .. لا بد أن نضع ما هو ظاهر من هذه الأشياء لنعرف كيف نتعامل معها وبالتالي نتجاوزها ... من رجالات الغرب جندوا أنفسهم لبناء كنائس في الجنوب وتكلفوا بكل ما تحتاج ويخطفون أطفال الجنوب بمساعدة حركة التمرد والشواهد كثيرة والهدف معروف وقرنق نفسه كان يقول إن العرب الذين أخرجهم الأوروبيون من الأندلس بعد 9 قرون من الزمان لا يصعب علينا إخراجهم بعد خمسة قرون فقط من الشمال ... فإن دل ذلك يدل على نوايا أخرى ليس لها علاقة بالمظالم التي يدعيها كل طرف . ـ .. « مقاطعاً » ... أنا لم أسمع من قرنق ما قلت فهو يقول إنه وحدوي ويطالب بسودان جديد فيه مشاركة لكل القوى السياسية وتتوزع فيه الثروة بالتساوي ... لكنه إذا أراد الانفصال لا أحد يرغمهم على ذلك ... وهناك وسائل متعددة لتحقيق مايرضي كل الأطراف . ü ... لو عدنا للحديث عن النظام الحالي ... نجد أنه بوادر دعوة لاستيعاب الأحزاب قد بدأت لممارسة نوع من الديمقراطية وإفراد مساحة للمشاركة وحرية التعبير ... فهل من مصلحة البلد أن يحدث وفاق وطني لكل القوى السياسية وذوبانها في النظام القائم من أجل استقرار ووحدة السودان أم نعيش معارضات مسلحة واستهلاك والزمن في البحث الذي لا يصل إلى نتيجة لتزيد خمسين سنة مرت جوعاً وفقراً خمسين أخرى؟ ـ النظام القائم بيده الأجهزة وأدوات القهر والتنفيذ .. فإذا هم رغبوا في جمع الشمل فليعملوا أشياءً تقنع الآخرين بحسن النية ... وأنا لست سياسي ولكنني مواطن يهمه الأمر غير أن الزعامات السياسية المعروفة إذا وصلت إلى قناعة للاتفاق أكيد سيكون ذلك أمراً مطلوباً . . . حيث إن الوطن تحدق به أخطار كبيرة قد تضعه في مهب الريح ولكن لا بد للنظام الحاكم أن يجددوا دماء العمل السياسي ويغيروا في أساس الهيكل والبناء السياسي ويغيروا من أسلوبهم ولهجتهم . ü في أكثر من عاصمة جهر علماء الدين بمقاطعة رواياتك خاصة (موسم الهجرة) بينما في بلاد عديدة أيضاً اعتمدت هذه الروايات ليتم تدريسها في مناهج الأدب والرواية .. كيف تقيم هذا التناقض ؟ ـ في الحقيقة أنا أتفهم تماماً وجهة النظر التي ترفض رواية موسم الهجرة على أساس ديني ولكني ــ مع تفهمي ـ أرى الرواية قد تحدثت عن واقع معاش وليس معلقاً في الخيال ولنا جميعاً أن نتحدث عن الواقع .. أما ترديسها بالجامعات والمدارس فأنا فخور بذلك .



                  

08-26-2003, 09:55 AM

Optimist


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    الطيب صالح وموسم العودة الي الوطن


