أشكالية مفهوم الوسط ... عند الدكتور أبو القاسم حاج حمد !!

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 11:12 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة حامد حجر(hamid hajer)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-24-2004, 09:32 AM

hamid hajer
<ahamid hajer
تاريخ التسجيل: 08-12-2003
مجموع المشاركات: 1508

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أشكالية مفهوم الوسط ... عند الدكتور أبو القاسم حاج حمد !!

    إشكالية مفهوم الوسط الكبير بين الأستاذين كمال الجزولي ومنصور خالد
    الحلقة الأولي
    بقلم: محمد أبو القاسم حاج حمد

    صدق الأستاذ (كمال الجزولي) في عنوانه ومقاله المنشور بجريدة (الصحافة - الخميس 29 ربيع الثاني 1425هـ/ 17 يوليو (تموز) 2004م - العدد 3970) - (حاج حمد: من رمضاء السوسيوبوليتيكا إلى نار الجيوبوليتيكا!) فأنا واقع بالفعل بين رمضاء السوسيولوجي ونار الجيوبوليتيك وكأني أذوق مس سقر.
    ولا مهرب لي من رمضاء الوسط والشمال والشرق كوحدة جيوبوليتيكية منذ ألفين وسبعمائة عاماً بكل أبعادها التاريخية والحضارية والاجتماعية والاقتصادية ليس لأني مكوّن ضمنه فقط ولكن لأني أعاني سلبياته التركيبية التي ذكرها الأستاذ الجزولي «إن الحقيقة التي لا تجوز المغالطة فيها هي أن غالب الطبقات والشرائح الاجتماعية (للجلابة) الذين تمكنوا، منذ خمسة قرون، من الاستحواذ على الثقل الاقتصادي السياسي والاجتماعي الثقافي في بلادنا، إنما ينتسبون إلى الجماعة المستعربة المسلمة المنتشرة، أساسا، في الشمال ومثلث الوسط الذهبي (الخرطوم - كوستي - سنار)، وهي التي تشكل في رحمها، لهذا السبب، التيار (السلطوي/ التفكيكي) المستعلي على (الآخرين) في الوطن بالعرق والدين والثقافة واللغة، علاوة على الثروة بطبيعة الحال.
    لقد تكونت هذه القوى الاجتماعية في ملابسات النشأة الأولى لنظام التجارة البسيط على نمط التشكيلة ما قبل الرأسمالية في مملكة الفونج، منذ مطلع القرن السادس عشر (ك.بولاني - ضمن تيم نبلوك، 1990م)، وضمت مختلف شرائح التجار والموظفين والفقهاء وقضاة الشرع، او الطبقة الوسطى الجنينة وقتها. وعند انحلال المملكة أوائل القرن التاسع عشر حازت هذه القوى على أراضيها وثرواتها، فجرى تكبيل قوى الإنتاج البدوي بين القبائل الطرفية، كما في الجنوب وجبال النوبا والفونج والنيل الأبيض مثلا، من عبيد وأنصاف عبيد رعاة ومزارعين وحرفيي إنتاج سلعي صغير، بالمزيد من علاقات الإنتاج العبودية والإقطاعية المتداخلة. وكان هؤلاء يعتبرون موردا رئيسا للرقيق والعاج وسلع أخرى كانت تنتزع بالقوة.. مما جعل لهذه العملية تأثيراتها السالبة على المناطق المذكورة (المصدر).
    كان لابد لهذا التأثير السالب أن ينسحب على العلاقات الاثنية عموما، ليس لجهة الاقتصاد فحسب، وانما لجهة الثقافة والاجتماع أيضا، مما مهد لحجاب كثيف بين العنصر المستعرب المسلم وبين (الآخرين) ، حيث استعصم العنصر الزنجي مع لغته وثقافته بالغابة والجبل، وحدث الشيء نفسه تقريباً في سلطنة الفور ومملكة تقلي (محمد المكي، 1976م). ومنذ العام 1820م جرى تعميم النموذج مع دولة الأتراك الحديثة التي تمتلك أدوات تنفيذ عالية الكفاءة، فبرز النهج الاستتباعي للثقافة العربية الإسلامية بشكله السافر (أبكر آدم إسماعيل، 1999م).
