دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!!
|
Quote: كتاب أردنيون : موت «الطيب صالح» خسارة حقيقية للرواية العربية
الدستور - خالد سامحترك خبر وفاة الاديب العربي الكبير الطيب صالح أمس في لندن صدمة وأسى كبيرا لدى الكتاب والمبدعين الاردنيين ذلك ان الراحل الكبير شكل وعلى مدى عقود ظاهرة أدبية متفردة واستثنائية واليه يعود الفضل في طرح اشكالية العلاقة بين الغرب والشرق روائيا كما يرى معظم النقاد الذين تناولوا تجربته باسهاب.وقد وصفه عدد من الكتاب الاردنيين الذين التقتهم الدستور بالاديب المجدد والاستثنائي كما رأوا ان أدبه ترك أثرا كبيرا لدى جيل من الروائيين العرب.ونشير بداية الى ان الطيب صالح ولد عام 1929 في إقليم مروي شمالي السودان وعاش مطلع حياته وطفولته في ذلك الإقليم ، وفي شبابه انتقل إلى الخرطوم لإكمال دراسته فحصل من جامعتها على درجة البكالوريوس في العلوم. سافر إلى إنجلترا حيث واصل دراسته ، وغيّر تخصصه إلى دراسة الشؤون الدولية.تنقل الطيب صالح بين عدة مواقع مهنية فعدا خبرة قصيرة في إدارة مدرسة ، عمل الطيب صالح لسنوات طويلة من حياته في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية ، وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما ، وبعد استقالته من البي بي سي عاد إلى السودان وعمل لفترة في الإذاعة السودانية ، ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلاً ومشرفاً على أجهزتها. عمل بعد ذلك مديراً إقليمياً بمنظمة اليونيسكو في باريس ، وعمل ممثلاً لهذه المنظمة في الخليج العربي. ويمكن القول ان حالة الترحال والتنقل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أكسبته خبرة واسعة بأحوال الحياة والعالم وأهم من ذلك أحوال أمته وقضاياها وهو ما وظفه في كتاباته وأعماله الروائية وخاصة روايته العالمية "موسم الهجرة إلى الشمال".وكتابات الطيب صالح تتطرق بصورة عامة إلى السياسة ، والى مواضيع اخرى متعلقة بالاستعمار والجنس والمجتمع العربي. في اعقاب سكنه لسنوات طويلة في بريطانيا فان كتابته تتطرق إلى الاختلافات بين الحضارتين الغربية والشرقية. ومن ابرز رواياته بالاضافة الى "موسم الهجرة الى الشمال" »عرس الزين« و»مريود« و»ضو البيت« و»دومة ود حامد« و»منسى«.. وتعتبر روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" واحدة من أفضل مائة رواية في العالم .. وقد حصلت على العديد من الجوائز.سعود قبيلات: رمز أدبي كبيررئيس رابطة الكتاب الاردنيين القاص سعود قبيلات وصف الراحل بأنه كاتب كبير واستثنائي ومن رموز الادب العربي الحديث وقال"كانت اسهاماته في مجال الرواية مميزة وحاول ان يعكس من خلالها بصورة فنية راقية واقع الحياة في السودان الشقيق وقد اشتهرت من بين رواياته بشكل خاص رواية موسم الهجرة الى الشمال التي حاول من خلالها بأمانة تصوير تراجيديا الاحتكاك الثقافي ما بين ابناء العالم الثالث ومجتمعات المراكز الرأسمالية الكبرى وقد ساهم الاديب الراحل بشكل كبير في انارة عقول جيلنا من ابناء المجتمعات العربية المختلفة وايضا في تطوير ذائقتنا الادبية ونظرتنا الى الحياة بشكل عام. الطيب صالح واحد من ادباء القرن الماضي في العالم العربي الذين كانت لهم مساهمة كبرى في تطوير الادب العربي والذين هم بكل امانة ادباء القرن الواحد والعشرين ايضا".جمال ناجي : تأثر به أجيال من الكتابأما الروائي جمال ناجي فقال"مفهوم ان الطيب صالح هو قامة ابداعية عربية كبيرة وقد أثرى المكتبة العربية برواياته النوعية التي شكلت ما يشبه المرحلة في مسار الرواية العربية عندما اصدر روايته "موسم الهجرة الى الشمال" وما تبعها من روايات وقد استفادت اجيال كثيرة من كتاب الرواية والقصة من لغته الى حد ان بعض الروائيين الكبار اقروا بأنهم وجدوا في اعماله ما يمكن الافادة منه على مستوى الشكل الفني وقد كتب عن تأثرهم باسلوبه". وتابع "في كل الاحوال تمثل وفاته خسارة حقيقية وكبيرة للادب العربي".ليلى الاطرش: عبقري بإبداعه وخلقهوعبّرت الروائية والقاصة ليلى الاطرش عن بالغ صدمتها بخبر وفاة الطيب صالح وتابعت قائلة "فقدت الساحة الادبية العربية احد رموزها البارزين واذا كان النقاد قد وصفوه بعبقري الرواية العربية فقد كان عبقريا بخلقه وتميزه بصوته الساحر العميق. وميزة الطيب صالح انه فجر من عقود اشكالية العلاقة بين الشرق والغرب بشكل تجاوز فيه مقاربة توفيق الحكيم في كتابيه"عودة الروح" و"عصفور من الشرق" وتميز بجرأة كثيرا ما سببت له الاتهام بالاباحية في الكتابة ومازالت هذه الاشكالية التي طرحها في كتابه تتبدى في كل مايهم الساحة الثقافية العربية الآن ، وتتميز كتابات الطيب صالح ببعد صوفي لافت وهو منهج اتبعه في سنواته الاخيرة".واشارت الاطرش الى الصداقة والزمالة التي ربطتها بالراحل الكبير وقالت "لقد عرفت الطيب صالح حين عمل في الدوحة مديرا للاعلام ثم مديرا لليونسكو وربطتنا به علاقة عائلية اي زوجي وانا واعتقد ان الخسارة بفقدانه كبيرة على المستويين الادبي والشخصي".د.محمد شاهين: كاتب آسر ومؤسس لرواية جديدةكما قال صديقه الناقد الدكتور محمد شاهين "في آخر لقاء لي مع الطيب صالح قلت له ان صاحبه ادوارد سعيد يمثل اسطورة جميلة في هذا الكون بعد رحيله عنا فأجاب "ستزداد هذه الاسطورة جمالا مع الايام".. هل كان الطيب يعلم انه كان يستبق الزمن في رثاء نفسه دون ان يدعه تواضعه يفكر بذلك".وتابع د. شاهين "لا اعرف كاتبا او روائيا استطاع ان يجمع بين جمال الخلق الشخصي وروعة الفن في ذات واحدة .أمس وعلى وجه التحديد كان موضوع السمنار في مادة الادب المقارن للدراسات العليا"موسم الهجرة الى الشمال"مقارنة بقلب الظلام للروائي كونراد. فقرأ احد الطلاب مطلع الموسم وعلق آخر باعجاب فكيف استطاع الطيب ان يمسك بتلابيب كل هذا اللقاء الذي يأسر القارئ من اول كلمة : عدت يا سادتي ..." .واكد د . شاهين ان الكاتب الراحل سيظل يأسرنا بسحر فنه وحسن معشره الى ما لا نهاية واختتم بالقول "رحل الطيب مخلفا لنا اروع مواسم الرواية التي اسست وما زالت تؤسس في المواسم الروائية العربية المتلاحقة".
التاريخ : 19-02-2009
أضف تعليق طباعة الخبر ارسال للصديق  1- رثاء فقيد الامة العربية والادب د. هاشم الفلالى || 2/19/2009 12:56:27 AM بتوقيت الأردن رحم الله الاديب العبقرى الذى يندر وجود امثاله، والذى اثرى المكتبة العربية والقارئش العربى بابداعاته الاديبة التى فى الكثير من تلك العواطف الانسانية النبيلة والجوانب الجميلة والبسيطة مع العمق فى السرد والايضاح والتفصيل بشكل فيه تأثير كبير على من يقرأ روايته وكأنه يعش مع ابطالها واحداثها. أنه بالفعل يستحق جائزة عالمية او اقليمية او محلية، فهذا اقل ما يجب تقديمه مقابل ابداعاته وانجازته الادبية. 2- رحيل الاديب الطيب صالح حسن مصطفي - سوداني مقيم بالسعودية || 2/19/2009 11:23:18 AM بتوقيت الأردن رحم الله الفقيد الطيب صالح بقدر ما قدم لامته العربية .. رحم الله الطيب الإنسان الطيب البسيط ابن القرية البسيطة كرمكول وتزكرت في احدي لقاءته بالتلفزيون بانه ( تربال ) وهذه تعني انه مزارع ومن بيئة بسيطة بشمال السودان ولكنه كان عظيما بأعماله الخالدة . وإنني أنعيه لمحبيه بالوطن العربي قبل محبيه بالسودان واعدك عندم اعود للسودان سوف أزور ( دومة ود حامد) الدومة التي تقف شامخة في قريته كرمكول بشمال السودان .. لك الرحمة.. |
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: jini)
|
Quote:
الطيب صالح يكتب عن الحياة وتجاربه ورحلاته بأسلوب سلس
الدستور ـ طلعت شناعة
لم تختلف شخصية الكاتب العربي الكبير الطيب صالح عن كتاباته. سواء الروائية التي عرفه المثقف في العالم العربي بها مثل روايته الشهيرة "موسم الهجرة الى الشمال" او "عرس الزين" او "ضو البيت" او "مريود" او حتى كتاباته التي تابعناها في مجلة "الدوحة" او "المجلة" او غيرها من الصحف العربية والسودانية. ورغم ان كاتبنا مقل بشكل مدهش في اعماله الادبية معتمدا على صيت ما افرزته رواياته وتحديدا "موسم الهجرة الى الشمال" التي تناولت العلاقة بين الشرق والغرب ـ مبكراـ ، وما تركته من اثر في نسيج ووجدان المثقف العربي ، الا انه يظل المبدع المتميز القادم من السودان ، وليس مبالغة ان يقال انه ساهم بالتعريف ببلده عربيا وعالميا مثلما فعل واحد مثل "جيمس جويس" حين نشر روايته الشهيرة والصعبة "عوليس" والتي تتناول حارات ومعالم"ايرلندا". ومنذ ايام وانا أقرأ سلسلة كتابات ـ جديدة ـ بالنسبة لي صادرة عن دار الريس بعنوان "مختارات" تتناول رحلاته وانطباعاته والاشخاص الذين اثروا واثروا تجربته الحياتية والادبية والعملية منذ عمل في هيئة الاذاعة البريطانية في عصرها الذهبي وسفره وعمله في دولة قطر والاردن ولبنان في منتصف السبعينيات.
وفي الجزء الاول يتناول الطيب صالح شخصية "نادرة" اطلق على صاحبها "منسي" وهو شخص مصري قبطي يعلن اسلامه ويعمل في هيئة الاذاعة البريطانية ويتزوج من امرأة انجليزية من عائلة عريقة فيتحول من حالة الفقر الى الثراء ومن السيارة الصغيرة الى السيارة الفاخرة. وباسلوبه الادبي السلس وخبرته ودفء احساسه ، يقدم "الطيب" صديقه المرح الذي يبدو متهورا احيانا ، لدرجة توريط صاحبه في مطبات كما فعل حين أخذه معه الى محاضرة المؤرخ ارنولد توينبي الذي تناول فيها الصراع العربي الاسرائيلي ، وكذلك حصوله على اجر من الاذاعة التي يعمل بها مقابل مشاركته في برامجها وهو مخالف للنظام فيتورط في ذلك الطيب صالح.
مجموعة كتب الطيب صالح الحديثة تتأرجح في تصنيفها بين أجناس متعددة من أنواع الكتابة تبدأ من الخاطرة والمذكرات ولا تنتهي بالسرد والرواية فحسب ، بل تتخطاها الى كتابة حرة وتلقائية عن ذكرياته ومشاهداته وتأملاته بحيث تكون في مجملها أتوبيوغرافيا (سيرية) مشغولة بقدر كبير من خفة الظل والطرافة والحنكة.
بلغت المجموعة التي أصدرها عن دار رياض الريس تسعة أجزاء تحت مسمى (مختارات) وجاء كل جزء منها في كتاب مستقل بعناوين فرعية مستقلة كالتالي : (منسي . المضيئون كالنجوم . للمدن تفرد وحديث . في صحبة المتنبي . في رحاب الجنادرية . وطني السودان . ذكريات المواسم . خواطر وترحال ).
والجزء الأول من المختارات والذي يبدأ به مجموعته ليس له سياق الرواية المعتاد الذي عرف به الكاتب ، وعنوانه (منسي : إنسان نادر على طريقته) ، ويبدو أنها انتقاءات قد اقتطفها من مقالات عديدة استمر يكتبها وينشرها على نحو أسبوعي في إحدى المجلات العربية (مجلة المجلة) ، التي حرص القارئ العربي على متابعتها منذ نحو خمسة عشر عاماً أو يزيد.
ففي الجزء التاسع نجده يتحدث عن زفاف ابنة الشاعر والسياسي السعودي غازي القصيبي متخيلا ابنته وقد تخرجت من الجامعة الانجليزية بدفء المشاعر الابوية الحميمة. كما يتحدث عن صفات وبعض عادات الانجليز وتحديدا الاسكتلنديين الذين يشبههم بالعرب من جانب طيبتهم ونقائهم. كما يتناول رحلته الى سويسرا والام تريزا الداعية الانسانية ومختار امبو مدير منظمة اليونسكو ، وغيرها من المواضيع التي يجد القارىء متعة في قراءتها. |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: jini)
|
Quote: في قافلة الراحلين عن هذا الزمن العربي الذي اشتدت حفاوته بالموت - وبعد أن هاجم العدم - بشراسة منقطعة النظير - كل أسباب الوجود ، في مرحلة اشتد فيها فجور التزييف الضاري للوعي ، وتصدع فيها الجدار الأخير للصمود ، وتقاطعت جدران القهر الاحتلالي مع أكثر من حائط للبكاء ، وانشرخ فيها جوهر كينونتنا الإنسانية بعد سلسلة من الانكسارات والفجائع التي لم تسلم منها ثقافتنا ، ولم تنج منها ضمائرنا ، فظهرت طبقة من الكتاب والمفكرين الذين كتبوا على سطوح أوراقهم وأقلامهم وألسنتهم"للبيع أو للإيجار" - مضى الطيب صالح الروائي العربي السوداني الطالع من طمي النيل المتدثر بالصحراء العربية والمعتمر بضباب القارة السوداء رافعا بيرق الثقافة العربية الإسلامية مؤكدا انتماءه الإنساني ، وهو ثالث ثلاثة في السودان لامسوا سقف العالمية بإبداعاتهم ضمن جيش لجب من المفكرين والمبدعين العرب ، وهم محمد الفيتوري وعبد الله الطيب والطيب صالح ، تميزوا برؤاهم الإنسانية في الشعر والرواية والدراسات البحوث ، والطيب صالح الذي احتفى به السودان الرسمي والشعبي هو الذي منعت روايته"موسم الهجرة إلى الشمال"منذ سنتين بحجة أنها تنتمي إلى الأدب"البورنو غرافي" أي"الأدب الإباحي"الذي يخالف الإسلام ، وتلك إحدى المفارقات ، لقد كان للتقدير الرسمي الذي شارك فيه رأس الدولة في السودان كما حدث للراحل محمود درويش ما يبعث الأمل ويخفف من قسوة المفارقة.
"أنت بشع ، لم أر في حياتي وجها بشعا كوجهك" بهذه العبارة واجهت (جين موريس) مصطفى سعيد بطل"موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح"التي اعتبرت واحدة من مئة رواية عالمية بارزة في القرن العشرين ، وقد تشكلت في فضائها رؤية حضارية ساطعة كشفت عن استعلائية الغرب من خلال خطابه الذي أماط عنه إدوارد سعيد اللثام في كتابه الاستشراق ، و تبنى فيه مقولات الفيلسوف الفرنسي ( ميشيل فوكو) عن الخطاب والسلطة ، وجسد الصراع بين الغرب المستعمر والشرق المضطهد وتأثيره على المصائر الفردية قبل أن ينشر (هنتنجتون) كتابه الشهير"صراع الحضارات" ، ولم تكن تلك الرؤية الصراعية للحضارة مجهولة من قبل ، فقد عبر عنها كثيرون قبل الطيب صالح وبعده ، توفيق الحكيم في"عصفور من الشرق"وفي "زهرة العمر"وفي كتابه الذي سجل فيه طرفا من حياته في فرنسا "سجن العمر" ، وكان كتاب يحيى حقي"قنديل أم هاشم"قد عمد إلى تجسيد هذا الصراع بين ثقافتين على خلفية السلوك الاجتماعي في واقع متخلف فأبرز القيم الإيجابية لتلك الثقافة : وعمد سهيل إدريس في" الحي اللاتيني" وسليمان فياض في روايته"أصوات"وكثير من كتاب الرواية العربية المعاصرين - من المتأخرين والمتقدمين - إلى مناقشة هذه الإشكالية الحضارية مثل غازي القصيبي في روايته الشهيرة"العصفورية"وتركي الحمد في الكثير من رواياته ، وعصام خوقير في"السنيورة"وعشرات الروائيين العرب ، وكان طه حسين وسلامة موسى ولويس عوض ولطفي السيد ، وحتى المفكرين من زعماء الإصلاح مثل الكواكبي والأفغاني ومحمد عبده وغيرهم قد قاربوا هذه القضية على نحو أو آخر ، غير أن الطيب صالح أصّل الفكرة بشكل أعمق لأسباب عديدة ، من بينها تكوينه الثقافي والنفسي والاجتماعي ، فكان أقدر على التقاط الإشكالية والتعبير عنها ، فموطنه السودان بلد عربي إفريقي إثني التشكيل (عربي ـ زنجي) و(شمالي ـ جنوبي) وهو كما وصّف نفسه"وطني سوداني عربي إسلامي إفريقي عالمي" ، مشيرا إلى طبيعة الثقافة العربية المتسامحة ، مستشهدا بما فعلة المثنى بن حارثة حين سلم الراية في القادسية إلى مقاتل نصراني واصفا إياه بالأخ.
