دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
.. ولحق "الطيب" بـ "نوبل الأعظم"، وكأن الموت هو "الرواية الخامسة"!
|
.. ولحق "الطيب" بـ "نوبل الأعظم"، وكأن الموت هو "الرواية الخامسة"
ما زلت أتذكر كيف أننا نحن الجيل الذي ولد وعيه الأولي مع انتفاضة أبريل، تربى على روايات الطيب صالح، شاءت السلطة الإسلاموية أم أبت، وهي تصادر فكره وتمنع رواياته، حتى أن كاتبا وضيعا كتب في زاوية بصحيفة "النظام" في مطلع التسعينات، تحت مسمى "باختصار شديد": "موسم الهجرة إلى الحضيض"... كان ذلك الخطاب الذي تلوث بكيمياء اللامعقول السلبي في رؤية العالم، ساعة قال الطيب قولته المشهورة: "من أين جاء هؤلاء؟" وساعة قال أيضا: "متى كانت الخرطوم مهبطا للديانات"... وهي مقولات استنكارية وليست أسئلة. كأن الطيب كان يستبصر المستقبل فقد تنبأ منذ سنوات طويلة بما صار فيما بعد، وفي رواية "بندر شاه" الجزء الأول "ضو البيت".. كانت ثمة إشارة واضحة لهذا اليوم الذي انفجر فجأة في الثلاثين من يونيو ساعة اعتلى الاسلاميون السلطة، على حين غفلة من "شعب مقهور". لاحقا صالحته، السلطة.. وكأن الطيب أدرك أن ساعة الفراق لعالم لا يستحق ثمن العيش عليه قد دنت، وأن عليه أن يمسح كل ما يعطله عن كتابة رواية أخرى عن: الموت، عن الغياب الصغير.. فالطيب كان رجلا مؤمنا، تنضح كتاباته بهذا الشيء.. كان عالم دين ومتصوف وكان زاهدا في الحياة الدنيا، وكان له "دينه الخاص" ورؤيته المتوقدة للعالم تلك الرؤية العرفانية التي لا يصل إليها إلا بعض من خواص الناس.. ممن لهم قرب من الله. لكن بعض العلم لا يدركه العامة... وكأن الطيب صالح كان يقرر حياته بنفسه، ساعة قرر أن يتوقف عن كتابة الرواية مبكرا.. وهو يرى أن الكتابة في حد ذاتها مس من السحر الذي لابد منه لكي يتحرر الإنسان من قلق الوجود وسؤال الكينونة والبقاء.. أراد الطيب أن يتحرر عبر إيجاد حريته الخاصة التي لا تدانيها حرية ولا يقترب منها "هوس" ولا "استرجال فاحش"!!. نعم تربى جيلنا على روايات الطيب صالح، على "موسم الهجرة إلى الشمال" و"عرس الزين" و"مريود" و"بندر شاه- ضو البيت" و"دومة ود حامد" – مجموعة قصصية -.. إلى "المنسي" ذلك العمل الذي لم يسمه الطيب رواية، وكنا في انتظار روايته "الخامسة" التي وعدنا بها لكنها لم تأت... وكأن الموت هو الرواية الخامسة.. في حوار بعيد قال إن اسمها "جبر الدار".. وتأخر ميلاد "جبر الدار"... ثم قبل أيام كان ترشيحه لجائزة نوبل، لكنه لحق بـ "نوبل الأعظم".. ملكوت السماوات والأرض.. الحق العلي الجبار.. المصور.. الرحمن.. لحق به الطيب إلى جوار مليك مقتدر.. ليعلمنا الزهد في الدنيا وأنها ليست دار قرار..
***
من خلال نصوص الطيب نفسها ما يستشرف الحالة التي ألمت بالسودان في مطلع التسعينات. في رواية (بندر شاه – الجزء الأول ضوّ البيت)، التي تعالج جدلية (المدنية والسلطان) في السودان، والتي كتبت في ستينات القرن الماضي، وتعالج سودان النصف الأول من القرن العشرين إلى بزوغ فجر الاستقلال والسنوات الأولى من الحكم الديمقراطي، نجد هذه الحالة التوقيعة عند الطيب صالح، فقد ذكر على لسان "محيميد" أحد أبطال الرواية ردا على "ود الرواسي"، من شخصيات الرواية عندما سأل الثاني الأول: "ما بالك تقاعدت وأنت لم تبلغ سن التقاعد؟" قال محيميد: "أحالوني على التقاعد لأنني لا أصلي الفجر في الجامع"... "سيقول ود الرواسي: هذا جد ولا هزار؟".. سيقول محيميد: "عندنا الآن في الخرطوم حكومة متدينة، رئيس الوزراء يصلي الفجر حاضرا في الجامع كل يوم، وإذا كنت لا تصلي أو كنت تصلي وحدك في دارك، فسيتهمونك بعدم الحماس للحكومة. أن تحال للمعاش كرم منهم". وتستمر الرواية: "يدهش ود الرواسي ويقول: أما عجايب.. وسيقول له محيميد: بعد عام أو عامين أو خمسة ستجيئنا حكومة مختلفة لعلها غير متدينة. وقد تكون ملحدة. إذا كنت تصلي في دارك أو في الجامع، فإنهم سيحيلونك للتقاعد. سيسأل ود الرواسي: بأي تهمة؟.. وسيرد عليه محيميد قائلا: بتهمة التواطؤ مع الحكومة السابقة... لن يصدقوا آذانهم وسيقولون بصوت واحد: أما عجايب". هذا النص الاستشرافي