    ومع مطالع القرن الماضي حصلت هذه القوى على دفعة كبيرة من الاستعمار البريطاني الذي احتاج إلى (مؤسسة سودانية) تدعم وجوده في الأوساط الاجتماعية، الأمر الذي هيأ لقوى (الجلابة) من كبار الزعماء القبليين والدينيين وكبار التجار وخريجي (الكلية) وراثة السلطة بعد الاستقلال، بذهنية تنزع لتأكيد (نقاء) عرقها ولغتها وثقافتها، وتقديم نفسها كنموذج (قومي/ مركزي) يزعم تمام التأهل لاختزال مجمل التكوينات الأخرى، ففاقمت بذلك من أوضاع القهر والاستعلاء برسم وتطبيق سياسات (الأسلمة) و(التعريب) القسرية.
    تلك هي الوضعية التي استقبل بها (الجلابة) صورة الوطن ومعنى الوطنية والمواطنة. بالمفارقة لكل معطيات (الهجنة) التي ترتبت على قرون من اختلاط الدماء العربية الوافدة والأفريقية المحلية، بالإضافة إلى كل حقائق (التنوع) الذي انكرت استحقاقاته الأنظمة المتعاقبة، مما أفضى إلى مأزقنا الراهن الذي تساوق فيه (التهميش) الاقتصادي السياسي مع (التهميش) الاجتماعي الثقافي، كمصدر أساسي لهذا الحريق الوطني العام، وهو ما ينكره حاج حمد».
    قد انتهى الأستاذ الجزولي إلى القول: (وهو ما ينكره حاج حمد).
    والصحيح أن هذا ما لا ينكره حاج حمد، بل ويضيف حاج حمد الى ذلك ان العروبة في هذا الوسط ليست (حضارية) تماثل البناءات الحضارية العربية في دمشق وبغداد وقرطبة والقاهرة، وانما هي عروبة ذات نمط (ثقافي شفهي بدوي).. (محاضرة آفاق السلام في السودان)- رؤية ميدانية. تحليلية- المجمع الثقافي- أبو ظبي- 4/4/2004 راجع الصحافة 17 إلى 24 أبريل 2004 - 5 حلقات.
    وان ميلاد العروبة في السودان هو (ميلاد متعسر) ، فقد نشأت هذه العروبة والمماليك يحكمون مصر وإثر سقوط آخر مظهر حضاري عربي في قرطبة (السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل - الصفحات ).43- 48- المجلد الأول- ط 2.
    ولا يملك السودان من عروبته سوى (كتابة) اللغة العربية التي (استوردها) من المراكز الحضارية، وخط بها مصاحف القرآن على (الجلد). ولم تنتج عروبة السودان سوى مخطوطة واحدة هي (طبقات ود ضيف الله).
    اما الذين حكموا هذا الوسط الكبير ـ ومع انجازاتهم ـ هم مجرد كتبة ومحاسبين واداريين من ذوي المؤهلات الوسطى كفئة وطنية مساعدة للادارة الاستعمارية فلما اعتلوا سدة السلطة بالسودنة تكشف خلو اذهانهم من أي (منهجية) في الفكر والفلسفة ومن أي رؤية استراتيجية في السياسة والحكم والبناء الاقتصادي والتنموي وكانت عقليتهم عقلية (موازنة مالية) و(مراجع عام) وليس عقلية تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية.