إن ثقافته العميقة تماثل ثقافة"سنجور"الذي بلور رؤية (الزنوجة ) كسمة جوهرية حين أعلى من قيمة هذا النموذج الثقافي في صراع الحضارات ، ومن مقولاته الشهيرة التي جعلت منه فيلسوف الزنوجة "الأبيض لا يستطيع أن يكون أسود لأن السواد هو الحكمة والجمال" ، وفد جاءت في موازاة رؤية أدباء أميركا الجنوبية الذين أسسوا لما عرف في ما بعد ب"الواقعية السحرية"التي مزجوا فيها بين الواقع والخرافة والأسطورة ، وأعادوا اكتشاف خصائص أميركا الجنوبية التاريخية والاجتماعية والثقافية ، فكان من أبرز مبدعيها غابرييل غارسيا ماركيز وماريو فارجاس لوسا وجوليو كورتازار وجوسيه دونوسو بعد أن دشنها الأديب الكوبي أليجو كارينتيير ، من هنا استطاع الطيب صالح أن يقدم نموذجا متفردا معبرا عن مزيج ثقافي حضاري متميزرحب ، ولعله بذلك يرد على الانحيازات العرقية المتشنجة لدى فريق من مفكري الغرب ، فصور بطله في موسم الهجرة إلى الشمال بأنه"اقتحام لأوروبا بانسجام وانسيابية مذهلة. كأول مبعوث سوداني يحقق حلم وصوله إلى لندن ، حيث حظي في سن الرابعة والعشرين بتعيينه محاضراً للعلوم الاقتصادية ، وكم تعلق كًلفا بحرث كتبه الجامعية ، وتوهجت فيه ملاحقة النساء الأوروبيات بهوس جنوني ، تجده يتصدر المنصة خطيباً من أجل"اقتصاد إنساني"ومندداً بالاستعمار. أما شقته فهي خيمة شرقية منمنمه تعتمد إستراتيجية الإغراء فيها على البخور وأعواد الصندل المحروق - مضفياً عليها - بإهابه الأسود الأكاذيب (اللذيذة)"عن الحياة على ضفاف النيل". على حد تعبير هانز بيتر كونيش في مقالته الموسومة ب"الإنجليزي الأسود على ضفاف النيل" : إنه حين فعل ذلك أراد أن يرد الاعتبار إلى الشخصية الشرقية المضطهدة متسلحا بما هو مأثور في الذهنية الغربية عنه ، محاربا بالسلاح نفسه وبالاستعلاء ذاته الذي أشهر من أصحابه.
ولكن أهمية التجربة عنده تكمن في المواجهة الدامية حين أغمد خنجره في قلبها ، فكانت الفحولة التي واجه بها عنصرية الغرب بقسوة دامية ، وقبلها كان العلم أداته حين تفوق في مجال الاقتصاد ، ولكن العلم لم يفلح في مداواة جراحه الحضارية فوقع أسير العقدة ذاتها التي سببتها الحضارة الغربية حين جعلته يستشعر أشرس أنواع الشروخ النفسية والتشوهات الروحية ، وكما يقول النساج في كتابه (بانوراما الرواية العربية ) فإن أوروبا التي منحت مصطفى سعيد العلم قد مزقت شخصيته.. لم يستطع الكبت التاريخي الطويل القائم في أعماقه أن يتماسك فهوى ممزقا بسرعة وتحول إلى مذنب.
إن هذا الفحل الشرقي الذي تحول إلى دون جوان يصطاد النساء الغربيات فيتهافتن عليه كما تتهافت الفراشات على النار قد تسبب في انتحار فتاتين ، وحطّم امرأة متزوجة ، وقتل زوجته ثم كان السجن مستقره ، وكأن ذلك كله كان دليلا على الصدام مع الآخر ورفضه ، ففي حين عاد ليمارس حياته الطبيعية بعد أن أقام في قرية"ود حامد الريفية"وتزوج من إحدى نساء القرية أنجب طفلين وعاش حياة كريمة هادئة متصالحا مع محيطه ولو ظاهريا على نحو ما هو مألوف من البطل المعضل عادة ، وذلك على النقيض مما فعله في الغرب.
لقد عاد إلى السودان بعد أن كاد أن يخسر نفسه تماما في الغرب و بعد أن اصطلى بنار السجن التي يفترض أنها طهرته من عقده الحضارية ليتصالح مع ذاته ، ومع مجتمعه فينغرس في تربته الثقافية والاجتماعية من جديد ملغيا ذاكرته المحتشدة بتلك التجربة المريرة ، لقد حوّل الطيب صالح بطله مصطفى سعيد إلى كائن أسطوري يمثل جوهرا إنسانيا وثقافيا حين انتهى به الأمر - بعد أن اقترن بزوجته الريفية وأنجب منها واستقر به المقام في قريته - نهاية غامضة حيث غرق في مياه النيل زمن الفيضان أو انتحر فاختفى على نحو ما ، رصد الكاتب أثر الغرب في نفسيته وحياته ، فقد سلبه روحه وتعامل مع جسده ، ولكنه تعلم كيف يكون شخصا إيجابيا نافعا في قريته ، لقد كشف الطيب صالح من خلال بطله عن أوهام استقرت في أذهان الغرب عن الشرق ، وعن أوهام الشرقيين عن الغربيين.
لقد تزوجت حسنة بنت محمود السودانية العريقة بنت الريف التواقة إلى الخروج من سجنها الثقافي المحدود من مصطفى سعيد القادم من الغرب ، كلاهما بحاجة إلى الآخر ، فهو يريد أن يتعافى من غربته وجروحها وعقدها ، وهي أرادت أن تتحرر من سجنها ، فهي - كما أحسب - السودان التي ترنو إلى النهوض والتجديد ، وهو الوعد المنتظر من أجل النهوض : لذا كان اسمه مصطفى من الاصطفاء والاختيار وسعيد من السعادة المنتظرة ، وحسنة من الحسن ومحمود من الحمد ، يدل كل اسم على دلالة رمزية مقصودة.
وإذا كان مصطفى سعيد قد قتل جين موريس التي افترض أنها تخونه فإن حسنة محمود زوجته الريفية قد قتلت"ود الريس"الذي أراد أن يتزوجها رغما عنها ، وفي اعتقادي أن دورة العنف هذه تمهد لرؤية متوازنة لا تلقي باللائمة على النظرة الاستعلائية الغربية ، بل تقترب من التفسير الاجتماعي حين تجعل العنف رمزا للدفاع عن الذات التي تتعرض للاضطهاد والقهر.
إن التغيير مدفوع الثمن دائما ، وهو رؤية وإرادة وروح ، ولا يقتصر الكاتب في طرحها على روايته"موسم الهجرة إلى الشمال"بل تشكل جوهر رؤيته في أعماله الروائية ، ففي رواياته كلها يشكل اللقاء بين المكان والإنسان القدم إليها تماسا حضاريا يبعث الروح من جديد ، ولكنها روح لها مواصفاتها ومحدداتها ، فبينما كانت هذه الروح هادئة مطمئنة بلا صخب ولا ضجيج كأنما تنام في أحضان الفطرة السليمة التي تستلهم فيه الشخصية روح المكان وتشتق منه قيمها وثقافتها ، يصطنع عبرها مثالية رومانسية ، ف( الزين ) و(دومة ود حامد ) بمثابة الروح من الجسد ، يحل الزين في بيوتها وطرقها ومقاهيها ومزارعها و فوق نخيلها ويسبح في نيلها باعثا النشوة والفرح في أرجائها مجسدا لمجتمع مأمول - وإن أحدث شيئا من القلق - فهو لا يتهدد سكونها ولا يطيح بأحلامها : أما في موسم الهجرة إلى الشمال فإن بطلها مصطفى سعيد يقلق السكون بما يجلبه من بذور التغيير : و في (بندر شاه) يبدو أكثر مجلبة للقلق الذي يزلزل كيان القرية.
إن أهمية أعمال الطيب صالح الروائية لا تقتصر على رؤيته الحضارية الاجتماعية في روايته الشهيرة"موسم الهجرة إلى الشمال"ولكنها تتأكد عبر تصويره الحميم للقرية السودانية كنموذج لروح المكان في تلك القارة العبقة بأصالة التاريخ وعراقة الحضارة الشرقية في تميزها ، يقول المتوكل طه في مقالته عن القرية عند ه:
"ويحدثك الطيب صالح عن أدوات التجميل عند النساء في القرية ، وأكثرها سودانية خالصة ، الكحل والدلكة والدهن والكبرتة والريحة والحناء كما يحدثك عن الفركة والقرمصيص والبرش الأحمر.ويعرفك بملابس الرجال: الثياب الفضفاضة ، والعباءة السوداء ، وعمامة الكرب نمرة واحد ، ومركوب الفاشر ، وما يفعله العريس في ليلة زفافه حين يلبس الحريرة ، ويتمسح بالدلكة ويضع الضريرة على الرأس ، وتحيط به الصبايا يهزجن بالاغاني.ذخيرة الشعر الشعبي
ويحتفظ الطيب صالح في رأسه بذخيرة كبرى من الشعر الشعبي والدوبيت يستشهد بها في رواياته ، وفي رأسه موسوعة" ، إن هذا كله يعبر عن رؤية واقعية ذات ملمح إنساني حضاري ، فحفاوته بالأشياء يأتي في إطار رؤيته العميقة لما تمثله هذه الأشياء في وجدان المكان وساكنه ، وليست مجرد تضاريس عابرة ، .
إن البطل المعضل في روايته الشهيرة تعكس علاقات البطل المتشابكة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ، فالبطل الروائي كما تقول الناقدة المصرية اعتدال عثمان صورة خيالية تخلقها بنية الكاتب الفكرية متضافرة مع موهبته مستمدة وجودها من الزمان المعين والمكان المعين ، إن مصطفى سعيد واجه إشكالا قيميا على مستوى حضاري شامل ، وليس على مستوى وطني أو قومي فحسب فكان عليه أن يتخذ موقفا ، وإذا كانت أزمة القيم التي يواجهها البطل المعضل عادة تكون نتيجة لما تحدثه التحولات المفصلية في بنية المجتمع فإن بطل الطيب صالح واجه أزمة على مستوى أشمل مما اضطره أن يتخذ موقفا عنيفا انتهى به إلى السجن فعاد ليبحث عن وسيلة يتكيف بها مع مجتمعه وينهي أزمته مستفيدا من تجربته الحية ممثلة في تجربة السجن ، وهذا دليل وعيه بأزمته فكان تكيفه مع ظروف القرية ظاهريا ، وحين واجهته حقيقة اكتشاف أمره من قبل الراوي أثر صدفة أتاحت له الاستراق إليه وهو يتلو مخموراً قصيدة إنجليزية للعائدين من الحرب ، فأضطره إلى كشف دقائق ماضيه الغابر خوف أن يشي به. حينئذ تبدى له أن المصالحة بينه وبين الواقع مصالحة ظاهرية تخفي الرفض الضمني له فاضطر إلى أن يتخذ موقفا جديدا فاختفى واكتنف اختفاءه غموض ، مما جعله بطلا إشكاليا. والغموض الذي يحيط باختفاء شخصية مصطفى سعيد هو الذي منحه بعدا أسطوريا ، وحوله إلى موقف ومعنى. والجدير بالملاحظة فيما يتعلق بهذه الرواية أن الكاتب جعلها مرهونة بالتاريخ ، فلم تكن رؤيته مطلقة استاتيكية ، ولكنه ، ومن خلال عنوانها جعلها متموضعة في سياق بنية متطورة دائمة الحراك والفعل ، فكلمة موسم ذات طبيعة زمنية تكرارية ، فالمواسم تتكرر بشكل دوري ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى جعلها ذات طبيعة كونية تستحضر مواسم الطيور المهاجرة ، وأضفى على المكان ذلك البعد الدلالي الحضاري حين ذكر الشمال كجهة غير محددة جغرافيا ، بل تستدعي إلى الذهن مستوى حضاريا معينا ، فالشمال هو رمز للتفوق والغنى والثراء ضمن جدلية الشمال والجنوب ، وهكذا كان العنوان عتبة الدلالة التي قادت بالضرورة إلى التفسير الحضاري لرؤية الكاتب على النحو الذي أشرنا إليه ، ويتبدى موقف الكاتب من الصراع تجسيدا لإشكالية النموذج المعضل. --------------------------------- د. محمد صالح الشنطي ہ ناقد وأكاديمي أردني الدستور |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: jini)
|
Quote: لطيب صالح وبن لادن * ليلى الاطرش - ولاية أيوا
لم يكن الروائي السوداني الطيب صالح يدري انه نوسترا داموس العرب، وأنه نبه إلى فكر أسامة بن لادن منذ كتب في الستينات روايته الشهيرة "موسم الهجرة إلى الشمال" حين كان بن لادن وأيمن الظاهري طفلين، وأن بطل روايته مصطفى سعيد هو بذرة الإرهاب القادم من الشرق ليهدد الحضارة الغربية.
هذا ما اعتقدته المخابرات الفيدرالية الأمريكية (إف بي آي)، وهي ما زالت تقرأ ترجمة الرواية بالإنجليزية لعلها تتوصل إلى ما يربطها بولادة القاعدة ثم نسف البرجين.
والقصة وما فيها أن الروائي والأكاديمي والناقد من أصل آسيوي (جزيرة جاوا) بيتر نازاريت 75 عاما، يدرّس رواية الطيب منذ أكثر من عشرة أعوام ضمن برنامج الأدب الأفريقي في جامعة ايوا، وفي كل مرة يحاول استنباط جديد في الرواية يقنع به طلابه ويناقشهم فيه.
وقد توصل الباحث لشدة إعجابه بالرواية وقراءة ما خلف السطور مما يوجد أو خلقه خياله، أن مصطفى سعيد هو الطالب العربي شديد الذكاء الذي يدرس في لندن، يذهب إلى الغرب - الصليبي والمحتل - ليهزمه في عقر داره بالجنس، وبالصورة التي يرسمها الاستشراق للعربي، البخور والغموض والتهتك مع النساء اللواتي يغرمن به ثم يدفعهن للانتحار، وهو في رأي نازاريت انتقام من المحتل الصليبي على اعتبار أن المرأة الغربية في تلك الفترة كانت ما تزال جزءا من ملكية الرجل، ولكنه حين يدمر "جين" يدمر نفسه أيضا فروحها تطارده لأنه اكتشف أنه أحبها فعلا.
وقد اسقط الأكاديمي نازاريت موقف مصطفى سعيد على فكر القاعدة، ودعا طلابه إلى فهم بطل الطيب صالح للوصول إلى فهم تفكير القاعدة حين قتلوا آلاف الأشخاص الأبرياء في 11 سبتمبر، وأن فهمهم لفكر مصطفى سعيد سيقودهم لفهم فكر الإرهاب، فهؤلاء سيدمرون أنفسهم ومن يحبون بينما يعتقدون أنهم يدمرون الغرب، وأن الطيب نبه إلى الفكر الذي يحكم بعض الشرقيين منذ الستينات، وكان يجب الانتباه إلى مثل هذه الإشارات. فتبرع أحد عيون المخابرات من الطلبة وكتب تقريرا بأن لدى أستاذه معلومات عن فكر القاعدة 11و سبتمبر قبل وقوعها. يعني حكاية دس المخبرين الصغار في الجامعات ليست صناعة عربية أو اختراع دول عالم ثالت سلطوي قمعي، بل صناعة أمريكية أيضا، والتحقيق مع الأفكار والكتابة يحدث في دول تدعي حرية التعبير والديمقراطية.
حققت المخابرات المركزية مع المدرس حول علاقته بـ11 سبتمبر، وماذا يفهم من فكر القاعدة ولماذا صرح أمام طلابه أنه توقع مثل هذا الاعتداء؟ وهل أخبره أحد أنه سينتقم أو يضع قنبلة؟ التحقيق كان طويلا ومضنيا ولكن بلا لطشة كف واحدة، ولا تعذيب ولا شتائم ولا تهديد ولا اعتداء وامتهان كما في التحقيقات العربية، وساندته جامعته منذ اللحظة الأولى وما زالت، زاره المحققون في بيته وفتشوه، ثم سألوه عن علاقته بنسف البرجين فأدرك الالتباس، وحمل الرواية معه إلى التحقيق واستمر يشرحها لهم.
وكانت نتيجة التحقيق أن الأستاذ لم يمنح الجنسية الأمريكية رغم استيفائه للشروط وانتظاره سنوات، وعليه ان يتقدم بطلب جديد، بينما نالتها زوجته وأفراد عائلته.
وما زالت الدوائر الأكاديمية والصحافة في ولاية ايوا تتندر بالحادثة، والمضحك أن المدرس لم يلتق بالمؤلف أبدا رغم إعجابه به، ويتساءل: كيف تسمح المخابرات الفيدرالية للطيب صالح بالمشاركة في مؤتمر أدبي في نيويورك بينما تحقق معي أنا حول فكره وروايته؟ وفي حادث مشابه ربحت المحامية البريطانية من أصل آسيوي قضية التعويض ضد المخابرات البريطانية لمنعها من العمل، لأنها مزحت بغيظ مع شرطي أمعن في تفتيشها بعد أيام من تدمير البرجين، بأنها صديقة ابن لادن، فبدأت معاناتها لسبع سنوات.
لو كانت المحامية البريطانية امرأة بيضاء، والأستاذ الأمريكي أشقر اللون لما أخذ كلامهما على محمل الجد إلى حد الفصل من العمل، أو تحقيق المخابرات الفيدرالية.فرغم الادعاء الغربي بمحاولة مد جسور الفهم والتعايش مع الشرق، واحترامه للمادة الأولى من حقوق الإنسان التي تنص على عدم التمييز باللون أو العرق أو الدين، إلا أن التمييز باللون ما زال يتحكم في ذهنية الغربي ورؤيته للآخر، ويظل الملون متهما ومشكوكا فيه حتى تثبت براءته.التاريخ : 15-09-2008
التاريخ : 15/09/2008 |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: jini)
|
Quote: كتب تراجيديا العلاقة بين الشرق والغرب * فخري صالح
على قلة ما أنجزه الروائي السوداني الراحل الطيب صالح (1929ـ )2009 من روايات إلا أنه ظل علامة أساسية في المنجز الروائي العربي طوال ما يزيد على نصف قرن ، وذلك منذ ظهرت روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" في طبعتها الأولى عام ,1966 لكن ما أصدره الروائي الراحل عنا يوم أمس لم يتعد الأعمال الروائية الأربعة: عرس الزين (1966) ، موسم الهجرة إلى الشمال (1967) ، بندر شاه وقد صدرت في جزأين: ضوء البيت (1971) ، ومريود (1977).
