ملامح عرفان وشواهد وجدان عن الطيب صالح .......عبدالمحمود الشيخ خالد (الرحالة)

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 08:21 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الراحل المقيم الطيب صالح
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-02-2009, 10:47 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ملامح عرفان وشواهد وجدان عن الطيب صالح .......عبدالمحمود الشيخ خالد (الرحالة)

    ملامح عرفان ..شواهد وجدان

    (1-3)

    بقلم: عبد المحمود الشيخ خالد (الرحالة)


    قال الزمخشري:

    وعهِدتني في كل شرٍ أولٌ

    فلعلني في بعضِ خيرٍ آخِرُ

    البيت بالطبع لقائله المذكور في ثنايا منظومته الشهيرة المُرمز إليها بتماضر التي حث فيها الروح إلى اللحاق بالمسيرة الفالِحة اعتزالاً هادفاً وجواراً مؤنساً، فعساي بذي المماثلة في جزءٍ إذ سبقني أوائلٌ من أُوْلي الحظ والأولوية تعبيراً بمفعول أحاسيسهم إزاء مغادرة الزاهد المتتبل في محراب القيم وتكايا المعاني بنكرانٍ للذات أبعده من أهواء الزيف الفتّان وزوالق الهلاك المبغوض مما جعله حقيق بخلعة الدرويش العظيم والصوفي الخفي... حيث توافرت فيه عماد المقومات المُحببة في مناشد القوم من تواضعٍ أصيل وعِفةٍ بالغة ووفاءٍ خالص وعطاءٍ لا يقابله أخذ مع تجردٍ من المظهرية الفضّاحة والمزاعم الواهمة بل وفناءٍ في الفكرة بعزمٍ حتى مأتَى اليقين.

