دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!!
|
الطيب صالح ضوّ البيت
دمشق صحيفة تشرين ثقافة وفنون الخميس 19 شباط 2009 نبيل سليمان الآن تصخب في كياني السطور الأولى من رواية (عرس الزين)، وإذا بحليمة تأتيني باللبن هازجة: سمعت الخبر؟ الطيب موداير يعرّس؟ الطيب ماش يعقدو له باكر أو بعده؟
أجل، هو عرس الطيب، عرس الزين ـ هل تذكرون هذه الرواية؟ ـ ولذلك أهتف مع حاج عبد الصمد: كدي اقعدوا نحكيلكم حكاية عرس الطيب:
في نهاية رواية (عرس الزين) تستطيعون منذ اليوم أن تقرؤوا قراءة جديدة، وأن تكتبوا قراءتكم، كما فعلت، فإذا بالسطور تغدو: وصلوا الدار الكبيرة، فاستقبلتنا الضجة، وغشيت عيوننا أول وهلة من النور الساطع المنبعث من كبد السماء وكبد البحر ومن عشرات المصابيح، لا فرق بين ليل أو نهار، وكانت الروايات تغني، والقراءات توقّع، والدلاليك تزمجر، وفي الوسط وقفت فتاة اسمها (موسم الهجرة إلى الشمال) ترقص، وحولها دائرة عظيمة فيها جمهرة من الكتّاب والكاتبات، وما لا يحصيه عدّ من القراء والقارئات، يصفقون بقلوبهم وعيونهم، ويضربون بأرجلهم، ويحمحمون بحلوقهم.
انفلت الطيب صالح، وقفز قفزة عالية في الهواء، فاستقر في وسط الدائرة. ومن رواية (بندر شاه) التمع (ضو البيت) على وجه الطيب، فكان لايزال مبللاً بالدموع، وصاح بأعلى صوته، ويده مشهورة بالراقصة الفتانة (موسم الهجرة إلى الشمال): ابشروا بالخير.. ابشروا بالخير.
وفارت الدنيا فكأنها قدر تغلي، لقد نفث الطيب صالح في المكان والزمن والبشر طاقة جديدة، وكانت الدائرة تتسع وتضيق، والأصوات تغطس وتطفو، والطبول ترعد وتزمجر، والطيب صالح واقف في مكانه، بقامته الطويلة، وجسمه الممتلئ، فكأنه صاري المركب.
عزيزي الطيب: من زمان ما سمعت منك نكتة.
هل جعلت الموت نكتة؟
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
رمز للعلاقة الملتبسة مع الغرب
دمشق صحيفة تشرين ثقافة وفنون الخميس 19 شباط 2009 خليل صويلح لعنة موسم الهجرة إلى الشمال لم تتوقف إلى اليوم، وكأن الروائي يكتب تميمة واحدة كي تحميه من الزوال، ثم يطمئن الى منجزه اللاحق، لعل هذه اللعنة أصابت الطيب صالح أكثر من غيره، ذلك أن رواياته الأخرى لم تتجاوز نصه هذا على أهميتها. فبطل روايته مصطفى سعيد صار اليوم رمزاً للعلاقة الملتبسة بين الشرق والغرب، والمثير أن هذه الصورة لم تتغير بل ازدادت حضوراً في المخيال الروائي والنقدي، فكلنا في الهم مصطفى سعيد على تعدد أطيافنا ونظرتنا الى الآخر .. صحيح أن الطيب صالح صمت باكراً ولكن هذا النص الاستثنائي سيبقى في واجهة المكتبة الروائية العربية بوصفه وشماً لا يمحى من الذاكرة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
الطيّب صالح (1929 ــ 2009): «زوربا السـوداني»... وداعاً!
مات في الشمال الذي «هاجر إليه» مثل بطله مصطفى سعيد. لكن موسم هجرته هو، طال حتى صار حياةً بأكملها. «طيّبنا الصالح» كما يسمّيه الناس في السودان، حيث منع عمله الأشهر خلال العقد الماضي، رحل في الثمانين، تاركاً ثلاث روايات ومجموعة قصصيّة يتيمة... وعدداً كبيراً من المقالات الصحافيّة والأدبيّة. الأدب العربي فقد بالأمس أحد أشهر رموزه في القرن العشرين
محمد شعير بين ولادته منذ 80 عاماً في قرية كرمكول (إقليم مروى، شمالي السودان) حتى رحيله أمس في لندن، كتبَ الروائي السوداني الطيب صالح واحدة من أعظم الروايات العربيّة على الإطلاق... إنها سيرة حياة لم تتح لكثيرين: حبّ وترحال، معارك صاخبة، وصمت، سخرية من الواقع والأشياء، بل أحياناً من الذات، حتى ملأ الدنيا وشغل الناس مثل شاعره المفضل أبو الطيب المتنبي! لم يحلم الطيب صالح بأن يكون أديباً، بل خطّط في طفولته لأن يعمل في الزراعة، لكنّه اكتشف أنّ ذلك «مجرد حلم رومانسي»، فهو لا يصلح لشيء سوى الكتابة. روائي من نوع خاص، ظلم الأدب العربي بكسله الشديد، مكتفياً بمجموعة قصصية يتيمة «دومة ود حامد»، وثلاث روايات: «عرس الزين»، و«بندر شاه» في جزءين: «ضو البيت» و«مريود» وطبعاً «موسم الهجرة إلى الشمال»، روايته الأكثر تأثيراً في الأدب العربي، والأشهر ــــ في العالم كلّه ــــ بين نتاجات الأدب العربي المعاصر. وقد جعله هذا الكسل مثاراً للوم المقربين منه، حتّى إنّهم كانوا ينادونه في ما بينهم بـ«زوربا السوداني» لأنّه اختار أن يعيش الحياة، لا أن يكتبها. منذ صدورها عن «دار العودة» في بيروت عام 1966، غطت شهرتها على أعماله الأخرى التي تلتها. حتى إنّه كرهها في سنواته الأخيرة، وكره مجرد الحديث عنها. تماماً مثلما غطّت شهرته هو على كتّاب السودان الآخرين، فلا يذكر هذا البلد إلا مقروناً بالطيب صالح. لم تغب كرمكول عن ذهن الطيب. كانت تطارده أينما ذهب، يتذكّرها في صيف لندن عندما يتساقط المطر. في شبابه، انتقل لدراسة العلوم في جامعة الخرطوم، وبعدها سافر إلى إنكلترا ليواصل دراسته، ولكن في مجال آخر هو الشؤون الدولية. بعد تخرّجه، تنقّل في مهن مختلفة: فترة قصيرة مدرّساً، ثم في القسم العربي لـ«هيئة الإذاعة البريطانية»، حيث ترقّى حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما. بعد استقالته من «بي بي سي»، عاد إلى السودان وعمل فترةً في الإذاعة السودانية، ثم هاجر إلى قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلاً ومشرفاً على أجهزتها. عمل لاحقاً مديراً إقليمياً في منظمة الأونيسكو في باريس وممثّلاً لهذه المنظمة في الخليج العربي. حالة الترحال والتنقّل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أكسبته خبرة واسعةً بأحوال الحياة والعالم، وأهمّ من ذلك أحوال أمته وقضاياها... وهو ما وظّفه في كتاباته وأعماله الروائية خصوصاً «موسم الهجرة إلى الشمال» التي كتبها في أوروبا، بين 1962 و1966، وذلك بعد محاولات عدة لكتابة الشعر. مصطفى سعيد بطل الرواية أصبح من أشهر شخصيات الأدب العربي، شرقي نابغ يبحث عن ذاته في الغرب، يرفع شعار «جئتكم غازياً» وينتقم من غزاته بالجنس، حتى يقتل عشيقته جين موريس ويُحكم عليه بالسجن. لدى صدورها، ألقت الرواية حجراً في بركة راكدة، وعدّها ناقد مثل إدوارد سعيد أساساً لكتابه الهامّ في ما بعد «الاستشراق». رأى بعضهم أنّ ثمة ملامح بين شخصية مصطفى سعيد والطيّب نفسه، لكنّه كان حريصاً طول الوقت على أن ينفي العلاقة. صحيح، كما يؤكد، «يمكن بعض الشخصيات أن يكون لها جذور في الواقع. وأنا كما أقول دائماً، أترك الواقع يتحول إلى حلم... أنسى حتى لو كان هناك شيء حقيقي قد حدث، أنسى مصدره فيتحوّل في الخيال إلى حلم ويخرج هكذا». وعندما نسأله: هل عشقت يوما إنكليزية؟ يجيب: «عشقتُ... لكنّها كانت اسكتلندية، تزوّجتها ولم أقتلها!». لكن منذ سنوات فى إحدى ندوات الجامعة الأردنية، كشف الطيب سرّه الدفين: «جين موريس شخصية حقيقية لكنها ليست هي نفسها في الرواية. تعرفت عليها في الشهر الأول من وصولي إلى لندن عام 1953 في المتحف الوطني. جذابة حقاً. كان في المتحف آنذاك معرض عن الفن الانطباعي... تحدثنا وسألتني من أين أنا... وكنت في ذلك الحين فتى يافعاً، لا بد من أن تعترفوا بذلك... خرجنا من المعرض وذهبنا إلى مقهى وأمضينا بعض الوقت في الحديث عن أمور عامة، وبعد ذلك لم أرها قط، واسم الفتاة جين موريس، وقد أحببت ذلك الاسم. ومن ذلك اللقاء علق اسمها في ذاكرتي وأدخلته الرواية: الاسم وبعض الأمور الأخرى التي يعلم بها الله». اختزال النقّاد له في هذه الرواية أصابه بالضيق الشديد. عندما سألناه منذ سنوات في القاهرة عن مسألة توقفه عن الأدب، احتدّ قليلاً: «لستُ حقلاً بوراً كما يتصوّرني النقاد». وبالفعل، إذ لم يتوقف صاحب «مريود» مطلقاً عن الكتابة. حاول في مقالاته الصحافية أن يجرّب أنماطاً جديدة من تجارب مختلفة: كتب في الرحلات وعن أشخاص التقاهم واقترب منهم مثل صديقه «المنسي» الذي عمل معه في إذاعة لندن. كذلك لم يلتفت كثيرون أيضاً إلى ما ترجمه الطيب من أعمال مثل كتاب «الاستعمار في الكونغو» التي اشتراها ملك بلجيكا، وأصبحت ملكه الخاص ولم تكن مستعمرة بالمعنى المتعارف عليه. كذلك ترجم أيضاً كتاب الفيلسوفة الشهيرة حنّة إرندت «أيخمان في القدس» وهي أعمال ربما منعه كسله، ورغبته في التجويد، من أن ينشرها في كتب. ويبقى العنصر الثابت في كتابة الطيب صالح هو المكان، القرية التي ولد فيها بتحولاتها. كان يعتبر الكاتب مثل عالم الآثار: «نعيش على سطح آلاف السنين من التجارب الإنسانية». لذا مهمته أن يحفر في الأرض بحثاً عن أشياء مختلفة: قطعة في إناء، وعاء، وأشياء أخرى كثيرة... الكاتب مهمته أن يضع هذه الأشياء بعضها في جوار البعض الآخر، كي يرى ماذا سينتج. وفي «بندرشاه» التي أصدر منها جزءين وكان يتمنّى لو أنها وصلت إلى خمسة أجزاء، حاول أن يتقصى العلاقة بين المدينة (البندر) والحكم (الشاه)، لأنّ مشكلة المجتمعات العربية من وجهة نظرة تكمن في كيفية الحكّم في المدينة: كيف تحكم المدينة وعلاقة الحاكم بالمحكومين. ظلت رواياته ممنوعة في الكثير من الدول العربية، ليس فقط لجرأتها، بل أيضاً لما تناولته من قضايا عن علاقات الحكم الملتبسة. وقد ظل ممنوعاً من دخول السودان لفترات طويلة، حتى صرّح منذ وقت قريب قائلاً: «كرهت السلطة في السودان منذ هذا العهد الأخير. كرهتها من حيث المبدأ لأنّني لا أحبّ النظم الدكتاتورية العسكرية، فكتبت عنها في البدايات. والحقيقة أنّني كتبت عنها وأنا بعيد عن السودان، أيّ إنني لم أقم بدور بطولي. وهم بادلوني الكراهية وهذا شيء طبيعي». أمس عندما رحل الطيب صالح، تذكّرت السلطة أنّها لديها كاتباً كبيراً مثله، وطلبت أن يدفن في السودان، وهو ما رفضته أسرته. ولم يُتَّفَق على شيء حتى لحظة كتابة هذه السطور: هل يعود الطيب إلى بلده ليُدفَن على ضفاف النيل، أم يبقى في«الشمال»، في المكان الذي عشقه ووهبه النذر الأكبر من حياته؟
الإنسان العذب بهاء طاهر* رحيل الطيّب صالح خسارةٌ كبيرة للثقافة العربية. عرفته مذ كان مذيعاً في BBC في لندن، وامتدّت علاقتي به حتى آخر زياراته القاهرة. كان إنساناً عذباً، وأعتقد أنّه كان يمتلك أصدقاء في كل بلد عربي بقدر أصدقائه في السودان، وأذكر أنّه كان عندما يحضر إلى القاهرة يلتف حوله أصدقاء بينهم الكاتب محمود سالم ورجاء النقّاش وغيرهما... ومن غرائب المصادفات أنّنا خلال تأبين رجاء النقّاش الأسبوع الماضي في ذكرى رحيله الأولى، تردّد على ألسنة المتحدثين اسم الطيب صالح بسبب العلاقة الخاصة التي ربطت بين الكاتب والناقد. وقد كان للنقّاش فضل تعريف مصر والعالم العربي بأدب الطيب صالح الذي كان جديداً تماماً في حينه، وما زال مبهراً حتى الآن. فقد استطاع في كتاباته مثل «موسم الهجرة إلى الشمال» أن يجعل من الفولكلور السوداني إسهاماً أدبياً عالمياً، حيث أدمجه في رؤية فنية متقدّمة وعصريّة وبالغة الجمال. وقد كانت «دومة ود حامد» شيئاً جديداً في القصة العربية بسبب ذلك المذاق والنكهة المحلية والتاريخية والتعبير العصري في الوقت نفسه... كان الطيب صالح قادراً على اجتذاب الحب ممن يقتربون منه، لأنّه شديد العذوبة وتلقائي وساخر كبير، يبدأ بالسخرية من نفسه قبل الآخرين. * روائي مصري
إدانة للوعي العربي بيار أبي صعب في السودان ذلك الوقت، كان من يمتلك حظ مواصلة الدراسة، يسعى إلى تخصّص «مفيد»: مهندساً زراعيّاً أو بيطريّاً مثلاً. كانوا 120 طالباً من كل البلاد مع الطيّب صالح في المرحلة الثانويّة، كما روى لنا مرّة، جالساً بزيّه التقليدي وعمامته البيضاء، وسط إحدى الحلقات التي تمتاز بها «أصيلة» المغربيّة. لكنّ الأدب كان قدره. حين وصل إلى لندن في شباط (فبراير) 1953 ليتخصص في «الشؤون الدوليّة»، كانت المدينة تشهد واحداً من أفظع شتاءاتها. تحت وطأة الحنين كتب قصّة بعنوان «نخلة على الجدول» (ضمّنها لاحقاً مجموعة «دومة ود حامد»). بدأت الكتابة محاولة لاستعادة المكان الأوّل... وستبقى كذلك على امتداد مسيرته الإبداعيّة. قامت على ثنائيّة أرض الجذور وأرض التبنّي، على مواجهة بين شرق وغرب. إنّه «صراع الحضارات» الذي تناوله قبل صموئيل هنتنغتون بزمن طويل، بعدما أخرج للـBBC أعمالاً دراميّة بينها «الملك لير» من بطولة يوسف وهبي وأمينة رزق. المواجهة تجلّت في هذا المزيج اللافت بين الموروث التقليدي بناسه وإيقاعه ولغته وعوالمه، والتجريب الذي يحتلّ موقعاً مركزيّاً في كتابة الطيّب صالح. من هنا إن مصطفى سعيد، البطل السلبي بامتياز لـ«موسم الهجرة»، إدانة للوعي العربي في أحد جوانبه الأساسيّة. جاء الغرب غازياً، منتقماً من المستعمر بـ«غزو نسائه». بقي أسيراً لما يعتبره نظرة الغرب إليه، فلم يستطع أن يتعاطى معه خارج إطار علاقة سادو ـــــ مازوشيّة مدمّرة. الطيّب صالح ما زال راهناً في التعبير عن أزمة النخبة العربيّة، هو الذي اختار لبطله أن يعود إلى القرية البعيدة، ويتلاشى في نيلها الأزلي. ربّما... على أمل بداية جديدة.
الرجل الذي فضّل الحياة على الكتابة نجوان درويش مع الروائي البرازيلي خورخي أمادو في أصيلة 1991 يثير رحيل الطيّب صالح جملةً من الأسئلة والتداعيات، بعضها متعلّق بموضوعات أثارتها أعماله القليلة وبقيت راهنة، كالاستعمار، والمواجهة بين الجنوب والشمال، وتخبّط «المثقف العالمثالثي» بينهما (موسم الهجرة إلى الشمال) وصولاً إلى تداعيات جانبية ـــــ نراها أساسية ـــــ عن فهم الطيب صالح لعلاقته مع الكتابة، وتفسير إنتاجه المتقطع القليل قياساً بسنوات عمره المديدة التي بلغت الثمانين. إذا شئنا الصرامة، بمعزل عن ذيوع صيت «موسم الهجرة» منذ صدورها عام 1966، وما حققته من «شهرة عالمية» لصاحبها، يبدو الطيب صالح كاتباً هاوياً إلى حد بعيد، ورجلاً فضّل الحياة على الكتابة كما يقول في لقاءاته الصحافية، وحسم جدل ثنائية الحياة والكتابة لمصلحة الحياة والاستمتاع بها. وهو ما كان يردّ به على محاوريه الذين يثيرون معه مسألة انصرافه الطويل عن الكتابة وقلة إنتاجه. «بعض الناس يشعرون بأنّ قدرهم أن يكتبوا، وهؤلاء يضحون بأي شيء في سبيل الكتابة، أنا لا أريد أن أضحّي... إنني لا أكتب ليس لأنه ليس لديّ ما أود أن أقوله، بل لأنني لا أريد أن أستسلم تماماً لساحرات معبد الفن الشريرات». وفي حوار آخر: «لا أعتبر الكتابة موضوع حياة أو موت. نحن في هذا العالم لا لكي نصنع عوالم وهميّة فوق ورق أبيض». تبدو ردود الطيب صالح دفاعاً يحجب وراءه أنّ الحياة الوظيفية الطويلة لموظف الـ«بي بي سي» ووزارة الإعلام القطرية ومبعوث الأونيسكو إلى الخليج قد امتصّت، مع حياته الاجتماعيّة، طاقة إبداعه وحوّلته إلى كاتب سابق في حياته، محصّناً بسمعته الأدبية، والاهتمام الذي حظيت به «موسم الهجرة..» لم يمتهن الكتابة ولم يكرّس لها حياته. وبقليل من المغامرة يمكننا القول إنّه لم يكن روائياً بالمعنى الكامل للكلمة. تلك الكلمة التي يمكن أن تقال باطمئنان عن ماركيز وحتى عن نجيب محفوظ وتلك السلالة من الروائيين الذين كرّسوا حيواتهم للكتابة الروائية متحمّلين مسؤوليتهم ككتّاب تجاه النوع الأدبي. ولعلنا نثير هذه النقطة عند الطيب صالح لأنّها تنسحب على عشرات وربما مئات الروائيين والكتّاب والشعراء العرب الذين يتصورون أنّ الكتابة ممكنة بوصفها ملحقاً لحياة الكاتب وشاغلاً ضمن مشاغل أخرى. بعيداً عن ذلك، يبدو الطيب صالح الآن شجرة أبنوس تعود إلى أرضها، نتعلّم من حياتها الطويلة بين الحركة والسكون، نتحدث عنها بثقة مفرطة، كأنّنا لا نقف تحت أغصانها!
كلّنا في الهمّ مصطفى سعيد خليل صويلح لعنة «موسم الهجرة إلى الشمال» لم تتوقّف إلى اليوم، كأنّ الروائي يكتب تميمةً واحدةً، كي تحميه من الزوال، ثم يطمئن إلى منجزه اللاحق. لعل هذه اللعنة أصابت الطيب صالح أكثر من غيره. ذلك أنّ رواياته الأخرى لم تتجاوز نصّه هذا على أهميتها. بطل روايته مصطفى سعيد بات اليوم رمزاً للعلاقة الملتبسة بين الشرق والغرب. والمثير أنّ هذه الصورة لم تتغيّر كثيراً، بل ازدادت حضوراً في المخيال الروائي والنقدي العربيين، ففي المحصلة كلّنا في الهمّ مصطفى سعيد على تعدد أطيافنا ونظرتنا إلى الآخر. صحيح أن الطيب صالح صمت باكراً، لكنّ هذا النص الاستثنائي سيبقى في واجهة المكتبة الروائية العربية بوصفه وشماً لا يُُمحى من الذاكرة. هذه اللعنة أصابت كتّاب الرواية السودانيين أنفسهم، فهم شبه مجهولين، بعدما هيمنت هذه الرواية على ما عداها. ربما أنّ توقيت صدور الرواية (1966)، وضعها فوق رفّ خاص في المكتبة، بالإضافة إلى منعها في معظم العواصم العربية بسبب إيروتيكيتها الخشنة. لا شك في أنّ هذه الرواية تستحق أهمية خاصة، باعتبارها أول مادة خام عن الجنوب، هذا الجنوب المنسي والمجهول بكل طقوسه وخصوصيته وتقاليده، ثم إنّها من ضفة أخرى مسبار شرقي لسرد مضاد للثقافة للكولونيالية، وهذا ما جعل «موسم الهجرة إلى الشمال» إحدى مرجعيات إدوارد سعيد في كتابه «الاستشراق» كمعادل لنص استعماري هو «قلب الظلام» لجوزيف كونراد. لكن أين خصوصية الطيب صالح في تأصيل رواية عربية؟ لعل اعتماده طرائق السرد الشعبي وتشبعه للفولكلور المحلّي، هما من سمات اشتغالاته الروائية، كما في «بندر شاه» على نحو خاص، فهي بشكلٍ ما «ماكوندو» أخرى موازية لصنيع غابرييل غارسيا ماركيز في «مئة عام من العزلة»، بخلاف المكان والبيئة. ذلك أنّ تأكيده المحليّة أضفى على نصوصه نكهةً خاصةً وتوابل حرّيفة في كشف المستور، من دون إهمال مخزون ثقافي متراكم أتى من ثقافته الانكلوسكسونية. في «موسم الهجرة إلى الشمال»، تحضر ثنائيات لغويّة ومعرفيّة تنطوي على تضاد لوني صارخ يعتمد ثراء الأبيض والأسود، والظل والنور، في علاقة الشخصيات بعضها ببعض من جهة، وعلاقتها بجغرافيا سحرية وأسطورية من جهة ثانية. «عرس الزين» مثال حيوي وصادم على اشتباك السرد مع الواقعية السحرية في تجلياتها المحلّية الخالصة، واستنفار الحواس في الوصف والكشف والاختفاء. الرائحة نفّاذة في حفريات الطيب صالح وهو يجوس عميقاً في فضح «صحراء الظمأ ومتاهة الرغائب الجنونية». المناخ الحلمي إذاً هو الوجه الآخر لما هو أسطوري، فيما ترتبك اللحظة الواقعية وتهتزّ وسط هذه المتاهة، في بحثٍ محموم عن ذات قلقة وضائعة ومرتبكة، ما انفكت تستنفر حواسها لتضيء أسباب العتمة والغياب والتيه. يجد مصطفى سعيد نفسه أو أناه الضائعة، حين يلتقي إيزابيلا سيمور في علاقة غرامية، تتجاوز الشبق الشرقي إلى طمأنينة جذور بعيدة، تعيدها إلى لحظة فارقة. إذ يتخيّل أنّها حفيدة لجدّة أندلسية التقاها جدّه الجندي في جيش طارق بن زياد في أشبيلية، قبل أن يعود إلى بلاده. وفي مكانٍ آخر، يتحوّل إلى عطيل يقتل إحدى عشيقاته بسبب غيرته من جهة، وشذوذها المرَضي من جهة ثانية. شكسبير ليس عابراً في نص الطيب صالح، بل هو مادة أساسية في ثقافة مصطفى سعيد. وفي المقلب الآخر يحضر أبو نواس كنصٍ شرقي موازٍ، وربما مضاد في تمثلات هذا الشرقي الحائر والمستبد لثقافة الآخر. هكذا يعود مصطفى سعيد أخيراً إلى مسقط رأسه، ليعيش حياةً مزدوجة، تنتهي بالموت أو الانتحار في نهر النيل. لعلّها لحظة تطهرية من آثام الغرب أو إعادة كتابة لتاريخ يبدأ من الصفر، ونظرة نوستاليجية لمكان وبيئة ونمط عيش من منظور مختلف يضع في الاعتبار الرائحة الأولى بوصلةً للحواس الأخرى.