ومع ذلك فإن هذا العدد المحدود من الروايات قد بوأ الطيب صالح مكانة رفيعة في تاريخ الكتابة الروائية العربية المعاصرة ، ولفت الانتباه إليه بوصفه واحدا من روائيين قلة طوروا النوع الروائي في القرن العشرين ، وفتحوه على أسئلة وجودية مصيرية على رأسها سؤال الهوية العربية ـ الإفريقية وسؤال العلاقة المصيرية المعقدة مع الغرب. ويمكن النظر إلى روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" كتجسيد جمالي لتجربة المستعمر والمستعمرَ في فترة كانت فيها الإمبراطورية البريطانية تغادر آسيا وإفريقيا. كان الطيب صالح في تلك الرواية يقدم قراءة سردية ما بعد كولونيالية مبكرة للشرخ الذي أحدثته تجربة الاستعمار في أرواح الذين وقع عليهم الاستعمار في إفريقيا والعالم العربي ، كما كانت روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" مختبرا للأفكار النمطية التي نشرها الإستشراق الغربي وعزز حضورها في الأوساط الأكاديمية ، وكذلك في أذهان العامة من مواطني الدول الغربية.
بسبب تماس "موسم الهجرة إلى الشمال" مع تلك الأسئلة المعقدة المتصلة بتجارب الشعوب المستعمرة ومستقبل العلاقات بين كتلتين حضاريتين (شرق وغرب ، جنوب وشمال) أثارت هذه الرواية الكثير من الجدل والأسئلة وظلت هدفا للتحليل والتساؤل حول الرسالة التي تحملها وطبيعة العلاقة بين بنيتها الروائية ومحمول هذه البنية.
لكن أهمية "موسم الهجرة.." لا تقتصر على موضوعها ، والأفكار التي تثيرها ، والرؤى الحضارية التي تقدمها في ثنايا سردها ، بل إنها تكمن في ترتيب أحداث قصتها ، حيث يقلب الطيب صالح صفحات الحكاية بطريقة تخلق توترا مدهشا في العلاقة بين الراوي ومصطفى سعيد ، أولا ، وبين ما يرويه الراوي والمتلقي ثانيا. وفي هذه البؤرة من التوتر ، والرغبة في معرفة الحكاية ، تتكشف للراوي والقارئ معاً تراجيديا مصطفى سعيد وحياته السابقة التي تلقي بظلها القاتم على أيامه الأخيرة التي فضل أن يعيشها في تلك القرية النائية من قرى السودان.
على حواف هذه الرواية الكبيرة المدهشة تقيم أعمال الطيب صالح الأخرى. ولا يعني هذا الكلام انتقاصا من روايات الكاتب السوداني الكبير : بل إن ما أقصده هو أن "عرس الزين" ، و"ضو البيت" و"مريود" هي استعادات لسؤال الهوية والمكان والبيئة الشعبية السودانية والعالم البكر الذي لم تلوثه الحضارة الغربية التي عبرت فوق جسد العالم الإفريقي ، ما يمثل ترياقا لعقابيل تجربة الاستعمار التي كتبتها "موسم الهجرة.." بصورة مواربة. ومن هنا تبدو هذه الروايات وكأنها تمثل العنصر الموازي الذي يقيم ثنائية ضدية مع "موسم الهجرة إلى الشمال".التاريخ : 19-02-2009
التاريخ : 19/02/2009
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: jini)
|
Quote: حظة : «الطيّب» الذي مات ، طلعت شناعة
قبل عام تقريبا ، قرأت الاعمال الكاملة التي اعادت نشرها "دار الريس" للكاتب الكبير الطيب صالح. وتحديدا الجزء الذي حمل عنوان "منسي: انسان نادر على طريقته" وهو الذي يتناول بداياته وعلاقاته. وبعد ان استمتعتُ بالاجزاء التي "وصلتني" ، اقترحتُ على رئيس تحريرنا المسؤول الدكتور نبيل الشريف استضافة "الطيب" في"منتدى الدستور". و كالعادة ، ترك د. نبيل "الكرة في مرماي". وقال: "دبّر حالك.. جيب لنا رقم تلفونه واحنا بنكمل".
ادركتُ لحظتها انني كالعادة ، ورطت حالي. وبدأت البحث عن عنوان صاحب"موسم الهجرة الى الشمال". عدت الى مقالاته في مجلة"المجلة ". واكتشفتُ انه لا يضع عنوانه الالكتروني اسفل مقالاته كما يفعل اغلب كتابنا. وبحثت في"سنترال" "المجلة" دون جدوى. "الاستاذ مالوش تلفون عنا". وقمت بالاستعانة بصديق. وهذه المرة كان الملحق الثقافي بالسفارة السودانية السابق ياسر الصدّيق. ولم يقصر الرجل وقال لي : "والله يا زول بحاول مع سفارتنا في لندن وقالوا ان "الطيب" مريض وان شالله اتابع لك الموضوع لما يطيب".
ومرت سنة..
وها نحن نقرأ خبر رحيل الكاتب الاشهر عربيا ومن لندن حيث وافته المنية ليلتحق بالراحلين الكبار ، ويتركنا نستذكر ايامه وايامنا معه.
ذات يوم جاء الطيب صالح الى الاردن وكان يعمل في "اليونسكو" وحضرت حفل استقبال اعدّ على شرفه. وكان في الحفل استاذنا الراحل محمود الشريف الذي لمحني ودعاني واضعا يده على كتفي وقدمني للكاتب الكبير قائلا : الاخ طلعت من ابناء"الدستور"الجيدين. وعلى الفور طلبتُ منه موعدا لاجراء حوار ـ والحديدة حامية - مستغلا وجود"ابو شوقي". وافق الرجل وقال"تشرفني عل"الاوتيل". وما زبطت فكانت مشاغله اضيق من ان تتسع لمقابلتي. ولم اغضب. ورجعت الى اعماله التهمها اكثر.. واكثر.
لم تختلف شخصية الكاتب العربي الكبير الطيب صالح عن كتاباته. سواء الروائية التي عرفه المثقف في العالم العربي بها مثل روايته الشهيرة "موسم الهجرة الى الشمال" او "عرس الزين" او "ضو البيت" او "مريود" او حتى كتاباته التي تابعناها في مجلة "الدوحة" او "المجلة" او غيرها من الصحف العربية والسودانية. ورغم ان كاتبنا مقل بشكل مدهش في اعماله الادبية معتمدا على صيت ما افرزته رواياته وتحديدا "موسم الهجرة الى الشمال" التي تناولت العلاقة بين الشرق والغرب ـ مبكراـ ، وما تركته من اثر في نسيج ووجدان المثقف العربي ، الا انه يظل المبدع المتميز القادم من السودان. وليس مبالغة ان يقال انه ساهم بالتعريف ببلده عربيا وعالميا مثلما فعل واحد مثل "جيمس جويس" حين نشر روايته الشهيرة والصعبة "عوليس" التي تتناول حارات ومعالم "ايرلندا".
[email protected]
date : 20-02-2009
التاريخ : 20/02/2009 |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: jini)
|
Quote: بعد رحلة الهجرة الطويلة إلى الشمال يعود الطيب صالح إلى الوطن
واشنطن - الدستور - محمد سعيد
غيّب الموت فجر الأربعاء الماضي في بريطانيا الكاتب والروائي السوداني الكبير الطيب صالح ليوارى الثرى في موطنه الذي تركه مهاجرا إلى بريطانيا ليضيف بذلك معنى جديدا لرائعته "موسم الهجرة إلى الشمال" التي تناول فيها بشكل فني راق الصدام بين الحضارات وموقف إنسان العالم الثالث ورؤيته للعالم الأول المتقدم.
وإذا كان الطيب صالح قد رحل فإن كتاباته لم ترحل معه ، فهو من قال "أنا لم أكتب فى أي عمل من أعمالى سيرتي الذاتية ، ولكن بطبيعة الحال ، أنا الذي أكتب الرواية ، وهذا يعني أني موجود فيها بشكل أو بآخر".
ورغم سنوات إقامته الطويلة في لندن وإتقانه اللغة الإنجليزية إلا أن الطيب صالح آثر بلغته العربية الأصيلة وترك للعالم نشر رواياته وكتاباته التي تتسم بالتواضع الكبير والبساطة ، بأكثر من 35 لغة.
كان تواضع وبساطة كتاباته انعكاسا لتواضع نفسه حيث قال إنه لا يجب أن يشغل نفسه بتقديم شكل جديد ، فهو على أية حال لن يأتي بجديد ، لأن الأشكال عرفت ، هو عليه أن يقول ما يحس به بإخلاص بأي شكل يريحه ، حتى وإن كتب بالطريقة التقليدية المعروفة ، فهو يصل إلى الناس.
ولد الطيب صالح في عام 1929 في قرية كرمكول في إقليم مروي شمالي السودان قرب قرية دبة الفقراء ، وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها ثم انتقل للخرطوم والتحق بالجامعة دون أن يتم دراسته فيها ، وغادر السودان لبريطانيا عام 1952 ، وعمل مديرا لقسم الدراما في إذاعة (بي بي سي) العربية ، وعمل في وزارة الإعلام القطرية في الدوحة وفي مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) بباريس.
وتبوأ الطيب الصالح مركزا مهما على خريطة الرواية العربية ، خصوصا بعد نشر روايته (موسم الهجرة إلى الشمال) في بيروت عام 1966 ، ومن رواياته التي اكتسبت شهرة ، رواية (عرس الزين) التي تنقل إلى القارىء أجواء الريف السوداني وشخصياته ونوادره وقد تم إخراج الرواية فيما بعد في فيلم حمل اسمها.
وبدأ الطيب صالح ينشر أعماله الأدبية منذ أوآخر الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي ، حيث نشر (نخلة على الجدول ، حفنة تمر ، دومة ود حامد) عام 1967 و(عرس الزين وسبع قصص قصيرة) عام 1967 و(موسم الهجرة إلى الشمال) عام 1967 ، و(بندر شاه) عام 1971 و(مريود) عام ,1997 ومن بين أعماله أيضا (ضوء البيت) و (منسي).
وبوفاة الطيب صالح انطوت صفحة مهمة من تاريخ الأدب السوداني حيث اثار مجموعة من القضايا والنقاشات الأدبية والفكرية ، فهو قد نفى أن تكون (موسم الهجرة إلى الشمال) سيرة ذاتية لشخصه ولكن الملاحظات ووجهات النظر التى يطرحها توحى للقارى بهذه.
وحول مفهوم التراث ، كان الطيب صالح يؤكد دائما ان التراث في العالم العربي هو شيء أصيل وفي ذلك قال "إننا نحن في العالم العربي نتصور التراث على أنه عبارة عن أشياء موجودة في مخزن ونقوم بفتح المخزن ونأخذ منه أشياء ، حقيقة التراث أنه موجود في دمنا ، وجزء من تكويننا وهو ميراثنا ، ولم نرثه بل إن بعض ما يسمى التراث بمعنى أنه قديم وأنه لم يعد يلائم حياتنا المعاصرة ، ولكنه في الحقيقة أنه أكثر معاصرة من كثير مما يزعم له ، وهناك ما يسمى بالتراث الشعبي ، وهذا ما اسميناه فلكلورا ووضعناه في قفص في هذه التسمية وانتهينا ، علما بأنه جزء من تفكيرنا ووجداننا وحياتنا."
وكان يعتبر أن التراث بالنسبة له أمر شديد الأهمية ، أما كيف يمكن توظيفه في الأدب لذلك كان يدعو دائما إلى الاهتمام بجمع "الشعر الشعبي في جميع البلاد العربية والذي يطلق عليه النبطي في بلدان الخليج العربي ، والزجل في بلاد الشام ، والنم في موريتانيا ،"مؤكدا أن ذلك هو "كلمات لا توجد في المعجم المتداول الآن في الشعر الفصيح."
ونظرا لأهمية وانتشار ما كتبه هي سبب في دعوة العديد من المؤسسات والجمعيات الأدبية والثقافية السودانية إلى ترشيح الطيب صالح لجائزة نوبل للآداب ، وفي ذات السياق أكد عدد من الأدباء والمثقفين العرب دعمهم لترشيحه لنيل الجائزة رغم زهده فيه. فقد قال في معغرض تعليقه على هذه الدعوات "جائزة نوبل هذه كما قال مولانا الطيب المتنبي : أنا الغني وأموالي المواعيد ، أنا لا أشغل نفسي بهذه الجائزة ، وأشك في أنني سأحصل عليها ، وليس مهما عندي ذلك ، لأن هناك في العالم عشرات الكتاب الموجودين الكبار الذين يستحقون نوبل ، وبعضهم في العالم العربي هم كبار لم يعطوا جائزة نوبل ، إذن هي كاليانصيب ولن تأتي في الغالب لو جاءتني سوف أفرح بها ولا أزعم أني فوق هذا ، ولكن حقيقة لا أشغل نفسي بها."
انشغال الرئاسة السودانية في قضايا الصراع الداخلي والخارجي لم يمنعها من تمجيد الراحل حيث قالت في بيان النعي إن "الفقيد كان له القدح المعلى في نشر الأدب والثقافة السودانية في مختلف أنحاء العالم من خلال رواياته ومؤلفاته وكتاباته الرائعة التي ترجم العديد منها باللغات العالمية".
أما رئيس اتحاد الكتاب السودانيين إبراهيم إسحق فوصفه ببحر الإبداع ، مشيرا إلى أنه شغل حيزا كبيرا في خارطة الإبداع العالمية والعربية والأفريقية والسودانية "بعطاء قوي بربطه لقضايا الشرق الأفريقي والعربي من خلال رواياته".
واعتبر رئيس الكتاب والروائيين السودانيين الشاعر والروائي عالم عباس أن الفقد كبير وجاء في الوقت الذي كان الجميع مهموما بالإعداد لتكريمه تكريما يليق بمكانته. وقال "رغم أن الموت حق فإنه لم يكن في تصورنا أن يرحل عنا هذا الهرم في الوقت الذي كنا بحاجة كبيرة إليه وإلى إبداعه وسودانيته."
date : 22-02-2009
التاريخ : 22/02/2009
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: jini)
|
Quote: ذكريات اذاعية: الطيب صالح * محمود توفيق الشاهد
غيب الموت الطيب صالح الأديب السوداني الكبير الذي رشحته الأوساط الأدبية العربية والعالمية لجائزة نوبل للآداب على كتاباته القصصية الرائعة التي أتحف بها المكتبة العربية منذ منتصف القرن الماضي بدءاً بقصته الشهيرة «موسم الهجرة الى الشمال» التي قال عنها بعض النقاد انها قد تمثل سيرة شخصية لهذا السوداني البسيط المنطلق من بيئة قروية الى رحاب مجتمع غربي غريب عن عاداته وتقاليده.
عرفت الطيب صالح غيباً في الخمسينيات من القرن الماضي حين نشر قصته «موسم الهجرة الى الشمال» في روز اليوسف المصرية التي كانت في حينها طليعة المجلات المصرية والتي يصر قارئوها على انها كانت تقرأ من الدفة الى الدفة جمعاً مع وليدتها مجلة صباح الخير.
وعرفته غيباً - وأنا المذيع المحترف - من الاذاعة البريطانية حيث عمل فيها صوتاً هادئاً متميزاً يمتاز بالثقافة والعمق الاذاعي ولا عجب فأنت تعرف المذيع المثقف من صوته وطريقة تقديمه لمادته الاذاعية.
ولكني عرفته جيداً من خلال مزاملتي له في العمل في وزارة الاعلام القطرية التي استقطبته مديرا للاعلام فيها خلفا للمرحوم الاستاذ محمود الشريف. ولقد كنت آنئذ مساعدا له وكيلا لادارة الاعلام القطرية.
ولقد كانت فترة الاستاذ محمود الشريف حافلة بالاعمال والمنجزات الاعلامية التي صاحبت انشاء ادارة الاعلام القطرية فبرزت المنشات الاعلامية التي اضيفت الى الاذاعة وهي التلفزيون والمطبوعات والنشر والسياحة والاثار والمتحف القطري الشهير والثقافة والفنون ونواة الصحافة القطرية اليومية (جريدة العرب).
وجاءت فترة الاستاذ الطيب صالح الذي جاء من الاذاعة البريطانية آنذاك فأضفى على ادارة الاعلام القطرية مسحة ثقافية متميزة ساعده في ذلك الاستاذ الدكتور عيسى غانم الكواري الذي كان وزيراً للاعلام ورئيساً للديوان الاميري. وقد تجلى ذلك في مجلة (الدوحة الثقافية) التي تناوب على رئاسة تحريرها كل من الدكتور السوداني محمد ابراهيم الشوش والسيد رجاء النقاش الصديق الشخصي للاستاذ الطيب صالح. وقد كانت هذه النافذة الثقافية الدسمة والتي كانت تطبع حوالي مائة الف نسخة شهريا توزع في جميع انحاء العالم العربي وبأسعار رمزية ، كانت مساهمة طيبة للثقافة العربية شارك فيها الكثير من الكتاب والادباء والشعراء والمفكرين العرب مما جعلها في مقدمة المجلات الثقافية في العالم العربي.
ثم كانت الكتب الاعلامية الثقافية عن دولة قطر ومن ابرزها كتاب للكاتبة الانجليزية (هيلجا جراهام) بالانجليزية arabian time machine وكتب اخرى لكبار الصحافيين العالميين وقد ساعد في ذلك اللغة الانجليزية الراقية التي تمتع بها الطيب صالح والعلاقات الجيدة مع ادباء العالم.
ومن المظاهر الثقافية العناية بالفنون الشعبية القطرية والخليجية فمن مسرحيات شعبية عرضت في المسارح القطرية وبمواهب قطرية ساعد في ابرازها الباحث الشعبي المصري الشهير زكريا الحجاوي والمخرج الاردني المتميز هاني صنوبر والموسيقي المعروف السوري تيسير عقيل وجُمعت من خلالها مخطوطات هامة من الفولكلور القطري والخليجي التي وثقت في وزارة الاعلام والادارة الثقافية فيها.
وقد كثرت المعارض الفنية في تلك الحقبة واشتهر عدد من الرسامين التشكيليين الذين عرضوا لوحاتهم في قطر والدول العربية المختلفة.