    ألا رحِم الله ذلك الأديب المنكسر في خلوة المعارف الساهر في زوايا التنقيب التي دوماً في مغالبة مع حُب الناس له فتارة يُسمح له بجبر خواطرهم خروجاً عن الصمت الناطق ببوحٍ مرغوب ما أثراه لوجدان المتلقين من أهل الخصائص الذوقية بأنس لا يُمل وفيض كمٍ وَسِعَ لكافة مستوى المدارس الثقافية المتعددة والمذاهب الفكرية المختلفة وتيارات الأمزجة المتمردة فيا له من توازُنٍ في موسوعية الإدراك لمفهوم الإنسانية الجامع وتبعات معانيها السُنية من تعايش وتسامحٍ وتحاورٍ ومحاور تواصل مشتركة جُلها توثّق بحبل الثقافة والمعرفة والأدب وصنوف الإبداع الحر المباح الصادق المستقل مما حدا بقلوب الغالبية النابهة تهوي بانجذابٍ طوعى وقابلية راشدة إلى المعني بهذه المقدمة المتسقة موافقةً مع حاله بيدَ أن معايير القياس تقصُر عجزاً عن الإحاطة بطوايا أبعاد اللطائف المستكنّة في شغاف هذا المعتز بأصالة العشق "ديناً ولغة ووطناً وتراثاً" فالكل من سابق ولاحق مهما صبغ عليه من ما هو أهلٌ له تظل مفردات الصيغ البيانية تنتظر دور التشريف بالبشوش الهشوش الصالح الطيب ذي التودة المدهشة الذي نفذ بهدوء العبقرية وسلاسة الاختراق والقناعة بوحدة الوجود إلى حُجب كانت محظورة الاقتراب بزعم الحصرية المصطنعة وثقة الغير المترددة، ولكن كأنما الطيء كان يصحب الطيب إلى مصاف تلك المراقي التي لم يزعجه وصولها فيُسلب! بل زادته نظرة إلى المستفيدين الأوائل جماهيراً حرة من قبائل الآداب وأفخاذ الفنون الذين تذخر بهم الشعوب الحائرة لذا كانوا موضع عنايته الحنونة في مغذى إنتاجه الموفّق المُؤجند دفاعاً عنهم وترقية لهم فأضحوا من المذكورين بين ملا الأدباء وفضاءات المعرفة فأجمعوا هم وأهل النخب وأرستقراطي الفكر على كفاءة ظاهرته الأفرد. فذا الحال وما صاحبه من مشاعر محبة ومودة وإقرارات تفردٍ وتمكنٍ حقاً لبالكرامة الفضْلية لروائي حجبته ذي السِمة لدى العوام ولكنه مرسوخ أقدام في حيوات أخر في دنيا المحامد والإسهام المُنهِض. والظن أن عارفي قدره قد تناولوا ذلك عبر وسائط المنافذ الإعلامية المتنوعة وما زالوا، كما لا يستهويني هنا التكرار لـ "بيوغرافي" سردٍ لما هو معلوم ولكن ثقتي أن أقدار الأزل قد كيَّفت مسار الطيب على المنحى الذي فلح عبره وما أعظم أسرار الغيب عند الحكيم" الأمر الذي طوّح بذبذبة التشاويش الشوشية رصداً لنازلة معيبة في إطار مهازلة عفوية لا مكايدة ماكرة ولكن ارتطمت هذه المحاولات بالقاعدة الحبوباتية "الناجح من عشو زُوزَاي" وهذه الزَوزَوة أضحت مع مراحل الزمن سيمفونية عالمية يظل حقها محفوظاً للمؤلِف الولوف الرحالة الشغوف بجغرافيا الأدب الذي برع في تملك تقنيات إحداثياته لمظان التواجد النوعي لما يسليه من خفايا الكشف المُشرِح والتعبئة الإيجابية لذا تكاثر أصحاب وأصدقاء وسُمَّار مُعلي القامة السودانية فنشهد بأن "له في كل بلاد روّاد" ومن عجبٍ أن تعج ذاكرة طيبنا بكثافة من فسيسفاء الإطلاقات العَلَمية التي يحتشد فيها أهل الحجاز واليمن وأرضيْ الشام والرافدين والهلال وثلل الخليج الأخرى ومنظومة الشمال الأفريقي خصوصاً المغاربي، فضلاً عن طوائف طائلة عبر قارات شتى ومع هذا التباين البائن في الموروث الثقافي للأقاليم والبقاع المذكورة إلا أن راحلنا أبي الآداب الفذ قد حوى كل هؤلاء الفسيفسائيون في رحاب مفسحه الموسوعي العامر بمتطلبات بحثهم الناهم رفداً لهم بالثر المفيد، وذي ميزة ما اندرها في ذا الزمان الضنين!!! ولكنها موفورة لمن صوّب همه نحو المضامين السامية تأملاً في قضايا الأدب الشامل غير المنفصل عن الهموم الحياتية العامة والتعبير عنها من خلال التجارب بحيادية صادقة ونقل شفاف وهو النهج الذي اقتفاه من نحاول اليوم اقتفاء أثره علّنا نَلْفي خيط من فجر الحقيقة عن لمن عندما نقرأ له كأنه يؤانسك كفاحاً كما أشار إلى هذا المعنى الحقيق الأديب الملهم/ يوسف إدريس الذي أوفاه صديقه الراحل بمراعاة عهد الإخاء وعبَّر عن ذلك في مواطنٍ عديدة خصوصاً في تسلسل منعاه له حيث كان الطيب مثالاً في الوفاء المطلق فما أصدق كلماته رثاءً لإخوته في نسب الآداب وكم كان كريماً في استعراض تراجمهم تركيزاً على أهل الخفاء منهم دون تمايز منبوذ واستطباق بغيض ومع ذا لم تراوده النفس الكبيرة لعملٍ "أوتوغرافياً" كفعل الكثيرين الخاتمين لحياتهم بانهزامٍ قبل موعد اللقاء بل وفي زمن باكر – فمَن اليوم جدير بخط سيرة المُسيِّر على النحو الملاقي لمقام من ثوى بثرى البكري؟ وأين تتوافر عين بصيرة صفت من قذى الإلتباس لتنظر بمرأى حُسن محض أُسوة بالراحل النقي عسى أن تخرج لنا بتوثيقٍ حيوي غني عنه الراحل فقيرة إليه الأجيال، وليت دوائرنا المعنية تهُب هذه المرة بجدٍ نافذ سبقاً لدوائر الخارج الواعدة وذلك بمخلدٍ تجسيدي حتى لا يلبسنا الحرج مرتين... وكم كُنت أتمنى أن أكون في هذه اللحظات من أهل الشأن المباشر ولكن كما استغرق أبو الطيب المتنبي موافق كنيته الراحل المستشرف فإني كذا مستغرقٌ لدى أستاذ برزخٍ عليه كانت سُميتي وبطابتٍ روضه الجني الأينع، فعصيٌ مع هذا الحال إطلاق عقالي وذا عذري وما أكثر تجليات الرحمن على عباده بما يشاء وما أوسع الكون بحكمة المولى إرادة.