سيرة صاحب «موسم الهجرة إلى الشمال» التي اختيرت ضمن أفضل مئة رواية في التاريخ الإنساني، رحل أمس عن ثمانين عاماً في أحد مستشفيات لندن. إنّه الطيب صالح الذي وُلد في قرية كرمكول شمال السودان عام 1929. بعد دراسة في جامعة الخرطوم، غادر إلى بريطانيا في 1953 لمواصلة تحصيله الجامعي. وعمل في «هيئة الإذاعة البريطانية»، فصار مديراً لقسم الدراما. وعمل في وزارة الإعلام القطريّة، ثم مديراً إقليمياً في منظمة الأونيسكو. يدين بشهرته لـ «موسم الهجرة إلى الشمال» التي بدأها خلال إجازة في الجنوب الفرنسي عام 1962، وانقطع عنها 4 سنوات، ثم أنجزها لتنشر في مجلّة «حوار» (1966). وأعيد نشرها في بيروت (دار العودة) والقاهرة (سلسلة «الهلال»). تتناول الرواية صراع الشرق والغرب، من خلال شخصيّة مصطفى سعيد أول مبعوث سوداني إلى لندن، يصبح محاضراً في العلوم الاقتصاديّة. ويبيع الأوهام اللذيذة عن الحياة على ضفاف النيل، مثبتاً فحولته مع نساء البلد الذي استعمره. ورغم الاحتفاء بروايته عربياً وعالمياً، فقد مُنع تداولها في السودان خلال تسعينيات القرن الماضي. لم يكتب الطيّب صالح سوى ثلاث روايات هي «عرس الزين» (1964) التي نقلها المخرج الكويتي خالد الصدّيق إلى الشاشة (1977)، و«موسم الهجرة إلى الشمال»، و«بندر شاه» في جزءين: «ضو البيت» و«مريود» (1987)، إضافة إلى مجموعة قصصيّة «دومة ود حامد» (1984)، ومقالات صحافيّة نشرها «رياض الريّس» في خمسة أجزاء (2005). صدرت عن الطيّب صالح دراسات وكتب نقدية عدة، بينها «الطيب صالح عبقري الرواية العربية» (دار العودة) شارك فيه مجموعة نقاد بينهم محيي الدين صبحي ورجاء النقّاش وعلي الراعي... وخصّه أحمد بدوي بكتاب «الطيّب صالح، سيرة كاتب ونصّ» (الدار الثقافيّة للنشر، القاهرة). فاز في 2005 بجائزة «ملتقى القاهرة الثالث للإبداع الروائي». ورشّح مراراً لـ «نوبل» التي شبّهها بلعبة «يا ناصيب»
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
عن عمر ناهز الثمانين الطيب صـالح يهاجر إلى الشمـال
توفي أمس الروائي السوداني المعرف الطيب صالح في العاصمة البريطانية لندن عن عمر يناهز الثمانين عاما بعد رحلة طويلة في مجال الأدب والثقافة والصحافة، مما حدا بالكثير من النقاد إلى تسميته بـ ''عبقري الرواية العربية''، لاسيما وأن إحدى رواياته اختيرت لتنضم إلى قائمة أفضل 100 رواية في القرن العشرين. ولد الطيب صالح في قرية كرمكول شمالي السودان العام 1929 ثم انتقل إلى الخرطوم حيث التحق بالجامعة التي لم يتم دراسته فيها. غادر السودان إلى بريطانيا العام ,1952 وعمل في القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) حيث شغل منصب مدير قسم الدراما. عمل أيضا في وزارة الإعلام القطرية في الدوحة ثم تولى منصبا في مقر اليونسكو في باريس. تبوأ الطيب الصالح مركزا مهما في خريطة الرواية العربية، خصوصاً بعد نشر روايته ''موسم الهجرة إلى الشمال'' في بيروت العام 1966 التي ساهم الناقد الراحل رجاء النقاش في تعريف القارئ العربي بها، لتصبح فيما بعد إحدى المعالم المهمة للرواية العربية المعاصرة. وتعد ''موسم الهجرة إلى الشمال'' من الأعمال العربية الأولى التي تناولت لقاء الثقافات وتفاعلها، وصورة الآخر بعيون العربي والشرقي بعيون الآخر الذي ينظر إليه كشخص قادم من عالم رومانسي يسوده السحر ويكتنفه الغموض. وكان النجاح الذي حققته سببا مباشرا في التعريف وجعله في متناول القارئ العربي في كل مكان، وتمتاز هذه الرواية بتجسيد ثنائية التقاليد الشرقية والغربية واعتماد صورة البطل الإشكالي الملتبس على خلاف صورته الواضحة، سلبًا أو إيجابًا، الشائعة في أعمال روائية كثيرة قبله. وصدر حوله مؤلف بعنوان ''الطيب صالح عبقري الرواية العربية'' لمجموعة من الباحثين في بيروت، تناول لغته وعالمه الروائي بأبعاده وإشكالاته، وحاز في العام 2005 على جائزة ملتقى القاهرة الثالث للإبداع. وبحسب النقاد، يمتاز الفن الروائي للطيب صالح بالالتصاق بالأجواء والمشاهد المحلية ورفعها إلى مستوى العالمية من خلال لغة تلامس الواقع خالية من الرتوش والاستعارات، منجزًا في هذا مساهمة جدية في تطور بناء الرواية العربية ودفعها إلى آفاق جديدة. ومن أهم مؤلفاته: عرس الزين رواية (1962)، موسم الهجرة إلى الشمال رواية (1971)، مريود، نخلة على الجدول، دومة ود حامد، وترجمت بعض رواياته إلى أكثر من ثلاثين لغة، وتحولت روايته ''عرس الزين'' إلى دراما في ليبيا ولفيلم سينمائي من إخراج المخرج الكويتي خالد صديق في أواخر السبعينيات حيث فاز في مهرجان كان. وفي مجال الصحافة، كتب الطيب صالح في عشرة أعوام عمودا أسبوعيا في صحيفة لندنية تصدر بالعربية تحت اسم ''المجلة''، وخلال عمله في هيئة الإذاعة البريطانية تطرق الطيب صالح إلى مواضيع أدبية متنوعة. وفي شهادات سابقة عن الراحل قال د. صلاح فضل ''إن أعمال الطيب صالح تشبه شجرة تمتد جذورها في إفريقيا وفي نسغ العروبة قبل أن تتشرب التجربة الفنية الأوروبية، وأنها تتميز بطرح إشكالية العلاقة بين الشرق والغرب بقوة وعمق نادرين''. وفي ملتقى أصيلة الذي خصص حول أعمال الطيب عدد صلاح فضل الإنجازات الروائية للطيب صالح التي تتجلى في: ''كشوفه التقنية والجمالية، تجديده الجذري للرواية العربية، توظيفه الذكي لتقنية تيار الوعي، تشغيله الفعال للمكنون الانثروبولوجي العميق للإنسان العربي والإفريقي، وغوصه بقوة في عمق الشخصيات، إضافة إلى لغته المتميزة''. أما المؤرخ والكاتب المغربي أحمد التوفيق فقد تحدث عن تاريخ علاقة الإعجاب والانبهار بأعمال صالح التي تعود إلى الفترة التي كان يعمل خلالها في اذاعة ''بي. بي. سي'' وتحدث التوفيق كذلك عن دور نصوص الطيب في إثارة إشكاليات ومعاني الغيرية والهوية. وبحسب البي بي سي، فإن النقاد على اختلاف اتجاهاتهم يجمعون على أن الروائي السوداني الطيب صالح، الذي رحل عن عالمنا، قد غزا العالمية مثلما غزا مصطفى سعيد بطل روايته ''موسم الهجرة الى الشمال'' أوروبا، بشوارعها وحاناتها ومؤسساتها الأكاديمية، وإن كان لم يستطع ان يغزو صورتها النمطية عن عالمه الغرائبي الذي تسكنه الصحراء بغموضها وأسرارها وحكاياتها الرومانسية. وأضافة البي بي سي «لقد نقل لنا في ''عرس الزين'' و ''دومة ود حامد'' أجواء القرية السودانية بحيوية جعلت الشخصيات تتحرك بأبعاد ثلاثة، وفي ''موسم الهجرة الى الشمال'' سلط الأضواء متعمدا على تناقضات المفاهيم الاجتماعية والأخلاقية لمجتمعه، كما كشف، ربما دون قصد منه، إشكالية الإسقاط الذي يمارسها الشرقي (العربي) على الآخر. روايته المتميزة ''موسم الهجرة الى الشمال'' لم تكن استثناء، فقد شكلت علامة بارزة في خريطة الرواية العربية، حتى أن البعض يعتبرها واحدة من أفضل 100 رواية عالمية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
ترشيح الطيب الصالح لجائزة نوبل رد اعتبار للثقافة العربية بعد 11 سبتمبر القاهرة - إبراهيم شعبان :
اعتبر مثقفون مصريون ان ترشيح الاديب السوداني الشهير الطيب صالح لنيل جائزة نوبل من جانب اتحاد الكتاب السوداني بمثابة هدية مشرفة للثقافة العربية برمتها. فصالح يعد معلماً من معالم القصة العربية الحديثة فهو أحد أفراد جيل الرواد في الرواية العربية الذين تركوا بصمة خاصة في الادب العربي بمجموعة من الأعمال القليلة المدهشة منها موسم الهجرة الي الشمال وعرس الزين، حفنة تمر وود حامد وغيرها. وطالبوا كلا من اتحاد الكتاب المصري والعربي بدعم ترشيحه فالطيب صالح قيمة أدبية عالمية ودعم ترشيحه لنوبل يعيد لفت الأنظار للأدب العربي مرة ثانية بعد 20 سنة من فوز نجيب محفوظ بها. وأكدوا ان ترشيحه للجائزة جاء متأخراً فصالح يكتب منذ الستينيات وأعماله منذ ذلك الوقت علي صدارة الأعمال الأدبية ذائعة الصيت في الشرق والغرب وكان يجب الدفع باسمه لنيل الجائزة منذ السبعينيات. كانت مجموعة من المؤسسات الثقافية في الخرطوم بينها اتحاد الكتاب السودانيين ومركز عبد الكريم ميرغني الثقافي قد بعثت برسالة الي الأكاديمية السويدية ترشح فيها الروائي الطيب صالح لنيل جائزة نوبل مؤكدين ان أعماله والترجمات الكثيرة التي حظيت بها تدل علي عمقها وأهميتها ليس عربياً فقط وانما عالمياً. وأكد الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة انه من دواعي الشرف ان يرشح الطيب صالح لنوبل فأعماله علامات في الادب العربي المعاصر لها مريدون كبار وأجيال تربت عليها تكمن ميزتها في محليتها الشديدة وهو الشرط الاساسي للترشيح لنوبل في الواقع فالأوساط الادبية الغربية لا تريد أدباً عربياً مقلداً او مزوراً عن الواقع العربي ولكنهم يريدون أدباً انسانياً شديد المحلية يعبر عن البيئة العربية والطيب صالح برع في ذلك وربما كانت الحقيقة المرة انه وكذلك الأديب الشهير الطيب بن جلون اللذان يستحقان نوبل بعد محفوظ . من جانبه اعتبر الروائي الكبير فؤاد قنديل ان ترشيح صالح لنوبل جاء متأخراً فهو كاتب عربي كبير صاحب أعمال مهمة خاصة في مجال الرواية والقصة تميز عن غيره من الكتاب بطعم خاص ومذاق مختلف والاهم من ذلك انه حاول ان يعبر عن سمات البيئة السودانية المحلية كاشفاً عن قيمها ومفرداتها الانسانية ومعالمها وطقوسها ولهجتها وآمال ابنائها في نسق سردي فاتن تجلي في موسم الهجرة الي الشمال، عرس الذين وود حامد وغيرها من الاعمال. ويضيف فؤاد قنديل ان الطيب صالح منذ وقت مبكر قدم نفسه كأحد أبرز الكتاب العرب الذين يستحقون التقدير والالتفات ومن ثم كان يجب ان يتم ترشيحه لأعلي الجوائز العالمية وعلي رأسها نوبل وقال قنديل انها فرصة للقول ان هناك عدداً كبيراً من الكتاب العرب الآن يستحقون نوبل وما علي شاكلتها من جوائز دولية مهمة. وأشار الروائي الكبير يوسف الشاروني الي ان الطيب صالح من أكبر كتاب الرواية السودانية وأشهرهم في العالم العربي ويعتبر واحداً من الروائيين الافذاذ أمثال حنا مينا السوري الذي يستحق نوبل أكثر بتاريخه وشخصياته الفنية وأعماله تمتاز بالكيف لا الكم ولفت الشاروني الي انه لا يعرف ان كان نصيب العالم العربي في الفوز بنوبل قد عاد مجدداً بعد فوز نجيب محفوظ بها قبل أكثر من 20 عاماً أم لا لكن الحقيقي ان هناك الكثيرين يستحقونها وفي مقدمتهم الطيب صالح وأدونيس. وطالب يوسف الشاروني بالتصويت علي أديب عربي واحد حتي لا تتشتت الاصوات. وقال الاديب الكبير محمد البساطي ان الطيب صالح أديب ممتاز ويعتبر علامة من علامات الادب العربي ويستحق نوبل وأكثر وهو شخصية ظريفة ويتمتع بحب نادر بين مختلف الأدباء العرب. وأكد الكاتب الكبير صلاح عيسي انه سعيد جداً بترشيح الطيب صالح لنيل جائزة نوبل فهو روائي متميز جداً في تاريخ الدواوين العربية الحديثة وأعماله معروفة للقراء العرب والأجانب شأنها شأن اعمال نجيب محفوظ وكلها تؤكد فكرة ان المحلية والخصوصية هي التي تقود للعالمية وليست كتابات الاغتراب ومحاولة تقمص الآخر. وأكد عيسي ان قلة أعمال الطيب صالح لن تكون ابداً في غير صالحه فنوبل تمنح لتميز الاعمال الابداعية وليس لغزارتها علاوة علي انها تحمل قيماً فنية وإنسانية عالية جداً. وأبدي الناقد الكبير د. حامد أبو أحمد دعمه لترشيح الطيب صالح لنيل جائزة نوبل مؤكداً انه يستحقها عن جدارة وفوز أي أديب عربي بنوبل مكسب للثقافة العربية كلها وليس لصاحبها فقط حيث ان أعماله تمثل بصمة حقيقية في تاريخ الأدب العربي وتمتاز بالمصداقية العالية والرؤي الانسانية الجميلة فهو مثال للمبدع الدؤوب صاحب العين الفاحصة والراصدة لكل ما يدور حوله وأثني الناقد الكبير د. مدحت الجيار علي أعمال الطيب صالح وأكد انها تنتمي لنوعية الأعمال التي تثير الدهشة والتأمل لافتاً الي انه وبرغم الخصوصية الشديدة إلا انها تعبر عن رؤي إنسانية عامة مما يؤهلها لعشرات من الجوائز العالمية وليس نوبل فقط. وقال الجيار ان ترشيح صالح لنوبل يعد بمثابة رد اعتبار للثقافة العربية وقيمها بعد الهجمة الغربية الشرسة علي المنطقة وآدابها وفنونها وثقافتها عقب هجمات 11 سبتمبر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
ثمانون عاما أخمدها صقيع لندن أمس الموت يزف"عريس الزين" الطيب صالح إلى آخر مواسم الهجرة كتب - حسن احمد عبدالله: سكتت امس عبقرية الرواية العربية في صقيع لندن حين اغمض الموت عين العمر على ثمانين عاما للطيب صالح, صاحب"موسم الهجرة الى الشمال"التي كانت فيها بريطانيا حاضرة في اكثر من مكان في الذاكرة الروائية, "ضو البيت"انطفا على شيخوخة المرض حين يفرض على "عرس الزين" ان يطوي اخر صفحات العمر, ويضع على جبهة"دومة ود حامد" خطوط التعب. لم يكن الطيب الصالح المتوفى في لندن امس روائيا عربيا عاديا, كان ساحرا في صوره التي يجعل فيها المتلقي يعيش الرواية ولا يطالعها فقط. ولد صالح عام 1929 في كَرْمَكوْل الواقعة في اقليم مروي شمال السودان,وهي احدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب اليها, عاش مطلع حياته وطفولته في ذلك الاقليم, وفي شبابه انتقل الى الخرطوم لاكمال دراسته فحصل من جامعتها على درجة البكالوريوس في العلوم. وسافر الى انكلترا حيث واصل دراسته, وغير تخصصه الى دراسة الشؤون الدولية. تنقل الطيب صالح في وظائف عدة, فادار مدرسة, وعمل لسنوات في القسم العربي لهيئة الاذاعة البريطانية,وتولى فيها منصب مدير قسم الدراما, وبعد استقالته من الاذاعة عاد الى السودان وعمل لفترة في الاذاعة السودانية, ثم هاجر الى قطر وعمل في وزارة اعلامها وكيلا ومشرفا على اجهزتها,ومن الدوحة انتقل الى باريس وعمل مديرا اقليميا بمنظمة "اليونيسكو" . كما عمل ممثلا ل¯"اليونيسكو" في الخليج العربي. لم يترك الطيب صالح في روايته اي نقطة غامضة لم يسلط الضوء عليها,بدءا من السياسة ووصولا الى معالجة الخرافات,والمشكلات الجنسية, وخرق منظومة "التابو" التي كانت في مرحلة من المراحل تشكل محظورا يمنع على الكاتب الخوض في هذه المسالة في ظل انظمة وضعت حدودا قاسية الى ما اعتبرته مناطق محرمة على الكتاب,الا ان الصالح استفاد من اطلاعه على الثقافات المتنوعة في ترجمت رواياته الى اكثر من ثلاثين لغة وهي " موسم الهجرة الى الشمال" و"عرس الزين" و"مريود" و"ضو البيت" و"دومة ود حامد" و"منسي"بالاضافة الى مجموعات قصصية عدة. اختيرت روايته "موسم الهجرة الى الشمال"كواحدة من افضل مئة رواية في العالم وعليها نال عددا من الجوائز.واختيرت في دمشق في العام 2001 الرواية العربية الافضل في القرن العشرين . روايته "عرس الزين" حولت الى دراما في ليبيا وفيلم سينمائي من اخراج المخرج الكويتي خالد صديق في اواخر السبعينات من القرن الماضي وفاز هذا الفيلم بجائزة في مهرجان "كان" السينمائي في تلك المرحلة. في مجال الصحافة, كتب الطيب صالح خلال عشرة اعوام عمودا اسبوعيا في صحيفة لندنية تصدر بالعربية تحت اسم "المجلة". خلال عمله في هيئة الاذاعة البريطانية تطرق الطيب صالح الى مواضيع ادبية متنوعة. منذ عشرة اعوام يعيش في باريس حيث يتنقل بين مهن مختلفة, اخرها كان عمله كممثل "اليونسكو" لدول الخليج. وضع الكثير من الدراسات الاكاديمية عن اعمال الطيب صالح, بالاضافة الى عدد من اطروحات الدكتوراه ورسائل الماجستير, ورغم ذلك فان الكثير مما يمكن ان يقال عن ادب هذا الافريقي العربي الذي طرق ببساطة العبارة ووضوح الصورة ابواب العالمية, ورشحته مؤسسات عدة في الماضي الى جائزة "نوبل " للاداب,الا ان الحظ لم يحالفه,رغم عبقريته الروائية الفذة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
كلام الناس
كان حبه الأول والأخير (عزة)
نور الدين مدني كُتب في: 2009-02-19 [email protected]
عندما كتبنا قبل ايام نبارك المبادرة التي اطلقها عدد من اصدقائه في مقدمتهم الدكتور حسن ابشر الطيب وتبناها اتحاد الكتاب السودانيين لترشيحه لجائزة نوبل للسلام قلنا ان الجائزة تسعى إليه لتتشرف بحمل اسمه. * قلنا ذلك لاننا نعلم ان الاديب السوداني العالمي الذي رحل عن دنيانا الفانية فجر امس بالعاصمة البريطانية لندن لم يسع لنيل هذه الجائزة التي يستحقها ببساطة لانه وجد في قلوب السودانيين عامة وعشاق أدبه ورواياته في العالم من حوله انواط وجوائز الحب والعرفان إلى جانب الكثير من الجوائز التقديرية التي وجدها في المحافل الأدبية. * ان فقيدنا الراحل المقيم بيننا باعماله الخالدة ملأ الدنيا وشغل الناس وتوطدت مكانته في الآفاق العربية والأعجمية، صدق الدكتور حسن ابشر الطيب عندما قال ذلك في مقدمة كتابه التوثيقي الثر الطيب صالح دراسات نقدية وشهادته ايضا بأن الكثرة الغالبة من النقاد رأت في اعماله الروائية فتحا جديدا في عالم الرواية العالمية. * صحيح انه غاب عن وطنه واهله منذ سنوات طويلة ولكنه كان بحق سفيرنا الحي إلى العالم اجمع، ليس فقط في الوسط الاعلامي والادبي وانما في كل ارجاء العالم بما خلده عملياً من حياتنا الاجتماعية الانسانية التي احسن تصويرها في رواياته التي وجدت اقبالا مشهودا في كل بلدان العالم. * نشأ الطيب صالح في قرية العفاض القريبة من جبل البركل المركز الرئيسي لحضارة كوش في بيئة دينية مشحونة بالعاطفة الدينية وسط اناس محبون بجميع المعاني كما عبر عن ذلك هو شخصيا في احد الحوارات التي اجريت معه. * في هذا قال الطيب صالح أيضاً (انا انتمى إلى قوم صالحين من أهل الركابية من العفاض، حاج موسى وحبيب نسي ولكني لا ازعم صلاحا لسوء الحظ، لكن عندي نزوع إلى هذا .. في طبعي ميل إلى هذا، السودانيون عندهم هذا النزوع. * لذلك قلنا ان الطيب صالح كان سفيرنا الحي في العالم اجمع بأدبه ورواياته وبكل هذا الوجدان الذي يشبه السودانيين جميعا، ويتجلى اكثر في حالات الاغتراب، الذي يجعل اهل السودان الذين اصبحوا موجودين في كل انحاء العالم يرددون قول الشاعر (بلادي وان جارت علي عزيزة). * وكما قال الدكتور احمد الامين البشير في شهادته عن الطيب صالح في ذات كتاب الدكتور حسن ابشر الطيب (الطيب.. وصلاح وهوى عزة) فان شيخ المغتربين السودانيين يقول (يا حبي الاول والأخير يا عزة) لذلك ايضا كان ومازال وسيبقى اديبنا العالمي الطيب صالح في وجداننا وفي قلوبنا ليس باعماله الخالدة وانما بهذا الوجدان السوداني المحب الذي يجمعنا جميعا. * ان القلب يحزن والعين تدمع ولكننا نحتسبك يا فقيدنا الغالي عند الذي لا تضيع ودائعه نسأله عز وجل ان يسكنك فسيح جناته وان يلهمنا ويلهم اسرته واهله واحبابه ومريديه الصبر وحسن العزاء.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
الطيب صالح روائي العودة إلى الجذور غاب عن 80 عاماً في لندن عاصمة منفاه كتب عبده وازن الحياة - 19/02/09// هل يمكن أن تصنع رواية واحدة من صاحبها «أسطورة» مثلما فعلت «موسم الهجرة الى الشمال» من الطيب صالح «أسطورة» الأدب العربي الحديث؟ هذا الروائي السوداني الذي رحل فجر الثلثاء الماضي في لندن عن ثمانين عاماً، لم يستطع طوال حياته أن يتخلّص من سطوة هذه الرواية التي جلبت له من الشهرة ما جلبت من المتاعب، كما عبّر مرّة. ظل الطيب صالح أسير «موسم الهجرة الى الشمال»، فوسمت به مثلما وسم بها، مع أنه كتب روايات أخرى لا تقل فرادة عنها، ومنها مثلاً «عرس الزين» و «بندرشاه» وسواهما.
وعندما اصدر صالح هذه الرواية العام 1966 في بيروت لم يكن يتراءى له أنه سيسبق المفكر الأميركي صموئيل هنتنغتون في نظرية «صدام الحضارات»، فالرواية كانت سبّاقة فعلاً الى رسم حال هذا الصراع عبر بطلها «مصطفى سعيد» وموقفه، هو ابن العالم الثالث، من الغرب المتقدّم. وكان صالح أشدّ جرأة من الروائيين العرب الذين كتبوا في هذا الحقل قبله ومنهم توفيق الحكيم في «عصفور من الشرق» وسهيل إدريس في «الحيّ اللاتيني». فالبطل السوداني كان يدرك في الرواية أن الغرب لم يحمل الى الشرق حضارته فقط بل الاستعمار أيضاً. أما حنينه الى الشمال فبدا فيه من الحقد والضغينة مقدار ما فيه من الحبّ والتسامح.
عاش الطيب صالح حياة صاخبة، روائياً وسياسياً، في السودان وبعض الدول العربية كما في أوروبا ولا سيما في بريطانيا. ومكث طوال هذا العمر المديد مشدوداً الى السودان الذي لم يفارق مخيلته ولا وجدانه على رغم ترحاله و «منفاه» الطويل الاختياري. وظل على علاقة وطيدة، وبما طرأ عليه من تحوّلات، في السياسة والاجتماع. ومعروف عنه موقفه السلبي من نظام «الانقاذ» الذي تبوّأ السلطة عبر انقلاب حزيران (يونيو) 1989، وراجت عنه مقولته الشهيرة «من أين جاء هؤلاء؟» التي تبنّاها حينذاك مثقفون سودانيون كثر. وعمدت السلطة السودانية الى منع أعماله من التدريس في جامعة الخرطوم. لكنّ الكاتب المعارض ما لبث أن لبى دعوة النظام للعودة العام 2005 فعاد ليشارك في مهرجان «الخرطوم عاصمة للثقافة العربية» وليكون «نجم» هذا المهرجان. ولكنْ سرعان ما ارتفعت أصوات تعارض زيارته وتنتقد مواقفه من قضية دارفور والحركات المسلحة وسواهما. وقد حلا للبعض ان يقارن بينه وبين المتنبي، شاعره الأثير، في علاقته بالسلطة. وهو كان فعلاً من عشاق المتنبي، يحفظ شعره غيباً ويردده في المجالس، ووضع عنه كتاباً سمّاه «في صحبة المتنبي».
كان الطيب صالح هو الابرز والأشهر عربياً بين أدباء السودان، وان كان أدبه الروائي والقصصي بمثابة الجسر بين الداخل السوداني والخارج العربي والعالمي، فهو لم يدَّع يوماً انفصاله عن الأدب السوداني، ولا انقطاعه عن الهموم السودانية على اختلافها. وقد كتب «موسم الهجرة الى الشمال» في لندن حيث كان يقيم بدءاً من العام 1953. وعندما نشرت هذه الرواية في بيروت العام 1966 كانت بمثابة الحدث الروائي الذي كان منتظراً، لكنه عوض أن يأتي من القاهرة أو بغداد أو بيروت جاء من السودان. استطاع الطيب صالح في هذه الرواية الفريدة أن يقدم مشروعاً روائياً جديداً يحمل الكثير من علامات التحديث، شكلاً وتقنية وأحداثاً وشخصيات، علاوة على القضية الإشكالية التي حملتها الرواية وهي الصراع بين الشرق والغرب أو بين الجنوب والشمال من خلال علاقة مأسوية بين مصطفى سعيد و «زوجته» البريطانية. ومنذ أن صدرت الرواية أصبح اسم هذا البطل (مصطفى سعيد) في شهرة بعض أبطال نجيب محفوظ لا سيما أحمد عبد الجواد في «الثلاثية».
وإن بدت «موسم الهجرة الى الشمال» ذروة أعمال الطيب صالح، وأكثرها شهرة ورواجاً، فإن أعماله الأخرى، الروائية والقصصية لا تخلو من الخصوصية، سواء في لغتها السردية أم في تقنياتها وأشكالها. ومن تلك الأعمال رواية «عرس الزين» التي ترصد أسطورة الشخص القروي الغريب الأطوار الذي يدعى «الزين» في علاقته بالفتاة «نعمة»، وكذلك رواية «بندر شاه» في جزئيها: «ضو البيت» و «مريود». وتمثل هذه الرواية الصدام البيئي والحضاري بين القديم والحديث. ومن أعماله القصصية البديعة «دومة ود حامد» وهي تدور حول الصراع بين الحكومة وأهل قرية «ود حامد» التي تقع على الضفة الشرقية من النيل، فالحكومة تريد تحديث القرية واقتلاع شجرة الدوم التي هي رمز القرية والأهل يصرون على تقاليدهم المتوارثة. وهذه القرية السودانية «ود حامد» تحضر كثيراً في نصوص الطيب صالح رمزاً لعالم الطفولة والبراءة المتجذر في شمال السودان.