يقول المثل (لكل امرىء من اسمه نصيب) فقد كان الطيب صالح خير مثال لذلك المثل ، لقد كان طيب السيرة طيب العشرة هادىء الطبع هانىء المعشر حكيماً في ارائه فكهاً ظريفاً لا يُملّ له حديث متواضعاً في طباعه يعطي كل ذي حق حقه ونصيبه من الشكر اذا ما أدى عملاً جيداً ، صريحاً في اقواله ولكنه يحرص على ان لا يجرح احداً يتحدث اليه.
ومن نوادره التي لا أنساها موقفه في معرض الكتاب الذي اقيم في الدوحة وعرضت فيه الاف الكتب من شتى المواضيع وجيء بكتابه وقصته المشهورة (موسم الهجرة الى الشمال) وعرضه كباقي الكتب على لجنة مراقبة محلية قضت ان في الكتاب مواضع تعتقد انها مخلة بالآداب،، وبذا مُنع عرضه في المعرض.. ووافق الطيب صالح على ذلك ضاحكاً قائلاً: فليكن ذلك،،.. وبالفعل منعت القصة من العرض.
ومن الجدير بالذكر ان قصص الطيب صالح كانت قد ترجمت الى لغات عدة وخاصة قصة موسم الهجرة الى الشمال وحدث ان تسلم المرحوم رسالة من السفارة الاسرائيلية في لندن تخبره فيها ان قصته تلك قد ترجمت الى العبرية وتضمنت الرسالة شيكاً بمبلغ من المال نظير تلك الترجمة.
وفي الايام التالية تسلمت السفارة الاسرائيلية رسالة من الطيب تقول: شكراً للشيك الذي حولته بدوري تبرعاً لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في لندن.
وهكذا كان الطيب صالح عروبياً حتى النخاع في مشاعره وأعماله.
رحم الله ابا زينب الذي انجب ثلاث فتيات من زوجة فاضلة انجليزية الاصل ، كبراهن زينب التي كان عادة يلقب باسمها ، وكثيراً ما أسرَّ لي ضاحكاً ومازحاً (نفسي بزوجة سودانية).. رحمه الله.التاريخ : 24-02-2009
التاريخ : 24/02/2009
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: طارق جبريل)
|
Quote: الطيب صالح.. روايته «موسم الهجرة الى الشمال» ملأ صيتها الآفاق د. محمد شاهين
أول عهد لي بموسم الهجرة إلى الشمال في بداية السبعينات من القرن الماضي عندما كنت في أواخر مرحلة الدراسة الجامعية. إذ وقعت عيناي على نسخة من الموسم بالإنجليزية في مكتبة هيفرز بجامعة كيمبردج. أذكر جيداً كيف بدأت قراءتها في ذلك المساء وسط البرد القارص الذي يلف المدينة بداية من فصل الخريف ولم تكن غرفة دراستي آنذاك مزودة بالتدفئة الضرورية لكن حرارة الموسم كانت تعوضني عن لسعة الريح البارد الذي كان يتسلل إلى غرفتي من كل الجهات. بدأت قراءتها ولم أستطع التوقف إلا بعد أن فرغت من آخر كلمة في الرواية. بعد ذلك بدأت على الفور أبحث عن الرواية بلغتها الأصلية لأعيد قراءتها وكان من الطبيعي أن تكون قراءة الرواية بالعربية أشد متعة. أيضاً تولد عندي فضول في البحث عن صاحبها ربما رغبة في إشباع فضولي للتعرف على مبدعها. سنوات مضت دون أن أفلح بلقائه آخرها كان في ربيع عام 1983 عندما كتبت له من جامعة أكسفورد حيث كنت أقضي إجازتي الدراسية في تلك الأثناء. كان الطيب في باريس يعمل في اليونسكو وكتبت له طالباً مقابلته في أي مكان يختاره. لكنه لم يجب. علمت بعد ذلك أنه لا يعبأ بالمقابلات ولا بالعلاقات العامة ولا بالخاصة وأنه يؤثر أن تظل حياته سائرة في دربها اليومي العادي دون مقاطعة من أي نوع. هذا هو طبعه الطبيعي غير المتكلف.
ومن قبيل الصدف أن ألتقي به أول مرة في عمان عندما كان يعمل في مكتب اليونسكو ، دعوته للقاء مفتوح مع طلبة الدراسات العليا في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها عام ,1989 كان لقاء حميمياً لا ينساه أحد من الذين حضروا اللقاء وقد قمت بنشره في دراسة مقارنة عن موسم الهجرة إلى الشمال دراسة نقدية مقارنة ظهر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (دار الفارس). أود أن أذكر هنا سؤالاً وجهته إليه طالبة قبيل انتهاء اللقاء: ماذا عن بناتك الثلاث: هل تلاحقهن الشهرة الواسعة التي يتمتع بها والدهن؟ أجاب الطيب: هذا سؤال أثير جداً عندي ولا يسأله الناس. أشكرك على السؤال وأكتفي أنك سألت السؤال لكني سأهديك في هذا اللقاء هدية من الموسم لم أقدمها لأي سائل من قبل لأنك سألت عن بناتي. الهدية هي المرجعية التي تنتمي إليها شخصية جين موريس التي لم أكشف عنها من قبل رغم السؤال الملح على ذلك من قراء الموسم: جين موريس فتاة بريطانية قابلتها عرضاً في متحف الفنون بلندن عندما كنت في زيارة لمعرض الفن الانطباعي. دعوت الفتاة لتناول الشاي بعد زيارة المعرض ودار بيني وبينها حديث طويل ، كنت في ذلك الحين شاباً يافعاً أول عهدي بحياة الغرب والغربة ، لم أر جين موريس بعد ذلك.
ولا يعني هذا أنه أصبح باستطاعتنا التعرف على ضالتنا في الرواية. فالدلالة التي يثيرها اعتراف الطيب هنا أهم بكثير من الاعتراف في حد ذاته. والذي سمع الطيب وهو يقدم هذا الاعتراف طوعاً يستشف من نغمة صوته الدافئ الذي كان يجسد الحنين إلى تلك المناسبة يدرك أن اللقاء مع جين موريس كان لقاء شوق لا علاقة مباشرة له بما تفرع عنه من صورة اكتسبت فيما بعد ألواناً متعددة لم تكن بداية في الحسبان: علاقة تشابك فيها الخير والشر ، الحب والكره ، الماضي والحاضر بأبعاده التاريخية ، بل وتعمق فيها الصراع بين الخاص والعام عمق الحياة نفسها وشموليتها العريقة. وما يمكننا أن نستشف من هذا الاعتراف هو أن مناسبة بسيطة كهذه يمكن أن تتحول على يد الفنان إلى عمل خالد عندما يعانقه شوق الخلود وينطلق به بعد ذلك عبر القيود وخلف الحدود.
بقيت على اتصال مع الطيب بعد أن غادر عمان إثر حادث كان وقعه مؤلماً على الجميع إذ لقي صديقه مدير فرع اليونسكو في عمان حتفه على يد سائقه الذي أطلق عليه النار دون أي سبب. وتبين فيما بعد أن المدير كان من أكثر المحسنين إلى سائقه طيلة فترة عمله وأن السائق كان مختلا عقلياً. كتب الطيب مقالاً بعنوان: "القاتل القتيل" مبيناً كيف يأسى المرء على الناس. وبهذا المقال ودّع الطيب عمان التي أحبها وأحبته إلى غير رجعة.
التقيت بالطيب كثيراً خارج عمان ، في لندن حيث إقامة الطيب الدائمة التقيت به عدة مرات. كان مكان اللقاء البوابة الرئيسية للمتحف البريطاني حيث كنا ننطلق بعدها إلى شوارع لندن التي يحفظها عن ظهر قلب. قصدنا مرة مطعماً مقابل المتحف البريطاني لتناول الغداء ، تأخر السفرجي بعض الوقت. احتد الطيب على غير عادته ، ووبخه عندما حضر. علق قائلاً: جماعتنا ما زالوا يتأثرون باللون ، وإلا لماذا حضر ذلك الجرسون إلى الطاولة المجاورة التي حضر زبائنها بعدنا بكثير. في مرة أخرى انطلقنا إلى بيكاديللي إلى مطعم آخر ، بينما كنا نقطع الشارع الذي يتفرع من محطة الأنفاق الأرضية قال الطيب: هنا - مشيراً إلى مدخل المحطة - ياما قطعن قلوبنا البنات الإنجليزيات ونحن في موسم الشباب. علقت على الفور: وهل كن آسرات إلى هذا الحد. أجاب: يا ريت ، هن ماكرات ، يعدن ولا يفين بالوعد ، سبحان الله، وبينما كنا نتمشى على مقربة من محطة فكتوريا كاد فضولي يدفعني إلى أن أسأله شيئاً عن ذلك المكان الذي التقى فيه مصطفى سعيد بـ جين موريس إذ انطلقت الدراما العنيفة في الرواية من ذلك اللقاء الأول. أحجمت عن السؤال خشية أن أثير فيه نوعاً من النوستالجيا غير المحببة لديه. إذ ذكر لي مرة أنه لم يقرأ الموسم بعد نشرها إلا مرة واحدة. وقدرت أن السؤال عن مرجعية المحكمة في الموسم ومشهدها الرائع حيث يمثل مصطفى سعيد أمام المحكمة بجرأة أسطورية ربما يكون أخف وطأة.
أجاب الطيب أنه قضى أسابيع يبحث في وثائق المحكمة القديمة (old bayley) عله يجد ما يستشف من ذلك المشهد لكنه قرر في النهاية أن يعرض عن المشروع ، وأن يكتب المشهد من الخيال ، ومن الواضح أنه وفق في ذلك.
دعاني إلى العشاء في بيته مع عدد من أصدقائه في لندن أذكر منهم نديم صوالحة ، وصلت مبكراً بعض الوقت خشية أن أضل الطريق. بيت متواضع جداً بكل ما في الكلمة من معنى ، لا يذكرك أبداً بذلك البيت الفخم الذي شيده مصطفى سعيد في السودان ليكون ملاذه الوحيد الذي يعزله وذكرياته عن باقي البشر والبشرية ، يقتات فيه على مخزون تجاربه في الشمال بعد أن عاد واستقر في مسقط رأسه في الجنوب. ولا يذكرك أيضاً بشقة مصطفى سعيد في لندن. سألته قبيل وصول المدعوين ما إذا كتب شيئاً لم ينشر وما زال مخطوطاً فأجاب: كتبت الكثير ، كنت مغرماً في يوم من الأيام بترجمة شكسبير وغيره من الكتاب الغربيين. أين هي إذن؟ كان ردي عليه. ربما توجد في مخزن هذا البيت أو بعضها على الأقل -مشيراً إلى زاوية في الطابق الأرضي من البيت - الكثير الكثير منها. من عادتي أن أكتب وأطرح ما أكتبه جانباً دون توفر الرغبة لدي في تجديد العلاقة مع ما كتبت وأودعته سجل النسيان. كانت أمسية رائعة أسبغ الطيب عليها من تلقائيته في الحديث وأدبه الجم المعروف ما جعل السهرة تمتد إلى ما بعد منتصف الليل.
كم كان سروري عندما علمت أن الطيب أصبح عضواً في مجلس أمناء مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري. هاتفني الكاتب المسرحي عبد العزيز السريّع أمين عام المؤسسة قائلاً إنها لفرصة طيبة أن يلتقي الجميع بالطيب بعد أن انضم إلى أسرة الجائزة. كنا نخرج كل مساء نتمشى على البحر عندما يكون اجتماع المؤسسة في الكويت. ذات مساء وكان الهدوء يخيم على المدينة في ساعة متأخرة التفت الطيب إليّ وهو يعلق بسخرية حادة: هل كان ذلك الرجل بكامل عقله وهو يغزو مدينة كاملة عندما كان أصحابها نياماً أطفالاً و شيوخاً ينعمون بالسكينة والأمان في بيوتهم ، حاولت أن أذّكره أن ماكبث قتل دانكان ، الملك ، وهو نائم. وكنت على علم أنه يتذكر شكسبير وخصوصاً الروائع الأربع المأساوية وتفاصيلها. لكن صاحبنا علق الطيب لن يرقى إلى مستوى التراجيديا ، تذكر أن ماكبث سلب نعمة النوم على اثر اغتياله النوم ، كما قال شكسبير. أما صاحبنا فربما نام قرير العين هانيها ليلة الغزو ، ليلة اغتيال النوم.
في الجزائر عقدت مؤسسة الجائزة إحدى اجتماعاتها العامة ، كانت الطاولة التي يجلس عليها الطيب عند الفطور أو الغداء تبدأ باثنين وتتضاعف إلى أن تكتظ بالجالسين. قال أحد الجالسين للطيب أنه بحث عنه قبل مدة وجيزة في كل مكان ولم يجده ولم يفده أحد بمكان إقامته. أجاب الطيب بدعابته التلقائية: هل قالوا لك أنني مت،
في إحدى الأمسيات خرج أربعتنا لنتمشى حول الفندق رغم التحذير ضد الخروج بعيداً عن فندق الأوراسي الذي كنا نقيم فيه. بعد أن مشينا في ذلك المنحدر ما يقرب من ربع ميل أشار الطيب علينا بالرجوع ، علق أحدنا وهل هذه الحدود التي تفصلنا عن المشاغبين أو الإرهابيين ، كما يسمونهم. علق الطيب: لو كان المشاغب أو الإرهابي يعرف الحدود لفقد هويته.
في القاهرة التقيت بالطيب في مؤتمرات الرواية الثلاث: الأول المؤتمر الذي فاز بجائزته عبد الرحمن منيف والثاني المؤتمر الذي فاز بجائزته صنع الله ابراهيم واعتذر عن قبولها في مشهد ميلودرامي من على خشبة مسرح الأوبرا. رأس الطيب لجنة التحكيم التي أوصت بمنح الجائزة. كنت عضواً فيها ، كان الطيب يدير الجلسة بديموقراطية كان أشبه بروائي يستمع إلى مختلف الأصوات من حوله وكأن أعضاء اللجنة أصبحوا شخصيات في رواية منحهم الروائي حق التعبير المطلق عن آرائهم. هذا ما جعل أعمال اللجنة تمتد ساعات طويلة على مدى يومين.
فاجأ صنع الله ابراهيم الجميع وخصوصاً اللجنة التي كانت تقف بجانبه ، كما يقضي التقليد ، على منصة الأوبرا. سمعت الطيب يعلق على بطولة صنع الله ابراهيم بالقول: ما هذه الديماجوجية، وقد ذكّرتني كلمته بتعليق محمود درويش على الحدث فيما بعد إذ قال أن ما فعله صنع الله ابراهيم أشبه بالضيف الذي يبدأ بتكسير صحون المائدة التي دعي إليها.
فاز الطيب بجائزة الرواية للدورة الثالثة ، قبيل إعلان الجائزة بدقائق سألني وهو يجلس عن يميني في الصف الأول في مسرح الأوبرا دون أن يعرف أنني كنت عضواً في لجنة التحكيم التي تحتفظ بالسرية إلى حين إعلان النتائج: ترى من سيفوز هذه المرة فأجبته: روائي يعرف بجمال معشره ، كتب في زمانه رواية ملأ صيتها الآفاق وقبيل سنوات قليلة نشرتها دار النشر العالمية بنجوين التي تنشر التحف الفنية. ضحك ضحكته الفضية وأجاب: نرجو أن يكون عند حسن الظن. أعلن مقدم البرنامج اسم الفائز الطيب ، صعدت اللجنة إلى المنصة. ألقى الطيب كلمته التي بدأها: من يستطيع أن يرد جائزة مصر التي يرعاها المجلس الأعلى للثقافة... بجملة واحدة فيها كل هذه البلاغة البسيطة رد على من قلب الفرح ميتماً في يوم من الأيام من على نفس المنصة وبدون أن تحمل الجملة أي غضب أو إساءة في ظاهرها على الأقل.
قلت للطيب في ذلك المساء ونحن نستقل المركبة من مبنى الفندق في الدقي إلى دار الأوبرا حيث يتم الاحتفال بتسليم الجائزة: أن صديقك وصديق العالم إدوارد سعيد أسطورة جميلة في هذا الكون. فأجاب على الفور: أسطورة ستزداد جمالاً مع الأيام. الصديق وصديقه. أسطورتان جميلتان ستزدادان جمالاً مع الأيام عاش كلاهما عروبي الهوى في منفاه جنوبي الانتماء في شماله ، كلاهما وضع النقاط على الحروف في هذه العلاقة الأزلية الشائكة بين الشمال والجنوب وجعلنا نتذكر دائماً من تجربتنا مع الغرب أن إقامتنا على التخوم قدر مشؤوم.
ہناقد وأكاديمي ، أستاذ الأدب الإنجليزي في الجامعة الأردنية
date : 26-02-2009
التاريخ : 26/02/2009 |
الله يرحمه كان نبى الا خمسة! جنى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: jini)
|
Quote: الطيب صالح.. روايته «موسم الهجرة الى الشمال» ملأ صيتها الآفاق د. محمد شاهين
أول عهد لي بموسم الهجرة إلى الشمال في بداية السبعينات من القرن الماضي عندما كنت في أواخر مرحلة الدراسة الجامعية. إذ وقعت عيناي على نسخة من الموسم بالإنجليزية في مكتبة هيفرز بجامعة كيمبردج. أذكر جيداً كيف بدأت قراءتها في ذلك المساء وسط البرد القارص الذي يلف المدينة بداية من فصل الخريف ولم تكن غرفة دراستي آنذاك مزودة بالتدفئة الضرورية لكن حرارة الموسم كانت تعوضني عن لسعة الريح البارد الذي كان يتسلل إلى غرفتي من كل الجهات. بدأت قراءتها ولم أستطع التوقف إلا بعد أن فرغت من آخر كلمة في الرواية. بعد ذلك بدأت على الفور أبحث عن الرواية بلغتها الأصلية لأعيد قراءتها وكان من الطبيعي أن تكون قراءة الرواية بالعربية أشد متعة. أيضاً تولد عندي فضول في البحث عن صاحبها ربما رغبة في إشباع فضولي للتعرف على مبدعها. سنوات مضت دون أن أفلح بلقائه آخرها كان في ربيع عام 1983 عندما كتبت له من جامعة أكسفورد حيث كنت أقضي إجازتي الدراسية في تلك الأثناء. كان الطيب في باريس يعمل في اليونسكو وكتبت له طالباً مقابلته في أي مكان يختاره. لكنه لم يجب. علمت بعد ذلك أنه لا يعبأ بالمقابلات ولا بالعلاقات العامة ولا بالخاصة وأنه يؤثر أن تظل حياته سائرة في دربها اليومي العادي دون مقاطعة من أي نوع. هذا هو طبعه الطبيعي غير المتكلف.