    د. عبد الوهاب الافندي
    معروف عن اديبنا المبدع الطيب صالح، مد الله في ايامه، وامتعنا بالمزيد من عطائه الثري، تعلقة الشديد بالوطن، هو تعلق فاض به ادبه ووصل في سلوكه الشخصي لدرجة الهوس، ومن ذلك تمسكه بجنسيته السودانية ورفضه استخدام اي جواز سفر آخر، حتي بعد ان اصبح ذلك الجواز يجلب المصاعب في كل مطار ومهبط، ورغم وجود دول كثيرة عربية وغير عربية تسعد لمنحه جنسيتها.
    وقد اعتاد الطيب علي الا ينقطع عن زيارة وطنه وقريته كرمكول في شمال السودان، حيث كان يواظب علي زيارتها مرة كل عام علي الأقل، ولكنه لأسباب لا تخفي انقطع عن هذه الزيارة منذ عام 1986، احتجاجا علي سياسات الحكومة الحالية، ولم يكن من عادة اديبنا التناول المباشر لمسائل السياسة، ولكنه خرج عن ديدنه هذا، ووجه للحكومة نقدا حادا ألب عليه الكثير من انصارها الذين بادلوه نقدا جارحا، فيه الكثير من التجني.
    المهم كانت النتيجة ان امسك الطيب مكرها عن زيارة وطنه الحبيب الي نفسه احتجاجا وخشية العواقب.
    وقد حرم نتيجة لهذا جيل كامل من السودانيين من التواصل مع الاديب الانسان، والاستفادة من تجاربه والتعرف عن قرب علي شخصيته المحببة، وقد ساهم هذا مع الفقر وسياسات القمع في استفحال الجدب الثقافي الذي ضرب البلاد متزامنا مع الجفاف الحقيقي والمجاعات والحروب والكوارث الاخري.
    وفي واقعة ذات دلالات رمزية بالغة، احتفل العالم كله قبل ثلاثة اعوام بعيد ميلاد الطيب صالح السبعين، وتداعي لذلك ادباء ومفكرون وعلماء وشعراء ومعجبون من اركان العالم الأربعة، تباروا في الثناء علي الأديب الكبير والاشادة بعطائه، ولكن ذلك الاحتفال لم يعقد في كرمكول، ولا في الخرطوم حيث ينبغي، وانما في القاهرة، التي اصبحت العاصمة الثقافية والسياسية احيانا البديلة للسودان المهاجر عن ذاته، وليس أدل من هذا علي المفارقة وحجم الكارثة التي تمثلها الغربة المفروضة لصاحب موسم الهجرة الي الشمال عن مراتع حياة.
    الطيب لم ينقطع، رغم مأخذه علي الحكومة، عن التواصل مع اهل الحكم، اذ ظل يعتقد بطيبته المعهودة ان اسداء النصح والكلمة الطيبة قد يجدي في اصلاح الأمور والتوجهات، وقد شهدت له مواقف كثيرة بين لندن وبرشلونة كان يجتهد فيها في مخاطبة كل من يقبل ان يستمع برسالته الثابتة، وملخصها ضرورة لم الشمل، وتوحيد الصف، وانتهاج نهج الوسطية والسماحة، والبعد عن كل ما يفرق ويشتت.
    ولكنه ظل مع ذلك يرفض السفر الي وطنه رغم الالحاح، وكنت ايام عملي في السلك الدبلوماسي الح عليه في ان يقبل الدعوات المتكررة لزيارة الخرطوم، وكان يرفض.
    وبعد ان اكثرت الالحاح عليه قال لي ذات يوم: يا اخي، ان في حكومتكم هذه طائفة من العقلاء، وطائفة من المجانين، وانا اخشي ان يكون اول من اقابل المجانين اذا ذهبت، فألقي منهم ما القي، ثم يأتي العقلاء بعد ذلك لاصلاح الامر بعد ان تكون الفاس وقعت في الرأس، ولهذا أفضل السلامة والابتعاد .
    لم اعارضه كثيرا في ذلك، فقد كانت لي تجربة شخصية مع هؤلاء المجانين ، يطلبها، او ضحيتها، استاذي والذي اشرف علي رسالتي للدكتوراه في جامعة ريدنغ، البروفيسور بيتر وودوارد.
    كنت انا وبيتر نختلف حول امور كثيرة فكريا وسياسيا، وخاصة حول تقييمنا لأوضاع السودان، وكانت فترة الدراسة حافلة بالنقاش الصدامي احيانا، كما كان حالي قبل ذلك مع المشرف علي رسالة الماجستير في جامعة ويلز، الذي كان ماركسيا تروتسكيا متشددا (وكانت رسالتي، لسوء حظي، عن نقد الفلسفة عند كارل ماركس !).
    ولكن مثل هذه المنازلات الاكاديمية تنتج الاحترام المتبادل عند اصحاب العقول الكبيرة، وبيتر منهم، وكان بيتر فوق ذلك سودانيا اكثر من كثير من اهل تلك البلاد، فهو قد بدأ العمل في التدريس في المدارس الثانوية.
    في مطلع شبابه، والتقي بزوجته كارول في تلك البلاد، واعد رسالته للدكتوراه (عن الحكم الثنائي) هناك. وظل لا ينقطع عن زيارة السودان، بينما كان شعبة العلوم السياسية في جامعة ريدنغ تستضيف كل عام ثلة من الاكاديمية السودانية في السراء والضراء، بينما كان بيته العامر مفتوحاً دوماً لأصدقائه السودانيين الكثر.
    جاءني بيتر ذات يوم في السفارة يطلب تأشيرة لزيارة الخرطوم بغرض اعداد دراسة كلفته بها حكومة النرويج حول جدوي استمرار التعاون بين جامعة الخرطوم وجامعة بيرغن. وبالفعل قمت خلال دقائق باستخراج تأشيرة دخول مجانية للدكتور، وهو ما يستحقه بحكم الاستاذية ان لم يكن لمهمته النبيلة. وبعد ايام كنت اتحدث هاتفياً مع احد الوزراء الذي قال لي بكل استخفاف وسخرية: هل تدري ما فعلنا باستاذك اليوم؟ لقد منعناه من الدخول واعدناه علي نفس الطائرة التي جاء بها!
    صعقت من هول المفاجأة وقلت لصاحبي هل تدرون ما فعلتم؟ وحاولت تدارك الأمر ولكن الكارثة كانت قد وقعت. ونتيجة لهذا العمل الأحمق، أغلقت الدنمارك (وكانت الدولة الاسكندنافية الوحيدة التي لها سفارة في الخرطوم) سفارتها، وقطعت جامعة بيرغن صلتها مع جامعة الخرطوم. كل هذا لأن أحد المجانين أراد التشفي في شخص لم تعجبه تعليقاته في الاذاعة البريطانية! ووجدت نفسي بعد ذلك في موقع عقلاء الطيب، مطالبا بلملمة آثار الكارثة وانقاذ ما يمكن انقاذه.
    ملخص الأمر ان الطيب كان محقاً في تخوفه من المجانين واعمالهم. ولكن للقصة جانبا آخر. ذلك انه علي الرغم من ان المجانين في الخرطوم ما يزالون كثرا، الا ان عدد العقلاء ونفوذهم في تزايد. بل ان كثيرا من المجانين اصبحوا عقلاء لنفس السبب الذي مارسوا به الجنون. فقد كان هؤلاء يرون في ارتكاب الحماقات والتصرفات الطائشة وسيلة للتمسك بالسلطة، والآن اصبحوا يرون في التمسكن واظهار التعقل والتسامح وسيلة افضل. لا يهم، المهم ان النتيجة صارت المزيد من التعقل.
    ولعل ابلغ دليل علي هذا التحول قيام الحكومة بعد بضع سنوات من طرد البروفيسور بيتر وودورد شر طردة من مطار الخرطوم، بدعوته الي البلاد واستضافته علي نفقتها تكفيرا عما سبق من الإثم في حقه وقد لقيت بيتر فيل وبعد رحلته تلك، وكان سعيدا غاية السعادة بها وبما لقي من حفاوة هناك. وقد زار السودان بعد ذلك عدة مرات دون مشكلة.
    ولعل في هذا ما يطمئن صديقنا الطيب الي ان شيئا من العقل علي الاقل قد عاد الي الخرطوم، وان الوقت قد حان ليعود هو ايضا الي الوطن الذي طال انتظاره له. ولا شك ان الطيب قد لمس بنفسه ملامح من عودة العقل هذه حين استضافه التلفزيون السوداني في عيد الفطر الماضي في مقابلة تلفزيونية مطولة لأول مرة، سعد بها ملايين المشاهدين.
    هناك ايضا في السودان بوادر انتعاش ثقافي كانت من ملامحه عودة عدد من المبدعين الي البلاد علي رأسهم المطرب الفنان محمد وردي، وصديق الطيب الحميم د. محمد ابراهيم الشوش، اضافة الي حركة ثقافية ومسرحية منتعشة، وانتشار المؤسسات الثقافية غير الحكومية.
    ولكن عودة الطيب صالح لبلاده حدث مهم، ولا يمكن ان يحدث بمبادرة فردية منه ـ وعليه فانني اقترح من هذا المنبر علي وزير الثقافة ان يسافر بنفسه الي العاصمة البريطانية لندن لتوجيه الدعوة الي الطيب صالح واصطحابه معه شخصيا الي الخرطوم، وترتيب استقبال لائق له ـ وقبل هذا ينبغي علي الحكومة تخصيص مسكن ملائم للأديب الكبير يكون مقرا دائما له ولاسرته في الخرطوم. ذلك انه من العيب الا يكون لهذا الاديب الرمز مسكن يؤويه في عاصمة بلاده، وان يقيم في الفنادق حين يزورها شأنه شأن السياح الاجانب.
    حكومتنا لها كرم حاتمي حين يتعلق الأمر بتخصيص المساكن للوردات الحرب وغيرهم من محترفي السياسة والابتزاز. ويبدو ان الحكومة عندها فائض من المساكن من بيوت الاشباح تضعها تحت تصرف المجانين اياهم الذين اذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون. وقد سمعت من الدكتور محمد عثمان الأمين السابق لمنظمة الدعوة الاسلامية، والدكتور عثمان عبد الوهاب، وزير الطاقة الاسبق، انهما اعتقلا العام الماضي في منزل فخم في حي العمارات الراقي، وان المنزل كان من الرحابة بحيث ان ايا منهما لم يعلم بوجود الآخر فيه رغم بقائهما في نفس المنزل لأكثر من شهرين.
    وانا أقترح ان يتم نزع هذا المنزل من الجهة التي تسيطر عليه، ووضعه تحت تصرف الاستاذ الطيب واسرته يحلون فيه متي ما شاءوا. وهذا قليل مما يستحقه الأديب الذي رفع اسم السودان عاليا في كل محفل، وتحتاج البلاد الي وجوده فيها ليثري الحياة الثقافية ويعطي القدوة والأمل للاجيال القادمة من الادباء والمبدعين. فهلا تحرك العقلاء والمتعقلون لتدارك الأمر واصلاح الخلل عاجلا لا آجلاً؟



    القدس العربي
                  

08-26-2003, 01:57 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: Optimist)

    العزيز
    Optimist
    شكرا ليك الهدية الحلوة وسنتابع في حضرة من نهوي
                  

08-27-2003, 00:27 AM

WadalBalad
<aWadalBalad
تاريخ التسجيل: 12-20-2002
مجموع المشاركات: 737

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    الأخ أوبتميست

    لك الشكر والتحية لهذا المجهود الجبار.. ونتمنى لك ولكل الإخوة أن نواصل هذا المشوار الطرب

    وإليكم مساهمتى من الإرشيف وقد تم نشرها قبلاً بهذا البورد


    رسالة إلى أيلين
    الطيب صالح

    عزيزتي ايلين
    الآن انتهيت من فض حقائبي. أنت عظيمة ولست أدري ماذا افعل بدونك. كل شيء يلزمني وضعته في الحقائب. تسعة قمصان "فان هوسن" ثلاثة منها لا تحتاج للكي. "أغسلها ونشفها وألبسها" . وأنت تعلمين انني لن أفعل شيئا من هذا القبيل. ربطة العنق التي اشتريتها لي في العام الماضي في بوند ستريت، وجدتها مع خمسة كرفتات أخرى. "خمس كرفتات تكفيك. أنت لن تخرج كثيرا ولن يدعوك أحد لحفلة . واذا دعيت فلا تذهب" . كم أحببتك لأنك لم تنس أن تضعي في حقائبي هذه الربطة .... ربطة عنق قرمزية اللون ، واحدة من ملايين الأشياء الصغيرة التي تشد قلبي اليك...في مثل هذا الوقت من العام الماضي ، بعد ثمانية أشهر من معرفتي اياك، في القطار الذي يسير تحت الأرض ، الساعة السادسة والناس مزدحمون ، ونحن واقفان وأنت متكئة علي ، فجأة قلت لك : "انني احبك . أريد أن أتزوجك". احمر خداك والتفت الناس الينا. طيلة ثمانية أشهر عرفتك فيها لم أقل لك انني أحبك . كنت أتهرب وأداري وأزوغ ثم فجأة وسط الزحام ، في الساعة السادسة مساء ، حين يعود الناس التعبين مرهقين الي بيوتهم بعد عمل شاق طيلة اليوم ، فجأة خرجت الكلمة المحرمة من فمي وكأنني محموم يهذي . لا أعلم أي شيطان حرك لساني ، أي ثائر أثارني ، ولكنني شعرت بسعادة عظيمة ، في تلك الساعة ، في ذلك الجو الخانق ، بين تلك الوجوه الكالحة المكدودة التي اختفت وراء صحف المساء . ولما خرجنا ضغطت على يدي بشدة ، ورأيت في عينيك طيفا من دموع ، وقلت لي: "إنك مهووس. أنت أهوس رجل على وجه البسيطة . ولكنني أحبك . إذا رأيت أن تتزوجني فأنت وشأنك".