رحل الطيب صالح وكان في نيته أن يكتب سيرته، لكن ظروفه لم تساعده فاكتفى بنشر كتاب عنوانه «منسي: إنسان نادر على طريقته»، ومن خلاله تتبدّى بعض معالم تلك السيرة الحافلة بالأحداث والوقائع الطريفة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
الأربعاء, 18 فبراير 2009 21:05 )لمناسبة وفاة الروائي السوداني الكبير الطيب صالح، يوم الثلاثاء 17/2/2009، نعيد نشر هذا التقرير الإعلامي عن حديث الطيب صالح في مركز الحوار العربي- يوم 22/10/1995- أي بعد أشهر قليلة على تأسيس المركز في منطقة العاصمة الأميركية واشنطن. ( لبّى الكاتب السوداني المعروف الطيب صالح، دعوة "مركز الحوار العربي" لأمسية حوار مفتوح معه. وقد رحّب ناشر مجلة "الحوار"، صبحي غندور، بالأستاذ الطيب صالح، قائلا: شكراً للأستاذ الطيب صالح على تلبية دعوة "مركز الحوار العربي" لهذه الأمسية الخاصة، التي هي في الحقيقة تكريم لمركز الحوار العربي وللمشتركين فيه وللمترددين عليه. شكراً للأستاذ الطيب على تعديل برنامج سفره، لأنه كان من المقرر أن يغادر اليوم لولاية نيويورك للحديث بإحدى الجامعات، لكنه تجاوب مع الدعوة لهذه الأمسية.. هذه الدعوة التي عمرها أكثر من سنة، أي قبل تأسيس مركز الحوار العربي. ففي زيارته الأخيرة لأميركا منذ أكثر من سنة، حيث ألقى محاضرة في إحدى جامعات بوسطن، زار الطيب صالح واشنطن لأيام قليلة، وقد أخبرته آنذاك عن اللقاءات والحوارات الفكرية التي كانت تدعو لها مجلة "الحوار" شهرياً وعن سعي مجلة الحوار لتأسيس منتدى ثقافي فكري عربي في واشنطن، وعن قناعتي بأهمية وجود منبر حواري عربي يستفيد من ظرفين: ظرف تواجد الكفاءات العربية المتنوعة في واشنطن، وظرف المناخ الحر الذي يسمح بأفكار وآراء عربية حرة تستفيد من بعضها البعض، وتغني بعضها البعض. وتمنيت عليه آنذاك أن يزور واشنطن مرة ثانية وأن يتحدث بهذا المنتدى الفكري الثقافي في حال تأسيسه، فوعد بذلك. وها هو معنا اليوم في مركز الحوار العربي، يحافظ على وعده، ويؤجل سفره، ويعدل برنامج نشاطه في أميركا. فشكراً للأستاذ الطيب صالح، وأهلاً به في مكان لا يبغي إلا تبادل المعرفة بين العرب، وصولا إلى الأفضل من الأفكار والآراء، بفعل أسلوب الحوار الحر والجاد بين أصحابها. واليوم يتشرف مركز الحوار العربي أن يكون ضيفه هو الأستاذ الطيب صالح، الذي لا يحتاج إلى تعريف أو تقديم، لكني من موقع الاعتزاز بحضوره وبمعرفته، أقول عنه القليل: هو من مواليد السودان، وقد سافر إلى لندن في العام 1952 حيث عمل هناك في هيئة الإذاعة البريطانية في القسم العربي، أي بدأ حياته إعلاميا وهو الآن من أشهر الروائيين العرب فكانت سيرة حياته وتجاربه ومعايشته لتجارب الآخرين، هي مصادر إلهامه الرئيسي في كتابة رواياته. ثم كان تنقله بين عدة مواقع مهنية، مصدرا لاتساع خبرته بواقع العرب وبآلامهم وأمالهم، فهو في تنقل دائم بين المحيط والخليج، بين المشرق والمغرب، بين الشرق والغرب، ولم يجعله كل ذلك الشرق، وكل ذلك الغرب، أن ينسى أنه ابن جنوب الأرض الذي هاجر إلى شمالها بحثا عن الحياة الأفضل، فكان ربما سبب ذلك، شهرة روايته الرائعة “موسم الهجرة إلى الشمال". وقد عمل الأستاذ الطيب صالح مديرا إقليميا في منظمة اليونسكو في باريس، كما عمل أيضا ممثلا لليونسكو لمنطقة الخليج العربي، وأيضا مديرا عاما لوزارة الأعلام والثقافة في دولة قطر، وهو كتب لسنوات الصفحة الأخيرة من مجلة “المجلة" الصادرة في لندن، وإنتاجه الأدبي غزير ومعروف في الوسط العربي عموما إضافة إلى اتساع شهرته في الوسطين الأوروبي والأميركي، وقد ترجمت بعض أعماله إلى اللغة الإنكليزية. ورغم أن معظم رواياته تعالج حالات سودانية وأشخاص سودانيين، فان قراء الطيب صالح هم من المحيط إلى الخليج، وأنا أنظر إلى الطيب صالح كنموذج يجمع في شخصيته بين الوطنية السودانية وبين العروبة الثقافية وبين الإسلام الحضاري وبين عالمية الإنسان الحر، فهو المثقف العربي الذي لم تحجب عنه هموم السودان، هموم أمته العربية التي منها جاءت ثقافته ولغته، ولم يبهره تقدم الشمال الأوروبي فيسنى انه ابن جنوب هذه الأرض، وما في الجنوب من فقر وتخلف وآلام. ولم ير في مجتمع الغرب العصا السحرية لمشاكل العرب، بل ساحة ومنبرا لإبداع الفكر العربي المستنير. انه الطيب صالح الذي يجمع، في شخصيته وكتابته، بين الكلمة الطيبة والعمل الصالح. فأهلا بالأستاذ الطيب في مركز الحوار العربي. ثم تحدث الطيب صالح، وتحاور معه الحضور لأكثر من أربع ساعات. وفي ما يلي، مقتطفات من الشريط المسجّل للحديث والحوار: الطيب الصالح: السلام عليكم ورحمة الله، وأود أن اعتذر أشد الاعتذار على هذا التأخير لأني حبستكم مدة ساعة، ولكني وضعت نفسي في أيدي هؤلاء السودانيين الضائعين فضيعوني (يقصد مازحاً صديقه الفاتح إبراهيم الذي رافقه لندوة المركز). نحن ككل العرب، يكون الهدف قريبا، لكن نتوه عنه ونأخذ الكثير من الوقت لنصل إليه. فانا آسف جدا. كما أشكر الأخ صبحي على كلماته الجميلة ولعل هذا أجمل تقديم حظيت به. طبعاً الجهد الذي يقوم به الأخ صبحي من عدة جهود عربية في بلاد المهجر للم شمل العرب وللتفكير بقضايا الأمة العربية ومحاولة إيجاد مخارج من ما يسمى بالأزمة، ونحن ما في شك نواجه أزمة. وأنا حضرت على مدى هذه الأيام الماضية عدة مناقشات في وجوه كثيرة من قضايا الأمة العربية. أنا صحيح كثير السفر بحكم عملي في منظمة اليونسكو، ولكن الآن رغم تقاعدي من اليونسكو ما زلت أتجول كثيرا في البلاد العربية. وما يدهشني دائما ويحيرني هو كثرة الإمكانات وكثرة المواهب في هذه الأمة. يعنى انتم الآن ممكن تقيموا بلد، أنا متأكد من أن الجمهور المتواجد هنا فيه اختصاصات ومعارف وناس درسوا وفكروا، ومثلكم في كل مكان، في المغرب في تونس في ليبيا في السودان في لبنان في سوريا في مصر في بلاد الخليج في المملكة العربية السعودية، ناس كثيرين عندهم طاقات وعندهم خيال وعندهم رغبة وإحساس بأن هذه الأمة تستحق الوصول إلى شيء أحسن. فلماذا نحن أقل مما نحن مؤهلون له؟ لذلك أي جهد في إقامة حوار وفي طرح القضايا- كالذي يقوم به مركز الحوار العربي هنا- يستحق التأييد ويستحق التشجيع. ويجب أن أعترف أني حقيقة عاشق للأمة العربية، ولعلي لست بدعة، فنحن في السودان "عرب وزيادة"، كما كان يقول أحد شعرائنا الكبار "رحمه الله" صلاح أحمد إبراهيم، يقول "نحن عرب وزيادة، فينا شيء آخر". ولذلك، عندنا هذا الحنين إلى مراكز التأثير العربي، بيروت كانت منطلقا مبكرا بالنسبة لنا، ففي بدايات العهد الإنكليزي كانوا في السودان يرسلون بعثات إلى بيروت، كانوا يستصعبوا الإرسال إلى بريطانيا في تلك الأيام.. بعدين غيروا سياستهم، ولم يرسلوهم إلى مصر، لأنهم لا يريدون منهم أن يتأثروا بأفكار الوحدة مع مصر. فهؤلاء الناس، يعني صادف بأنهم جميعا أصبحوا من كبار رجالات الدولة في السودان، ومنهم المرحوم إسماعيل الأزهري أول رئيس للدولة في السودان، وناس كثيرين من المربيين الفضلاء الذين تعلمنا على أيديهم. ولذلك، نشأ بيننا وبين لبنان على بعد الشقة، نوع من الألفة. ثم أنا شخصيا خلال عملي في هيئة الإذاعة البريطانية كنت أقضي أوقات طويلة في بيروت في مكتب الهيئة في بيروت. وهناك، في أواخر الخمسينات والستينات، تعرفت على المناخ الثقافي في لبنان، وتعرفت على عدد كبير من الشعراء والكتّاب، ليس فقط من اللبنانيين.. بل أيضا من الفلسطينيين والسوريين والعراقيين. فبيروت كانت ملتقى لكل هذه التيارات، وتوجد معنا الآن هنا الأخت ناهدة فضلي الدجاني التي تشرفت بمعرفتها ومعرفة زوجها في تلك الأيام في بيروت. ثم بيروت كانت أول من نشر لي، فأنا أدين بالفضل للبنان، لأني أول ما نشرت، نشرت في لبنان. واللبنانيون عندهم هذه الحفاوة بالثقافة، ومن العجيب أني فهمت القضية الفلسطينية ربما أكثر خلال زياراتي للبنان. السودان كان دائما سندا للأمة العربية، نحن في شمال السودان، والشمال بمعناه الواسع، بمعناه الشمال والغرب والشرق والوسط، دائما عندنا هذا الإحساس العميق بانتمائنا للأمة العربية دماً وفكراً وديناً، كنا نظن أننا العرب الوحيدين في العالم، لأننا ما شفنا كثيرين، حتى الأربعينات، من إخواننا العرب من الشمال فكان عندنا هذا الإحساس بالعصبية العربية الشديدة، هذه العصبية طبعاً الآن أصبحت عرضة للجدل لأنه إخواننا الجنوبيين، ومعهم الحق، يريدون هوية تشملهم، وهم ليسوا عرباً، لكننا نحن عندنا هذا الإحساس العميق بأننا جزء من هذه الأمة ودائما تظهر عواطفنا، لأن السودانيين لا يعبرون عن عواطفهم باندفاع وسهولة، عندهم شيء من الحياء إذا قورنا بإخواننا المصريين الذين هم أقدر منا على التعبير عن عواطفهم، ولكن في أزمات الأمة العربية، دائما كان السودانيون واضحين في انتمائهم لهذه الأمة، ولست بحاجة أن أذكركم بما حدث عام 1967 اثر الهزيمة المرة التي منيت بها الأمة العربية، حيث كانت الخرطوم هي العاصمة العربية التي احتفت بزعيم الأمة المهزوم (جمال عبد الناصر) كأنه زعيم منتصر إلى درجة أدهش الناس في الغرب، ما هذه الأمة، عندهم في الغرب الزعيم إذا قاد الأمة إلى هزيمة خلاص انتهت القضية، فما هذه الأمة التي تحتفي بزعيم مهزوم كأنه منتصر. ثم دائما قواتنا حاربت في فلسطين في كل الحروب، وحاربنا مع إخواننا المصريين، وقواتنا شاركت في لبنان وفي الكويت. دائما وأبدا كنا سندا للأمة العربية ولا نفعل ذلك منةً ولا مجاملة ولكنه الشيء الذي يجيش في قلوبنا وصدورنا لأننا ننتمي حضاريا وفكريا ووجدانيا لهذه الأمة العربية. هذه بعض الأسباب التي جعلتني أرحب بدعوة الأخ صبحي، وأحضر هذا اللقاء، وبصراحة أنا جئت وما عندي أي شيء محضّر، واعتمد عليكم بأن تطرحوا الأسئلة وسأحاول أن أجيب عليها ثم تشاركون انتم في الحوار. يعني القضية أني لا أملك أي حكمة انتم لا تملكونها وتريدون أن أعطيكم إياها، ولكن لنتبادل الآراء في أي شيء تحبون طرحه.. والله الموفق.. وشكراً. وردا على سؤال: كيف يفهم الطيب صالح العلاقة بين الإسلام والعروبة والوطنية والديمقراطية، قال: هذه قضية طويلة وكبيرة.. هذه عايزة Symposium ، مش لقاء. حقيقة نحن السودانيين بنأخذ الأمور كما هي، يعني إلى حد قريب ما كنا نسأل عن موضوع قضية الهوية.. هذه التي جاءتنا من بلاد الشام، ما كان عندنا أزمة الهوية: من نحن.. وإيه تركيبتا.. إلى أي حد نحن عرب والى أي حد نحن أفارقة، نحن عرب مسلمين هذا هو الذي نفهمه، في السودان. يقال في السودان: دا ولد عرب، والعروبة عندنا قضية مفروغ منها، مفهوم قائم بحد ذاته، لما يقال دا فلان ولد عرب، دي قيمة. بعدين يدخل في نطاق هذه العروبة كل من يتكلم اللغة العربية، عندنا في الشمال قبائل نوبية وهي أعرق قبائل في وادي النيل هؤلاء أمة ورثت الحضارة الفرعونية القديمة، وهم الآن عرب. بعدين نحن مسلمون.. الحقيقة المهمة في السودان، هو أن الإسلام دخله سلماً ولم يدخله حربا، وأنا متأكد أنه العديد منكم يعرف تاريخ السودان، لكن فقط أذكركم أن دخول العرب للسودان بدأ في بداية الفتح العربي لمصر لأن بعدما دخل عمر بن العاص مصر في خلافة سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) دخل جيش عربي بقيادة عبد الله ابن أبي الصرح، ووجد ممالك مسيحية مستقرة ومتطورة ومتحضرة جداً فصالحهم العرب، صالحوهم ولم يحاربوهم، ثم ظلت القبائل العربية تهاجر جنوباً وتدريجيا بدأ التزاوج بين العرب وبين القبائل النوبية إلى أن آل الأمر إلى العرب والى المسلمين وتكونت عندنا دولة عربية إسلامية هي دولة سنّار، وسنّار هذه دولة كثير من المؤرخين اعتبروها تعويضا عن ضياع الأندلس حين قامت في السودان هذه الدولة المسلمة العربية. فنشأ عندنا إسلام يتميز بروح تسامح لا حد لها. ما عندنا أبدا التشنج بأمور العقيدة، وعندنا في أم درمان، التي هي العاصمة الوطنية للسودان، حي كامل يسمونه المسالمة، لأنه لهؤلاء أصول قبطية وبعضهم دخل الإسلام وبعضهم ظل على مسيحيته، ومرات في العائلة الواحدة تجد جزءا مسلما وجزءا نصرانيا، ثم نحن في إسلامنا أخذنا كثير من التراكمات الحضارية الموجودة في وادي النيل، فالإسلام بالنسبة لي هو هذا، ولذلك ما يحدث الآن في السودان، أنا أعتبره ضد طبيعة الأرض وطبيعة الحضارة التي أنشأناها على مدى القرون، هذه الحدة في الفصل بين الأمور، انه هذا مسلم وهذا غير مسلم، وهذا كافر.. لم يكن عندنا هذا الكلام، وأظن أن المنطقة العربية كلها تميزت بهذه السماحة في المعاملة منذ صدر الإسلام، منذ عهد الرسول، وفي التاريخ طبعا تعرفوا بأنه في معركة القادسية حين أصيب المثنى بن حارث الشيباني التفت خلفه فوجد عربيا نصرانيا، فقال له: أنت لست من ملتنا ولكنك أخونا فاحمل الراية. عربي نصراني حمل راية المسلمين في معركة القادسية. هذه القضية مهمة جدا لأنه الآن في الغرب يتهموننا بأننا ناس متزمتين ومتعصبين، بينما حضارتنا كلها قائمة على فكرة التسامح وفكرة خلط الأخذ من كل شيء مفيد وجمعها في سياق واحد. في بلاد الشام فعلوا ذلك، في وادي النيل فعلنا ذلك مع إخواننا المصريين، في بلاد المغرب العربي عملنا ذلك، في أرض الرافدين.. هذا هو تراثنا. وأرجو أن تتغلب روح التسامح في نهاية الأمر على التزمت ومحاولة فرض الأشياء، وأكتفي بهذا الجزء من سؤالك ولنتحاور على شيء آخر. سؤال: من المعروف أن في تراثنا العربي الإسلامي ظهرت مجموعة من المدارس، وبرزت مدرستان، مدرسة المشرق ومدرسة المغرب. وفي الظروف الحالية الآن، هنالك سعي لإحياء التراث، هل لديك تعقيب على ذلك؟ على مشاكل إحياء التراث.. وماذا نستطيع أن نأخذ من التراث بحيث يتفق مع الظروف في الحاضر، ثم هل التراث شيء محدود يجب أن نأخذه كما هو أم لدينا القدرة على تعديله؟ الطيب صالح: أنا الأسبوع الماضي بالصدفة كنت في مؤتمر في برشلونة، نظمته منظمة اليونسكو للحوار في قضايا جنوب السودان، وفي الكلمة الافتتاحية التي ألقاها مدير عام اليونسكو، وهو أسباني، قال جملة لفتت نظري، يقول: "الماضي هو مثل المرآة الخلفية للسيارة تنظر إليها علشان تتأكد من طريقك إلى الأمام"، التراث هو في واقع الأمر، يعني تصوري له، انه شيء عايش فينا، في ناس بتصوره وكأنه في مخزن ونفتح المخزن ونأخذ منه التراث، نحن نحمل التراث في أنفسنا.. نحن نسير والتراث يسير معنا، طبعا يكون من الجميل لو عرفنا كيف نأخذ من التراث ما نصلح فيه أمرنا في الحاضر. يعني التراث فيه أشياء طبعا لا حاجة لنا بها.. في حروب وخصومات، لكن قمم التراث، القمم المضيئة في التراث العربي الإسلامي ما تزال إلى يومنا هذا تعتبر جديرة، وأنت قلت بين المشرق والمغرب، هو في واقع الأمر ما فيش خلاف حقيقي، يعني حصل بطبيعة الحال بحكم الجغرافيا والمناخ في كل منطقة، الناس يؤكدوا أشياء ويقللوا من أشياء، والغريب أننا في وادي النيل، مصر والسودان، نحن مسلمون سنة في وادي النيل، كلنا، ولكننا في ولائنا لآل البيت، كأننا شيعة، خلطنا بين هذا وذاك، وما حصل عندنا أي تـناقض.. السوداني والمصري في ولائه لآل البيت، كأنه شيعي، ولكنه سني. ونحن في السودان كلنا سنة مالكية، فالتراث يجب أن يستعمل لتأكيد القيم الايجابية في الأمة وليس لتفرقة الأمة. لسوء الحظ هناك بعض الناس، بيستعملوا التراث لتفرقة الناس، أنا عندي محك بسيط جدا: لما اسمع كلام أي زعيم أو قائد، أسأل هل هذا الكلام يفرق الناس أو يجمعهم، إذا كان يفرقهم، فمهما بلغ من الفصاحة والبيان، أنا عندي هذا الكلام لا قيمة له، إذا كان يجمعهم ويؤكد نوازع الخير والايجابية فيهم، فهذا عندي حسن. هذه قضية طويلة طبعا، قضية التراث، لأنه ما أدري من أين عملنا هذا التمييز، الإنكليز مثلا عندهم كلمة لقضية التراث Heritage ما عندهم شيء انه شكسبير مثلا يقول التراث، نحن عندنا بعض الناس يقول لك هذا هو التراث، يا أخي الجاهلية عايشة بيننا اليوم، المتنبي عايش بيننا اليوم، نحن عندنا شعراء في السودان، بوادي السودان كأنهم يعيشون في زمان الجاهلية من ناحية الفصاحة، فهذا الشيء عائش بيننا.. ليس هناك هذا التفريق الذي يقولك الأصالة والمعاصرة، السفور والحجاب، هذه الثنائية في الفكر العربي الحديث لا أدري من أين جاءتنا، وكان واضح جدا في أيام تأجج ماضينا أن المفكر أو العالم يحسن كل شيء.. ابن سينا كان يحسن في الطب والفلسفة والشعر والموسيقى.. وكل شيء، لم يكن عنده هذه التفرقة بين هذا وذاك. سؤال: أود أن اسأل عن رأيك بالنسبة للسودان وكيفية التعامل مع مشكلة الهوية التي تتحدث عنها.. وكيف يمكنها أن تحتوي الاختلافات القائمة داخل السودان ومع جنوبه؟ الطيب صالح: أنا قلت لك عن بعض الناس الذين يحددوا وجهة نظرهم بالنسبة للمستقبل، ويقولون لك: هذا هو الحل ولا تتناقش معي! أظن أول ثورة عسكرية في العالم العربي كانت انقلاب حسني الزعيم في سوريا.. يجي واحد يقولك خلاص هذا هو الحل. فالقضايا، عشان نصل إلى حلول، يجب أن تطرح بحرية وبدون خوف، فلا بد من الحوار الحر الصريح، وهذا منتدى حوار الذي نحن فيه، إذن لا بد من نظام ديمقراطي. ونحن طبيعتنا في السودان أصلها طبيعة ديمقراطية. لا تصدق الذين يقولون إن الشعب غير مؤهل للديمقراطية.. مافيش شعب عربي.. مافيش شعب إطلاقا، ليس مؤهلا للديمقراطية. يا أخي تجد الرجل الأمي في العالم العربي يقوم بمسؤوليات جسام في تربية أولاده وفي إصلاح حاله واتخاذ قرارات معيشية مهمة جدا، فكيف هذا الإنسان غير قادر أن يقول أن هذا يصلح وهذا لا يصلح كنائب للبرلمان؟.. كلام فارغ.. لأنهم يريدون أن يستأثروا بالسلطة ويوهمون الناس بأحلام لا أساس لها من الواقع، ويحجروا الرأي.. وبعدين لا تصل إلى حل. لو أن الديمقراطية استمرت في السودان بعد الاستقلال إلى يومنا هذا لكنا أولا في تقديري المتواضع عملنا مثل ونموذج في منطقتنا للحكم الديمقراطي.. لأن هذا الشعب عنده استعداد ديمقراطي. ثانيا، كنا حللنا مشكلة الجنوب، كنا حللناها إمّا بوحدة حقيقية أو بفصل الجنوب بالتراضي. لكن في كل مرة كان يجينا عهد حكم عسكري ويقولك نحنا سنحل مشكلة الجنوب ويدخلوا جيش نظامي في غابات وأحراش ويفشلون في كل مرة. وهذا الحكم الآن أيضا فاشل. فلا بد من حرية الفكر ولا بد أن كل إنسان يقول بأمانة كيف يرى الأشياء...عندها نصل إلى حل. وأظن أن الأمة العربية ككل في حالة كهذه يمكن أن تنطلق انطلاقة كبيرة جدا. ورداَ على تعليق تضمن تشاؤما بشأن مستقبل الأمة العربية، قال الطيب صالح: فكرة أن الأمة ماتت، أنا أعتقد أن هذا تشاؤم لا مبرر له، ما في أمة تموت، هذه الأمة لو كان لها أن تموت لماتت من زمان لأنها تعرضت إلى بلاوي. هذا الغرب بالمناسبة الواحد حين يقرأ تاريخ أوروبا كل الذي نراه هذا عمره أقل من قرن، كل الذي نراه كما تعلم سيدي بأوروبا عمره أقل من قرن ما في معجزة بالمناسبة نحن مرات لأنه بنشوف هذا الغرب عنده هذا الجبروت الصناعي والحربي والطيارات، بنفتكر أن الإنسان الأوروبي أو الإنسان الأميركي نزل من السماء. هؤلاء ناس ..بشر.. بالمناسبة عاديين زينا، بل لعلنا من ناحية الذكاء الفردي والقدرة على الإبداع أكثر منهم إبداعا، الموضوع كله إننا طبعا تعرضنا إلى تجارب مريرة.. يعني يدوب تنفسنا الصعداء بعد الحكم العثماني.. جاءنا الاستعمار الغربي .. يا دوب تحررنا من الاستعمار الغربي وما عرفنا نلقط نفسنا.. جابوا لنا إسرائيل. فنحن ووجهنا بقضايا ضخمة كونية، وما كنا مستعدين لها.. والأمة في حالة من البلبلة، لكن هذا لا يعني بأنها أمة ميتة إطلاقا، هذه أمة حيّة. أنا أظن- وهذا إحساسي من مشاهداتي- حين تجد المفتاح، ممكن يحصل انطلاقة وقفزة كبيرة جدا. هذه أمة قفزات.. لأن عندك مثلا الإنكليز أو الفرنساويين بيمشوا واحد اثنين ثلاثة أربعة حتى يصلوا للنتيجة، وكل واحد في مصنع بيعطوه ال Manual وماشي عليه.. نحن مش ناس بتاع Manual.. جايز نوصل للنتيجة. كنا فعلا في المدارس، ودرّسونا إنكليز عن مشاكل حسابية، وكنا نوصل للحل ونكتب الحل، هو يقول لك لا، إيه الخطوات التي وصلتك إلى هذا الحل. فهذه الأمة ليست أمة خطوات، هذه أمة قفزات. ويا سيدي أنت تشاؤمك في غير مكانه، وأظن تشاؤمك مصدره الإفراط في الحب للأمة.. مرات المحب يصدم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: آدم صيام)
|
Quote: التحية لكم بهذا المجهود الذي يكشف بعضاً من مآثر المغفور له الأديب الطيب ود صالح
|
الأخ العزيز آدم صيام
سلام هذا الرجل قدم الكثير للسودان.. عمل وخدم البلد أكثر من غيره في مختلف ضروب الحياة.. ما نحاوله هو مجرد قطرات في بحر مجده الحي الخالد.. رحمه الله رحمة واسعة..
تحياتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
أدباء مصر يبكون الطيب صالح ويقترحون جائزة باسمه القاهرة : اسماء الحسيني ساد الحزن والوجوم الأوساط الثقافية المصرية لخبر وفاة الأديب السودانى الكبير الطيب صالح ،حيث كان يستعد أدباء مصر ومثقفوها لحملة كبيرة لمناصرته من أجل الفوز بجائزة نوبل التى تم ترشيحه لها مؤخرا ،وقد إحتلت صورته وخبر وفاته صدارة الصحف المصرية أمس ،وكتبت صحيفة الأهرام المصرية فى صفحتها الأولى تحت عنوان: (الطيب صالح ينهى «هجرته للشمال»..ويودع الحياة فى شتاء لندن) فى هدوء وصمت ميزا شخصيته ومسيرة حياته رحل عن عالمنا امس الأديب السودانى الكبير الطيب صالح عن عمر يناهز (80عاما)،بعد رحلة حافلة بالعطاء والإبداع ،رحل فى زمهرير شتاء لندن ،ليكتب آخر فصل من فصول هجرته إلى الشمال ،تماما مثل إسم روايته الرائعة «موسم الهجرة إلى الشمال «التى تعد أحد أهم الروايات التى كتبت فى القرن العشرين فى العالم العربى ،هذه الهجرة التى قادت مشاعره وأحاسيسه وخياله إلى الكتابة عن بلده السودان الذى يقبع جنوبا ،يوم أحس بغربة خانقة فى لندن ،التى هاجر إليها للعمل كمذيع بهيئة الإذاعة البريطانية ، فولدت فيه الرغبة فى مد الجسور مع وطنه وعوالمه الأولى بالكتابة عنها ،لعل ذلك يبعث فى نفسه شيئا من الطمأنينة والإحساس بالأمان . وإلى الطيب صالح ينسب الفضل فى تقديم الثقافة والأدب السودانى إلى مختلف أنحاء العالم ،من خلال رواياته ومؤلفاته وكتاباته ،التى ترجم العديد منها إلى عدد من اللغات ،ومن بينها «دومة ود حامد «و»بندر شاه «و»عرس الزين «وغيرها من الأعمال المثيرة للدهشة ،التى قدمت لنماذج وبيئات إنسانية شديدة الخصوصية ،والتى توالى صدورها منذ بدء ظهوره على الساحة الأدبية فى أواخر الخمسينات من القرن الماضى،وقدمها فى مصر بكل حماس الراحلين أحمد بهاء الدين ورجاء النقاش . وتضيف «الأهرام «:هناك إجماع على شخصية الطيب صالح الإنسانية المتفردة ،يقول عنه الكاتب والأديب السودانى الدكتور حسن أبشر الطيب :ماعرفت إنسانا فى حياتى إسمه مثل وصفه مثل الطيب صالح ،فهو طيب إلى منتهى حدود الطيبة ،وصالح تتجسد فيه سمات الشيوخ المتصوفين من عباد الله الصالحين ،وهو ذات الأمر الذى يؤكده الروائى المصرى محمد البساطى ،الذى يقول :إن الطيب صالح تمتع بحب كبير بين المثقفين المصريين بسبب شخصيته الظريفة وتواضعه وبساطته الحقيقية ،فهو أديب بسيط غير متكلف وغير مصنوع ،وأحد الكبار الأفذاذ ،الذين نجحوا فى تصوير مفردات البيئة الشرقية وآمالها من خلال شخصية مصطفى سعيد فى «موسم الهجرة إلى الشمال « وتقول صحيفة» الأهرام «:أدب الطيب صالح مثله مثل أدب نجيب محفوظ ويحيى حقى وغيرهما من الأدباء العظام ،الذين تؤكد أعمالهم فكرة أن المحلية والخصوصية هى التى تقود إلى العالمية ،وليس الإغتراب ومحاولة تقليد الآخرين ،وقد عبر الطيب صالح بصدق كما يقول الروائى المصرى فؤاد قنديل عن سمات البيئة السودانية المحلية ،وكشف عن قيمها ومفرداتها ومعالمها وطقوسها ولهجاتها فى نسق سردى مبهر ،كما كشفت أعماله عن شخصية ثرية غير متعصبة وغير متحجرة ،وقد لاقت روايات الطيب صالح قبولا واسعا فى الغرب كما الشرق ،لما يتمتع به من ثقافة متحضرة تجاه العالم والآخر على حد تعبير الناقد الكبير الدكتور رمسيس عوض . يصف الطيب صالح فى روايته الأخيرة «منسى «بطل الرواية فيقول : فيه خصلتان حميدتان ،حبه للبسطاءوحفاظه للود «ولعله كان يتحدث عن شخصيته هو ،وعن ذلك يقول الناقد الكبير الدكتور سيد البحراوى :إن الطيب صالح إستطاع بقدرة فذة الغوص فى الشخصية السودانية ،وأن يقدم مرآة صادقة عن هموم ومعاناة المجتمع السودانى ،ومعاناة المثقف العربى بشكل أكبر مابين الوطنية والتبعية ،ودعا البحراوى الهيئات الثقافية العربية إلى إعادة طبع أعمال الطيب صالح طبعة شعبية ،حتى تصل إلى الأجيال الجديدة . وفى السودان عم الوجوم والحزن العميق جميع الأوساط ،حزنا على فقد من قدم إلى العالم مصطفى سعيد وود المجدوب وملود وبندر شاه ومنسى وغيرها من الشخصيات التى لاتنسى القادمة من أعماق السودان ،ونعاه الأدباء والمثقفون ورئاسة الجمهورية ،ولازال الجميع فى حالة إنتظار لوصول جثمان الرجل «الأسمر الذى يمتزج خط الإستواء فى دمه باللبن العربى ،الرجل الذى جاء من حيث الأساطير ومياه النيل «على حد وصف الطيب صالح لمصطفى سعيد بطل رائعته «موسم الهجرة إلى الشمال «،وهم الذين كانوا يترقبون فوزه بجائزة نوبل ،التى تم ترشيحه لها مؤخرا. وفى صحيفة الوفد كتبت فى صفحتها الأولى :إن الراحل كان من أبرز مبدعى جيل الستينات ،وأن رواياته «موسم الهجرة إلى الشمال «و»عرس الزين «و»دومة ود حامد « حققت شهرة واسعة وتأثير كبير . أما صحيفة المصرى اليوم فقالت :إنه يقف فى صف واحد مع جبران خليل جبران وطه حسين ونجيب محفوظ ،وله بصمات واضحة فى تقديم الأدب والثقافة السودانية لأنحاء العالم ،من خلال رواياته التى ترجم العديد منها إلى اللغات العالمية . وقال روائيون وشعراء مصريون إن رحيل الأديب السوداني الطيب صالح أفقد الرواية العربية رافدا أساسيا للعالمية والتجديد، وطالبوا بإعادة قراءة أعماله التي أبدعها بالعامية السودانية، واقترح بعضهم إطلاق جائزة باسمه للراوية العربية. رائد التجديد الناقد الدكتور جابر عصفور قال إن الطيب صالح واحد من الأعلام الكبار الذين يتصدرون الصف الأول من إبداع الرواية العربية، وهو مبدع عربي وعالمي في نفس الوقت، ورغم قلة إعماله لكنه ترك أثرا كبيرا في الإنجاز الإبداعي للراوية العربية. وأشار إلى أنه كان أول من فتح أفقا جديدا للرواية القصيرة المحملة بهموم العلاقة بين الشرق والغرب بكل صراعاتها واختلافاتها، ولعل روايته الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال» دليل على عبقريته في تناول هذه العلاقة. وأضاف عصفور أن الأديب الراحل «لم يكن روائيا عربيا وعالميا فحسب، بل كان مثقفا كبيرا وكاتب مقالات من طراز رفيع وكانت له مقالات متميزة في مجلة المجلة وخاصة مقالاته عن المتنبي، التي تصلح لأن تشكل كتابا مستقلا ومتميزا». وأشار الناقد المصري إلى تميز أعمال صالح بالتجديد والتطوير والانفتاحية التي كانت سمة أعماله، وقال «كان روائيا لا يكف عن متابعة الإبداع الجديد في كل المجالات وكان دائما في صف التجديد وخاصة إذا تميز الإبداع بما كان يسميه -رحمه الله- الأصالة التي كان يرى أنها الوجه الآخر من الإبداع». شخصية عذبة الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وصف الطيب صالح بأنه «كان أحد الأعمدة المهمة للرواية العربية» وقال «لقد فقدنا صديقا مقربا وشخصية عذبة لن تتكرر، ولا نعزي أنفسنا فقط أو شعب السودان، وإنما نعزي الأدب العربي والأمة العربية». وأعرب عن حزنه لتوالي رحيل المثقفين العرب الكبار في العامين الأخيرين، وقال «يبدو أننا نفقد القامات الكبيرة في الأدب العربي برحيل محمود درويش ورجاء النقاش والآن الطيب صالح، وغيرهم، لكن عزاءنا في إبداعاتهم التي تركوها لنا والتي يجب أن نحيي فيها سيرتهم وفكرهم». وأوضح الأبنودي أن أعمال الأديب السوداني الراحل غير المعروفة كثيرا للناس مثل «عرس الزين» و»بندر شاه» والتي كتبها بالعامية السودانية، تحمل إبداعا أدبيا لا يقل عن روايته الأشهر «موسم الهجرة إلى الشمال» التي أخذت شهرتها لأنها كتبت بالفصحى. ودعا المثقفين ومحبي الرواية والأدب إلى إعادة قراءة أعمال صالح التي كتبها بالعامية السودانية وتحديدا بلهجة قريته، خاصة وأنها عامية خفيفة غير موغلة في سودانيتها. وأشار الأبنودي إلى تعلق صالح بالشعر، وقال إنه كان كنزا في الشعر، وكان يحفظ معظم أشعار القبائل السودانية، والأشعار العربية، وكان شديد الالتصاق بالمصريين وشعرهم «وكان يقول لي دائما «حذار يا صديقي فإننا نغترف من نفس البئر». وحول آراء البعض بأن الطيب كان يستحق جائزة نوبل في الأدب التي لم ينلها، قال الشاعر المصري الكبير «إن معظم أعمال الطيب تستحق تقييما وتكريما عالميا، فقد أنجز إنجازا فريدا في الرواية العربية رغم قلة أعماله وكان غارقا في التراث العربي لأبعد الحدود فضلا عن اطلاعه على الأدب العالمي». أصلان والبساطي أما الروائي إبراهيم أصلان فأشاد بقيمة الراحل ومكانته، وقال إنه «كان كاتبا صاحب موهبة استثنائية في الأدب العربي وصاحب أعمال إبداعية شديدة الأهمية تجاوزت النخبة في تلقيها إلى رجل الشارع العام». بدوره، قال الروائي محمد البساطي إن الطيب صالح تمتع بحب كبير بين المثقفين المصريين بسبب شخصيته الظريفة وتواضعه وبساطته الحقيقية، فهو أديب بسيط غير متكلف وغير مصنوع. وأشار إلى أن أدب صالح مثله مثل أدب نجيب محفوظ ويحيى حقي وغيرهما من الأدباء العظام الذين تؤكد أعمالهم فكرة أن المحلية والخصوصية هي التي تقود إلى العالمية، وليس الاغتراب ومحاولة تقليد الآخرين.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
سيدي الطيب.. ذاكرة السودان المتنقلة
محمد بن عيسى يسلم للطيب صالح جائزة محمد زفزاف للرواية العربية في أغسطس (آب) 2002 («الشرق الأوسط
محمد بن عيسى
عرفت الطيب صالح - كأغلبية الناس - من خلال قراءتي لرواياته وكتاباته، عرفته حينئذ معرفة البعيد القريب. كان بالنسبة إليّ أكبر بطل بين أبطال رواياته، وتخيلته كما يتخيل القراء أبطالهم يلتقون في الخصوصية الكبرى ويختلفون في تخيلاتهم للصفات الأخرى، وأعجبت به.