ومن قبيل الصدف أن ألتقي به أول مرة في عمان عندما كان يعمل في مكتب اليونسكو ، دعوته للقاء مفتوح مع طلبة الدراسات العليا في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها عام ,1989 كان لقاء حميمياً لا ينساه أحد من الذين حضروا اللقاء وقد قمت بنشره في دراسة مقارنة عن موسم الهجرة إلى الشمال دراسة نقدية مقارنة ظهر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (دار الفارس). أود أن أذكر هنا سؤالاً وجهته إليه طالبة قبيل انتهاء اللقاء: ماذا عن بناتك الثلاث: هل تلاحقهن الشهرة الواسعة التي يتمتع بها والدهن؟ أجاب الطيب: هذا سؤال أثير جداً عندي ولا يسأله الناس. أشكرك على السؤال وأكتفي أنك سألت السؤال لكني سأهديك في هذا اللقاء هدية من الموسم لم أقدمها لأي سائل من قبل لأنك سألت عن بناتي. الهدية هي المرجعية التي تنتمي إليها شخصية جين موريس التي لم أكشف عنها من قبل رغم السؤال الملح على ذلك من قراء الموسم: جين موريس فتاة بريطانية قابلتها عرضاً في متحف الفنون بلندن عندما كنت في زيارة لمعرض الفن الانطباعي. دعوت الفتاة لتناول الشاي بعد زيارة المعرض ودار بيني وبينها حديث طويل ، كنت في ذلك الحين شاباً يافعاً أول عهدي بحياة الغرب والغربة ، لم أر جين موريس بعد ذلك.
ولا يعني هذا أنه أصبح باستطاعتنا التعرف على ضالتنا في الرواية. فالدلالة التي يثيرها اعتراف الطيب هنا أهم بكثير من الاعتراف في حد ذاته. والذي سمع الطيب وهو يقدم هذا الاعتراف طوعاً يستشف من نغمة صوته الدافئ الذي كان يجسد الحنين إلى تلك المناسبة يدرك أن اللقاء مع جين موريس كان لقاء شوق لا علاقة مباشرة له بما تفرع عنه من صورة اكتسبت فيما بعد ألواناً متعددة لم تكن بداية في الحسبان: علاقة تشابك فيها الخير والشر ، الحب والكره ، الماضي والحاضر بأبعاده التاريخية ، بل وتعمق فيها الصراع بين الخاص والعام عمق الحياة نفسها وشموليتها العريقة. وما يمكننا أن نستشف من هذا الاعتراف هو أن مناسبة بسيطة كهذه يمكن أن تتحول على يد الفنان إلى عمل خالد عندما يعانقه شوق الخلود وينطلق به بعد ذلك عبر القيود وخلف الحدود.
بقيت على اتصال مع الطيب بعد أن غادر عمان إثر حادث كان وقعه مؤلماً على الجميع إذ لقي صديقه مدير فرع اليونسكو في عمان حتفه على يد سائقه الذي أطلق عليه النار دون أي سبب. وتبين فيما بعد أن المدير كان من أكثر المحسنين إلى سائقه طيلة فترة عمله وأن السائق كان مختلا عقلياً. كتب الطيب مقالاً بعنوان: "القاتل القتيل" مبيناً كيف يأسى المرء على الناس. وبهذا المقال ودّع الطيب عمان التي أحبها وأحبته إلى غير رجعة.
التقيت بالطيب كثيراً خارج عمان ، في لندن حيث إقامة الطيب الدائمة التقيت به عدة مرات. كان مكان اللقاء البوابة الرئيسية للمتحف البريطاني حيث كنا ننطلق بعدها إلى شوارع لندن التي يحفظها عن ظهر قلب. قصدنا مرة مطعماً مقابل المتحف البريطاني لتناول الغداء ، تأخر السفرجي بعض الوقت. احتد الطيب على غير عادته ، ووبخه عندما حضر. علق قائلاً: جماعتنا ما زالوا يتأثرون باللون ، وإلا لماذا حضر ذلك الجرسون إلى الطاولة المجاورة التي حضر زبائنها بعدنا بكثير. في مرة أخرى انطلقنا إلى بيكاديللي إلى مطعم آخر ، بينما كنا نقطع الشارع الذي يتفرع من محطة الأنفاق الأرضية قال الطيب: هنا - مشيراً إلى مدخل المحطة - ياما قطعن قلوبنا البنات الإنجليزيات ونحن في موسم الشباب. علقت على الفور: وهل كن آسرات إلى هذا الحد. أجاب: يا ريت ، هن ماكرات ، يعدن ولا يفين بالوعد ، سبحان الله، وبينما كنا نتمشى على مقربة من محطة فكتوريا كاد فضولي يدفعني إلى أن أسأله شيئاً عن ذلك المكان الذي التقى فيه مصطفى سعيد بـ جين موريس إذ انطلقت الدراما العنيفة في الرواية من ذلك اللقاء الأول. أحجمت عن السؤال خشية أن أثير فيه نوعاً من النوستالجيا غير المحببة لديه. إذ ذكر لي مرة أنه لم يقرأ الموسم بعد نشرها إلا مرة واحدة. وقدرت أن السؤال عن مرجعية المحكمة في الموسم ومشهدها الرائع حيث يمثل مصطفى سعيد أمام المحكمة بجرأة أسطورية ربما يكون أخف وطأة.
أجاب الطيب أنه قضى أسابيع يبحث في وثائق المحكمة القديمة (old bayley) عله يجد ما يستشف من ذلك المشهد لكنه قرر في النهاية أن يعرض عن المشروع ، وأن يكتب المشهد من الخيال ، ومن الواضح أنه وفق في ذلك.
دعاني إلى العشاء في بيته مع عدد من أصدقائه في لندن أذكر منهم نديم صوالحة ، وصلت مبكراً بعض الوقت خشية أن أضل الطريق. بيت متواضع جداً بكل ما في الكلمة من معنى ، لا يذكرك أبداً بذلك البيت الفخم الذي شيده مصطفى سعيد في السودان ليكون ملاذه الوحيد الذي يعزله وذكرياته عن باقي البشر والبشرية ، يقتات فيه على مخزون تجاربه في الشمال بعد أن عاد واستقر في مسقط رأسه في الجنوب. ولا يذكرك أيضاً بشقة مصطفى سعيد في لندن. سألته قبيل وصول المدعوين ما إذا كتب شيئاً لم ينشر وما زال مخطوطاً فأجاب: كتبت الكثير ، كنت مغرماً في يوم من الأيام بترجمة شكسبير وغيره من الكتاب الغربيين. أين هي إذن؟ كان ردي عليه. ربما توجد في مخزن هذا البيت أو بعضها على الأقل -مشيراً إلى زاوية في الطابق الأرضي من البيت - الكثير الكثير منها. من عادتي أن أكتب وأطرح ما أكتبه جانباً دون توفر الرغبة لدي في تجديد العلاقة مع ما كتبت وأودعته سجل النسيان. كانت أمسية رائعة أسبغ الطيب عليها من تلقائيته في الحديث وأدبه الجم المعروف ما جعل السهرة تمتد إلى ما بعد منتصف الليل.
كم كان سروري عندما علمت أن الطيب أصبح عضواً في مجلس أمناء مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري. هاتفني الكاتب المسرحي عبد العزيز السريّع أمين عام المؤسسة قائلاً إنها لفرصة طيبة أن يلتقي الجميع بالطيب بعد أن انضم إلى أسرة الجائزة. كنا نخرج كل مساء نتمشى على البحر عندما يكون اجتماع المؤسسة في الكويت. ذات مساء وكان الهدوء يخيم على المدينة في ساعة متأخرة التفت الطيب إليّ وهو يعلق بسخرية حادة: هل كان ذلك الرجل بكامل عقله وهو يغزو مدينة كاملة عندما كان أصحابها نياماً أطفالاً و شيوخاً ينعمون بالسكينة والأمان في بيوتهم ، حاولت أن أذّكره أن ماكبث قتل دانكان ، الملك ، وهو نائم. وكنت على علم أنه يتذكر شكسبير وخصوصاً الروائع الأربع المأساوية وتفاصيلها. لكن صاحبنا علق الطيب لن يرقى إلى مستوى التراجيديا ، تذكر أن ماكبث سلب نعمة النوم على اثر اغتياله النوم ، كما قال شكسبير. أما صاحبنا فربما نام قرير العين هانيها ليلة الغزو ، ليلة اغتيال النوم.
في الجزائر عقدت مؤسسة الجائزة إحدى اجتماعاتها العامة ، كانت الطاولة التي يجلس عليها الطيب عند الفطور أو الغداء تبدأ باثنين وتتضاعف إلى أن تكتظ بالجالسين. قال أحد الجالسين للطيب أنه بحث عنه قبل مدة وجيزة في كل مكان ولم يجده ولم يفده أحد بمكان إقامته. أجاب الطيب بدعابته التلقائية: هل قالوا لك أنني مت،
في إحدى الأمسيات خرج أربعتنا لنتمشى حول الفندق رغم التحذير ضد الخروج بعيداً عن فندق الأوراسي الذي كنا نقيم فيه. بعد أن مشينا في ذلك المنحدر ما يقرب من ربع ميل أشار الطيب علينا بالرجوع ، علق أحدنا وهل هذه الحدود التي تفصلنا عن المشاغبين أو الإرهابيين ، كما يسمونهم. علق الطيب: لو كان المشاغب أو الإرهابي يعرف الحدود لفقد هويته.
في القاهرة التقيت بالطيب في مؤتمرات الرواية الثلاث: الأول المؤتمر الذي فاز بجائزته عبد الرحمن منيف والثاني المؤتمر الذي فاز بجائزته صنع الله ابراهيم واعتذر عن قبولها في مشهد ميلودرامي من على خشبة مسرح الأوبرا. رأس الطيب لجنة التحكيم التي أوصت بمنح الجائزة. كنت عضواً فيها ، كان الطيب يدير الجلسة بديموقراطية كان أشبه بروائي يستمع إلى مختلف الأصوات من حوله وكأن أعضاء اللجنة أصبحوا شخصيات في رواية منحهم الروائي حق التعبير المطلق عن آرائهم. هذا ما جعل أعمال اللجنة تمتد ساعات طويلة على مدى يومين.
فاجأ صنع الله ابراهيم الجميع وخصوصاً اللجنة التي كانت تقف بجانبه ، كما يقضي التقليد ، على منصة الأوبرا. سمعت الطيب يعلق على بطولة صنع الله ابراهيم بالقول: ما هذه الديماجوجية، وقد ذكّرتني كلمته بتعليق محمود درويش على الحدث فيما بعد إذ قال أن ما فعله صنع الله ابراهيم أشبه بالضيف الذي يبدأ بتكسير صحون المائدة التي دعي إليها.
فاز الطيب بجائزة الرواية للدورة الثالثة ، قبيل إعلان الجائزة بدقائق سألني وهو يجلس عن يميني في الصف الأول في مسرح الأوبرا دون أن يعرف أنني كنت عضواً في لجنة التحكيم التي تحتفظ بالسرية إلى حين إعلان النتائج: ترى من سيفوز هذه المرة فأجبته: روائي يعرف بجمال معشره ، كتب في زمانه رواية ملأ صيتها الآفاق وقبيل سنوات قليلة نشرتها دار النشر العالمية بنجوين التي تنشر التحف الفنية. ضحك ضحكته الفضية وأجاب: نرجو أن يكون عند حسن الظن. أعلن مقدم البرنامج اسم الفائز الطيب ، صعدت اللجنة إلى المنصة. ألقى الطيب كلمته التي بدأها: من يستطيع أن يرد جائزة مصر التي يرعاها المجلس الأعلى للثقافة... بجملة واحدة فيها كل هذه البلاغة البسيطة رد على من قلب الفرح ميتماً في يوم من الأيام من على نفس المنصة وبدون أن تحمل الجملة أي غضب أو إساءة في ظاهرها على الأقل.
قلت للطيب في ذلك المساء ونحن نستقل المركبة من مبنى الفندق في الدقي إلى دار الأوبرا حيث يتم الاحتفال بتسليم الجائزة: أن صديقك وصديق العالم إدوارد سعيد أسطورة جميلة في هذا الكون. فأجاب على الفور: أسطورة ستزداد جمالاً مع الأيام. الصديق وصديقه. أسطورتان جميلتان ستزدادان جمالاً مع الأيام عاش كلاهما عروبي الهوى في منفاه جنوبي الانتماء في شماله ، كلاهما وضع النقاط على الحروف في هذه العلاقة الأزلية الشائكة بين الشمال والجنوب وجعلنا نتذكر دائماً من تجربتنا مع الغرب أن إقامتنا على التخوم قدر مشؤوم.
ہناقد وأكاديمي ، أستاذ الأدب الإنجليزي في الجامعة الأردنية
date : 26-02-2009
التاريخ : 26/02/2009
أضف تعليق |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: jini)
|
Quote: ثلاث قراءات للطيب صالح : عطيل العربي المتحرر من أسر اللون علي بدر
"كان أنبغ تلميذ في أيّامنا... معجزة في ذلك الوقت ، كان أشهر طالب في كلية غردون... نابغة في كلّ شيء ، لا يوجد شيء يستعصي على ذهنه العجيب. كان المدرسون يكلموننا بلهجة ويكلمونه بلهجة ، وخصوصاً مدرسو اللغة الإنجليزية ، كانوا كأنما يلقون الدرس له وحده دون بقية التلاميذ...نحن كنّا ننطق الكلمات الإنكليزية كأنها كلمات عربية. لا نستطيع أن نسكّن حرفيْن متتالييْن. أما مصطفى سعيد فقد كان يعوج فمه ، ويمطّ شفتيه ، وتخرج الكلمات من فمه كما تخرج من أفواه أهلها..".
ليس وحده العامل التاريخي الذي يفسر نجاح وانتشار رواية موسم الهجرة إلى الشمال عالميا ، فهنالك العلاقة المأزومة بين الشرق والغرب ، لقاء الثقافات وتفاعلها ، صورة الآخر الغربي بعيون الشرقي ، والغربي بعيون الآخر الشرقي. وهنالك الشخص القادم من عالم رومانسي يسوده السحر ويكتنفه الغموض والذاهب إلى أوربا ذات الرصيد العقلي ، ولكنها لا تكتفي برصيدها العقلي فهي أيضا المشروع الكولنيالي الكبير ، وهي أوربا ذات التاريخ الاستعبادي الطويل ، وهي التراتبية العرقية في العلم الأنثربولوجي ، وهي أسطورة الرجل الأبيض أمام عطيل الأفريقي العربي كما وصف الطيب صالح مصطفى سعيد بطل روايته موسم الهجرة إلى الشمال.
وهكذا تبزغ منتصف الستينيات ، وفي قمة صعود حركة التحرر الآسيوي والأفريقي والعربي شخصية مصطفى سعيد ، وهو الذكي الأفريقي العربي (عطيل) ، والمتعلم بطريقة التقليد mimicry ، بعد أن يذهب بمساعدة مسز روبنسون إلى انجلترا ليستوعب الحضارة الغربية ، فلا يتوقف عند تعلمه اللغة الإنجليزية ، وطبيعة الحضارة الغربية ، إنما يضيف لرصيده العقلي من الحضارة الغربية رصيده الجنسي في إثبات فحولته مع نساء بريطانيا التي احتلت بلاده ، ليتجرد حتى من عواطفه فلا يبذل جهدا لا في إعادة إنتاجها في داخله ولا في مقاومتها ، إنما في الذوبان فيها.
وأخيرا يتحول مصطفى سعيد إلى أستاذ للاقتصاد الرأسمالي ، حيث يسوق الأكاذيب وينتحل الأسماء ليوقع الأوروبيات في كمائنه ، وينتقل من جسد لآخر ، بل يتحول بطل الطيب صالح إلى صانع ماهر لتراجيديات الحب ، حيث تنتحر بسببه ثلاث فتيات: آن ، شيلا ، وإيزابيلا ، حتى تنتهي حياته الغربية بتعرفه إلى جين مورس ، الغربية المتحررة التي تخضع لأفكاره ورغباته ، فيتزوجها ، لتخونه ، ثم يقتلها ويدخل السجن ، بعدها يعود إلى قريته النائية في شمال السودان بعد سبع سنوات قضاها في السجن ، حتى انتهت حياته غرقاً في النيل.
عطيل العربي المتحرر من أسر اللون
"أنا لستُ عطيلاً. عطيل كان أكذوبة"
مصطفى سعيد
يظهر اسم عطيل في رواية موسم الهجرة إلى الشمال ، للمرّة الأولى حين يتعرّف مصطفى سعيد ، على فتاة أسمها: إيزابيلا سيمور ، فيقول لها:
"وأنا صحراء الظمأ ، متاهة الرغائب الجنونية.. وجاءت لحظة أحسست فيها أنني انقلبت في نظرها مخلوقا بدائيا عاريا ، يمسك بيده رمحا ، وبالأخرى نشّابا يصيد الفيلة والأسود في الأدغال. هذا حسن. لقد تحول حب الاستطلاع إلى مرح ، وتحول المرح إلى عطف ، وحين أحرّك البركة الساكنة في الأعماق سيستحيل العطف إلى رغبة أعزف على أوتارها المشدودة ، كما يحلو لي.
وسألتني: "ما جنسك؟ هل أنت أفريقي أم آسيوي؟ قلتُ لها: أنا مثل عطيل. عربي أفريقي".