    وفي مختم هذا الجزء الأول من المقال الساري يعن لي عرفاناً أن أشكر الأخ العزيز/ الجيلي تاج الدين أبو شامة الذي دفعني حُسن ظنه إلى إطلاق خواطري المحبوسة إثر اعتمالات الحُزن حول الفقد العالمي لشخصية نبيلة أثارت غيرة الموت اشتهاءً لدى بعض المرتبين لأوضاع ما بعد الخدمة الدنيوية ولكن نُذكِّر هؤلاء بأن مجد الطيب كان مبلغه عبر قلب سليم خلا من مرضٍ ويدٍ طاهرة زهدت ولو في أجرٍ ونهج سِلمٍ وأمان لم يشوبه ضررٍ وكتمان غيظ أحار الصبر فلَكَم ما أُوذى الطيب من ما وصفهم أستاذنا الكرنكي في مواضع شتى وعبر مجالس أزمان مختلفة آخرتها كلمته الوداعية رغم أني كنت أترجى من شريكي في مشرب المحمود أكثر من ما أدلى به عقب الرحيل الطيبي وبعد المشهد البكري فليته ثلّث وربّع وأفاض وأسهب!!!. رغم أنه أفسح عبر منشورته الرائدة مساحات لكثير من الحذَقَة والمَرَنة....











    (


    ملامح عرفان- شواهد وجدان

    (2-3)


    بقلم: عبد المحمود الشيخ خالد (الرحالة)


    فللّه من فضلٍ ولطف ومِنةٍ

    على مؤمن يرجوه جلّ له الشكر

    كان الطيب رجّاءً لرحمة البر الكريم وللرجاء مواسم تجلٍ ومظان مجاب ومعارض تنفُّحٍ فما أرقَّ أنفاس الراحل في مدارات الانجذاب "أزمنة وأمكنةً" فقد حُظيت كمثله بقسمةٍٍ من الترحال "والنسبية حاضرة" حيث كان لخواطر مقاله الأسبوعي عبر مطبوعة المجلة "الذائعة" ترياقاً يخفف على ملدوغ الغرام الذي دفعته الأحكام سندباداً يتطوّف بسرِ الذات وفي إطار هذا التطواف شطّ بي النوىَ فترة زمان مضى "بواشنطا" ترقت فيه الروح إثر تسلسل رباعية راقية للراحل عن الشوق والحنين والوله والهيام الروحي على خاتمة المذكورة خلال مسيرة رمضانٍ وافي كان الطيب فيها مجذوباً جذاباً متجاوباً مع الهواتف التي أثارت شجوني بتواتر استشهاداته الأنيسة بأبي العشاق السناريين حاج الماحي المبدع، وللطيب كما أسلفنا صبابة حارقة مع الماحي المُحِب ولعل انحيازه له يعود إلى هوى الموافقة في أدب الانكسار وصراحة الإقرار بُغية التعطف السموح وفن المخاطبة غير المعقدة ذات التأثير المثير للعامة حيث اتسمت مخاطبات كلاهما بزخيرة زاهية من مفردات تفاعيل المصطلح السوداني في دُنيا الأدب الشعبي الذي يمثل المدح النبوي عنوانه الأفضل وذا ما كان الراحل توّاق لشرح دلالاته في جُل كتاباته الموصولة بالأصل الحنين المتين، وكم عمد فاكراً في عَقْد القِران بين العامية السودانية والفصحى الأم.

    كما تلاقى الطيب ومحبوبه الماحي في وحدة منهجية السرد الحِكائي المنعش اتساقاً مع صدق المشاعر دون كُلفة صُنعٍ مُطيح خصوصاً فيما يتعلق بأدب السياحة الروحية وما يتخللها من تفاعلات عشقٍ وتهتكات إرواء لمصابٍ أصيل أو ناظر مستحسن تنقّى جَنَانَهُ من ضغائن الإهلاك فأُميط عنه حجاب اللبس فأضحى مرفوق أمان وعلّ ذي الزمالة الطيبية الماحية هي التي دفعتني إلى غيرةٍ محمودة ملخصها دوام تواجدي مع محمود طابه ولسان الحال مع هذه المقابلة إني خادم إلى جنابهم محسوبُ.