وفي عام 1978، مع ولادة أول موسم ثقافي في أصيلة، كانت ولادة صداقتي مع الطيب صالح، سمعت أنه كان مقيما في الدوحة مسؤولا كبيرا في وزارة الإعلام القطرية، وكنت أيامها أقوم باستشارية في منطقة الخليج لحساب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فقررت أن أعرج على الدوحة، وأن أمضي بها ليلة واحدة لألتقي بالطيب صالح. ذهبت إليه بروح الصوفي الذي يقصد شيخه ليستشفّه وليتبرك بمكرُماته، وينهل من صنيعه الفكري والروحي. التقينا في فندق الخليج، واجتمعنا مدة لا تتجاوز الساعة. تحدثنا بعضنا إلى بعض، وشغف بعضنا ببعض، تكاشفنا، واستحلينا اللقاء والموضوع والحديث.
وتكررت لقاءاتنا بعد ذلك، وتجدرت علاقتنا إلى أن قدم طيب صالح مع أسرته لحضور موسم أصيلة الثقافي الثالث عام 1980، في ذلك الموسم تأسس المنتدى العربي الإفريقي (منتدى أصيلة) وأصبح الطيب صالح عضوا مؤسسا للمنتدى.
كانت إقامة الطيب صالح في أصيلة غير مريحة على الإطلاق، وعجبت، وما زالت، كيف كان الطيب صالح صبورا ووقورا وبشوشا دائما، يا الله ما أبدع هذا الرجل بتواضعه وبساطته وقناعته.
أقام الطيب مع زوجته وبناته الثلاث ضيفا على الموسم ببيت لا يصله الماء كل يوم إلا ساعة واحدة، ولم يكن بالبيت حتى الضروري من المتطلبات المنزلية، ولم أكتشف ذلك إلا قبيل مغادرة الطيب مطار طنجة إلى لندن.
في أصيلة صلى الطيب صلاة العيد مع سكان المدينة بالمصلى في الهواء الطلق، كان جميلا بعمامته البيضاء وجلابيته وقامته التي دخلت المصلى وخرجت منه في حشمة وتواضع ملحوظين.
أحب الطيب صالح أصيلة، قال لي إن حواري المدينة وصبيانها وهم يلعبون في الأزقة ودكاكينها الصغيرة ووتيرة الحياة اليومية بها، في السوق والمقهى والممشى الطويل، كل ذلك كان يذكره بصباه في بلدة الدبة في مروي شمال السودان حيث ولد وترعرع.
كانت أصيلة حين زارها الطيب في بداية صحوتها التنموية تنفض عنها رواسب سنين من الإهمال والتردي.
ومرت بضع سنوات لم يعد بعدها الطيب صالح إلى أصيلة. كنت كلما التقيت به بعد ذلك في الدوحة أو باريس أو لندن أو الرياض أو تونس، أكرر له العذر، وألتمس منه السماح على ما تكبده من معاناة مع أولاده في تلك السفرة الأولى إلى أصيلة. وكان كل مرة يقول لي: «كيف تعتذر لي يا رجل وقد استرجعت صباي في أصيلة؟».
تركت صلاة العيد في نفس الطيب صالح أثرا كبيرا، كانت محطة مهمة في موسم هجرته الأخرى إلى الجنوب، صلى مع الناس البسطاء.. مع الصيادين والتجار الصغار، والخضارين والعجزة من المتقاعدين الهاربة عنهم الحياة، وصلى الطيب للناس جميعهم. الطيب صالح يحب الناس ويحبونه، رهافة أحاسيسه ورقة تعامله مع نفسه ومع الناس، مصدر قوته ومرتع متعته بالحياة وبالناس.
تقاسمت مع الطيب أحاسيسه وانشغالاته وبعضا من معاناته. وهو كل كامل، يقاسمك كل أحاسيسه أو لا شيء. لا يعادي ولا يحاسب ولا يلوم. وهو كل كامل لا ينافق ولا يحابي، قنوع لدرجة إهمال حقوقه ومستحقاته، دؤوب بقهقهته وتقاسيم وجهه وشرود نظراته. كل شيء لدى الطيب ملفوف في الحشمة والتقشف ونكران الذات. وليّ صالح حتى دون عمامته.
حكاية الطيب صالح عن أيام مناسك الحج في مكة المكرمة، وزيارته بالدموع والخشوع والتسليم لقبر النبي صلى الله عليه وسلم. حكاية الشاعر والمؤمن والصوفي بسباته مرفوعة دائما لتوحيد الله. ومنذ حجته هذه غرق الطيب صالح في بحر الوحدانية كما يقول شيخه أبو الحسن الشاذلي، ينام وبجانبه كل ليلة آلة تسجيل تدير أشرطة القرآن الكريم.
والطيب صالح رمز الاعتدال في كل شيء، في أفكاره السياسية ومواقفه العلمية والأدبية، وأحكامه على القادة والزعماء والمفكرين والعلماء والمبدعين.
اسميه سيدي الطيب كما نسمي في المغرب الأولياء والصالحين. أجالسه كلما التقيت به مجالسة المتعبدين، نتحدث عن أنفسنا في حميمية ولطف وحنان.
الطيب صالح لطيف حنون تشعر به وهو يحدثك عن نفسه كما لو كان في كل مقطع من كلامه يذيب جزءا من نفسه، وبخاصة حينما يحدثك عن حبه وشغفه بما هو عربي ومسلم وسوداني.
معاناته من الغربة بارزة في كل أحاديثه الحميمية.
سيدي الطيب، هو ذاكرة السودان المتنقلة، يحفظ لكتابه وشعرائه، زجاليه بالخصوص، ويحن إلى وطنه الأم ويحس بأحشائه تتمزق وهو يتحدث عن السودان. مجالسه التي يستحليها هي مجالسه مع السودانيين، من خيرة مفكريها وعلمائها ممن عرفت، ولكن الطيب صالح هو إنسان كل الدنيا، يستسيغ الثقافات ويقرأ لكل الكبار وفي مقدمتهم الإنجليز.
سيدي الطيب، يتحدث معك عن أي شيء إلا عن نفسه وعن أعماله، ويتحدث معي عن كل شيء بما في ذلك نفسه وأعماله.
كان آخر حديثنا حميميا مؤثرا، التقينا مرتين في الأشهر الأخيرة في واشنطن، وكتب لي الطيب بعد عودته إلى لندن سطورا في منتهى اللطف والألم المكبوت، عن نفسه وعن قلبه وعني وعنه.
وتحدثنا مرات بالتليفون بين واشنطن ولندن للتحضير لحفل تكريمه في أصيلة، شيء لا يصدق؛ في كل مناسبة شعرت بأن الطيب صالح كان يتهرب في عفوية الطفل وامتعاض العذراء لم يستسغ قط فكرة تكريمه: «لا يا راجل، والله لا أستحق التكريم، هناك غيري ممن يستحقونه»، كان يردد لي ذلك كلما فتحت الموضوع معه حتى أحسست أنه فعلا لا يرغب في أن يكرم وأنه فعلا غير قادر على الرفض، وصارحته بذلك، واعترف، وأخيرا قبل.
هكذا هو سيدي الطيب.. الحشوم الوقور المتواضع المتقشف البسيط.. الإنسان المسالم بقلبه ووجدانه وعقله وتصرفاته..وقلمه.
وأصيلة وهي تكرم سيدي الطيب إنما ترد للرجل بعضا مما أعطى للعرب أولا، وللفكر والإبداع العالميين ثانيا. في أصيلة تنوب ثلة من المفكرين والأدباء والباحثين من الوطن العربي ومن خارج الوطن العربي عن كل من قرأ للطيب صالح وقدره وأحبه، تماما كما كرمت أصيلة قبله الشاعر محمد الحلوي، والشيخ المكي الناصري، والشاعر الرئيس السنغالي السابق ليوبولد سيدار سنغور، وغيرهم ممن أعطوا من أنفسهم للإنسانية وللفكر والإبداع.. مثل سيدي الطيب صالح.. الصالح.
* أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة
في كلمة بمناسبة تكريم
الطيب صالح بأصيلة
يومي 13 و14 أغسطس 1994
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
وداعا الراحل المقيم الطيب صالح ... : بقلم: تاج السر عثمان
الجمعة, 20 فبراير 2009 23:18
اضواء علي شخصية نعمة والزين في رواية (عرس الزين) [email protected] (1) رحل عن دنيانا الاربعاء: 18/2/2009م الكاتب والروائي السوداني المشهور الطيب صالح بعد صراع مع المرض في احد مستشفيات لندن،وسيظل الطيب صالح حيا بيننا لما تركه من اعمال روائية خالدة مثل رواية(عرس الزين)، و(موسم الهجرة الي الشمال)، و(دومة ودحامد)، و( بندر شاه)، و(مريود)، وتعكس تلك الاعمال في مستويات معقدة ومتشابكة تجربة الكاتب التي اتسمت بالغني والخصوبة، والارتباط العميق بين المحلية والعالمية ، ومن خلال رواية(موسم الهجرة الي الشمال) التي ترجمت الي اكثر من لغة عالمية، تعرف الناس في مشارق الارض ومغاربها علي مسقط رأس الكاتب (كرمكول) التي ولد فيها عام 1929م، كانت تجربة الكاتب خصبة وغنية فهو قد تنقل من (كرمكول) التي تلقي فيها تعليمه الاولي وبورتسودان التي تلقي فيها تعليمه الاوسط، والخرطوم حيث تلقي تعليمه الثانوي في وادي سيدنا، وتخرج في كلية العلوم جامعة الخرطوم، وفي حياته العملية تنقل بين مهن كثيرة منها: التعليم، العمل الاذاعي في هيئة الاذاعة البريطانية واذاعة ام درمان وفي الصحافة وفي اليونسكو، اضافة الي تنقله الكثير في اقطار العالم، كل ذلك كان له الأثر في تنوع وخصوبة تجارب الكاتب، وكان الطيب صالح اضافة لذلك مثقفا موسوعيا، فبعد تخرجه في كلية العلوم غير مساره الي الادب والفن والرواية، وارتبط بالمدرسة الاشتراكية الفابية بعد وصوله لبريطانيا عام 1953م، اختلط بمجتمعها في تنوعه كما عكست شخصية مصطفي سعيد جانبا من تجاربه وشخصيته ، ودرس الادب العربي والتراث الاسلامي بعمق كما نلحظ ذلك في كتاباته، اضافة لدراسة التراث والواقع والتاريخ السوداني، وبالتالي استطاع ان يدمج بمهارة بين الثقافة الحديثة والثقافة العربية الاسلامية، كما فعل الكثيرون من قبله مثل: طه حسين والعقاد واحمد امين ومحمود امين العالم وعبد العظيم انيس، يحي حقي وروايته المشهورة(قنديل ام هاشم )والتي لاتختلف كثيرا عن رواية(موسم الهجرة للشمال) والتي طرحت سؤال الهوية والتناقض بين الشرق والغرب.. الخ.اتسم الطيب صالح اضافة لثقافته الموسوعية بالتواضع الجم والبساطه والاسلوب السهل الممتنع والتسامح واحتمال الآخر، والاعتراف بالتنوع الثقافي والديني واللغوي وضرورة التعايش معه، وقد عبر عن ذلك في روايته (دومة ودحامد) حين ختمها بحكمة حين قال( لن تكون سمة ضرورة لقطع الدومة، ليس سمة داع لازالة الضريح، الأمر الذي فات علي هؤلاء الناس جميعا، ان المكان يتسع لكل هذه الأشياء ، يتسع للدومة والضريح ومكنة الماء ومحطة الباخرة)، وكأنما أراد أن يقول (في البلاد متسع للجميع)، وأي فائدة للتنمية مالم تستند علي الاصالة والموروث الثقافي المحلي، وأن الحداثة لاتتعارض مع الموروثات والمعالم التقافية والتاريخية للبلاد. (2) ادلف الي موضوع هذا المقال وهو: شخصية الزين ونعمة في رواية (عرس الزين). شخصية نعمة: يدور محور الرواية حول زواج نعمة بالزين ، ونعمة تمثل نوعا مختلفا لأمراة في الوسط الذي صورته الرواية ، كانت متمردة علي واقعها الاجتماعي منذ ان كانت طفلة، كانت تمقت ضم النساء اليها وتقبيلها علي خدها وشفتيها ( ومرة ضجرت من عبث امرأة بدينة بها ، وشعرت بذراعي المرأة الغليظين تنطبقان عليها ، كانهما فكا حيوان مفترس وبردفي المرأة المثقلة وعطرها القوي ، كانها تخنقها ، وتململت نعمة وحاولت أن تتخلص من قبضة المرأة، ولكن المراة ضمتها الي صدرها بقوة ، وانقضت علي وجهها بشفتيها المكتنزتين تقبلها علي رقبتها وعلي خدها وتشمها ، صفعتها نعمة علي وجهها صفعة قاسية ، وذعرت المرأة ، وتركت نعمة)، وكان هذا تعبيرا لرفض نعمة منذ نعومة اظفارها الامتثال والاذعان للعادات الاجتماعية التي كانت تمارس مع المراة منذ طفولتها ، لاعدادها وتشكيلها لتقبل الواقع الاجتماعي الذي تعيشه. ولكن نعمة تمردت منذ الطفولة علي هذا الواقع، ونري البذور الأولي لتشكل شخصيتها في صراع مع من حولها ، حتي اصبحت تلفت نظر النساء والرجال اليها عندما كبرت ، وتذكر نعمة انها أرغمت أباها ان يدخلها في الكتاب لتتعلم القرآن وهي طفلة ، وكانت الطفلة الوحيدة بين الصبيان وبعد شهر واحد تعلمت الكتابة ، وكانت تستلذ بتلاوة القرآن وتعجب بسورة الرحمن ومريم وسورة القصص وتشعر بقلبها يعتصره الحزن وهي تقرأ عن ايوب وتشعر بنشوة عظيمة حين تصل الآية( وآتيناه رحمة من عندنا) ، وتتمثل رحمة أمراة رائعة الحسن متفانية في خدمة زوجها ، وكان صبرها يعادل ان لم يكن اكبر من صبر ايوب، وتتمني لو ان اهلها سموها رحمة. وكانت تحلم بتضحية عظيمة لاتدري نوعها، تضحية ضخمة تؤديها في يوم من الأيام. نشات نعمة طفلة وقورة، محور شخصيتها الشعور بالمسئولية، تشارك امها في اعباء المنزل ، وتناقشها في كل شئ ، وتتحدث اليها حديثا ناضجا جريئا يذهلها في بعض الاحيان. قطعت نعمة بمحض اختيارها تعليمها رغم ذكائها ، وكان اخوها الذي يكبرها بعامين يحثها علي مواصلة التعليم في المدارس ويقول لها (يمكن تبقي دكتورة ولا محامية)، ولكنها لم تكن تؤمن بذلك النوع من التعليم، تقول لأخيها وعلي وجهها ذلك القناع الكثيف من الوقار (التعليم في المدارس كله (طرطشة)، كفاية القراية والكتابة ومعرفة القرآن وفرائض الصلاة). ربما كانت نعمة تري الممكن من تعليمها في تلك الظروف والاوضاع، لااعتقد ان نعمة بذلك الوعي المتقدم والذهن الوقاد ، كانت ترفض التعليم الحديث ، ولكن الظروف والواقع الاجتماعي في تلك اللحظة، ماكان يسمح لها بمواصلة تعليمها، واذا أخذنا في الاعتبار أنها كانت الطفلة الوحيدة التي كانت في الكتاب ودخلته بعد ارغام اباها علي ذلك، هل كان ممكنا أن تواصل تعليمها في تلك الظروف؟. ولماذا كانت نعمة تنظر للتعليم في المدارس (طرطشة)؟، واكتفت منه بالقراية والكتابة ومعرفة القرآن وفرائض الصلاة. كانت نعمة في هذا الجانب متمشية مع الحياة الاجتماعية والواقع الاجتماعي في القرية الذي لم يكن محتاجا من التعليم لاكثر من ذلك، وهي الاهداف التي وضعها ورسمها المجتمع للتعليم منذ عهد السلطنة الزرقاء، كما ان التعليم الحديث لم تترسخ جذوره وسط النساء رغم الجهود التي بذلها المرحوم بابكر بدري في تعليم البنات في بداية القرن العشرين. وبالتالي، فان نعمة رفضت تخطي الواقع الاجتماعي المعين الي اللاممكن ، ولكي تلعب دورها الذي رسمه المجتمع وحددته احداث الرواية ، مما يشير الي ان اخ نعمة كان مازحا أو حالما ، ولم يقدر التقدير الصحيح الظروف الملموسة، رغم ان نظرته كانت متقدمة وتحققت فيما بعد، وانحيازه للتعليم الحديث ، كان واضحا اذ طالب نعمة بمواصلة تعليمها. ولكن نعمة في ظروف وواقع القرية التي كانت تعيش فيها كانت تمثل نقلة نوعية لأمراة من نوع جديد ، رفضت الاذعان للواقع الذي كان مفروضا المراة في تلك الظروف واستطاعت أن تلعب دورا اجتماعيا معينا جذب اليها اهتمام الرجال والنساء، يكفي أنها الطفلة الوحيدة في القرية التي انتزعت حق تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن ، ونالت الحظ الذي كان يسمح به المجتمع من التعليم يومئذ، وانها صارعت في سبيل ذلك. فيما يختص بالزواج، استطاعت نعمة ان تمارس حقها في اختيار زوجها بنفسها ، هذا طبيعي ، فقد نشات مستقلة في الرأي وتناقش والدها في كل شئ. ولما جاءت آمنه الي سعدية (ام نعمه)تحدثها في امر زواج نعمة من احمد قالت لها سعدية( الشوري عند ابو البنت)، كانت تعلم في قرارة نفسها أن (الرأي) لا لاحد غير نعمة نفسها، وكان لابد من خيارها، فهزت كتفها وقالت : أنا لي الليلة مابقيت للعرس. وعندما جاء خطيب آخر ادريس الذي كانت كثير من الفتيات يتمنين أن يصبحن زوجات له، كان متعلما ، يعمل في مدرسة ابتدائية، كان دمث الأخلاق ، حسن السيرة بين أهل البلد ، ومع أن عائلته لم تكن من العوائل ذات الأصل التي يشار اليها في البلد ، الا ان اباه كون لنفسه مكانا بين الناس بجده وحسن عشرته ، كانت اسرة طيبة وميسورة الحال ، وكان حاج ابراهيم والد نعمة وامها سعدية واخوانها الثلاثة يميلون الي ادريس ، بيد ان نعمة كان لها رأي آخر غير ذلك، فقد رفضت الزواج منه. احتد حاج ابراهيم في كلامه معها وهمّ بصفعها، ولكن توقف فجأة ، شئ ما في محيا تلك الفتاة العنيدة قتل الغضب في صدره ، لعله تعبير عينيها ، لعله التصميم الرزين علي وجهها ، وكأنما أحس الرجل بأن تلك الفتاة ليست عاقة ولامتمردة ، ولكنها مدفوعة بايعاز داخل الي الاقدام علي امر لايستطيع احد ردها عنه. ومن يومها لم يكلمها احد في الزواج . كانت نعمة من النضوج وقوة الشخصية مما جعل الآخرين بما فيهم والديها احترام رغبتها واختيارها ولم تتنازل عن حقها في هذا الجانب. نعمة هنا تمثل وعي جديد في القرية، لا اعتقد ان الامر في حدود احترام الآخرين لرغبتها ، ولكنها تمثل بزوغ فجر جديد علي القرية وتحريك لراكد الحياة والجمود فيها ضد القيم والتقاليد البالية التي تفترض انه ليس للمراة رأي في موضوع حاسم مثل الزواج، وانها بحكم التقاليد والعادات البالية تعيش علي هامش الحياة في القرية تابعة للرجل، تمثل نعمة نسمات ورياحا باردة من الحضارة والتقدم بدات تهب علي القرية وتحرك ساكن الحياة فيها وارادتها الغلابة للسير قدما الي الأمام. الجديد في رواية الطيب صالح في تصويره لنعمة انها استطاعت أن تؤثر في والديها لا بالضغط ( كالتهديد بالانتحار أو الهروب مثلا)، ولكنها أثرت في والديها والمجتمع بقوة المثل والمسلك وقوة الشخصية مع نضوجها. في اعتقادي أن هذا هو الجديد في الرواية والتي اكسبتها الجاذبية والخلود والانتقال بها من المحلية الي العالمية، أري ايضا ان شخصية نعمة كانت متماسكة ومنسجمة منذ طفولتها حتي الموقف الأخير من زواجها، وان هذا التماسك والثبات هو الذي جعل من الرواية ككل متماسكة في بنيتها ونتائجها النهائية: صدام ضد العادات والتقاليد، خروج علي المألوف، ادي في النهاية الي اقتناع مجتمع القرية بزواج الزين ونعمة، بل تحول الي مظاهرة كبري هزت القرية علي اختلاف مشاربها واتجاهاتها والي ابتهاج الرجال والنساء في ذلك الفرح الذي امتزجت فيه المأساة بالملهاة، بحيث خرج بالشكل الذي صورته الرواية. لم يشكل الزواج حيزا كبيرا في حياة نعمة، كما لم ترسم صورة محددة في ذهنها له، كانت تحس بأن الزواج سيجيئها من حيث لاتحتسب ( لكن نعمة كبرت وكبر معها حب فياض ستسبغه يوما علي رجل ما قد يكون متزوجا له ابناء، يتزوجها علي زوجته الأولي، قد يكون انسانا شابا وسيما متعلما او مزارعا من عامة اهل البلد مشقق الكعبين والرجلين من كثرة ماخاض في الوحل وضرب بالمعول، قد يكون الزين.. وحين يخطر الزين علي بال نعمة تحس احساسا دافئا في قلبها من فصيلة الشعور الذي تحسه الأم نحو ابنائها ويجترح هذا الاحساس شعور آخر بالشفقة، يخطر الزين علي بالها كطفل يتيم عديم الأهل في حاجة الي الرعاية، انه ابن عمها علي كل حال، وما في شفقها عليه شئ غريب. شخصية الزين: الزين من الشخصيات الاجتماعية في القرية، كان يشكل حضورا دائما في حياة الناس اليومية في افراحهم واتراحهم، كما كان يودع المسافرين الي ام درمان ويستقبل العائدين منها، كانت كل نساء القرية تعرفه ويعرفهن، بل يستطيع ان يميز الواحدة من زغارديها، و(يستطيع الزين ان يميز النساء ، أي امرأة زغردت). وكان الزين شخصية محبوبة حيثما حل في حفل عرس أو عرس يقابل بالترحاب، وفجاة ينشق الليل عن نداء يعرفه كل احد (عوك ياهل العروس ، ياناس الرقيص، الزين جاكم)، واذا الزين قد قفز واستقر في حلقة الرقص ، ويفور المكان فجاة، فقد نفث فيه الزين طاقة جديدة ، ومن بعيد يسمع المرء صيحاتهم يرحبون به( أبشر، أبشر حبابك عشرة). كانت الحفلات تكتسب طعما خاصا بوجود الزين ، وكان يحضرها حتي تنتهي ويعود الي منزله مع آذان الفجر. اذن شخصية الزين لها جاذبية وسط النساء ومرتبطة بافراح القرية التي تعتبر المتنفس الوحيد للناس، ولاختلاط النساء بالرجال، وتمثل اجمل اللحظات التي يقضونها، فالرواية ربطت الأفراح بالزين وتواجده الدائم والمستمر بها ومشاركته فيها بالرقص، مما جعل جاذبية النساء للزين قوية ، بل انه تحمل التضحيات في سبيل ذلك حين ضربه سيف الدين شقيق احدي الفتيات اللائي كن معجبات به، وكان الزين لايري ضيرا في اعجاب امرأة به او خدش لكرامة اشقائها ويعتبرها علاقة انسانية طبيعية، وبعد شفاء الزين من الحادثة رد عليه الزين وكاد ان يقتله لولا أن سمع صوت الحنين الذي ارتفع هادئا وقورا فوق الضجة(الزين المبروك)الله يرضي عليك، وانفكت قبضة الزين ووقع سيف الدين علي الارض هامدا ساكنا. وكان الحنين قد وضع يده علي كتف الزين في حنان بالغ ، كان يتحدث اليه في صوت حازم، لكنه ملئ بالحب(الزين المبروك ليه عملت كده؟). ظل الزين صامتا فقال الحنين مواصلا( متين سيف الدين ضربك بالفأس في رأسك؟ فاجاب الزين ضاحكا ووجهه مشبع بالمرح( وقت عرس اخته) ، واستمر الحنين وفي صورته هو الآخر رنة مرح( شن سويت لاخته يوم عرسها)، ( اخته كانت دايرناني ليها مشو عرسوها للراجل الباطل داك). وضحك احمد اسماعيل، وقال الحنين في صوت اكثر رقة وحنانا ( كل البنات دايرنك يالمبروك باكر تعرس احسن بت في البلد دي). وحين قال محجوب بصوت مرتفع فيه رنة واحتقار ( منو البعرس البهم دا؟) كمان علي العليه داير يجيب ليه جنية ، ونظر الحنين الي محجوب نظرة صارمة ارتعدت لها فرائص محجوب لولا انه تشجع وقال( الزين مو بهيم الزين باكر يعرس احسن بت في البلد). الرواية ربطت بين الزين والشهامة والرد علي الظلم الواقع عليه من خلال حادثة سيف الدين معه، كما عكست ايضا طيبة الزين وكبر قلبه الذي لايحمل ضغائن لاحد حين عفي عن سيف الدين ونسي الموضوع بسرعة ورجع الي صفائه ومرحه. هذا الصفاء في شخصية الزين ورغم اعتبار بعض أعيان القرية أن الزين كانت له مكانة خاصة عند الحنين تشبه علاقة الصوفي الصالح ببطل رواية نجيب محفوظ (اللص والكلاب)، الحنين ذلك الانسان التقي الورع الصالح الذي كان يلقبه بالمبروك والذي كان الزين يبادله الحب والاحترام والود، ولايرد له طلبا، وكأنما الزين حلقة وصل بين الناس العاديين والطيبين وذلك الانسان التقي الورع الذي كان يخشاه اعيان القرية من امثال محجوب، نلاحظ في قمة فرح الزين اختفي لزيارة قبر الحنين وهي من اللفتات البارعة في الرواية، تمثل الوفاء للحنين الذي تحققت نبواءته (بزواج احسن بنت في البلد). حادث الزين من سيف الدين اخرجت الزين من محيط القرية الي عالم أوسع ، حين ذهب للعلاج في مستشفي مروي، والذي عاد منها مبهورا ، وظل بعد ذلك زمنا طويلا ولاحديث له الا عن رحلته لمروي قال(أول ما وصلت يازول قلعوني هدومي ولبسوني هدوما نضاف، السرير يرقش، الملايات بيض ري البن، والبطاطين والبلاط يزلق الكراع). كان هذا الحادث رمزا لخروج الزين الي رحاب عالم اوسع، عرف فيه أشياء جديدة لم يشهدها في قريته، كما يعكس ان الزين الذي تواجد في حياة الناس والقرية بشخصيته المتميزة التي تربط بين الجد والهزل ، كان بذرة لتحول في القرية، يستهدف اخراجها من عولتها الي محيط اوسع، وعندما يحكي عن زيارته لمروي ، كانما كان يحرص ان ينقل معرفة جديدة ووعي جديد لما حوله. من الأشياء المعروفة عن الزين تلك القوة الجبارة التي كان يتمتع بها، اهل البلد جميعا يعرفون هذه القوة الرهيبة ويهابونها، واهل الزين يبذلون جهدهم حتي لايستعملها الزين ضد احد، انهم يرتعدون روعا كلما ذكروا ان الزين أمسك مرة بقرن ثور جامح استفزه في الحقل، امسك به من قرنيه ورفعه عن الارض كأنه حزمة قشة وطرح به ثم القاه أرضا مهشم العظام ، وكيف انه مرة في فورة من فورات حماسه قلع شجرة سنط من جذورها وكأنها عود ذرة . كلهم يعلم ان في هذا الجسم الضاوي قوة خارقة ليست في مقدور بشر). هذه القوة التي اودعت في الزين وانسجاما مع الجوانب الأخري لشخصية الزين لم يكن الزين يستعملها ويوجهها لأغراض شريرة ، بل كان يدافع عن نفسه بها في اسوأ الاحوال، لم يكن الزين رباطا ولاقلاعا. اذا كان الزين بهذه الصفات التي وصفت في الرواية والتي امتزجت بقيم انسانية رفيعة ، ويرمز لمستقبل وعالم افضل، واتجاه لتحريك راكد الحياة في القرية ووعي جديد نابع من احشاء الواقع القديم، كان من الطبيعي ان يلتقي الزين بنعمة ذات الصفات والقدرات التي عرضناها سابقا. الرواية ربطت بين الزين ونعمة في صلة قرابة الزين ابن عم نعمة ، ربما كانت هذه القرابة جذر لوعي جديد وفجر جديد بدأت تظهر ملامحه علي القرية ، وارتباط الزين بنعمة حين تزوج بها اصبح حدثا هزّ ساكن القرية ، كما ان زواج الزين بنعمة حطمّ مفاهيم كانت سائدة في القرية: انتصار لقيم جديدة، علي قيم تقليدية حول النظرة للواقع والناس.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
يرحلُ الطيِّب صالح ......... بقلم: عصام عيسى رجب
الجمعة, 20 فبراير 2009 23:00