في القراءة الأولى أعاد الطيب صالح الاعتبار لعطيل ، لا في النصية الشكسبيرية كدراما كلاسيكية متوترة ، إنما كعلاقة مضطربة ومهددة ، وكتراجيديا تبرز فجأة من النصية الاستعمارية ، ومن وجودها المتجدد والحيوي في التاريخ السياسي والاجتماعي للصراع بين أفريقيا وأوربا ، وهكذا دفع الطيب صالح أحداث رواية موسم الهجرة إلى الشمال لتكون الخطاب النقيض للمفهوم الشكسبيري حول قضايا العرق والدم ، ولتتحول هذه الميتا - دراما إلى نوع من العلاقة الغامضة بين أسود من المستعمرة وشقراء من المتروبول ، ولا سيما في مشهد القتل حيث تمتزج مشاهد الغيرة الشكسبيرية بالتراجيديا الكونية وتضيف إليها مشاهد الخيانة هذه الروح الدرامية التي برع بها المسرح الإلزابيثي ، فكتب الطيب صالح على لسان بطله مصطفى سعيد:
"كنتُ أعلم أنها تخونني. كان البيت كلّه يفوح بريح الخيانة. وجدتُ مرّة منديل رجل ، لم يكنْ منديلي. سألتها فقالت: إنّه منديلك. قلتُ لها هذا المنديل ليس منديلي. قالت: هبْ أنه ليس منديلك. ماذا أنت فاعل؟
"...وضعتُ حدّ الخنجر بين نهديها ، وشبكتْ هي رجليْها حول ظهري. ضغطتُ ببطء. ببطء. فتحتْ عينيها. أيّ نشوة في هذه العيون. وبدتْ لي أجمل من كلّ شيء في الوجود. قالتْ بألم:يا حبيبي. ظننتُ أنّك لن تفعل هذا أبداً. كدتُ أيأس منك. وضغطتُ الخنجر بصدري حتى غاب كلّه في صدرها بين النهدين. وأحسستُ بدمها الحار يتفجّر من صدرها. وأخذت أدعك صدرها بصدري وهي تصرخ متوسّلة: تعال معي. تعال. لا تدعْني أذهب وحدي".
وبفضل سلسلة من الاضطرابات السيا - سايكولوجية ، تصل الرواية إلى الذروة ، القتل ، انتفاء النص الشكسبيري ، نقص تراتب الأنساق العرقية ، قانون العيب ، الخيانة ، ومن ثم نهاية النص الشكسبيري الذي قام أصلا في مأسسة مشكلة هذه الثنائية الثقافية والحضارية ، بل تتلاشى هذه الدراما الكونية تحت هاجس العلاقة النقضية بين عطيل وديزدمونة ، وتتحول من دراما متوترة إلى محاولة ثقافية لاستدعاء التراث الغربي ومن ثم الاحتياز عليه وتمثيله ، فقد أخرج الطيب صالح عطيل الأسود المحبوس في لونه الماحق ، إلى التجربة المعيوشة. وأراد أن يخلق عطيلا معاصرا ، لا بتحول العطيلية إلى فكرة مستمرة بل فكرة ثابتة على الرغم من تحولات الحياة والطبيعة البشرية.
قلب الظلام ينبوع الأدب الأفريقي
من الواضح أن رواية جوزيف كونراد قلب الظلام قد نسلت مجموعة من الروايات الأفريقية في ذلك الوقت ، مثلا رواية "الجميل لم يولد بعد"لكيوي آرما ، وقد قدم حالة مجتمع غانا بعد الاستعمار ، وهو مجتمع تملؤه رائحة الفساد ، والتعفن والقذارة ، وهو قريب من الصورة الكابوسية التي قدمها جوزيف كونراد في قلب الظلام ومثلها الطيب صالح في مشهد القرية التي لم يستطع التأقلم معها مصطفى سعيد ، وقد رسم نوعا من الانهيار الاجتماعي والثقافي القريب من روايتي كونراد وآرما في حالة بت مجذوب" وشربها للخمر وتدخينها للسجائر ، إباحية ود الريس ، وجد الراوي الذي يضحك للحديث الماجن ويشارك فيه ويمسك مسبحته ، فهنالك محاولة لإظهار حالة الفردية والفساد والجشع في مجتمع ينشأ بسبب القمع وسيادة ثقافة مختلفة عنه.
ويمكننا أن نقول هنا أن رواية موسم الهجرة إلى الشمال هي إعادة الاعتبار إلى جوزيف كونراد ، وإلى أحداث روايته الطاحنة "قلب الظلام" ، لا في تصوير هذا التضاد الظاهر في علاقات القوة بين المستعمر والمستعمر ، إنما في تصوير التهديد الناجم عن تمثيل الآخر ، بوصفه نقيضا للذات المركزية الغربية ومركزية اللوغوس الغربي ، بل عمد الطيب صالح إلى تجاوز علاقات التمثيل من مجرد انعكاس للممارسات الكولونيالية إلى اشتباك جسدي ، بل حرر العلاقة التاريخية بين النقيضين: (غرب ـ شرق) ، (أفريقيا ـ أوربا) ، (شمال ـ جنوب) ، إلى علاقة قائمة في الهاجس الإنساني وهذا الأمر أكثر تعقيدا من فكرة كونراد بكثير ، على الرغم من ألمعية رواية كونراد واستثنائيتها في التاريخ الإنساني ، لأن صالح ذهب مباشرة نحو العلاقات الجنسية المتوترة ، وقد حول بذلك العلاقة التاريخية من علاقة سياسية ظاهرة إلى فحولة قاهرة وأنوثة مقهورة ، من شعور بخصاء سياسي مستديم يتم التعويض عنه بركوب جنسي موسوس ومتوتر ، إلى علاقات مختلة. ومع ذلك اتبع الطيب صالح جوزيف كونراد في فضح العلاقات المعقدة بين القطبين ، وهو استبصار حي وحدسي قائم وراء الازدواجية والتناقض السياسي الظاهر ، ليعبر نحو شرعنة الاغتصاب ، والاستدلال المنطقي للشخصية البيضاء ، والحضور القوي للجسد رغم تشوهاته ، وهذا الأمر مهم ، فالطيب صالح يعود لنا بعد قرن تقريبا من قلب الظلام ليبعث في عمل روائي هائل التصور الغروتسكي للجسد بوصفة منطقة للممارسة الاستعمارية ، وبوصفه المساحة التي يمارس عليها الأبيض نوعا من العنف ، ويتجاوز به مجرد التركيز على صور العنف الجنسي ومسألة الاغتصاب إلى مفهوم الانتهاك ، وهو انتهاك الروح الجوهرية للثقافة.
الطيب صالح في دراسات ما بعد الكولونيالية
برزت قراءة الطيب صالح وروايته موسم الهجرة إلى الشمال في الدراسات ما بعد الكولونيالية ، بوصفها فتحا ثقافيا ، كما أنها أصبحت مثالا هاما في الدراسات الثقافية ، وفي أدب المنفى والهجرة ، وقراءات بوليطيقيا الجسد في الدراسات الحديثة ، وأنعشتها قراءات الأدب الأفريقي في بعث أسطورة كاليبان بوصفه الآخر الذي يجب السيطرة عليه باسم المدنية ، والذي يطرح بشكل ثابت ثنائية الفوضى والنظام ، والخطاب الناتج عن تأكيد علاقة تفوق اللون مع احتمالات العصيان وتبديد السلطة. وليظهر على نحو محفوف بالمخاطر أثر الرق الممسوح والمختلط الخاص بهذا التاريخ الكرنفالي ، والفصل الزائف والمتوحش الذي يؤكده فرانز فانون بين القصبة المظلمة والحقيرة وبين المدينة الأوربية المضاءة ، والإحساس بالنشاز الكياني والأنطولوجي والقيمي للبشر.
وهنالك العديد من الروايات التي أثرت في هذا المنحى منها رواية no longer at ease لغينوا أتشيبي ، ويصور أتشيبي فيها شخصية أوبي الذي يترك قريته في أفريقيا ليرحل إلى بريطانيا ، وهنالك يتعلم الحضارة الغربية ويؤمن بها ويقلدها بالطريقة التي قلدها مصطفى سعيد ولكنه ينتهي فيما بعد نهاية مأساوية. كما أن أوبي الذي يقبل الرشى ، يتحول إلى آلة جنسية ويقيم علاقات معقدة في مدينة لاغوس ، ولا سيما مع كلارا التي تقدم له جسدها مقابل بعض التسهيلات التي يقدمها لها وهو في السلطة الاستعمارية النيجيرية ، وأفضل مشهد في الرواية هو مشهد المحاكمة ، محاكمة أوبي والقريبة من مشهد محاكمة مصطفى سعيد.
الرواية الأخرى التي نحت هذا المنحى هي رواية أودينغا أوغينغا not yet uhuru الكيني والتي صورت مجتمع ما بعد الاستقلال ، وتنتهي الرواية بالبطل الذي يعيش حياته في أوربا بفاجعة دموية ، كما أنها ترسم آثار الاستعمار على القرى الكينية وما هو أهم شخصية الأسود الذي يتشبه بالبيض ويمارس القمع ذاته على المجتمع الكيني.
ہ روائي وناقد ومترجم عراقي
date : 26-02-2009
التاريخ : 26/02/2009
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: jini)
|
Quote: كلمة اخيرة : الطيب صالح وجوزيف كونراد فخري صالح
عادة ما تتناسل الروايات العظيمة في اللغة نفسها ، أو في لغات أخرى ، فتولد من بعدها روايات تالية تكون بمثابة إعادات قراءة ، أو نسج على منوال تلك الروايات ، أو إعادة صياغة عبقرية لجوهرها أو منطوقها. ويمكن القول إن "موسم الهجرة إلى الشمال" للروائي الكبير الراحل الطيب صالح تمثل إعادة كتابة مبدعة لرواية "قلب الظلام" للروائي البريطاني الجنسية ، البولندي الأصل ، جوزيف كونراد إذ يعكس الطيب صالح مسار الرحلة من الجنوب إلى الشمال ويعيد تأويل رسالة كونراد الملتبسة في روايته العظيمة التي يلتحم فيها الراوي بشخصية المروي عنه في الصفحات الأخيرة من "قلب الظلام".
تبدو "موسم الهجرة إلى الشمال" مسكونة بالرواية الكونرادية. إنها بمثابة تشخيص للوضع الاستعماري من وجهة نظر المُستعمَر. ولكن كما هي الحكاية في "قلب الظلام" مأخوذة إلى عمقها التراجيدي المتطرف والشديد التمثيل فإن حكاية مصطفى سعيد هي رد عنيف متطرف على غزو الاستعمار لجسد القارة الإفريقية.
إن مواطن التشابه عديدة بين الروايتين ، وأول هذه التشابهات أن "موسم الهجرة إلى الشمال" تروي حكاية مصطفى سعيد من خلال الراوي المشارك الذي يمزج حكايته الشخصية بحكاية مصطفى سعيد.
يذكرنا هذا الأسلوب في السرد ، بالتصاق الراوي بالمروي عنه ، بعلاقة مارلو بكيرتز حيث تصل إلينا حكاية كيرتز عبر صوت مارلو ووعيه للحكاية. وتوفر هذه التقنية الأسلوبية ، المستخدمة في كل من "قلب الظلام" و"موسم الهجرة إلى الشمال" ، والتي تقوم بإيصال الحكاية عبر راو مشارك يقص على القارئ انعكاسات حكاية الشخصية المركزية عليه وعلى حكايته ، نوعا من التشويق واستثارة فضول القارئ.
لكن إذا كان مصطفى سعيد يرد على الاستعمار بغزو مضاد ، من خلال انتهاك أجساد النساء الإنجليزيات ، وعبر الكتابة عن اقتصاد الاستعمار ، فإن حل الإشكالية الاستعمارية يتمثل في لعبة التطهير التي يقوم بها الراوي بإعادته تمثيل الرحلة إلى الشمال رمزيا في الفصل الأخير من الرواية. إن كلام الراوي عن السباحة "نحو الشاطئ الشمالي" وعزمه "على بلوغ الشاطئ الشمالي" ، وتلفته "يمنة ويسرة" فإذا هو "في منتصف الطريق بين الشمال والجنوب" لا يستطيع و"لن يستطيع العودة": كل ذلك يعبر عن محاولة إيجاد أجوبة لأسئلة العلاقة بالغرب والهوية والعلاقة بالذات والآخر ، وهي الأسئلة التي لم يستطع مصطفى سعيد ، في رحيله إلى الشمال وعودته التراجيدية إلى الجنوب ، أن يجيب عليها.
إنه رد على كيرتز وأفعاله في "قلب الظلام" ، محاولة للتخلص من وشم الاستعمار بالمكر والنسيان.
[email protected]
date : 27-02-2009
التاريخ : 27/02/2009
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: jini)
|
Quote: الطيّب صالح : الكاتب موجود في كلّ ما يكتب ولا تمثلني شخصية في موسم الهجرة الى الشمال
كايد هاشم ہ
قلّة من الكثيرين الذين يلتقيهم المرء في دروب هذه الحياة مَنْ يتركون في النفس أثرًا لا يُمحى. ومهما قيل في وصف هذا الأثر يظلّ سرًا كأسرار الروح الإنسانيّ ... فهو عصيّّ على وصف كنهه ، عصيّّ على الانكشاف والتفسير ، أو هو بالأحرى من هذه الأسرار التي لا يملك مفاتيحها إلاّ بارىء الروح جلَّت قدرته. أما البقية من الكثرة الكاثرة ممن نلتقي بهم مرارًا أو نعرفهم لسنين ، تطول أم تقصُر ، فقد لا يتركون سوى انطباعات ، إيجابيّة أحيانًا ، وسلبيّة في بعض الأحيان ، وبين هذه وتلك في أحيان أخرى. والنفس - إذا سَلًمَت من الدرن والتهافت - تميلُ بحكم أصلها الخيًّر إلى رسم الانطباع الإيجابي ، أو ما هو أقرب إليه في الغالب الأعم ، إن لم يكن النفور والغثاثة قد قطعا عليها كلّ طريق إلى ذلك،
والطيب صالح من تلك القلّة أصحاب الأثر الجميل الباقي ، على المستوى الإنسانيّ كما على المستوى الإبداعيّ الأدبيّ. لم ألتق به شخصيًا سوى مرّة أو مرتين ربما ، خلال أيام قلائل حين كان في زيارة عمّان في غضون شهر حزيران 1982 ، من أجل المشاركة في اجتماع تحضيري لخبراء الاتصال والإعلام ، نظمته اليونسكو تمهيدًا لعقد المؤتمر الدوليّ الحكوميّ بشأن سياسات الاتصال في الدول العربيّة. كان في ذلك الحين أحد خبراء اليونسكو ، وقد أصبح فيما بعد ممثلاً لهذه المنظمة في منطقة الخليج ، وكنّا مجموعة من طلاب دائرة الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك ، اختارنا الدكتور مازن العرموطي ، مدير الدائرة حينذاك ، لحضور الاجتماع بصفة مراقبين ، وبهدف تدريبنا على اكتساب مهارات الاتصال والاستفادة مما يطرحه الخبراء المشاركون في الاجتماع.
وعلى مدار الأيام الستة لذلك الاجتماع ، كنت وزملائي الطلاب ننشغل بتدوين الملحوظات عن الأفكار والآراء التي تُطرَح والنقاشات حولها ، ثم كتابة الملخصات ... وكنت أيضًا منشغلاً - بحكم اهتماماتي الأدبيّة - بتتبع الروائي كاتب "موسم الهجرة إلى الشمال" ، ومبتدع بطلها تلك الشخصية الآسرة بغموضها وعمقها (مصطفى سعيد) ... كيف يتحدث ويجادل؟ كيف يدير النقاش في الجلسات التي يترأسها؟ ايماءاته ، حركاته ، سكناته ، اطراقه ...؟ وربما ذهب بي الخيال في ذلك الحين إلى المقارنة بين كاتب الرواية الجالس أمامي بشحمه ولحمه ، حيًّا ينطق ويتنفس ويتحرك ، وبطلها "الرجل العميق" - كما وصفه أحد أبناء قريته في الرواية - وكما في صورته الناطقة على الورق. وربما شطح بي الخيال بعيدًا فرأيت بعض ملامح "مصطفى سعيد" تخرج من بين السطور وطيات الكتاب لتتجسَّد أمامي في شخص الكاتب ... ولا تلبث أن تعيدني أجواء الاجتماع الرسميّة إلى الواقع وإلى الانشغال بما أقوم به مع الزملاء الطلاب من تسجيل وتدوين ، لكن بعد أن يكون الخيال قد اختزن صورة إنسان في هدوئه النفسيّ المنعكس على تقاسيم وجهه بمسحة صوفيّة ، وبساطته وتواضعه ، وجمال تعبيره المهذب بنبراته العميقة ، السلسة ، والأنيسة ، خاصة حين تغلب عليها اللكنة السودانيّة ، وما يشفّ عنه كلامه من عُمق وبُعد نظر ، مصدرهما ثقافة وخبرة واسعة من دون ادعاء ولا تعالُم ... ما يشبه في هذا كلّه صورة متبتل في محراب ، تتطاير من أمامها وتتناثر أجواء الرسميات - بما يداخلها من اصطناع وتكلُّف ومقت وثقل على النفس - كقصاصات ورق يتلاعب بها النسيم،
اغتنمت الفرصة في إحدى الاستراحات ، فتقدّمت من الطيب صالح وهو بين جماعة من الحضور ، وبعد أن عرفته بنفسي ، طلبت إليه أن يحدًّد لي موعدًا لإجراء حوار أنشره في جريدة "صحافة اليرموك" التي نصدرها في الجامعة ... ابتسم بوداعة وسألني: عن ماذا تريد أن نتحدث؟ وكأن الجواب كان على رأس لساني ، قلت على الفور: عن "موسم الهجرة إلى الشمال" ، وأردفت: وما حولها. قال: بكل سرور ، نلتقي بعد الظهر في الفندق.
لم يكن أمامي سوى سويعات لإعداد أسئلة الحوار. وفي غمرة التفكير بالأسئلة الكثيرة التي أعددتها ، التفكير الذي امتزج بفرحة إجراء حوار مع روائي عربيّ كبير ، لم ألبث أن ألفيت نفسي جالسًا أمامه في قاعة الفندق ... لا أدري كيف ابدأ الحديث، كنت قد أحضرت معي نسختي الشخصيّة من رواية "موسم الهجرة ..." ، وهي نسخة من منشورات "صلاح الدين" بالقدس في أيار 1976 ، أهداني إياها قريبي المقدسي المهندس حسين البيطار ، فقدمتها إلى الطيب صالح ليكتب لي إهداء عليها ، ووجدتها فرصة لألتقط طرف الخيط للحوار ... قلت: كثيرون من القراء يعتقدون بأن الكاتب هو بطل روايته ، وأنَّ الرواية ما هي إلاّ صياغة فنيّة لتجارب ذاتيّة. ما مدى انطباق هذا الكلام على بطل "موسم الهجرة ..."؟
قبل أن يجيبني عن سؤالي أخذ نسخة الطبعة المقدسيّة من روايته بين يديه بحنو ، وتأملها قليلاً كأنه يتأمل وجه فلذة كبده بعد طول فراق ، ثم مرر باطن كفه على غلافها بحركة رقيقة ، وقال لي: هذه الرواية تُرجًمَت إلى لغات عدّة ، لكن لهذه الطبعة الفلسطينيّة مكانة عزيزة في قلبي ... والتمعت عيناه ببريق طفولي جذاب وهو يقول بصوت كأنه تردّد في أعماقه صلاة قبل أن يخرج من بين شفتيه: "القدس ... القدس"،
انتظرت لحظات وخلته نسي سؤالي وهو يرفع نظارتيه عن عينيه ويمسح دمعا ترقرق فيهما ... وبعد برهة رفع رأسه ليقول: "الكاتب موجود في كلّ ما يكتب دون شك ... إلا إذا قال لك منذ البداية إن هذه هي ترجمة ذاتيّة. أعتقد أنه لا يوجد شخص داخل الرواية هو بمثابة ممثل لي. وكما قلت في مناسبات أخرى إنني قدّمت شخصيات كثيرة ، ولا أدري لماذا انصبَّ الاهتمام على هذه الشخصيّة بالذات (أي مصطفى)؟، الكاتب موجود في ما يكتب بمعنى نظرته الكليّة للعالم الذي يصوره ... بإحساسه بالأشياء. وهذا موزَّع في كلّ العمل ، وليس في شخص واحد ... توجد وجوه شبه ظاهريّة بيني وبين شخصيّة بطل "موسم الهجرة ..." ، لكنها وجوه شبه تنطبق على عشرات الآلاف من العرب. أقول لك مخلصًا بأنني لم أقدًّم نفسي كشخصيّة في هذه الرواية".