    وكذلك:

    محبُّهم لم يزل معزوز بينهم

    وإن يكن عند كل الناس ممتهنا

    وأيضاً:

    شغِفتُ بهم حباً فزاد توجعي

    وطال إلى أهل الخيام حنيني

    وهذا الحنين المتصل كان ذا موضعٍ سامٍ في ذاكرةالراحل الحية متجلياً في أعظم استعراض لمفكراته المفيدة عبر صحيفة آخر لحظة منذ عامين ونيف خليا في ثلاثية تحت عنوان المدينة المنورة –يا لها من سيرة- [26- 28 نوفمبر 2006م] وقد أعجبني سير الصالحي عليه الرحمة في فلاح براعته التصويرية لتلك البقعة النورانية التي تمكّن حبها فيه، إذ كانت كل إشاراته الوصفية نابعة من مفهوم الحب الأسمى "لا الكبير!" ومحوريته الراكزة التي جعلته يدرك حقيقة أضواء المدينة الطالع فجرها من كل الجهات والملازم ضوءها للمرء في كل الأويقات دون أن يميز بين حاليْ الشروق والغروب وقد قادني هذا المشهد إلى قول المُشاهِد الكبير الحقيق بالإسم، الشيخ قريب الله:

    إلى المدينة حيث النور مشرقه

    فإن أجابوك جُد السير بالأثرِ

    نعم يا لها من حقيقة دافعة لنهضةِ برٍ واصل من عالم بالأنواء متيّمٌ بالخصائص الروحية لجليل المواضع المطيبة وذا ما جعل إحساس الطيب عند سماع الآذان بالمدينة كأنما شُرِع في الحال لأثر صداه الخاص فالمقام جميل والهيبة أخاذة كما أُحدٌ صديق أليف رمز للحب والحب حادي الإيمان وإرخاء العنان له بجناب الحبيب ربما يشهدك بدراً فواردات الروضة مجافية للهجس وشأن الحب التطفيل.. الأمر الذي جعل الساعين إلى المحبوب يدرمسون أدباً وهم تنحو بهم الركائب وحِداءهم:

    يا ساكني البطحاء هل من زورة هل؟

    هذه بلا زيف ترجمة جادة لمعاني الأحوال التي انتابت الراحل وهو يستنشق أنسام طيبة ويتذوقها بفمٍ قلب طهور وسر المعنى لا يشمه المزكوم! كما كان لإكثار تجواله بشارع مذكوره المُفضّل الغفاري أبا ذر دلالة إلى التعاطف مع المحرومين والمغلوبين الذين أوصى بهم الدين أيّ كانت مِلّتُهم وهو المفهوم الذي تأصلَّ في وجدان الراحل وخرج به منحازاً إلى حزب العمال في ديار وجوده المهجري.

    لم يكفي التأمل في رحاب المنورة الزائر الراحل عن الاستئناس ببديعة البصيري التي له معها جذور مواددة حميمة ساقته إلى تهيهُتٍ على زمان صفاء ولَّى تعزَّى عنه بنشدان لطول إقامة بذاك الجناب الأطهر.

    فحاشاه أن يحرم الراجي مكارمه

    أو يرجع الجار منه غير محترم

    كما لم تكن المدينة وحدها على جلالها هي الكاشفة لمطوي حب الولاء الديني عند الطيب "وإن كان الكشف هنا تأييداً وقبولاً" ولكن ظل الراحل يحمل رسالة الحب في جُل المحافل الداعية له بارزاً له بحكمةٍ داعية للأقوم وحس تآسي جميل المخبر حميد المردود والشكر هنا يتعلَّى إلى صحيفة آخر لحظة التي أصابت حظاً مُذ ميلادها في جذب الكتابة الطيبية التي تنوعت ضروب مواضيعها الهادفة ومن ضمنها إضافة لما ذكرنا أعلاه وفي إطار التوآلف الطرحي سُداسية هي الأُخرى تعكس جانباً معزِّزاً لقناعة الجمع بعمق الوجدانيات الروحية لدى الراحل حيث كانت محاور السداسية عن ندوة متميزة بجامعة أوكسفورد حول الظاهرة المُدهشة للفيلسوف العرفاني الأكبر الشيخ محيى الدين بن عربي وقد كان لألمعية الكاتب الراحل دور بارع في تجسيد المشاهد المتفردة تجدداً خلال مسارات اللقاء الذي جمع كالعادة الحَسنة في الغرب نخبة من ذوي الاهتمام الفاعِل من أهل البحث الأمين في مسابر المعارف والفلسفة وخواص الأفانين. وما يهمنا في وصل هذا السياق تركيز كاتبنا الكبير على أثر أبعاد المنطق الروحي لابن عربي وحراكه في مخاطبة أهل النبوغ في كافة المذاهب المِللية ومدارج التخصص المعتبرة ومفعول ذلك إيجاباً بمشهود النتائج العظيمة تجلياً في إسلام كثير من المفكرين الغربيين الذين ترسَّخت قناعاتهم بالحقيقة خلال مشوار التنقيب في أعماق الفكر الإسلامي عبر النافذة العِلْمية لمدرسة ابن عربي الذي مازته بغرفه المتزائد من مناهل التحصيل كسباً وعين العناية التي أهّلته لتلقي موهوب اللدنيات مدا. والطيب ينقل لمدهشات التظاهرة المعنية بروح هيام راضية وهمةٍ عالية وحال انبساطٍ يُفرِحُ لمن أصابهم اليأس نتيجة الأسْر الذي أعقل آليات التعبير في فضاءات التأمل المطلق ببصيرة دارية إزاء بلوة بروز معتدين متعدين على منصة الدعوة رهينة اعتقالهم الجائر فما انكى من:

    هادٍ يضل وحيران يدُلُ

    وما طول البلية إلا حيرة الهادي!!!

    دأب الطيب على الوقوف بمواطن التدبر الدائم غير عابٍ بملاحظ المغرضين الظانين لحقوق الاحتكار المتوهمين الوصايا على الآخرين بأنهم سفن النجاة وقادة المعرفة ولم تساوره خواطر سوء نحو هذه الصنوف الضعيفة فما أقواه حبساً لمردود الفعل المماثل لأعمالهم، وشيمة أخلاق الكرام التسامح. ولعل أكبر كرامة للطيب هي تداعيات التسارع التصالحي معه ممن كانوا صناع كيدٍ له بتحرشٍ خدّاش لصورته المتفوقة نصاعاً بطريقة لا أجد لها من تفسير غير التسليم بمنظور المعيار الصوفي "فهنيئاً لهم الآن في حضيرات الهنا"!!!.

    بيدَ أنهم أحاروني كحيرة النُقَّاد في هوية مصطفى سعيد...

    ختماً لمنهى هذا الجزء الثاني من مقالنا الجاري نود قول المأثور بأن "الخلق أقلام الحق" ومن العسير في هذا الزمن المُذِل أن تتوافق جموع عالمية لا حصر لها برضىً كامل لإعزاز متفلتٍ من ساح الأضواء ومتمردٍ على حظوظ التقديم ولكن العِزة من الخالق العزيز الذي له في خلقه شئون... ومن شأن الطيب وأنا على هذا المشهد لبالشاهد أنه كان كثير التعلق بأهل الصلاح فما أحلاهمو من سادةٍ بذلوا الرحيق لكل صبٍّ مُقنَفِ، بل كان أيضاً مجوِّداً لأدب الحضور بينهم بما يفوق بعض دُعاة الانتساب الخجول من أهل التمطي الكسول والإتكاء الخامل والفؤاد الخاوي والحضيرية الطافلة، ويكفيني هنا حب أستاذنا لأرباب الهداية أصحاب نهج الصفا بديار المغرب الأثيرة لديّ ولديه فما وطأت قدماه ثرى تلك الربوع الرضية إلا وكان له وِرد مزارٍ لبعضهم وكم تزاحم أصدقائه الكُثر في مرافقته الممتعة عندما يود زيارة من يهوى من الشرفاء الأكابر وكأنَّ للطيب تؤامة أزلٍ مع جدي العباسي الفحل حينما يقول في ذا الشأن الشيّق:

    لي سادة وصلوا حبلى بحبلهم

    وشرفوني على أقدار أشباهي

    ألا رحم الله الطيب المُحِب الذي وسَّع هذا المفهوم فما عادت المحبة سلعة يروج لها المفلسون الجُدد بداعية أنهم صُنّاعها متخذين منها مِمطاة عبورٍ واهِن بأنماط لبوس سخيف ناسين أنّ العبيد كلهم عيال الله وهو الناظر إليهم وأنّ جاه نبيه ما أوسعه بالرحمة والرؤف وقد تعددت إشارات العارفين إلى أهل الفوز والقبول دون ضوضاء وإن الإشارة عند أرباب البصائر كالنداء لديك يا محجوب!!! واختم بإشارة حادي المحبين مرجع سندي الطيبي قريب الله في بيت له ضمن إحدى قصائده المشكِّلة دستوراً لفلسفة الذكر مما يتضامن ومعنى ما المحنا إليه:

    ومن المحبة أن تحب لذكره

    والذاكرين ولو من الأضداد

    وذلك حتى لا يُحرم معاند المشاركة بغباوةِ استنكاره من نيل خيرٍ مُنقذ بذريعة وَهمْ التعالي الغافل والزعم الواهي. وقد صدق الماحي المحب في قوله:

    غنوا يا حبور، الذكر محضور.


