تركنا الطيب صالح شجرة السودان - محمد زكريا السقال! أروع ما كتبه المغاربة عن الراحل المقيم!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 03:08 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الراحل المقيم الطيب صالح
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-20-2009, 01:58 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30716

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تركنا الطيب صالح شجرة السودان - محمد زكريا السقال! أروع ما كتبه المغاربة عن الراحل المقيم!

    Quote: تركنا الطيب صالح شجرة السودان - محمد زكريا السقال
    2009-02-21 00:00:12 تركنا الطيب صالح شجرة السودان / محمد زكريا السقال


    الخبر الذي جاء برحيل القامة الروائية العربية الطيب صالح ، خبر تتحدد مأساته وكارثيته بالكثير من المعاني ، أولها أن نفقد في هذا العام الكثير من النخب العربية ورواد النهضة والتنوير ، من رحيل المفكر والباحث المناضل محمود أمين العالم الذي أغنى وأثرى المكتبة والفكر العربي بأبحاثه ومؤلفاته ، إلى رحيل عبد العظيم أنيس الذي وسع من دائرة الجهد والبحث في الفكر العربي ، واليوم نفقد شجرة الرواية العربية ، الطيب صالح ، وتعبير شجرة أجده من الصفات التي تلبس الطيب الذي أينع وأثمر في سياق المشروع التنموي التنويري الحلم ، المشروع الحلم لأنه لم يتحقق ، والطيب صالح واحد ممن كرسوا جهدهم وعملهم لهذه النهضة التي سترفع من سوية الأنسان كقيمة عليا تنشد الحرية والعدالة والهواء النظيف بمعنى الحياة التي تنموا لتنتج وتبدع وتعمر وتبني لتشكل الحضارة وتشيد ثقافة الحياة ، أخفق المشروع وأصبحت كل القيم التي انتمى إليها الطيب قضايا خاسرة ، انقلبت الأوضاع وفرت أحلامنا وهربت الأماني ، لم يعد في مجتمعاتنا روابط وامن واستقرار ، هجمت الردة محمية ومسلحة ، مزقت قرى الأوطان ، ،وضاعت عروة التماسك الأجتماعي ولم يعد لمساحة الوطن حدود لتعدد الحواجز ، نفرت اللغة واستوحشت ، لتنقلب لرصاص وقتال وفرق ومجموعات ، وساد خطاب الردة والفرق والتكفير .
    هذه الأجواء ، وهذا المناخ لايساعد ولا يمد شجرة كالطيب صالح بالحياة والتدفق ، لم تعد التربة الطيبة التي أنتجت شخصيات الحلم السوداني في أدب الطيب ، الشخصيات العفوية والطيبة ، الشخصيات انقلبت وتحولت لشياطين ملثمة ومعصوبة وترطن بلغة لا تحمل غير الموت والأنتحار ، والأستبداد سلطان الموقف يدور ويعربد ثملا بأوهامه وتخيلاته ، لم يعد الفقر والتخلف سمة محسوسة لمجتمع مترابط ، ولم يعد سرقة الجهد واستغلال العمل احساس مشترك ، وصار هناك شمال وجنوب وديانات ومذاهب ، وقبائل ومناطق ، وأشباح تتنافر تتطاول سكاكينها لجز الوطن وتقسيم أحشائه .
    يلتزم الطيب المنفى ، المنفى بكل صقيعه وبرده ويذوي ويذبل ، وأوراقه تتهاوى كلما أوغل الوطن الملهم في الغي ، وتطاول في الأستبداد ، المصالحات التي تمت وعاد بها رعيل كثير كانت تقاسم ونهش ومحاصصات ، لا تعيد للزين عرسا و لا تشيع الدفئ الذي تحشده دومة واد حامد ، والقرية العامرة بالحب وممارسة طقس انسانيتها بالهواء الطلق ، أصبحت لا تعرف غير الرجم وحد السيف .
    يموت الطيب ولا تفلح يراعه بهذا الصقيع بشيئ ، كتاب ,, مختارات ،، ذي التسعة أجزاء ، هذا الكتاب يشكل حالة قطع بأبداع الطيب صالح ، كتاب يحدد مرحلة جديدة وباردة في حياة هذه الشجرة اليانعة الثمر ، فقد كان متعدد الأسلوب والأتجاهات والألوان ، حيث تداخلت ما بين السيرة الذاتية ، والخواطر والسرد الصحفي ،إلا أنه يبقى عمل يحدد نكهة ومذاق خاص ، ولكنه لا يتطاول لإعماله الأولى ، وهو ما نلحظه ونحسه حالة من الجفاف والموات والذبول اعترى الطيب ، ونحن بدورنا نعتذر من محبيه ومريديه حيث أعطينا أنفسنا حق الأجتهاد والتعليل لهذا السياق الذي اعترى الكاتب وتوقفه عن الخصب والأنتاج بالأبداع الذي أطل علينا به .
    كتاب محتارات الذي بدأه الطيب .. بالمنسي ،، هو مقدمة للحياة التي غمرت السودان ، حياة الحلبسة على حد تعبير بطله الذي عبر عن النموذج السائد ، نموذج الشخصية القادرة على تقمص كل الأدوار وتعتلي كل المنصات وتتلون بالكثير من الألوان ولكنها تفشل في التعبير عن ذاتها وروحها كجوهر ذات ميز وخصائص ، شخصية ضائعة وتعيش على كل الموائد ، ولكنها بالنهاية فاشلة لا تنتج سوى الحلبسة والتدليس .
    لتبقى الأجزاء الباقية تتداعى السودان وتستحضره كذكريات وحلم وآمال متخيلة ومطاردة ومشتهاة ، يدخل بينها جزء ،، في صحبة المتنبي ,, الذي يفتن أديبنا ويتماهى به ، وهو المتنبي شاغل الدنيا ومؤرقها ولكنه لدى الطيب صالح نموذج وقدوة للطموح ومطاردة القمم .
    رحل الطيب صالح ، رحل الرجل الذي أدخل السودان إلى قلوبنا ، وقرب هذا الشعب الطيب منا ، لم يخدعنا الطيب برسم الشخصية السودانية ، طيبتها وعفويتها وكرم أخلاقها ، تفاعلها مع الأخر ، تواضعها الذي يأسرك ويقودك دون ان تقرر الأحجام او الأقدام .
    كم سننتظر لننجب مثل الطيب صالح ، وكم هي خسارتنا بهذا المبدع الذي ذوى في ضباب لندن ، وكم هم الذين حملوا الوطن في قلوبهم واستركنوا البلاد البعيدة ، قد لا يتطاولوا لهذه القمة العبقرية ، ولكنهم اشخاصها وأبطالها وبرحيل مبدعهم يقدرون ويستشعرون حجم الفاجعة والخسارة بموت الطيب صالح ، هذه الشخصيات التي تعيش في المنفى ، والتي تقبع في الأرض الغبسة التي لا تتحمل بذور طيبة ، مازالت تحلم بعرس الذين ، ودومة ود حامد ومريود وضو البيت ، ومازال سعيد كمال في موسم هجرته للشمال شاغل النقاد والباحثين .
    محمد زكريا السقال
    برلين / 18 / 2 /
                  

03-20-2009, 02:02 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30716

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تركنا الطيب صالح شجرة السودان - محمد زكريا السقال! أروع ما كتبه المغاربة عن الراحل المقيم! (Re: jini)

    Quote: رحيل الروائي العالمي الطيب صالح ، بقلم : محمد سعيد ناود
    التاريخ: الأحد 01 مارس 2009
    الموضوع: مقالات وتحليلات

    يوم الأربعاء 18 فبراير 2009 غيب الموت في العاصمة البريطانية لندن الروائي والكاتب السوداني الطيب صالح عن ثمانين حولا ، وقد تم إحضار جثمانه الملفوف بعلم السودان ليوارى الثرى بمقابر البكري بأم درمان وذلك بتاريخ الجمعة 20 فبراير الجاري . وقد ظهرت سماحة ووفاء الشعب السوداني في تشييعه إلى مثواه الأخير حيث كان في مقدمة المشيعين الرئيس السوداني المشير عمر البشير ورجالات السياسة والوزراء والأدباء والكتاب والصحفيين . كما رثاه في المقابر وزيرا الدولة دكتور أمين حسن عمر ودكتور منصور خالد وبروفيسور علي شمو . كما رثته الصحافة السودانية . حيث أن وفاته كانت تمثل

    فقدا عظيما شعر به الجميع لما كان يمثله الراحل المقيم في خريطة السودان . كما قامت برثائه أمهات الصحف العربية والعالمية وبعض الفضائيات التي تابعت رحيله عن الدنيا وحتى دفنه في عاصمة بلاده .
    الطيب صالح ، وهذا الوداع الذي لقيه في مثواه الأخير لم يكن لأنه كان منتمياً لأي حزب سياسي ، كما لم يكن ساعيا للسلطة أو جزء منها طوال حياته . كما أنه لم يعمل في أي وظيفة داخل السودان بعد تخرجه من جامعة الخرطوم حسب علمي . بل أنه كان منتمياً لكل السودان . ولأنه خدم شعبه دون تمييز بفكره وقلمه من خلال الآفاق الرحبة التي كان يرتادها ، ومن هنا فجع الجميع برحيله ورافقوا جثمانه إلى مثواه الأخير .
    ومؤلفاته من الروايات اعترف بها الغرب قبل الشرق وربما قبل السودان ، عندما تمت ترجمتها إلى أكثر من ثلاثين لغة وبالذات رواية ( موسم الهجرة إلى الشمال ) ، وان كل رواياته كتبها عن السودان عموما وحياة القرية والريف بشكل خاص . وقبل أن ينبغ كأديب فقد بدأ حياته العملية كمذيع بهيئة الإذاعة البريطانية من " لندن " كصوت سوداني مميز . وأذكر جيدا بان والده وجماهير الشباب ببور تسودان آنذاك وهم يفاخرون بابن مدينتهم الذي وصل إلى هذا الموقع المرموق . وأرتاد الطيب صالح أمهات الصحف والمجلات العربية بالذات مجلة " الدوحة " ، ومن بعدها مجلة " المجلة " حيث كان القراء يواظبون على اقتنائها لقراءة مايكتب وفي مقدمتهم القارئ السوداني المعروف بنهمه للقراءة والاطلاع ، والقارئ العربي عموما لما يجدونه من المواد الدسمة وعصارة فكره وقراءاته الأدبية والتاريخية التي كان يقدمها بسخاء .
    أيضا كان الطيب صالح مواظبا على المهرجانات والمنتديات الأدبية وبالذات مهرجان
    " أصيلة " بالمغرب وكان دوما نجمها اللامع . وفيما كان يكتبه أو يقوله فانه كان مسكونا بوطنه وشعبه السوداني . ودون أن يقوم بذلك كمبعوث من حكومة السودان أو يؤدي وظيفة إعلامية رسمية فانه كان يقوم بذلك من تلقاء نفسه ودون تكليف من أي جهة بل لإحساسه بان هذه كانت مهمته وواجبه كأديب ومثقف .
    وبرغم انه عاش في الغرب وأحيانا في بلاد العرب إلا انه ظل مشدودا نحو وطنه وشعبه ولم ينفصل عنه بل كان يظهر دوما في السودان ويشارك شعبه في المناسبات .
    واستطيع القول بأنه لايوجد متعلم أو مثقفا سوداني لم يعرفه أو يقرأ مؤلفاته . ولأن الشعب السوداني معروف بوفائه لرموزه ولأبنائه النوابغ فقد تم تكريم الطيب صالح في حياته وقبل رحيله عن الدنيا عندما تم رصد ( جائزة الطيب صالح للإبداع ) ، والتي كان يتنافس فيها المبدعون شعرا أو نثرا من الشباب السوداني . وبالتأكيد فان الطيب صالح كان سعيدا بهذا التكريم . وأذكر بأن احد أبناء بور تسودان وهو الكاتب والشاعر محمد جميل احمد ، قد فاز في إحدى دورات هذه الجائزة برواية " بر العجم " .
    ولمن لايعرف فان الطيب صالح ورغم انه شايقي من شمال السودان إلا انه يعتبر من أبناء مدينة بور تسودان حيث كان والده يعمل بها كعامل بسيط . وبور تسودان التي افتتن بها الفنان حيدر بور تسودان ، وشعبها في أغنية " عروس البحر ياحورية " ، يظهر أن هذه المدينة تنجب الفنانين والشعراء والمبدعين . فبجانب الطيب صالح ، أيضا من أبناء هذه المدينة الكاتب والصحفي والأستاذ الجامعي المرحوم سيد احمد نقد الله ، كما انجبت أيضا الفنان الغنائي الأستاذ عبد الكريم الكابلي ، الشاعر حسين بازرعة توأم الفنان عثمان حسين ، شاعر البجة الدكتور محمد عثمان الجرتلي وغيرهم كثيرين .
    وبالنسبة لنا في ارتريا فان الرعيل الأول من المتعلمين الذين تصدروا الثورة فقد كانوا مهتمين باقتناء الكتب وقراءاتها . واذكر بان البعض من ذلك الجيل كانوا يناقشونني في روايات الطيب صالح التي قرءوها وكذلك في كتابات المفكر والفيلسوف المصري سلامة موسى ، ولذا فان مانستفيده من دروس في سيرة الطيب صالح فإن الشباب الارتري اليوم عليهم أن يحملوا وطنهم وشعبهم في جوانحهم أينما حلوا وعاشوا ، فالوطن وفي كل الأحوال يجب حفظه في حدقات العيون لأنه لابديل للوطن ، وكما قال الشاعر :
    بلادي وان جارت علي عزيزة وأهلي وان ضنوا علي كرام
    أيضا إن المنافسة الحقيقية والشريفة بين الشباب يجب أن تكون حول الإبداع في شتى مجالات الحياة وبما يعود بالفائدة على شعبهم ووطنهم .
    أيضا علينا بتكريم المبدعين من أبناء شعبنا وهم على قيد الحياة لابعد رحيلهم عن دنيانا فالشعوب الأصيلة هي التي تتولى تكريم رموزها .
    وأخيرا على الشباب الاهتمام بالقراءة واقتناء الكتب لأن هذا هو طريق الرقي والتقدم .
    ألا رحم الله الطيب صالح الذي يعتبر مفخرة للسودان ولكل إفريقيا وللأمة العربية .
                  

03-20-2009, 03:07 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30716

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تركنا الطيب صالح شجرة السودان - محمد زكريا السقال! أروع ما كتبه المغاربة عن الراحل المقيم! (Re: jini)

    Quote: اتصالاستقبال


    فسحة
    حوارات مع محمد شكري المعيش قبل المُتخيَّل

    شهادات "شكرية" حول الأدباء العرب 18
    أنجز هذا الحوار بين صيف 1998 وشتاء 2001· واستغرق حوالي خمس عشرة جلسة عمل، توزعت بين أماكن عدة بطنجة·
    راجع شكري مخطوطة الحوار، أدخل عليها بعض التعديلات الطفيفة، وأجازها·
    حسن أحمد بيريش
    - السي محمد، ثمة أسماء أدبية مغربية وعربية سوف أذكرها لك، بشكل تلقائي، دون أي ترتيب مسبق من جانبي، وأريد ان أعرف رأيك فيها بإيجاز·
    أحمد عبد المعطي حجازي:
    ـ شاعر أحسه وأفهمه· له صور، أو التقاطات، في شعره معجزة، مشرقة، لمن لم يعش تجربتها العميقة·
    إنه أصيل في منطلقه الابداعي· لكن أستاذيته عندما يشرح إبداعه، أو إبداع الآخرين، تحرج الذين استمتعوا بشعره قبل أن يفسره!
    كاتب ياسين:
    ـ لم أقرأ كل أعماله، ولكن يبدو لي أنه روائي كبير ومتميز· قرأت له روايته "نجمة"، وأعتبرها من أهم النصوص الروائية التي صدرت في المغرب العربي· وميزتها تتجلى في استثمارها للتراث العربي·
    نزار قباني:
    ـ شاعر في شعره· شاعر في نثره، وشاعر في أحاديثه الصحفية· لم أتعرف عليه شخصيا، ولكن أتيح لي لقاء قصير تبادلت فيه الحديث مع ابنته، التي بدا لي أنها جد معجبة بشعر والدها· وقد تقاسمت معها هذا الإعجاب·
    فاروق عبد القادر:
    ـ لايمكن الحديث عن النقد الأدبي العربي الحديث دون الوقوف طويلا أمام فاروق عبد القادر، هذا الهرم الكبير الذي يجمع بين الموسوعية الشمولية والتخصصية المعمقة·
    إنه ناقد من طراز رفيع، ومبدع في نقده·
    سهيل ادريس:
    ـ دوره في الأدب العربي هو نشر بعض الأعمال الأدبية والفكرية، التي أصبحت لها قيمة كبيرة·
    أما ككاتب ومبدع فلم يستطع أن يطور كتاباته أكثر مما كانت تستحقها الفترة التي كتب فيها!
    إدوار الخراط:
    ـ عندما ينتابني الملل من قراءة الروايات الواقعية الشبيهة بالربورتاجات، ألجأ الى صوفية إدوار الخراط "النفارية"·
    إدوار كاتب جيد، وناقد عميق· ومبدع كبير في الابتكارات اللغوية والتعبيرية· إنجازه يتخلف عن طموحه الكبير·
    الطيب صالح:
    ـ أسس أسطورة الانسان الافريقي الفحولي في الغرب، كما عرَّف الانسان الغربي للإفريقي في استغلاله ومباذله له·
    أعتقد أن الطيب صالح تعمقت رؤيته لوطنه السودان· وهو بعيد عنه البعد الحلو· وميزة الطيب صالح، الروائي الكبير، أنه لم يحشر المنازعات القبلية السياسية، في كتاباته· لذلك جاءت أعماله الابداعية متسمة بصبغة انسانية تمجد الفن من أجل الحياة· أكثر مما هي شاهدة على مرحلة سياسية واجتماعية تخضع لديمومة الابداع·
    محمود درويش:
    ـ درويس من أهم شعراء هذه المرحلة في تاريخ أدبنا، أصيل في شعره· أصيل في نضاله السياسي·
    وميزته الكبرى، عندي، أنه استطاع أن يزاوج بين الابداع والنضال، دون أن يضحي بأحدهما على حساب الآخر· وهذا ليس أمرا يسيرا كما قد يعتقد الكثيرون·
    جمال الغيطاني:
    ـ معلوم أن كل جديد غالبا ما يتم في إطار القديم· وأن كبار المبدعين هم من كبار المتمكنين من التراث، بالمفهوم التحديثي لا للثبات ولكن للتثوير المثير·
    جمال الغيطاني أحد هؤلاء الكبار· إنه رائد الشفافية الصوفية في الرواية العربية الحديثة·
    معروف عنه أنه من مريدي نجيب محفوظ· ولكنه لم يقلده، وهذا أحسن له·
    حسونة المصباحي:
    ـ قليلون هم الكُتَّاب العرب الذين أخذوا الكتابة بجدية فاعلة· حسونة المصباحي أحدهم· جند نفسه ليكون في صف الذين سبقوه الى المغترب البطولي·
    يتبدى، من خلال ما نقرأه له، سواء عن وطنه تونس، أو عن المنفيين المبدعين أمثاله، أنه أخذ مشعل النضال الذي تنتصر فيه فكرة شجب الإحباط أينما كان·
    صلاح فضل:
    ـ صلاح فضل ناقد كبير يوظف ثقافته لخدمة النص الأدبي، على مستوى تحليله وإضاءته، ومساعدة المتلقي على الوصول الى الوعي والفهم والتذوق·
    إنه يمتلك خبرة نقدية نظرية لايملكها إلا القلة من النقاد العرب·
    يمنى العيد:
    ـ ناقدة من طراز نادر· وجه مشرف للنقد الأدبي النسائي· شاعرة في نقدها· أما أسلوبها الأدبي، فإنه لايوازيه سوى إشراقة أفكارها، وتوهج منطقها الفني·
    علي جعفر العلاق:
    ـ صديق عزيز· وشاعر كبير
    أعرفه منذ نهاية السبعينات· قرأت له قصائد كثيرة وأعجبتني، وقد كتبت عن ديوانه الجميل "وطن لطيور الماء"·
    اللغة، الصورة، الاحساس بانفلات الزمن، تلك من مميزاته الخاصة·
    ـ إشارة: ثمة أسماء أدبية أخرى، مغربية وعربية، رفض شكري إبداء رأيه فيها، سلبا أو إيجابا·
    حاولت معرفة سبب رفضه، الذي بدا لي غريبا عليه هو الصريح الى حد الإحراج···
    لكنه واجه إلحاحي بصمته!
                  

