‏وداعـا يا زول

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 02:31 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الراحل المقيم الطيب صالح
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-14-2009, 06:25 AM

اسعد الريفى
<aاسعد الريفى
تاريخ التسجيل: 01-21-2007
مجموع المشاركات: 6925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
‏وداعـا يا زول

    لطيب صـالح‏:‏وداعـا يا زول
    بقلم‏:‏ ســنـاء البيـــسي

    هذا القلم الأبنوسي الثمين الذي أخط به الآن من الخيال سطور هذا اللقاء الأثيري كان هدية منه في أحد اللقاءات الحميمة التي اجتمعنا فيها علي شط نيل المساء الذي أنصت من قبل لثرثرة شلة كان نجمها نجيب محفوظ‏,‏ فأوسع لنا من ضفتيه بعدها مجلسا كان درته وواسطة عقده الكاتب الروائي العربي السوداني الكبير الطيب صالح في رحلة الشتاء الموسمية إلي القاهرة‏...‏ الآن أخرجت قلمي قلمه من خزينة الكنوز لأسحب غطاءه برفق بالغ حنون كي لا أخدش رفيع القيمة والأثر لأعانق بالمداد أوراقا أسأله فيها‏,‏ وأنا أبكيه‏,‏ فيجيبني وهو من ليس معي‏,‏ لكنه أبدا سيظل معي كلما نظرت إلي النيل الذي ربط بلدينا معا منذ الأزل‏..‏ يجيبني بالصوت الخفيض البطئ الملول الذي يسكنه صوفي في القرار‏,‏ ويكسوه الشجن إذا ما تلا أشعار حبيبه أبوالطيب المتنبي‏..‏ ويخفت الصوت تدريجيا إيذانا بصمت الرحيل ليترك فراغا موحشا يذكرنا بما أصبح ماثلا علي ساحة العلاقات بين الشعبين المصري والسوداني‏..‏ شعبي وادي النيل‏..‏

    *‏ مصر يا طيب‏..‏ أين أنت منها وأين هي منك وأنت الذي لم يعش في السودان معظم أيام العمر لكنك أخذت السودان معك أينما ارتحلت‏,‏ وتحضرها معك إلي مصر بلهجتك الحميمة وأواصر محبتك؟‏-‏ مصر هي الرائد وعلاقتنا بها أعمق بكثير مما يدركه الآخرون‏..‏ ربما نحب بلادا أخري أو قد نتكيف مع بعض الشعوب‏,‏ لكن الذي بيننا وبين مصر هو الذي بيننا وبين أنفسنا‏.‏ مصر بالنسبة إلينا ليس بلدا آخر‏,‏ بل جزء من تكويننا ومزاجنا العام‏,‏ وفي رأيي أن بعض رجال الإعلام في مصر لا يدركون هذه الحقيقة فيلجأون إلي تحويل الأشياء العميقة والمتجذرة والتي لا تبدو علي السطح إلي كليشيهات‏,‏ مثلما نبسط الأمور ونقسمها إلي أصالة ومعاصرة‏,‏ وهذا في رأيي تبسيط لأمور غاية في التعقيد‏..‏ ولعلني ألاحظ أن اختلاف الشعب السوداني عن المصري يكمن في أن السودانيين لا يعبرون عن عواطفهم بصراحة مثل المصريين‏.‏ السوداني يعمد إلي مداراة عواطفه‏.‏ ثم إن السودانيين يقفون دائما مع مصر في لحظات الشدة وأوقات الأزمة‏.‏ السادات حين عقد اتفاقية كامب ديفيد‏,‏ كانت أغلبية الشعب السوداني ضد الاتفاقية‏,‏ لكن حين أحس السودان أن مصر في مأزق وبدأت تنعزل وتهاجم بضراوة هبوا لنجدتها‏,‏

    وأعتقد أن نميري حين رفض إغلاق السفارة السودانية في القاهرة قام بذلك تحت تأثير مد شعبي عارم غير مرئي وليس مجاراة للسادات‏,‏ والتاريخ قد بين أن السودان يقف إلي جانب مصر في كل مأزق‏,‏ وحين جاء الرئيس جمال عبدالناصر إلي الخرطوم للمشاركة في مؤتمر القمة عقب هزيمة‏67‏ جاء مهموما لكن الشعب السوداني وقف إلي جانبه يؤازره‏..‏

    *‏ عبرت عن استيائك من السينما المصرية في زمان الأبيض والأسود وذلك في تعاملها مع السودانيين بما لا يليق‏,‏ فلا يوجد بواب ولا سفرجي ولا خادم إلا وهو أسمر الوجه‏,‏ ولم تر واحدا سودانيا يقوم بعمل مهم‏..‏ يا طويل البال لقد تكلمت عن الكليشيهات وكان ذلك إحدي سيئاتها‏.‏
    -‏ الإحساس بالألفة بين السوداني والمصري مسألة حقيقية وهذه الألفة ليس معناها التسليم بكل شيء‏,‏ ولقد جاء جدي إلي مصر سنة‏1917‏ وعاش فيها فترة كمصري المولد‏,‏ ومن الطبيعي أن نختلف‏,‏ الإخوة يختلفون في الأسرة الواحدة‏..‏ أنا مثلا لا أحب التاريخ الفرعوني‏,‏ لكني أحب أشخاصا وأفكارا وأشياء كثيرة في مصر‏..‏ فكرة المطلق غير موجودة‏..‏ حتي عندما تحب بلدا ممكن أن تسخط علي أشياء في هذا البلد‏..‏ ناس من أهلي لا يعجبونني ليس معني هذا أنني أكره أهلي‏..‏