    ملامح عرفان- صدى أشجان

    (3-3)

    بقلم: عبد المحمود الشيخ خالد (الرحالة)


    ما أجلّ المحبّة من صِلة وما أسراها من وصل فشُربها في الأرواح ساري وذي علاقة نسبي الكبرى بالراحل في ظل التمظهر الادعائي لسابق وثاقتها لدى مجموعات أفضت بخواطرها في فائت الأيام المعلومة... فعُدت وراءً إلى "المجيئة الهاؤلآئية" وإن استثنينا بعض الحالات المجازة أصلاً تظل جُل المساهمات قاصرة على ما هو تأمينٌ على مدروك أو لحاقٌ بمسبوق! وإن جاء مجتهد بما يخاله مخبئ فجائيات عن ميز ومحاسن العبقري الراحل فما من صدى لهذا المجتهد القاعد إذ أنّ الجمهور النابه يعي أن الطيب صالح محيط يعج بدراري المعرفة الثرّة وكنز زاخر بالمحامد القيمة فلا دهشة ولا "شدهة" غير النرجسة البائنة والتلصق الثقافي في بعض المشاركات الخارجة عن النص حول أديب يُعد من الكُمَّل في مصاف فنه الذي تفعّم بسمو المقصد فلم ينقطع نور الوصل عنه وشاهدنا بإيجاز سر الحركية المتجددة لموسم الهجرة موافاةً لواقع المعاصرة رغم أنّ مبلغ نصحي لمن يريد تلمس الروح الطيبية المحضة فليعد النظر في بندر شاه ذات الفلفلة الدقيقة لماهية واقع الأدب الغربي وتفاعل الراحل مع ذلك إبداءً لفكره بلسانٍ أدبي رفيع عبر مصقلته الثقّافة لعلَق الشوائب فذا المَعْبَر في ظني مع استصحاب للآحقة منسي وليت للحادبين بمنالِ مقالٍ زاهي نُشر سابقاً للموسوعي الشامل الماجدي الدكتور/ منصور خالد وذلك عقب تضمين رواية الراحل الأشهَر لعِقْد المائة وهو "أي المقال" تحت عنوان: "الزين يغيب عن عرسه".

    وطّأتُ بهذه التقدمة إذ لا شأو لي في اللحاق إلقاءً لنظرات التحليل والتحميل والإيضاح لمغازي وأبعاد المنتوج الأدبي الوافر للراحل فذي عندي إساءة للأدب لمن لا يملك الإذن بكمال الشروط اللازمة. وإلا سيغرقه مركبٌ قلاَّب لذا كان مصب اجتهادي في تناول شخصية الراحل من زاوية الباقية المفيدة وهي لا شك الأرجح نفاعاً وكان للطيب عبرها مرآي حُسنٍ حبَّاب زانته حسن معاملته القائمة عليها دعائم الدين كما أجلَتْ ذاك المرئَ اثراءات الراحل المتواصلة لمنتديات الثقافة الروحية ووسَّعت مداه دفوعاته وتعاطفاته الدائمة مع المساكين من المنزوين والمهمشين وبقدر ما حمله الطيب من خير نحو الآخرين بقدر ما كافأه المولى بأضعاف المزيد المشهود... ختام سعد شاراته واعدة...

    تحمل الطيب الكثير من المكاره في سبيل إعلاء راية الوطن وتباينت نوايا الناس سابقاً حول نهجه ولكن كما عرّضنا لم يثنه هذا عن المضي تحقيقاً لكريم المطالب وهنا أيضاً تتكرر المشاركة الشعورية له مع الناظم العباسي من بالسعيد أُسمي في تطابق حالٍ تؤكده الأبيات التالية ضمن قصيدة عنوانها "بنو أبي":