    وان المزاعم الحضارية لابناء الوسط لم تتجاوز بناء (دامر المجذوب) وليس عطبرة حيث مجمع الورش. والسكك الحديدة، وشتان بين (الدامر) الوطنية وعطبرة المرتبطة بالاستثمارات الاستعمارية.. وشتان بين (بورتسودان) و(سواكن) وبين مشروع القطن في الجزيرة وسواقي الشمالية، وشتان بين اكاديميات بخت الرضا وخورطقت وحنتوب ووادي سيدنا، مبانيا ومناهج حديثة في التأهيل والتدريب وبين (الخلاوي) الوطنية التي انتهى اليها (سقف) الجهد الوطني في الوسط، واخيرا شتان بين (الخرطوم) وقصر الحاكم العام (القصر الجمهوري) وبين ام درمان وقبة الامام المهدي.
    لهذا كتبت اني اكثر ادراكا ووعيا بسلبيات هذا الوسط والشمال من كل الذين كتبوا ضده، فالمستعلون من الشماليين (الجلابة) هم من نسيج هذا التخلف او (ثقافة الجلابية) كما كتب الاخ القائد (باقان اموم).
    لان قادة الشمال هؤلاء من الكتبة والمحاسبين ومعلمين متوسطي الثقافة فقد قادوا السودان كله نحو الهاوية اذ انهم يفتقدون الى الخبرة والمؤهلات بما في ذلك الانقاذ الذي يزخر بالكوادر وحملة الشهادات العليا ـ من امريكا واوروبا ـ غير أن تنشئة الكادر التنظيمي القيادي فيهم قد اقتصرت على (علوم آخروية) وليست (دنيوية)، وحين يفهمون الدنيا فانهم يفهمونها بمنطق التراث المرتبط (بتاريخانية) انتاج ثقافي وذهني عرفي منذ عصور التدوين الهجرية الثلاثة الأولى، فلا يصلون الى اطراف وهوامش (ابن رشد) في العقلانية والفلسفة، ولا الى اطراف (ابن خلدون) في علم التحولات الاجتماعية، ولا الى ذرة داخل صفر من علوم (ابن عربي) الإلهية.
    بل وفي قول للاخ (الدكتور غازي صلاح الدين) اثناء مؤتمر الشريعة الذي عقده مركز الاسلام والديمقراطية المؤسس في واشنطن في قاعة الصداقة بالخرطوم (19 - 21 ابريل/ نيسان ) قال ان مصادر فشل تجربتهم الاسلامية عدم وجود مصادر ومراجع سابقة على تجربتهم توضح لهم كيفية البناء المعاصر، نظرا وتطبيقا، للاسلام. ففضحوا جهلهم بكل الاجتهادات الاسلامية في عصر التنوير (1789/ 1940) من محمد عبده وإلى علي عبد الرزاق ومفهومه في (الاسلام واصول الحكم).
    وفضحوا جهلهم وعدم تعاطيهم مع اكثر من ثلاثة آلاف بحث على مدى عشرين عاما منذ 1970م وفي عدة ندوات ومؤتمرات وورش عمل. فالتجربة (ترابية) ولازالت كما قال (الدكتور حسن مكي) في نفس المؤتمر.
    اني فعلا احترق بنار (السوسيوبوليتيكا) وبحيثيات هذا الوسط المركزي الفاشل والذي فصلت فشله تلك الدراسة القيمة حول (مواصفات الدولة الفاشلة) للسيد (روتبرج) بأكاديمية كيندي والمنشورة في فصلية واشنطن الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية صيف 2002م والتي رجعت اليها في محاضرتي (الوجود الامريكي في افريقيا وموقع السودان منه) بتاريخ 23 فبراير (شباط) 2004م - (مركز دراسات الشرق الاوسط وافريقيا - الخرطوم). والمنشورة في «الصحافة» بداية من 2 مارس- اذار 2004 وكذلك مقالي «صفات الدولة الفاشلة- الصحافة- 21/4/2004 العدد 3913
    فاذا اراد محررو (الكتب السوداء) في الغرب نقد الوسط المركزي الى حد (التهشيم) وليس (التهميش) فأنا رجلهم وقلمهم وكذلك الآخرون، ويكفي ان عنوان كتابي هو (المأزق التاريخي).