    *‏ يا طيب من أين جئت بالطيب؟‏!‏‏-‏ جاءتني به أمي عائشة أحمد زكريا في عام‏1929‏ بقرية كرمكول شمال السودان وكانت قد فقدت من قبلي اثنين من أبنائها فتحدت جدي وصممت علي أن تختار لي اسم الطيب‏,‏ وقالت إنها حلمت بأن النبي الخضر أعطاها خرزة زرقاء وتنبا لها بمولدي طيبا والناس في قري شمال السودان يعتقدون أن الطيب اسم تحل به البركة إذا كانت الأسرة تفقد مواليدها‏..‏ أمي كانت في السابعة عشرة عندما أنجبتني وكنت أناديها ياعشة ولم أقل لها يوما أمي‏,‏ وعندما كانت تأخذني معها إلي السوق كان الجميع يعتقدون أنها أختي‏,‏

    ومن هنا نشأت صداقة متينة بيننا‏,‏ ومازلت أذكر وجهها الضاحك وذاكرتها الحديدية حتي التسعين وشدوها بقصائد مدح الرسول‏,‏ وكانت عائلتها من قبيلة الركابيين وهم من علماء الدين الذين نشروا العلم في السودان كانت لهم خلوة مثل الكتاب في مصر‏,‏ حيث كان حفظي للقرآن الكريم‏..‏ وأثناء دراستي بلندن كنت أسافر مرتين في العام للسودان لا أفارق فيها أمي لحظة واحدة‏,‏ لكن الوقت كان دائما إلي زوال رغم جلوسي ساعات إليها‏,‏ وبرحيلها عرفت معني الخسارة وحملت أحزاني معي إلي قبرها ولم يطفئ نار حزني سوي علمي بأنها رحلت وسط نشاطها اليومي‏,‏ ومنذ ذلك التاريخ أشعر بأن الخيوط التي تربطني بالجذور تتقطع عندما يصلني خبر رحيل رجل كبير أو سيدة عجوز ممن كان تربطني بهم صلات الدم‏..‏

    *‏ حديثك الأم بينما أبوك لم يصلنا منك عنه خبر؟‏!‏
    ‏-‏ محمد صالح أحمد عائلته موزعة بين قري منطقة مروي في الدبة والعفاض‏,‏ لم يكن جبارا لكنه يمارس دوره المعهود في المجتمعات الشرقية والإسلامية‏,‏ وقد اكتشفت مع مراحل حياتي المختلفة أنه كان محبا عالما متبحرا في عذوبة العواطف‏,‏ ومن هنا أهديته كتابي الذي أسميته مريود‏,‏ أي المحبوب بالسوداني‏,‏ وعلي فكرة لن أكون مدعيا إذا ما قلت إن الكاتبة الأمريكية توني ماريسون التي حصلت علي جائزة نوبل عن روايتها المحبوب قد اقتبست عنوانها من كتابي‏,‏ ولو كنت أنا قد كتبت الرواية بعدها لكان الاتهام نفسه سيوجه لي لأن في العالم العربي عندنا مازالت الفكرة مسيطرة بأنه ليس لدينا القدرة علي الإبداع ودائما ما نقلد الغرب ونترجم أفكاره‏..‏

    *‏ نرجع للوالد محمد صالح؟‏-‏ كان الرابع في أبناء الجد الفارع الطول الضخم الجسد الذي لم يرث والدي عنه هذا التكوين‏..‏ لا أذكر يوما ضربني فيه أو أهانني أو أنزل من قدري أمام أقراني‏..‏ تعلمت أن أحبه وأحترمه لا أن أرهبه أو أخافه أو أتمني خروجه من الدار لألهو كما أشاء‏..‏ ومن هنا كانت طفولتي سعيدة‏,‏ الطفولة التي أسميتها الفردوس‏..‏

    *‏ وبقي الحنين إلي العمة والجلباب السوداني؟
    ‏-‏ ظللت علي صلتي بسوداني أترك لندن والجو الأوروبي وأعود إلي قريتي لأرتدي زيي الوطني شهرا أتمدد وآتمطي واحيا فيه‏,‏ ثم أعود إلي الغربة‏..‏

    *‏ ومكثت تكتب عن أرض المنبت والميلاد والفردوس لتقيم جسرا بينك وبين بيئة افتقدتها؟‏!‏
    ‏-‏ ظل أثر البيئة راسخا في أعماقي‏,‏ وأعتقد أن من يطلق عليه لقب كاتب أو مبدع يوجد طفل قابع في أعماقه‏,‏ والإبداع نفسه فيه البحث عن الطفولة الضالة‏,‏ وحين كبرت ودخلت في تعقيدات الحياة‏,‏ كان عالم الطفولة بالنسبة لي ملجئا أهرب إليه لأعيش متحررا من الهموم‏,‏ ذلك العالم الوحيد الذي أحببته دون تحفظ‏,‏ وأحسست فيه بسعادة كاملة‏,‏ وما حدث لي لاحقا كان كله مفتقدا لهذا التكامل‏..‏ كانت قريتي مختلفة تماما عن الأمكنة والمدن الأخري التي عشت فيها‏,‏ ولاشك أنها هي التي خلقت عالمي الروائي‏..‏ التراث موجود في دمنا وجزء من تكويننا‏..‏ هو ميراثنا‏..‏ من صغري تثير خيالي حكايات الماضي‏..‏ أذهب إلي جدي فيحدثني عن الحياة قبل أربعين وخمسين بل ثمانين عاما فيقوي إحساسي بالأمن‏,‏ لهذا أعمالي كلها تدور في محيط القرية‏..‏ حيث الآباء والأجداد‏..‏ وعموما الإنسان لا يقرر أين يذهب ولا أين يعيش وإنما الله سبحانه يحدد وجهته‏..‏

    *‏ تأثير الغربة علي أدبك الذي ترجم إلي تسع عشرة لغة؟‏!‏
    ‏-‏ ليست غربة البعد عن المنابع‏,‏ فأنا شخصيا ووجدانيا عشت غربة المكان فقط‏,‏ وهذا لابد أن يكون له تأثير علي العمل الأدبي‏,‏ لأن الأديب هنا ينظر من الخارج إلي أهله بشكل مختلف مما كان عليه طيلة الوقت وهذا واضح في أعمالي من أول عرس الزين عام‏64,‏ وموسم الهجرة إلي الشمال في عام‏66,‏ وبندر شاه بجزئيها ضد البيت في عام‏72‏ ومريود عام‏73,‏ إلي جانب المجموعة القصصية دوكة وكانت في عام‏.69‏