    فللّه كم لي فيهم من صنائع

    جسامٍ وكم حَمَّلتُ نفسي بهم همّا

    أناضِل عن أحسابهم في مشاهِدٍ

    يكلِفني فيها طِلابُ العلا غرَما

    عذرتهم إذ أن شأني وشأنهم

    لضدان ما من أبصرَ الأمر كالأعمى

    للأسف أبصر هذا الأمر من هُم ببعادٍ عنا بطنجة وأصيلة "بلُندرا وبغي" وغيرهما من ذوات الوفاء كدوحة الحبو التي لها سِر جذب لأفذاذنا العظماء بدءاً بجدي شيخ السفراء ساقي الدبلوماسية، المرحوم الشيخ/ خليفة عباس العبيد وكذا تلميذه في فن المهنة الأديب المرهف المرحوم/ صلاح أحمد إبراهيم الذي امتد ظلها إليه عندما انعدم النصير وكشّرت المادية بأنيابها الغادرة وهو بباريس الرفاه والجمال!!! ومروراً بكمٍ من أهل الأقلام المتميزة أخرهم عليه الرحمة النور عثمان أبكر ومحور كل هذا حميمية العلاقة المشرِّفة لخالد الذكر الطيب صالح مع هذه الدوحة البارة السّباقة بالإيواء غير المؤذي منّاً.

    ذكرت في البدء سمو آصِرة المحبة وعلوها على ما دونها من انساب وهي مبدئي غير المزحزح ولكن من قرائن الاستئناس بالعلاقة مع الراحل "أي كانت أشكالها" أني وفي حكم السندبادية حططت الرحل زماناً بـ "بوكريشت" الرومانية ولطبيعة المهمة اقتضى الأمر تعلمي للغة ذاك البلد "الشاوسيسكي وقتها" وبالفعل انكببتُ جاداً لنيل حظي من أعجمية هذا اللسان صارفاً الهم عن ثقافة [الفارفُوريا والبُويني والغاجيقا" إذ رنا نظري بإحدى المكتبات إلى كتيب بعنوان:

    Sesiune Imigratii La Nord

    وفي الحال أوَّلتُ الدلالة وأنا البادي إلى معناها الموافق وبالطبع هو موسم الهجرة إلى الشمال وبما أني على قدر دراية سابقة بالمضمون ومفردات أُم اللسان كان ذلك أول تحدٍ لي في مقاومة الزمن استيعاباً لتلك اللغة على مستوىً خلاف هلاميات "الشماسة المشمشرين" وقد كان لي ما طلبته في أمدٍ وجيز ولا أنسى كذلك فعل ذات النهج مع الكتاب الأخضر Cartea Verde فإلى الراحل المقيم شكري وكذا إلى المتهمون من بني جلدتنا بتوليف الكتاب الأخضر من فاشر السلطان إلى كل أرجاء الوطن الحبيب المبكي عليه CRY The Beloved Country.

    أما المحطة الأبرز والمباشرة لي في دُنيا الطيب صالح فهي مهرجان الجنادرية الذي كان الراحل دوماً زين عُرسه الباهي وما هذا القول عني وحسب بل عن قوم جبالٍ شوامخ.

    والجنادرية كما معلوم هي تجربة رائدة لاجتهاد صائب في زمنٍ باكر بديارٍ كان يصعب فيها ضبط الموازنات لتخريج مثل هذه التظاهرة الفاعِلة التي عادت بمردود دفع انفتاحي على المستوى الثقافي للبلد المضيف، وقد يسر لي وجودي بأمريكا صلات ببعض من كان لهم ثبوت قدمٍ في رعاية أمر الجنادرية مما حدا بتفضل بعضهم داعياً لي لحضور إحدى مواسمها العامرة وأذكر هنا مع التضرع بالرحمة معالي الشيخ/ عبد العزيز التويجري صقر الجزيرة التائه في مسالك الحقيقة بحثاً والمحلق في فضاء الأدب العروبي بأجنحة العطاء والأمل، ذلك الرجل الفالح الشهم الذي وسعني بأريحيته الرحبة "كما وسِعه المتنبئ أيضاً" وكم كانت له عليّ من أياد مِنَنٍ من ضمنها استضافة كريمة أثمرت عن معرفة قرب بالطيب صالح الذي كان يناديه التويجري بصفة المعنى لا العَلَمية بنبرةِ سحر صادقه ومن عجب أن يقدِّمني إلى الطيب من باب التعريف من يسعى الناس إلى التعرف به وهو وقتها يتسنَّم أعلى الوظائف رُتباً –نائب رئيس الحرس الوطني ومشار العاهل الحالي عبد الله إبّان ولاية عهده- ولكن حقيق أن الدخول إلى عوالم الطيب جدير بأن يتم عبر الأكابر من حافظي مقامه وبهذه المناسبة أهدي إلى روح الأستاذين/ التويجري والطيب وجمع القُراء الكرام هذه الأبيات المعبرة عن حقيقة اجتياشات وصادق أحوال وهي من نظم أستاذ العلوم والتطبيقات اللُّغوية المرحوم الشيخ/ محمد علي يوسف أحد أميز مشايخ الطريقة السمانية القريبية وقد سلك طريق الرُشد على يد أمير الأولياء العارف بالله الشيخ محمد الفاتح السرورابي الطيبي وقد عُرف هذا السالك المتفوق بالجد في السير والرصانة الشعرية وقول الحق والفَنَا في الحب وأدناه الأبيات المعنية:

    يا أيها الجاهل الشاني مراتبهم
    عالج عيونك كي تحظى برؤيتهم
    ونق قلبك من داءٍ أضرّ به
    لو ذقت طعم شراب في كُؤسهمو
    لا خير في قلب لا يهيم بهم
    ذُمّ المنازل إلا حيثما نزلوا
    فكل برقٍ بدا من غيرهم خدع
    *
    *

    *

    *

    *

    *

    *

    *

    *
    متى تساوى لديك الدُر والبرَدُ
    ليس تبصرهم عين بها رمد
    فليس يدركهم قلب به حسدُ
    أو شمت برقاً على ساحاتهم يقد
    ولا حشاً ينثني عنهم ولا يجد
    وحاذر العيش إلا حيثما وُجدوا
    وكل ماء هَما ما دونهم زبد


    نعم- ما أكثر الزبد الطافح في دُنيا اليوم مزعجاً لما ينفع الناس... وما أكثر الغش والخلط والتزوير في مقاعد القوامة وما أقبح المتقدمين إلى أمْ الصفوف دون حُسن سريرة نضاحة في الوجه بجمال الرضا الأخّاذ.

    مضى زمانٌ بقاعُ الدين آنِسةٌ

    ما هولةٌ ولمن فيها مُجانِسةٌ

    واليوم أضحت خلاءً وهي عابِسةٌ

    واعلم بأن طريق القوم دارِسة

    وحال من يدعيها اليوم كيف ترى!

    رحم الله ذو رحمي العباسي الذي أبلغ في تصويره لمآلات الأحوال الذوقية عبر مداخلاته التخميسية لشهيرة الغوث أبا مدين التلمساني التي من ضمنها هذا النص المذكور ورحم الله آبائي الغُر أهل الجد القريب والمحمود فما أوضحهم إبانةً لفوضى المتنطعين تحذيراً من ألاعيبهم الإنسان رخيصة السمجة فقد حفلت مكاتبهم بتشخيصات دقيقة لذوي الأمراض الفتاكة وحسبي الحماية توقياً بشميم أعطارهم.


    مُذ عُطروا بغوالي الفيض والكأس
    كل الأحايين أو وِردٍ وأساسِ
    طهِّر فؤادك من هم وأدناس
    من حضرة المصطفى تعداد أنفاس
    *
    *

    *

    *

    *
    قوم لقد عطر الأقطار ذكرهم
    ما كان شغلهم غير الهداية في
    يا مبتغي في الورى أثارهم شغفاً
    عسى لقلبك يأتي الفيض منهمراً


    ختاماً: أسأل الله القبول لعبده ذا الأسماء المباركة وللأسماء أسرار تجلٍ وجماليات معنى فقد أثار فيّ فقد الطيب صالح أشجان ذكرى وتحريك سواكن وسوالف وقائع والتحية عند مفارقة هذا النص للأخ الفاضل المك/ يحيى عبد الله المك برياض التويجري الذي كان في مرةٍ ما رسول خيرٍ بيني وبينه في مهمة استثنائية.... والتحية كذلك للسادة القُراء وطلب المعذرة بغيتي على إسهام مُقِلٍّ حول محبوبهم الطيب وليت شعري والوعد بهم مع مستقل مقال آخر عنه ظني حمله لعنوان الأنفاس الصالحية تلاحقني.
                  

03-02-2009, 09:47 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملامح عرفان وشواهد وجدان عن الطيب صالح .......عبدالمحمود الشيخ خالد (الرحالة) (Re: munswor almophtah)

    ملامح عرفان وشواهد وجدان عن الطيب صالح .......



    عبدالمحمود الشيخ خالد (الرحالة)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de