["يا مريود أنت لا شيء ..... أنت لا أحد يا مريود ...... إنَّكَ أخترت جَدَّك يا مريود، وجَدُّك اختارك لأنكما أرجحُ في موازين أهل الدنيا ..... و أبوك أرجح مِنك ومِن جدِّك في موازين أهل العدل ......لقد أحبَّ بلا كلل وأعطى بلا أمل وأقام على عجل وحسا كما يحسو الطائر ، وأقام على سفر، وفارق على عجل ..... حَلُمَ أحلام الضعفاء، وتزوَّدَ مِن زاد الفقراء، وراودته نفسه على المجدِ فزجرها ....... ولمّا نادته الحياة ولمّا نادته الحياة......" قلتُ نعم .... قلتُ نعم ..... قلتُ نعم .....لكنَّ طريقَ العودةِ كان أشقّ لأنني كنت قد مشيت ......] – الطيَّب صالح مِن روايته "مريود" (1) يرحلُ الطيِّب صالح فيرحل إثره زمنٌ عزيزٌ على القلبِ وسَمَه بأدبٍ كأجملِ ما يكون الأدب: أدب الحرف وأدب النفْس ....... وهما أدبانِ ما اجتمعا لكثيرٍ مِن أدباء الحرف أو أدباء النفس على مرِّ العصور والأزمان....... (2) أذكرُ أول لقائي به هنا في الرياض في آخر "جنادرية" حضرها قبل نحو ثلاث سنوات مِن الآن، أذكرُ أني هاتفته نحو الحادية عشرة صباحاً وبادرته فيما يشبه الإعتذار: أستاذنا الطيب، عساي ما بزعجك ...... فبادرني بسودانيته العفوية وقد خالطها كثير أو قليل مِن صراحة "الخواجات" الذين تزوَّج منهم وأقام بينها طويلاً أو طويلا: والله يا أخي أزعجتني ........!!!! فاعتذرت له وقلتُ أني سأعود وأتصل به بعد أن يصحو مِن نومه ....... حين كلَّمته مرّةَ ثانية بعد الظهر، كان قد "صحَصحَ" كثيراً وعاد له مِزاجه الطيِّبُ، فاعتذر لي عن "صَدِّهِ" لي هكذا في أول مكالمة بيننا وقال أنه كان مساهراً وآخرين حتى الساعات الأولى مِن الصباح ...... كنتُ أدعوه لندوة روائية تجمعه والروائي السوداني الكبير "إبراهيم إسحق" صاحب"حدث في القرية" و "أعمال الليل والبلدة" و "وبال في كليمندو" و "أخبار البنت مياكايا" و سواها من روايات ....... قال لي أنه يفضلها جلسة صغيرة تضم عدداً صغيراً من الحضور، لا ندوة ولا .......... فقلت له: لك ما تُريد ....... (3) لقيته بعدها بيومين، كان معي وقتذاك الصديق الشاعر / نصَّار الحاج ....... قال لنا: إقرأوا لي ما تكتبون ....... ترددنا، بل وأحجمنا وقلنا له: ومالنا نتجاسر ونقرأ في حضرة صاحب "موسم الهجرة إلى الشَّمال" قصيدةِ القصائد ورواية الروايات؟! فقال: إقرأوا وحسب، فقرأنا شيئاً يسيراً مِن "خربشاتنا" ...... أذكرُ أنَّه قال لي: دي قصيدة جميلة تستأهل هذه السيجارة!!!!! ومدَّ بها إليّ ...... أشعلتها وأخذتُ في تدخينها، وأنا لا شأن لي بالتدخين، ولكن من يأبى سيجارة كافأه بها الطيِّب صالح على قصيدة ......!!!! قال لي صحفي سوداني كان يشاركنا الجلسة: كيف تدخنها؟! أما كان يجدر بك أن تحتفظ بها، إنها سيجارة مِن "الطيِّب صالح"!!! ضحكنا، لكني سِرَّاً أخذتُ قوله على محمل الجِدِّ فأطفأتها و أحتفظتُ بها حيناً من الدهر .......... ولقيناه بعد يومٍ وكان معنا "إبراهيم إسحق" وشباباً آخرين ممن يحبون الطيَّب وإبراهيم حبَّاً جمَّاً ...... لا أنسى أبداً كيف نهض وسلَّم على إبراهيم سلاماً حاراً كأجمل ما يكون السلام ...... تحدَّثا وتحّدثنا زمناً ...... قال لإبراهيم أنَّه كتب عن روايته "وبال في كليمندو" ومدح الرواية وإبراهيم كثيراً ........ وكان كلما انضم لجلستنا ضيفٌ مِن ضيوف "الجنادرية" عرَّف إليه إبراهيم وقدَّمه قائلاً: إبراهيم دا مِن كُتَّابنا الكِبار ........ (5) "مختارات الطيَّب صالح" التِسَعة التي صدرت مِن "دار الريِّس" أعمال أدبيه وثقافية راقية وعالية كما ينبغي لكتابات الطيَّب صالح أن تكون ...... سوى أنَّها لم تنل حظَّها من القراءة والنقد الذين يليقان بها ....... أذكرُ أني قرأت مراجعةً للكتاب الأول مِن المختارات: "منسي: إنسان نادر على طريقته" كتبها "شوقي بزيع" وأخرى كتبها آخر لا يحضُرُني الآن ....... أما بقية المختارات فما أذكر أني قرأت شيئاً عنها ....... هل لكثرتها مثلاً (تسعة كتب)؟! ..... قرأت المختارات كلها، ويندر هذه الأيام أن أُكملَ كتاباً، دعك عن تسعة كتب (استثني مجلدي "الأعمال الكاملة لكافكا" الضخمين الذين ترجمها عن الألمانية إبراهيم وطفي وقرأتهما السنة الفائتة ..... وتلك سيرة أخرى كما يقول الطيِّب صالح) ...... ويوشك الطيب صالح أن يكون تحدَّث في تلكم المختارات عن كلِّ شيء!!!!!! الأدب والنقد والتاريخ والسيرة بـ "أعلامها مِن العرب والفِرنجة"، وقد أفرد كتاباً كاملاً لشاعره الأثير المتنبي والجغرافيا بمدنِ شرقها وغربها والفكر والاستعمار واليونسكو وأوجاع السودان وسوى السودان ...... أذكر ليلةً العام الماضي هاتفته فيها أطمئن على صحته وقد أصابه كليتيه الفشل ...... ذكَّرته ليلتها بثلاثة كتب تحدث عنها بإسهابٍ وتَمكُّنٍ في المختارات وهي: "سماجة الشَّر" لحنَّا أرندت و "دروب الغناء" لبروس شاتوين و "أطلس العبودية" لجميس والفين، قلت له أنّي ما سمعت أحداً قبله تحدَّث عن هذه الكتب العجيبة، فمِن أين له بها و ..... ضحك وحدثني يسيراً عنها، وأبهجته حين قلت له أني اشتريت ثلاثتها من موقع أمازون دوت كوم ....... مَن سوى الطيِّب صالح يدُلُكَ على هكذا كتب .....؟! (5) ماذا يقول المرء وقد غاب الطيّب صالح .....؟! كم كان كبيراً في أدبهِ وزهدهِ الحقيقي في ما ناله مِن شهرة جاءته عن جدارة واستحقاق ..... هي شيءٌ مِن صوفيةٍ حاضرة بجمالٍ تامٍّ في كلِّ ما كتب، وقبلها في طبعهِ الرَّهيف ..... فهل نتجاوز الحقيقة إن قلنا أنَّه كان صوفيَّ الأدباء أو أديبَ الصوفية ....؟! يذكرُ الأدب السوداني خارج السودان، فيُذكرُ الطيَّب صالح لا سِواه، و كيف لا، أليس هو أيقونة الأدب السوداني دون أدنى جِدال ....؟! حتى اشتكى كثيراً من وحشة الذَّكر ....... بل وضاق بها ....... فمَن يذكرُ غيرُ السودانيين الآن مِن أدباء السودان ....؟! كتب "دينس جونسون"، وهو من ترجم "موسم الهجرة إلى الشَّمال" و "عرس الزين" وقصص "دومة وحامد" إلى الإنجليزية، في كتاب "الأدب العربي المعاصر"، كتب عن "موسم ......" أنها أول رواية عربية ضمنتها دار "بنجوين" الشهيرة سلسلة "الكلاسيكيات الحديثة"، وأنَّ "إدوارد سعيد" عدَّها واحدة مِن أفضل ستِ رواياتٍ عربية قرأها ....... يغيب الطيِّب صالح، ويحضرُ السؤال: وهل يغيب من ترك وراءه "موسم الهجرة إلى الشَّمال" و "عرس الزين" و "دومة ود حامد" و "بندرشاه: ضوء البيت ومريود" و ...... وكما كتبتُ قبل أيام في رحيل شاعرنا الكبير "النُّور عثمان أبَّكر": ما يرحل هنا هو الجسَد، ولكن يبقى ما أودعه هؤلاء الجميلون خزانة الخلود ما بقيَ الحرفُ الأصيلُ الجميل .........
عصام عيسى رجب – كاتب سوداني مقيم في الرياض/السعودية [email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
مواسم هجرة عصافير الخريف إلى برزخها ... بقلم: منصور عبدالله المفتاح
الجمعة, 20 فبراير 2009 15:51
مواسم هجرة عصافير الخريف إلى برزخها من أصحى فينا منسى الكلام ومن جسد فينا المنسى... رحلا عملاقا خلف عملاق...النور عثمان الذى غنى للعشب والزهره والطيب صالح الذى صور نشوق هذه الأمة وشوقارتها وصور مواطاتها ودمرتها ورسم لوحات عرسها وحرك ساكن جلوس الكون لتنخلع رقابهم عن مواضعها من خلعة أرواحهم من جمال الفلكلور والتراث الثر...والذى لا يخالطه فريك تراث آخر...الطيب الذى وقف طنابرة قصه وحناجرهم تجبد أنفاسها والصفقة والغنه ترتفع مع علالة الفرح وطوابير البـطان صفوفا من الفرسان حزت عضلات الفتونة سيور سكاكينهم حول أذرعهم والقدة القلوى والعطشى فى يد من ساخت أرجله فى جوف الأرض كأمينة المربعه لا يرتجف عندما يرمى بجمر السياط على ظهور أولئك الفرسان حتى تتفطر ظهورهم وكأنها فصدت بأمواس حداد والزين وجوقة الصبيه يثملهم خمر الفرح وكامرة بنت مجذوب تصور الوقائع لتعيد صياغتها بلغتها الجريئة دون تكلف أو وجل وود الريس وصحبه يمارسون طقوس الحكى فى هيئاتهم التى صورهم عليها ذلكم الطيب والدخرى والخزين وألوان الطيف الأخرى يدورون فى أفلاك تدور حول خيط ذلكم الفلكى القدير الطيب وهو لا يتجاهل ضو البيت ولا يغض الطرف عن مريود ولا ينسى دومة ود حامد ذلك البربندى الذى ربـط فيه فرس إبداعه وأغدق عليه عليقة تكلفه إلى يوم الدين ذلكم الحكيم ذو النظر الثاقب إستطاع أن يجسد من خاماتنا المحليه ألاف من التاج محل والاف من الحدائق المعلقة والإهرامات والمسلات لا بل ألاف من العجائب والعجائب التى لا يقوى عليها فك الكون فينفك عن موضعه من قوة جرعة الدهشه التى باغتته من بعض سحر إبن موسى وإبن منطقته فى الشمال السودانى ذلكم الأديب العفيف العنيف ذرب اللسان عميق المعانى الطيب صالح الذى خطى أسطورته فى القص بمهارة جند سليمان التى ألزمت بلغيس لتكشف عن ساقيها ليكشف له كل الكون عن سيقانه لا بل يتجرد من كل محيط ومخيط ليسبح فى بحر حقيقته راضيا عليه ومرضيا به...والان فى هذا الموسم تتحقق هجرة أديبنا إلى اليمين لا الشمال محلقا فى عالم برزخه فرحا ببذه وبذله متيقنا من دأب وديدن إستثماره الذى سيقبض ريعه فى الفردوس بإذن الله صدقات لا تنقطع...فالآن تبدأ رحلة البحث فى كنه ذلك العبقرى الذى خلف لنا مجدا متجددا وفتح لنا أبوابا للنجاح كادت تتعذر لولاه اللهم تغمضه بلطفك فى قبره وأجلس عليه ملائكة القص يسلونه وأبعثه ملاكا يسلينا فى الفردوس.................... منصور عبدالله المفتاح [email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
وداعا الطيب صالح وداعا أيها الأرباب الجليل .... بقلم: محمد المكي إبراهيم
الخميس, 19 فبراير 2009 21:38
[email protected]
برحيل الأرباب الطيب صالح انطمرت في الثرى قمة عليا من قمم الشهامة والإبداع وغدونا أشد فقرا وعوزا وأشد حاجة إلى فنار يهدي سفائننا الحائرة إلى آمن المرافئ فقد ظل هذا السراج الوهاج يضيء الشعاب أمام مسيرة الثقافة السودانية بالرأي والتعليق والتشجيع السخي وكتابة كلمات التقديم وكانت سيرة حياته مصدرا للإلهام مثلما كانت كتاباته المبدعة . وبفضله وبأنموذجه كسبنا جيلا كاملا من كتاب الرواية نطمع أن يخففوا على الثقافة السودانية فقده الأليم. في الطيب صالح أعزي أسرته المكلومة واعزي خاصة أصدقائه ومحبيه وعلى رأسهم الوزير بن عيسي وزير الخارجية المغربي والأستاذ محمود عثمان صالح راعي ومؤسس مركز عبد الكريم ميرغني والدكتور العلامة حسن ابشر الطيب والأستاذ كمال الجز ولي والدكتور عبد الواحد عبد الله يوسف والدكتور محمد إبراهيم الشوش وأعزي اتحاد الكتاب السودانيين وكافة محبي الراحل العظيم من أهل السودان الأوفياء الطيبين. وأبناء امتنا العربية المجيدة ممن قرأوا إبداعه العظيم على سبيل الاطلاع أو درسوه في المعاهد والجامعات . لقد ألقى فقده الجليل أعباء ثقالا على المبدعين السودانيين ليملأوا الرحبة الفسيحة التي خلفها غيابه المؤلم ولينشروا في العالمين سيرة شعبنا الرائع الجريح التي لم تغب قط عن خياله ولم تفارق يراعه الرشيق. لقد كنت آمل أن يحتل مقعد المثقفين(مقعد التجاني الماحي) في مجلس سيادة الديمقراطية الرابعة ولكنها تأخرت في القدوم كما أن المنية استعجلته بالرحيل. فوداعا أيها الأمير وداعا أيها الأرباب الجليل مكانك محفوظ في قلوبنا وفي تاريخ بلادنا وفي أسني وأعلى قمة في ثقافة بلادنا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
2009-02-21
قولوا حسناً
صرح للحب والثقافة باسم الطيب صالح
محجوب عروة كُتب في: 2009-02-21
لأنهم أحبوه بصدق كلهم كانوا هناك ... فى التاسعة من صباح أمس الجمعة إصطف الآلاف للصلاة على فقيد البلاد بل فقيد كل من التقاه أو سمع عنه أو قرأ له... إنه طيب الخصال... الطيب الصالح... ذلك الاديب عبقرى الرواية التى احدثت دويا هائلا وترجمت الى لغات حية... لم يكن من أصحاب السلطة ولا المال ولا الجاه، مجرد تربال عصامي كما يحلو له ان يقول عن نفسه تحول الى أحد مشاهير الرواية العربية كرمه العالم أما نحن فى السودان للاسف فلم نكرمه بين أهله واحبائه واصدقائه وتلامذته... وهذه أحد نقائصنا ... لانعرف للانسان قيمة إلا بعد مماته... كان ذلك خطأ كبيرا ... اذن آن الأوان لنكف عن ذلك الخطأ الفادح... لو كان الطيب صالح مصريا كما العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم وغيرهم المئات ممن اثروا المكتبة المصرية والعربية والعالمية لاقاموا له الكرنفالات والاحتفالات والتكريم الذى يستحقه أما هنا فلا نهتم بذلك إلا بعد أن نواري الثرى من نحب ... حدث ذلك للعلامة عبدالله الطيب فى اللغة والآداب ولمامون بحيري ولفتح الرحمن البشير فى الاقتصاد والاعمال ... وقليل من الرجال الأفذاذ... ان المغزي الحقيقي لتكريم العظماء وأهل العطاء ليس أن نزكي على الله أحدا ولكنها دعوة للشباب وللأجيال القادمة أن تسير فى طريقهم وللتاريخ ان يسجل انجازات ومآثر الامم والشعوب ... إنهم البناؤون والمؤسسون لاعمال الخير فى كافة المجالات يقومون بالاعمال الجليلة ويذهبون ربما فقراء فيستفيد منها الذين يعقبونهم... لعل الكثيرين لا يعلمون ان جل المكتشفين وصناع الحضارة لم يروا بأعينهم نتاج اعمالهم وكثير منهم مات وحيدا ربما لايملك ما يشترى به قوت يومه أو مأوي يقيم فيه ولكنهم ورثوا ابناءهم وأحفادهم كل شئ... وربما لا يعلم الناس اعمالهم ولكن الله يعلم كل شئ ومن المؤكد لن تذهب اعمالهم هدرا وعنده الجزاء الاوفي... قبل عشرة اعوام تحرك طيب الذكر المرحوم فتح الرحمن البشير لعمل احتفال بسبعينية الطيب صالح داخل السودان ولكن حالت ظروف كثيرة لعدم إكتمال ذلك... ثم عندما اعتلت صحته بسبب الفشل الكلوي قام نفر كريم بمحاولة علاجه كان على رأسهم السيد حسن تاج السر ود.حسن ابشر الطيب والبروفيسور على شمو واعضاء جمعية اصدقاء مرضى الكلى واشراف د.كمال أبو سن ولكن بسبب تدهور الحالة الصحية لم يكتمل العلاج رغم تبرع كريم من احد ابناء السودان البررة بكليته (جزاه الله خيراً) ... مطلوب الآن تضافر الجهود لتكريم هذا المبدع الذى رفع رأسنا عاليا بين الامم فهذا اقل ما يستحقه وندعو هنا كل اصدقاء واحباء الفقيد ان يجتمعوا فى أقرب فرصة للتدارس حول كيفية تكريمه وطباعة كتبه وبناء صرح ثقافي باسمه يكون مباءة لكل طالب ثقافة وللاجيال القادمة باذن الله..كما ندعوا المؤسسات والدولة للتبرع لهذا الصرح الثقافي الذي سيحمل اسم الفقيد الذي أحبه الجميع.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
مناظير
*من هو ذلك الغبي؟!
زهير السراج كُتب في: 2009-02-21 [email protected]
*من فينا الذي ابتدع هذه العبارات المؤلمة التي اعتقدها مدحاً, فإذ هي أسوأ انواع القدح.. (إن شاء الله ما يجي يوم شكرك)! *نعم, هي أسوأ أنواع القدح على الإطلاق وتدل على غباء وجحود ونكران جميل, برغم ما يبدو من مظهرها غير ذلك! *تبدو وكأن الذي ابتدعها يتمنى طول العمر لسامعها, ولكنها على العكس تماماً من ذلك, فهي تحمل في مضمونها أن الموت سيأتي, وهو اليوم الذي يُشكر فيه الميت على فضائله ومحاسنه التي فعلها في حياته – ولكن قبل ذلك فلا شكر ولا مدح له ولا اعتراف بجميله!! *وهو لن يسمع هذا المدح للأسف الشديد ولن يهمه التكريم ولا التأبين, أو الشكر الذي لم ينله في حياته، ومات حسيراً كسير النفس, وهو يرى (الجحود) ماثلاً في كل شخص ينظر اليه وكل شئ حوله! الكل يعرف ان الموت قدر ومصير وشئ لا بد منه طال الزمن ام قصر. فمن الغباء أن تقول لشخص إنك لن تشكره ولن تعترف بفضله ولن تكرمه إلا بعد أن يموت، ولا يكون بمقدوره أن يستمع اليك!! *وحتى لو كان قادراً على السمع, فما الفائدة أن تقول له كلمات, لا تعرف إن كان يسمعها أو لا, ثم إنه لا يستطيع الرد عليك! *لماذا لا نتمنى له طول العمر, ونسمعه كلمات الشكر, ونعترف بفضله, وهو (حي) يسمع ويرى ويتفاعل.. ليكتشف كم نحبه ونحترمه ونقدر ما فعله, وكم ندين له بالفضل, وعندما يموت يذهب وهو سعيد ومسرور.. باحترامنا وتقديرنا له, واعترافنا بفضله, بدلاً عن الذهاب وهو حسير كسير النفس, واجف القلب, دامع العينين, بسبب النكران الذي قابلنا به أفضاله وجمائله؟! نعم نتمنى له طول العمر, ونسمعه كلمات الشكر والعرفان بالجميل في حياته, ونيسر له سبل الحياة الكريمة, ونجعل تجربته (منارة) للاجيال القادمة, وعندما يموت ويذهب, نذكر محاسنه! *ولكن لأننا استمرأنا تلك العبارة الغبية, التي تقدح ولا تمدح, وأحببنا الجحود ونكران الجميل, والسكوت عن شكر الأحياء, والتسابق في شكر الاموات, غادرنا الكثيرون ونفوسهم تمتلئ بالحسرة والأسى, ولم نتعلم نحن شيئاً من تجاربهم الثرة ومما قدموه له وظللنا ننعم بالجهل والتخلف والتشرذم ونكران الجميل!! *أين هي التجارب والعبقريات التي سكبها عباقرة كثر في حياتنا... وماذا استفدنا منها غير أنها كانت مجرد عناوين وكلمات في برقيات التعازي ومقالات الرثاء التي تسابقنا اليها؟! *سألني ابني طالب الجامعة عندما سمع أن الطيب صالح توفي (من هو الطيب صالح؟)! *أيها الأديب الكبير.. إنني أعتذر لك عن جهل ابني, أو في الحقيقة عن (جحودي) وجحود مجتمعي وأهلي ووطني, الذي جعل ابني لا يعرف من انت, ويجهل الجميل الذي طوقت به اعناقنا ولكن هل تسمعني؟! *يا أهل السودان جاء يوم شكر الطيب صالح, فهبوا لشكره, كما يأمركم بذلك.. ذلك (الغبي)؟!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
وداعاً أيها الطيب الصالح
كتب: توفيق التميمي الان انتهت هجرة الفتى الاسمر الطيب صالح في الاتجاهات المتعاكسة مابين شمال مضيء بالملذات والانبهار وجنوب مطفأ بالفقر والبؤس والهزائم. وصل الطيب صالح الى نهاية المطاف في هجرته الاخيرة ليصطف مع سلسلة ذهبية سبقته الى هناك حيث (لوعة الغياب). تستقبل عبقريا جديدا من عباقرتها الافذاذ وأحد صناع المسرات والجمال في تاريخ الرواية العربية المعاصرة وواحد من العلامات الفارقة في تاريخ السودان المعاصر، ليس بين شواخصها الابداعية فحسب بل في كل مثاباتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على امتداد القرن السابق، حيث نجح الطيب الصالح بايجاد حلقة الندية المفقودة في الحوار اللامتكافئ بين الشرق والغرب. احد ابرز اسرار المعاجز الابداعية في حياة الطيب الصالح ومشروعه الروائي الخطير ذلك السعي المبكر وعلى طريقته الخاصة للوصول الى بقعة آمنة لم يبلغها من قبله توفيق الحكيم في (عصفور الشرق) والشاب البوهيمي سهيل ادريس في زوايا اللذة والتيه في (الحي اللاتيني) فيبلغها بطله الاثير في ذاكرتنا (مصطفى سعيد) ذلك الذي مازال ما ثلا حتى اللحظة وهو يلوح لنا نحن المتفرجين على هزائمنا وانكساراتنا بلا حول او قوة.. مازال يلوح ويصرخ بالنجدة.. النجدة ولم نسعفه ولم نسعف انفسنا من الغرق واهدار كل مدخرات البطولة والاعتزاز فضاعت في خضم الامواج المتلاطمة سجادته الشرقية واوانيه القروية وتعاويذ اجداده السمر في اول لقاء مباغت مع العالم الاخر بأضوائه ومباذخه واستفزازته. ظل (مصطفى سعيد) يجوب مسارات التيه دون ان يفلح كما الذين سبقوه في توحيد الامكنة والارواح البشرية باختلاف الوانها ولغاتها على بقعة آمنة من الورق الابيض ليترك العالم في لحظة محتقنة من الصراعات والاحترابات المحتملة بين هذه الالوان واللغات، تجهض احلام الرواة المبدعين وتصالح نبوءات الساسة وجنرالات الحروب. على عتبات موسم هجرته الاخيرة لا يسعني الا ان اتذكر الفرق الحاصل بين موت واخر، موت الطيب صالح هو من نوع الموت الذي يضرب عميقا في لوعته ويفجر في الذاكرة ينابيع من الجمال وفيوضات من العطاء تمتد في الروح وتتقمص الذاكرة الجمعية لجيل كامل اعطاه الروائي دروسا مهمة على ندرتها في الحصول على المجد والقبض على ناصيته ليس بقطار الموهبة وحدها بل بالمثابرة الجدية لتطوير هذه الموهبة والمرابطة في مسقط الراس وحمله كامانة على عاتق الموهبة وذمة الابداع. ما فعله العبقري الطيب صالح ذلك الفتى الاسمر قبل ان يلملم اوراقه الاخيرة في بدايات حفلة الكون الالكترونية الصاخبة الجديدة وفي زمن سطوة الايقونات الزرقاء هو الزهو بعمامته القروية وهو يخطو في شوارع سوهو ويعتلي منصات اكسفورد ليتكلم بلغات الغرب عن طعم طين قريته السودانية دون ان يخامره اي شعور بالدونية او بالتفوق الوهمي. ولهذا خسر السودان ابنه البار الذي حمل تعويذتها وهو يفتح طلاسم ضباب مدينة الحرية والصخب والعطايا. والعزاء في هذه الخسارة ذلك اليقين الذي ستتكفل به بقايا روايات الطيب صالح المتالقة على رفوف المكتبات العربية والعالمية بصناعة مجد لن يمحى بسهولة يوفر لاسمه حصانة ضد النسيان يتسرب من مسالك الكلمات وسيولة الحبر الممزوج برائحة عرق الفلاح السوداني وايقاع اغنية أفريقية الطعم تنساب من فجر قروي لايستشعر نكهته الا من تقمص تاريخ بلاده وعذاباتها واشعار اهلها المنسيين والتي نهلت منها عبقرية الروائي (عرس الزين) و(ودومة ود حامد). وبقية الروايات الشحيحة التي ترجمت عبقريته بسطوع وخلفت وراءها سلسلة من الاسئلة المربكة تتــــراوح بالحيرة وتنتظر الاجابات المستعصية ما بين مسالك الهجرات المتعاكسة التي لن تتـوقف بعد غيابه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