    ثمانية أشهر وأنا أتهرب وأحاور وأحاضر. أحاضرك في الفوارق التي تفرقنا. الدين البلد والجنس . أنت من أبردين في اسكوتلندا وأنا من الخرطوم أنت مسيحية وأنا مسلم . أنت صغيرة مرحة متفائلة ، وأنا قلبي فيه جروح بعد لم تندمل. أي شيء حببني فيك؟ أنت شقراء زرقاء العينين ممتلئة الجسم ، تحبين السباحة ولعب التنس ، وأنا طول عمري أحن الى فتاة سمراء ، واسعة العيون سوداء الشعر، شرقية السمات هادئة الحركة . أي شيء حببك في؟ أنا الضائع الغريب ، أحمل في قلبي هموم جيل بأسره؟ أنا المغرور القلق المتقلب المزاج؟ "لا تتعب عقلك في تفسير كل شيء . أنت حصان هرم من بلد متأخر ، فقد أراد القدر أن يصيبني بحبك. هذا كل ما في الأمر . تذكر قول شكسبير . كيوبيد طفل عفريب . ومن عفرتته أنه أصاب قلبي بحب طامة كبيرة مثلك " وتضحكين ، ويقع شعرك الذهبي على وجهك فتردينه بيدك ، ثم تضحكين ضحكتك التى تحاكي رنين الفضة. وذهبنا الى مطعم صيني واحتفلنا ، وكنت نسيت أن اليوم هو يوم ميلادي . أنا لا أحتفل بأمسي ولا بيومي وأنت تحتفلين بكل شيء . أنت تذكرت فأحضرت لي ربطة العنق القرمزية هذه . كم أحبك لأنك وضعتها بين متاعي .

    عزيزتي ايلين
    هذه هي الليلة الأولى بدونك....منذ عام. منذ عام كامل ، ثلاثمائة وخمس وستون ليلة وأنت تشاركينني فراشي ، تنامين على ذراعي ، تختلط أنفاسنا وعطر أجسادنا، تحلمين أحلامي، تقرأين أفكاري ، تحضرين إفطاري نستحم معا في حمام واحد ، نستعمل فرشاة أسنان واحدة، تقرأين الكتاب وتخبريني بمحتواه فأكتفي بك فلا أقرأه . تزوجتني, تزوجت شرقا مضطرا على مفترق الطرق، تزوجت شمسا قاسية الشعاع ، تزوجت فكرا فوضى وآمالا ظمأى كصحارى قومي. الليلة الأولى عداك، يا طفلة من ابردين – وضعتها الأقدار في طريقي. تبنيتك وآخيتني. "يا أختاه و يا أختاه" . البدلة الرمادية التي تؤثرينها – "ثلاثة بدل أكثر من الكفاية. رجل متزوج يقضي شهرا مع أهله . لن يحفل بك أحد ، ولن تهتم بك صبايا بلدك ، ولا حاجة بك الى هندمة نفسك والاعتناء بشكلك . ومهما يكن فان شكلك لا تجدي معه هندمة . إذهب وعد الي سليما : إذا ضحكت لك منهن فتاة فكشر في وجهها" . إطمئني فلن تضحك لي فتاة . أنا في حسابهن كنخلة على الشاطيء اقتلعها التيار وجرفها بعيدا عن منبتها . أنا في حسابهن تجارة كسدت ، لكن ما أحلى الكساد معك.

    الليلة الأولى بدونك ، وبعدها ليال ثلاثون كمفازة ليس لها آخر. سأجلس على صخرة قبالة دارنا وأتحدث اليك . أنا واثق أنك تسمعينني. أنا واثق أن الريح والكهرباء التي في الأثير والهواجس التي تهجس في الكون ، سترهف آذانها ، وتحمل حديثي إليك . موجات هوى من قلبي تستقبلها محطة في قلبك . حين تنامي مدي ذراعك حيث أضع رأسي على الوسادة ، فانني هناك معك. حين تستيقظين قولي" صباح الخير" فانني سأسمع وأرد . أجل سأسمع . أنا الآن أسمع صوتك العذب الواضح تقولين لي:أسعد في عطلتك ولكن لا تسعد أكثر مما يجب. تذكر أنني هنا أتضوى وأنتظرك. ستكون مع أهلك فلا تنس أنك برحيلك ستتركني بلا أهل".

    أتم الخطاب وثناه أربع ثنيات ووضعه في الغلاف ، ثم كتب العنوان. ورفعه بين أصبعيه وتمعنه طويلا في صمت كأن فيه سرا عظيما. نادى أخاه الصغير وأمره بالقائه في البريد. مرت بعد ذلك مدة لم يعرف حسابها ، لعلها طالت أو قصرت ، وهو جالس حيث هو لا يسمع ولا يرى شيئا. وفجأة سمع ضحكة عالية تتناهى اليه من الجناح الشمالي في البيت . ضحكة امه . واتضح لاذنيه اللغط ، لغط النساء اللائي جئن يهنئن أمه بوصوله سالما من البلد البعيد . كلهن قريباته . فيهن العمة والخالة وابنة العم وابنة الخالة. وظل كذلك برهة. ثم جاء أبوه ومعه حشد من الرجال. كلهم أقرباؤه، سلموا عليه وجلسوا. جيء بالقهوة والشاي وعصير البرتقال وعصير الليمون. شيء يشبه الاحتفال. سألوه أسئلة رد عليها، ثم بدأوا في حديثهم الذي ظلوا يتحدثونه طول حياتهم, وشعر في قلبه بالامتنان لهم انهم تركوه وشأنه.

    وفجأة تضخمت في ذهنه فكرة ارتاع لها. هؤلاء القوم قومه، قبيلة ضخمة هو فرد منها. ومع ذلك فهم غرباء عنه. هو غريب بينهم. قبل أعوام كان خلية حية في جسم القبيلة المترابط. كان يغيب فيخلف فراغا لا يمتليء حتى يعود. وحين يعود يصافحه ابوه ببساطة وتضحك امه كعادتها ويعامله بقية أهله بلا كلفة طوال الايام التي غابها. أما الآن، أبوه احتضنه بقوة وأمه ذرفت الدموع وبقية أهله بالغوا في الترحيب به هذه المبالغة هي التي أزعجته. كأن احساسهم الطبيعي قد فتر فدعموه بالمبالغة "طويل الجرح يغري بالتناسي", وسمع صوت ايلين واضحا عذبا تقول له وهي تودعه: "أرجو من كل قلبي أن تجد أهلك كما تركتهم ، لم يتغيروا. أهم من ذلك أن تكون أنت لم تتغير نحوهم". آه منك يا زمان النزوح!
                  