    *‏ اختيرت روايتك موسم الهجرة إلي الشمال ضمن أفضل مائة عمل في تاريخ الإنسانية‏,‏ واحتفي بك في أنحاء العالم شخصا وعملا‏,‏ فعلي سبيل المثال نقل الألمان جميع أعمالك من العربية إلي اللغات العالمية‏,‏ وتحرص مصر علي وجودك الشخصي والأدبي الدائم علي أرضها‏,‏ وكانت بريطانيا الحاضنة الأولي لك مع أنك صاحب الرواية الناقدة للاستعمار الإنجليزي وصدام الحضارات‏,‏ وكنت النجم الدائم في الجنادرية السعودي‏,‏ واهتم بك القطريون منذ أيام فقرهم‏,‏ وحول الليبيون أحد أعمالك لدراما‏,‏ والكويت حولت إحدي رواياتك لفيلم سينمائي؟‏..‏ دوائر الحفاوة تلك منحتك الشهرة الواسعة‏....‏ أنت والشهرة؟‏!!‏

    -‏ أقول صادقا ليس لدي أي إحساس بأهمية ما كتبت‏,‏ ولا أشعر بأنني هذا المهم‏,‏ وهذا ليس تواضعا لكنها الحقيقة‏,‏ إذا اعتقد الناس أن ما كتبته مهما فهذا شأنهم لكنني قطرة في بحر‏,‏ فقصيدة واحدة للمتنبي تساوي كل ما كتبته وأكثر‏..‏ لدي شعور قد لا يستوعبه كثيرون أن الشهرة توبخني لذا لا أحس بأية متعة لها‏.‏ أحس بهذا التأنيب الداخلي إذ أنني أدرك أن الشهرة جاءتني بسبب خروجي عن بيئتي ومحاولة إقامة جسور معها من خلال الكتابة فقط‏,‏ إلا ان هذا لا يعني جلد الذات‏,‏ والأمر لا يصل إلي حد القسوة‏,‏ لكنه إحساس قوي بالتقريع‏..‏ وكل إنسان يجد مبررات لأخطائه ولذلك عندما نقرأ السير الذاتية نجد أصحابها يبررون دائما أفعالهم بمبررات واهية ليست مقنعة علي الإطلاق‏,‏ ونادرا ما نجد من يقدم نفسه بشكل حقيقي‏.‏

    *‏ لهذا لم تكتب مذكراتك؟‏!‏
    ‏-‏ كتبت ملامح من سيرة ذاتية فقط ووقائع عن رحلات وملاحظات عن مدن زرتها وشخصيات عرفتها في حياتي مثل منسي يوسف بسطاروس القبطي الصعيدي المعدم زميل العمل في الإذاعة البريطانية في عام‏1953‏ والذي مات مليونيرا يحمل اسم مايكل جوزيف بعد زواجه من حفيدة توماس مور‏.‏ أسجل أشياء وأكتب ملاحظات مثل الذي يدندن استعدادا للعزف وتنشيطا للذاكرة لكي انطلق في الكتابة‏,‏ فعندي كلام كثير لابد أن أقوله قبل أن أودع العالم‏..‏ الكاتب لا يكف عن الكتابة في مخه‏,‏ أما المذكرات فلا أعرف متي أكتبها‏,‏ والمذكرات أسلوب في الأدب القديم ليته يعم في الأدب العربي مثلما هو في الإنجليزي والفرنسي‏,‏ والسوق المصرية مليئة الآن بالمذكرات السياسية لكنها مشغولة بقضية السلطة والحكم‏,‏ ولعل من أجمل ما قرأت من مذكرات شخصية كانت للدكتور ثروت عكاشة فصاحبها القدير يقدم بصراحة وشفافية بالغة خلاصة حياته في السياسة والفن والأدب‏..‏
                  

03-14-2009, 06:32 AM

اسعد الريفى
<aاسعد الريفى
تاريخ التسجيل: 01-21-2007
مجموع المشاركات: 6925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الطيب صـالح‏:‏ وداعـا يا زول (Re: اسعد الريفى)


    *‏ تحجم عن الكتابة السياسية المباشرة؟‏!‏
    ‏-‏ لأن للسياسة فرسانها وأنا رجل عبيط لا أفهم في أمور الحكم والدولة شيئا وقد تعلمت من تجربة سيدنا المتنبي أن الأديب غير صالح للسياسة‏..‏

    *‏ في ثرثرتك معنا تعكس لنا رغبتك الحقيقية بعدم الالتزام بالأدب يا من تكمن روعته في الكيف وليس الكم‏,‏ ومن كان في أدبه ينظر إلي الناس كما نظر أبوالعلاء منذ أكثر من ألف سنة‏:‏
    نالوا قليلا من اللذات وارتحلوا برغمهم
    فاذا النعماء باساء ؟
    ‏-‏ أنا شخص علي الهامش وأفضل أن أكون كذلك فهذا الوضع يريحني‏..‏ أعتبر بكل صدق أنني لست جزءا من الحركة الأدبية‏..‏ لست ملتزما بالكتابة إلي حد كبير لاعتقادي الجازم بأن في الكتابة شيئا من عنصر اللعنة‏,‏ فكيف بالله أشجع أحدا علي أن يصاب بهذه اللعنة‏..‏ أنا لست من الذين ينبسطون من عملية الكتابة لأن الحياة تضيع في سبيل حياة وهمية مع الورق‏.‏ وعلاقتي بالأدب أحاول أن أجعلها ــ إذا صح التعبير وإذا لم تثر ثائرة أحد ــ مثل العلاقة بالخليلة وليس الزوجة‏,‏