طبت أبا زينب في مرقدك المدثَّر بالمحبَّة 93 (1) هذا مقام لا يصلح له إلا الصمت. وإن كان لا بد من حديث مودع مفطور الفؤاد، فليكن همساً كانسراب النيل قبالة العفاض وكرمكول وأم دويمة وبربر. فلمثل هذا اليوم خلق الصمت الدامع. ولمثله أيضاً كانت القوافي وكل أحابيل البلاغة. (2) كان صباح يوم جمعة: أذكر ذلك جيداً، فقد كنت في طريقي إلى المسجد. كنت تابعت على القناة السودانية مشاهد عودة سامي الحاج إلى وطنه وسمعته يحكي للرئيس السوداني عمر البشير تفاصيل رؤيا رآها معتقل عربي في غوانتامو عن قبر قيل له إنه لوالد الطيب صالح -رحمهما الله- وإن بركات كثيرة ستفيض على السودان من صاحب ذلك القبر المشهود بصلاحه كما قيل لصاحب الرؤيا في منامه. هاتفت الطيب لأبلغه هذه الحكاية الغريبة، فكان أول قوله: هذا كل ما أحتاجه، أن يصبح اسمي متداولاً في غوانتامو فيظن بي القوم الظنون! (3) ضحكنا طويلاً ثم غلبت النزعة الصوفية على الطيب فانتقل الحديث إلى رؤيا غريبة رآها هو ذات ليلة في الجنادرية، كانت أشبه بمقطع من روايته «ضو البيت»، كتب عنها في مجلة «المجلة» يقول: «رأيت فيما يرى النائم أنني في أرض خلاء في المدينة المنورة. لم تكن المدينة المنورة كما أعرفها. وإذا شجرة ضخمة كأنها شجرة زيتون عظيمة الجذع، ممتدة الفروع متدلية الأغصان، وإذا عرق من عروقها ظاهر فوق الأرض، منتفخ في شكل بيضاوي، عليه بياض كأنه الجير، وإذا صوت يهتف بي: -هذا قبر الرسول صلى الله عليه وسلم-. عجبت أن الرسول مدفون في أصل شجرة. ثم إذا أنا في الحرم النبوي في الروضة الشريفة كما أعرفها إلا أن الضريح كان في موضع المنبر». ثم ينتقل المشهد في ما يشبه السريالية إلى لندن أيام شبابه ثم القاهرة. (4) كشف لي الطيب حينها أن المجلة حذفت مقاطع مهمة من روايته عن الرؤيا مما أفقدها معناها، واستخلصت منه وعداً بأن يسمعني الرواية كاملة عند أول لقاء لنا. جاء ذلك اللقاء بعد فترة قصيرة في منزل الراحل الكريم محمد الحسن أحمد، ودار الحديث مرة أخرى عن رؤيا غوانتنامو، ولكننا لم نخلص إلى الحديث عن رؤيا الجنادرية. فكان ذلك آخر العهد بهما مثلما كانت تلك آخر محادثة هاتفية. (5) التقيت الطيب عليه من الله شامل الرحمة لأول مرة قبل أكثر من عقدين من الزمان حين دعاني عبر الصديق محمد ابراهيم الشوش لتناول شاي العصر في أحد فنادق بيكاديلي العريقة في قلب لندن، وقد كان هذا طرفاً من كرمه المعهود وإكراماً لصديقة الشوش الذي زكاني عنده، إذ لم تكن بيننا معرفة سابقة. ولكن من يلتقي الطيب مرة تكفيه. (6) لم تذهب معارضته للحكومة التي كنت أمثلها في لندن وقتها شيئاً من الود بيننا، بل بالعكس، تكثفت لقاءاتنا وحواراتنا في تلك الفترة، وازددت به معرفة ومنه قرباً. وقد أشار إليَّ حين أورد مقولته التي ذهبت مثلاً عن عقلاء النظام ومجانينه وذلك عندما عتب عليه الأخ حسن مكي في ندوة امبريال كوليدج لغيابه الطويل عن السودان فقال إن فلاناً ظل يغريني بالزيارة فقلت له أخشى أن أقع في قبضة مجانين النظام فلا يدركني عقلاؤهم إلا بعد فوات الأوان. (7) بدوره ظل الطيب يغريني بورود أصيلة، تلك الواحة الثقافية الوارفة الظلال على شاطئ الأطلسي، وقد عاتبني في إحدى المرات لأنني بعد أن قبلت الدعوة ووصلت التذاكر اخترت السفر إلى القرن الافريقي للقاء قادة تلك البلاد في سعينا المحموم لتقريب السلام من بلادنا، فقال: تستبدلون الذي أدنى بالذي هو خير؟ وقد عرفت تماماً ما كان يعني حين حطت رحالي في أصيلة بعد قرابة عقد من الزمان، فسعدت لأكثر من أسبوع بصحبته والأخ الكريم محمود عثمان صالح، فلم يكن هناك أقرب إلى فردوس أرضي للعقل والنفس والروح من تلك المرابع سقاها الله، خاصة في صحبة الطيب ومحمود! (8) في أي مكان حل كان الطيب يشع محبة وسخاء نفس فلا يملك من يخالطه إلا أن يحبه. وقد كانت له مع ذلك حلقة من الأصفياء يسعد بقربهم، كان منهم في لندن محمد الحسن أحمد وحسن تاج السر وبونا ملوال، ثم انضم إليهم مؤخراً خالد فتح الرحمن. وقد أكرموني بغير استحقاق بالدعوة إلى كثير من مجالسهم التي تشبه واحة إنسانية وثقافية تحفظ من أصالة السودان عبقاً لا أخاله أصبح موجوداً حتى في داخل الوطن. لهذا فإن فقد الطيب بعد محمد الحسن خلال أشهر هو خسارة شخصية قبل أن تكون خسارة لأديب مرموق ورمز شرف به السودان وحق له. (9) هناك أدباء وشعراء ومبدعون كثر يبهر المرء انتاجهم حتى إذا لقيهم تمنى لو لم يفعل. ولكن الطيب رحمه الله كان نسيج وحده لأنه كان يأسر بإنسانيته قبل أن يبهر بموهبته. فقد جسد في شخصه أجمل ما محبوب في السودان وأهله من نبل وكرم وتواضع وإيثار وبعد عن التكلّف. فلم يكن فقط سفير السودان الأول كما قيل، بل كان السودان، كما يحب السودان أن يعرف، ماشياً على قدمين. (10) في حياته كتب الطيب مراثي كثيرة لأحبة رحلوا: شعراء وأدباء وكتاب ومشاهير. ولعل رائعته عن أكرم صالح تعتبر تحفة أدبية تستحق مقام أفضل رواياته. ولكن من أبلغ ما كتب كان رثاؤه لتاج السر محمد نور «أخي وصديقي، ابن عمتي وصهري من بقية النفر الأبرار الذين مشوا على الأرض هوناً، ونادتهم الحياة ونادوها بلسان المحبة». يقول الطيب في تلك المرثية: «ما أوسع الحزن وما أضيق الكلمات.. ألا يعزيك أنه رحل عن الدنيا قرير العين راضي النفس.. كان ذاهباً إلى لقاء ربه في صلاة الجمعة، مقبلاً إليه بكليته، على أهبة الاستعداد للسفر». (11) هذه المقولة تصلح كذلك لرثاء الطيب عليه شآبيب الرحمة، ومعها مقولة الطاهر ود الرواسي (أحد شخصيات رواية «ضو البيت» عن ما ورثه عن أمه من محبة: «ويوم الحساب، يوم يقف الناس بين يدي ذي العزة والجلال، شايلين صلاتهم وزكاتهم وحجهم وصيامهم وهجودهم وسجودهم، سوف أقول: يا صاحب الجلال والجبروت، عبدك المسكين، الطاهر ود بلال، ولد حواء بت العريبي، يقف بين يديك خالي الجراب مقطع الأسباب، ما عنده شيء يضعه في ميزان عدلك سوى المحبة». (12) اللهم إنا نشهد أن عبدك أبا زينب الطيب قد أفاض على خلقك من المحبّة والرحمة والود ما ألّف حوله القلوب، اللهم فأوجب له الجنة كما حدث رسولك عليه صلواتك وسلامك في من شهد له الناس بالخير، وأجمعنا وإياه ومن نحب في أعلى الفراديس عطاء بغير حساب، ومغفرة لا تغادر ذنباً، فقد كان في عفوك طامعاً، ونحن كذلك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
كتب عبد الوهاب الافندي
[Quote: B]طبت أبا زينب في مرقدك المدثَّر بالمحبَّة
93 (1) هذا مقام لا يصلح له إلا الصمت. وإن كان لا بد من حديث مودع مفطور الفؤاد، فليكن همساً كانسراب النيل قبالة العفاض وكرمكول وأم دويمة وبربر. فلمثل هذا اليوم خلق الصمت الدامع. ولمثله أيضاً كانت القوافي وكل أحابيل البلاغة. (2) كان صباح يوم جمعة: أذكر ذلك جيداً، فقد كنت في طريقي إلى المسجد. كنت تابعت على القناة السودانية مشاهد عودة سامي الحاج إلى وطنه وسمعته يحكي للرئيس السوداني عمر البشير تفاصيل رؤيا رآها معتقل عربي في غوانتامو عن قبر قيل له إنه لوالد الطيب صالح -رحمهما الله- وإن بركات كثيرة ستفيض على السودان من صاحب ذلك القبر المشهود بصلاحه كما قيل لصاحب الرؤيا في منامه. هاتفت الطيب لأبلغه هذه الحكاية الغريبة، فكان أول قوله: هذا كل ما أحتاجه، أن يصبح اسمي متداولاً في غوانتامو فيظن بي القوم الظنون! (3) ضحكنا طويلاً ثم غلبت النزعة الصوفية على الطيب فانتقل الحديث إلى رؤيا غريبة رآها هو ذات ليلة في الجنادرية، كانت أشبه بمقطع من روايته «ضو البيت»، كتب عنها في مجلة «المجلة» يقول: «رأيت فيما يرى النائم أنني في أرض خلاء في المدينة المنورة. لم تكن المدينة المنورة كما أعرفها. وإذا شجرة ضخمة كأنها شجرة زيتون عظيمة الجذع، ممتدة الفروع متدلية الأغصان، وإذا عرق من عروقها ظاهر فوق الأرض، منتفخ في شكل بيضاوي، عليه بياض كأنه الجير، وإذا صوت يهتف بي: -هذا قبر الرسول صلى الله عليه وسلم-. عجبت أن الرسول مدفون في أصل شجرة. ثم إذا أنا في الحرم النبوي في الروضة الشريفة كما أعرفها إلا أن الضريح كان في موضع المنبر». ثم ينتقل المشهد في ما يشبه السريالية إلى لندن أيام شبابه ثم القاهرة. (4) كشف لي الطيب حينها أن المجلة حذفت مقاطع مهمة من روايته عن الرؤيا مما أفقدها معناها، واستخلصت منه وعداً بأن يسمعني الرواية كاملة عند أول لقاء لنا. جاء ذلك اللقاء بعد فترة قصيرة في منزل الراحل الكريم محمد الحسن أحمد، ودار الحديث مرة أخرى عن رؤيا غوانتنامو، ولكننا لم نخلص إلى الحديث عن رؤيا الجنادرية. فكان ذلك آخر العهد بهما مثلما كانت تلك آخر محادثة هاتفية. (5) التقيت الطيب عليه من الله شامل الرحمة لأول مرة قبل أكثر من عقدين من الزمان حين دعاني عبر الصديق محمد ابراهيم الشوش لتناول شاي العصر في أحد فنادق بيكاديلي العريقة في قلب لندن، وقد كان هذا طرفاً من كرمه المعهود وإكراماً لصديقة الشوش الذي زكاني عنده، إذ لم تكن بيننا معرفة سابقة. ولكن من يلتقي الطيب مرة تكفيه. (6) لم تذهب معارضته للحكومة التي كنت أمثلها في لندن وقتها شيئاً من الود بيننا، بل بالعكس، تكثفت لقاءاتنا وحواراتنا في تلك الفترة، وازددت به معرفة ومنه قرباً. وقد أشار إليَّ حين أورد مقولته التي ذهبت مثلاً عن عقلاء النظام ومجانينه وذلك عندما عتب عليه الأخ حسن مكي في ندوة امبريال كوليدج لغيابه الطويل عن السودان فقال إن فلاناً ظل يغريني بالزيارة فقلت له أخشى أن أقع في قبضة مجانين النظام فلا يدركني عقلاؤهم إلا بعد فوات الأوان. (7) بدوره ظل الطيب يغريني بورود أصيلة، تلك الواحة الثقافية الوارفة الظلال على شاطئ الأطلسي، وقد عاتبني في إحدى المرات لأنني بعد أن قبلت الدعوة ووصلت التذاكر اخترت السفر إلى القرن الافريقي للقاء قادة تلك البلاد في سعينا المحموم لتقريب السلام من بلادنا، فقال: تستبدلون الذي أدنى بالذي هو خير؟ وقد عرفت تماماً ما كان يعني حين حطت رحالي في أصيلة بعد قرابة عقد من الزمان، فسعدت لأكثر من أسبوع بصحبته والأخ الكريم محمود عثمان صالح، فلم يكن هناك أقرب إلى فردوس أرضي للعقل والنفس والروح من تلك المرابع سقاها الله، خاصة في صحبة الطيب ومحمود! (8) في أي مكان حل كان الطيب يشع محبة وسخاء نفس فلا يملك من يخالطه إلا أن يحبه. وقد كانت له مع ذلك حلقة من الأصفياء يسعد بقربهم، كان منهم في لندن محمد الحسن أحمد وحسن تاج السر وبونا ملوال، ثم انضم إليهم مؤخراً خالد فتح الرحمن. وقد أكرموني بغير استحقاق بالدعوة إلى كثير من مجالسهم التي تشبه واحة إنسانية وثقافية تحفظ من أصالة السودان عبقاً لا أخاله أصبح موجوداً حتى في داخل الوطن. لهذا فإن فقد الطيب بعد محمد الحسن خلال أشهر هو خسارة شخصية قبل أن تكون خسارة لأديب مرموق ورمز شرف به السودان وحق له. (9) هناك أدباء وشعراء ومبدعون كثر يبهر المرء انتاجهم حتى إذا لقيهم تمنى لو لم يفعل. ولكن الطيب رحمه الله كان نسيج وحده لأنه كان يأسر بإنسانيته قبل أن يبهر بموهبته. فقد جسد في شخصه أجمل ما محبوب في السودان وأهله من نبل وكرم وتواضع وإيثار وبعد عن التكلّف. فلم يكن فقط سفير السودان الأول كما قيل، بل كان السودان، كما يحب السودان أن يعرف، ماشياً على قدمين. (10) في حياته كتب الطيب مراثي كثيرة لأحبة رحلوا: شعراء وأدباء وكتاب ومشاهير. ولعل رائعته عن أكرم صالح تعتبر تحفة أدبية تستحق مقام أفضل رواياته. ولكن من أبلغ ما كتب كان رثاؤه لتاج السر محمد نور «أخي وصديقي، ابن عمتي وصهري من بقية النفر الأبرار الذين مشوا على الأرض هوناً، ونادتهم الحياة ونادوها بلسان المحبة». يقول الطيب في تلك المرثية: «ما أوسع الحزن وما أضيق الكلمات.. ألا يعزيك أنه رحل عن الدنيا قرير العين راضي النفس.. كان ذاهباً إلى لقاء ربه في صلاة الجمعة، مقبلاً إليه بكليته، على أهبة الاستعداد للسفر». (11) هذه المقولة تصلح كذلك لرثاء الطيب عليه شآبيب الرحمة، ومعها مقولة الطاهر ود الرواسي (أحد شخصيات رواية «ضو البيت» عن ما ورثه عن أمه من محبة: «ويوم الحساب، يوم يقف الناس بين يدي ذي العزة والجلال، شايلين صلاتهم وزكاتهم وحجهم وصيامهم وهجودهم وسجودهم، سوف أقول: يا صاحب الجلال والجبروت، عبدك المسكين، الطاهر ود بلال، ولد حواء بت العريبي، يقف بين يديك خالي الجراب مقطع الأسباب، ما عنده شيء يضعه في ميزان عدلك سوى المحبة». (12) اللهم إنا نشهد أن عبدك أبا زينب الطيب قد أفاض على خلقك من المحبّة والرحمة والود ما ألّف حوله القلوب، اللهم فأوجب له الجنة كما حدث رسولك عليه صلواتك وسلامك في من شهد له الناس بالخير، وأجمعنا وإياه ومن نحب في أعلى الفراديس عطاء بغير حساب، ومغفرة لا تغادر ذنباً، فقد كان في عفوك طامعاً، ونحن كذلك. |
شكرا الافندي إن في صمتك حديثاً
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
فى وداع المريود والحزن عليه ... بقلم: د. على حمد إبراهيم السبت, 21 فبراير 2009 22:11
[email protected] أغالب حزنى اليوم ،واكتب اسطرا متأملة عن فقيد الأمة العربية ، وفقيد الامم القارئة ، الطيب صالح ، المريود ، الذى تشابى فى حدقات كل العيون، وتماهى فى حنايا كل القلوب ، قلوب الملايين من البشر. وأمسحع عبرة ساخنة من عينى ، واردد مع قسيس مصطفى سعيد :"كلنا يابنىّ نسافر لوحدنا فى نهاية الامر". قالها المريود الطيب صالح على لسان القسيس المؤمن فى تذكير مبكر بالرحلة الابدية التى تنتظرنا جميعا . تلك الرحلة التى لا رفيق فيها ولا أنيس فى الطريق الموحش الطويل ، ولا يعين عليها الا عمل صالح هنا وهناك نجده مدخورا لنا فى اليوم الحار . اكتب صفحة من الحزن العام فى هذا الصبح الحزين ، صبح الاربعاء ، الثامن عشر من فبراير من عام 2009 بالتحديد. وليكتب التاريخ معى أنه فى هذا الصبح الحزين زفر المريودأنفاسه الدفيقة . وغادر عالمنا الارضى الذى كم آنس سماره فى مقيل و فى سمر . و سافر لوحده . وترك من خلفه الملايين التى تشبث وجدانها بوجدانه ، وغاص فى جوانحها كما يغوص الصدف الثمين فى المحار. سافر لوحده كما هو محتم منذ الازل . وترك لنا غصة فى الحلق. وترك لنا كذلك مصطفى سعيد، نتجادل فى شأنه منبتين ، لا نكاد نقطع ارضا ، او نبقى ظهرا. وتركنا مع حزن مقيم ، لم نتبين بعد إن كان المريود فى يوم رحيله الباكر قد اخذ معه كل اشيائه الاثيرة التى كان يضن بها على الوجود من حوله : محبرته المدرارة. ، وقلمه الشفيف ، وقرطاسه الصقيل ، ونظارته التى تلقط الاخاييل من سطح المريخ مثل عين زرقاء اليمامة تلتقط الاخاييل من وراء الاكمات الداكنة. فما جدواها وقد زايل الروض العندليب الذى كان يحرك سواكن المشاعر ، ويحرك القلوب التى فى الصدور. ويسأل الناس ماخوذين بالفجيعة : هل وجد المريود زمنا او وقتا يلقى فيه نظرة الوداع الاخيرة على العالم الصغير الذى حمله فى قلبه الكبير هما وغما وأملا ورجاءا . ذلك العالم المنطرح على وجه البسيطة بلا مبالاة كأن الناس فيه لم يألفوا كدر الايام وقسوتها فى يوم من الايام. ينعكس ذلك فى أنسهم الدائم وحكاياتهم السرمدية فى " الفارغة والمقدودة". ذلك العالم الذى كان يحن اليه المريود ويعشقه وهو فى منفاه البعيد خلف المحيطات الفاجرة والمسافات المستحيلة. أليس هو من أبلغ عن شوقه العظيم الى ذلك العالم الذى يتمدد فى تلك القرية الصغيرة المنطرحة عند منحنى النيل ، الذى فرح الناس فيه وضجوا من حوله يوم جاءهم بعد اغتراب طويل . ولم يمض وقت طويل حتى احس كأن ثلجا قد ذاب فى دخيلته. لقد اعطاه ذلك العالم دفئ الحياة الذى افتقده فى البلاد التى تموت من البرد حيتانها كما قال. وذلك وصف يطرب النفس المتأملة. فاذا كان برد ذلك العالم يقتل حيتانه المخلوقة لبيئة البرد اساسا ، فما بالك بالمريود القادم من صحراء القرية المنطرحة عند منحنى النيل . * " استيقظت فى فراشى ، وارخيت اذنى للريح . ذاك لعمرى صوت اعرفه. سمعت هديل القمرى ، ونظرت الى النخلة القائمة فى فناء دارنا ، فعلمت أن الحياة ما زالت بخير . انظر الى جذعها القوى المعتدل، والى عروقها الضاربة فى الاض ، والى الجريد الاخضر المنهدل فوق هامتها فأحس بالطمأنينة. أحس بأننى لست ريشة فى مهب الريح.ولكنى مثل تلك النخلة مخلوق له أصل، له جذور ، له هدف. :" اريد أن آخذ حقى من الحياة عنوة ، و ان اعطى بسخاء. و ان يفيض الحب من قلبى ، فينبع ويثمر. ثمة آفاق كثيرة لابد ان تزار .و ثمة ثمار يجب أن تقطف . و ثمة صفحات بيضاء فى سجل العمر، ساكتب فيها جملا واضحة وبخط جرئ . فانا لست حجرا يلقى فى الماء ، لكننى بذرة تبذر فى الحقل ." هذا العالم المفتول بالدهشة والبساطة والقوة صعب عليه أن يلقى نظرة الوداع الاخيرة على المريود فى جوار جده البكرى. هل استوفى المريود حقوقه كاملة فى هذا العالم كما كان يريد. ذلك العالم الذى انداح فيه كما ينداح النسيم السيار بين الخمائل فيحرك اغصانها وفروعها. و هل بقى فى مقدور المريود ان يعطى اكثر مما اعطى لعالمه الكبير. لقدأعطى سمار "اصيلة" عبق الجروف كله فما ابقى ، وافاض دعاش الشفق الساجى على "الجنادرية" فما اقتصد. وكتب بخط جرئ على كل الصفحات ، فاوغر صدر الابداع حتى فاض منه مداد الخلود فى بندر شاه ، وفى عرس الزين ، وفى ضو البيت ، وفى النخلة الحانية عند الجدول.وقطعا فى موسم الهجرة الى الشمال الذى بزغ فيه فجر خلوده الادبى، وغادر فيه دار الغرور الى دار الحلود . ومثلما قال المريود كأنه يحدث عن نفسه : لم يكن حجرا يلقى فى البرك الساكنة فيغوص فى عتمات السكون والظلمات والنسيان. ولكنه كان محارا من صدف جميل متى القى فى البرك الساكنة ، ماجت وهجا وشعاعا . لقد ساح المريود فى العالم الأول ، وانداح فيه حتى ظن أنه لن يعود منه الى عالمه الصغير الذى عرفه وهو بعد صبى تربال . ولكنه عاد على أى حال . تماما مثلما ساح مصطفى سعيد فى الارجاء ثم عاد الى تلك القرية المنطرحة عند منحنى النيل ، التى يتصايح فيها الناس عند الفجر والديوك. يسألك الناس : لماذا صنع المريود مصطفى سعيد بذلك الحجم من التعقيد. هل كان يريد أن يعطينا حصة فى ثقافات شعوب ما وراء البحار وترهاتها. ام فعل ذلك تأسيا بعادة الناس فى قريته الناعسة عند منحنى النيل. وقدرتهم على الحكى . فالناس هناك يحكون ويحكون ويحكون حتى يظن جليسهم أن ليس هناك صنعة غير الحكى فى عالم القرية الساجية عند منحنى النيل. ففى تلك البيئة الريفية يحكى الناس من صباح الرحمن وحتى مسائه، لا يفترون . ليس هناك اعمالا يؤدونها ، فتشغلهم عن الحكى. و هذه الفروق التى وجدها المريود بين عالم جده فى القرية الوادعة المنطرحة عند منحنى النيل . وعالم جين مورس فى البلاد التى تموت من البرد حيتانها ، قد حفزته لتجويد صناعة الحكى التى الفها فى محيطه القديم ، وزادته قوة للتماهى فيه . ام أنه أراد أن يستعرض ثقافاته الجديدة التى حصل عليها فى عوالم ما وراء البحار فى غفلة من أهله الماكثون على قديمهم الباقى فى قريتهم الناعسة عند منحنى النيل . وفى غفلة كذلك من أهل تلك العوالم فى دأبهم اليومى المفرط. ربما هذا . وربما ذاك . ولكنه صنع، على أية حال ، اسطورة استعصت على فهم الناس . و دفق عليها من ثقافاته الدراسية مدادا كثيرا ، حتى استوت عالما من غموض كثيف . وقد احاطها بكل ذلك الكم المعرفى المتنوع . فقد عرفها بعوالم جديدة : عرفها بعالم باخ ، وعالم كيتس، وعالم مارك توين . و فلسف لها الحديث عن عوالم جين مورس . وفتيات جيش الخلاص. وجمعيات الكويكرز . ومجتمعات الفابيانيين، وحزب الاحرار .وحزب العمال . وحزب المحافظين . لغريب فى الامر حقا أن أهله فى تلك القرية الناعسة عند منحنى النيل استطاعوا أن يفهموا هذه الالغاز دون عناء . وقالوا لابأس من أن يستعرض فتاهم عضلاته الثقافية ، وقوته التعليمية . او أن يتماهى بما حصد من صنوف المعرفة. المهم أنه نجح فى الهاء الناس بما صنع ، وشحذ هممهم ، ودعاهم الى دائرة التفكير فى شئ جديد . ولكن هل كان مصطفى سعيد فى حقيقته ، شخصية معقدة تستعصى على الفهم. البعض يقول نعم . ويدلق فى ذلك حبرا كثيرا. آخرون يقولون لا . وبذات القدر او اكثر يدلقون حبرا كثيرا . كاتب هذه السطور ، و هو من قبيلة الوراقين ، وعلى طريقة جده القديم ابوحيان التوحيدى ، كان وما زال يغشى اوراق المريودكثيرا . ويعشقه كثيرا . وهو لا يرى أن المريود جعل من مصطفى سعيد شخصية معقدة. بل يرى ان شخصية مصطفى سعيد هى شخصية واضحة وضوحا شديدا . لقدكان مصطفى سعيد ضحية لوجوده فى عالم مرذول اخلاقيا . اخذته الدهشة فى عقالها منذ اللحظة التى دخل فيها الى ذلك العالم الاباحى المفرط . واغرته سهولة الحصول على المجون بثمن بخس ، بعض من علب البيرة الباردة من هنا ، وبعض عشاء من هناك ، ودعوات فورية بلا ترتيب كبير ، من النوع الذى نقول عنه فى بلادنا انها دعوات "مراكبية".بمعنى انها دعوات بلا تخطيط مسبق وترتيب محترم دقيق. وبعدها يحدث كل شئ بسهولة متناهية . ففى مثل جلسات الانس تلك لا يوجد ولى أمر ينتهر من يخرج عن المالوف ، و لا صاحب عصبة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. حتى اذا اصبح صبح القوم الفيتهم مطرقين ومجدوعين على قارعة المكان ، مثل الاباريق الفارغة. مصطفى سعيد قرر أن يهتبل السانحة التى اوجدته فى هذا العالم المنطلق بلا قياد او رسن . وأن ينتقم من الحرمان الذى عاش فيه منذ صباه الباكر. فقد نشأ صبيا يتيما . وكان يتحدث عن كبد العيش مع أم لا تملك من المال اكثر مما يوفر لها القدر القليل من السترة. و فى عالم ما وراء البحار، وجد الحرمان الحقيقى مجسدا امامه بوضوح شديد : لا أب ، ولا ام ، ولا اهل ، ولا عشيرة يركن اليها . ووجد بجانب هذا الواقع سهولة متناهية فى الافلات من ضيقه ومن عزلته- بأن يغوص فى عالمه الجديد هذا و ينسى عالمه القديم فى قريته الوادعة المنطرحة عند منحنى النيل . فقرر أن يفعل الافاعيل . وياحضرة الساجى عند بوابة الرحمن الرحيم ، الرحمة لك ، والخلود ، بما انعمت علينا من فيض عطائك الجزل.والتحية لك والتبجيل ، ويبقى لن التعزى فيك ،والصبر الجميل . ولا حول ولا قوة الا بالله.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
محيميد.. لن يموت النيل ...
بقلم: ضياء الدين بلال السبت, 21 فبراير 2009 21:22
[email protected] هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته بصدق.. فاجأتني عيناي بدمعتين وأنا استمع للـ (بي. بي. سي) بالعربة في طريقي الى مباني الصحيفة. كان الكاتب المصري الرفيع جمال الغيطاني يتحدث عن الراحل الطيب صالح - المصريون دوماً من أكثر المجيدين للتعبير عن المشاعر السلبية والايجابية تجاه الاحياء والأموات - تحدث الغيطاني بحب شفيف. ومعرفة عميقة بالروائي ورواياته، وقال انه تعرف على السودان المجاور لمصر، والمتداخل معها تاريخياً، لا عبر الزيارات. ولكن عبر روايات الطيب صالح. ذلك الرجل الذي أجاد الدكتور عبد الله علي ابراهيم وصفه بأنه «رجل بلا مزاعم».. والغيطاني قال انه درويش عظيم. تسكنه أرواح التصوف. يأتي الى أعظم الافكار عبر أقرب الطرق. وكما هو كاتب بديع هو كذلك متحدث مجيد. لا تستطيع أذن أن تقاوم رغبة الإصغاء لما يقول. فالحكمة تجري على لسانه كما تجري مياه النيل..! الاستاذ محمد ابراهيم نقد.. تجمعني به محبة خالية من الادلجة.. ومحادثات هاتفية - تًسر معنا شركات الاتصالات - اتصل بي ليلتها وقال لي: (كتب علينا ان نستقبل مبدعينا في توابيت من خشب.. علي المك وصلاح أحمد ابراهيم. وأخيراً الطيب صالح.. صلاح رثا علي المك والطيب رثا صلاح فمن يرثي الطيب؟)... قالها نقد وفي صوته أحزان اليسار واليمين..! الدكتور عبد الله قال إن الطيب «رجل بلا مزاعم».. هذا أفضل تلخيص لوصف كاتب باتساع وعمق الطيب صالح، في وطن تتعالى فيه أصوات المزايدات وكل يضيف الى ملامحه وسيرته، ما اتسع له المجال من ادعاءات واوهام. تجد سوقها رائجاً في حواري السقّايين وتجار البخور. الدكتور محمد ابراهيم الشوش من أكثر العارفين وأجود المتحدثين عن الطيب صالح. ذلك بحكم المزاملة والمساكنة ببريطانيا، الى درجة ذهاب البعض الى ان بعض مقومات شخصيات الطيب صالح الروائية لها نصيب من سيرة الشوش اللندنية..! الشوش حكى لنا بمباني مجلة «الخرطوم الجديدة» التي يرأس تحريرها الصديق الطاهر حسن التوم، حكى ذكريات تلك الايام. وألقى وقتها بملاحظة شدّت انتباهنا الى مداه الأقصى..! قال الشوش إن أياماً طوال جمعته في مسكنٍ واحدٍ بالطيب صالح بلندن - في الخمسينات أو الستينات لا أذكر- وأنه - أي الشوش- كان يراقب تصرفات وأفعال الطيب بعينٍ راصدةٍ، تبحث عن التجاوزات والهناّت، التي يوفّرها مناخ لندن البارد لشبابٍ ساخن الدماء..! ورغبة البحث والترصد مصدرها قناعة راسخة لدى الشوش بأن الاستحالة البشرية تقتضي عدم وجود شخص بمثالية الشاب الطيب صالح. لذا ربما أن الرجل له براعة استثنائية في الإخفاء وكتمان الاسرار.. وقال الشوش بعد سنوات طوال اكتشف أمراً خطيراً.. وهو ان الطيب صالح تخلّص من نزواته ورغباته عبر شخوص رواياته ونال مصطفى سعيد النصيب الأوفر.. واحتفظ الطيب لحياته الواقعية بكل هذه المثالية والنقاء..! اكتشاف الشوش هو نقيض ما وصل اليه عبد الرزاق عبد الواحد الشاعر العراقي الشهير، وهو يتحدث في البرنامج الأروع «أيام لها ايقاع» عن صديقه وزميل دراسته الشاعر بدر شاكر السياب.. فقال ان بدر كان في الواقع شخصاً قميئاً كثير المثالب، ولكنه كان حينما يمسك القلم، فارس كلمة لا يشق له غبار..! عبد الرزاق اختصر صديقه في وصف محكم حين قال:(السياب شاعر بالغ الروعة يعصر نفسه بين السطور ولا يبقى منه إلا الوحل).. وبمناسبة (أيام لها إيقاع).. ترى متى يُطلق سراح قلم الأستاذ حسين خوجلي؟!.. فقد رحل الكثيرون من مبدعي السودان وثرواته القومية دون أن يسمح للبارع حسين خوجلي، بأن يضع توقيعه الأنيق على دفاتر أحزانهم.. عندما يكتب حسين عن الطيب صالح سيضطرنا جميعاً للجلوس على مقاعد الجماهير..! الأحزان واحدة.. رحل الطيب صالح قبل أن تتحقّق أمنية ورغبة محيميد. حينما قال: (وقتين طفح الكيل، مشيت لأصحاب الشأن قلت ليهم خلاص. مش عاوز.. رافض.. أدوني حقوقي عاوز أاروّح لي أهلي، دار جدي وأبوي.. أزرع وأحرث زي بقية خلق الله، أشرب الموية من القلة وآكل الكسرة بالويكة الخضرا من الجروف، وارقد على قفاي بالليل في حوش الديوان.. أعاين السما فوق صافية زي العجب والقمر يلهلج زي صحن الفضة.. قلت ليهم عاوز أعود للماضي أيام كان الناس ناس، والزمان زمان)، ولكن محيميد عاد أخيراً محمولاً على تابوت خشبي..!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
الطيب صالح الذي أعرفه ...