المبكر، لما يمكن أن يحدث في مستقبل الممارسة السياسية في السودان استنادا على مقتضيات الواقع، حيث كان الطيب يراقب الصراع بين الإسلاميين والشيوعيين في تلك الفترة والذي بلغ أوجه. يكشف أن الطيب لم يكن غائبا عن مجمل الصورة لإمكانيات المستقبل في بلده. يكشف لنا الطيب أن الطريق في السودان إما: بحث عن سلطة أو بحث عن حقيقة كما صنفه الطيب نفسه في الرواية نفسها "بندر شاه"، فقد ورد في الرواية: "محجوب كان حقه يمشي في السكة دي، محجوب عنده الطموح، عاوز السلطة. أنا عاوز الحقيقة. وشتان ما بين البحث عن السلطة والبحث عن الحقيقة". وإذا كان الطيب نفسه قد نفى في ندوة له بالدوحة (2005) بعد أكثر من عشر سنوات من سؤاله الأول، أن يكون له دورا سياسيا، بمعنى أنه باحث عن الحقيقة، إلا أن طريق السلطة والحقيقة يظل دربا متداخلا يصعب فيه فصل الاثنين عن بعضهما البعض، خاصة في دولة كالسودان شهدت ومنذ فجر الحداثة الأدبية فيها في عشرينات القرن الماضي قلقا دائما عن علاقة الأدب بالسياسية، بدأ مع مدرسة الفجر الأدبية التي كانت لها تقاطعاتها مع السياسي. وإلى الآن يطرح هذا السؤال بشكل مكرر في المجتمع السوداني. ومن التأويلات المدهشة بخصوص مشروع الطيب صالح، ما قال به الدكتور قيصر موسى الزين عن أن مشروع الطيب صالح هو في جوهرة مشروع يهدف لسلطة دينية. وحلل الأمر بأن السلطة الدينية تهيمن على العقل السوداني "الشمالي"، بوجه خاص، وهذا الأمر يجعل المباعدة عنه "مغامرة فاشلة"، فالسوداني لا ينفك أن يقع في أسر الدين بشكل أو بآخر، وضرب مثالا بمشروع "عالم عباس" الشعري، وكونه ينسج من خلاله أسطورة "الشعر" لدين خاص يبشر به حيث تتولد تصورات جديدة للعالم والكون. وإذا ما عرفنا أن الطيب صالح وقبل سفره إلى لندن سنة 1952 بعد أن ترك جامعة الخرطوم، كلية العلوم ولم يكملها. كان أحد أعضاء "حركة التحرير الإسلامي" التي نشأت في نهاية الأربعينات كردة فعل قوي وتحدي للحركة الشيوعية في المؤسسات التعليمية السودانية، رغم أن هذا التيار وإلى حد بعيد كان يعتبر التدين حالة شخصية، فردانية. فسوف نفهم أن هذه التجربة المبكرة في حياة الطيب هي التي شكلت له ردة الفعل لاحقا، في أحكامه على نظام البشير والترابي، وهي ذات ردة الفعل التي عملت ولكن بشكل متجرد في مشروعه الإبداعي. وما يلفت النظر هنا مقارنة ذلك بما ذهب إليه الدكتور قيصر موسى الزين. وهي تجربة تستحق الدراسة والتقصي، في ظل قراءة مشروع الطيب الروائي بعيدا عن الأسلوب الانتقائي المجتر – أيضا – والذي أهمل روايات الطيب الأخرى، عدا "موسم الهجرة إلى الشمال"، واختصر التجربة في قراءات جمالية بحتة لاسيما للرواية المذكورة، وكان أغلب النقد السوداني قد تأثر في هذا الموضوع بالوافد من الخارج، بما جعله أشبه برجع الصدى، دون أن يؤسس لنقد خلاق لأدب الطيب يقوم على قراءة تهتم بالأبعاد السياسية والاجتماعية وقبل ذلك المنظومات الدينية داخل هذا المشروع.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: .. ولحق "الطيب" بـ "نوبل الأعظم"، وكأن الموت هو "الرواية الخامسة&q (Re: محمد عبد الماجد الصايم)
|
لاحول ولاقوة إلا بالله إنا لله وإنا إليه راجعون للفقيد الرحمة ولآله الصبر وحسن العزاء جملناالله وإياكم بالصبر
اللهم أرحمه وأسكنه فسيح جنّاتك اللهم باعد بينه وبين خطاياه كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقّه من الخطايا والذّنوب كما يُنَقّىَ الثّوب الأبيض من الدّنس اللهم أغسله بالثلج والماء والبرد اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله اللهم أجمعنا وإيّاه في مستقرّ رحمتك اللهم إنّا نسألك بإسمك الأعظم أن توسّع مدخله اللهم آنس في القبر وحشته اللهم ثبّته عند السُّؤال اللهم لقّنه حجّته اللهم باعد القبر عن جنباته اللهم أكفه فتنة القبر اللهم أكفه ضمّة القبر اللهم أجعل قبره روضةً من رياض الجّنّة ولا تجعله حفرة من حفر النار اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيّئاته اللهم ألحقه بالشُّهداء اللهم أفتح عليه نافذة من الجّنّة وأجعل قبره روضةً من رياضها
| |
|
|
|
|
|
|
|