    ولذلك إذا جاء ناقد ولم يعجبه ما أكتب فلا يهمني كثيرا‏..‏ وتمر الشهور وأحيانا السنون ولا أكتب‏..‏ لا أحب الكتابة حقيقة‏..‏ لاأحب الجلوس إلي ورق أبيض في الليل والناس نيام لأخلق عالما معقدا ومشكلات‏,‏ وأقول بعدها ان ليس لي شأن‏,‏ والذي يقرأ أعمالي بإمعان يجد إحساسي هذا موجودا فيها‏..‏ الفن يأكل الحياة‏..‏ ولم أعرف أني سأكون كاتبا ولكني أصبحت كاتبا‏,‏ ولو كنت أعرف لرتبت حياتي بشكل مختلف‏,‏ لكن التضحيات بعد الارتباط تعلقت بأناس آخرين‏..‏ أصبحت هناك أسرة والتزامات معيشية‏,‏ وهذه قضية يعاني منها كافة المبدعين العرب من أدباء ورسامين وموسيقيين وشعراء‏..‏ هناك المحظوظون القليلون الذين يستطيعون العيش من كتاباتهم‏,‏ وأنا لسوء الحظ لست منهم‏..‏ ليس عندي الميكانيكية التي تفرض علي أن أكتب بالقلم‏,‏ لكني أكتب في رأسي باستمرار‏..‏

    *‏ ربما أنت مثل الأرض التي تترك بورا لتهيأ للزراعة في الموسم القادم؟‏-‏ ليس علي أن أثبت وجودي باستمرار‏,‏ وعندما أقرأ عملا جيدا لأي كاتب أقول لنفسي إنه قد وجد أشخاص يكتبون أشياء جميلة فلماذا أتعب نفسي أنا بالكتابة‏..‏ ليس عندي حمي الرغبة لإثبات ذاتي الأدبية في الوجود‏,‏ وهذا نابع من طبيعتي كسوداني‏,‏ وفي داخل السودانيين عامة زهد لعله عندي بسبب وراثي‏,‏ حيث أهلي زهاد وعلماء دين‏..‏ وعموما فالعمل الأدبي ليس سلعة‏..‏ ليس مثل مصنع الشيكولاتة أو القماش أو الصابون‏..‏ لست مطالبا بأن أقدم كل ساعة كمية من المنتجات التي يطلبها الآخرون‏..‏ الإنتاج الأدبي مرهون بأوقات خاصة‏,‏ ثم إنني لست موظفا كأديب عند أي أحد‏,‏ ولقد احتفي بي وكنت محظوظا إلي حد كبير من النقاد عربا وأجانب‏,‏ وفي مصر قدمني رجاء النقاش ولم يكن يعرفني وقتها وبشر بي وأصبحنا صديقين‏..‏ وأنا أقرأ النقد للمتعة الذهنية لا لأتعلم منه وقد يغضب هذا البعض مني‏.‏

    *‏ كثيرون يعتقدون أن مصطفي سعيد بطل موسم الهجرة إلي الشمال هو أنت؟‏!‏

    -‏ الذي يطرح أفكاره علي الناس علنا عليه تحمل تبعات ذلك‏,‏ لهذا لا يزعجني الخلط بيني وبين مصطفي بطل روايتي أو أنها جزء من سيرتي الذاتية‏..‏ يبدو لي أحيانا أن البشرية تائهة وأنا تائه معها‏,‏ لذلك لا أطالب الناس بأن تفهمني كما أريد‏,‏ الكاتب نفسه لا يعرف ماذا يقول وماذا يكتب؟ وربما كثيرون استوعبوا وفهموا ما كتبت‏,‏ وفي المقابل ربما هناك كثيرون لم يفهموا‏,‏ وهذا شيء طبيعي‏,‏ فنحن إلي يومنا هذا نسعي لاكتشاف ما كتبه أبوالطيب المتنبي أو أبوالعلاء المعري أو أبونواس‏..‏ وأعتقد أن الأدب عرضة لسوء الفهم‏,‏ وربما تكمن هنا أهمية أنه لا يبلغ رسالة محددة‏,‏ وقد سبق أن حاورت طه حسين بشأن آرائه حول المتنبي فوجدت من غرائب الأمور أن مثله وهو العالم الكبير يسيء تماما فهم المتنبي رغم أنه من أعظم شعراء الإنسانية‏..‏ وقد سألوا أبو تمام‏:‏ لماذا لا تقول ما يفهم؟‏!‏ فرد قائلا‏:‏ ولماذا لا تفهم ما يقال؟‏!..‏

    *‏ طقوس الكتابة عند الطيب صالح ومن أين يأتي نبع إمداده؟
    -‏ الشخوص التي أكتب عنها من ذاكرتي وليست موجودة في الحياة‏..‏ ليس هناك إنسان اسمه مصطفي سعيد أو محجوب أو الذين ابتدعتهم من خيالي لكنهم يعبرون عن واقع اجتماعي‏,‏ وهنا يمكن أن تسمي كتاباتي واقعية‏,‏ وبالنسبة لي حين أتذكر واقعة ما‏,‏ فإنني لا أعرف علي وجه الدقة هل ما تذكرته هو الذي حدث بالضبط أم أن ما تذكرته يناسبني في الكتابة‏..‏ لذلك تجدينني دائما أقول إنني أعتمد علي أنصاف الحقائق‏..‏ وعلي الأحداث التي يكون جزء منها صحيحا والآخر مبهما‏,‏ وهذا يلائمني تماما‏,‏ بمعني آخر تكفيني جملة سمعتها عرضا في الشارع لأستوحي منها فكرة الكتابة‏,‏ وليس بالضرورة أن أجلس مع صاحب الجملة لأنصت إلي قصة كاملة‏..‏تكفي جملة أو كلمة تثير في نفسي أصداء لا حدود لها‏..‏