03-20-2009, 03:37 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30716

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تركنا الطيب صالح شجرة السودان - محمد زكريا السقال! أروع ما كتبه المغاربة عن الراحل المقيم! (Re: jini)

    Quote: في رواية عرس الزين
    للطيب صالح
    سعيد يقطين
    1. تقديم
    2. الخبر والرواية
    3. توسيع الخبر
    4. القسم والتنبؤ
    5 . تركيب


    1. تقديم :
    1. 1 . تأصيل أم تجريب؟
    تشيع حاليا في النقد الروائي العربي مصطلحات مثل : التراث والحداثة ، والتأصيل والتغريب ،،، غير أن توظيف هذه المصطلحات في علاقته بالنص الروائي ، لايستند في الأغلب إلى خصوصية ما تقدمه الرواية العربية ، ولكن إلى مشاكل حيوية يخوض فيها الفكر العربي الحديث . لذلك تتم معالجتها من منظور تقييمي وموقفي . ولما كانت لنا نظرة مختلفة إلى مثل هذه القضايا ، إيمانا منا بأن اتخاذ المواقف وأحكام القيمة هما معا من محصلات رؤيات مسبقة عموما ، وليسا مقدمات للبحث والتحليل ، ارتأينا تجاوز هذه التصنيفات الثنائية لما فيها من اختزال وتعميم .
    إننا نذهب في مسار آخر ، ونعتبر تجربة التأصيل يمكن أن تكون حداثة ، كما يمكن لمغامرة روائية تجريبية أن تصب في مجرى التأصيل الروائي ،،، وهكذا . فالتجربة الروائية المتطورة والمبدعة تكتسب خصوصيتها من مدى قدرتها على تحقيق مستوى من " الإبداعية " يؤهلها للتفاعل مع الواقع والعصر ، سواء تحقق ذلك من خلال استلهام التراث ، أو تجريب تقنيات جديدة . ولا مشاحة في أن المادة الحكائية أوالتقنية التجريبية ليست هي التي تحقق للرواية وحدها طابعها "الروائي " أو" السردي" في بعديه التأصيلي أو التجريبي . إن لصناعة الكاتب وقدرته الفنية على الإبلاغ والإمتاع ، دورهما الأساسي في إضفاء الطابع الفني والجمالي على العمل الروائي أو الأدبي .
    انطلاقا من هذه الرؤية ، نرمي إلى تجاوز التصنيفات الجاهزة ، ونعانق جمالية الرواية لنكشف عن مكامنها ومميزاتها ، وما يجعل منه جديرة بأن تكون رواية فعلا ، تسهم في إثراء المجال الأدبي العربي ، وتنفتح على قضايا الإنسان والمجتمع العربيين بناء على ما تزخر به من مقومات جمالية وتعبيرية . وفي هذا المضمار أبادر إلى القول بأن رواية " عرس الزين " (1) للطيب صالح تتوفر على جانب أساسي من هذه المقومات وعلينا أن نضطلع بالبحث والكشف عنها من خلال الاشتغال ببعض عناصرها الدالة على ذلك .
    1 . 2 . واقع أم تراث ؟
    على غرار التصنيفات الثنائية ، ومن ذيولها يسود الاعتقاد بأن الرواية حين تعانق التراث تكون بذلك تساهم في التأصيل لأنها تبتعد عن الحاضر ، وتنغمس في الماضي أو التاريخ . ويظهر ذلك بجلاء من خلال استعمال اللغات العتيقة وأساليب الحكي التقليدي أو بواسطة توظيف المادة التاريخية أو تقنيات مستمدة من أجناس الكلام العربي القديم . وكل الروايات المعالجة في نطاق " التأصيل " والتراث تتوفر على بعض هذه السمات التي تظهر بصورة أو بأخرى . وتعتبر الرواية تجريبية أو " تغريبية " حين توظف عوالم تتصل بالعصر الحاضر ( هنا ـ الآن ) وبلغات جديدة ، وتقنيات حديثة .
    إننا بحسب هذا التصور ، لانميز بين التراث كواقع ، والتراث كمفهوم ، والواقع باعتباره مفهوما وتجربة في آن واحد . وعدم التمييز هذا يجعلنا نضع حدا زمانيا فاصلا يغدو بمقتضاه ماهو "تراث " منتهيا ، ومتصلا بالماضي ، وما هو واقع ما يزال قيد الوقوع . ولا ننظر في الزمان بصفته امتدادا يتداخل فيه الماضي السحيق بالحاضر والمستقبل . ومرد هيمنة هذا التصور يؤوب في تقديري إلى ارتهاننا إلى رؤية خاصة تتصل بالرواية من حيث نشأتها في تاريخنا الحديث .
    لكننا عندما نتأمل النصوص الروائية ، وهنا نحن أمام "عرس الزين" ، نجد أنفسنا أمام رواية تحطم هذا الاعتقاد الزماني : فهي تقدم لنا " الواقع " المعيش من خلال قرية سودانية ، والآن ( العصر الحديث ) باعتبار صلاتهما بما هو " تراثي " وعلى أصعدة شتى ، سنتوقف عندها ، بحيث تدفعنا إلى التساؤل في نهاية التحليل : ما هي حدود الواقع ؟ وما هي حدود التراث ؟ وما هي حدود " التأصيل " الروائي ؟ وماهي حدود التجريب على صعيد الكتابة ؟
    1 . 3 . الرواية والاختلاف :
    الرواية نوع سردي يقوم على الاختلاف مع الأنواع السردية العتيقة ، وله قدرة على استيعاب مختلف الأجناس والأنواع وتحويلها . وهنا مكمن إنتاجيتها كي لا أقول "حداثتها". إنها منفتحة على الزمان وعلى الإبداع . هذا الانفتاح هو مصدر فنيتها وإبداعيتها ، سواء تحقق ذلك من خلال معالجتها الحدث في التاريخ السحيق أو في الواقع المعيش ، أو المستقبل الممكن أو المتخيل . لذلك عندما نعتمد البعد الفني أساسا للتحليل ، نكون نسعى إلى تجاوز التصنيفات المسبقة التي تتحدث عن " التأصيل " أو "التحديث " بناء على علاقة القصة بالخطاب في الرواية فقط ، دون اعتبار علاقة الخطاب بالقصة . وتبين لنا "عرس الزين" باعتبارها رواية كيف يتحقق الاختلاف من خلال استيعابها أنواعا قديمة ، وتفاعلها معها عبر تحويلها وهي تجري أمامنا في الواقع .

    2 . الخبر والرواية :
    2 . 1 . الخبر والأثر :
    يستيقظ مجتمع الرواية على خبر . الخبر بسيط بالنسبة إلينا نحن القراء ، لأننا خارج " مجتمع " الرواية . لكننا بالتدريج ، أي كلما انخرطنا في عملية القراءة ، ندخل هذا المجتمع ، ونحقق نوعا من التماهي معه ، فتبدو للخبر طبيعة خاصة بالنسبة إلينا نحن كذلك .
    مفاد هذا الخبر : " الزين يتزوج " . وتأتي الرواية بكاملها لتفسير هذا الخبر وتحليله ووضعه في سياقه . وبكل ذلك يتأتى لنا نحن القراء دخول عالم الرواية ، وفهم طبيعة هذا الخبر و" سره " . كما أن العنوان يجسد لنا الخبر ذاته : " عرس الزين " . إن مادة الرواية الحكائية بهذا التحديد تتمحور حول فعل "الزواج "، وفاعل " العريس / الزين " . ويمكننا تبعا لذلك أن نختزل الرواية بكاملها إلى مبتدأ وخبر على النحو التالي : " الزين يتزوج " .
    خبر عادي ، كما نلاحظ . إنه طبيعي وعادي ، وواقعي . لكن نسبة الزواج إلى " الزين " يجعلنا نتساءل عن أسباب كون هذا الزواج يكتسب بعدا خبريا . ويتحول من فعل عادي وطبيعي إلى فعل "عجيب ". وطابع العجب الذي اتسم به الخبر هو الذي أضفى عليه "الخبرية " ، وجعله قابلا لـ" التداول " والتلقي . وهو في تداوله وتلقيه أحدث أثرا في متداوليه ومتلقيه على السواء ، داخل مجتمع عالم الرواية .
    الخبر إذن نوع سردي بسيط يتمحور حول " فعل " مركزي ، ويقبل التداول لأثر يحدثه في المتلقي .
    2 . 2 . الخبر :
    نفتح الرواية على خبر يتحقق من خلال الملفوظات الثلاثة التالية :
    1 . " سمعت الخبر ؟ الزين مو داير يعرَس " . ( ص . 5 ) قالتها حليمة بائعة اللبن لآمنة .
    2 . " الزين ماش يعقدو له بعد باكر " .( ص .6 ) يقولها التلميذ لناظر المدرسة .
    3. " ... اقعد انحكيلك حكاية عرس الزين " ( ص. 6 ) . يقولها التاجر علي لعبد الصمد .
    هذه الملفوظات الثلاثة تأتي من ثلاثة أصوات مختلفة ( امرأة ـ تلميذ ـ رجل ) ، وفي ثلاثة أزمنة متباينة ( قبيل شروق الشمس ـ الصباح ـ الضحى ) ، وفي ثلاثة سياقات تختلف فيها العلاقة وتتوتر بين راوي الخبر ومتلقيه :
    ا. حليمة بائعة اللبن تريد أن تغش آمنة .
    ب. التلميذ الطريفي يأتي متأخرا عن حصة الدرس .
    ج. علي لايريد أداء ما عليه من دين ، ويماطل عبد الصمد .
    إن كل واحد من هؤلاء الرواة الثلاثة ، يوظف " الخبر " للتأثير على متلقيه ، والتدليس عليه لتحقيق غاية خاصة ، وهو متيقن من حصولها لخصوصية الخبر ، وطبيعته الخاصة. وفعلا ما أن سمع المتلقون الثلاثة الخبر حتى ظهر الأثر :
    1. " وكاد الوعاء يسقط من يدي آمنة " ص . 5.
    2. " وسقط حنك الناظر من الدهشة " ص . 6 .
    3 . " وجلس عبد الصمد ووضع يديه على رأسه ، وظل صامتا " ص .7 .
    نعاين بجلاء من خلال التعابير الموظفة لرصد ردود أفعال المتلقين أمام خبر " غير عادي " في حياة القرية : فالوعاء يكاد يسقط ، والحنك يسقط ، ويصاب عبد الصمد بالذهول ، فيظل صامتا . يولد الخبر العجيب الأثر العجيب داخل عالم الرواية . ويدفعنا هذا الأثر ، وذاك الخبر ، نحن القراء إلى التساؤل عن مكمن " العجب " وموئله في هذا الخبر ، وعن طابعه الخبري الذي يتميز به ، والبحث عن الجواب عنه من خلال عملية القراءة .
    تأتي رواية عرس الزين بكاملها لتكشف لنا عن هذه الخبرية ، وهي تحقق من خلالها سرديتها وروائيتها . ويمكننا معاينة ذلك من خلال المشاهد الثلاثة التي تم عبرها ترهين الخبر . ويفرض علينا هذا الوقوف على طبيعتها ، وخصوصيتها في عملية بناء النص على النحو التالي :
    1. من حيث المفارقة الزمنية : نجد الرواية تنفتح على " استباق " ، وذلك على اعتبار أن حدث العرس هو ما تختتم به الرواية .
    2 . من حيث التواتر : نحن أمام " التكراري " ، لأن الحدث الواحد قدم إلينا ثلاث مرات ، ومن خلال ثلاثة أصوات مختلفة .
    3 . من حيث المدة : يقدم إلينا " الخبر " من خلال " المشهد " الذي يتوازى فيه زمن القصة وزمن الخطاب .
    إن اجتماع الاستباق والتكراري والمشهد يوحي إلينا نحن القراء ، أننا أمام خبر غير عادي . وذلك بناء على أن الاستباق يبين لنا قيمة الحدث أو الخبر الذي دشن به السرد ، لأن كل ما سيأتي يبنى عليه . وأن التكراري يكشف لنا عن الطبيعة الخاصة للحدث ، ولذلك استرعى الاهتمام أكثر ، وكان له أكثر من راو ، وطريقة في الأداء . وأخيرا يبرز لنا المشهد أن مختلف أطراف مجتمع الرواية ( الشخصيات من مختلف الفئات ، وسواء كانت تمارس السرد أو تتلقاه تنفعل بالحدث ) تمحضه القيمة نفسها .
    كل هذه الاعتبارات تجعلنا نرى " الخبر " نواة السرد ، ومولِّده في آن واحد . لذلك فإننا على صعيد بناء الرواية ما أن نتجاوز هذه المشاهد الثلاثة ( التي نعتبرها مجتمعة بمثابة مطلع الرواية ) حتى تشرع الوحدات السردية اللاحقة في تحليل الخبر وإضاءته عبر إعادة ترتيب الزمن ، ويظهر لنا ذلك بجلاء في قول الراوي : " ولما انتصف النهار كان الخبر على فم كل واحد " . ( ص . 11 )
    يولد الخبر "العجيب " الأثر " العجيب " في مجتمع الرواية ، ويدفعنا هذا نحن القراء إلى التساؤل عن سر "العجب" في هذا الخبر ؟ وذلك ما تضطلع الرواية بالجواب عنه ، ومن خلاله تعمل على إدماج القارئ في النص الروائي .