    فأنا أشد تهشيما لهذا الوسط المركزي من الاستاذ الجزولي، وأشد كرها واشمئزازا من استعلائيته ذات البنى القبلية، والثقافة العربية الهامشية والشفهية وفكره التقليدي من (طوائفه) الى (انقاذه). فالوسط قد فشل في قيادة السودان وبنائه على أسس وطنية حديثة. «راجع مقالتنا التي تكشف عجز قادة الوسط بعنوان/ السودان ازمة فكر وقيادة- الصحافة- 10- 11 يوليو - تموز 2003م.
    ولكن.. ولكن.. ولكن: كيف العلاج؟.
    يكمن العلاج في نشوء حركة وطنية ديمقراطية مستقطبة وجاذبة لكل السودانيين تطرح مخططا للتنمية الاستراتيجية الشاملة وللنمو الاقتصادي والاجتماعي والفكري والثقافي.
    مهمة هذه الحركة الوطنية الديمقراطية الشاملة ان تحول الجغرافية السياسية للسودان المعاصر والتي فرضها المصريون قسراً في المرحلة (1821 - 1874) حين مدوا مركزية الوسط الى الغرب والجنوب، الى (تدامج وطني) يستوعب ثم يتجاوز (جدل التجزئة) المركب على القبلية والاثنية والطائفية والجهوية بمخطط علمي ـ استراتيجي.
    ومن مهمة هذه الحركة الوطنية الديمقراطية الشاملة الخروج من عقلية الافندية في (الموازنة) الى عقلية النمو الاقتصادي الاستراتيجي الشامل انطلاقا من المشروعات الاقتصادية الحديثة التي أسسها البريطانيون تبعا لمصالحهم في السودان من مشروع الجزيرة للاقطان والى ميناء بورتسودان وورش عطبرة.. فقادة الشمال في كل احزابهم لم يقرأوا كتابا واحدا لامثال (بول باران) حول (التخلف والتنمية) ولا (ايف لاكوست) حول (جغرافية التخلف) ولم يتابعوا دراسات (منتدى روما) ولا حتى اوراق ومقررات (مؤتمر اركويت) .انهم حكام (فهلوة) و(تخلف) وليسوا حكام تخطيط علمي وحداثة وتقدم.
    ولابد ان تستند هذه الحركة الوطنية الديمقراطية الشاملة على قاعدة (القوى الاجتماعية الحديثة) في (كل السودان) من (فرانسيس دينج) في الجنوب والى (كمال الجزولي) في الشمال والى (فقراي) في الشرق والى (بهاء الدين حنفي) في اقصى الشمال والى (هارون كافي) في جبال النوبا والى (شريف حرير) في الغرب والى والى والى.
    ولابد ان تستند هذه القوى الاجتماعية الحديثة الى (الجيل الثالث) الذي بدأ بعهد نميري المظلم منذ 1969م ويشارف الان سن الثلاثين، حيث يعيش (عدمية الانتماء) الوطني والثقافي متطلعا نحو (العولمة) وثقافتها وآلياتها ومفتقرا بذات الوقت لبناءات النمو الذاتي التي تدخله عالم العولمة بكيفية يتداخل مع ايجابياتها وتصرف عنه تحكم شركاتها الكبرى وفرض هيمنتها.
    فمنهجي علماني ليبرالي ديمقراطي «بالكيفية التي طرحتها ووثقتها» وحتى ادرأ عن الديمقراطية تعالى الطائفية والحزبية طالبت بإعادة «مجلس الشيوخ» ليمارس «رقابة دستورية» على اغلبية الطوائف والاحزاب الميكانيكية، مناديا بإعادة تطبيق المادة «44» من دستور السودان المؤقت لعام 1956 وهذا مجالك القانوني- اخي الجزولي- «المأزق التاريخي- ص 747/ 750» ونشرت مقالي الاخير في صحف الخليج «الوسط- البحرين» بعنوان: علمانية العاصمة ضرورة اسلامية» لاسقاط المفهوم الثيوقراطي للسلطة الدينية التي لا اساس لها في الاسلام. والتي اعدمت من قبل الشهيد محمود محمد طه وتريد ان تعدم في ايران المفكر الاصلاحي «اغا جاري» والتي تكيل اتهامات «الردة» لكل مفكر ومصلح.