بقلم: طلحة جبريل السبت, 21 فبراير 2009 21:53
[email protected] ترددت كثيراً قبل ان أكتب هذا المقال ، فقد وجدت نفسي وسط حالة من الحزن لم اعرفها من قبل، وبدا لي إن الكتابة في هذه الحالة، قد تتحول الى نحيب وبكائيات، وهي حالة لا اريدها لنفسي، او لقاريء يفترض ان يقرأ ما يفيد وليس مشاعر تقلب المواجع. لم أكن اريد أن اكتب ايضاً لان الصور تزاحمت في ذهني ، صور سنوات تراكمت تجر بعضها بعضاً، وفي كل مكان أو زمان هناك حكاية أو بعض حكايات. لذلك أقول صادقاً انني أكتب بمزاج سيء ابحث عن الكلمات ولا تسعفني العبارة. ولم أكن أريد أن أكتب حتى أضع فاصلاً بين ما حدث في العاشرة من ليل الثلاثاء 17 فبراير في احدى غرف مستشفى ويمبلدون، وبين الصور التي راحت تغطي بعضها بعضاً في مخيلتي على مدار الدقيقة إن لم أقل الثانية،غطت الصور على الصور ولم يبق لي سوى اجترار الألم والحزن. ثم أنني لم أكن اريد أن اكتب إذ لم أعرف من أين ابدأ وأين أنتهي. وخلال الفترة الفاصلة بين كتابة هذا المقال وما حدث في غرفة مستشفى ويبملدون، تعرضت لحالة تعذيب نفسي غير مسبوقة. إذ كان علي أن اتحدث لوسائل إعلام متعددة، وفي كل مرة كنت أجد أن دمعة تقفز الى المآقي، اتمنى أن أغلبها لكنها سرعان ما تغلبني. الناس يتحدثون عن "الطيب صالح" الرمز والكاتب والأديب والمبدع والمفكر وعبقري الرواية وصاحب واحد من بين أهم مائة عمل في تاريخ الانسانية، والمواطن الذي رفع اسم وطنه عالياً، لكنني كنت اتحدث عن الطيب صالح الصديق العزيز، الرجل الذي ظل يعطف علي عطفاً خاصاً، الى الحد الذي قال مرة إنه "إبني الروحي" الانسان الذي كانت تهمه جميع تفاصيل حياتي، وكانت آخر وصاياه" لا تبقى في اميركا طويلاً عليك أن تعود الى السودان، حتى لو عدت مزارعاً في شبا، لا تكرر تجارب الآخرين". عندما سمعت الخبر للوهلة الاولى صعقت، وكان بفارق التوقيت بين واشنطن ولندن حالة غروب في العاصمة الاميركية وليل في بريطانيا. قال الصوت من الضفة الاخرى من الاطلسي بنبرات متهدجة ومتعبة " ...توفي قبل قليل". أصبت بالوجوم. لم انطق ولو بكلمة واحدة. بقيت ساهماً لفترة طويلة, غامت عيناي بدموع غلبتني. غرقت في حزن تدافعت امواجه واحدة تلو الاخرى. ثم تحولت تداعياته في كل ساعة بل كل دقيقة إلى سيل متدافع متسارع من الاحزان تتزايد حركتها وتتعالى منذرة بليالي عامرة بالأرق. لا أدري لماذا قفز من بين كل المشاهد مشهداً محدداً. أتصل بي الطيب ذلك النهار في لندن، وقال سننتظرك انا ومحمد الحسن أحمد (عليهما الرحمة) التحق بنا لنذهب جميعاً الى سيداحمد الحردلو. لم اكن التقيت الحردلو من قبل على الرغم من اننا نعرف بعضناً بعضاً. وجدناعنده الدكتور ابوسن وآخرين لم أعد اتذكرهم، بقينا فترة مع الحردلو، ثم خرجنا نتمشى الطيب ومحمد الحسن وانا ، في ذلك اليوم راح يزودني الطيب بنصائح كثيرة ،إذ كنت استعد بعد يومين للسفر الى واشنطن لموقع عمل جديد، وحين لاحظت ان تلك النصائح استثنائية وملفتة وبلا حصر قلت له " يا شيخ الطيب (وكنت هكذا اخاطبه) كأننا لن نلتقي بعد اليوم" رد قائلاً بضحكته المميزة ونبرات صوته العميقة وأسلوبه المتمهل في الحديث " يا شقي الحال (وهكذا اعتاد مخاطبتي) العمر لم تعد فيه بقية" وفي إشارة ملفتة عبر عن رغبة غامضة أن يجد له قبراً في بلد شاسع واسع. لم يكن الطيب يملك متراً مربعاً في البلد الذي اعتاد ان يطلق عليه " الوطن الحبيب اللعين" عاد الي هذا الوطن في نعش وهو لا يملك سوى جواز سفره السوداني. ذهبت الى ذلك الكلام أستعيده واحاول استرجاع ما قاله. وكانت تلك آخر مرة التقي فيها الطيب صالح وجهاً لوجه. أعتدت بعد ذلك ان اتحدث معه هاتفياً، لكن كان مرضه يشتد لذلك اقتصرت مكالماتنا في ايامه الاخيرة على التحية والسلام، كنت افضل الاتصال بزوجته "جولي" لاعرف تفاصيل حالته الصحية ، أو بالصديق محمود عثمان صالح الذي ظل الى جانب الطيب ورافقه في السنوات الاخيرة حتى خلال زياراته خارج بريطانيا. اتسم موقف محمود، وهو سليل اسرة من تلك التي ينطبق عليهم وصف"كرام الناس"، بالمروءة والشهامة، بقى الى جانب الطيب حتى فاضت روحه ورافق جثمانه الى الوطن. قال لي الطيب في آخر مكالمة هاتفية "هل انت بخير" صمت. وكانت تك آخر مرة اسمع فيها صوته. قبل عشرة ايام من رحيله، تحسنت حالة الطيب وشرع في اجراء بعض التمارين الرياضية، وكان يتكلم مع الذين حوله. صحيح بصعوبة لكنه كان يتحدث ويعي تماماً جميع التفاصيل. بيد انه تعرض لبعض المضاعفات بسبب عملية غسيل الكلى وقرر الاطباء ايقاف تناوله للأكل ، وبدات عملية تغذيته بواسطة أنبوب عبر الأنف، لكن المعدة تعرضت كذلك التهاب أعقبه نزيف، ثم ان الأنبوب كان يضايقه لذلك لم يقو على تحمله، وهو ما أدى الى أن يفقد الكثير من وزنه، وحين تضاعف الألم حقن بمخدر للحد من الألم، وقبل يومين من وفاته دخل في غيبوبة كاملة ، وفي العاشرة من ليل الثلاثاء 17فبراير فاضت الروح الى بارئها. لم يتحدث معي الطيب صالح عن الموت الا في مرتين. مرة عندما أكملت كتابي" على الدرب مع الطيب صالح ..ملامح من سيرة ذاتية" عام 1997، عرضت عليه نسخة الكتاب قبل إرسالها الى صحيفة " الحياة" وكنت وقتها عاطلاً عن العمل بعد ان قدمت استقالتي من" الشرق الاوسط" في ابريل عام 1996. ذهبت اليه في لندن ،ومعي نسخة الكتاب كما كتبتها وبعد ثلاثة ايام التقينا، وكان ان قرر حذف مقاطع من الكتاب وفي ظنه انها قد تحرج بعض الناس، ثم قال لي مازحاً " كيف جعلتني اقول كل هذه البلاوي" ثم فاجأني قائلاً "على اية حال هذا هو المخطوط لكن اقترح عليك نشره بعد ان اتوكل على الله وأمضي الى حال سبيلي، وإذا وجد الناس في ما أكتبه وكتبته ما يستحق هذا كاف" كان ردي أن الاعمار بيد الله ولا أعرف من منا سيسبق الآخر. لم يقتنع. لكن عندما قلت له إنني التزمت مع صحيفة " الحياة" وهم سيدفعون مبلغاً معقولاً احتاجه لانني عاطل عن العمل أجاب بحسم " في هذه الحالة لا نقاش". وفي المرة الثانية كنت معه عندما قتل حامد الخواض مدير مكتب اليونسكو في العاصمة الاردنية عمان ، وكان سائقه الفلسطيني، الذي يعاني اضطرابات نفسية، دخل عليه مكتبه واطلق عليه رصاصات أردته قتيلاً، راحت الدموع تبلل وجه الطيب وهو يقول " الموت يبدو غريباً عندما يقترب من دائرتك". أختم بمشهد لا علاقة له بالمشاهد الاخرى. زارني الطيب صالح مرة في الرباط، وكان يجد متعة لا تضاهى في الحديث مع والدتي رحمها الله ووالدي اطال الله عمره. كانت والدتي درست سنة واحدة في المدرسة الاولية في الدبة وهي بلدة الطيب التي ولد وترعرع فيها، وكان يجد متعة حقيقية وهو يتحدث معها عن معالم البلدة في تلك السنوات البعيدة، كما كان والدي يتحدث معه عن ايام الدراسة في مدرسة مروي الاولية حيث درس حتى نهاية تلك المرحلة، وذات مرة طلبت من الطيب تسجيل الحديث بينهم، وهو ما حدث بالفعل, وكانت دردشة مفعمة بالذكريات والمفارقات والطرائف, وعندما ارسلت له نسخة من الشريط ، علق ضاحكاً " هذا افضل ما يمكن نشره" . الآن ماذا أقول؟ كان حظ الطيب صالح موفوراً مع الدنيا والناس وفي مساره ورحلة عمره التقي كثيرين والتقاه كثيرون، ظل يعتقد دائماً ان جميع الناس، كل الناس، طيبين وخيرين تسهل معاشرتهم. كان يرى محاسن الناس لذلك احبه كل من تعرف عليه عن قرب. كل السودان أحب الطيب صالح لانه بشر من طراز نادر. واحب الطيب وطنه حباً منقطع النظير. كان الطيب صالح من أعز أصدقائي...ورحيل صديق من أكبر الفواجع . حزيناً دامعاً أقولها. عن "الاحداث"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
أدباء مصر يبكون الطيب صالح ويقترحون جائزة باسمه القاهرة : اسماء الحسيني ساد الحزن والوجوم الأوساط الثقافية المصرية لخبر وفاة الأديب السودانى الكبير الطيب صالح ،حيث كان يستعد أدباء مصر ومثقفوها لحملة كبيرة لمناصرته من أجل الفوز بجائزة نوبل التى تم ترشيحه لها مؤخرا ،وقد إحتلت صورته وخبر وفاته صدارة الصحف المصرية أمس ،وكتبت صحيفة الأهرام المصرية فى صفحتها الأولى تحت عنوان: (الطيب صالح ينهى «هجرته للشمال»..ويودع الحياة فى شتاء لندن) فى هدوء وصمت ميزا شخصيته ومسيرة حياته رحل عن عالمنا امس الأديب السودانى الكبير الطيب صالح عن عمر يناهز (80عاما)،بعد رحلة حافلة بالعطاء والإبداع ،رحل فى زمهرير شتاء لندن ،ليكتب آخر فصل من فصول هجرته إلى الشمال ،تماما مثل إسم روايته الرائعة «موسم الهجرة إلى الشمال «التى تعد أحد أهم الروايات التى كتبت فى القرن العشرين فى العالم العربى ،هذه الهجرة التى قادت مشاعره وأحاسيسه وخياله إلى الكتابة عن بلده السودان الذى يقبع جنوبا ،يوم أحس بغربة خانقة فى لندن ،التى هاجر إليها للعمل كمذيع بهيئة الإذاعة البريطانية ، فولدت فيه الرغبة فى مد الجسور مع وطنه وعوالمه الأولى بالكتابة عنها ،لعل ذلك يبعث فى نفسه شيئا من الطمأنينة والإحساس بالأمان . وإلى الطيب صالح ينسب الفضل فى تقديم الثقافة والأدب السودانى إلى مختلف أنحاء العالم ،من خلال رواياته ومؤلفاته وكتاباته ،التى ترجم العديد منها إلى عدد من اللغات ،ومن بينها «دومة ود حامد «و»بندر شاه «و»عرس الزين «وغيرها من الأعمال المثيرة للدهشة ،التى قدمت لنماذج وبيئات إنسانية شديدة الخصوصية ،والتى توالى صدورها منذ بدء ظهوره على الساحة الأدبية فى أواخر الخمسينات من القرن الماضى،وقدمها فى مصر بكل حماس الراحلين أحمد بهاء الدين ورجاء النقاش . وتضيف «الأهرام «:هناك إجماع على شخصية الطيب صالح الإنسانية المتفردة ،يقول عنه الكاتب والأديب السودانى الدكتور حسن أبشر الطيب :ماعرفت إنسانا فى حياتى إسمه مثل وصفه مثل الطيب صالح ،فهو طيب إلى منتهى حدود الطيبة ،وصالح تتجسد فيه سمات الشيوخ المتصوفين من عباد الله الصالحين ،وهو ذات الأمر الذى يؤكده الروائى المصرى محمد البساطى ،الذى يقول :إن الطيب صالح تمتع بحب كبير بين المثقفين المصريين بسبب شخصيته الظريفة وتواضعه وبساطته الحقيقية ،فهو أديب بسيط غير متكلف وغير مصنوع ،وأحد الكبار الأفذاذ ،الذين نجحوا فى تصوير مفردات البيئة الشرقية وآمالها من خلال شخصية مصطفى سعيد فى «موسم الهجرة إلى الشمال « وتقول صحيفة» الأهرام «:أدب الطيب صالح مثله مثل أدب نجيب محفوظ ويحيى حقى وغيرهما من الأدباء العظام ،الذين تؤكد أعمالهم فكرة أن المحلية والخصوصية هى التى تقود إلى العالمية ،وليس الإغتراب ومحاولة تقليد الآخرين ،وقد عبر الطيب صالح بصدق كما يقول الروائى المصرى فؤاد قنديل عن سمات البيئة السودانية المحلية ،وكشف عن قيمها ومفرداتها ومعالمها وطقوسها ولهجاتها فى نسق سردى مبهر ،كما كشفت أعماله عن شخصية ثرية غير متعصبة وغير متحجرة ،وقد لاقت روايات الطيب صالح قبولا واسعا فى الغرب كما الشرق ،لما يتمتع به من ثقافة متحضرة تجاه العالم والآخر على حد تعبير الناقد الكبير الدكتور رمسيس عوض . يصف الطيب صالح فى روايته الأخيرة «منسى «بطل الرواية فيقول : فيه خصلتان حميدتان ،حبه للبسطاءوحفاظه للود «ولعله كان يتحدث عن شخصيته هو ،وعن ذلك يقول الناقد الكبير الدكتور سيد البحراوى :إن الطيب صالح إستطاع بقدرة فذة الغوص فى الشخصية السودانية ،وأن يقدم مرآة صادقة عن هموم ومعاناة المجتمع السودانى ،ومعاناة المثقف العربى بشكل أكبر مابين الوطنية والتبعية ،ودعا البحراوى الهيئات الثقافية العربية إلى إعادة طبع أعمال الطيب صالح طبعة شعبية ،حتى تصل إلى الأجيال الجديدة . وفى السودان عم الوجوم والحزن العميق جميع الأوساط ،حزنا على فقد من قدم إلى العالم مصطفى سعيد وود المجدوب وملود وبندر شاه ومنسى وغيرها من الشخصيات التى لاتنسى القادمة من أعماق السودان ،ونعاه الأدباء والمثقفون ورئاسة الجمهورية ،ولازال الجميع فى حالة إنتظار لوصول جثمان الرجل «الأسمر الذى يمتزج خط الإستواء فى دمه باللبن العربى ،الرجل الذى جاء من حيث الأساطير ومياه النيل «على حد وصف الطيب صالح لمصطفى سعيد بطل رائعته «موسم الهجرة إلى الشمال «،وهم الذين كانوا يترقبون فوزه بجائزة نوبل ،التى تم ترشيحه لها مؤخرا. وفى صحيفة الوفد كتبت فى صفحتها الأولى :إن الراحل كان من أبرز مبدعى جيل الستينات ،وأن رواياته «موسم الهجرة إلى الشمال «و»عرس الزين «و»دومة ود حامد « حققت شهرة واسعة وتأثير كبير . أما صحيفة المصرى اليوم فقالت :إنه يقف فى صف واحد مع جبران خليل جبران وطه حسين ونجيب محفوظ ،وله بصمات واضحة فى تقديم الأدب والثقافة السودانية لأنحاء العالم ،من خلال رواياته التى ترجم العديد منها إلى اللغات العالمية . وقال روائيون وشعراء مصريون إن رحيل الأديب السوداني الطيب صالح أفقد الرواية العربية رافدا أساسيا للعالمية والتجديد، وطالبوا بإعادة قراءة أعماله التي أبدعها بالعامية السودانية، واقترح بعضهم إطلاق جائزة باسمه للراوية العربية. رائد التجديد الناقد الدكتور جابر عصفور قال إن الطيب صالح واحد من الأعلام الكبار الذين يتصدرون الصف الأول من إبداع الرواية العربية، وهو مبدع عربي وعالمي في نفس الوقت، ورغم قلة إعماله لكنه ترك أثرا كبيرا في الإنجاز الإبداعي للراوية العربية. وأشار إلى أنه كان أول من فتح أفقا جديدا للرواية القصيرة المحملة بهموم العلاقة بين الشرق والغرب بكل صراعاتها واختلافاتها، ولعل روايته الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال» دليل على عبقريته في تناول هذه العلاقة. وأضاف عصفور أن الأديب الراحل «لم يكن روائيا عربيا وعالميا فحسب، بل كان مثقفا كبيرا وكاتب مقالات من طراز رفيع وكانت له مقالات متميزة في مجلة المجلة وخاصة مقالاته عن المتنبي، التي تصلح لأن تشكل كتابا مستقلا ومتميزا». وأشار الناقد المصري إلى تميز أعمال صالح بالتجديد والتطوير والانفتاحية التي كانت سمة أعماله، وقال «كان روائيا لا يكف عن متابعة الإبداع الجديد في كل المجالات وكان دائما في صف التجديد وخاصة إذا تميز الإبداع بما كان يسميه -رحمه الله- الأصالة التي كان يرى أنها الوجه الآخر من الإبداع». شخصية عذبة الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وصف الطيب صالح بأنه «كان أحد الأعمدة المهمة للرواية العربية» وقال «لقد فقدنا صديقا مقربا وشخصية عذبة لن تتكرر، ولا نعزي أنفسنا فقط أو شعب السودان، وإنما نعزي الأدب العربي والأمة العربية». وأعرب عن حزنه لتوالي رحيل المثقفين العرب الكبار في العامين الأخيرين، وقال «يبدو أننا نفقد القامات الكبيرة في الأدب العربي برحيل محمود درويش ورجاء النقاش والآن الطيب صالح، وغيرهم، لكن عزاءنا في إبداعاتهم التي تركوها لنا والتي يجب أن نحيي فيها سيرتهم وفكرهم». وأوضح الأبنودي أن أعمال الأديب السوداني الراحل غير المعروفة كثيرا للناس مثل «عرس الزين» و»بندر شاه» والتي كتبها بالعامية السودانية، تحمل إبداعا أدبيا لا يقل عن روايته الأشهر «موسم الهجرة إلى الشمال» التي أخذت شهرتها لأنها كتبت بالفصحى. ودعا المثقفين ومحبي الرواية والأدب إلى إعادة قراءة أعمال صالح التي كتبها بالعامية السودانية وتحديدا بلهجة قريته، خاصة وأنها عامية خفيفة غير موغلة في سودانيتها. وأشار الأبنودي إلى تعلق صالح بالشعر، وقال إنه كان كنزا في الشعر، وكان يحفظ معظم أشعار القبائل السودانية، والأشعار العربية، وكان شديد الالتصاق بالمصريين وشعرهم «وكان يقول لي دائما «حذار يا صديقي فإننا نغترف من نفس البئر». وحول آراء البعض بأن الطيب كان يستحق جائزة نوبل في الأدب التي لم ينلها، قال الشاعر المصري الكبير «إن معظم أعمال الطيب تستحق تقييما وتكريما عالميا، فقد أنجز إنجازا فريدا في الرواية العربية رغم قلة أعماله وكان غارقا في التراث العربي لأبعد الحدود فضلا عن اطلاعه على الأدب العالمي». أصلان والبساطي أما الروائي إبراهيم أصلان فأشاد بقيمة الراحل ومكانته، وقال إنه «كان كاتبا صاحب موهبة استثنائية في الأدب العربي وصاحب أعمال إبداعية شديدة الأهمية تجاوزت النخبة في تلقيها إلى رجل الشارع العام». بدوره، قال الروائي محمد البساطي إن الطيب صالح تمتع بحب كبير بين المثقفين المصريين بسبب شخصيته الظريفة وتواضعه وبساطته الحقيقية، فهو أديب بسيط غير متكلف وغير مصنوع. وأشار إلى أن أدب صالح مثله مثل أدب نجيب محفوظ ويحيى حقي وغيرهما من الأدباء العظام الذين تؤكد أعمالهم فكرة أن المحلية والخصوصية هي التي تقود إلى العالمية، وليس الاغتراب ومحاولة تقليد الآخرين.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
أدباء وكتاب مصريون: فقدنا قيمة كبيرة في الأدب العربي
القاهرة: محمد الكفراوي
في القاهرة تلقى الكتاب والأدباء والأوساط الثقافية نبأ رحيل الطيب صالح، بالصدمة والذهول، ووصفوا رحيل صاحب «موسم الهجرة إلى الشمال»، و«دومة ود حامد»، و«عرس الزين»، و«مريود»، وغيرها من الأعمال التي وضعت الأدب السوداني بقوة وجدارة على خريطة الأدب العالمي، بالخسارة الفادحة. لقد كانت القاهرة محطة مهمة وأساسية في مسيرة الطيب صالح، ومثلت له نافذة خصبة، تلونت بها شخوصه، وأطلت على العالم، مفعمة بسحر الأسطورة السودانية والإفريقية.
وقد ارتبط الطيب صالح بعلاقات محبة وطيدة بالعديد من الكتاب والمثقفين المصريين. وتوجت مصر محبتها له بمنحه جائزة «ملتقى القاهرة للرواية العربية» في عام 2005.
عن الطيب صالح، يقول الروائي إدوار الخراط «الطيب صالح علامة من علامات الأدب العربي والعالمي ، وإسهامه في تاريخ الرواية العربية لا يحتاج إلى تنويه أو تقييم، وبرحيله نفتقد علما من أعلام الثقافة الإنسانية». وأكد الخراط أن إنتاج الطيب الأدبي كان مؤثرا بدرجة كبيرة، ليس في الأدب العربي فقط، وإنما في الأدب والثقافة الإنسانية عموما.
أما الروائي إبراهيم أصلان، فقال «إن خبر رحيل الطيب صالح هو خبر حزين ومحزن تماما، فهذه خسارة فادحة لكاتب صاحب موهبة استثنائية ومكانة متميزة ومتفردة بين الأدباء العرب، فضلا عن أنه ـ والكلام لأصلان ـ كان صديقا دافئا، والجلوس إليه كان شيئا ممتعا إلى أقصى الحدود. إنه أحد الكتاب الذين يصعب أن يعوضوا، ولا أعرف هل كان مريضا أم لا، إلا أنه سيظل موجودا معنا طوال الوقت».
وقالت الروائية رضوى عاشور «برحيل الطيب صالح، فقدنا قيمة كبيرة في الأدب العربي الحديث. لقد قدم الطيب صالح عددا من النصوص الروائية المهمة؛ وضعت السودان على خريطة الأدب العربي الحديث بشكل واضح، وكان الطيب مثقفا كبيرا يجمع بين المعارف العصرية وموروث الأدب العربي الكلاسيكي والعالمي، إلى جانب أنه كان إنسانا متواضعا ودمثا وحلو المعشر، ومن ثم أتقدم بالعزاء لقرائه والمثقفين في السودان والعالم العربي كله».
في حين كتب الأديب سعيد الكفراوي رسالة ينعى فيها الأديب الراحل قال فيها «رحل السوداني الطيب.. يرحل الأحبة فتغيب برحيلهم ألفة الوطن.. رحل أحد المؤسسين الكبار لفن الرواية العربية الحديثة.. أذكر في أواخر الستينات حين نشر الراحل رجاء النقاش ـ كلهم رحلوا ـ رواية «موسم الهجرة إلى الشمال»، في القاهرة، كنا في ذلك الوقت نحاول الإسهام في كتابة جديدة، فصدرت الرواية ونبهتنا للقيمة الحقيقية للكتابة، وكشفت عن ثراء الواقع باعتباره المادة الأولى للفن. صحبني «مصطفى سعيد، وود مجدوب، وضو البيت، وبندر شاه، ومريود»، أهم شخصيات رواياته، وقادوني إلى اكتشاف ما يوازيهم في واقعي المصري الذي لا يختلف كثيرا عن الواقع السوداني».
ويضيف الكفراوي «إن الطيب صالح إلى جانب موهبته الفطرية الكبيرة كان إنسانا لا يُنسى، كان أحد البهاليل الذين تفتقدهم بمجرد أن يغادروك، وكانت علاقته بالدنيا وبالناس علاقة تقوم على التقدير والاحترام، بعيدا عما هو شخصي.
وكانت تربطني بالطيب صالح علاقة قوية، بالرغم من قلة لقاءاتنا، وأذكر أنني رافقته في مهرجان الجنادرية السعودي عام 1986، وارتبطنا، هو يحكي بالسوداني، وأنا أحكي بالمصري، حتى إننا نصبنا في حديقة الفندق الفخم خيمة أطلقنا عليها «المقهى الثقافي»، نلتقي بها مع الشباب الكتاب السعوديين، نطرح الأسئلة حول متغيرات الحياة والفن بغاية الصراحة والوضوح، وكان الطيب يحفظ شعر أبى تمام والمتنبي وصلاح جاهين والشعراء الشعبيين بالسودان، وأنا أرد عليه بفؤاد حداد، وكأنها حالة أشبه بسوق عكاظ الشهير».
ويضيف الكفراوي «إن الطيب صالح لم تكن لديه فروق بين الإنسان والفنان، وقد أحب وطنه السودان فأغناه الوطن بهذا الكم الذي لا ينسى من الكتابة العظيمة، التي ستقودنا دائما من حالة الضرورة إلى حالة الحرية».
أما الناقد الدكتور عبد المنعم تليمة، فيقول «إن الطيب صالح يقف في مصاف الرواد، ولابد على مؤرخي الأدب أن يقفوا طويلا أمام منجز الطيب في فن الرواية والقصة القصيرة، ذلك لأنه صاحب مدرسة بالمعنى التاريخي، فهو من مبدعي رواية ما بعد محفوظ، رغم سنه الكبيرة. ونقصد بمرحلة ما بعد محفوظ خروج الرواية العربية إلى آفاق غير مسبوقة، واتخاذها مكانا مرموقا في الإبداع الروائي العالمي، فقد استطاع أن يمزج بموهبته الأدبية بين الثقافة العربية والعمق الإفريقي والموروثات الزنجية، ومن هنا خرجت لنا كتابة الطيب صالح برؤى ملحمية، صوفية، عقيدية، ليعبر عن موهبة حقيقية فريدة في القص والحكي والسرد».
و يصف الناقد فاروق عبد القادر الروائي الطيب صالح بأنه واحد من أهم الروائيين العرب، رغم أن منجزة يتمثل في رواية واحدة جاءت على أربعة أجزاء، تنطلق جميعها من قريته «دومة ود حامد». وعلى الجانب الإنساني، يشير عبد القادر إلى علاقة الصداقة التي ربطتهما ببعض، وأن «الطيب كلما كان يحضر إلى مصر، كنا نتقابل. لقد كان الطيب إنسانا ودودا ومريحا بطبيعته، بالإضافة إلى العلاقة الخاصة التي تربط المصريين بأشقائهم السودانيين، فكلاهما يعتبران نفسيهما أبناء وطن واحد». وأكد عبد القادر في نهاية كلامه على أن الطيب صالح أدى دوره جيدا، سواء كروائي أو كصحفي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
السودان ودّع مؤلف «موسم الهجرة الى الشمال» ... الطيب صالح شيِّع بمشاركة رسمية وشعبية أم درمان (السودان) - عصام أبو القاسم الحياة - 21/02/09//
يبدو أن اغتراب الراحل الطيب صالح الطويل أبعده كثيراً عن مواطنيه إذ بخلاف ما كان متوقعاً شيع جثمانه بحضور عدد محدود من المواطنين لم يتجاوز ثلاثة آلاف، وهي نسبة أقل عن تلك التي شاركت في موكب المطرب عثمان حسين والتشكيلي أحمد عبدالعال والمطرب مصطفى سيد أحمد وغيرهم من مبدعين فقدهم الــسودان فــي الفترة الماضية. وربط البعض بين غربة الطيب صالح الطويلة والمشاركة المحدودة للمواطنين في تشييعه، فــعلى رغــم أن يــوم دفنه صادف اجازة رسمية إلا أن مجموعة محدودة من الرســميين والمبدعين شــاركت في دفنه.
وتقدم الموكب رئيس الجمهورية ورئيس حزب الأمة الصادق المهدي الى جانب اسرة الراحل وأعضاء اتحادات الكتّاب والأدباء والصحافيين والموسيقيين. الجثمان الذي وصل الى مطار الخرطوم عند الرابعة صباحاً بتوقيت السودان استقبله وزير الدولة بوزارة الثقافة أمين حسن عمر واللجنة التنفيذية لاتحاد الكتّاب السودانيين ورئيس اتحاد الفنون الدرامية وأسرة الراحل.