    3 . توسيع الخبر :
    بما أن الخبر جاء على شكل استباق ، فإن الدخو ل إلى عالم النص ، يتحقق أولا بوضع شخصية " الزين " وقت انتشار الخبر في القرية بكاملها ( منتصف النهار ) قرب البئر يملأ أوعية النساء ، وهو يضحك معهن بطريقته الخاصة ، والأطفال يتصارخون من حواليه "الزين عرس ،،،" وهو يطاردهم ، ويرميهم بالحجارة ، والكل يضحك ويصرخ ، لكن ضحكة الزين كانت تعلو فوق ضحك الجميع ، تلك " الضحكة التي أصبحت جزءا من البلد منذ أن ولد الزين " ( ص . 11 ) .
    في منتصف النهار ، يصل الخبر الجميع ، ويواجه به الزين ، وكان " الضحك " سائدا مجتمع القرية . وبعد هذا المشهد ينتقل بنا الراوي ، على إثر إشارته إلى " الضحكة" المتميزة للزين إلى ميلاده العجيب ، وإلى الوقوف على صفاته الخارجية ، وموقعه داخل البلد ، ومجموعة من الأفعال التي وقعت له إلى حين إعلان " زواجه " التي كان مثار حديث الشخصيات وتعليقاتها وتأويلاتها .
    يتم توسيع الخبر باتباع استراتيجيتين اثنتين ، تركز أولاهما على موضوع " العجب " المتصل بالشخصية المحور ، وثانيتهما على أسباب حدوث الأثر في شخصيات عالم القرية ، وهو ما سنتوقف عنده من خلال النقطتين معا .
    3 . 1 . الشخصية العجيبة :
    يتصل الخبر الذي اعتبرناه موئل السرد ب" الزين " الشخصية المحورية في الرواية . إنه مختلف عن باقي الشخصيات ، ولو كان الزواج لشخصية أخرى في البلد ، لما كان له كل الأثر الذي خلفه . ينبري الراوي لتجسيد خصوصية هذه الشخصية انطلاقا من ميلادها إذ هي على غرار الشخصيات العجيبة ذات ميلاد عجيب .
    أول مظهر للعجب الذي يتميز به عن غيره من الأطفال ساعة الميلاد هو الضحك:"يولد الأطفال فيستقبلون الحياة بالصريخ ،،، ولكن يروى أن الزين ، والعهدة على أمه والنساء اللائي حضرن ولادتها ، أول مامس الأرض ، انفجر ضاحكا . وظل هكذا طول حياته ،،، ". (ص . 15 ) .
    ثاني مظهر للعجب أنه " كبر وليس في فمه غير سنين ، واحدة في فكه الأعلى ، والأخرى في فكه الأسفل " ( ص .15 ) . ويتوسع الراوي في تقديم أوصافه الخارجية مشفوعة بتشبيهات تتصل بعالم الحيوان : حواجب ولا أجفان ، عنق طويل كالزرافة ، ذراعان طويلتان كذراعي القرد ، ساقان رقيقتان طويلتان كساقي الكركي ، الضحك الغريب الذي يشبه نهيق الحمار ،،،
    هذان المظهران المتصلان بالعجب يجعلانه فريدا ومتميزا عن الجميع ، بحيث كان "موضوعا " للحكي منذ ولادته : الضحك الذي واجه به العالم كما ترويه أمه والنساء اللواتي حضرن فترة ولادته ، وفقدانه الأسنان البيضاء هو كذلك مما ترويه أمه عندما كان في السادسة من عمره ، ومرورها وهو صحبتها بخربة يشاع أنها مسكونة قبيل المغرب ، وكيف تسمر الزين فجأة " مكانه وأخذ يرتجف كمن به حمى ، ثم صرخ ، وبعدها لزم الفراش ، ولما قام من مرضه كانت أسنانه جميعا قد سقطت ،،، " ( ص. 15 ) .
    إننا أمام شخصية تنهض على تنافر الأضداد : قبح ظاهر وضحك نادر . وكل ما يتصل بسلوكه وأفعاله هو وليد شخصيته المتميزة المائلة إلى الهبل : شخصية غير عادية ، تفنن الراوي في جعلها قطب رحى البلد ، فإذا هي عفوية ، وبسيطة وساذجة ، يتخذها البعض موضوعا للهزء ، والتندر ، ويراها البعض الآخر وليا من أولياء الله .
    شخصية بهذه المواصفات لايمكن أن تتزوج أبدا ، ولاسيما عندما نعرف أن الفتاة التي يتزوج من عائلة ذات موقع متميز في البلدة . إنها " نعمة " التي يتهافت عليها الجميع . وعندما يشاع أنها قبلت الزواج منه ، فلا يمكن لذلك إلا أن يكون حدثا استثنائيا في حياة البلدة ، بل إن العام الذي يتزوج فيه " الزين " سيصبح في تاريخ القرية معروفا ب " عام العجائب ".ألم يصرخ ناظر المدرسة ، وهو متوجه إلى دكان الشيخ علي وعنده عبد الصمد قائلا قبل أن يصل إليهما : "شيخ علي ، حاج عبد الصمد ، السنة دي سنة العجايب دا كلام إيه دا ؟ ". ( ص.88) .
    إن بناء شخصية " الزين " من خلال تجسيد عناصرها الفيزيولوجية والذهنية تجعلنا فعلا أمام شخصية غير عادية ، ولا طبيعية بمقارنتها مع باقي الشخصيات . ويبين لنا هذا الملمح لماذا كانت للخبر كل الآثار التي لمسناها في مطلع الرواية من خلال الاستباق .
    3 . 2 . أثر الخبر :
    تتطور أحداث الرواية متخذة من شخصية " الزين " محورا مركزيا . وفي هذا التطور يتوسع الخبر عبر استدعاء كل واحد من المشاهد الثلاثة . ومن خلال هذا التوسيع يتم تفسير دواعي حصول الأثر في الشخصيات من جهة ، وإبراز العلاقات التي تربط بين مختلف الشخصيات في الرواية من جهة ثانية ، وأخيرا يتم الكشف عن خصوصياتها وطبائعها .
    3 . 2 . 1 . آمنة ، وبائعة اللبن : ينتقل بنا الراوي في الصفحة 41 إلى المشهد الأول بين حليمة بائعة اللبن وآمنة ليكشف لنا سر حصول الأثر في آمنة وأسبابه . قبل شهرين من شيوع الخبر ، كانت بين آمنة وسعدية أم نعمة قطيعة بسبب موت أم آمنة ، ولم تأت سعدية لتعزيتها ، أنها كانت مريضة في المستشفى . وعندما خرجت منه لم تذهب آمنة للاستفسار عن صحتها ، لأنها لم تعزها . لكن بعد مدة ذهبت آمنة إليها لتطلب يد اينتها "نعمة " لابنها أحمد . وكان الجواب هو الرفض " والآن يزوجونها للزين . هذا الرجل الهبيل الغشيم . يزوجونها للزين دون سائر الناس ... " (ص .43 ) .
    إن الأثر الذي أحدثه الخبر في آمنة جاء مشفوعا بالغضب بسبب كون أهل العروس رفضوا تزويجها لابنها أحمد ، لذلك " شعرت آمنة كأن في الأمر إساءة موجهة إليها شخصيا ، عن عمد " ( ص . 43) . هذا الغضب أحست به بائعة اللبن ، فحسبت آمنة قد أدركت أنها غشتها ، فزادتها قليلا لتأخذ بخاطرها .
    3 . 2 . 2 . نجد الأمر نفسه مع ما رأيناه في المشهدين الثاني والثالث . فمن الصفحة 87 إلى الصفحة 95 يضعنا الراوي أمام الناظر والشيخ علي وعبد الصمد . حين سمع الناظر بخبر زواج الزين من التلميذ الطريفي نسي أن التلميذ جاء متأخرا ، وعليه أن يعاقبه . ولم يمكث إلا برهة في القسم ، وطلب من التلاميذ مراجعة درس الجغرافيا ، وخرج من القسم مسرعا ، وتوجه نحو دكان الشيخ علي . بواسطة الخبر نجا لطريفي من العقاب ، ونجا التلاميذ من درس الجغرافيا . تماما كما نجح الشيخ علي في عدم ماعليه من دين لعبد الصمد الذي جاءه ليخلص منه دينه بالخير أو بالشر .
    لكن الحديث عن " زواج " الزين أنسى عبد الصمد تخليص ماله من الشيخ علي . ونتبين من العرض غير المباشر الذي جرى بين الثلاثة حول الزواج أن الناظر كان قد فكر ذات مرة في خطبة " نعمة " من أبيها ، لكنه رده لفارق السن بينهما ، ووعده ألا يذكر ما جرى بينهما . لكن الناظر " لما سمع بأنها ستزف للزين دون سائر الناس أحس الخنجر ينغرس أكثر في قلبه " . ( ص. 92 ) .
    لايختلف موقف الناظر عن موقف آمنة ، فكلاهما يرى أن زواج الزين من نعمة هو موقف شخصي من كل واحد منهما . لكن المسألة لاتتعلق فقط بالرفض ، وتزويج نعمة ، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه على كل واحد منهما ، هو لماذا الزين بالضبط ؟ ونلاحظ ذلك بجلاء في " تعجب " كل من آمنة والناظر ، وتساؤلهما " لماذا الزين دون سائر الناس ؟ " . هذا التساؤل يؤكد لنا الطابع الخاص الذي تتميز به هذه الشخصية في عالم الرواية .
    إن توسيع الخبر لايظهر لنا فقط من خلال " عجائبية " الشخصية ، أو تفسير الأسباب الكامنة وراء الأثر الذي أحدثه الخبر في مجتمع الرواية ، ولكنه علاوة على ذلك ، يكشف لنا عن عوالم شخصيات الرواية ، وما تعرفه من اصطفافات ( معسكر العقلاء / فريق الشبان/ فريق محجوب ،،، ) وتقاطبات ( التحولات الطارئة على مجتمع القرية من خلال ما يجري فيها ) ، ومجمل العلاقات العامة والخاصة التي تربط أو تفصل بينها . وهذا الكشف له صلة وثيقة ببناء " شخصية الزين " وموقعها داخل مجتمع الرواية لأن " الزين كان فريقا بذاته " ( ص . 100 ) .
    4 . القسم / التنبؤ :
    إذا كان توسيع الخبر قد تم من خلال استراتيجيتين تتصلان به ، وتفسران طبيعة الشخصية المحورية ، وعلاقات الشخصيات بعضها ببعض ، وموقفها من الزين ، فإننا نجد أنفسنا أمام ما يسمح لنا بالحديث عن " تشعب " الخبر من خلال توظيف أسلوبين لايختلفان معا عن الخبر في حد ذاته باعتباره نوعا سرديا ولكنهما يساهمان معه في تشكيل عالم الرواية وتأثيثه وبنائه . هذان الأسلوبان هما :
    4 . 1 . القسم :
    توظف الرواية إلى جانب الخبر القسم متصلا بالزواج ، مباشرة بعد وصف الزين . ذلك أن الزين كان في مجلس يحكي للحاضرين عن إحدى مغامراته في الحفلات التي يحضرها بقصد الحصول على الطعام ، ولكي يؤكد لهم حكيه ، قال :" علي بالطلاق آزول الريحة سكرتني " . ( ص . 19 ) إن القسم بالطلاق جزء أساسي من بنية الكلام ، وقد يستعمله المتكلم لتأكيد كلامه ، لكن عبد الحفيظ اعترض على حلف الزين بالطلاق ، مبينا أن الزين لن يتزوج أبدا من خلال قوله : " وضحك عبد الحفيظ : " وين المره البطلقها مع الرجال ؟ " لم يعبأ الزين بهذا ، ولكنه استمر يحكي في القصة ،،، " ( ص . 19 ) .
    إن عبد الحفيظ حين يقاطع الزين بعد سماعه قسمه بالطلاق يؤكد لنا نحن القراء الصورة التي بدأت تتشكل لدينا بصدد الخبر ، ونحن نتساءل عن إمكانية تحققه أو أسباب الأثر التي خلفها ، بعد أن عاينا ما أحدثه في الشخصيات الثلاث في مطلع الرواية . إن موقف عبد الحفيظ يعكس لنا بدوره خصوصية الزين وإجماع الناس بصدده ، وأنه لايمكن أن يتزوج أبدا .
    لكن تطور الأحداث ، وحصول الزواج في نهاية الرواية ، يضعنا أمام تحويل الرؤية الأولى التي تشكلت لدينا عن الزين . وفي حفل العرس ، كان الزين يقف بنفسه ليحث الناس على الأكل "،،، يبتسم ويضحك ، يدخل بين الناس ، يهز بالسوط ، ويقفز في الهواء،،، ويحث هذا على الأكل ، ويحلف على هذا الطلاق أن يشرب " . ( ص. 121) . يذكرنا هذا القسم بما رأيناه في بداية الرواية ، لكن القسم الآن صار له معنى كما يبدو لنا ذلك من خلال تعليق محجوب على كلام الزين " وقال له محجوب : " دحين أصبحت بني آدم . حلفتك بالطلاق يادوب أصبح ليها معنى " . ( ص . 121 ) . واضح الفرق بين الصيغة الأخيرة ، والأولى . فالآن صار الزين " إنسانا " بتحقق فعل الزواج وأن حلفه بالطلاق صار له معنى ، أما قبل ذلك ، فلم يكن سوى لغو .



    4 . 2 . التنبؤ :
    إذا كان " القسم " بالطلاق هو ملفوظ الشخصية الذي يثير السخرية والضحك في بداية النص ، لأن الزين لايمكن أن يتزوج ، كما كان ذلك في وعي الشخصيات ، فإن "التنبؤ " ملفوظ شخصية الحنين الشيخ الناسك في القرية . وهذاا الملفوظ له طابع سحري ، ويأتي من شخصية " عجائبية " ، لأنه كما يرى محجوب بصدد أقوال الحنين "نبوءات هؤلاء النساك لاتذهب هدرا " ( ص . 67 ) .
    بعد الشجار الذي وقع بين الزين وسيف الدين بسبب أخت سيف الدين ليلة عرسها ، وكاد الزين أن يقتل سيف الدين ، جاء الحنين ليوقف الزين وهو ممسك برقبة سيف الدين ، وقال له " باكر تعرس أحسن بت في البلد دي . وأحس محجوب بخفقة خفية في قلبه . كان فيه رهبة دفينة ما لأهل الدين ،،، " ( ص . 67 ) .
    تتضافر هذه النبوءة مع القسم لتلعب دورا مهما في تشعب خبر الزين ، وتفسير العوامل المتعددة التي ساهمت في تحققه ، وتقديم مختلف العناصر التي تجعله ممكنا ، وفي النهاية واقعا . وفعلا نلاحظ أنه إذا كانت هذه النبوءة قد جاءت في منتصف الرواية ، فإننا نلاحظ في المجلس الذي ضم الناظر والشيخ علي وعبد الصمد ، وهو يتحدثون عن الزين والزواج ، كيف يتدخل عبد الصمد ليقول : " كلام الحنين ما وقع في البحر . قال له باكر تعرس أحسن بت في البلد" ( ص .89 ) . ويعلق الناظر : " أي نعم والله . أحسن بت في البلد إطلاقا . أي جمال ! أي أدب ! أي حشمة ! ... " (ص . 89 ) .
    ويتكرر المشهد بحضور الزين في مجلس يضم محجوبا وسعيد والطاهر الرواسي ،،، وهو يتحدثون عن عرس الزين متعجبين ، فيتدخل الزين " وقال في سرور : الحنين قال لي قدامكم كلكم : باكر تعرس أحسن بت في البلد " .( ص . 112 ) .
    إن التعبير عن كلام الحنين من خلال التكراري له أكثر من دلالة في توجيه الأحداث ، والهيمنة عليها . إنه يوجهها لأن النبوءة ليست فقط قولا عاديا من شخصية عادية ، ولكنه يساهم في تشعب الحدث بجعله " مقبولا " من قبل الشخصيات التي لايمكنها أن تعارضه أن تتدخل ضده . وسنلاحظ ذلك بجلاء في التأويلات التي رافقت الحدث ، وما جره من أقاويل وتعليقات .
    4 . 3 . تأويلات وأقاويل :
    لقد وظفت لتقديم المادة الحكائية في رواية عرس الزين أنواع ثلاثة هي :
    4 . 3 . 1 . الخبر : الذي قد جاء عن طريق الاستباق ، وتم توسيعه من خلال الذهاب إلى "الحكي الأول " المتصل بميلاد الشخصية العجيبة ، وبدأت الأحداث تتطور ، وتتشعب من خلال توظيف :
    4 .3 .2 . القسم : وهو نوع كلامي وظفه الروائي ليضعنا أمام احتمالين : إمكان نفاذ وتحقق الزواج أو عدمه .
    4 .3 . 3 . التنبؤ : وهو كذلك نوع كلامي لا يمكن أن يصدر إلا عن شخصية لها خصوصيتها.
    وإذا كانت الرواية قد افتتحت باستباق ( الخبر ) ، فإن النوعين الآخرين ( القسم / التنبؤ ) تم توظيفهما في منتصف الرواية ، ليتم تحققهما في النهاية . وبذلك تتضافر هذه الأنواع الثلاثة ، وتتكامل لتشكيل عالم الرواية ، وتضمن تلاحم بنيتها الحكائية وانسجامها.
    إننا كما رأينا " التكراري " يبرز لنا بجلاء من خلال الأنواع التي ألمحنا إليها وهي تقدم لنا " الحدث " المحوري ، أو من خلال توسيعه أو تشعبه ، نجده باديا كذلك في نهاية الرواية ، وقد وصلنا إلى الحدث نفسه ( الزواج ، وقد أخذ موقعه ضمن الترتيب إذ به تكتمل دورة الرواية ) ، لكن هذه المرة ليس من خلال الإعلان عن الخبر ، ولكن من خلال تأويلاته ، وما رافقه من أقاويل في مجتمع الرواية ، وبالأخص من خلال الأصوات التي من خلالها وصل الخبر :
    " اختلفت الأقاويل . قالت حليمة بائعة اللبن لآمنة ، وكأنها تغيظها ،،، إن نعمة رأت الحنين في منامها ، فقال لها : عرسي الزين . اللي تعرس الزين ما بتندم ،،،
    وزعم الطريفي لزملائه أن نعمة وجدت الزين في يحشد من النساء ،،، فحدجتهن بنظرة صارمة وقالت لهن : باكر كلكن تأكلن وتشربن في عرسه ،،،
    وروى عبد الصمد للناس في السوق أن الزين هو الذي طلب الزواج من نعمة ،،، إلا أن المرجح أن الذي حدث غير هذا ، وأن نعمة ، بما فيها من عناد ، وربما بوازع الشفقة على الزين ، أو تحت تأثير القيام بتضحية ، قررت أن تتزوج الزين ،،،( ص . 116 ـ117)
    هذه التأويلات المتعددة التي تقدمها لنا الرواية تأتي على شكل أقاويل لايمكن إلا أن نشك في صحتها أو ملاءمتها لما تقدمه لنا لرواية من إمكانات ومعطيات . فحليمة بائعة اللبن لاتسوق ( تروي ) الخبر إلا بقصد مركزي : إغاظة آمنة . ولذلك فإنها تذهب إلى اختلاق سبب وجيه يقضي بالزواج بين الزين ونعمة بإعطائه بعدا عجائبيا ( حلم نعمة بالحنين ) . وعلينا ألا ننسى في هذا السياق " التنبؤ " الذي جاء على لسان الحنين . إن حليمة تستثمره بذكاء مركزة على بعده القابل للتحقيق ، فهو الكلام الذي لايرد .
    أما الطريفي ( التلميذ ) فيجعل الزواج جاء بإرادة " نعمة " لما رأت الزين وسط النساء وهن يضحكن منه . إنه التحدي الذي تمارسه نعمة حيال قريناتها . أما عبد الصمد فيجعل أمر طلب الزواج جاء بناء على رغبة الزين ، فهو الذي أقدم على ذلك بتوجيه من "كلام " الحنين الذي يعتقد فيه ، وسبق أن بينا استشهاد الزين بكلام الحنين .
    تتعدد هذه التأويلات ( الأقاويل ) وتختلف باختلاف أصوات الرواية . تركز حليمة على نعمة من خلال حلمها بالحنين ، والطريفي كذلك ينطلق من نعمة تبعا للمشهد الذي عاينته هذه الأخيرة ، بينما يركز عبد الصمد على الزين . هذه الاختلافات في تأويل "الخبر" ترتبط بجلاء باختلاف طريقة تقديم الخبر من قبل الأصوات التي وقفنا عليها .
    لكن الراوي له وجهة نظر خاصة بصدد هذه التأويلات ، فهو يستبعدها جميعا ، ويقدم لنا تأويلا آخر يراه مناسبا . يبدو لنا ذلك بجلاء في قوله " من المرجح أن الذي حدث غير هذا " . إن الصيغة بينة في الكشف عن التأويلات المقدمة ومدى مجانبتها للصواب ، لذلك يقترح علينا تأويلا مغايرا " إن نعمة بما فيها من عناد ، وربما بوازع الشفقة على الزين ، أو تحت تأثير القيام بتضحية ، قررت أن تتزوج الزين " ( ص . 117) . يركز الراوي على البعد النفسي ل" نعمة " وما تتميز به من عناد ، ويفسر ذلك بتشديده على " ربما " من خلال الإيحاء إلى شفقة نعمة على الزين ، ورغبتها في التضحية .
    يلتقي التأويل الذي يقدمه لنا الرواي مع ما نجده عند التلميذ الطريفي من خلال تركيزه على " رغبة " نعمة في الزواج من الزين . لكن الراوي يعطيها أبعادا أكثر وضوحا ، مادام التلميذ يبرزها لنا من خلال " المشهد " الذي جمع النساء بالزين ، وهن يضحكن منه . إنه موقف لايمكنه إلا أن يثير الشفقة ، ولاسيما إذا عرفنا أن نعمة بنت عم الزين .
    هذا الترجيح الذي يقدمه الراوي نجد ما يعضده و يفسره في بداية الرواية عندما انبرى لتقديم صورة عن شخصية " نعمة " من خلال تركيزه على عنادها ، ورغبتها في التميز . فهي في طفولتها أرغمت أباها على دخولها الكتاب لتتعلم القرآن ، وهي عندما كانت تقرأ القرآن الكريم كانت تشعر بنشوة عظيمة ، ولاسيما " حين تصل إلى الآية : " وأتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا " وتتخيل رحمة امرأة رائعة الحسن ، متفانية في خدمة زوجها ، وتتمنى لو أن أهلها سموها رحمة . كانت تحلم بتضحية عظيمة لاتدري نوعها . تضحية ضخمة تؤديها في يوم من الأيام " ( ص .52 ) .
    كانت نعمة تتمنى لو كانت " رحمة " زوجة أيوب ، ولو سماها أهلها رحمة ، لأنها "منذورة " لتقديم تضحية عظيمة . لذلك فإن رغبتها التي تكونت عندها منذ طفولتها ، صارت بمثابة " التنبؤ " أو " الحلم " الذي ظل مسيطرا عليها منذ زمان . وهي حين كانت تضع صورة عن فارس أحلامها ، لم تكن تفكر كثيرا فيه ، وكأنها قد حسمت الأمر مع نفسها منذ اكتشافها الزين . إن الزين في وضعه الاجتماعي لايختلف كثيرا عن " أيوب " فهو عرضة للهزء والسخرية من الغير ، ومدعاة للرحمة والشفقة من نعمة . ولنا أن نتذكر هنا المشهد الذي يرويه التلميذ الطريفي عن نعمة ، وهي تخاطب النسوة اللواتي كن يضحكن من الزين .
    إن التأويلات أو الأقاويل لاتختلف من حيث الجوهر ، حتى وإن رجح الراوي واحدا منها على غيره . إن دلالتها واحدة وتبرز في كون " نعمة " منذورة للزين ، سواء جاء ذلك بناء على رعبتها في التحدي ، أو الشفقة ، أو استجابة للحلم الذي رأت فيه الحنين .
    5 . تركيب :
    ينجح الطيب صالح في بناء رواية عرس الزين على " الخبر " . ويوظف لتوسيعه وتشعبه نوعين آخرين هما " القسم " و" التنبؤ " ، وانطلاقا من استثمار عالم القرية في جزئياته وتفاصيله ، يقدم لنا تجربة روائية يتداخل فيها " الواقعي " ( واقع القرية السودانية ) مع " التراثي " ( من خلال العديد من العناصر الدالة عليه ) بحيث لانجد مسافة بينهما . إن التاريخ القديم بأشكاله ومثله وقيمه ما يزال ممتدا في الحاضر . يبرز ذلك بجلاء في كون استثمار البنيات الحكائية القديمة ( الخبر ) وأشكال تلقيه وتأويله، ومختلف أنواع الحديث أو القول ، وخاصة " القسم " ، وأٌقوال الزهاد ذات الطابع التنبؤي، جاءت لتصب جميعا في قالب " العجائبي " الذي تزخر به الرواية ، وتكشف لنا عن العلاقة بين الواقع والتاريخ والتداخل الحاصل بينهما : فالحلم ، والخربات المسكونة ، ودعوات الحنين كلها لها دور كبير في طبع عالم الرواية ومجتمعها بالطوابع التي تؤكد ذلك التواشج الذي نلمسه في التاريخ العربي ، وإذا هو متصل بعالم القرية . وهناك عناصر أخرى لها أكثر من دلالة في النص الروائي ، وهي تعمل مجتمعة على تأكيد ما نرمي .
    إن تداخل الواقعي والتاريخي ، يجعلنا نستعيد ما قلناه في البداية عن العلاقة بين التـأصيل والتجريب ويدفعنا إلى استخلاص أن الروائي وهو يشتغل بما يزخر به الواقع من قيم متناقضة وممتدة من التاريخ ، يمكن أن يسهم في تـأصيل الرواية العربية دون أن تكون تجربته مستمدة من التراث السردي العربي . فالتداخل بين الواقع والتراث ممتد في الزمان ، وهناك العديد من العناصر التي نتعامل معها الآن بأنها من صميم التراث ما تزال تجلياتها بارزة في واقعنا . وحين يوظفها روائي من طراز الطيب صالح ، فإنه بذلك يدفعنا إلى معاينة الحدود القائمة بين الواقع والتاريخ ، بين الحداثة والتراث من منظور مخالف لما يشيع في الأدبيات الرائجة ، وينبهنا إلى ضرورة التساؤل بصددها .
    نجد الجواب الواضح عن الإشكال الذي نطرح الآن كامنا في ما يسمى ب " الثقافة الشعبية "، إذ كلما نجح الروائي في الإنصات إلى نبض الواقع وبما يمور به كان التداخل واضحا بين التاريخي والواقعي ، وبينهما والأسطوري ، وبين مختلف الأشكال السردية التي وظفها العربي منذ القدم للتعبير عن هواجسه وأحلامه . وحين يمسك الروائي بمختلف هذه المكونات ، تتداخل الرواية بغيرها من الأشكال ، فيقع استثمارها على النحو الذي يضعنا أما الفعل الإبداعي الذي يظل ينهل بوعي أو بدون قصد من الثقافة الشعبية باعتبارها ذاكرة ، أو تجسيدا ثقافيا ما يزال ينبض بالحياة . والروائي الحقيقي هو الذي يلتفت إلى هذا الطابع الشعبي الذي ترثه الرواية بامتياز ، فإذا هي تنفتح على كل التراث، وتتمثله ، وتستوعبه ، موظفة إياه في صور نابضة بالحياة فيتصل الزمن الماضي بالحاضر ، بشكل يجعلنا نرى التداخل والتكامل بينهما .
    هذا التوظيف الخاص للواقع في امتداده التاريخي ، هو الذي أعطى لرواية " عرس الزين " طابعها الخاص ، الذي يتمثل في اتصالها بالواقع ، وبالحياة الشعبية في أعمق تجلياتها ، وصورها التي تصلها بالتاريخ وبالإنسان العربي في انتمائه الثقافي والحضاري ،
    ولعل تحليلا شاملا وأوسع للرواية قمين بجعلنا نلتفت إلى هذه الطوابع المهمة والغنية ، والتي بدأت الرواية العربية تتعامل معها بوعي ، وبصور عديدة تستدعي البحث والسؤال.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    1 . عرس الزين، الطيب صالح ، دار العودة ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1970