سألته عن الظروف والإرهاصات التي أبدع في ظلها ومن خلالها "عرس الزين" و"موسم الهجرة ..." ، وبدا متحمسًا للإجابة قبل أن أكمل السؤال ، قال: "هاتان الروايتان كتبتهما وأنا بعيد عن السودان ، وربما تجد فيهما ملامح الغربة بطرق مختلفة ... "عرس الزين" كانت استذكارًا - إذا شئت - أو محاولة استعادة العالم الذي فقدت ، واحتفاءً بهذا العالم ، فخرجت هكذا ، وفيها باعتقادي ملامح المجتمع السودانيّ كما كان في طفولتي ، أي يكاد يكون - على الرغم من الجوانب الأسطوريّة من الناحية الفنيّة في هذه الرواية - تعبير عن الواقع الذي عايشته في تلك المرحلة ، وهي احتفاء بهذا الواقع ، وفيها ملامح السودان كما يحب السودانيّون أن يتخيّلوها حتى الآن ، على الرغم من أنَّ الظروف اختلفت ، لكنهم يحبون أن يظنّوا بأنَّ السودان في أعماقه ما يزال هكذا. ولذلك فهي رواية محبوبة في السودان".
"أما (موسم الهجرة ...) فهي أيضًا تتضمن ملامح الغربة ، لكن بشكل آخر ... السخط والحدّة فيها نتجا عن إحساس: بل بداية إحساس على أي حال ، لأنَّ القيم القديمة التي كان الإنسان يعيش بها ، والتي كانت ما تزال مستمرّة في "عرس الزين" بدأت هنا تتضعضع ، كذلك فيها طروحات بشكل أكثر تدبيرًا ، وفيها دروس أكثر. وفيما يتعلَّق بالبيئة التي استذكرتها في "موسم الهجرة ..." بدا لي أنَّ هنالك شروخًا أخذت تصل إلى المجتمع ، ثم رجعت إلى فكرة التصادم الحضاريّ ... إلخ هذه الأمور التي كُتًبَت عن الرواية".
قادني جوابه هذا إلى سؤال يتعلَّق بالبيئة التي تحدَّث عنها ، فقلت: كثيرون منّا يرون في الروائيّ عالمًا غامضًا: أعني في الجانب الإنسانيّ ، والإبداعي أيضًا ... طفولته ، نشأته ، بيئته الأولى ، طريقته في الحياة ... لم يدعني أكمل ، وقال: "الغموض عند الكاتب سيظلّ موجودًا حتى لو تحدَّث عن حياته ، لأنَّ العمليّة الإبداعيّة مُحاطة بالغموض ... من أين تأتي؟ وكيف يكتب الإنسان؟ لكن لا بأس سأعطيك نبذة عن طفولتي ... فقد نشأت في قرية في شمالي السودان الأوسط. هي قرية كما قال شاعر من شعرائنا عن بلدة مشهورة عندنا تسمّى "الدّامر": (فيا دامر المجذوب لا أنتً قرية بداوتها تبدو ولا أنتً بندر). فالبلدة التي نشأت فيها من هذا النوع ، لا هي قرية ولا هي بندر ، لكنني أعتقد أنها أقرب إلى القرية ، وهي تسمّى "الدّبّة" ، والدّبّة في السودان تعني المكان المرتفع. أما المنطقة فهي "مروي" ديار قبائل الشعيديّة ، والبذيريّة ، والجوابرة ، والركابيّة ، وهي قبائل عربيّة. وهذه المنطقة تكوًّن الحدود الشرقيّة لبادية كردفان ، إحدى المناطق المشهورة في السودان برعي الإبل ، وفيها - برأيي - أكبر تجمُّع للبدو في العالم العربيّ كلّه ، فهم قبائل عربيّة هاجر بعضها قبل الإسلام والبعض الآخر بعد الإسلام ، وتحتفظ بخصائص عربيّة واضحة".
"منطقتنا مستقرّة على النيل ، والناس مزارعون ، وتشتهر بالنخيل. ولذلك قد تلاحظ في ما أكتب أنَّ النهر والنخيل لهما مكانة خاصة. ثم إنَّ تركيبة المجتمع لا تختلف كثيرًا عن تركيبة المجتمعات القرويّة في الأردن أو سورية أو العراق أو مصر ... وهذه أماكن أصبحت مستودعات للتراث. وقد قضيت طفولتي في الثلاثينيات ، وصباي في الأربعينيات في أحضانها ، وما أزال على صلة بها... ما أريد قوله هنا إنَّ المجتمع كان مجتمعًا متكافلاً ، لأنَّ الفرد يعيش في منطقة مكونة من كذا مئة شخص ، كلّهم أقاربه ، فتجد الجدّ ، والجدّة ، والخالة ، والعمّة ، وأبناء العم ... ذلك النظام الذي نعرفه في العالم العربيّ ، وهذه البيئة تمتاز ، ولا تزال إلى حدّْ ما - وأرجو ألاّ تؤثًّر عليها وسائل الإعلام الحديثة - ، بأنها تنتج فنّها ، وتنتج ثقافتها ، وهذه الأمور ترتكز على الطقوس من أفراح وأتراح ، وهكذا ... ثم إنَّ هذه البلدة بالذات معروفة على أنها من مراكز تدريس القرآن الكريم. فحين كنت طفلاً ذهبتُ إلى الكُتَّاب ، وكنّا نسمّيه الخلوة ، لقراءة القرآن ... حتى ونحن في المدارس كنّا أيضًا نذهب ونقرأ القرآن في الخلوة. كان في هذه البلدة - آنذاك - ما لا يقلّ عن مئة حافظ للقرآن. ويُقال بأنها في أيام مملكة سنار ، وهي أوّل دولة عربيّة إسلاميّة في السودان ، كانت حرمًا يحرم على موظفي الحكومة دخولها ، ويعدّ أي إنسان ارتكب ذنبًا ولجأ إليها بأنه في حرم،".
"أيضًا شاركتُ مشاركة تامة إبان طفولتي وصباي في كلّ ما يدور في البلدة ... زرعت مع الناس ، ورعيت ، وتسلّقت النخل ، وسبحت في النهر ، وعزقت الماء من البئر ... كلّ هذه الأمور قمت بها مع أندادي ، كذلك ساهمت في حصاد القمح ، وكان الحصاد مناسبة جميلة".
عدنا إلى الحديث عن الرواية والأدب ، لكن من دون أسئلة مرتّبة فيما يبدو من الأوراق التي سجلت عليها الحوار ، قال الطيب الصالح: "إنَّ الكاتب يعمل في سياق فكريّ ، فهو يتحاور مع الأفكار المطروحة في المجتمع من سياسيّة واجتماعيّة وغيرها. ثم هو يتحاور أيضًا مع تيار الأدب نفسه ، بمعنى أننا نحن الكُتَّاب العرب نكتب ضمن تيارْ يوجد فيه شعراء وكُتَّاب نتحاور معهم بطريقتنا. والكاتب له دور اجتماعيّ ، فحين يقدًّم الأفكار ويناقشها ويطرح التساؤلات فهو يشبه المؤرخ أحيانًا ، لأنه يؤرًّخ لحقبة أو لإحساس عام للأمة في زمن محدَّد. وتجربتي تؤخذ مما كتبت ، والنقّاد هم الذين يقيمونها".
ثم تطرَّق الحوار إلى قضيّة عالميّة الأدب العربي ، وقد كانت من القضايا المُثارة على نطاق واسع في الفترة التي أجري خلالها الحوار. مما قاله الطيب صالح حولها ، وهو الذي تُرجًمت روايته "موسم الهجرة ..." إلى الكثير من اللغات الأجنبيّة: "هذا موضوع أنا أراه غير مهم. فنحن حينما نقول عالميّة الأدب العربيّ نقصد أن يقرأنا الأوروبيّون على وجه التحديد ، أي أن نُترجَم إلى الفرنسيّة والإنكليزيّة ... هذا هو مفهوم العالميّة لدينا ، كما يقال كذا عالميّ كذا دوليّ. نحن نكتب باللغة العربيّة بوصفنا كُتَّابًا ننتمي إلى العرب ... إذا كان هنالك مَنْ يرون فيما نكتبه ما يهمهم فإنهم سيترجمونه ، إذا أرادوا أن يتعرفوا علينا ، كما نفعل نحن حين نقرأ بالفرنسيّة أو الإنكليزيّة ... أو يتعلّموا لغتنا ليقرأوا بالعربيّة، المهم أنا لا أرى أنَّ هذه قضيّة يجب أن تشغَل بالنا. نحن لا ننتج ليقول لنا الآخرون يا سلام أنتم أحسنتم ، نحن نُنتج كجزء من نشاطنا الثقافيّ ، والكاتب العربيّ إذا قُرىء في كلّ العالم العربيّ فهو عالميّ ، لانَّ هذه المنطقة يسكنها قرابة مئتي مليون بني آدم (الكلام في أوائل الثمانينيات) ، وليس بالضرورة أن يقرأه الإنكليز والفرنسيّون،".
ومن أحاديث هذا الحوار ما ذكره الطيب صالح عن الأجواء والطريقة التي يكتب فيها ... وبعض أسرارها ، قال: "أحبّ أن أكتب على طاولة كبيرة لها سطح واسع لأنشر أوراقي عليها ، وأكتب بقلم حبر سيّال يلازمني منذ خمسة عشر عامًا. لكنني من الممكن أن أكتب في أي مكان إذا توافر لي الوقت ، وأحيانًا أخرج للمشي إذا وصلت في الكتابة إلى طريق مسدود. وأعتقد أنَّ كلّ كاتب يكتشف حيلاً يتحايل بها - إذا صحَّ التعبير - على آلهة الفن ، أو تلك الشياطين التي يقولون بأنها كانت تأتي للشعراء العرب من وادي عبقر ... وأنا عادةً أحاول ألاّ أنهي فصلاً كاملاً ، فإذا أتيت إليه في اليوم التالي فإنني أعيد كتابة صفحة أو صفحتين مما كتبت. وهذه العمليّة أشبه ما تكون بلصق قطعة قماش بأخرى ... والغريب في الأمر أنني أحيانًا أنهي فصلاً وآتي في اليوم الثاني لأكتب فيصعب عليّ الأمر ، فكأنني وصلت إلى نهاية حاسمة. على أي حال هي عملية مؤلمة والإنسان يحاول أن يتحايل عليها بشتى السبل".
"دائمًا أحب أن أكتب في الليل ، وعادةً حين يكون عقلي قد استيقظ أجد نفسي غير قادر على النوم ... فمثلاً إذا أنهيت الكتابة الساعة الثانية صباحًا فأنا أحتاج إلى وقت طويل قبل أن يصل النوم إلى أجفاني ، حيث يكون عقلي في هذه الأثناء ما يزال يعمل ... يفكًّر في ما كتبت ، هل كان من الممكن كتابته بطريقة أخرى؟".
على هامش إحدى ورقات هذا الحوار - الذي رحل صاحبه الرحيل الأخير في بلاد الغربة - نقلت ، في حينه ، بضعة أسطر من أحد فصول رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" ، لسبب لم أعد أذكره ، وفيها يتحدث الراوي عن بطل الرواية "مصطفى سعيد": إذ يقول:
"إنما هل هي فعلاً النهاية التي كان يبحث عنها؟ لعله كان يريدها في الشمال ، الشمال الأقصى ، في ليلة جليديّة عاصفة ، تحت سماء لا نجوم لها ، بين قوم لا يعن
التاريخ : 27-02-2009
التاريخ : 27/02/2009 |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: jini)
|
Quote:
الطيب صالح ومشهد استثنائي في أدب التفاعل الحضاري
د.نضال الشمالي ہ
لفتت انتباهي فكرة سوّق لها عبد الله إبراهيم في كتابه الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة (2004) حول موضوعة التواصل الحضاري تتناقض ضمنا مع منجز الراحل الطيب صالح مؤدّاها أنّ "المسار الخاص بتطور الثقافة العربية الحديثة صورة شديدة التعقيد والالتباس ، صورة تتقاطع فيها التصورات والرؤى والمناهج والمفاهيم و المرجعيات ، ولا يأخذ هذا التقاطع شكل تفاعل وحوار ، إنما يتمثل لمعادلة الإقصاء والاستبعاد من جهة ، والاستحواذ السلبي والتنكر والتخفّي من جهة ثانية. وهذا التعارض الذي يتحكم بالأنساق الثقافية أفضى إلى نتيجة خطيرة: وهي: أنّ الثقافة العربية الحديثة أصبحت ثقافة (مطابقه) وليس ثقافة (اختلاف)".
إن هذه الإشكالية التي يستهل بها عبد الله إبراهيم كتابه هي إعلان للحكم قبل الإجراء ، لأنه يلغي بذلك فكرة التواصل الحضاري للأدب بوصفه مكوناً أساسياً من مكونات الثقافة للأمة لصالح فكرة الانسياق والتبعية والمطابقة ، فهل مؤدى الثقافة العربية في عصر النهضة وما تلا عصر النهضة هو فكرة المطابقة؟ إن نظرة عجلى نحو المنجز الأدبي الثقافي للأمة العربية إبّان عصر النهضة ليكشف قطاراً طويلاً من المحاولات الثقافية والأدبية سعت لتحديد موقفنا الثقافي من الآخر: أكان تحديد المكتشف أم تحديد المقارن أم تحديد التابع. وقد "كان المثقفون العرب ، على الخصوص الذين درسوا في الغرب يردون جلّهم إن لم يكن كلّهم ، على اختلاف اتجاهاتهم السياسية ، التفاهم مع الغرب لاعتقادهم أنه بموقعه الجغرافي والحضاري والتاريخي منا ، بات محاورنا الطبيعي ، وإن علينا أن نأخذ عنه بشكل أو بآخر ، ما يسعفنا في نهضتنا." والرأي لأنطون المقدسي. إن مسألة التواصل الحضاري من خلال الأدب مسألة قديمة ضاربة في عمق نهضتنا الأولى أكان تواصلاً مع الأدب الفارسي أم الأدب اليوناني ، لكنـّها كانت محكومة بعلاقة المتفّوق الذي اختار شكل التواصل وطريقته ، المحكوم بمبادئ سامية ينطلق من هديها ، لكن هذه العلاقة في العصر الحديث ، ما بعد خروج نابليون من مصر عام 1801 م ما عادت محكومة إلي تلك المبادئ السامية النيّرة وفكرة الريادة المطلقة ، بل باتت محكومة بفعل المستيقظ الغافل الذي فقد صوابه لقرون خلت. لقد اتخذت علاقتنا مع الآخر (الغرب) مناحي شتى وأشكالاً متعددة ووجوهاً مختلفة في إطار من الصراع والتفاعل ، ولم تقف هذه العلاقة عند "حد الانبهار به وبمنجزاته العلمية والإنسانية وتطوره المادي والثقافي ، ولم تقف عند حدّ التبعية ، واستلاب الشخصية العربية من موروثها الحضاري ومقوماتها الإنسانية: لتتشيأ بمعايير الآخر وقيمه وأشكال حضارته ، بل تعدتها إلى علاقة من نوع آخر ، قوامها الوقوف على أشكال حضارة الآخر ، ورؤية إنسانه على الطبيعة ، فلم يَعُد العربي يثق بما تنقله الصحف ، وما تحمله وسائل الإعلام عن الغرب ومنجزاته وقوته ، وبخاصة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ، وقد اتخذ هذا الوقوف طرقاً متعددة أهمها الرحلة إلى بلاد الغرب ، وتسجيل رؤيته وحواراته ومواقفه في أعمال روائية ". وقد ظهرت بواكير مثل هذا التفاعل بعد عودة أول بعثة دراسية أوفدها محمد علي باشا إلى باريس ، ومنذ ذلك اليوم أضحى الغرب حاضراً في أغلب الكتابات العربية مبهوراً بمقدراته المدنية منفلتاً باتجاه حضارته متفيئاً ظلالها ومنجزاتها ، والمتفائل يقول إن رؤية الكتـّاب العرب تجاوزت مسألة التأثر والتأثير "بل تعدتها إلى إقامة الحوار بين الحضارتين العربية والغربية. ولكل منظوره يدافع به عن مكوّنات حضارته ومعطياتها الروحية والمادية".
إن حاجة النهضويين العرب لملء فراغهم الحضاري آنذاك كانت ملحّة إلى حد كبير ، فوجدوا في طرح فكرة التلاقي الحضاري بديلاً لواقعهم الثقافي المبتور عن الحضارة العربية في شكلها التراثي ، فكان لابد من رفد واقعهم بمرجعيات ثقافية يمكن التعويل عليها ، فماجت المصطلحات الواصفة لهذه الحقبة ، بين واع للانغلاق وآخر للانفتاح وثالث للتبعية ورابع يحذر من الصراع وصدام الحضارات وآخر يدعو لعالمية الفكر والأدب وضرورة التنوع ، وعلى ما يبدو أن الجاهزية الثقافية لمسألة الانفتاح لم تكن متوفرة عند الجميع ، فتلونت هيئة الآخر في كتابات المثقفين وهذا بحد ذاته جعل الأدب وسيلة فاعلة في التمازج الحضاري ، مع عدم جاهزية الحضارة العربية لتصدير ولو قليلاً من قيمة ما استوردته.
