|
عقلية الثنائية والتقليد في تحكيم جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي
|
رغم ان المشهد الروائي السوداني تجاوز العقلية التي تعمل بها لجنة جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي، والرواية القائمة على ثنائيات الذهن، والتمزق بين فكرتي الشرق والغرب، المدينة والقرية، الشمال والجنوب، إلا أن لجنة المحكمين في الجائزة تصر على التعامل بعقلية الثنائيات، وفق مناهج نقدية بالية، رغم ما يتمظهر به تقرير اللجنة من محاولة للتقاطع مع الأفق النقدي الجديد. "رواية كي لا يستيقظ النمل" لعلي أحمد الرفاعي والتي تقاسمت الجائزة الأولى مع رواية "ذاكرة شريرة" لمنصور إدريس صويم، ووفقا لتقرير اللجنة جاءت تحمل شخصية حسون"التي تميزت بعبقريتها العلمية وتفوقها وإن كان حسون يعيش بين أهل "قوز قرافي" بعقلية لندن، وفي لندن يعيش بعقلية "قوز قرافي". يبدو بشكل واضح التأثر بالطريقة التي فرضها الطيب صالح في مساره الروائي، ومنهج الثنئايات، فليس "حسون" إلا محاولة لمحاكاة شخصية "مصطفى سعيد" بطل رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، وإذا كانت لندن حاضرة في العمل الأول فهي حاضرة في العمل الثاني، أما قرية "ودحامد " عند الطيب صالح، فتوازيها قرية "قوز قرافي" عند الرفاعي. سبق للرفاعي ان فاز بالجائزة الأولى في العام الماضي في الدورة الثانية للجائزة عن عمله "قبيلة من وراء خط الأفق"، وهو يعتمد في مجمل أعماله على فضاء "قوزقرافي" في أسلوب واضح يحاول مماثلة تجربة الطيب صالح، وقد اعترفت لجنة المحكمين بهذا الشيء في تقرير العام السابق عندما ذكرت بالنص الصريح عن رواية " قبيلة من وراء خط الأفق":" لقد غامر الكاتب في بعض اجزاء الرواية بالهجرة صوب بقاع جديدة في بناء الحدث وطريقة إدارة الحوار، وكل ذلك لا يحول دون الاشارة بإقتضاب الى بعض إشكالات هذا العمل المتمثلة في محاولة مضاهاة عوالم الطيب صالح ولاسيما في طريقة بناء الشخصيات بما في ذلك الهيكل المعماري العام للعمل الذي اتخذ من "قوز قرافي" مركزاً له، في محاولة لمضاهاة العالم الروائي للطيب صالح الذي نهض على "ود حامد" قطباً مكانياً". من الواضح أن العقلية النقدية لدى المحكمين لم تستطع ان تتقاطع مع المشهد الإبداعي الجديد، ولا زالت تحتكم إلى قيم ومعايير نقدية تقليدية في قراءة الأعمال الروائية، وباستعراض تقرير اللجنة يمكن فضح العديد من هذه الأمور، فاللجنة ترى أن الشخصية الروائية قائمة بمنظور الشخصية الروائية في "موسم الهجرة إلى الشمال" كمعيار، أو في " الثلاثية " لنجيب محفوظ، تلك الشخصية التي هي ظل للكاتب المثقف، وتفترض في الشخصية " البطل " في الرواية ان تكون مثقفة وعارفة، ولا يتقاطع هذا الشرط التقليدي مع الأفق الروائي الجديد سواء في السودان أو غيره من بلدان العالم العربي والعالم ككل، نقرأ في التقرير عن رواية الرفاعي الجديدة: "برغم المحلية فللشخصيات دور مستنير في الإلمام بالمعرفة الإنسانية وفلسفاتها المتباينة والمتصارعة وتأثيراتها"، ويعني ذلك أن اللجنة لا زالت تفسر الشخصية الروائية بعيدا عن أساليب التشخيص الروائي الجديد في عالم بات معقدا ورافض للقيم التقليدية والسطحية. أحد أعضاء اللجنة الناقد مجذوب عيدروس الذي يمكن وصفه بالمؤرخ الأدبي، أكثر من كونه ناقدا، فهو ومن خلال سهرة سجلت معه في التليفزيون السوداني عن أدب الطيب صالح، بدا غير مدرك بالدرجة الكافية للمشهد الروائي الجديد، فهو لا يزال يحكتم إلى النص وفق معايير تقليدية، ويجعل من الطيب صالح البوصلة والمرجعية لأي تفكير في أفق جديد. هل تريد لجنة جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي، أن تحول الأعمال الفائزة إلى نسخ جديدة لما انتجه الكاتب العظيم؟ دون أن تعطي اعتبارا للمعرفة الجديدة وللجيل الجديد، الذي يختلف في مناظيره ورؤاه للعالم وبالتالي في خطه الإبداعي المختلف كما عند محسن خالد وأحمد حمد الملك وأمير تاج السر، وغيرهم من الروائيين الجدد في السودان. إذا كان الأمر كذلك فما هي القيمة النوعية التي ستمثلها الجائزة، لا سيما أن حافزها المادي يظل ضعيفا مقارنة بأي جوائز أخرى على مستوى العالم العربي. إن التقدير والحفاوة الحقيقية التي يجب ان ينالهما الطيب صالح عبر جائزة تحمل اسمه، يجب ان يضع في الاعتبار عظمة منجز الطيب صالح، لا باستنساخه بل بالتفكير في أفق جديد يعي الكونيات الحديثة والسرديات الأكثر حداثة، ولا يوجد ما يضطر اللجنة للإعلان عن عمل يفوز بالجائزة طالما لم يكن هناك – في منظورها – أي عمل يستحق الفوز، فالأجدى إذن أن تحجب الجائزة بدلا من نشر ثقافة التكرار والدوران المسطحة. [email protected]
|
|
|
|
|
|