                  

03-20-2009, 04:13 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30716

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تركنا الطيب صالح شجرة السودان - محمد زكريا السقال! أروع ما كتبه المغاربة عن الراحل المقيم! (Re: jini)

    Quote: قراءة في رواية الطيب صالح "عرس الزين"
    حسن المودن
    "إن رواية عرس الزين زغرودة طويلة للحياة. أنشودة حب" علي الراعي


    تمهيد: نحو محكي واقعي جديد
    يذكر الناقد يوسف الشاروني (1) في معرض حديثه عن نجيب محفوظ أن بذور تحول نوعي في المحكي الواقعي قد بدأت في أماكن متفرقة من المحكيات الواقعية التقليدية نفسها (رواية "بداية ونهاية" 1949م، وراوية "الثلاثية" 1956-1957م). إلا أن هذا التحول لن يصير رسميا، على حد تعبير محمود غنيم (2)، إلا مع رواية مهمة من روايات الواقعية التقليدية نفسه نجيب محفوظ، وهي رواية "اللص والكلاب" التي ظهرت بداية الستيانات.
    ويهمنا أن نتعرف على أهم الملامح التي تميز هذه الواقعية الجديدة عن تلك الواقعية التقليدية، خطوة أولية تمهد الطريق نحو التعرف على خصائص السياق الأدبي. الروائي الذي ارتبط به ظهور رواية "عرس الزين" والذي ساهمت فيه باعتبار أنها هي الأخرى ظهرت أوائل الستينات، وهي المرحلة التي شهدت البدايات الأولى لتأسيس تخييل جديد.
    لكن هذا لا يعني أن التخييل الجديد قد قطع كل صلة بالتخييل التقليدي: إلى جانب أن هذا التحول قد خرج من داخل التخييل التقليدي نفسه، فإن هناك قواسم فنية مشتركة بين الاثنين: نذكر من بينها اعتمادهما معا على التشخيص: إذا كان المجتمع بحركته ووجوه هو الكون الكبير الذي يشغل التخييل الواقعي التقليدي لاستناده إلى رؤية واقعية اجتماعية – خارجية -، فإن الإنسان بذاتيته ووجوده الداخلي والداخل – خارجي هو الكون الكبير الذي يستميل التخييل الواقعي لاستناده إلى رؤية داخلية – ذاتية.
    وبالرغم من أن التشخيص قاسم مشترك، فإننا نوافق الناقد محمود غنيم (3) على أن هذا التوجه الجديد في التشخيص لا يكشف لنا عن فروق كبيرة في المضمون فحسب بل وفي اللغة والأسلوب والأشكال والمناهج والمنظورات السردية، فلم تعد الرؤية البانورامية الواسعة، التي يقف وراءها سارد عالم بكل شيء ومسيطر على كل الأحداث والشخوص، هي التي تحكم التخييل الجديد، مثلما لم تعد اللغات والمناهج السر دية الخارجية "الموضوعية" هي التي تهيمن على هذا الأخير، بل نحن أمام تخييل بملامح نوعية كانت بداية لتحويلات مهمة عرفتها الرواية العربية من بداية الستينات - وما قبلها بقليل - إلى الآن. وبما أن التحليل سيوقفنا عند أهم مكونات التخييل الجديد، فإننا نكتفي في هذا التمهيد بالوقوف عند عنوان هذه الرواية، ذلك لأن العنوان، باعتباره شكلا فنيا هو أول عتبة يجتازها القارئ، ولهذا كان لابد من أن ينطلق منها التخييل الجديد ويقدمها على أنها شكل فني يميز هذا التخييل عن ذاك التقليدي، ومن جهة أخرى، فهذه العتبة هي التي ستمهد لنا الطريق نحو هذا المحكي.
    إذا كانت الرواية التقليدية تتجه نحو الأحداث الكبيرة والأبعاد البارزة، وتعني بتقديم أشكال المجتمع وتحركاته الآلية التي تراما مراجع تسمح للإنسان بالتعرف على العالم وعلى نفسه، وتزخر بالزوائد الاجتماعية والتاريخية: فإن الرواية - موضوع هذه القراءة - تجنه نحو حدث عادي وبسيط: العرس، وتتعمق هذه البساطة عندما نعلم أننا أمام عرس شخصية الزين: لم نعد أمام تلك الشخصية بذلك الوزن الثقيل الذي ألفناه في الرواية الواقعية التقليدية، بل نحن أمام شخصية بسيطة من بلدة بسيطة في السودان، أكثر من هذا أن بعض شخوص الرواية ينعتون "الزين" بالأبله والدبله والدرويش..
    أن تحمل الرواية عنوان "عرس الزين" فهذا يعني إذن توجها جديدا تظهر ملامحه الأولى من خلال الاهتمام بالأحداث الصغيرة والظواهر البسيطة والشخصيات العادية والبسيطة.
    فنحن أمام قصة تبدو بسيطة للغاية، ذلك لأنها تحكي عن خطبة الزين لنعمة: الزين أضحوكة القرية، ونعمة موضع إعجاب الفتيان وابنة أحد رجال البلدة البارزين من ذوي النفوذ، وإلى بساطة القصة تنضاف غرابتها، ذلك لأن الأمر سينتهي بزواج الزين من نعمة.
    في هذه البداية، يمكننا القول أننا أمام تخييل يتمركز حول العلاقة بين رجل وامرأة. وان كانت هذه العلاقة قائمة في التخييل التقليدي، فإنها لم تكن مركزية بالشكل الذي توجد به في "عرس الزين"، أي باعتبارها تلك "العلاقة العظيمة التي تتمتع بها الإنسانية" ذلك "المفتاح الحي الرئيسي للحياة"، على حد تعبير د.هـ لورنس (4).
    ومن جهة أخري، فنحن أمام تخييل ينشغل بالأحداث الصغيرة والظواهر الهامشية، لكنها تغوص عميقا في ذاتية الإنسان، ولهذا السبب هناك التفات أساسي إلى الذاتية، فالحب والخطبة والزواج من اللحظات التي لها أهمية مأزقية قصوى في دورة حياة الفرد وفي نسيجه الاجتماعي المتشابك، لكن هذه اللحظات لا تقدم على أنها خالصة، بل تقدم من خلال "لحظة إنسانية مشحونة بدرجة قصوى من التأزم الاجتماعي" كما لاحظ ذلك بحق محمد خلف الله عبدالله (5) في دراسة له عن نفس الرواية.
    فمنذ السطور الأولى من الرواية، يكتسب خبر العرس أهمية دراماتيكية، ويثير ردود فعل متباينة ومتعارضة: ينتشر الخبر مع شروق الشمس، مع عملية توزيع الحليب، ولما انتصف النهار كان الخبر على فم كل واحد، يتداول الناس خبر العرس في دهشة ويقدمون ردات فعل وتفسيرات مختلفة. "ومع كل فاصلة في هذا العمل الروائي ينفلت الخبر من برودة السرد، فتستعيد الحكاية مرة أخرى حرارتها الدرامية". اعتمادا على تقنيات الاسترجاع والانتقال من زمن إلى أخر وقطع مشهد والانتقال إلى أخر، وتنتهي الرواية بالانتقال عبر مشاهد العرس.
    1- السرد والايروس:
    لن يخفى على القارئ أن هذا النص مكتوب بلغة ايروسية فائقة، بحيث يتضافر العنصر الايروسي والعنصر السردي في هذا التخييل، قصد خلق عالم خاضع لصوغ ايروسي من جهة أولى ولصوغ سردي من جهة ثانية، والنموذج الأتي خير نموذج عن هذا الزواج الفائق:
    "تتابعت الأعوام، عام يتلو عاما، ينتفخ صدر النيل كما يمتلئ صدر الرجال بالغيظ. ويسيل الماء على الضفتين، فيغطي الأرض المزروعة حتى يصل إلى حافة الصحراء عند أسفل البيوت تنق الضفادع بالليل، وتهب من الشمال ريح رطبة مغمسة بالندى تحمل رائحة هي مزيج من أريج زهر الطلع ورائحة الحطب المبتل ورائحة الأرض الخصبة الظمأى حين ترتوي بالماء ورائحة الأسماك الميتة التي يلقيها الموج على الرمل. وفي الليالي المقمرة حين يستدير وجه القمر، يتحول الماء إلى مرآة ضخمة مضيئة تتحرك فوق صفحتها ظلال النخل وأغصان الشجر والماء يحمل الأصوات إلى أبعاد كبيرة، فإذ ا أقيم حفل عرس على بعد ميلين تسمع زغاريده ودق طبوله وعزف طنابيره ومزاميره كأنه يمين دارك، ويتنفس النيل الصعداء، وتستيقظ ذات يوم فإذا صدر النيل قد هبط وإذا الماء قد انحسر عن الجانبين، يستقر في مجرى واحد كبير يمتد شرقا وغربا، تطع منه الشمس في الصباح وتنس فيه عند المغيب، وتنظر فإذا أرض ممتدة ريانة ملساء نزك عليها الماء دروبا شيقة مصقولة في هروبه إلى هجراه الطبيعي، رائحة الأرض الآن تملأ أنفك، فتذكرك برائحة النخل حين يتهيأ للقاح، الأرض ساكنة مبتلة، ولكنك تحس أن بطنها ينطوي على سر عظيم، كأنها امرأة عارمة الشهوة تستعد لملاقاة بعلها، الأرض ساكنة ولكن أحشاءها تضج بماء دافق هو ماء الحياة والخصب، الأرض مبتلة متوثبة تتهيأ للعطاء، ويطعن شيء حاد أحشاء الأرض لحظة نشوة وألم وعطاء، وفي المكان الذي طعن في أحشاء الأرض، تتدفق البذور، وكما يضم رحم الأنثى الجنين في حنان، ودفء وحب، كذلك ينطوي باطن الأرض على حب القمح والذرة واللوبيا، وتتشقق الأرض عن نبات وتمر" (ص 33-34).
    أن هذا النموذج يكون حكاية مستقلة بذاتها داخل النص الذي يتمحور، كما نعلم، حول حكاية الزين، وبمفهوم ج. جنيت هي وقفة Pause تتقدم في شكل حكاية استعارية تكثيفية (بالمعنى الفرويدي) تعكس حياة الزين - البلدة الملأى بالحياة والحب، ولكي تعكس بقوة هذه الحياة الجديدة والفريدة، كان لابد من لغة إيروسية يتضافر فيها الجنسي والسردي للحصول على قوة الحياة القصوى.
    إننا عندما نقرأ هذا النص السردي، فإننا ننتهي إلى استنتاج مهم أن قوة الحياة القصوى لا تكون إلا بالحب وفيه، سواء تعلق الأمر بحياة الكائن أو بحياة الجماعة، بل وبحياة السرد نفسه.
    فالزين، تلك الشخصية المحورية في هذا النص، لا تستقيم حياته ولا تقوى إلا بالحب، قتل الحب الزين وهو حدث لم يبلغ مبلغ الرجال وكانت الفتاة التي قتلته هي عزة بنت العمدة، فذات يوم وفي جمع عظيم من الرجال نفرهم العمدة لإصلاح حقله ارتفع صوته "عوك يا أهل الحلة. يا ناس البلد، عزة بنت العمدة كاتلا لها كتيل، الزين مكتول في حوش العمدة" (ص 20).، "وفوجئ الناس بتلك الجرأة" (ص 20). فما يقوله خطير، والأخطر منه أن يقوله أمام العمدة نفسه، غير أن الموقف خفت حدته حين انفجر الناس ضاحكين واستغرق العمدة في الضحك، وأخذ بعد ذلك يستغل العمدة الزين الذي لا حديث له إلا حبه لعزة، فسخره "في أعمال كثيرة شاقة يعجز عنها الجن" (ص 20) وما إن مضى شهر حتى شاع في البلدة أن عزة خطبت لابن خالها "ولم يثر الزين ولم يقل شيئا، ولكنه بدأ قصة جديدة" (ص 21).
    لقد كان الزين رسول الحب. كان ذواقة للجمال لا يحب إلا أروع فتيات البلد جمالا وأحسنهن أدبا وأحلاهن كلاما، وما إن يبدأ في الحديث عن حبه لفتاة حتى تصبه هذه حديث القرية كلها ولا كبث أن تتزوج. ففطنت أمهات البنات إلى خطورته كبوق يدعين به لبناتهن:"في مجتمع محافظ تحجب فيه البنات عن الفتيان، أصبح الزين رسولا للحب، ينقل عطره من مكان إلى مكان" (ص23) ينظر الزين إلى الفتاة الجميلة، فينوء قلبه الأبكم بهذا الحب، فتحمله قدماه النحيلتان إلى أركان البلد، تجري هاهنا وهاهنا "كأنه كلبة فقدت جراءها" (ص 23) ويلهج لسانه بذكر الفتاة ويصيح باسمها حيثما كان، فلا تلبث الأذان أن ترهف وما تلبث العيون أن تنتبه، وما تلبث يد فارس أن تمتد فتأخذ يد الفتاة. وحين يقام العرس تجد الزين حاضرا ومساعدا.
    وتبدأ قصة حب أخرى، فقد كان الزين "يخرج من كل قصة حب كما دخل، لا يبدو عليه تغيير ما، ضحكة هي هي لا تتغير، وعبثه لا يقل بحال، وساقاه لا تكلان عن حمل جسمه إلى أطراف البلد" (ص 23). إن الحياة غير ممكنة الا بالخروج من قصة حب والدخول في قصة أخرى، ولا يمكن للحب أن يتواصل إلا إذا تجنب تلك النهاية: الزواج، ودليلنا على هذا أن الزين، باعتباره رسولا للحب، قد انتهى بزواجه من نعمة، وبهذا الزواج يتراجع الحب وينهزم، وبخصوص هذه النقطة نوافق الناقد محمد خلف الله عبدالله على أن حياة ما قبل العرس قد "عاشها الزين بكل كيانه لحظة لحظة، ورشف من رحيقها قطرة قطرة، أي أن ذلك الحدث برغم الضجة التي أثيرت حوله وبرغم الترويج الذي لقيه ما هو في الحقيقة الا نهاية فاجعة لتك الحياة ولتلك الطاقة الغامرة التي كان يبثها الزين في قرية ودحامد." (8) ومن هنا سنفهم لماذا ذهب الزين إلى قبر الحنين حينما كانت احتفالات عرسه في أوجها، فقد كان ذلك الذهاب دلالة الاستسلام والاعتراف بالهزيمة، إن لم يكن الزين، كما يرى الشيخ محمد الشيخ (9).قد شيع نفسه بالفعل إلى المقابر لاحقا بالحنين، ويكفينا أيضا أن نذكر أن الزين بعد الزواج صارعن الأعيان. (10). إن شرط الحياة هو الحب، لكنه ليس الحب الذي ينتهي إلى الزواج، بل هو الحب الذي يجري وراء موضوعا باستمرار، أي أنه بالفقدان يستقيم الحب باعتباره رغبة، والموضوع ليسر امرأة بعينها بل هي المرأة: الزين يخرج من قصة حب امرأة ويدخل في في قصة حب امرأة أخرى. يعني أن الموضوع الحقيقي لهذه الرغبة هو الذي يبقى الزين على حاله ويبقي الحياة في أوجها. وبمعنى أخر، هو الذي يبقي ذات الحب مخصية، إذ كلما كانت هكذا تواصل الحب وتقوت الحياة: فالزين تنقصه بعض صفات الذكورة (يقول النص "ولم يكن على وجهه شعر إطلاقا. لم تكن له حواجب ولا أجفان، وقد بلغ مبلغ الرجال وليست له لحية أو شارب" (ص 12) ويختط غالبا بمجتمع النساء. وهذا يعني أن الحب والحياة يشترطان الإخصاء والأنوثة، فيحين تؤدي الذكورة واستعادة الفالوس إلى الموت: يتقدم الزين "يوم عرسه هاشا بسوطه نحو ذكورته، بينما تتراجع نعمة يوم عرسها إلى دائرة الظل أو إلا ظلال الكامل (11)... يوم العرس يقف الزين، عند عودته من مقبرة الحنين وكأنا يودع الحياة السابقة. في قلب الدائرة "فكأنه صاري المركب" (ص: 104)، ولباسه خير دليل على دخوله عالم الذكورة: على رأسه عمامة كبيرة وفي يده سوط طويل من جلد التمساح. وفي إصبعه خاتم من ذهب له فص من الياقوت في هيئة رأس الثعبان (ص 96- 91).
    لكز ما ينبغي الانتباه اليه هو استحالة الفصل بين حياة هذا الكائن التخييلي (والتي هي حياة التخييل نفسه) وبين حياة الحب (أي حياة الرغبة) وعندما تقارن بين بنية الرغبة وبنية السرد في هذا النص نكتشف خضوعهما لنفس الأولويات.
    فالسرد، مثل الرغبة، لا يتواصل إلا في غياب الموضوع (أي بعدم حصول اللقاء التام والنهائي بين الذات والموضوع). وهذه النتيجة قد توصل إليها ت. تودوروف في تحليله لأحد النصوص (12). لكننا إذا أردنا الدقة، وفي ارتباط دائم بالنص موضوع الدراسة، فإن بنية السرد - الرغبة خاضعة في نص عرس الزين للعبة "الاختفاء والعودة" التي تناولها فرويد بالدرس. فالزين يرمي بحبه إلى فتاة إلى أن تتزوج، فيستعيد قلبه، ليعيد مرة أخرى رميه إلى أن ترحل الحبيبة فيستعيده، وبذلك تختفي الحبيبة لتعود وتعود لتختفي. والأهم في هذه اللعبة، التي يخضع لها السرد كما الرغبة، أنها محكومة بقانون التكرار والفقدان. باختصار نقول أن السرد في "عرس الزين" يحيا مادام الحس، بهذا المعنى،حيا، ويموت بموت الحب وقيام عرس الزواج. ولهذا سنفهم لماذا انتهت الرواية بحفل الزواج - العرس.
    2- الاحتفال بالأنا المثالية:
    2-1 يقدم لنا السارد في هذه الرواية بيوغرافيا انسان اسمه "الزين"، وهذا النمط من البيوغرافيا يندرج تحت ما يسميه م. باختين بالنمط الاجتماعي العائلي، وفيه يتعلق الأمر بقيم اجتماعية - عائلية. وهذه القيم البيوغرافية قيم مشتركة بين الحياة والفن، أي أنها أشكال وقيم استتيقا الحياة. (13).
    ولا يمكن أن نفهم لماذا يحتفل السارد بشخصية الزين وبالنمط الاجتماعي - العائلي الذي خلقته هذه الشخصية، الا اذا اعتبرنا العلاقة بين السارد والشخصية، بين "أنا" السارد و "هو" الشخصية، علاقة بين الأنا (السارد) والأنا المثالية lemoi ide’al (الزين). والقارئ - المحلل يأخذ هنا بمفهوم الأنا المثالية الذي وضعه س. فرويد في أول دراسة استعمل فيها هذا المفهوم سنة 1914م (14). وهو يعني بالأنا المثالية تلك الأنا الواقعية التي كانت موضوع الإشباعات النرجسية الأولى، ولكن فيما بعد، تفتقدها الذات، وستسعى جاهدة لاسترداد هذه الأنا المثالية باعتبارها تخصص تلك الحالة التي تكون فيها الذات في كامل قوتهاDetaute puissance. يعني حالة ذلك الزمن الذي كان الطفل يرى فيها مثله الأعلى في ذاته الخاصة.
    ولن يخفى على القارئ أن شخصية الزين تحمل كل خصائص هذه الأنا المثالية التي تمكنت الشخصية الشعرية (أنا السارد)، من استردادها في كامل قوتها من خلال تخييلية هذا النص. ويهمنا أن نقف عند بعض خصائص هذه الأنا المثالية.
    أ- قوة الباطن وجماله:
    إن شخصية الزين قبيحة الشكل والهيئة، فشكله أكثر غرابة وبعدا عن أشكال الرجال من قومه:
    "كان وجه الزين مستطيلا، ناتئ عظام الوجنتين والفكين وتحت العينين، جبهته بارزة مستديرة، عيناه صغيرتان محمرتان دائما، محجراهما غائران مثل كهفين في وجهه. ولم يكن على وجهه شعر إطلاقا. لم تكن له حواجب ولا أجفان، وقد بلغ مبلغ الرجال وليست له لحية أو شارب. تحت هذا الوجه رقبة طويلة
      . والرقبة تقف على كتفين قويتين تنهدان على بقية الجسم في شكل مثلث، ذراعان طويلتان كذراعي القرد. اليدان غليظتان عليهما أصابع مسحوبة تنتهي بأظافر مستطيلة حادة
        . الصدر مجوف، والظهر محدودب قليلا والساقان رقيقتان طويلتان كساقي الكركي، أما القدمان فقد كانتا مفلطحتين عليهما أثار ندوب قديمة...". (ص 11-12).
        إن السارد، وهو يقدم وصفا لهذا الظاهر الغريب، يسعى إلى لفت انتباهنا إلى أن الظاهر غالبا ما يكون خداعا غير زي أهمية وإلى أن قوة الشخصية لا تكون في الظاهر وبه، بل إن هذه القوة لا تكون إلا في الباطن وبه، إلى حد يمكن أن يكون معه الباطن نقيض الظاهر كما هو الحال في شخصية الزين. وبهذا، فمثال الأنا لا يكون ظاهريا بل باطنيا وروحيا، ذلك لأن قوة الباطن وجماله أخلد وأبقى من جمال الظاهر وقوته.
        فالزين يعتبر رسولا للحب والرحمة. ولم يكن أبدا ذا خطورة على الفتيات اللواتي يعلن في الملأ حبه لهن، لأنه لم يكن صاحب نفس أمارة بالسوء. وكانت للزين صداقات عديدة مع أشخاص تعدهم القرية من الشواذ والعجزة مثل عشمانة الطرشاء وموسى الأعرج وبخيت الذي ولد مشوها ليست له شفة وجنبه الأيسر مشلول. فقد كان يعطف على هؤلاء: إذا رأى عشمانة الطرشاء قادمة، وهي تخاف من كل أحد، حمل عنها الحطب وداعبها. أما موسى الأعرج، فرجل طاعن في السن يعاني في مشيه، معدم بلا أهل ولا أحد يخدمه، أخذ الزين بيده وبنو له بيتا يأتيه في كل يوم بالطعام..
        ومن هنا لم يكن غريبا أن تذيع أم الزين أن ابنها ولي من أولياء الله، وأن يلقبه الشيخ الحنين بالمبروك، فبفضله ساد الحب وسادت الرحمة.
        إن شخصية بهذه الصفات فرضت على السارد أن يعرض عن الخارج (خارج الشخصية) وأن ينزع نحو الداخل (داخل الشخصية). وإذا نحن أخذنا بعين، الاعتبار المرحلة التاريخية والأدبية التي ظهرت فيها هذه الرواية، فإننا سنكتشف أننا إزاء سارد بوضع اعتباري جديد من أهم خصائصه الاهتمام بالواقع الداخلي اللامرئي بدل الواقع الخارجي العيني، وهذا التوجه الجديد فرض طرائف سردية لم تكن مستثمرة بشكل كبير فيما قبل.
        هكذا نجد المحكي النفسي حاضرا بقوة في مختلف أشكاله، بما له من فعالية نفاذة إلى دواخل الشخوص وأعماقهم، وهذان نموذجان من الشكل التلفظي (وهو شكل من أشكال المحكي النفسي) نختارهما من بين نماذج كثيرة:
        - "وكانت نعمة
          تحس أن الزوار سيجيئها من حيث لا تحتسب، كما يقع قضاء الله على عباده، مثل ما يولد الناس ويموتون ويمرضون
            لم تكن تحس بفرح أو خوف أو أسى حين تفكر في هذا، ولكنها كانت تشعر بمسؤولية كبيرة ستوضع على كتفيها في وقت ما" (ص 38).
            - "كانوا في دخيلتهم يحتقرونه
              وكان يرتبط في أذهانهم بأمور يحلو لهم أن ينسوها: الموت والآخرة والصلاة. فعلق علـى شخصه في أذهانهم شيء قديم كئيب مثل نسيج العنكبوت" (ص 73).
              وإن كان المحكي النفسي التلفظي حاضرا، فإن المحكي النفسي في شكله اللاتلفظي هو الأكثر هيمنة، وهذا يوضح أن السارد لم يعرض بصفة نهائية عن الخارج بقدر ما يحاول فهم مختلف الترابطات والعلائق القائمة بين الداخل والخارج، يعني أنه من خلال تفكيك العلامات الخارجية يتمكن السارد من النفاذ إلى أعماق الشخصية، فهذا النمط مز المحكي النفسي يستطيع أن يمنح تعبيرا فعالا لحياة ذهنية بقيت دون كغيظ، بقيت مبهمة وغامضة، وبمعنى أنه يتمكن من إبراز ما لا تستطيع الشخصية التعبير عنه لفظا، يتمكن من ولوع مجال في الحياة الداخلية يكون بحاجة ماسة إلى وساطة سردية ما دام يجمع بين النفس والجسد في أن واحد.
              وهو بهذا مجان ينفلت من التلفيظ، لكنه يرتبط بأعماق ما وراء الوعي، بأعماق تقع تحت اللفظ Infra-verbal. وهذان نموذجان من هذا الشكل السردي الفعال:
              - "ويقع هذا موقعا حسنا في نفس الزين، فيستلقي على قفاه ضاحكا، ثم يضرب الأرض بيديه ويرفع رجليه في الهواء ويظن يضحك بطريقته الفذة" (ص 12-13).
              - "كان منتشيا دون شرب من الضجة التي تضج حوله، يبتسم ويضحك، يدخل ويخرج بين الناس، يهز بالسوط ويقفز في الهواء، يربت على كتف هذا، ويجر هذا من يده، ويحث هذا على الأكل، ويحلف على هذا بالطلاق أن يشرب" (ص 97).
              وتزداد فعالية المحكي النفسي عندما يحدث تناوب، في المقطع الواحد، بين كل أشكاله: فنجد الشكلين السابقين إلى جنب الشكل التشبيهي الاستعاري، وبهذا التناوب والزواج يبلغ المحكي النفسي مستوى أعمق في داخل الوعي اللفظي - التحتي Conscience Infra-verbal مثلما يمتلك قوة أدبية تجعل القارئ يتوقف عند هذه التشبيهات والاستعارات، وهذا نموذج عن هذا الزواج الرائع والفعال:
              "أصبح الزين رسولا للحب، ينقل عطره من مكان إلى مكان. كان الحب يصيب قلبه أول ما يصيب، ثم ما يلبث أن ينتقل منه إلى طلب غيره. فكأنه سمسار و دلال أو ساعي بريد. ينظر الزين بعينيه الصغيرتين كعيني الفأر، التابعتين في محجرين غائرتين، إلى الفتاة الجميلة، فيصيبه منها شيء لعله حب؟ وينوء قلبه الأبكم بهذا الحب، فتحمله قدماه النحيلتان إلى أركان البلد يجري ها هنا وها هنا كأنه كلبة فقدت جراءها، ويلهج لسانه بذكر الفتاة ويصيح باسمها حيث كان" (ص 23).
              وإذا كان المحكي النفسي حاضرا بشكل يصعب معه التمييز بينه وبين المحكي العادي، فإننا نجد المونولوج الداخلي كذلك حاضرا في مختلف أشكاله وأنماطه (المونولوج المنقول، المونولوج المسرد)، بحيث يضعنا داخل الحياة الداخلية للشخصية محترما لفتها الخاصة، أو أنه يجعل من الخطاب الساردي قناعا نسمع من خلاله الصوت الداخلي للشخصية، وهذان نموذجان من هذا الشكل السردي:
              "وكانت أم الزين تحس أن حياتها تنحدر للغروب
                فهذا الزواج أراح بالها
                  والزين لن يتزوج امرأة من عامة الناس، ولكنه سيتزوج نعمة بنت الحاج إبراهيم، وناهيك بهذا دليلا على كرم الأصل والفضل والجاه والحسب، ستدخل ذلك البيت الكبير المبني من الطوب الأحمر (فليس كل بيوت البلد من الطوب الأحمر)، تدخل مرفوعة الرأس ثابتة الخطوة سيقومون لها إذا دخلت، ويوصلونها إذا خرجت، ويعودونها كل يوم إذا مرضت، ستقضي الأيام الباقية في حياتها في فراش وثير من الرعاية والحب، ولعل القدر يمهلها فتحمل حفيدها أو حفيدتها في حضنها، تزغرد أم الزين، وتتوارد هذه الخواطر في ذهنها فتشتد زغاريدها". (ص 91).
                  - "صمت الناظر، فإنه لم يجد ما يود به على كلامهما - من الناحية الشكلية على الأقل، فكون بنت العم لابن العم حجة ليس بعدها حجة في عرف أهل البلد. إنه تقليد قديم عندهم، في قدم غريزة الحياة نفسها، غريزة للبقاء وحفظ النوع. لكنه في قرارة نفسه كان مثل آمنة يحس بلطمة شخصية موجهة له. وأحس برهة بارتياح: إن علي وعبد الصمد لا يعلمان بأنه فاتح الحاج إبراهيم في أمر نعمة لو علما إذن لما استطاع أن ينجو من لسانيهما السليطين، وسأل نفسه وهو يشرب الفنجان الخامس من قهوة الشيخ علي، لماذا طلب يدها؟ فتاة صغيرة في سن بناته، انه لا يدري تماما.." (69).
                  والواقع أن أغلب هذه الأنماط (المحكي النفسي، المونولوج الداخلي) لا توجد معزولة مستقلة، ففي المقطع الواحد يمكن أن يتناوب أكثر من نمطين إضافة إلي المحكي العادي، وهذا نموذج يجمع بين كل هذه الأشكال السردية:
                  - "وبلعت المرأة كرامتها وتحاملت على نفسها ودخلت على سعدية في دارها
                    استقبلتها سعدية استقبالا فاترا، وعرضت عليها القهوة بصوت بارد، فرفضت آمنة، ولم تزد سعدية
                      وتطلبت آمنة شجاعة كبيرة لكي تحدث سعدية في موضوع ابنها أحمد ونعمة ابنة سعدية، عرقت وجفت، بلعت ريقها، وأخيرا قالت في صوت مرتعش، وهي في داخلها تلعن ابنها الذي عرضها لكل هذا الاحتقار: "
                        " ولما فرغت من حديثها، شعرت بلسانها كقطعة من الخشب في فمها وأحست بحلقها قد تقلص فتنحنحت مرتين وارتعشت يداها، ولم تقل سعدية شيئا، ولو أنها فاهت بكلمة واحدة لهدأ روع آمنة قليلا، سعدية دائما تشعرها بأنها أقل منها شأنا أنها امرأة جميلة نبيلة الملامح والسلوك، تحمى وأنت تنظر إلى وجهها الوقور السمح بثروة أخوانها السبعة، وأملاك أبيها الواسعة، ونخل زوجها وشجره وبقره ومواشيه التي لا يحصيها العد، هذه المرأة لها أولاد ثلاثة تعلموا في المدارس، واشتغلوا في الحكومة، ولها بنت جميلة يقطع إليها الفتيان والناس يذكرونها بالخير، هذه المرأة التي تجاوزت الأربعين وهي تبدو كفتاة عذراء، هذه المرأة القليلة الكلام، لماذا لا تقول شيئا؟..." (ص 30-31).
                        ومن بين النتائج التي ترتبت على هذا التوجه نحو الباطن عنصر مهم من العناصر التي تكون هذا الوضع الاعتباري الجديد الذي سار إليه السارد، وهذا العنصر يشير إلى تحول من الصوت الساردي الأحادي المؤله إلى الصوت المتداخل المؤنسن.
                        تعتبر هذه الرواية من المساهمات الفعالة التي حاولت التقليل من سيطرة السارد العالم بكل شيء والقادر على تفسير كل شيء، فنحن في هذا النص أمام سارد غير مؤله، بل أمام سارد مؤنسن، بمعنى أننا لم نعد أمام ذلك السارد - الإله بل صرنا أمام السارد - الإنسان: فهو كالإنسان يعجز حتى عن تفسير بعض الظواهر الإنسانية كما في هذا النموذج: "ينظر الزين
                          إلى الفتاة الجميلة، فيصيبه منها شيء - لعله حب؟" (ص 23).
                          ومثله مثل الإنسان، يعجز عن تفسير بعض الظواهر الخارقة الفوق - طبيعية، ولهذا نجده يكتفي بعرض التفسيرات التي تقدمها الشخوص: فأحيانا يعرضها بلسان الشخصية وأحيانا أخرى يتبنى التفسير الذي تقدمه الشخصية مع صوغه بلغته الخاصة، وهذان نموذجان تمثيليان:
                          -"ولم يعد ثمة شك في ذهن أحد، حتى محجوب، وهم يرون المعجزة، أن مرد ذلك كله أن الحنين قال لأولئك الرجال الثمانية أمام متجر سعيد ذات ليلة: (ربنا يبارك فيكم، وربنا يجعل البركة فيكم) كان الوقت قبيل صلاة العشاء بقليل، وهو يستجاب فيه الدعاء، خاصة من أولياء الله الصالحين أمثال الحنين". (ص 60).
                          - "
                            وإذا بالأرض على اتساعها من ضفة النيل إلى طرف الصحراء يغمرها الماء. بعضها أراض لم تر الماء منذ أقدم السنين، وإذا بها بعد قليل تموج بالحياة كيف نفسر هذا؟ عبد الحفيظ يعلم السر، فهو يقول لمحجوب، وهو يجمع بين عينيه الحقل الواسع الذي هو حقله، والريح تلعب بالقمح فتثني صفوفه، فكأنه حوريات رشيقة تجفف شعرها في الهواء: (معجزة يا زول، ما في أدنى شك) (ص 63)".
                            ولا يخفى أن المونولوج الداخلي، باعتباره شكلا سرديا، يلعب دورا مهما في أنسنة الصوت الساردي عن طريق خلق الصوت المتداخل الذي يتداخل فيه صوت الراوي، وصوت الشخصية: بدل أن يهيمن على النص صوت واحد: الراوي، أو الشخصية، فإنه مع الصوت المتداخل يمتزج صوت ظاهر وأخر خفي، الأول هو السارد والثاني هو الشخصية، وهنا يظهر صوت الشخصية مشاركا صوت السارد سيطرته على النص. وتلزم الإشارة إلى أن الصوت المتداخل قد يتقدم من خلال المونولوج الداخلي أو من خلال ما يسمى بالأسلوب اللامباشر الحر (وهذا لا يكون دوما مونولوجا داخليا). وفي رواية "عرس الزين" يتحقق الصوت المتداخل من خلال المونولوج الداخلي كما من خلال الأسلوب اللامباشر الحر، وهذا الصوت المتداخل من الأصوات التي تسيطر بقوة على النص (على سبيل البرهان نجده في الصفحات التالية: ص: 29-31-39-46-63-69-74-85-91-93-102).
                            وهذه بعض النماذج التمثيلية:
                            "لم تصدق آمنة أذنيها، وسألت حليمة بائعة اللبن للمرة العاشرة: "فتى داير يعرس منو؟" وللمرة العاشرة قالت حليمة: "نعمة" مستحيل. لا بد أن الفتاة فقدت عقلها. نعمة تتزوج بالزين؟ واختلطت الدهشة في صدر آمنة بالغضب". (ص 29).