    أما عن الوقت الذي يستغرقه العمل فعلي سبيل المثال موسم الهجرة إلي الشمال أخذت مني أربع سنوات وكان لابد أن أعرف واقع ومناخ أحداث أيامها‏,‏ وإذا ما كان منظر القتل فيها يبدو عفويا إلا أنني اضطررت لكي أكتبه أن أقرأ الكثير عن قضايا رجال قتلوا زوجاتهم‏,‏ وزوجات قتلن أزواجهن‏,‏ ورحت إلي المحكمة ذات نفسها لأستقي الحقائق‏,‏ ويمكن أخذت منها جملة واحدة ضممتها لا أدري أين‏..‏ أما الصوت الذي يحرك مشاعري للكتابة فهو شدو فيروز الذي يسبح وحده بعيدا‏,‏ أما أم كلثوم فصوتها يحتاج إلي تهيؤ واستعداد وتفرغ كاملا لها وحدها من كل ما في اليد وإلقاء القلم‏..‏

    *‏ كلمني عن الحب وسنينه؟‏!‏
    ‏-‏ كنت دائما محظوظا فلم أحب من طرف واحد ولا أحتمل أن أكون هذا المحب‏,‏ وإذا لم أضمن أن الطرف الآخر لا يحبني أروح لحال سبيلي‏,‏ وفي هذا قال عمرو بن أبي ربيعة‏:‏

    سلام عليها ما أرادت سلامنا
    وإن لم ترده فالسلام علي أخري

    *‏ جولي‏..‏ زوجتك الاسكتلندية الراقية الرايقة التي تجلس بجوارك تستمع إليك بانبهار كشاهد محب متيم ولهان لكل كلمة تتفوه بها‏,‏ ودائما هناك تلك الحركة من رأسها علامة الموافقة المسبقة واللاحقة لما يقول الحبيب‏..‏ ثنائي الانسجام والتوافق‏.‏

    -‏ أنجبت لي ثلاث بنات الكبيرة زينب ولقبي أبوزينب لأن جدتي لأمي اسمها زينب‏,‏ وسارة‏,‏ وسميرة وأنا معهن أب لا بأس به‏.‏

    *‏ من فيهن ورثت موهبة الوالد؟‏-‏ الدكتورة سارة من تكتب المسرحيات بالإنجليزية وقد عرض لها مسرح بريكستون في لندن أخيرا مسرحية أسامة التي تقدم منظورا عربيا للحروب الصليبية‏,‏ وسارة خريجة جامعة اكسفورد في الأدب الإنجليزي‏,‏ وكانت رسالتها للدكتوراه عن الكاتبات الإنجليزيات في القرن الثامن عشر والشخصية الرئيسية في مسرحيتها تدور حول المحارب العربي الأديب أسامة بن منقذ الذي تعد حياته مرآة لمرحلة الصراع الأول علي بيت المقدس بين العرب والصليبيين فقد ولد بقلعة شيزر عام‏1095‏ وكان في الرابعة من عمره عند سقوط بيت المقدس ومات بدمشق عام‏1188‏ بعد عام واحد من معركة حطين التي حررت القدس‏,‏ وتتكشف لنا سيرة حياته من خلال كتابه الاعتبار‏.‏

    *‏ كان موقفك الوطني عظيما عندما قررت ترك العمل في إذاعة الـبي بي سي البريطانية احتجاجا علي مشاركة بريطانيا في العدوان الثلاثي علي مصر؟‏-‏ رغم إعجابي بعبدالناصر فإنني لا أؤمن بالفرد الذي يحدث التغيير‏,‏ والحكومات بصفة عامة قدرتها محدودة علي إحداث التغيير‏,‏ ولو كان فيه بني آدم يستطيع أن يقوم بتغيير شامل لقام به النبي محمد صلي الله عليه وسلم‏,‏ فالمجتمع الإسلامي المثالي لم يستمر أكثر من ثلاثين عاما‏..‏ وأزعم أن قيام الأمة في‏9‏ و‏10‏ يونيه سنة‏1967‏ برفض تنحي عبدالناصر والإصرار علي بقائه لم يكن تأييدا له أو رفضا للهزيمة بل خوفا من التغيير الذي يترتب علي ذلك‏,‏ فالجماهير قد ألفت عبدالناصر واعتادت عليه‏18‏ عاما‏,‏ كالفلاح الذي يلتصق بالأرض ولا يستطيع مبارحتها إلا بالسياط‏..‏ المجتمع الزراعي لا يقدر علي فراق الزعيم لأنه يتحول تدريجيا في نفسه إلي رئيس للقبيلة‏,‏ وفي الشرق عبادة الأجداد‏..‏ في الشرق كان الملك يتحول إلي إله‏..‏ لقد رفض الشعب أن يري الإله يتحطم‏..‏ رفض أن يري حلمه ينهار فظل معه ورفض مبارحته‏.‏

    *‏ نفيت صفة الجلالة عن الصحافة‏..‏ فهل تري الجلالة للرواية؟‏!‏
    ‏-‏ لا هذه لها جلالة ولا تلك لها جلالة‏..‏ الشعر وحده صاحب الجلالة لأن فيه الموسيقي التي هي أرقي الفنون‏..‏ شيء عظيم أن يكون الإنسان المتنبي أو المعري‏..‏ الناس ممكن تقعد تكتب آلاف من الصفحات وغيرهم قال بيتا واحدا فملأ الدنيا وشغل الناس‏...‏

    *‏ سن اليأس الإبداعي؟‏-‏ بيكاسو مات بعد التسعين وكان قويا ونشيطا وفحلا ومنتجا‏,‏ وبرنارد شو ظل يكتب المسرحية حتي الثمانين‏..‏ ولكن في كل المهن الناس تتقاعد في فترة معينة‏,‏ والعكس يمكن أن تظل منتجة إلي ما شاء الله‏..‏