08-27-2003, 11:12 AM

nazar hussien
<anazar hussien
تاريخ التسجيل: 09-04-2002
مجموع المشاركات: 10409

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: WadalBalad)



    هذه من اعقل ما قرأت
    فوجود قامة مثل الطيب بداخل الوطن ولو لبعض حين مطمئنا مواطنا سالما
    هو مفخرة للوطن

    ولكن عودة الطيب صالح لبلاده حدث مهم، ولا يمكن ان يحدث بمبادرة فردية منه ـ وعليه فانني اقترح من هذا المنبر علي وزير الثقافة ان يسافر بنفسه الي العاصمة البريطانية لندن لتوجيه الدعوة الي الطيب صالح واصطحابه معه شخصيا الي الخرطوم، وترتيب استقبال لائق له ـ وقبل هذا ينبغي علي الحكومة تخصيص مسكن ملائم للأديب الكبير يكون مقرا دائما له ولاسرته في الخرطوم. ذلك انه من العيب الا يكون لهذا الاديب الرمز مسكن يؤويه في عاصمة بلاده، وان يقيم في الفنادق حين يزورها شأنه شأن السياح الاجانب.
    حكومتنا لها كرم حاتمي حين يتعلق الأمر بتخصيص المساكن للوردات الحرب وغيرهم من محترفي السياسة والابتزاز. ويبدو ان الحكومة عندها فائض من المساكن من بيوت الاشباح تضعها تحت تصرف المجانين اياهم الذين اذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون. وقد سمعت من الدكتور محمد عثمان الأمين السابق لمنظمة الدعوة الاسلامية، والدكتور عثمان عبد الوهاب، وزير الطاقة الاسبق، انهما اعتقلا العام الماضي في منزل فخم في حي العمارات الراقي، وان المنزل كان من الرحابة بحيث ان ايا منهما لم يعلم بوجود الآخر فيه رغم بقائهما في نفس المنزل لأكثر من شهرين.
    وانا أقترح ان يتم نزع هذا المنزل من الجهة التي تسيطر عليه، ووضعه تحت تصرف الاستاذ الطيب واسرته يحلون فيه متي ما شاءوا. وهذا قليل مما يستحقه الأديب الذي رفع اسم السودان عاليا في كل محفل، وتحتاج البلاد الي وجوده فيها ليثري الحياة الثقافية ويعطي القدوة والأمل للاجيال القادمة من الادباء والمبدعين. فهلا تحرك العقلاء والمتعقلون لتدارك الأمر واصلاح الخلل عاجلا لا آجلاً؟


    نقلا عن مقال الافندي
                  

08-27-2003, 02:19 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: nazar hussien)

    أخي نزار
    سلامات
    معك حق كلام جميل لكن أستاذنا أعقل من أن ينساق ورائها وهؤلاء لا ضمان لهم وقد قالها الأفندي وهو بلا شك ليس (شيوعيا) ولا يستطيعون إلباسه احد الوصفات الجاهزة تلك

    Quote: جاءني بيتر ذات يوم في السفارة يطلب تأشيرة لزيارة الخرطوم بغرض اعداد دراسة كلفته بها حكومة النرويج حول جدوي استمرار التعاون بين جامعة الخرطوم وجامعة بيرغن. وبالفعل قمت خلال دقائق باستخراج تأشيرة دخول مجانية للدكتور، وهو ما يستحقه بحكم الاستاذية ان لم يكن لمهمته النبيلة. وبعد ايام كنت اتحدث هاتفياً مع احد الوزراء الذي قال لي بكل استخفاف وسخرية: هل تدري ما فعلنا باستاذك اليوم؟ لقد منعناه من الدخول واعدناه علي نفس الطائرة التي جاء بها!
    صعقت من هول المفاجأة وقلت لصاحبي هل تدرون ما فعلتم؟ وحاولت تدارك الأمر ولكن الكارثة كانت قد وقعت. ونتيجة لهذا العمل الأحمق، أغلقت الدنمارك (وكانت الدولة الاسكندنافية الوحيدة التي لها سفارة في الخرطوم) سفارتها، وقطعت جامعة بيرغن صلتها مع جامعة الخرطوم. كل هذا لأن أحد المجانين أراد التشفي في شخص لم تعجبه تعليقاته في الاذاعة البريطانية! ووجدت نفسي بعد ذلك في موقع عقلاء الطيب، مطالبا بلملمة آثار الكارثة وانقاذ ما يمكن انقاذه.
    ملخص الأمر ان الطيب كان محقاً في تخوفه من المجانين واعمالهم.


    اللهم شهد شاهدا منهم

    أبا
                  

08-31-2003, 03:20 PM

aba
<aaba
تاريخ التسجيل: 03-06-2002
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)