                            - "وفقدوا الأمل. لابد أنه هرب، لكن إلى أين، والبلد كلها مجتمعة عندهم". (ص 102).
                            - "تذكرت آمنة كل هذا، وتذكرت كيف أنهم رفضوا بعد ذلك، ستذرعين بأن نعمة ما تزال قاصرا لم تصر للزواج بعد، والآن يزوجونها للزين - هذا الرجل الهبيل الغشيم ! يزوجونها للزين دون سائر الناس. وشعرت آمنة كأن في الأمر إساءة موجهة إليها شخصيا" (ص 31).
                            مما لا شك فيه أن السارد يسعى إلى تشخيص لا باطن شخصية الزين فقط بل وبواطن كل الشخوص. لكن من الواضح أنه لا يفعل ذلك إلا لخلق تفاضل بين باطن شخصية الزين (الأنا المثالية) وبواطن باقي الشخوص، فالشخصية الشعرية (أنا السارد) لا يمكن أن تبرز قوة باطن أناها المثالية إلا بمقابلته ببواطن أخرى قد تكون مماثلة (نعمة الحنين..) أو مناقضة (سيف الدين..) أو عاجزة عن إدراكه (آمنة).
                            لكن لكي تشخص الشخصية الشعرية باطن شخصيتها المفضلة (الأنا المثالية) فهي ( تكتفي باستلهام واستثمار الأشكال والأجناس السردية (المذكورة أعلاه) المألوفة في الروايات الداخلية والسيكولوجية وروايات تيار الوعي، بل هي تستلهم تراثا سرديا عربيا كلاسيكيا أكثر خصوبة من حيث أشكاله وأكثر عمقا من حيث رؤاه: إنه النص الصوفي.
                            إن منظور الشخصية الشعرية (ممثلة في السارد) منظور صوفي يجمع بين المرئي واللامرئي، بين الوجودي والرمزي. بين الظاهر والباطن، بين النهائي واللانهائي، وهذا اللامرئي واللانهائي، يفتح المرئي والنهائي والظاهر على اللامحدود، ولهذا يأتي المنظور الصوفي أكثر اندفاعا نحو المجهول مقدما فر شكل رحلة مزدوجة: رحلة خارجية تنتقل عبر البلدة لترصد تجليات القوى الخارقة عبر كل شيء: توالت المعجزات الواحدة تلو الأخرى على البلدة، إذ لم تر في حياتها عاما رخيا مباركا مثل عام الحنين كما أخذوا يسمونه ولم يكن أحد يتصور أن سيف الدين الفاسق سيتحول إلى إنسان مؤمن صالح، كما لم يتصور أحد أن الزين الهبيل الغشيم سيتزوج نعمة التي يحلم بها كل فتيان البلدة ذوى الجاه والنسب والجمال.
                            والرحلة الثانية رحلة داخلية يسري فيها المنظور الصوفي داخل أعماق الذات بحثا من أسرارها العميقة. ومن هنا نوافق الأستاذ عبد الحق منصف على أن الأساسي في النص الصوفي أنه يقتلع الذات من زمنها اليومي العادي ويلج بها "الزمن الكوني الكبير" تلك هي تجربة انمحاء الذات وذوبانها داخل الخيال الكوني أو داخل ما يسميه محيى الدين بن عربي علو الخصوص في فتوحاته بـ "الكتابة الوجودية" (15).
                            يتقدم العالم والذات والتاريخ في شكل كتابة وجودية ينبغي فك رموزها وألغازها وأسرارها، لكن من جهة أخرى يتقدمون في شكل كتابة ايروتيكية تزخر بصور الجمال الخارق والحب الخارج عن المألوف مثل ما يزخر بأسرار مغلقة فاتنة.
                            ب- تكافؤ الضدين:
                            إن مشخصة الزين، باعتبارها شخصية الأنا المثالية، يحكمها بُعدان، من جهة أولى، هناك بعد المجذوب الناقص العقل التائه من العالم المحيط به الذي يتحول إلى السخرية من الزين نفسه:
                            "وكان الزين على البئر في وسط البلد يملأ أوعية النساء بالماء ويضاحكهن كعادته. فتجمهر حوله الأطفال وأخذوا ينشدون "الزين عرس... الزين عرس.. فكان يرميهم بالحجارة ويجر ثوب فتاة مرة، ومرة يهمن امرأة في وسطها ومرة يقوس أخرى في فخذها والأطفال يضحكون، والنساء يتسارخن ويضحكن وتعلو فوق ضحكهم جميعا الضحكة التي أصبحت جزءا من البد منذ أن ولد الزين" (ص 9). ومن جهة ثانية، هناك بعد الرجل الجاد الذي يقوم بأعمال العقلاء، وصداقاته وعطفه على الشواذ من أهل القرية خير دليل على هذا البعد حتى أن أهل البلد عندما يرون منه هذه الأعمال يزداد عجبهم، فيقولون "لعله نبي الله الخضر، لعله ملاك أنزله الله في هيكل أدمي زري" (ص 27).
                            فنحن إذن أمام بدين متكافئين متضادين: الأول يقع في منزلة تحت إنسانية (تائه - هبيل - غشيم - درويش - مجذوب - أبله ناقص العقل - أضحوكة...) والثاني يقع في منزلة فوق إنسانية (نبي، ملاك مبروك..) بمعنى أخر، هناك بعد الأبله المنعزل عن واقع القرية، وهناك بعد المتيقظ لإصلاح القرية بنشر الحب والرحمة.
                            ولا يمكن أن نفهم هذين البعدين إلا إذا استحضرنا شخصيتين أساسيتين ومتناقضتين: الأولى هي شخصية الإمام نقيض شخصية الزين، بحيث لم يكن يستفز هذا الأخير من إنسان مثلما يستفز من إمام المسجد، فهولا يعمل شيئا الا تذكير الناس بالموت والآخرة.. والثانية هي شخصية الحنين، وهو ر جل مبروك منقطع للعبادة، كانت بينه وبين الزين محك قة متبادلة: فالزين هو الوحيد الذي يأنس إليه الحنين في البلدة، وكان إذا قابله في الطريق ناداه بالمبروك.
                            نقصد أن شخصية الزين لن نتعمق في فهمها إلا إذا استحضرنا انجذابها إلى شخصية الحنين، ذلك الشيخ الذي "يمثل الجانب الخفي في عالم الروحانيات" (ص 80)، أي جانب الحب والرحمة والخير والحياة والبركة، مثلما لن نفهمها إلا إذا استدعينا شخصية إمام المسجد، "ذلك الذي يكرهه أهل القرية في دواخلهم، لأنه لا يعمل شيئا إلا تذكيرهم بأمور يحلو لهم أن ينسوها: الموت والآخرة والصلاة" (ص 73). وهذا يعني أن شخصية الزين وإن كانت منجذبة تماما إلى جانب الحب والرحمة، فإن شخصيته تحمده جانبا أخر مناقضا تماما: إذا كان الزين رسول الحب والرحمة، فإن جسمه النحيل ينطوي على قوة مريعة جبارة لا طاقة لأحد بها. أهل البلد جميعا يعرفون هذه القوة الرهيبة ويهابونها، ويبذلون جهدهم حتى لا يستعملها الزين ضد أحد: "إنهم يرتعدون روعا كلما ذكروا أن الزين أمسك مرة بقرني ثور جامح استفزه في الحقل، أمسك به من قرنيه ورفعه عن الأرض كأنه حزمة قش وطرح به ثم ألقاه أرضا مهشم العظام. وكيف أنه مرة في فورة من فورات حماسة قلع شجرة سنط من جذورها وكأنها عود ذرة. كلهم يعلم أن في هذا الجسم الضاوي قوة خارقة ليست في مقدور بشر" (ص 46). وسيف الدين السيئ السلوك والاخلاق الذي استفز الزين، سرعان ما صار فريسة سهلة انقض عليها الزين، وكاد يهلك لولا أن الحنين ظهر في اللحظة الحرجة: ففي "اللحظة التي ضاقت فيها قبضة الزين على حلقه. يقول إنه غاب عن الدنيا البتة، ورأى تمساحا ضخما في حجم الثور الكبير فاتحا فمه. وانطبق فكا التمساح عليه. وجاءت موجة كبيرة كأنها الجبل. فحطمت التمساح في هوة سحيقة ليس لها قرار. في هذا الوقت، يقول سيف الدين أنه رأى الموت وجها لوجه" (ص 51-52).
                            إن شخصية الزين باعتبارها مشخصة الأنا المثالية، شخصية متكافئة متضادة تحكمها قوتان خارقتان متضادتان متكافئتان: قوة الحب والحياة وقوة الموت.فبقدر ما ينطوي قلب الزين على قوة حب خارقة بقدر ما ينطوي جسمه النحيل على قوة موت خارقة. ولكن الواقع أن قوة الحب هي الأكثر هيمنة على هذه الشخصية ونفس الشيء يمكن قوله على عالم القرية، فهو عالم مليء بالمقابلات والتعارضات، عالم منقسم إلى فرق ومعسكرات متعارضة: فريق الإمام، فريق محجوب، فريق الرجال الكبار العقلاء، فريق الشباب، فريق المغامرين، فريق المتمردين، ولكن الزين كان فريقا قائما بذاته: "وكان الزين فريقا قائما بذاته" (ص 78). وبزواجه من نعمة، وهي دليل على كرم الأصل والفضل والجاه والحسب، سيكون الزين الفريق الذي يحكم البلدة: ليلة العرس سيقف الزين في قلب دائرة الرقص "فكأنه صاري المركب" (ص 104). وقد نتج عن هذا أن صرنا أمام نص سردي متضاد متكافئ، لكنه يغلب قوة الحب على قوة الموت، أو الأصح أن نقول أن السردي والايروسي يتضافران من أجل هزم قوة الموت. فهل انهزم الموت في النهاية؟
                            جـ- الكائن الفوق –انساني:
                            في "عرس الزين" يأتي السارد صامتا لا يبدي أراءه وتدخلاته في أراء الشخوص ومعتقداتهم ورواياتهم، بقدر ما يحاول أن يتقرب من شخوصه، يستمع إليهم كلهم ويحاول فهمهم. فهو على حد تعبير د. علي الراعي "منشغل محايد" يسع صدره الطيب والخبيث من الشخوص ويعطي كلا حقه، ولكنك تتبين من خلال منظوره الفني خبث الخبيث وطيبة الطيب (16).
                            لكن، وإن كان هذا صحيحا، فإن هذا لا يعني أن المنظور الساردي في هذه الرواية لا ينطلق من اختيارات ولا يؤسس اتجاهات: فقد اقتنعنا مع هذا المنظور أنه لو اعتمدنا النظر الخارجي وحده، لما استحق الزين أن يكون بطلا، وهو بهذا يوجه نظرنا واهتمامنا إلى اللاظاهر، إلى الباطن وإلى اللامرئي.
                            فنحن أمام منظور ينظر إلى الأحياء والأشياء نظرة نفاذة تؤمن بأن وراء ما نراه - أي الظاهر - أشياء أخرى وعوالم أخرى وقوى أخرى. وفي نفس الوقت، فهو لا يحاول أن يفسر أو أن يعلل قصد إقناع القارئ. بل هو يقدم الأمور كما هي، كما وقعت، أو الأصح كما يردها أهل البلدة. فعندما يقول أهل البلدة أن ما حدث ويحدث معجزة، فلأنه معجزة، فمادام الظاهر المرئي لا يقدم تفسيرا مقنعا، فإن هناك أمورا لامرئية أو قوى خفية لا يدركها الأهل كما السارد ومن هنا لفظة "المعجزة". إذا كان الزين رسول الحب، فقد يكون سيف الدين ممثل الخبث والشر، وكان لابد من المواجهة، بدأها هذا الأخير والبادئ أظلم، وجاء وقت انقض فيه الزين بجسده النحيل الذي ينطوي على قوة خارقة أي على نقيضه، وكاد يقتله لولا وقف الحنين في اللحظة نفسها التي رأى فيها سيف الدين الموت.
                            أمام هذا الحدث يكشف لنا السارد عن أمر مهم: الإيمان بالقوى اللامرئية. فجسد الزين نحيل لكنه ينطوي على قوى خارقة (قوى الحب /قوى الموت) والقوى الغالبة على هذه الشخصية هي قوى الحب والخير التي منحته قلبا واسعا حنونا يسع كل من حوله ويكسر كل الحواجز نشرا للحب والرحمة، ولكن أمام هذه المهمة كان لابد من مواجهة الشر، وفي هذه المواجهة تحركت في شخصية الزين قوى خارقة يهابها أهل البلد أجمعين أنهم عاينوها غير ما مرة.
                            ويبقى السؤال الذي يحير أهل البلدة مثلما السارد: كيف حضر الحنين في نفس اللحظة التي رأى فيها سيف الدين الموت؟ وكيف استطاع أن يهدئ وحده تلك القوى الرهيبة في شخصية الزين، في حين أن رجالا ثمانية عجزوا عن ذلك؟ وكيف يحدث أن يعلن سيف الدين توبته عائدا إلى طريق الله وأن تتوارد على البلدة معجزات أخرى؟ الجواب عن هذه الأسئلة يكون بهذا المقطع بصوت السارد:
                            "كانت معجزة سيف الدين بداية لأشياء غريبة تواردت على البلد في ذلك العام ولم يعد ثمة شك في ذهن أحد، حتى محجوب، وهم يرون المعجزة تلو المعجزة، أن مرد ذلك كله أن الحنين قال لأولئك الرجال الثمانية أمام متجر سعيد ذات ليلة: (ربنا يبارك فيكم. ربنا يجعل البركة فيكم). كان الوقت قبيل صلاة العشاء بقليل وهو وقت يستجاب فيه الدعاء،خاصة من أولياء الله الصالحين أمثال الحنين" (ص 60).
                            يمكن أن نقول أن السارد لا يقوم إلا بنقل اعتقادات أهل البلدة، لكن هذا المقطع يتضمن جملا تقر بأن السارد لا يختلف في شيء عن الأهل، فهو نفسه يؤمر بالمعجزة (كانت معجزة سيف الدين بداية الأشياء غريبة تواردت على البلد في ذلك العام)، ويؤمن مثلهم بأولياء الله الصالحين أمثال الحنين وبقواهم الخفية الخارقة.
                            وبهذا نوافق د. علي الراعي (17) على أننا أمام منظور صوفي متعمق: فالعلاقة بين الزين والحنين أقرب إلى العلاقة بين الشيخ والمريد، والنص لا يخفي أن الحنين من المتصوفة ومن أولياء الله الصالحين (ص 26) وبأن دعاءه مستجاب عند الله، وبأنه سبب المعجزات والخوارق التي عرفتها البلدة في عام سموه "عام الحنين" (ص 61).
                            ومن هنا نجد أنفسنا أمام نص صوفي بقدرها يمتح من كتب "الكرامات" التي تنصب على سرد كرامات الصوفية وأفعالهم غير المألوفة التي تسمو بالصوفي إلى مرتبة الكائنات الخارقة القدسية (وهذا يصدق على الحنين) بقدر ما يمتح من الكتابات الصوفية ذات المنحى الفلسفي التي انصبت على القضايا الكبرى الميتافيزيقية والوجودية.
                            لا يسعنا الا أن نقول أن نص عرس الزين نص صوفي يقدم لنا تجربة صوفية (تجربة المريد الزين في علاقته بشيخه الحنين وفي علاقته بمحيطه وعالمه). وهذا النص الصوفي يقدم لنا قصة بسيطة لكنها في نفس الوقت تتجاوز السرد التقليدي وابتدالات الواقعية: إذا كان السرد التقليدي تفسيرا كاملا للحياة، فإن السرد الجديد بمنظوره الصوفي لا يفسر بل هو يطارد ذلك الشيء الأخر، ذلك السرد، حتى أنه ليبدو أن لا أمل في الحصول على أي تفسير. ومع ذلك وكما بين ذلك الأستاذ عبدالحق منصف (نفس المرجع ص: 16)، فإن القصة الصوفية تقدم أحداثها الخارقة بوصفها واقعا بديهيا، لكن دون إلغاء الواقع التاريخي واليومي، لأنه بدون هذا الواقع لا يمكن إدراك خصوصية أحداثها ككرامات. وبعبارة أخرى، فإن القصة الصوفية تقدم ذاتها كبداهة، ليس فيها استدلال ولا برهنة ولا تبرير ما لأحداثها وكأن ما ترويه طبيعي. فهي تريد أن تكون بديهية وطبيعية، بحيث تقدم أحداثا غير مألوفة وخارقة لكن بلغة مألوفة وطبيعية، بل بأسلوب متجذر في التجربة الإنسانية (الأستاذ عبد الحق منصف ص: 27) وبهذا المعنى يمكن اعتبارها شهادة مع حصر معنى الشهادة في الإخبار العادي عن أحداث غير عادية. ونحن نوافق عبدالحق منصف على أن ما يكسب الأحداث المحكية داخل الشهادة أهميتها وتميزها ليس هو خرقها للعادة فقط، بل هو أيضا اكتسابها لمعنى ما يجعلها متميزة وبارزة داخل التجارب المعيشة للإنسان: وهو معنى يفوق الدنيوي لكي يفتح اللفة أولا والذات ثانيا (عبد الحق منصف يتحدث عن المتلقي) على ما يقابل الدنيوي (ما يقابل الوجود الطبيعي للذات وتحديداتها الزمانية والمكانية والاجتماعية...).