وكان رحيل الطيب صالح خلف حزناً عميقاً في المشهد الثقافي السوداني حيث تقاطرت جموع المثقفين والفنانين الى مركز عبدالكريم ميرغني والى منزل شقيق الراحل محمد بشير صالح بأم درمان منذ الصباح، ووصل سفراء مصر وفرنسا والإمارات والسعودية للتعزية وقطعت الإذاعة برامجها وقدمت حوارات سابقة مع الأديب الراحل وحاورت النقاد والكتّاب حول سيرته وطبعت الصحف الصادرة الخميس صفحاتها بالأسود وبصور للراحل ونشرت حوارات سابقة معه كذلك، وألغت مراكز فنية وثقافية عدة برامجها الدورية.
وتلقى اتحاد الكتّاب السودانيين برقيات تعازي من الكتّاب العرب والأفارقة، كما قدم العزاء رؤساء الأحزاب الســياسية، الاتــحادي الديــموقراطي والحزب الشــيوعي الذي قال أمينه العام محمد ابراهيم نقد معلقاً: «كُتب علينا أن نستقبل مبدعينا في توابيت خشبية». وتلقت وزارة الثقافة برقيات التعازي من وزراء الثقافة بالعالم العربي كما تقبّل المجلس القومي للثقافة التعازي بمقره في الخرطوم.
وفي تصريحات الى «الحياة» وصف الكاتب عبدالله علي ابراهيم الراحل بـ «النوارة» وقال: «لقد فقدنا نوارة الثقافة السودانية... لكن إن كنا نريد وعياً حقيقياً... أشمل وأوسع بالطيب صالح فنتوقع من دارسيه في الغرب والشرق على السواء ألاّ يواصلوا التعامل معه كممثل للأدب السوداني وكفى، وأن ينتقلوا في دراساتهم له كي يبلغوا مسام السرد السوداني، ولربما أعادنا هذا الى دراسة متجددة لثلاثيته التي تكاثر عليها غبار الإهمال، فأصبح الطيب صالح ضحية الطيب صالح لأن إبداعه كله لا يؤخذ بشكل جدي أو مثالي إلا في موسم الهجرة الى الشمال».
ومن سكرتارية جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي قال مرتضى الغالي أن عمله في لجنة الجائزة التي تُقدم منذ العام 2003 أتاح له فرصة طيبة لمعرفة الراحل وقال: «ظل الطيب صالح ملحاً علي أن أسمه لا يستحق أن تسمى به جائزة، وعلق عندما علم بأمر ترشيحه لنوبل وهو على فراش المرض أن في العالم من هو أحقّ بها منه».
وأضاف مرتضى الغالي: «وصلتا الكثير من رسائل التعزية من مختلف أنحاء العالم ويصعب حصرها الآن». وفي ما يتعلق بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي قال الغالي: «رحيل الطيب صالح أدعى لاستمراريتها».
من جانبه وصف المحرر الثقافي لصحيفة «الرأي العام» عيسى الحلو رحيل الطيب صالح بالمفجع، وقال: «الطيب ضــمير أمته ووجدانها الصافي وقد نقل ثقافتنا القومية الى الفضاء الكوني لأنه قبض على ذلك البعد الذي يجعل الأدب المحلي أدباً عالمياً».
أما الناقد أحمد الصادق فقال ان على الكتّاب السودانيين معادلة غياب الطيب صالح، وشغل الفراغ الذي خلفه كصوت أدبي سوداني في المنابر الثقافية العالمية، مشيراً الى أن الطيب صالح قدم صورة نموذجية للكاتب السوداني بتواضعه وجمال خلقه وطيبته، وباقتداره الكبير في الإبداع الفني ولحد كبير استطاع أن يحمل العالم على قياس الشخصية السودانية بشخصيته الفذة، فصرنا نسمع من يقول لك: «ان هذا من بلد الطيب صالح».
الروائي عبدالعزيز بركة قال: «فقدنا سرفانتيس الرواية السودانية، وهو أمر لا يمكن تعويضه بأي مستوى». أما أمير تاج السر الروائي الذي قدم من دولة قطر للمشاركة في دفن «خاله» قال: «لقد فقدت أحبّ شخص إليّ في الوجود وأنا في غاية الحزن، كان أنيساً طيباً صالحاً حميماً».
وكان عبدالباسط عبدالماجد وزير الثقافة الأسبق قال باكياً وهو يقف قرب قبر الراحل «الطيب الصالح الجميل... كان أكثرنا علماً ونبلاً وأصالة»، أما حسن أبشر الطيب أحد رفقاء الطيب صالح ورئيس سكرتارية الجائزة التي تحمل اسم الراحل فقال: «لقد دفنا اليوم أعظم وزارة ثقافة في تاريخ السودان الحديث» وعدد مآثره.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
محمد بن عيسى يكتب: سيدي الطيب الزيلاشي
حين أسترجع رحلتي الطويلة مع الطيب صالح, الصديق والرفيق الحكيم والوفي, يذوب في الذهن الزمان. واحد وثلاثون سنة بدون بداية, وفي الذاكرة بدون نهاية. من يصدق أن الطيب صالح توفي رحمه الله؟
رحلة طويلة تعددت خلالها لقاءاتنا في الدوحة وباريس وتونس ولندن وواشنطن والرياض والقاهرة وأصيلة. عاش الطيب حياة المفكرين والأدباء والمبدعين الرحل, متقشفا كريما ومتسامحا منفتحا على الآخر.
لقاؤنا الأول كان في فندق الخليج القديم في الدوحة في شتاء 1978، قصدت المنبع أستشف المعرفة والنصح والبصيرة، كنت حاملا بمشروع أصيلة الثقافي، وقصدت الطيب أعرض عليه الفكرة والمشروع، لم يقدمه إلي أحد ولم يحدثني عنه أحد.
قرأت له "موسم الهجرة إلى الشمال" وترسخت قامة الرجل في الذهن والوجدان، ربما قرأت في الرواية الرائعة عن نفسي, عن جيلي, عن صراع الأنا والآخر في الغرب الحاكم والمتقدم والثري "الأبيض بسلوف شقراء وعيون زرقاء وشهوة محجبة بالعجرفة والاستعلاء, قبالتها فحولة الأنا السوداني المسلم العربي المقهور المتخلف الفقير, والرغبة في لذة الانتقام بلا ضرر".
وبدأت باكتشاف أسرار الرجل، تواضعه الصوفي وأنافته وقناعته المثلى وفكاهته المستورة ووفاؤه اللامتناهي. كان نقيا نزيها ومتعففا، وصوته الوديع القوي واستحضاره للآخر دائما بالحسنات، سميته شيخي سيدي الطيب تبركا بصفاء سريرته وعمق تأمله وسعة زهده في الدنيا.
لن أنسى محجنا إلى "جبل العلم" في سلسلة جبال الريف في المغرب، حيث ضريح الصوفي الشيخ عبدالسلام ابن المشيش العلمي الإدريسي رائد الشاذلية وشيخ موردها أبي الحسن الشاذلي رحمهما الله. أمضينا يوما وليلة بجوار الضريح والطيب صالح مسكون بروحانية المقام وأصوات المقرئين وتهاليل الزوار، سهرنا إلى قرابة طلوع الفجر، بكي سيدي الطيب وقبل الشباك والشجرة والهواء وعانق السماء، صوفيته غمرها الإيمان والحب وطهارة المكان.
العام الماضي زرته مع زوجتي في سكناه البسيط الهادئ في ويمبلدون في ضواحي لندن وتغدينا معه وزوجته، وأمضينا نصف يوم نحكي ونتذكر ونمزح. كان سيدي الطيب منهكا من حلقات "الدياليز" (تصفية الدم بسبب العجز الكلوي)، ولكنه كان كعادته متفائلا بشوشا ومهذبا في كل شيء. كرر لي الاعتذار عدة مرات عن عدم قدرته على حضور موسم أصيلة الثقافي الدولي في الذكرى الثلاثين العام 2008.
سنشتاق لزيارته لأصيلة في كل صيف, وحتى في كل شتاء. عزاؤنا أن سيدي الطيب الذاكرة والقهقهة الحالمة، غرفته في بيتي وفي فندق زيليس، مائدته في مطعم غارسيا وسمره والزوار من الكتاب الشباب والمعجبين والمحبين, سيدي الطيب هذا باق حاضر لم يمت، لن يزورنا كل عام ولكن روحه أزلية باقية فينا، في كل "الزيلاشيين"* وفي كل زوار أصيلة, كل عام. ______________ * زيلاشي هو اسم سكان أصيلة نسبة إلى زيلس اسم أصيلة الفينيقي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
أرخبيل الألفة والمسرات.. مؤانسة وعرفان بحضرة الطيب صالح
محمد الربيع محمد صالح
"عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة، سبعة أعوام على وجه التحديد كنت خلالها أتعلم في أوروبا، تعلمت الكثير وغاب عني الكثير، لكن تلك قصة أخرى. المهم أنني عدت وبي شوق عظيم إلى أهلي في تلك القرية الصغيرة عند منحنى النيل، سبعة أعوام وأنا أحن اليهم وأحلم بهم، ولما جئتهم كانت لحظة عجيبة أن وجدتني حقيقة قائمة بينهم، فرحوا بي وضجوا حولي، ولم يمض وقت طويل حتى أحسست كأن ثلجا يذوب في دخيلتي، فكأنني مقرور طلعت عليه الشمس ذاك دفء الحياة في العشيرة".
يمثل هذا المشهد الاستهلالي لرواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للروائي السوداني الكبير الطيب صالح، والذي جاء على لسان الراوي، مدخلا واسعا للتأمل والحوار حول تجربته الروائية والفكرية وشخصيته الإنسانية، فالألفة هي كلمة السر في اللوحة البيانية لمشروعه الثقافي والجمالي ولعلاقته مع الوجود.
وأعماله الروائية والقصصية "موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين، ويندر شاه بجزأيها ضو البيت ومريود، ودومة ود حامد" تشكل أرشيفاً للوجود الحميم وللألفة المهددة بالتمزق والشرور.
فإلى جانب العذوبة الواضحة والحميمية الغامرة للتفاصيل الإنسانية فيها، يعتمد الطيب صالح تكنيكاً جمالياً يستمد عمقه من بساطة آسرة في بناء المشاهد، أشبه ما تكون بعملية توثيق تلقائية للحظات مركزية في الوجود الحميم للمجتمع السوداني، ممثلا في جلسات الأنس والسمر والتعاضد الاجتماعي في المسرات والأحزان والنُّصرة في الملمات.
الإصغاء لنداءات الحنان قال لي الطيب صالح حين سألته عن سر جماليات هذا البناء "إنه نوع من الإصغاء لنداءات الحنان التي يبثها هذا العالم، الذي اعتبر نفسي مجرد وسيط وناقل له".
والحوار مع الطيب الصالح لا يأخذ مداه في الأريحية والجمال إلا حين يقبس من هذه العوالم ناره، لأنه لا ينظر إلى التفاصيل في هذه الحياة بوصفها جزراً معزولة عن بعضها بعضا، بل يكونها أرخبيلاً اجتماعياً وثقافياً مفتوح الأبواب والنوافذ والممرات في وحدة وجود إنسانية على قاعدة الأُلفة، وهو يراه مثل كوم "القمح الذي تنطوي كل حبة منه على سر عظيم" مشيراً إلى مشهد زواج ضو البيت في رواية "بندر شاه" الذي كان حفلا أمّه جميع الناس بمختلف مناشئهم العرقية ومواقعهم الطبقية, وصورة المرأة التي زغردت تحت وقع هذا الإحساس الجماعي بالألفة، والتي كانت زغرودتها تعبيراً عن كونها جزءاً من هذا الجسم, لا يتحقق انتماؤها إليه إلا عندما يدخل صوتها مع بقية الأصوات.
التنويع على لحن الإلفة كل شيء في حياة الطيب صالح هو تنويع على لحن الألفة: حياته الوظيفية، علاقاته الإنسانية، تأملاته النقدية، إبداعه الروائي. فهي الناظم الوجودي لهذا الأرخبيل، وفي معرض المؤانسة حول هذه التجربة التي طوفنا فيها على إنتاجه الإبداعي، سألته عن سر التوسع والامتداد والانتقال الذي حدث في المشهد الروائي لملامح شخصيات مثل مريود ومريوم وبندر شاه، من مسرحها الأساسي على منحنى النيل في السودان إلى قطر في مسرح فني جديد هو قصة "يوم مبارك على شاطئ أم باب" التي تدور في البحر وتتقاطع فيها مصائر الشخصيات وصراع معسكرات الخير والشر.. إلخ، فقال لي "كتبت هذا النص وجعلت مشاهده تدور في البحر رغم أنني ولدت قرب النهر وربما أعطيته هنا منزلة النهر بعد أن عرفته عالما مسيطرا خلال أسفاري، وأصبحت دلالته عندي ترتبط بالتئام الأمور واجتماعها وجلب العناصر إلى جانب دلالات الإطلاق واللانهائية، ومن الجائز أن أكون قد نقلت دون أن أشعر أصداء بعض الشخصيات مثل مريم في رواية مريود إلى رباب في قصة يوم مبارك على شاطئ أم باب".
وأجمل الطيب صالح شهادته عن قصة يوم مبارك بقوله: ربما كتبتها خاضعا لإحساس خفي أن العالم الوادع المطمئن للخليج مهدد بما يجلب له القلق.
والتعابير التي استخدمها في تلخيصه للبناء الجمالي لقصته وللعناصر والعلامات التي تعمل في نسيجها تدل بشكل واضح على قاموس الألفة الذي يسكن أعماقه ومشروعه مثل: وادع، مطمئن، مهدد، يجلب القلق.. إلخ.
وهيمنة هذا القاموس تتجلى في الأشكال والأطر البسيطة والحميمة التي يضع فيها مادته الفكرية والثقافية وتأملاته الجوهرية والعميقة، في مناطق معقدة من الفكر الإنساني مثل مقالاته العذبة بمجلة المجلة، بعنوان الإقامة في ويمبلدون, التي كشف فيها عن الحوار الإنساني العميق الذي يدور بينه وزوجته السيدة الأسكتلندية، والذي هو حوار أمزجة وطرائف مختلفة في التفكير، حولتها المودة إلى طيف جميل من المشاعر، ومجال إنساني لا يلغي فيه أحد الآخر.
وقد عبر بشفافية في حديثه إلي حين سألته عن الصعوبات التي يواجهها أحيانا نتيجة لهذا الاختلاف في الثقافة والمزاج قائلا: الأمر ليس سهلا في كل الاوقات, لكنها امرأة في غاية الطيبة, ومتفهمة وهبتني ثلاث بنات جميلات وأظن أن أفضل ما فعلتُ هو أنني فكرت منذ البداية أن أي محاولة لسودنتها ستكون مضرة بها وبي، فقبلتها كما هي وقبلتني كما أنا".
أبو العلاء شاعر وليس فيلسوفا وعلى النسق نفسه والطريقة ذاتها، قدم قراءة عارفة وناقدة للإبداع الألماني في مقالاته "الإقامة في فايمار" واحتفظ بالتقليد ذاته في محاضرته عن أبي العلاء شاعراً في خيمة البرنامج الثقافي لمعرض الدوحة للكتاب، فاتخذ المؤانسة مدخلا إلى أسماع ووجدان الحضور، واللغة العذبة بسيطة الجرس عميقة الدلالة لمناقشة أكثر الأفكار تعقيدا، وليحاجج الدكتور طه حسين نافيا عن أبي العلاء الفلسفة التي أثبتها له ومؤكدا أنه شاعر أولا وأخيرا، معززا منطقه بإرسال العلامات الدالة على مركزية الشعر في تجربة أبي العلاء، ومبينا ًموقعه في المثلث الذهبي العربي (المتنبي والمعري وأبو نواس).
ولم ينس وهو يختتم حديثه عن شعرية أبي العلاء الإشارة إلى سؤال الأفة في قصيدة أبي العلاء التي يقول فيها: طربن لضوء البارق المتعالي ببغداد وهناً ما لهن ومالي إذا لاح إيماض سترت وجوهها كأني عمرو والمطي سعالي
قائلا: إنها قصيدة باذخة الجمال ونص بليغ يضيء أحوالنا المعاصرة، حيث الناس مثل إبل أبي العلاء تريد عالما أليفا، ويصر الناس على إحاطتها بالنوازع المادية، التشكيل والرواية.
ولا تكتمل هذه الكلمة حول المؤانسة والعرفان في حضرة الطيب صالح، دون الإشارة إلى تداعياته في الإجابة عن سؤالي حول علاقته شخصيا بأجناس الإبداع الأخرى وتجلّيها في كتابته وخصوصا علاقته بالموسيقى والتي قال فيها "إن الفنون جميعا تتجاوز، وتتحاور، وتؤثر في تجربة الفنان وخبرته الإبداعية، لكن التشكيل والموسيقى يأخذان أرجحية وخصوصية عندي خاصة تجربتي مع الفنان التشكيلي الكبير إبراهيم الصلحي الذي فتحت لي رسومه بعض الآفاق في الرواية، وفتحت له رواياتي بعض الآفاق في التشكيل، وقد انتبه الشاعر توفيق صائغ رحمه الله إلى ذلك مبكراً، فكلف الصلحي بعمل الرسوم للطبعة الأولى من "عرس الزين" التي أصدرتها دار الحوار، فجاءت تحفة فنية".
موسيقى الجاز "أما الموسيقى فقد مكنتني تجربتي مع (بي بي سي) في الاستماع والتعرف على موسيقى من كل أنحاء العالم، ووجدت أنني أحب موسيقى الجاز خاصة أغنيات الفنانة العظيمة سيرا بون، التي يترقرق صوتها كالفضة المذابة وهي تغني تجربة وجودية وجمالية عظيمة، يشاركها في التعبير عنها مغنون كبار أسسوا للمعطى الحضاري الأبرز لأميركا (موسيقى الجاز) أمثال ماهيلا جاكسون وإد فيزجرالد ولوي آرمسترونغ وراي شارلس.
أما تجلي الموسيقى في إبداعه فقال عنها: لقد نشأت في منطقة تمثل المدائح للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بإيقاعاتها وأنغامها وإيقاعات الطمبور "الربابة" جزءا أصيلا من عمارة الوجدان، ولا بد أن شيئا من ذلك تسرب من لا وعيي إلى عمارتي اللغوية والتعبيرية. لقد طوف بنا المبدع الكبير الطيب صالح في أرخبيل من الألفة والمسرات في حضرته العذبة بين آلاء المؤانسة والعرفان. *أقيم الحوار المشار إليه في النص بالدوحة بقطر سنة 2005 م.
-------------------- ناقد وكاتب سوداني
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
د. خالد محمد فرح دمعة على المريود: الطيب صالح .... نظم د. خالد محمد فرح/ داكار – السنغال
الاثنين, 23 فبراير 2009 21:27
[email protected]
أعينيَّ فابكي بالدموعِ السوافحِ شهاباً توارى تحت تلك الصفائحِ
شهاباً أضاء الكونَ نوراً وحكمةً وإبداعَ فنٍّ ما يُرام لقــــادحِ
ثرى السيِّد البكريِّ قد ضِفْتَ سيّداً يضوعُ أريجاً من زكيٍّ وفائحِ هو الطيِّبُ المشهورُ في كلِّ بلدةٍ وما كان إلاّ صالحاً وابنَ صالحِ فكمْ ذاع في الآفاق ثمّة عرفه فضاعَ عبيراً بين شتى المسارح
فخلَّدَ للسودان إسماً وشهرةً تقاصرَ عنها كل ساعٍ وطامح
(محيميدُنا) المحمودُ في كل موطنٍ و(مريودُنا) المريودُ بين الأباطح
لقد صغت دنيا من خيالٍ مجنّحٍ تعيشُ وتحيا بيننا في الجوانحِ
نشاهد فيها ذاتنَا وحياتــَــنا وأهلَ بلادي بين غادٍ ورائــــحِ
سعيداً ومحجوباً والرواسيّ وأحمداً وزيْناً وبتْ مجذوب ذات الملائحِ
وودّ الريِّس الفحل يسعى لحتفهِ فيُلفى صريعاً غِبَّ تلك الفـــضائح
وحسنةَ بتْ محمودَ كم زانَ حسنُها بمكنونِ عطرٍ في ذرى الروحِ سابحِ
ونعمةَ بنتَ الحاجِّ كم ناءَ قلبُها بحبٍ دفينٍ منْ نفيسِِ المنائحِ
همو جسّدوا السودانَ معنىً وصورةً همو مثّلوا الإنسانَ زينَ الملامحِ
وكنتُ بعيداً إذ أتاني نعيُّهُ وقدْ زادَ هوْلَ البيْنِ هولُ الفوادحِ
وحدّقْتُ في التلفازِ أنظرُ نعْشَهُ فسالتْ دموعٌ من عيونٍ قرائحِ
رأيتُ سَراةَ القومِ يمشون حولهُ وثَمَّ جموعاً بين باكٍ ونائحِ
سقى اللهُ أرضاً حلّها قبرُ طيِّبٍ بمنهلِّ وسْميِّ الغوادي القوادحِ
فكم كان للسودان رمزاً ومعْلماً فيا لهفَ نفسي صار رهنَ الضرائحِ
عليهِ سلامُ اللهِ ما طارَ بُلـــــــبلٌ بمٌخْضلِّ روضٍ ناعمِ الغُصنِ مائحِ
وما انساب ماءُ النيلِ في الأرضِ جارياً بخيرٍ عميمٍ يحملُ الخصبَ طافحِ
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا قــالوا عن الطيب صــالح!! (Re: Abdlaziz Eisa)
|
قصة "يوم مبارك على شاطىء أم باب" يكسر الطيب صالح في هذه القصة حدود الأجناس الأدبية(الجزيرة نت-أرشيف)
محمد الربيع محمد صالح
"والبحر أرض ندائنا المستأصلة" محمود درويش
الأجناس سجون تتضور الروح في أقبيتها الضيقة، ومثلما يرتفع الإنسان بالمعرفة ويحلِّق خارج حدود العرق، يكسر الطيب صالح في قصة "يوم مبارك على شاطىء أم باب" حدود التجنيس القديم، قصة، رواية، شعر إلخ.. ويدخل في وهج الكتابة المحض بعملية "انحراف معياري" تضع كامل الوحدات الجمالية في احتياطيه المعرفي لتخليق "الجسيد" يوم مبارك -الذي يمثل ذروة هذا الرصيد من أمشاج الجمال.
والنص يقترح هذا الانحراف من المطلع، إذ يبدأ في البحر: من أين يجيء البحر بكل هذا الحطب؟ وينتهي فيه: أدار ظهره للبحر وانحدر وراء التل لاحقا بأهله. بشكل يضع حمولة النص من علامات في أوقيانوس الغرابة والمغامرة والهول والموت ومن ثم الاكتساء ببرود التجدد، حيث تغادر الأشياء هوياتها القديمة وتحجل في صفحة الضوء حيث: دخلوا البحر في وهج أضواء المحض.
ومثلما يمثل البحر أكبر مظان التناص في تجربة الوجود، حيث تتساكن الكائنات والتفاصيل والأشياء في وحدة وجود عرفانية عجيبة، تتقاطع أقباس التجربة في مظنة التناص -جسيد- يوم مبارك في تقاطع عرفاني تلقى فيه العلامات والأشياء والتفاصيل لبوسها وتنغمس في ضوء الكتابة.
نص يوم مبارك على شاطىء أم باب، هو في هذه القراءة المعادل الموضوعي لفكرة البحر، والعكس صحيح، إذ أن كليهما -البحر والنص- مظان للتناص، تتقاطع التفاصيل والأشياء في أفقهما وتتحول إلى"مسرح متنقّل" بتعبير جوليا كريستيفا (1) التي تعتبر التناص هو عملية التقاطع والتشرب والتحويل التي تتم لوحدات عائدة لنصوص أخرى، وتبقى ممركزة في معنى خاص.
وأول تجليات هذا التناص هو تحرير التكنيك من قوانينه وعاداته، وجعل الأصوات المتحدثة في النص تبدِّل هوياتها وفق مقتضى التحولات في النص، لا كما يحدث في الواقع والمألوف، فالصوت متكلما ًومخاطباً وغائباً، يجدِّد هويته وفق مقتضى المقام الجمالي في النص، بل يكتفي في مطلع النص بالتجوهر في سؤال: من أين يجيء البحر بكل هذا الحطب؟ حيث يختفي الصوت في أبراج السؤال.
ويناصص الطيب صالح تجربته الجمالية الذاتية في أكبر عملية تحشيد لأمشاجها على شرفات اليوم المبارك على شاطىء أم باب، حيث يثاقف قراءته لتجربة عنترة ويدرجها في النسيج النصي في استدعاء بديع لجماليات الهجنة: حيث السواد ولون البنفسج واليقظة والنعاس يتجاوران في ألق مهيب.
كما يناصص الطيب صالح تجربته في بندر شاه، فرباب التي جاءت مكملة متسربلة باسمها مثل "سحاب في طيات سحاب" الموصوفة بأنها: خلاصة الذرية التي لم ننجبها. هي مقلوب مريود في بندر شاه الذي حمل ملخصا لجينات تاريخ/جده "ظلمات في طيات ظلمات" و"جلس مثل شعاع باهر مدمر في عرش الفوضى".
وفي مشهد آخر يناصص تجربة مريوم في نص مريود التي "عندما دفناها شهقت الأضواء في حافة القبر" وتجربة رباب "جسدها شفاف ينزلق على صفحة الماء كما ينزلق الشعاع على البلور".
وفي علامات العرفان -الشهر زوري ابن الفارض "أنا من الله ولي الله" و "تتصرفين مثل رابعة العدوية" يناصص الطيب صالح "أبوك أرجح منكما في موازين أهل العدل فقد أحب بلا ملل وأعطى بلا أمل وحسا كما يحسو الطائر، وعندما راودته نفسه على المجد زجرها".
وهكذا مثلما تتعانق الكائنات في مرآة وحدة الوجود العرفانية، تتعانق العلامات في مرآة وحدة الوجود الجمالية التي اقترحها الطيب صالح في نص يوم مبارك على شاطىء أم باب، الجسيد الذي يعيد قراءة تجربة الحال في مظنة التناص الجديدة حيث يدخل الجميع كائنات وتجارب وتفاصيل في وهج الكتابة المحض.
------------- (1) جوليا كريستيفا، علم النص، ترجمة فريد الزاهي، دار تويقال، المغرب، ط1-1991
مقطع من يوم مبارك على شاطىء أم باب:
من أين يجيء البحر بكل هذا الحطب؟ قالت (رباب) "هذا اللوح من السويد" "كيف عرفت أنه من السويد؟" "ألا ترى الكتابة؟ هذه الأحرف آخر كلمة (سويدن)" لم يمكث طويلا في البحر كما ترى لعله من صندوق سقط من سفينة "وهذا من أين؟" "هذا جزء من قناة" "أعرف أنه جزء من قناة" "من شرق أفريقيا ربما من زنجبار؟" ألا تعرف أنهم كانوا يسقفون بيوتهم بالقنا في هذه المنطقة؟ هذه القنا عمرها على الأقل مائة عام، نقلتها المراكب الشراعية ربما إلى البحرين أو عُمان، على الأرجح إلى عُمان. "لماذا عمان؟" قالت كأنني تلميذ بطيء الفهم "ألا تعرف الصلة بين عُمان وزنجبار؟" ضحكت وقالت (رباب) "لعلهم هدموا البيت وبنوا مكانه بيتا من الأسمنت، أو تهدم وحده، ألا تعرف أنهم كانوا يبنون بيوتهم على سيف البحر؟" "ما معنى سيف البحر؟" "يعني شاطىء البحر" "لماذا!" "الهواء أبرد وأيضا لأن حياتهم كلها كانت على البحر" "ماذا قال عنترة في القنا؟" نظرت إلى نظرة عاتبة بعينيها السوداوين كأنهما بحيرتان جبليتان عند الغروب بين السواد ولون البنفسج بين اليقظة والنعاس، كانت تحب شعر عنترة لكنها ظنت أني امتحنها فلم تجب، جمع الأطفال حطباً كثيراً جعلوا منه كوما هائلا على ساحل البحر، أوقفتهم (رباب) صفا مثل طابور عسكري وقسمتهم قسمين، قسماً أمرته أن يتجه يمينا وقسماً يتجه شمالاً، جعلت على كل فرقة قائدا وهي القائد الأعلى، لم تكن أكبرهم سنا، وكان في الجيش ذكور لكنهم أذعنوا لإمرتها بلا جدال، في التاسعة من عمرها وأشهر ولدت في الصيف، والآن أول الربيع ابنتنا الوحيدة بل هي كل من أنجبنا، تأخرنا لأننا ظللنا ننتظر أحدنا الآخر (الرجل) في الخمسين (المرأة) في الأربعين ليس خيالاً، هذا يحدث أحياناً أغلب الناس يتزوجون كيفما اتفق لأن الظروف مواتية، لأن الشخص لا غبار عليه، لأن العمر يمضي، إنما قلة من الأرواح المختارة يطلب بعضها بعضا، لا تستقر حتى تجد إحداها الأخرى، في المدينة وهما سائران من الحرم النبوي بعد صلاة الفجر، في اللحظة التي رفع وجهه إليها رفعت وجهها إليه، تماسكت عيونهما وكأن الضوء حول المآذن نبع يتفجر من تحت اقدامها: "أنت فلانة؟" "نعم" "من كيت وكيت" "نعم" "من وراء أزرعات: آه، أنت أم رباب" "وأنت فلان" "نع" من كيت وكيت وأهلك كذا وكذا، يا له من يوم مبارك - الحمد لله" "هل تعذبت كثيرا؟" "وأنت، سوف نتسلى بذلك في ليالي الشتاء الطويلة" بعد أن اعتمرت جاءت إلى المدينة مع أخيها الأكبر وأمها وأختها، وكنت وحيدا،ً تزوجنا في تلك الساعة عند باب المسجد وعقدنا بعد صلاة العصر، وأولمنا ليس أكثر مما فعل الرسول في زواج ابنته فاطمة، ودعونا أهل الصفة ومن وجدنا من فقراء المدينة.
. ناقد وكاتب سوداني
| |
|
|
|
|
|
|
|