    الأديب العالمى الطيب صالح فى حوار للمحايد

    أجرى الحوار : فتح الرحمن محمد يوسف محمد خير عوض الله
    ذا ما ارتحلت في فجاج الأرض وتعرفت على شعوب الدنيا عن قرب فيما وراء البحار والمحيطات بعيداً عن نيل الخلود رابط الإلفة بين نخيل الشمال وأبنوس الجنوب .. ولشهدت كم من قيمة ومعنى حصدت لوجدت السودان وطن الجمال والإنسان في كل مكان وزمان يحيي الروح في منابعها بنكهة التميز والتفرد من خلال شخصيات قد كبرت نفوسها فتعبت في مرادها الأجسام .. في أمسية بلون القهوة وطعم الكاكاو كان لنا لقاء مع الأديب العالمي الأستاذ الطيب صالح بفندق قصر الرياض بالعاصمة السعودية الرياض منتهزين فرصة تواجده مشاركاً في مهرجان الجنادرية السعودي رقم (1 ... استرحنا في رحابه المزدان بلآلئ الكلم ودرره .. وفيه شهدنا ملامح السودان الحبيب بحر من الود والصدق والأدب والتواضع الجم .. مدرسة من المعرفة تسعى على قدمين ... أديب شهد له العالم أجمع بأنه أحد أفضل مائة أديب عالمي على مر الأزمان والعصور جنباً بجنب مع تولستوي وجاكيز وشكبير ... كتبت روايته ( موسم الهجرة إلى الشمال ) في عشرين لغة كما كتبت ( عرس الزين ) في خمس عشرة لغة .. اعتراف بها يؤكد أنها من كنز أدبي عميق الفكرة والتجربة نتعرف بعض أفكاره الأدبية والسياسية لبلد من أغنى دول العالم لو تركه أهل الخصام السياسي من حزبيين وعساكر كي لا يكون حائراً بين الوحدة أو الانفصال .. ! مع أديبنا الطيب صالح في بعض محطات فإلى هذا الحوار الذي نرجو قد وفقنا فيه برغم ضيق مساحة الزمان . ü الرواية كضرب من ضروب الإبداع .. أثبتت أنها من أكثر أنواع الأدب تجسيداً لرسالة المجتمع في الحياة وأمتعها لرغبة الإنسان الفنان .. تعبيراً لا تترجمه الموسيقى ولا القصيدة .. والسؤال .. هل يمكن أن تصل الرواية العربية درجة الموسيقى في عالميتها في ظل تطور عالم التراجم لتصل كل جنس ولون من البشر ؟ ـ قضية العالمية .. قضية معقدة ودائماً حينما أسأل هذا السؤال أجيب بأننا نحن نخاطب بني قومنا وقناعتي من غير تواضع أنه إذا قرأت للمنطقة العربية أشعر بأنني عالمي .. بعد ذلك .. يأتي اهتمام الثقافات المختلفة بنا ولها أن تختار من تراجمها ما فيه ملامح وعناصر قد تساعدها على فهم ثقافات وشعوب الآخرين أو أشياء إنسانية قد تكون مشتركة .. وذلك لأن الأدب يصل في النهاية إلى أسس مشتركة بين الناس وهذا مهم جداً .. فنحن نقرأ لأدباء روس وألمان وإنجليز وفرنسيين .. الخ لقناعتنا أن الطموحات الإنسانية والعلاقات العائلية والصراعات الموجودة عناصر مشتركة بين الأمم ، ولذا لا ينبغي أن ننشغل بمسألة العالمية .. ولا يمكن أن أتصور شخصاً يريد أن يكتب رواية بالإنجليزية أو الفرنسية ليخبر عن بيئته أو مجتمعه وثقافته لأن تلك أشياء متروكة لخيار الشعوب .. غير أن الأدب العربي قديمه وحديثه وحتى الشعر الجاهلي الذي تم ترجمته يدل على أنه عالمي .. وقد وجد في الشعر الجاهلي قيم وأشياء معاصرة يفهمها الغرب . ü .. « مقاطعاً» .. ولكن في بيئتنا أو العربية ما يدعو العالم الغربي والذي يختلف في حضارته وبالأخص في عصر العولمة والتكنولوجيا أن يلتفت إلى ما تنقله الموسيقى العربية المكتوبة .. أقصد الرواية والتي غالباً ما تحمل صفات بيئتها ومجتمعها ؟ ـ في حوار سابق أجراه معي صحافي ألماني إبان تواجدي في ألمانيا العام الماضي .. سألته وقلت له أنت ألماني وأنا سوداني أكتب من وحي بيئتي السودانية فما الذي يحملك على التعرف على أدب يتكلم عن قرية سودانية .. فقال لي إن الناس ملّت واستهلكت الأدب الأوروبي ولم يعد بالشيء الممتع والجديد فلذا يطلب أن يتعرف على ثقافة وحضارة أخرى ؛ لأن الأدب الأروربي لن يخرج على أنه يحكي عن مشاكل شخصية مثلا طلاق امرأة أو زواج أخرى وهلم جر، مؤكدا أنه يجد في ثقافتنا وأدبنا وبيئتنا أشياء يكاد ينساها أو بالأحرى يفقدها مبيناً أن في بيئتنا المساحة الأدبية كاملة الصورة وهو يقول بأننا نرسم على لوحة واسعة نالت اهتمامهم وحبهم من خلال اطلاعهم على الأدب العربي . ü ... نعود إذن لسؤالنا الأول .. هل يمكن للرواية العربية لطالما هي بهذا الثراء ... أن تكون بمستوى الموسيقى في عالميتها ؟ ـ .. لا شك الموسيقى لغة عالمية تستطيع أن تدخل أذن أي مستمع أياً كانت لغته وجنسيته .. وقد تصل الرواية العربية لهذا المستوى إلا أن المعروف أن الموسيقى أسهل انتشاراً لأنها لا تحتاج أي لغة بعينها ولا ترجمة تحمل معانيها ولكن هي الأخرى لها معضلة أيضاً تواجهها فليس مثلاً بالضرورة أن تصل الموسيقى الأوروبية الكلاسيكية إلى كل أذن ومستمع وذوق فهناك من لا تروق له هذه النوعية من الموسيقى . لكل إبداع طريقته في الوصول للمتلقي .. .فالفن والرواية يصلان عن طريق الخيال والرسم يصل عن طريق العين والموسيقى تصل عن طريق الأذن . فالسمع يحرك الخيال وتأتي الصور على أثره وهنا يتعامل الإنسان معه بشيء من ذاته .. فهي عملية معقدة ولكنها تفترض إمكانية الوصول إلى الآخرين . ü عالمية الرواية العربية ساهم في صنعها أدباء كبار وأصحاب فكر ثاقب .. هل بالإمكان ونحن نتكلم عن الطيب صالح أن ينقل العادات والتقاليد السودانية متجذرة الحضارة والتاريخ للعالم لتخبره أن السودان كجزء من العالم جدير بالاهتمام والتقدير ويجب أن يعامل كوطن صاحب حضارة وتاريخ ساهم في تأصيل الإنسانية كقيمة نبيلة ؟ ـ .. « ملوحاً برأسه » .. هذا سؤال مرتبط بدور الفن والثقافة على وجه العموم وليس الرواية فقط فيما يختص بتقديم السودان للعالم ... وهناك أناس كثر ساهموا في هذا الصدر فمصلاً الفن التشكيلي ولحسن الحظ قام بدور كبير من خلال فنانين كبار كإبراهيم الصلحي وشبرين وعثمان وقيع الله وغيرهم وهؤلاء عرض لهم على مستوى عالم فمثلاً إبراهيم الصلحي عرضت له أعمال في نيويورك وألمانيا ولندن وكذلك راشد دياب فنان كبير ليس لأنه فقط يرسم ولكنه مؤمن بأنه يوصل هذا للآخرين .. على صعيد الموسيقى نجد أن الموسيقى السودانية تجد قبولاً لما تحتوي من أسرار فنية مفهومة للعالم .. فالموسيقار علاء الدين حمزة معروف جداً في أميركا وفي غيرها يعتبر من الأساتذة كما يعرف في سان فرانسيسكو ونيويورك .. في التاريخ هناك شخصيات سودانية من المؤرخين الذين ساهموا في بناء المجتمع العالمي دولياً .. على سبيل المثال أنور مكي عباس وقد كان أمين عام مساعد للأمم المتحدة وكان له دور في الكونغو كما كان مساعد المدير العام للمنظمة العالمية للزراعة والأغذية «الفاو» ... عمر عديل كان أقرب ما يكون رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة .. كامل إدريس أمين عام منظمة الملكية الفكرية إحدى منظمات الأمم المتحدة .. في جامعات العالم هناك أساتذة سودانيون فمثلاً في أوسلوا في النرويج هناك أستاذ جامعي يُدْعَى العدكي وهو يدرس الإدارة للنرويجيين لأحد أرقى شعب وبلاد في العالم وليس هذا فقط وإنما صار من خبراء اللغة النرويجية ... فالسودانيون انتشروا شرقاً وغرباً يحملون لواء العلم ولحسن الحظ كلهم خير أمثلة على ما ذكرته .. وهذا كله يصب في خانة الجهد الثقافي والحضاري كنهر كان مسدوداً ففتحوا له الدرب .. ولكن لسوء الحظ أن فترة النظام القائم من تاريخنا كانت تمثل ردة لأنها أغلقت هذه الأبواب والنوافذ بل بدأ الناس يأخذون فكرة على أننا لا نملك مساهمة في سوق الأفكار العالمي .. فلا بد أن نساهم ولنا القدرة ولكن هذا مرتبط بما يحدث في البلاد . ü . . « مقاطعاً » .. أنت تتحدث عن أشخاص ولكن ماذا تقول عن الحضارة السودانية ككل ؟ ـ الحقيقة نحن لسنا مدعين حضارة بل نحن أصحاب حضارة عريقة ... هناك شبه اتفاق عالمي بأن الحضارة السودانية القديمة ليست زيلاً ولا ظلاً للحضارة المصرية القديمة ولكنها موازية لها وقد كان هناك تفاعل بين الحضارتين بمعنى أننا أعطينا الحضارة المصرية بقدر ما أخذنا منها .. ولذا أستغرب عندما أسمع أن الحكومة الحالية تدعو لتوجه حضاري ولا أفهم ماذا يعنون ؟ لأنه ليس من الصعب أن يكون لنا حضور قوي ومؤثر في المجتمع الدولي وليس من حق أحد أن يدعي أنه زعيم إسلامي للعالم كله أو حتى للقرن الإفريقي أو مركز تحالف للمنطقة .. فنحن عندنا ما يكفينا عن الادعاءات قبل 7 آلاف سنة قبل الميلاد . ü .. طالما السودان بهذا الثراء الحضاري والثقافي ولطالما الأديب السوداني يتنفس الإبداع رواية وقصيدة وكلامه درر .. لماذا إذن هذه النظرة الدونية وبخاصة من بعض الأشقاء العرب للإنسان صاحب حضارة .. يعتز بأفريقيته وبسمرته .. لماذا يسأل إليه حتى في الدراما يكون دوره هامشياً ويبدل لونه بلون الطين والبن ؟ ـ « فاقعاً ضحكة مجللة » .. نحن نكتسب هويتنا وإحساسنا بأنفسنا مما نعتقد بأنه حقيقي .. نحن يا أخي لا نكتسب هويتنا من الآخرين بما يعتقدون .. فأنا أقول عربي لقناعتي التامة بأنني عربي بل أحمل أشياء إضافية لا توجد في غير السوداني كما يقول الشاعر صلاح أحمد إبراهيم .. نحن عرب وزيادة .. والزيادة هذه « ضاحكاً» يمكن أن تكون هي التي عملت فينا العمائل ولكننا يمكن أن نقول كل عربي هو عربي وزيادة « ضاحكاً» .. فالعرب الأقحاح قليلون جداً .. ففي الشام منهم من ينعت نفسه بالقومية العربية ولكن ليست دماؤه عربية خالصة وليست بأكثر منّا عروبة .. فلقد اختلطت دماؤهم بالدماء الأوروبية والأسيوية .. أما لماذا نحن سمر ؟ فنحن أيضاً أفارقة نعتز بأفريقيقتنا وبسمرتنا مع أنه لم تعد الألوان هذه مهمة في الدنيا الآن ... ومنهم من يقول أن اللون الأسود جميل وأنا اتفُق تماماً معهم وهذا معمول به مع زنوج أميركا .. أما كون أن العرب يعرفوننا أم لا فالعرب أنفسهم تجد أن بعضهم لا يعرف نفسه ففي مصر مثلاً وهي بلد ثقافة وصحافة قديمة وتنشر فيها وسائل الاتصال تجد أن بعضهم لا يعرفون عن إنسان الصعيد شيئاً والعكس قد تجده ولكن دعنا نهتم بأنفسنا ونثق في اعتقادنا وهويتنا بما عندنا من إرث حضاري وثقافي لا يستهان به لنمضي به دون توقف وحتما سوف يعرفنا الآخرون طال الزمن أم قصر ... ü في لقاء تلفزيوني سابق .. ذكر الشاعر عبد الرحمن الأبنودي أن الود الموجود في الشعر الغنائي السوداني يكفي نشر الحب والصدق في بلاد العالم أجمع بيد أنه مغلق ومقيّد وغير معروف الشيء الذي يحذ في نفسه كثيراً .. ما تعليقك ؟ ـ من يحجب نفسه عن الغناء السوداني فهذه مشكلته هو والأبنودي نفسه عندما هاجر إلي القاهرة صارع مدة طويلة لكي يثبت نفسه وهناك كثيرون يشكون من عدم الاهتمام ... فنحن شعرنا الدارجي وغناؤنا كله ما زال يسافر إلى أذان الآخرين ولكن لماذا نحن مشغولون برأي الآخرين حينا فدعنا نركز على جمهورنا خاصة وأن الدنيا الآن عيونها مفتوحة وتهتم بالآخر بسبب ما ذكره لي الصحافي الألماني فالناس ملوّا ما عندهم فدعهم يبحثون عن الآخر .. فالكاتبة الهندية (أرونداتي روى) من(كرالا) لم تكن معروفة من قبل سنتين فقط وبفضل رواية كان بالإمكان أن يكتبها وبها نالت أهم جائزة إنجليزية تسمى بوكر رايس وبين عشية وضحاها اشتهرت ولم تقل إني أحدثكم عن الهند وعن كرالا ولكنها برغم ذلك نالت حب الناس وانتشرت روايتها .. كذلك الكاتب النيجيري (جين وأجيبي) فهو من كبار كتاب الرواية في العالم لأنه كان يشتغل بالإذاعة النيجيرية وعندما كتب نصاً لرواية قدمه لرجل إنجليزي أنا أعرفه كان مسؤولاً عن التدريب في BBC هيئة الإذاعة البريطانية فعندما قرأها وجد عملاً جميلاً فساعده على نشره وهذا العمل هو الآن المشهور تحت اسم « أشياء تتداعى» «THINGS FOUR APARE» .... فالعالم يتحرك نحو التآلف والتقارب .. ü .. نحن في السودان ما زلنا نعيش على بعض الأدب القديم ... فهناك ندرة في الإنتاج الأدبي الشبابي الجديد .. هل هذا نتاج فجوة وعدم تواصل بينكم كجيل أدبي ساهم في صنع مجد الأدب القديم وبناء الجيل الجديد أم أن هناك ضحالة ثقافة ... ماذا تعتقد السبب ؟ ـ .. الأسباب حقيقة كثيرة ومعقدة لكن أهمها غياب دور الدولة عن الاهتمام بالثقافة إضافة إلى ندرة وسائل ودور النشر والتوزيع ولكن حسب علمي بدأ الأدب الشبابي ينتشر وهذا يحتاج إلى صبر ووقت .. ü .. « مقاطعاً » .. على ذكر الثقافة .. الخرطوم تعد لعاصمة الثقافة بحلول عام 2005 م .. هل الخرطوم مؤهلة لتقوم بهذا الدور ..أم هناك معوقات ترى أنها تحول دون ذلك؟ ـ .. هذه الفكرة من أساسها ظهرت في اليونيسكو لتحريك أشياء ترقى لذوق الإنسان بمختلف العواصم وليس بالضرورة أن تكون صحافة متقدمة أو نشر متقدم أو مسرح متقدم ... الخ.. وأي دولة حينما تختار عاصمة للثقافة على مدى عام فمن طبيعة الحال يقوم المسؤولون ببذل جهد مقدر ينتج عنه تحريك للأشياء الراكدة وقد تظهر أشياء جيدة تكن معروفة من قبل ..ولكني أرى أنها مؤهلة وزيادة لأن كثير من العواصم التي أقامت ثقافتها لم تكن بأحسن منها بكثير ذلك لوجود كل عناصر وخامات العمل الثقافي . ü لماذا لم يكن صلاح أحمد إبراهيم بنفس الحجم الذي حققه بعض الآخرين في العالم العربي من شهرة على قدر قيمته الأدبية ؟ ـ يوجد أناس كثيرون يعرفون صلاحاً بخاصة المهتمون بالشعر منهم ولكن لأن يكون مشهوراً بمستوى أحمد عبد المعطي حجازي الفرق يكمن في قدرتنا على التسويق والإعلان عن أنفسنا وعما عندنا وأظن هذه أهم السمات التي تميز المبدع السوداني لا يعرف أن يقول للناس تعالوا لتعرفوا من نحن وماذا عندنا .. فمن بين ما أنجب السودان البروفيسور عبد الله الطيب نسأل الله له الشفاء من علماء اللغة العربية المعدودين في العالم ولعله أكبر عالم في هذا المجال على نطاق العالم في هذا الزمان . والمهتمون باللغة العربية يعرفون ذلك ولو كان هذا الرجل العالم في بلاد أخرى لكان فلكاً يدور حوله الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ولحصد أعظم جوائز العالم ... هكذا يكون العالم السوداني ... ومن بين الحضور حولي أحد علماء اللغة العربية من موريتانيا يسمى محمد سالم ود عدود لا يعرفه أحد حتى الآن .. ü .. ومع ذلك تحتاج إلى دليل لتثبت أنك عربي ! ـ « يفقعها ضحكة مجلجلة » .. إذا أحد لم يقبل بأنني عربي عله ما قبل فأنا لا أحاول إرضائه ولست أنا عربي لأجل خاطره لكنني عربي في ذاتي وهؤلاء عرب في ذواتهم .. ü ذكر لي البروفيسور الحارث أن الشاعر صلاح أحمد إبراهيم عندما سافر إلى فرنسا تعلم لغتها وكتب بها بعض إبداعها ما لم يستطع أن يكتبه بلغته الأم .. فهل يمكن للأديب أن يكتب باللغة الأجنبية بأكثر ماكتب بلغته الأم ؟ ـ والله ... هذه قضية كبيرة ولكن أنا شخصياً لا أكتب بالإنجليزية إلا نادراً جداً فأنا أهتم وأحب أن أعبر بلغتي الأم لأنها مرتبطة بكل التراكم الوجداني ما أستطيع أن أكتب بالإنجليزية لأن لغتي فيها كلمات وعبارات مشحونة بالمعاني وتلبي طلباتي .. أما صلاح حسب معرفتي به فهو لا يحتفي بأنه كتب بالفرنسية لكنه كان شاعراً سودانياً خالصاً عشق العربية فكتب بها أجمل ما يكتب مبدع ... ü .. سبق أن سألت بروفيسور عبد الله الطيب عن ماهية الملكية الفكرية فقبل أن يجيبني أعطاني كتاباً للكاتب الليبي دكتور نعيم فأخبرني بأنه جاء على نسق كتابه (حقيبة الذكريات) بل صورة منه لم يضف مؤلفه غير استبدال معلومات البروف بمعلوماته الخاصة والتي تتعلق بالبيئة والمجتمع.. وبروفيسور عبد الله والذي تسلم الكتاب هدية من الكاتب الليبي يحزّ في نفسه أنه لم يتطرق حتى بإشارة إلى ذكر اسمه بالشكر ناهيك عن الاستئذان مسبقاً ... لكنه لأنه رجل عالم متواضع تغاضى عن هذا الأمر .. ماذا تقول عن حقوق المؤلف والتعدي الظالم برغم نشوء منظمة للملكية الفكرية .. ؟ ـ ... حقيقة هذه مأساة أدبية وخطيرة وانتهاك حقوق المؤلف يحدث دائماً في عالم تسوده الفوضى في غياب احترام القانون ولكن يبدو لي وبعد أن قامت منظمة الملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة « وايبو» والتي يقودها العبقري السوداني الدكتور كامل إدريس له محاولات جادة بمقابلة رؤساء الدول وحث الناس على احترام حقوق المبدع مهما كان مجاله لأن هذا حق .. حتى لا يتكرر ما حدث لبروفسير عبد الله الطيب . ü ... نعود إلى الرواية كضرب من ضروب الإبداع وندخل في بلاط الطيب صالح الأدبي .. فأنت كأديب عالمي تكتب وكتبت الكثير في هذا الصدد .. نسمع أن رواياتك كتبت بأكثر من 40 لغة .. ما حقيقة ذلك ؟ ـ .. صراحة .. « لا » لم تصل اللغات التي صدرت بها رواياتي هذا العدد .. ولكنني أقول إن رواية موسم الهجرة إلى الشمال .. وأنا لا أحب أن أتكلم عن ذلك وأعتبره لكأنه زهو .. لكن موسم الهجرة إلى الشمال ترجمت إلى عشرين لغة على وجه التحديد أما رواية عرس الزين ترجمت إلى تقريباً 15 لغة .. الله أعلم .. ü .. « مقاطعاً » . في روايات الطيب صالح ... ياترى شخصيات الحوارية .. مثلاً كشخصيات موسم الهجرة إلى الشمال .. هل لامستها في المجتمع السوداني .. بت مجذوب تشعل سيجارتها في مجتمع الرجال .. ثم تقعد . . ومايدور من حوارات .. في الريف الشمالي السوداني ؟ ـ هذه قضية تتصل بواقع الأدب .. فأنا لا أكتب أدباً واقعياً .. وحقيقة لم أقابل امرأة كبنت مجذوب .. « ضاحكاً» .. أنا دائما أقول لاأنتظر إلى أن يتحول الواقع إلي حلم وأكتبه والقاريء يعرف أن هناك موازيات في الواقع للأشياء وهذه هي الطريقة التي يعمل بها الفن والأدب ولكن الجواب عموماً .. ليست الشخصيات واقعية . ü .. « مقاطعاً» .. لكن هناك قول سائغ يقول أنك كنت مصطفى سعيد في كثير من فصول الرواية .. ماذا تقول ؟ ـ أعتقد .. « ضاحكاً » .. أي أحد متلقي لأدب يعرف علاقته بالواقع .. وأنا لو أردت أن أكتب عن سيرة حياتي لفعلت ولقلت للناس هذه سيرة حياتي . ولكن هذه الرواية .. وواضح أن مصطفى سعيد لا يمكن أن يكون واقعياً ولكن هناك قد يكون بعض الملامح قد توجد في المجتمع ... ولكنني أؤكد لست بمصطفى سعيد . ü ... الآن ... دعنا .. ندلف إلى السياسة ونتحدث عن الوضع في السودان .. فالحقيقة قد سبقتنا أجيال وطنية ناضلت وكافحت من أجل سودان مستقل موحد .. لطالما يجلس على بركة من البترول ويضم جبال من المعادن ويمتد على أخصب أرض في الدنيا يحرسها أعذب نيل ويسقيها الخريف ماءاً زلالاً .. وعليه تسعى ثروة حيوانية هائلة » .. تظللها ألفاف من النبات والغاب .. ومع هذا الثراء ما نزال نعيش جوعاً وفقراً ومرضاً وعناء وشقاء بحكم الفقر السياسي واللاوعي الوطني الذي اتسمت به الحركات والأحزاب السياسية منذ عهد الاستقلال وإلى يومنا هذا .. والسؤال .. متى وكيف ينعم الشعب السوداني بوطن يجمع كل عناصر التنمية والرفاهية الطبيعية والبشرية ؟ ـ .. هذا سؤال مهم جداً .. ويجب على المتطلعين إلي الحكم أن يتأملوا في مثل هذه الأسئلة .. نعم .. لماذا نحن منذ بزوغ فجر الاستقلال وإلى يومنا هذا في تراجع يوماً بعد يومٍ مع أننا والحق يقال أن الإنجليز تركوا لنا بنية تحتية كان بالإمكان البناء عليها .. فقد تركوا لنا شبكة مواصلات .. تعليم يضرب له المثل .. خدمة صحية .. فأنا كتربال أقول إن السبب هو الصراع بين طلاب الحكم .. لم يؤد إلى نتيجة عند ثلاث تجارب كل واحدة أرادت أن تحدث تنمية بشكل قسري .. التجربة الأولى هي تجربة الرئيس عبود وهي أخف ضرراً لأن الناس القائمين على أمرها خصوصاً عبود .. أناس عقلاء .. صحيح أنهم حدّوا من الحريات ولكنهم احترموا الناس ولم يهينوهم ... ثم جاء نميري عفا الله عنه ولم يستقر على مبدأ .. فمرة اشتراكية ومرة قومية .. ووصلوا إلى درجة من الإفلاس الفكري الكامل لم يستطيعوا بعدها تحقيق تنمية ما عدا بعض المشاريع بيد أنهم لم يحترموا طموحات الناس والسودان معروف أنه إذا عنده شيء واحد هو عشقه للحرية والكرامة لكنهم أزلّوا الناس ... بعدهم جاء النظام القائم الآن وأنا لي رأي معروف فيهم وللأسف جاءوا باسم الإسلام ومشوا على نفس الدرب ولم يفهموا خصوصية الشعب السوداني وتقدير الأشياء الكثيرة النادرة التي كان من المفترض الحفاظ عليها .. وكما رحل السابقون سيرحلون ولكنهم سيتركون كغيرهم إرثاً ثقيلاً . ü أنت تتحدث عن الحكومات العسكرية فقط ولكن إذا سألنا أنفسنا دون أن نبرر الأسباب لماذا ينقلب الجيش على الحكومات المدنية الحزبية .. مع أن السودان مر بثلاث تجارب ديمقراطية لكنها كانت فاشلة ولم تستفد من بنية تحتية قلت قد تركها الإنجليز .. وكان يجب أن نعمل بحكمة النبي صلى الله عليه وسلم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين » ولكن للأسف الشديد ظللنا ننتظر الديمقراطية المصدرة من الغرب والتي يحرسها بالتهديد الاقتصادي والثقافي والسياسي الذي يبيع لنا الحرية بالاستعباد ورهان الإرادة ... أعود فأقول ثانية لماذا لم يدركوا هؤلاء المعنيون المسؤولية لبناء سودان آمن غني بأهله وبموارده ولمسح بعض آلام الشعب المزمنة بسببهم لا بغيرهم ؟ ـ ... بكل صراحة .. هذا الكلام فيه كثير من الصدق .. وهذا السؤال مهم جداً جداً .. وحقيقة يجب على الأحزاب أن تكون أكثر صدقاً ووطنية وليسأل كل منهم نفسه لماذا لم يشهد السودان استقراراً أمنياً ولا اقتصادياً ولا سياسياً منذ استقلاله في 56 إلى يومنا هذا ولكن يجب أن يتذكروا أن بناء نظام ديمقراطي مستقر من أصعب الأمور وأكثرها تعقيداً ويحتاج إلى التزام فليس من الوعي السياسي أن يقوم عادة سياسي عندما تظهر صعوبةاستيعاب أمر ما لسحب السلطة ولو تتابعت الحكومات العسكرية تجد أنه يقوم عادة واحد مدني سياسي لم يستطع أن يحقق أحلامه وطموحاته في الديمقراطية بالاستعانة بالعساكر .. يجب أن يكون عندنا التزام ديمقراطي .. هذا أسلوب الحياة الذي ارتضيناه لأنفسنا ويجب أن نعترف أن الفترات الديمقراطية أحدثت تطوراً ولو أنه بسيط .. في التجربة الديمقراطية الأخيرة كانت حكومة الصادق تتراجع كثيراً لرغبات المواطن ولم يكن هناك كبت ولن تكون هناك بيوت أشباح والقضاء السوداني كان محترم جداً على نطاق العالم وهناك مساحة لصوت المواطن ، وهذه كلها فوائد يجب ألا نغفلها أما حكاية التنمية والرخاء ضرورية ويمكن أن نحققها فنحن نشأنا أساساً على الصبر والسودانيون سادة مصيرهم .. ولو أن الحكومات صارحت الناس وأشركتهم في الحكم وفهمتهم على أن الإنجازات لا تتم بين عشية وضحاها فنحن صبرنا على الإنجليز لماذا لا نصبر على بني جلدتنا .. ولكن حقيقة هناك تقصير وإهمال وأخطاء كثيرة نعترف بها أشغلها الحزبيون لمصالحهم بيد أن الديمقراطية هي أساس حياتنا وليست بالضرورة أن تكون على طريقة منستر المهم أن يكون الشعب حر ومشارك في عملية الحكم والبناء بشكل أو بآخر.. ü .. السودان يمر بمرحلة حرجة تكاد تعصف بوجوده .. يعيش خيار الوحدة أو الانفصال (أبغض الحلال) .. فهل هناك مشكلة حقيقية لأخوتنا الجنوبيين تصل صعوبتها لدرجة الانفصال .. ـ أنت سألتني عن شيئين دعني أجيب ... هل الجنوبيين مظالم؟ أقول نعم للجنوبيين مظالم ولكن ليست مظالم بالضرورة تؤدي إلى انفصال لأن الأمم إذا أرادت أن تبقى متحدة تستطيع أن تحقق ذلك بالصبر والمثابرة .. وأنا دائماً عندما أقابل إخوتنا الجنوبيين أقول لهم نحن أيضاً في الشمال نعاني مظالم لا تقل قسوة ومرارةعن مظالمهم ... فعندما كنت أدرس في الأربعينيات تجد في الشمال كله من وادي حلفا إلى «أدبرة» عطبرة فقط مدرسة ابتدائية في حلفا وأخرى أولية في (تنقسي) وإلى بربر قد تجد مدرسة ابتدائية واحدة فكنا مهملين ولكننا لم نأخذ السلاح ولم نتمرد ولم نطالب بالانفصال «ضاحكا» .. وبرغم لم تلبي لنا الحكومة مطالبنا إلا أننا ظللنا نتصارع معهم كمواطنين ولكن أنتم كل ما أعترتكم موجة غضب «ضاحكاً» تأخذون السلاح تذكرونا بالطفولة عندما (يزعل) الطفل يُبطل لعب .. أقول حقيقة ليس بهذه الطريقة تبنى الأمم .. وأنا قلت منذ زمن بعيد في لقاء سابق أنه إذا تأكد لنا أن الجنوبييين إنهم لا يريدون الاتحاد والعيش جنباً إلى جنب مع إخوتهم الشماليين وفضلوا الانفصال نقول لهم على الرحب والسعة فهذا حقهم فلينفصلوا ونحن سنساعدهم .. فنحن لا نريد أن نرغم إخوتنا الجنوبيين علي الوحدة فهذا خطأ ارتكبته الحكومات الشمالية الشيء الذي انتهى بهم إلى أن يشبهوننا بالبيض في جنوب أفريقيا .. فهم يقولون أن بيض شمال السودان أسوأ من بيض جنوب أفريقيا «ضاحكاً» .. وكنت أقول لهم .. يا إخوتي هذا شيء فيه كثير من الظلم والقسوة نحن ناس سودانيون مساكين في كثير من الأحياء أكثر سمرة منكم وليس من شيء يجمعنا ببيض الجنوب الأفريقي ، فالقضية هناك كمية من الحزازات ليس لها مبرر .. ولكن حقيقة الحكومات الشمالية ارتكبت أخطاءً بتعميق المسألة واعتماد حلها بالتجييش ولكن الجنوبيين أنفسهم لجأوا للتمرد المسلح كأسلوب ... ü .... « مقاطعاً » .. هل قابلت عدداً من الإخوة الجنوبيين وهل لك علاقات معهم ؟ ـ نعم .. أنا قابلت عدداً منهم ولي معرفة بونا ملوال وفرانسيس دنيق وآخرين .. ü .. « مقاطعاً » .. ما هو رأيهم ؟ ـ .. حقيقة هم أميل للانفصال للأسف .. الانفصال ليس بالشيء السهل فيه ما فيه من المشاكل الكثيرة المعقدة ومكلف جداً .. ü .. ألا ترى أن هناك قوى خفية تحرك هذه الروح الانفصالية؟ ـ حكاية القوى الأخرى التي قد لا توجد يجب ألا نضعها في الحساب لأنها أشياء خاضعة للتنبؤات التي قد تشغلنا عن الالتفات إلى تكثيف جهودنا وتشغلنا عن أنفسنا ... ü .. « مقاطعاً » .. لا بد أن نضع ما هو ظاهر من هذه الأشياء لنعرف كيف نتعامل معها وبالتالي نتجاوزها ... من رجالات الغرب جندوا أنفسهم لبناء كنائس في الجنوب وتكلفوا بكل ما تحتاج ويخطفون أطفال الجنوب بمساعدة حركة التمرد والشواهد كثيرة والهدف معروف وقرنق نفسه كان يقول إن العرب الذين أخرجهم الأوروبيون من الأندلس بعد 9 قرون من الزمان لا يصعب علينا إخراجهم بعد خمسة قرون فقط من الشمال ... فإن دل ذلك يدل على نوايا أخرى ليس لها علاقة بالمظالم التي يدعيها كل طرف . ـ .. « مقاطعاً » ... أنا لم أسمع من قرنق ما قلت فهو يقول إنه وحدوي ويطالب بسودان جديد فيه مشاركة لكل القوى السياسية وتتوزع فيه الثروة بالتساوي ... لكنه إذا أراد الانفصال لا أحد يرغمهم على ذلك ... وهناك وسائل متعددة لتحقيق مايرضي كل الأطراف . ü ... لو عدنا للحديث عن النظام الحالي ... نجد أنه بوادر دعوة لاستيعاب الأحزاب قد بدأت لممارسة نوع من الديمقراطية وإفراد مساحة للمشاركة وحرية التعبير ... فهل من مصلحة البلد أن يحدث وفاق وطني لكل القوى السياسية وذوبانها في النظام القائم من أجل استقرار ووحدة السودان أم نعيش معارضات مسلحة واستهلاك والزمن في البحث الذي لا يصل إلى نتيجة لتزيد خمسين سنة مرت جوعاً وفقراً خمسين أخرى؟ ـ النظام القائم بيده الأجهزة وأدوات القهر والتنفيذ .. فإذا هم رغبوا في جمع الشمل فليعملوا أشياءً تقنع الآخرين بحسن النية ... وأنا لست سياسي ولكنني مواطن يهمه الأمر غير أن الزعامات السياسية المعروفة إذا وصلت إلى قناعة للاتفاق أكيد سيكون ذلك أمراً مطلوباً . . . حيث إن الوطن تحدق به أخطار كبيرة قد تضعه في مهب الريح ولكن لا بد للنظام الحاكم أن يجددوا دماء العمل السياسي ويغيروا في أساس الهيكل والبناء السياسي ويغيروا من أسلوبهم ولهجتهم . ü في أكثر من عاصمة جهر علماء الدين بمقاطعة رواياتك خاصة (موسم الهجرة) بينما في بلاد عديدة أيضاً اعتمدت هذه الروايات ليتم تدريسها في مناهج الأدب والرواية .. كيف تقيم هذا التناقض ؟ ـ في الحقيقة أنا أتفهم تماماً وجهة النظر التي ترفض رواية موسم الهجرة على أساس ديني ولكني ــ مع تفهمي ـ أرى الرواية قد تحدثت عن واقع معاش وليس معلقاً في الخيال ولنا جميعاً أن نتحدث عن الواقع .. أما ترديسها بالجامعات والمدارس فأنا فخور بذلك .



                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de