    *‏ وأليس الصمت تقاعدا؟‏!‏
    ‏-‏ الصمت موت وليس تقاعدا‏.‏

    *‏ وصمتك أنت فترات السنين؟‏!‏
    ‏-‏ صمتي مؤقت وليس مؤبدا‏.‏

    *‏ المتنبي غاية في الغرور وأنت غاية في التواضع‏..‏ كيف تلاقيتما؟‏!‏

    ‏-‏ لعلي لست متواضعا‏..‏ ولعل المتنبي ليس مغرورا‏..‏

    زمان‏..‏ أيام كان الطيب يعود لزيارة أهله في السودان كان يركب الطائرة من لندن إلي الخرطوم‏,‏ ومن الخرطوم بالباخرة لبلدته كرمكول في شمال السودان‏,‏ ثم يركب حمارا يحمله إلي بيت أهله‏..‏ الطيب علي حقيقته كان لا تفصله البحار والمحيطات والقارات عن بيته وقريته وأهله‏,‏ وهو الذي جمع في شخصيته أرقي معاني الحضارة وأحدثها وأكثرها عصرية مع أبسط معاني الحياة وأصدقها وأبعدها عن الزخرفة والزينة‏..‏ إنه راكب الطائرة والباخرة وراكب الحمار في آن واحد‏,‏ وهو الإنسان الذي يواكبه الفرح في أي مكان يكون فيه‏..‏ وكانت الجارة العجوز ما أن تلمحه قادما من مرفأ الباخرة فوق ظهر الحمار كعادته حتي تجري مهرولة إلي أمه عائشة هاتفة‏:‏ البشارة‏..‏ البشارة يا عائشة ولدك جاء‏....‏ اليوم عاد الطيب لسودانه ولم يهبط في مرفأ ولا ركب الحمار لأمه عائشة وإنما حملوه رأسا من الطائرة ليرقد في ثري الوطن رقدته الأخيرة‏.‏

    يا طويل البال‏..‏ يا من حق القول فيه كما يوصف أهل التصوف‏:‏ لا يملكون شيئا ولا شيء يملكهم‏..‏ يا صالح‏..‏ يا طيب‏..‏ في روايتك مريود يقول أحد الأبطال لصديقه باللهجة السودانية‏:‏ الحياة ما فيها غير حاجتين اتنين‏:‏ الصداقة والمحبة‏..‏ ما تقول لي حسب ولا نسب ولا مال‏.‏ ابن آدم لو كان ترك الدنيا وعنده ثقة في إنسان واحد يكون كسبان‏..‏ ذلك هو الطيب صالح صداقة للحياة ومحبة للناس وقلب نبيل عامر بالخير والصفاء‏..‏ و‏..‏ وداعا يا زول‏..‏
    _____________________________
    الاهرام 44658 14-3-2009
                  

03-14-2009, 06:52 AM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صـالح‏:‏ وداعـا يا زول (Re: اسعد الريفى)

    أبكيتنى يا أسعد
    جنى
                  

03-14-2009, 09:39 AM

اسعد الريفى
<aاسعد الريفى
تاريخ التسجيل: 01-21-2007
مجموع المشاركات: 6925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفن يأكل الحياة‏.. (Re: اسعد الريفى)

    اخى جنى
    من أصدق ما كتب عن الراحل رحمه الله ...
    و ليتهم يقرؤون ... قبل ان يكتبون
    ..
    _________________
    في ثرثرتك معنا تعكس لنا رغبتك الحقيقية بعدم الالتزام بالأدب يا من تكمن روعته في الكيف وليس الكم‏,‏ ومن كان في أدبه ينظر إلي الناس كما نظر أبوالعلاء منذ أكثر من ألف سنة‏:‏
    نالوا قليلا من اللذات وارتحلوا برغمهم
    فاذا النعماء باساء ؟‏-‏
    أنا شخص علي الهامش وأفضل أن أكون كذلك فهذا الوضع يريحني‏..‏ أعتبر بكل صدق أنني لست جزءا من الحركة الأدبية‏..‏ لست ملتزما بالكتابة إلي حد كبير لاعتقادي الجازم بأن في الكتابة شيئا من عنصر اللعنة‏,‏ فكيف بالله أشجع أحدا علي أن يصاب بهذه اللعنة‏..‏ أنا لست من الذين ينبسطون من عملية الكتابة لأن الحياة تضيع في سبيل حياة وهمية مع الورق‏.‏
    وعلاقتي بالأدب أحاول أن أجعلها ــ إذا صح التعبير وإذا لم تثر ثائرة أحد ــ مثل العلاقة بالخليلة وليس الزوجة‏,‏ ولذلك إذا جاء ناقد ولم يعجبه ما أكتب فلا يهمني كثيرا‏..‏ وتمر الشهور وأحيانا السنون ولا أكتب‏..‏
    لا أحب الكتابة حقيقة‏..‏ لاأحب الجلوس إلي ورق أبيض في الليل والناس نيام لأخلق عالما معقدا ومشكلات‏,‏ وأقول بعدها ان ليس لي شأن‏,‏ والذي يقرأ أعمالي بإمعان يجد إحساسي هذا موجودا فيها‏..‏
    الفن يأكل الحياة‏..
    ولم أعرف أني سأكون كاتبا ولكني أصبحت كاتبا‏,‏ ولو كنت أعرف لرتبت حياتي بشكل مختلف‏,‏ لكن التضحيات بعد الارتباط تعلقت بأناس آخرين‏..‏ أصبحت هناك أسرة والتزامات معيشية‏,‏ وهذه قضية يعاني منها كافة المبدعين العرب من أدباء ورسامين وموسيقيين وشعراء‏..‏ هناك المحظوظون القليلون الذين يستطيعون العيش من كتاباتهم‏,‏ وأنا لسوء الحظ لست منهم‏..‏ ليس عندي الميكانيكية التي تفرض علي أن أكتب بالقلم‏,‏ لكني أكتب في رأسي باستمرار‏..
                  