وواقع الأمر يحتم علينا أن نقتنع بضرورة مثل هذا التمازج فحاجتنا لمنجز الآخر ضرورة ملّحة ، من باب إحداث بعض من التوازن المفقود بين حضارتين متزامنتين كان للأضعف حاجات لم تلبًّ ، وبما أن الجماعات الإنسانية "تختلف بصفة عامة في طريقة أو وسيلة إشباع تلك الحاجات ، وذلك من مكان لآخر ، ومن زمن إلى زمن ، إلا أن كل جماعة إنسانية ، صغيرة أو كبيرة ، تصل في النهاية إلى تشكيل ثقافة لها ، أي أسلوب معين لحياتها بما يتضمنه ذلك من آداب ، وتقاليد وعادات ونظم اجتماعية وإنتاجية. ويأتي هذا الأسلوب الحياتي - أي الثقافة - ثمرة التفاعل بين الإنسان والكون ومتطلبات الحياة" ، ومثل هذا التشكيل الثقافي لا بد أن يكون محسوباً ومرتبطاً بمرجعيات محسوبة ، ومع عدم إهمال فكرة أن الحضارة الإنسانية واحدة ولكنها متعددة المستويات ، إلا أن مسألة الخصوصية الثقافية مسألة لا بد منها لحماية توازن الحضارة ومنجزاتها المتنامية ، مما يعني الوقوف مطولاً عند محددات ثقافية تتمثل في: الانغلاق ، الانفتاح ، التنوع ، التبعية ، الصدام أو الصراع ، العالمية ، الانهيار وفقدان الهوية.
إن ثقافة الآخر و جاهزيته كانت وقتها أقوى من أي اعتبار ، فبريق حضارة الآخر يخطف الأبصار ويسيّر البصائر ، وقد تركزّت هذه الحضارة في عدة مدن اوروبية كان أبرزها "باريس" و"لندن". هاتان المدينتان العملاقتان حققتا حضوراً واسع الأبعاد في كتابات المثقفين العرب خلال قرنين من الزمان التاسع عشر والعشرين ، فصنعت كل منها لنفسها خصوصية في نفوس كتّاب الأمة ومفكريها ومثقفيها.
وقد كان للطيب صالح موعد لا ينسى مع مدينة "لندن" في رائعته "موسم الهجرة إلى الشمال" ، التي كانت مثالا حقيقيا للتلاقي الحضاري بين الشرق والغرب على نحو غير مسبوق هذا التلاقي تلخص في تجربة مصطفى سعيد ، تلك الشخصية الورقية الحيّة في النفوس ، شخصية تختصر عمق اللقاء الحضاري بين حضارتين ، فبعد أن أكمل مصطفى سعيد دراسته في لندن استغرقت منه سبع سنوات كان لا بد له من العودة إلى قريته في السودان على ضفاف النيل ليروي متذكرا ومتداعيا تجاربه المثيرة في لندن وقد كان حينها متسلحا بثقافة قومية إفريقية خالصة اجتذب بها نساء لندن لينتقم بهن من الحضارة الغربية الجائرة على حضارته الشرقية ، فهل افلح بطريقة انتقامه ذات شيفرة الشرف الشرقية؟ وهنا لنستذكر بعض المقاطع المفصلية في الرواية. "كنت خلالها أتعلم في أوروبا.تعلمت الكثير وغاب عني الكثير ، ولكن تلك قصة أخرى" ص 1 ، "نظرت خلال النافذة إلى النخلة القائمة في دارنا ، فعلمت أن الحياة لا تزال بخير. انظر إلى جذرها القوي المعتدل وإلى جذورها الضاربة في الأرض ، وإلى الجريد الأخضر المتهدل فوق هامتها فأحس بالطمأنينة ، أحس أني لست ريشة في مهب الريح ، ولكني مثل تلك النخلة ، مخلوق له أصل ، له جذور له هدف" ص 6 ، "دهشوا حين قلت إن الأوروبيين - إذا استثنينا فوارق ضئيلة - مثلهم تماماً ، يتزوجون ويربون أولادهم حسب التقاليد والأصول ، ولهم أخلاق حسنة ، وهم عموماً قوم طيبون"ص 7 ، "غرفة نومي مقبرة.. تعبق من الغرفة رائحة الصندل المحروق والند. غرفة نومي كانت مثل غرفة عمليات في مستشفى.. أقضي الليل ساهراً أخوض المعركة بالقوس والنبل والسيف والرمح والنشاب. فأعلم أني خسرت الحرب مرة أخرى"ص 94 ، "ظلت واقفة أمامي كشيطان رجيم ، في عينيها تحدْ ونداء أثار أشواقاً بعيدة في قلبي. لم أكلمها ولم تكلمني ، ولكنها خلعت ثيابها ووقفت أمامي عارية ، نيران الجحيم كلها تأججت في صدري ، كان لا بد من إطفاء النار في جبل الثلج المعترض طريقي ، تقدمت نحوها مرتعش الأوصال ، فأشارت إلى زهرية ثمينة من الموجودة على الرف. قالت: تعطيني هذه وتأخذني. لو طلبت مني حياتي في تلك اللحظة ثمناً لقايضتها إياها ، أشرت برأسي موافقاً ، أخذت الزهرية وهشمتها على الأرض وأخذت تدوس الشظايا بقدميها حتى حولتها إلى فتات. فأشارت إلى مخطوط عربي نادر على المنضدة. قالت: تعطيني هذا أيضاً. حلقي جاف ، أنا ظمآن يكاد يقتلني الظمأ.لا بد من جرعة ماء مثلجة. أشرت برأسي موافقاً ، أخذت المخطوط القديم النادر ومزقته إلى وملأت فمها بقطع الورق ومضغتها وبصقتها ، كأنها مضغت كبدي ، ولكنني لا أبالي أشارت إلى مصلاة من حرير أصفهان أهدتني إياها مسز روبنسن عند رحيلي من القاهرة. أثمن شيء عندي وأعز هدية على قلبي. قالت:تعطيني هذه أيضاً ثم تأخذني ، ترددت برهة ، ولكنني نظرت إليها منتصبة متحفزة أمامي ، عيناها تلمعان ببريق الخطر وشفتاها مثل فاكهة محرمة لا بد من أكلها. وهززت رأسي موافقاً ، فأخذت المصلاة ورمتها في نار المدفأة ، ووقفت تنظر متلذذة إلى النار. تلتهمها فانعكست ألسنة اللهب على وجهها ، هذه المرأة هي طلبتني وسألاحقها حتى الجحيم ، مشيت إليها ووضعت ذراعي حول خصرها وملت عليها لأقبلها ، وفجأة أحسست بركلة عنيفة بركبتها بين فخذي ، ولما أفقت من غيبوبتي وجدتها قد اختفت"ص ,126
وهذا المقطع الأخير يعكس بعمق روح العداء بين الشرق والغرب ، رغم محاولات التزاوج بينهما في شتى المجالات. ولقد أراد الطيب صالح توضيح روح هذه العلاقة بشقيها السلبي والإيجابي ، وذلك بالعلاقة بين مصطفى سعيد (بطل الرواية) نموذج الشرقي المثقف والمرأة الغربية (جين مورس) روح الحضارة الغربية ورمزها ، فجين مورس التي تكره مصطفى سعيد لأسباب عرقية وحضارية رغبت في منح نفسها فرصة التعايش مع الآخر: لتتعرف إلى مدى أفق هذا التعايش ، ومدى تلاقي الخطوط الحضارية الإنسانية وخطوطهما ، وفهم كل منها الآخر ، لعلّها تقيم زواجاً مشروعاً بين الشرق والغرب ، لأن جين مورس لم تتوان في كل مناسبة الاستمرار عن توجيه الإهانة إليه وتصغير شأنه أمام الآخرين على قاعدة تفوقها العرقي والحضاري وعلى قاعدة رؤية التمايز بينهما.
ويتضح لنا صورة الصراع بين الشرق والغرب المتجسدة بالعلاقة بين الرجل والمرأة ، فالرجل هنا يمثل الشرق ، والمرأة تمثل الغرب ، وما يحدث بينهما من صراعات تتمثل في العلاقات وعندما قرروا الزواج لمعرفة مدى التواصل فيما بينهما كانت تتمنع عن زوجها بإعطائه الحق الشرعي له وهو الاتصال الجنسي ، الذي يرمز بالضرورة إلى الاتصال الحضاري بين الشرق والغرب ، وعدم قابلية كل منهما في الاتصال والتواصل: لذلك نرى امتناع جين مورس عن زوجها الذي يدل على تأجج الصراع بين الشرق والغرب الذي يتضح منه عدم قبول أحدهما الآخر فإن (جين مورس) تمثل الهلاك لمصطفى سعيد ، والالتحام الحضاري بين الشرق والغرب ، عند أجيال الحرب يعني الدمار النهائي لكليهما. غير أن هذا الدمار ممزوج بنشوة ولذة منحرفة وخطيرة ، اثارتها كوامن عديدة. منها: الضارب الجذر في التاريخ ، ومنها: وليد العصر والحضارة الحديثة والحرب. و(جين مورس) تمثل الحضارة الأوروبية بما تحمله من تشنج وعنف وشذوذ ، وتتأزم أجيال الحرب في الصراع بين الحضارات نفسياً وسلوكياً وفكرياً ، ويصل الصراع حداً من العنف إلى درجة الخلاص من الخصم بالقتل. وجريمة مصطفى سعيد هي قتل للوجدان الأوروبي المعقد والذي يعلن كراهيته واحتقاره لإفريقيا ، ثم يتمسك ويقبض عليها بأصابعه ، بل ينشب أظافره حتى لا تضيع ، فموقف أوروبا من إفريقيا ، هو تظاهر بالكره يقابله حرص على إفريقيا وتمسك مستبد وعنيف ، وزوجة مصطفى سعيد كانت تبدي له كرهاً وتمنعاً واحتقاراً ، وهي في الحقيقة تريده لتعتصر وتحقق ثم تعامله بعد ذلك كالكلب.
وهكذا نستخلص من هذه النماذج المقتطعة من رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" الصراع بين الأنا والآخر ، والشرق والغرب ، وكيفية تصوير هذه العلاقة بأنها علاقة بين رجل وامرأة يستمر الصراع فيما بينهما ويشتد ويخلص إلى عدم التقاء الشرق بالغرب ، وذلك من خلال التزاوج فيما بينهما إنما يبقى الصراع دائراً لا ينتهي ويعلن الشرق تمرده وتحديه للآخر ، ويحاول أن يضاهيه ويتشبه به ولو على أبسط صورة. تلك محاولة الطيب صالح في رسم علاقة التفاعل الخطيرة بين الشرق والغرب ، والخطير أن علاقة التفاعل المعقدة هذه التي بشر بها الطيب صالح أخذت في السنوات الأخيرة طبيعة أكثر شراسة من ذي قبل لا يعرف احد إلام ستنتهي. لتبقى ثنائية المطابقة والاختلاف هي الأكثر جدلا في مثل هذه الظروف.
ہ ناقد وأكاديمي أردني
date : 06-03-2009
التاريخ : 06/03/2009 |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب صالح طيب الله ثراه فى الدستور الأردنية!!!!! (Re: jini)
|
Quote: استراحة السبت: الطيب وابو الطيب وباريس .. * راكان المجالي
تصدر السودان في الاسابيع الاخيرة اهتمام العرب عبر حادثين مؤلمين الاول هو وفاة اكبر روائي سوداني المرحوم الطيب صالح الذي هو ايضاً من ابرز الروائيين العرب ويجادل البعض بانه أبرزهم ، وعلى المستوى العالمي ظل الطيب صالح مرشحاً لجائزة نوبل للآداب عن رائعته «موسم الهجرة للشمال».
اما الحدث الثاني الصاعق فهو قرار المحكمة الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير وهو ما كتبنا عنه باستفاضة يوم امس ، وسيكون موضوعاً لكل الكتاب العرب في الايام والازمان القادمة.
سأقتصر الحديث في استراحة السبت اليوم عن الطيب صالح مع انني لاحظت ان ما كتب عنه كثير ويفوق ما كتب عن اي اديب عربي ، ولذلك اكفاني من كتبوا الكتابة عنه كروائي وكإنسان وسأكتفي بالاشارة لناحية افتتانه بالمتنبي وهو ما لقي هوى في نفسي وذات مرة قال لي انه احاط بانتاج الشعراء في العالم قديماً وحديثاً وهنالك عشرات الشعراء العظماء ، لكن المتنبي في رأيه في موقع آخر لا يمكن ان يقارن به اي شاعر عربي او عالمي.
وبالاضافة الى افتتانه بالمتنبي فقد كان عاشقاً للمدن كما هو عاشق للشعر ، ولكنه كان مفتوناً بباريس التي يصفها همنجواي بأنها مهرجان دائم ويقول عنها بيكاسو انها روح تطور الحضارة الانسانية ، وكان افتتان الطيب صالح هذا يلقى ايضاً هوى في نفسي ، وسأقتبس في هذه الاستراحة اخر مقال كتبه المرحوم الطيب صالح في مجلة «المجلة» عن احد معالم باريس وهو «برج ايفل الذي اقيم في عامين عام 1887 وحتى 1889 وهو واحد من اهم رموز «باريس» والذي يصفه الكاتب الفرنسي «رولان بارت» قائلا:
في اي فصل من فصول السنة ، في الضباب والغيم ، في الايام التي لا تشرق فيها الشمس ، وفي ايام الصحو ، في المطر ، أينما كنت.. ثمة البرج ، يتغلغل في نسيج الحياة اليومية حتى لا تستطيع ان تتصور له صفات محددة.. مثل ظاهرة من ظواهر الطبيعة ، يتساءل الانسان عن معناها الى ما لا نهاية ، ولكن وجودها ثابت بما لا يدع مجالاً للشك..»
.. بالاضافة الى ما يعنيه البرج لاهل باريس ، فانه ينفذ ، عند الناس قاطبة ، الى مستودع التداعيات الدفينة في مخيلاتهم ، هيئته البدائية البسيطة ، تسبغ عليه صفة لغز لا قرار له. انه - حسبما يشط بنا الخيال - رمز باريس ، رمز الحداثة ، الاتصالات ، العلم ، القرن التاسع عشر ، صاروخ ، جذع ، ونش ، phallus (رمز الذكورة).. برق ، قضيب حديد ، حشرة. يشتمل على انواع احلامنا كلها. انه (العلامة التي لا مهرب منها.. وظيفته المثلوجية الوحيدة ، كما يبدو في شكله البسيط ، ان يجمع القاعدة الى القمة ، او الارض الى السماء ، كما عبر الشاعر..»
«.. يجذب البرج المعني اليه ، كما تجذب الاسلاك الصواعق ، انه يلعب بالنسبة لعشاق اصطياد المعاني ، دوراً مدهشاً.. انه المعنى الذي يأخذونه من تجاربهم واحلامهم وتاريخهم ، دون ان يكتسب هذا المعنى بعداً نهائياً ومحدداَ.
كتب (رولان بارت) هذا ، في مقالة نُشرت باللغة الفرنسية عام 1970 او نحوها ، ونشرت باللغة الانجليزية عام 1979 مع مجموعة مقالات ، وهو كما لا يخفى ، من كبار علماء (السيميولوجية) ومن أحبار المذاهب الحديثة في النقد. ولد عام 1915 وتوفي عام 1980, وكان الى حين وفاته استاذا في الـ (كوليج دي فرانس) يصفه البعض بانه (البنيوي الذي وضع علماً للادب). وقد ناصر (الرواية الجديدة) ونادى بما سماه (موت المؤلف) يقصد ان النص هو المعول ، وان المؤلف لا اهمية له. ذلك لم يمنعه هو نفسه ان يكتب عن (راسين) و(بلزاك) وقد كان مثار اهتمام عظيم ، بشخصه وبفكره ، لايقل عن الاهتمام الذي أثاره (جان بول سارتر) في الخمسينيات والستينيات ، مساهماته الفكرة لا تنكره ، وأثره واضح في كثير مما يكتب من نقد ادبي هذه الايام ، حتى في العالم العربي.
ويعلق الطيب صالح قائلا: قارن بين وصفه لـ (برج ايفل) وبين هذا الوصف في قصة تسمى (دومة ود حامد) لشجرة دوم ، في قرية في شمال السودان. والدوم كما تعلم مثل النخل ، الا انه اكبر وأطول ، وقد نشرت القصة باللغة العربية عام 1960 ، ونشرت مترجمة باللغة الانجليزية عام 1961 ، او نحوها.
الفرق شاسع بالطبع ، كالفارق بين قرية في شمال السودان وبين باريس ، كالفارق بين شجرة دوم تطل على نهر النيل ، وبرج من الحديد زنته سبعة الاف طن ، يطل على نهر السين.
إنما أحسن من هذا وذاك ، ما صنعه ابو عبادة البحتري منذ اكثر من الف عام. لا يغرنّك تذاكي «الحبر» الفرنسي ، وتلاعبه بالكلمات والافكار كمثل قوله «البرج جماد يْرى (بفتح الياء) ونظرة تُرى (بضم التاء) انه فعل تام لازم ومتعد» تحت هذا اللعب الذكي فكرة بسيطة ، هي ان برج ايفل (رمز).
كذلك فعل البحتري في قصيدته السينية العصيمة عن (الايوان).
الرمز عند العلامة الفرنسي (فارغ) يملؤه الرائي بالصور والاحاسيس والمعاني ، كيف يشاء - وهذه فكرة أساس في مذهب الاستاذ (بارت). اما البحتري فقد صنع رمزا داخله مجموعة رموز ، مثل كهف مسحور مليء بالفجاءات. لغز وراءه لغز. المتلقي لا يملأ بتخيلاته فراغا كاملا ، ولكنه يملأ فراغات بين دروب المعاني التي اختطها الشاعر سلفاً وعن عمد.
انها قصة طويلة ليس هذا محلها ، ولكنها من يوازي لك في زحمة هذا السوق ، بين أبي عبادة البحتري و(رولان بارت)؟ وهل كانت بغداد زمان البحتري إلا كمثل باريس على عهد بارت؟ وهل (دومة ود حامد) الا (برج ود حامد)؟ وهل (برج ايفل) الا (دومة باريس؟).
التاريخ : 07-03-2 |
| |
|
|
|
|
|
|
|