    فالتجديد الاسلامي يحتاج إلى «العلمانية» قبل حركة قرنق، والاسلام يحتاج إلى العلمانية ليعرف على حقيقته بعيدا عن وصاية فقهاء الرسوم.
    هذا هو العلاج الوطني الديمقراطي الشامل، وهذا هو (المخرج)، ولم ادخر وسعا ماليا ولا جهدا ذهنيا ولا حتى عضليا لأحقق ذلك منذ صدور كتاب المأزق التاريخي في طبعته الاولى عام 1980م. والى دعوتي للمؤتمرات القومية التداولية قبل سقوط نميري في عام 1984م وقد ضمنت وقتها تأييد سورية وليبيا مما دفع نميري حين اصبح اماما للهجوم على شخصي واتهمني بتدبير انقلاب ضده بالتحالف مع المرحوم حافظ الاسد ومعمر القذافي في مسجد القوات المسلحة، بتاريخ 8 يونيو/ حزيران 1984م ثم تناوشتني كلاب صيده في (ألوان) وفي غيرها من الصحف بتاريخ 12/11/1984م و 2/3/1985م ولم يدافع عني في هذه الحملة الرسمية الشرسة التي طالبت بطردي من منصبي في خارجية الامارات، والتي طالبت بمنع مقالاتي في الصحف الكويتية سوى رجل واحد فقط ـ ليس من ابناء الوسط المركزي وليس من ابناء السودان هو المرحوم (جاسم المطوع رئيس تحرير الوطن بتاريخ 12 ديسمبر 1984 العدد رقم 3383 ) الذي أفرد نصف الصفحة الاولى كاملة من صحيفة الوطن (الكويتية) للرد على نميري بعنوان: (سوداني.. يسأل نظامه). واضطررت بعدها لمغادرة الخليج كله الى (قبرص).
    اذن، «فمنهجي» وطني ديمقراطي، لست بأثني ولا جهوي ولا طائفي، ولا عنصري ولا قبلي، وأدين (ثقافة الجلابة) واستعلائية بدو الوسط وثقافتهم الشفهية وتصدرهم السلطة بثقافة الافندية والكتبة والمحاسبين، وموروثات التراث منذ القرن الهجري الثالث.
    وحتى اسلاميتي ومؤلفاتي منذ صدور (جدلية الغيب والانسان والطبيعة ـ العالمية الاسلامية الثانية) والتي فهمت خطأ ـ لمجرد تماثل العنوان ـ (كرسالة ثانية) بما اورده المرحوم الشهيد محمود محمد طه وهو الامر الذي نفيته بالصفحات 114/ 127 من المجلد الثاني» ـ لا تماثل اسلامية قادة هذا الوسط، فاسلاميتي (ابستمولوجية معرفية قرآنية ومنهجية) تأخذ بالليبرالية ولكن انطلاقاً من العائلة وليس الفرد وتأخذ بالعلمانية الرافضة والنافية للسلطة الثيوقراطية الكهنوتية وولاية الفقهاء ومجالس شورى الاحزاب الدينية، مؤكدا على أن الاسلام (حاكمية كتاب) مفتوحة على العقل البشري وليس (حاكمية الهية) كما ذهب الى ذلك المودودي وسيد قطب، وليس (حاكمية استخلاف) كما يذهب الى ذلك فقهاء السنة والشيعة. ولكني اميز بين علمانية الدولة التي ادعو لها وبين (الفلسفة الوضعية العدمية) في المجتمع والتي ارفضها لأن مكونات الانسان (كونية) وليس مجرد مادية.