03-14-2009, 10:21 AM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفن يأكل الحياة‏.. (Re: اسعد الريفى)
                  

03-14-2009, 12:45 PM

اسعد الريفى
<aاسعد الريفى
تاريخ التسجيل: 01-21-2007
مجموع المشاركات: 6925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
اضاءة (Re: اسعد الريفى)

    نرجع للوالد محمد صالح؟‏

    كان الرابع في أبناء الجد الفارع الطول الضخم الجسد الذي لم يرث والدي عنه هذا التكوين‏..‏ لا أذكر يوما ضربني فيه أو أهانني أو أنزل من قدري أمام أقراني‏..‏ تعلمت أن أحبه وأحترمه لا أن أرهبه أو أخافه أو أتمني خروجه من الدار لألهو كما أشاء‏..‏ ومن هنا كانت طفولتي سعيدة‏,‏ الطفولة التي أسميتها الفردوس‏..‏
                  

03-14-2009, 01:57 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اضاءة (Re: اسعد الريفى)

    Quote: محمد بن عيسى يكتب: سيدي الطيب الزيلاشي




    حين أسترجع رحلتي الطويلة مع الطيب صالح, الصديق والرفيق الحكيم والوفي, يذوب في الذهن الزمان. واحد وثلاثون سنة بدون بداية, وفي الذاكرة بدون نهاية. من يصدق أن الطيب صالح توفي رحمه الله؟

    رحلة طويلة تعددت خلالها لقاءاتنا في الدوحة وباريس وتونس ولندن وواشنطن والرياض والقاهرة وأصيلة. عاش الطيب حياة المفكرين والأدباء والمبدعين الرحل, متقشفا كريما ومتسامحا منفتحا على الآخر.

    لقاؤنا الأول كان في فندق الخليج القديم في الدوحة في شتاء 1978، قصدت المنبع أستشف المعرفة والنصح والبصيرة، كنت حاملا بمشروع أصيلة الثقافي، وقصدت الطيب أعرض عليه الفكرة والمشروع، لم يقدمه إلي أحد ولم يحدثني عنه أحد.

    قرأت له "موسم الهجرة إلى الشمال" وترسخت قامة الرجل في الذهن والوجدان، ربما قرأت في الرواية الرائعة عن نفسي, عن جيلي, عن صراع الأنا والآخر في الغرب الحاكم والمتقدم والثري "الأبيض بسلوف شقراء وعيون زرقاء وشهوة محجبة بالعجرفة والاستعلاء, قبالتها فحولة الأنا السوداني المسلم العربي المقهور المتخلف الفقير, والرغبة في لذة الانتقام بلا ضرر".

    وبدأت باكتشاف أسرار الرجل، تواضعه الصوفي وأنافته وقناعته المثلى وفكاهته المستورة ووفاؤه اللامتناهي. كان نقيا نزيها ومتعففا، وصوته الوديع القوي واستحضاره للآخر دائما بالحسنات، سميته شيخي سيدي الطيب تبركا بصفاء سريرته وعمق تأمله وسعة زهده في الدنيا.

    لن أنسى محجنا إلى "جبل العلم" في سلسلة جبال الريف في المغرب، حيث ضريح الصوفي الشيخ عبدالسلام ابن المشيش العلمي الإدريسي رائد الشاذلية وشيخ موردها أبي الحسن الشاذلي رحمهما الله. أمضينا يوما وليلة بجوار الضريح والطيب صالح مسكون بروحانية المقام وأصوات المقرئين وتهاليل الزوار، سهرنا إلى قرابة طلوع الفجر، بكي سيدي الطيب وقبل الشباك والشجرة والهواء وعانق السماء، صوفيته غمرها الإيمان والحب وطهارة المكان.

    العام الماضي زرته مع زوجتي في سكناه البسيط الهادئ في ويمبلدون في ضواحي لندن وتغدينا معه وزوجته، وأمضينا نصف يوم نحكي ونتذكر ونمزح. كان سيدي الطيب منهكا من حلقات "الدياليز" (تصفية الدم بسبب العجز الكلوي)، ولكنه كان كعادته متفائلا بشوشا ومهذبا في كل شيء. كرر لي الاعتذار عدة مرات عن عدم قدرته على حضور موسم أصيلة الثقافي الدولي في الذكرى الثلاثين العام 2008.

    سنشتاق لزيارته لأصيلة في كل صيف, وحتى في كل شتاء. عزاؤنا أن سيدي الطيب الذاكرة والقهقهة الحالمة، غرفته في بيتي وفي فندق زيليس، مائدته في مطعم غارسيا وسمره والزوار من الكتاب الشباب والمعجبين والمحبين, سيدي الطيب هذا باق حاضر لم يمت، لن يزورنا كل عام ولكن روحه أزلية باقية فينا، في كل "الزيلاشيين"* وفي كل زوار أصيلة, كل عام.
    ______________
    * زيلاشي هو اسم سكان أصيلة نسبة إلى زيلس اسم أصيلة الفينيقي

                  

03-14-2009, 02:03 PM

سلمى الشيخ سلامة
<aسلمى الشيخ سلامة
تاريخ التسجيل: 12-14-2003
مجموع المشاركات: 10754

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اضاءة (Re: jini)

    Quote: لأن للسياسة فرسانها وأنا رجل عبيط لا أفهم في أمور الحكم والدولة شيئا وقد تعلمت من تجربة سيدنا المتنبي أن الأديب غير صالح للسياسة‏..