                            وهنا يهمنا أن نذكر أن من خصائص النص الصوفي أنه يستثمر مجمل عناصر الحكاية العجائبية. وإذا كان مفهوم العجائبي ينطبق على ظواهر مجهولة لدى الإنسان لم يسبق له رؤيتها ويستحيل عليه تفسيرها انطلاقا من القوانين التي تحكم الظواهر الطبيعية المألوفة لديه، فيمكن القول إن العديد من الظواهر والأحداث التي يرويها النص الصوفي ذات طابع عجائبي. لكونها تنفتح على إشكالية الواقع /اللاواقع وتتردد بينهما (68). لكن ورغم كل ذلك. فإن الحق مع الأستاذ منصف في ذهابه إلى أنه من الصعب جدا تصنيف النص الصوفي ضمن جنس العجائبي. وذلك لأن النص الصوفي يجمع به ن العناصر العجائبية الخرافية والعناصر الواقعية والتاريخية.
                            ونقدم هنا نموذجا تمثيليا للنص الصوفي من "عرس الزين":
                            "
                              على أي حال، لاشك في أن الحنين، ذلك الرجل الصالح، قال على مسمع من ثمانية وجال، في تلك الليلة المباركة بين الصيف والخريف، قبيل صلاة العشاء بقليل (ربنا يبارك فيكم ربنا يجعل البركة فيكم) وكأنما قوى خارقة في السماء قالت بصوت واحد: (أمه ن) بعد ذلك توالت الخوارق معجزة تلو معجزة و بشكل يأخذ باللب. لم تر البلدة في حياتها عاما رخيا مباركا مثل (عام الحنين) كما أخذوا يسمونه. صحيح أن أسعار القطن ارتفعت ارتفاعا منقطع النظير في ذلك العام، وأن الحكومة لأول مرة في التاريخ سمحت لهم بز راعته بعد أن كان وقفا على مناطق معينة في القطر (محجوب وحده، وباعتراف منه، ربح أكثر من ألف جنيه من قطنه). وصحيح أيضا أن الحكومة لغير ما سبب أو لسبب خفي لا يعلمونه بنت معسكرا كبيرا للجيش في الصحراء على بعد ميلين من بلدهم. والجنود يأكلون ويشربون فانتعشت البلد من توريد الخضراوات واللحوم والفواكه واللبن للجيش. حتى أسعار الثمر ارتفعت ارتفاعا ليس له نظير في ذلك العام. وصحيح أيضا أن الحكومة، هذا المخلوق الذي يشبهونه في نوادرهم بالحمار الحرون قررت لغير ما سبب ظاهر أيضا أن تبني في بلدتهم - دون سائر بلدان الجزء الشمالي من القطر، وهم قوم لا حول لهم ولا طول، ولا نفوذ ولا صوت يتحدث باسمهم في محافل الحكام، قررت الحكومة أن تبنيني بلدهم،دفعة واحدة، مستشفى كبيرا يتسع لخمسمائة مريض ومدرسة ثانوية ومدرسة للزراعة، ومرة أخرى عادت الفائدة على البلد في الأيدي العاملة ومواد البناء وتوريد الغذاء ناهيك بأن مرضاهم سيضمنون العلاج وأن أبناءهم سينالون حقهم من التعليم
                                قررت أيضا في العام ذاته
                                  أن تنظم أراضيهم كلها في مشروع زراعي كبير
                                    وإذا بالأرض على اتساعها من ضفة النيل إلى طرف الصحراء يغمرها الماء، بعضها أراض لم تر الماء منذ أقدم السنين وإذا بها بعد قليل تموج بالحياة" (ص 66-63) والنص الصوفي والنص العجائبي ليسا وقفا على رواية عرس الزين، بل نجدهما حاضرين في الرواية الأخيرة عند الطيب صالح "بندرشاه" هكذا نجد تراجم لرجال التصوف نقدم منها هذا النموذج:
                                    "كان اسمه حسن وسماه الناس بلال لأن صوته في الأذان كان جميلا وفيه لكنة، ينادي "أشهد ألا إله إلا الله، أشهد أن مهمدا رسول الاه، هيّ إلى السلاة،، هي إلى الفلاه". قالوا أن الشيخ نصر الله ود حبيب هو الذي أعطاه الاسم لما سمع من صوته، وعلمه الأذان وجعله مؤذنا. وكان يقول له "طوبى لمن شهد صلاة الفجر في المسجد على صوتك يا بلال، فوالله إن صوتك ليس من هذه الدنيا ولكنه نزل من السماء".
                                    وأحيانا كانوا ينادونه "هلا هلا ولد لا اله إلا الله".أما "هلا هلا، فلأنها كانت العبارة الوحيدة التي يفوه بها إذ خوطب، وأما "لا اله إلا الله" فلأنه كان حين يسأل من أبيه يجيب: "أنا ولد لا إله إلا الله" (بندر شاه الجزء الثاني ص: 46).
                                    كما نجد النص العجائبي حاضرا بخصائصه الأخرى التي تتمثل في القدرة الخارقة على الانتقال من مكان إلى مكان والتحول من هيئة إلى أخرى، مثلما تتمثل في عودة الأموات إلى الحياة وفي خصائص أخرى كما في هذا النموذج:
                                    "كانت مثل طائر. رفعها محجوب من نعشها فشهق ضوء المصابيح على حافة القبر، وسمعت هبوب أمشير تناديني بلسان مريم "لا شيء، لا أحد".خطا بها نحو القبر، فاعترضت طريقا ومددت يدي، نظر إلى برهة، ورأيت عينيه ترقان وتغرورقان، فتركها لي. كانت خفيفة مثل فرخ طائر وأنا أسيريها في طريق طويل يمتد من بلد إلى بلد ومن سهل إلى جبل. لم يكن حلما. أبدا. كانت مريم نائمة على كتفي. سرت بها على ضفة نهر إلى وقت الضحى، فأيقظها لفح الشمس على وجهها. انفلتت مني وقفزت في الماء. كانت عارية. أشحت عنها، ولكنني لم أطق صبرا فأدرت لها وجهي نظرت فإذا هي في بركة من الضوء. وكأن أشعة الشمس هجرت كل شيء وتعلقت بجسدها. كانت تغطس وتقلع وتختفي هنا وتظهر هناك..." (بندر شاه الجزء الثاني ص 83).
                                    إن النص الصوفي والعجائبي يؤسس نص ما بعد الحداثة (19). وذلك لأن مثل هذه الكتابة تنزع إلى تكسير قوالب الواقعية الضيقة وتمكن من النظر بشكل جديد ومن رؤية أشياء أخرى(20). ومن جهة أخرى. فهذا النوع من الكتابة "مغامرة واستجلاء للبقايا والهوامش والمقصي من كينونتنا المحاصرة بضغط القوانين والمحرمات وشتى أنواع الرقابة" (21). وبعبارة الأستاذ منصف، فإن النص الصوفي يستهدف الطفولة المنسية الفائرة في أعماق ليلية للذاكرة (ص 25). وقد كان ماكس بيلن Max Bilen (1987) على حق حين قال: "يعود إبداع الآلهة والأساطير لرغبة الإنسان في الانفلات من تحديدات وجوده الطبيعية. فالإنسان يطلب من الاعتقاد الديني والعشق الايروسي والإبداع الفني.. يطب منها جميعا أن تلبي تعطشه الدائم لذلك الانفلات وأن تجسد في كائن مجرد أو موضوع ما أو عمل فني الوحدة والاستمرار اللذين يفتقدهما واقع... وفي مقابل عالم الحياة المشروط المحدود والمتناهي الذي نعيش فيه، يتميز هذا العالم الآخر بأوصاف الكونية واللازمانية.، اللذين بدونهما لا توجد أية حكاية أسطورية ولا عمل فني" (نقلا عن د. عبد الحق منصف، نفس المرجع ص: 27).
                                    هكذا يتمكن النص الصوفي من انتهاك المألوف والطبيعي، بحيث نكون أمام رغبة قوية في تجاوز النظام القائم للعالم المبتذل، أمام "كلام حر" على حد تعبير ف، رومو (22) يعبر من الصراعات والأهواء والمكبوت والقول المحروم..
                                    إن النص الصوفي والعجائبي ذو وظيفة نصية إذ يسمح للرواية بامتصاص واستثمار نصوص الأدب الكلاسيكي والأدب الشفوي، لكنه أيضا ذو وظيفة تحلينفسية إذ يقدم ذاتا تأبى الخضوع للقوانين والإكراهات الواقعية والطبيعية وتفضل الانفلات الخيالي لتضعنا أمام نص يعتبر شاشة يعكس لا وعيها وجهازا يحمل وعيها على حد تعبير د.علي زيعور (23).
                                    إجمالا نقول أن الشخصية الشعرية ترى أناها المثالية خارج القوانين والإكراهات الواقعية - الإنسانية والطبيعية. ولهذا لجأت إلى النص الصوفي لكونه يسمو بالإنسان من وضعه الطبيعي والإنساني إلى مرتبة الولاية، أي من تحديده الدنيوي (خضوعه لإكراهات الزمان والمكان والجسد) إلى مرتبة القدسية – (التعالي على تلك الإكراهات إلى حدود الخرق والانتهاك). وبعبارة أخرى، فإنها ترى أناها المثالية كائنا فوق إنسانيا يحقق المعجزات، يخلق المجتمع الإنساني المثالي، مجتمع الحب والرحمة والخير والبركة: انه الكائن الذي يحول المجتمع إلى جنة والإنسان إلى ملاك.
                                    وبالنظر إلى الروايتين الأخيرتين ("موسم الهجرة إلى الشمال"، "بندر شاه")، فإن النص الصوفي والنص العجائبي يدفعان الذات إلى لقاء قرينها ونقيضها (السارد/ مصطفى سعيد، في "الموسم" وإلى تكرار المثيل Senblable وعودة المكبوت (أمثلة كثيرة في رواية بندر شاه بجزئيها) إلى حد يجعل النص الروائي مطبوعا بما يسميه س. فرويد بـ "الغرابة المقلقة".
                                    2-2 لكن ما يخصص الأنا المثالية أعمق مما ذكرناه، فقد تقدم أن بنية النص ايروسية جنسية قطباها الرئيسيان هما الذكر (الزين) والأنثى (نعمة) يجمع بينهما الحب الذي سينتهي إلى الزواج، والحب والزواج والجنس ليست فقط ثيمات أساسية في النص، بل هي القيم التي يحتفل بها النص وتتغلغل إلى بناه اللغوية والسر دية والرمزية.
                                    والشخصية الشعرية (أنا السارد) تحتفل بأناها المثالية (شخصية الزين)، لأن هذه الأخيرة قامت بفعل كوني: الزواج والقارئ - المحلل يعتبره فعلا كونيا لأن هذا الزواج لم يكن بين اثنين عاديين، بل بين ذكر بخصائص رأينا أنها تخرج عن المألوف وبين أنثى تنزاح هي الأخرى عن المألوف بين بنات نوعها: فهي صبية حلوة وقورة المحيا، غاضبة العينين (ص 28)، لم تكن تأبه لجمالها وأرغمت أباها على دخول الكتاب، فكانت الطفلة الوحيدة بين الصبيان (ص 36).
                                    لكن ما يجعل منه فعلا كونيا بشكل أعمق هو أنه زواج بين ذكر ينظر إليه على أنه طفل يتيم وبين أنثى تعتبر نفسها أما: كان الزين بدون أب (الأب لا وجود له وغير مذكور ولا شيء من حياته ولا عن موته، وحدها الأم حاضرة)، والزين يعلن الحب لكثيرات، لكنه في موضوع نعمة لم يقم بأية مبادرة: هي التي اختارته وخطبته، وبعدها فقط أعلن حبه وزواجه، كان يدخل قصة حب ويخرج منها ليدخل أخرى إلى أن بلغ الحب الأكبر، يقول النص:
                                    "أما نعمة فلم ترتسم في ذهنها صورة محددة، كبرت وكبر معها حب فياض ستسبغه يوما على رجل ما، قد يكون الرجل متزوجا
                                      قد يكون شابا وسيما متعلما ومزارعا من عامة أهل البلد
                                        قد يكون الزين.. وحين يخطر الزين على بال نعمة تحس إحساسا دافئا في قلبها، من فصيلة الشعور الذي تحسه الأم نحو أبنائها، ويمتزج بهذا الإحساس شعور آخر بالشفقة يخطر الزين على بالها كطفل يتيم عديم الأهل في حاجة إلى الرعاية.." (ص 39).
                                        الواقع أن النص يضعنا أمام زواج غريب وملتبس: فنعمة هي التي خطبت الزين وقررت الزواج منه، لا لأنها رأت فيه فارس أحلامها كما يقع عادة لبنات جنسها، فهي قد رفضت الكثير من الأزواج كانت فتيات البلد يحلمن بهم: إنها كانت تتمنى لو أن أهلها أسموها رحمة، وهي تتخيل رحمة امرأة رائعة الحسن متفانية في خدمة زوجها (ص 36)، وبمعنى أخر، فإنها كانت "..مدفوعة بإيعاز داخلي إلى الإقدام على أمر لا يستطيع أحد ردها عنه" (ص 38)، أي أنها كانت "تضم صدرها على أمر تخفيه عنهم" (ص 37).
                                        وقد كان ".. للإمام رأي في أمر زواج الزين من نعمة بنت الحاج إبراهيم" (ص 80)، صحيح أن الإمام أجرى مراسم الزواج في المسجد، لكنه أدار عينيه في الرجال المجتمعين وقال إن الجميع يعلمون انه عارض هذا الزواج (ص 95).
                                        ويزداد الالتباس عندما نعلم أن الحنين، وهو شيخ الزين وفي منزلة أبيه، سيموت أياما قليلة قبل إعلان الزواج، وليلة العرس سيجد الأصدقاء الزين في المقابر يبكي على قبر الحنين.
                                        وفي الصفحات الأخيرة، يتحدث النص من حفل العرس، عن الضيوف والزائرين وأهل الغناء والمدح والرقص، يتحدث عن الزين وهو في لباس العرس، وهو في المقبرة، وهو في حلبة الرقص، أكثر من هذا أنه يخصص صفحة كاملة لأم الزين الحقيقية يبدو، من خلالها كأنها العروس، في حين يتحدث عن نعمة العروس عابرا، هكذا نقرأ:
                                        "أول من زغردت أم الزين، كانت فرحة لأسباب عدة، فرحة فرح الأم الغريزي لزواج ابنها - تلك مرحلة حاسمة وكل أم تقول لابنها: "اشتهي أن أفرح بزواجك قبل أن أموت" وكانت أم الزين تحس أن حياتها تنحدر للغروب ثم إن الزين كان ابنها الوحيد، بل كان كل ما أنجبت، ولم يكن كبقية الناس، فخافت أن تموت ولا يجد من يرعاه، فهذا الزواج أراح بالها
                                          والزين لن يتزوج امرأة من عامة الناس، ولكنه سيتزوج نعمة بنت الحاج إبراهيم وناهيك بهذا دليلا على كرم الأصل والفصل والجاه والحسب، ستدخل ذلك البيت الكبير المبني من الطوب الأحمر
                                            تدخل مرفوعة الرأس، ثابتة الخطوة، سيقومون لها إذا دخلت ويوصلونها للباب إذا خرجت ويعودونها كل يـوم إذا مرضت، ستقضي الأيـام الباقية من حياتها في فراش وثير من الرعاية والحب".ص (91).
                                            إن النص يعتمد، في هذا المقطع لغة ملتبسة مضمونها يمكن أن ننسبه إلى الأم الحقيقية لأنه يلائم دورها الطبيعي، ولكنه في نفس الوقت يمكن نسبه إلى العروس: فإذ ا أخذنا جملة "أشتهي أن أفرح بزواجك قبل أن أموت" فنحن لا نحتاج إلى بيان أن عبارة "أشتهي" من "الشهوة" التي لا تعني إلا الرغبة، أما إذا أخذنا عبارة "أن أفرح بزواجك" فإنها تحمل معنيين: الأول أن الأم تريد أن تفرح بزواج ابنها من امرأة أخرى، والثاني أنها تريد أن تفرح بزواج ابنها أي بالزواج منه. وهناك عبارات وجمل أخرى تؤكد هذا الالتباس:
                                            - ستقضي الأيام الباقية: في فراش وثير من الرعاية والحب.