    (فمنهجي) نسيج كل هذا الذي ذكرته والذي تحول الى مساقات اكاديمية ومحاضرات منذ ربع قرن، في جامعات تونس وماليزيا والجامعة الاسلامية في بيروت وبعض جامعات الاردن والدراسات العليا في جامعة القاهرة وتأسست على هذه المساقات ذخيرة معهد (اسلام المعرفة) بجامعة الجزيرة في الخرطوم واكتنزت بها مكتبة (فرجينيا) للمعهد العالمي للفكر الاسلامي في واشنطن وكذلك مركز دراسات الاسلام والديمقراطية في واشنطن. ولك - اخي الجزولي- ان تراجع اصدارتنا الاخيرة «منهجية القرآن المعرفية» و«ابستمولوجية المعرفة الكونية» ومحاضرتي الاخيرة في مؤتمر الشريعة الاسلامية في الخرطوم «الاسلام ومنعطف التجديد- 19- 21 ابريل 2004» ومحاضرتي «علاقة الدين بالدولة» في جامعة ام درمان الاهلية»
    اذن، فهمي للعروبة مختلف عن هذا الذي يسود في الوسط المركزي، فالعروبة بالنسبة لي (جماع حضارات وثقافات وأعراق) من سبأ في اليمن والى البابليين والآشوريين في العراق والى الاراميين والكنعانيين في سورية والى القرطاجيين في تونس، والى لقاحات البانتوية والعربية في سواحيلية شرق افريقيا.. والى.. والى.. والى.. فهي ليست قومية عنصرية آحادية متعالية، ولكن الذين تعالوا بها ضمن رؤاهم الضيقة هم الذين جعلوا من العروبة مادة للسخرية وجعلوا منها تفريقا بينهم وبين الاكراد والبربر والزنوج، ويكفي ان هذا الاستعلاء قد انتج اسوأ معاهدة اذلال فرضها (عبد الله بن ابي السرح) على النوبة لاستجلاب العبيد واسمها (البقط) وبالنوبية (العهد).
    انتقال داء الوسط الى الاطراف:
    ان داء الوسط هذا قد انتقل الى الاطراف (برد الفعل العكسي) فظهرت مقولة (التهميش) التي لم تطرح النهج الوطني الديمقراطي الشامل وانما طرحت العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص، وهذا مبدأ توراتي، فتمثل (المهمش) عقلية (المهمش) فارتد الى العنصرية والجهوية، فتشكلت نفسية (المعذّب) بنفسية (المعذِب) كما قال المرحوم (فرانز فانون) في كتابه (المعذبون في الارض) وهو يبحث الحالات العصابية في تجربة الثورة الجزائرية.
    وقتها استهدف الوسط المركزي بمنطق اثني عنصري معاكس ومضاد، فلا يمكنني ان ابرر للاطراف دعواها العنصرية بذات الكيفية التي رفضت الدعاوى العنصرية في الوسط نفسه. وكم كتبت في محاضراتي منذ (كيف يفكر الجنوبيون السودانيون) عام 1986م «صحيفة الخليج- الشارقة 16/12/1986م أشيد بالمانفستو الذي اصدرته حركة تحرير شعب السودان وادانة المانفستو لانفصالية الانانيا وانفصالية حركات مماثلة اخرى في الشمال، واقسمت على (وحدوية) قرنق وراهنت عليها، وتثبيت هذا الموقف يحتاج تسجيلا وتوثيقا أي صفحة اخرى في جريدة (الصحافة) ولكن حين انحرفت حركة قرنق عن النهج الوطني الديمقراطي الشامل وبدأت بالممارسات العنصرية والجهوية تحالفا مع النوبا والانقسنا ودينكا ابيي، ومدت جسورها الى (الفور) و(البجا) زيفت توجهها الوحدوي الذي كان من المفترض ان (يركب عليه السودان الحديث الموحد) وانتهت الى (تفكيك) السودان كله اثنيا وجهويا وليس الوسط فقط. حينها واجهت وانتقدت ولازلت على موقفي.