    ما ارفع مقامك يا سيدنا الصالح الطيب
                  

03-14-2009, 07:40 PM

اسعد الريفى
<aاسعد الريفى
تاريخ التسجيل: 01-21-2007
مجموع المشاركات: 6925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اضاءة (Re: سلمى الشيخ سلامة)

    -‏ الذي يطرح أفكاره علي الناس علنا عليه تحمل تبعات ذلك‏,‏ لهذا لا يزعجني الخلط بيني وبين مصطفي بطل روايتي أو أنها جزء من سيرتي الذاتية‏..‏
    يبدو لي أحيانا أن البشرية تائهة وأنا تائه معها‏,‏ لذلك لا أطالب الناس بأن تفهمني كما أريد‏,‏ الكاتب نفسه لا يعرف ماذا يقول وماذا يكتب؟
    وربما كثيرون استوعبوا وفهموا ما كتبت‏,‏ وفي المقابل ربما هناك كثيرون لم يفهموا‏,‏ وهذا شيء طبيعي‏,‏ فنحن إلي يومنا هذا نسعي لاكتشاف ما كتبه أبوالطيب المتنبي أو أبوالعلاء المعري أو أبونواس‏..‏
    وأعتقد أن الأدب عرضة لسوء الفهم‏,‏ وربما تكمن هنا أهمية أنه لا يبلغ رسالة محددة‏,‏ وقد سبق أن حاورت طه حسين بشأن آرائه حول المتنبي فوجدت من غرائب الأمور أن مثله وهو العالم الكبير يسيء تماما فهم المتنبي رغم أنه من أعظم شعراء الإنسانية‏..‏
    وقد سألوا أبو تمام‏:‏ لماذا لا تقول ما يفهم؟‏!‏ فرد قائلا‏:‏ ولماذا لا تفهم ما يقال؟‏!..‏


    ________________________
    الاستاذة سلمى الشيخ
    تحياتى و تقديرى
    لذلك هو الطيب صالح

    (عدل بواسطة اسعد الريفى on 03-14-2009, 07:41 PM)

                  

03-14-2009, 08:17 PM

اسعد الريفى
<aاسعد الريفى
تاريخ التسجيل: 01-21-2007
مجموع المشاركات: 6925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أثر البيئة راسخا في أعماقي‏ (Re: اسعد الريفى)

    ‏-‏ ظل أثر البيئة راسخا في أعماقي‏,‏ وأعتقد أن من يطلق عليه لقب كاتب أو مبدع يوجد طفل قابع في أعماقه‏,‏ والإبداع نفسه فيه البحث عن الطفولة الضالة‏,‏ وحين كبرت ودخلت في تعقيدات الحياة‏,‏ كان عالم الطفولة بالنسبة لي ملجئا أهرب إليه لأعيش متحررا من الهموم‏,‏ ذلك العالم الوحيد الذي أحببته دون تحفظ‏,‏ وأحسست فيه بسعادة كاملة‏,‏ وما حدث لي لاحقا كان كله مفتقدا لهذا التكامل‏..‏
    كانت قريتي مختلفة تماما عن الأمكنة والمدن الأخري التي عشت فيها‏,‏ ولاشك أنها هي التي خلقت عالمي الروائي‏..‏ التراث موجود في دمنا وجزء من تكويننا‏..‏ هو ميراثنا‏..‏ من صغري تثير خيالي حكايات الماضي‏..‏ أذهب إلي جدي فيحدثني عن الحياة قبل أربعين وخمسين بل ثمانين عاما فيقوي إحساسي بالأمن‏,‏ لهذا أعمالي كلها تدور في محيط القرية‏..‏ حيث الآباء والأجداد‏..‏ وعموما الإنسان لا يقرر أين يذهب ولا أين يعيش وإنما الله سبحانه يحدد وجهته‏..‏
                  

03-15-2009, 05:53 AM

اسعد الريفى
<aاسعد الريفى
تاريخ التسجيل: 01-21-2007
مجموع المشاركات: 6925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ليس علي أن أثبت وجودي باستمرار‏ (Re: اسعد الريفى)

    ليس علي أن أثبت وجودي باستمرار‏,‏ وعندما أقرأ عملا جيدا لأي كاتب أقول لنفسي إنه قد وجد أشخاص يكتبون أشياء جميلة فلماذا أتعب نفسي أنا بالكتابة‏..‏ ليس عندي حمي الرغبة لإثبات ذاتي الأدبية في الوجود‏,‏ وهذا نابع من طبيعتي كسوداني‏,‏ وفي داخل السودانيين عامة زهد لعله عندي بسبب وراثي‏,‏ حيث أهلي زهاد وعلماء دين‏..‏ وعموما فالعمل الأدبي ليس سلعة‏..‏ ليس مثل مصنع الشيكولاتة أو القماش أو الصابون‏..‏ لست مطالبا بأن أقدم كل ساعة كمية من المنتجات التي يطلبها الآخرون‏..
                  

03-15-2009, 11:03 AM

اسعد الريفى
<aاسعد الريفى
تاريخ التسجيل: 01-21-2007
مجموع المشاركات: 6925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إعجابي بعبدالناصر (Re: اسعد الريفى)

    رغم إعجابي بعبدالناصر فإنني لا أؤمن بالفرد الذي يحدث التغيير‏,‏
    والحكومات بصفة عامة قدرتها محدودة علي إحداث التغيير‏,‏
    ولو كان فيه بني آدم يستطيع أن يقوم بتغيير شامل لقام به النبي محمد صلي الله عليه وسلم‏,‏ فالمجتمع الإسلامي المثالي لم يستمر أكثر من ثلاثين عاما‏..‏ وأزعم أن قيام الأمة في‏9‏ و‏10‏ يونيه سنة‏1967‏ برفض تنحي عبدالناصر والإصرار علي بقائه لم يكن تأييدا له أو رفضا للهزيمة بل خوفا من التغيير الذي يترتب علي ذلك‏,‏
    فالجماهير قد ألفت عبدالناصر واعتادت عليه‏18‏ عاما‏,‏ كالفلاح الذي يلتصق بالأرض ولا يستطيع مبارحتها إلا بالسياط‏..‏ المجتمع الزراعي لا يقدر علي فراق الزعيم لأنه يتحول تدريجيا في نفسه إلي رئيس للقبيلة‏,‏ وفي الشرق عبادة الأجداد‏..‏ في الشرق كان الملك يتحول إلي إله‏..‏ لقد رفض الشعب أن يري الإله يتحطم‏..‏ رفض أن يري حلمه ينهار فظل معه ورفض مبارحته‏.‏
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de