                                            - ستدخل ذلك البيت الكبير... مرفوعة الرأس، ثابتة الخطوة سيقومون لها إذا دخلت..
                                            إن الشخصية الشعرية تحول الواقع في اتجاه رغائبها، إنها تخلق بطلا خرافيا (تحت - إنساني وفوق إنساني في نفس الوقت). وبطلها هو الذي يحضر في مكان الأب فيه غير موجود، هو الذي يحل محل الأب (أب الزين غير مذكور إطلاقا)، بمعنى أن الشخصية الشعرية تخلق البطل الذي يريد أن يحل محل الأب باعتباره أول مثال للأنا. والزواج بين الطفل الذي حل محل الأب وبين الأم لن يحصل إلا بعد موت الأب (الحنين ليس أبا حقيقيا بل أب مجازي): فنعمة لن تخطب الزين وتدعوه إلى الزواج منها إلا بعد موت الحنين، بعدئذ سيقام عرس كبير لأن العرس دليل على العودة إلى ما يسميه ستاروبنسكي بالبراءة الأولى، بالطبيعة المفقودة (25).
                                            ولهذا سنفهم لماذا حملت الرواية عنوان عرس الزين: العرس دليل أساسي والزين هو البطل الذي وصفته نعمة زوجته بالطفل اليتيم. وينتهي محفل العرس / النص والبطر فوحاكم العالم الجديد: "وفي الوسط فتاة ترقص، وحولها دائرة عظيمة فيها عشرات الرجال يصفقون ويضربون بأرجلهم ويحمحمون بحلوقهم. انفلت الزين، وقفز قفزة عالية في الهواء فاستقر في وسط الدائرة. ولمع ضوء المصابيح على وجهه. فكان ما يزال مبللا بالدموع. صاح بأعلى صوته، ويده مشهورة فوق رأس الراقصة: "ابشروا بالخير... ابشروا بالخير". وفار المكان، فكأنه قدر تغلي، لقد نفث فيه الزين طاقة جديدة. وكانت الدائرة تتسع وتضيق، تتسع وتضيق، والأصوات تغطى وتطفو، والطبول ترمد وتزمجر، والزين واقف في مكانه في طلب الدائرة بقامته الطويلة وجسمه النحيل، فكأنه صاري المركب." (ص 104).
                                            إن الشخصية الشعرية بهذا تخلق تخييلا يرتبط بالمرحلة الماقبل أوديبية، ومن هنا سنفهم لماذا يمته هذا التخييل من العجائبي والصوفي، ولماذا تهيمن عليه البنية الثنائية: الذكر - الأنثى، وبالزواج - العرس يصعب التمييزيين عنصري هذه الثنائية: فالشخصية الشعرية تخلق واقعا برغائبها، واقعا يتم فيه الزواج بين الذات وموضوعها، بين الرغبة. وموضوعها، ففي هذا الواقع تستعاد الجنة المفقودة وتستعيد الذات وحدتها وتماسكها ويحصل التواصل التام والشفاف بين كل الأوعاء (ج. وعي). ولهذا جادت رواية عرس الزين متماسكة (بالرغم من تقنيات الإرجاع) غير متفككة. مثلما جاء بطها شخصية متماسكة موحدة لا ممزقة مشتتة.
                                            إن هذا الواقع الذي فلقته الشخصية الشعرية برغائبها هو واقع لا تحكما إلا قوة الايروس: وإن كان الافتراض الذي تقدم به س، فرويد صحيحا بالنظر إلى هذه الرواية، حين يقول: "سنخاطر الآن إذن بافتراض مضمونه أن العلاقات الغرامية
                                              تكون جوهر روح الجماعات
                                                بدءا، لأن تماسك الجماعة لا يكون بشكل ظاهر الا لسلطة... للايروس" (26). فإن الذات مثلما التخييل لا يكون متماسكا إلا إذا حكمته سلطة (27).
                                                وإن كان واقعا أن الزواج بين الذات والموضوع، بين الطفل والأم، لم يتم إلا بعد موت الأب (الشيخ الحنين)، فإن الواقع أيضا هو أن الابن (المريد، الزين) قد صار مع الزواج إلى الموت، وإلا لماذا كان الزين يبكي شيخا على المقابر ليلة عرسه؟
                                                إن الشيخ الحنين صاحب كرامات، وقد مات مباشرة بعد أن انفضح سره "ولم يعد ثمة شك في ذهن أحد، حتى محجوب، وهم يرون المعجزة تلو المعجزة، أن مرد ذلك كله أن الحنين قال لأولئك الرجال الثمانية أمام متجر سعيد ذات ليلة (ربنا يبارك فيكم. ربنا يجعل البركة فيكم)" (ص 60). ذلك لأن حياة الصوفي ترتبط بمشاركته الوجودية للأسرار التي تنكشف له وانخراطه في دائرة السر. وموته يرتبط بفضح هذه الأسرار والألغاز. وإذا كان المريد في النصوص الصوفية الكلاسيكية هو الذي يقتل أباه (الشيخ) بحكي كراماته، فإن الزين (المريد) في هذا النص هو سبب انفضاح سر الشيخ خلال واقعة سيف الدين التي تلتها معجزات كان الحنين وراءها.
                                                لكن الأكيد أن موت الشيخ (الأب)لا يعني إلا موت المريد (الابن)، والعرس هو الدال على موت الزين الكائن الخارق وظهور الزين الكائن الإنساني الاجتماعي العادي الذي يخضع للمواصفات الاجتماعية (نقرأ في رواية موالية أن الزين صارعن أعيان البلد - بندر شاه الجزء الأول). فحكاية الكرامة التي انتشرت في البلدة قتلت الشيخ (الأب) لكنها قتلت المريد أيضا (الابن): قتلت الشيخ بانفضاح السر، وقتلت المريد بأن أخضعته للمواصفات الاجتماعية: تقول الحكاية الكرامتية أن الحنين قال للـزين أمام جمع من الناس: "... باكر تهرس أحسن بت في البلد دي" (ص 48-49).
                                                ومن هنا مأساة النص الصوفي: فهو عكس النص الشهرزادي، يقتل أبطاله وشخوصه (الشيخ والمريد/ الأب والابن). ولهذا نوافق الأستاذ منصف على أن لغز النص الصوفي هو لغز الإيروس والموت، فهو اللغز الذي يوجه كينونة النص الصوفي. (ص 28. نفس المرجع).
                                                2-3 تقدم أن هذا النص البيوغرافي يندرج ضمن ما يسميه م. باختين بالنمط الاجتماعي العائلي، الأمر الذي يعني أننا أمام ما يسمى في النقد النفسي بالرواية العائلية.
                                                والرواية العائلية تعيد بناء المحيط العلائقي وفقا لرغائب الهو Ca: فعندما تصير العائلة أكثر واقعية، فإنها تعوض بعائلة أخرى هي ابداع نفسي تقيمه الذات بدلا عن نسبها الحقيقي (28).
                                                وقد كانت مارت روبيرMarthe Robert: أول من طور في كتابها "رواية الأصول، أصول الرواية" (1972) كك الفكرة التي مضمونها أن الرواية العائلية هي النقطة التي ينطق منها الروائي، فانطلاقا من قردة لفرويد استندت مارت روبير إلى نظرية أوديبية للرواية: فالرواية العائلية يمكن اعتبارها حيلة يلجأ إليها الخيال لحل الأزمة التي يعرفها النمو الإنساني كما تحدده عقدة أوديب (29). ومن هذا المنطلق، تصنف الرواية العائلية إلى صنفين: صنف نصوص "الطفل المعثور عليه" ونصوص "الطفل اللقيط"، في الصنف الأول ينتقل الأباء من مقام النماذج المثلى إلى مقام الغرباء، لكي يعوضوا في التمثيل L'idealisation بعائلة أخرى مفقودة وملكية ونابلة وقوية بشكل من الأشكال: وفي الصنف الثاني، فإن الاختلاف بين الجنسين ينظم العائلة ويسمه للطفل بالا يشك إلا في أبيه الذي يعوضه بواحد حقيقي وملكي ومجهول. وبالنسبة لمارت روبير، فكل نص ينبغي أن يندرج في أحد الصنفين: أدب "العالم الآخر المعثور عليه" وأدب "مواجهة العالم"، وبتعبير آخر، أدب سرفانتس من جهة، وأدب بلزاك من جهة أخرى، وهنا نسمح لأنفسنا بالقول: أدب نجيب محفوظ من جهة (مواجهة العالم الواقعي، الثلاثية نموذجا) وأدب الطيب صالح من جهة (العالم الآخر المعثور عليه، "عرس الزين" نموذجا). يمكن أن يكون هذا التصنيف مجحفا، فرواية "عرس الزين" يمكن أدراجها ضمن أدب "العالم الأخر المعثور عليه" البعيد عن العالم الواقعي، لكنها في نفس الوقت تندرج ضمن أدب "مواجهة العالم": فالبطل - الزين - بقدر ما يبدو غريبا عن محيطا (في سلوكا، في حبه..) بقدر ما يفعل في هذا المحيط (اهتمامه بما يهمشه هذا المحيط). في نفس الوقت يضعنا هذا النص أمام هذه المأساة: وهذه المأساة سببها أن نص "العالم الأخر المعثور عليه" يموت عندما يواجه العالم الواقعي، أو الأصح عندما يواجه نص "مواجهة العالم". ولهذا نوافق الناقد بسام بركة على أن النص الروائي العربي مسرح لصراع في النفوذ بين "أسطورتين": تقوم الأسطورة الأولى على مواجهة الواقع والجهاد والكفاح فيه، وتقوم الثانية ملي محاولة خلق ذلك العالم الأخر،تلك الجنة المفقودة (30).
                                                لكن افتراضات مارت روبير أصبحت الآن كلاسيكية وعرفت مناقشات عدة من أهمها ما نجده في مؤلف د. أنزيوD.ANZIEU "جسد الاثر" (1981): فهو يلاحظ (31) أن الحلم "الآخر" نشاط لا يمكن اختزاله في موضوع العائلة فقط، بل هو يخصص بالأحرى الاستيهام، فالحياة الإنسانية لا يمكن أن تكون مقبولة إلا إذا تمكنا من تخيل الحياة الخاصة أو الحيوات التي لم نتمكن من بلوغها أو الحيوات التي بلغها الآخرون. التمييز بين نمطين روائيين لن يكون إذن إلا اصطناعيا: فهذه الأنماط ليست إلا متغيرات تكرارية لسؤال جوهري يهم الغيرية L'alterite، ليس فقط ما يميز الآباء داخل نظام النسب ويهم الرواية العائلية، لكنه أيضا ما يميز ويهم المجهول داخل الكينونة: اللاوعي.
                                                وبهذا يسعى أنزيو، كما لاحظ م. طاون (نفس المرجع ص: 192)، إلى تفريغ تصنيف م. روبير التعميمي من أهميته. لكن وان كان له الفضل في بيان القيمة العامة لنشاط الكتابة باعتباره محاولة تعيد الاعتبار للوجه الداخلي والخارجي للغيرية، فإنه يقلل من أهمية التفكير الذي يتمحور حول الرواية العائلية. ولإعادة الاعتبار لهذا التفكير يقترح م. طاون (ص: 192) إعادة قردة مارت روبير لكن على ضوء نص فرويد الذي كان مؤسس هذا التفكير. وهذا الاقتراح هو الذي يطوره م. طاون تمهيدا لتناول الرواية العائلية في الخيال العلمي (نفس المرجع ت ص 192 فما فوق).
                                                عندما نتناول نص فرويد (رواية العصابيين العائلية، 1909)، فإننا نستنتج أن ما يهم في الرواية العائلية هو عمل التمثيل de l'idealisation tavail الذي يسعى إلى إعادة صوغ نرجسي للآباء الواقعيين الذي خيبوا الآمال وإلى خلق وضعية انحطاطية تبدأ بحماية موضوعات الحب. وعلى طول هذا النص، يتذبذب فرويد بين تفسيرين عن تكون الرواية العائلية: من جهة يصف الرواية العائلية على أنها نتاج عدوانية ناتجة عن معاناة نرجسية، ومن جهة أخرى، يعود فرويد ليقترح أن خلف الرواية العائلية غايات ايروسية (م. طاون - نفس المرجع، ص 192-195). وبخصوص الرواية العائلية العصابية، تأتي هذه الأخيرة حسب فرويد كنشاط يرفض التماهي بالجنس المماثل، وكمحاولة لاغلاق المحيط العائلي وإبعاده عن التفكك.
                                                وإن كنا لا نزعم أن رواية عرس الزين عصابية، فهذا لا يمنع من اعتبارها محاولة رافضة للتماهي بالجنس المماثل (فالزين يعاشر النساء أكثر من الرجال ولا يتوفر على بعض علامات الذكورة، ونعمة هي الصبية الوحيدة التي تتعلم بين الصبيان ولا تعاشر مثيلاتها في صغرها وكبرها الا قليلا). وإذا وضعنا هذه الرواية في سياقها التاريخي والاجتماعي (النهضة العربية مرحلة انتقالية تتحول فيها بنيات المجتمع العربي). فإننا نتساءل: إلا يمكن اعتبارها محاولة دفاعية عن المحيط العائلي ومحاولة حمائية لهذا المحيط ضد التفكك: اذا كان م. طاون يعيد قراءة مارت روبير على ضوء فرويد مؤسس هذا التفكير (الرواية العائلية)، فإن ج. لوكاليو (هو وآخرون - 1977) يعيد قراءتها من خلال الأدب .. وبالضبط من خلال الرواية الجديدة.
                                                فهوني منطق حديثه عن الرواية العائلية والرواية الأدبية يرتكز إلى مبدأ مفاده أن النص الروائي يعيد إنتاج استيهام نقرأ فيه الرغبة (ص 103)، وبعد تناوله لما يسمى بالوهم الروائي، ينتقل إلى مسألة النمذجة ليعرض نمذجة مارت روبير مبينا أنه إذا جعلنا من الرواية الأدبية صدى للرواية العائلية الأصلية فإننا سنربط المجموعتين الروائيتين العجائبية والحلمية والخرافية من جهة والطبيعية والواقعية من جهة أخرى بمرحلتين مخلفتين في تشييد الرواية العائلية. ونحن نعرف بالفعل أن التخييل الأصلي يحوي لحظتين أساسيتين: في المرحلة الأولى يتصور الطفل الذي تخلى عن آبائه الطبيعيين أصلا عجيبا، وهذا هو الطفل المعثور عليه الذي نجد0 في الخرافيات العجائبية، وفي المرحلة الثانية يعمل الطفل على استرداده أمه الطبيعية فهو يقبل جزءا من الواقع ويصير طفلا لقيطا. (ص 105).
                                                وهكذا ينبه ج. لوكاليو إلى وجود تماثل بين درجات نضج الاستيهام وبين الصنافة الروائية، وفي تصور مارت روبير فإن الرواية الحلمية أو العجائبية ترتبط بمرحلة ما قبل أوديبية للرواية العائلية، أما الرواية الواقعية والطبيعية فترتبط بالمرحلة الما بعد - أوديبية لهذه الرواية (ص 105).
                                                وبما أن رواية "عرس الزين" يغلب عليها الطابع الصوفي العجائبي، فإنه يمكن ربطها بالمرحلة الما قبل - أوديبية للرواية العائلية. لكن مع التنبيه إلى صرامة هذه النمذجة: فالذات في رواية "عرس الزين" وإن كانت تتصور أصلا عجيبا (تمثله الأنا المثالية باعتبارها طفلا من منظور النص نفسه في علاقته بأمه - عروسه تلك العلاقة التي تحكمها خصائص ووشائج ذات طابع أميسي) فهي تقبل جزءا من الواقع (العرس والزواج وباقي المواصفات الاجتماعية). وهي صرامة لم تعد تستجيب لها الرواية، وهذا هو ما لاحظه ج. لوكاليو عند قراءته أطروحة مارت روبير مبينا أنه في العصر الحديث، لا تستجيب الرواية وخصوصا في أشكال "الرواية الجديدة"، لنمذجة التعارض بين الطفل المعثور عليا والطفل اللقيط، فهل هذا يعني - يتساءل ج. لوكاليو - أن الرواية العائلية لم تعد تقدم للرواية هذا العمق الاستيهامي الذي يعود اليه من أجل استخدام لعبة التخييل؟ لا شيء مؤكد يقول ج. لوكاليو، فسيرورة هذه العودة نفسها يمكن أن تكون مقنعة (ص 108).


    (عدل بواسطة jini on 03-21-2009, 07:29 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de