    فاذا استقام قرنق وابناء الغرب للنهج الوطني الوحدوي الديمقراطي الشامل فأنا لهم ومعهم وبالمنطق العروبي والاسلامي الذي ذكرته، اما منطق الآخرين في الاسلام والعروبة فأنا ارفضه، وقد كتبت فصلا كاملا في كتاب (السودان: المأزق التاريخي - المجلد الثاني) حول ان الحركات السياسية العربية في السودان هي حركات (استعراب مستوردة) عن القاهرة.. ودمشق دون فهم للعروبة ودون فهم (لجدل الواقع السوداني).- «الصفحات 356/374و 477/ 492
    ويقودني هذا القول للكشف عن جهد كنت ازاوله عام 1964م وإثر ثورة اكتوبر حيث كنت مستمسكاً بخط عربي (عام) وواسع في فهم العروبة وعلاقتها بالآخرين في الاطار الوطني ضمن (جدلية الوحدة) الوطنية وليس (جدلية التجزئة العنصرية) وقد طرح هذا التوجه في المغرب المرحوم الشهيد (المهدي بن بركة) مؤسس الاتحاد الوطني للقوى الشعبية وقد كانت صلتي به عبر المرحوم (الباهي محمد) وهو من أصل (موريتاني) ورفيق (فرانز فانون) في ادبيات الثورة الجزائرية، وقد وصل الخرطوم أثناء ثورة اكتوبر. وافترض الناس وقتها اني (بعثي) وهذا غير صحيح البتة. واكبر دليل على ذلك، نقدي لمقررات المؤتمر القومي السادس للبعثيين في عام 1966م واتهامي لهم (بالفرز الطبقي) على حساب «التوجه القومي العام» مما يمزق وحدة المواجهة الوطنية لاسرائيل.
    علني بهذه الواقعة اكشف ما ذهب اليه أخي وصديقي الدكتور منصور خالد حين أخطأ ونسب خلفيات تفكيري العروبي للبعث ونمطية افكار العروبيين في السودان. وستأتي مساجلتي ـ باذن الله ـ مع الدكتور منصور خالد وكتابه (جنوب السودان في المخيلة العربية) والنصوص التي أوردها عن طريقة تفكيري.
    وسأوضح دواعي محاولات حفاظي على هذا الوسط المركزي الذي يتأكد فشله كل يوم، ومنذ عام 1954م، ويزيده الانقاذ فشلاً، كما سأوضح دواعي محاولاتي لربط الوسط مع الشمال ومع الشرق. مع طرحي لفدرالية الغرب وكنفدرالية الجنوب السوداني. لا بوصف ذلك (هروبا) من زلزال الاطراف كما ذكر الاستاذ الجزولي ولكن (لاعادة صياغة) الابعاد المختلفة في مكونات جيوبوليتيك السودان بغير الكيفية التي وحده بها المصريون جغرافيا وسياسيا (1821/ 1870) وبغير الكيفية التي ادار بها الحكم الثنائي السودان (1899/ 1956) وبغير كيفية الكتبة والمحاسبين (1956/ 2004) مع تعقيب حول ما طرحته (حركة تحرير السودان) على الانترنت حول كتاباتي بتاريخ 17 يونيو (حزيران) 2004م. فالسودان كله يحتاج لإعادة تأسيس وطني ديمقراطي وليس إلى حركات تجزئة بعقلية شماليين او جنوبيين او غيرهم.


    ........................................................................


    إشكالية مفهوم الوسط الكبير بين الأستاذين كمال الجزولي ومنصور خالد
    الحلقة الثانية
    حوار مع دكتور منصور خالد :
    لست شماليا متعصبا ولكني مسلم عربي
    محمد أبو القاسم حاج حمد

    في كتابه (جنوب السودان في المخلية العربية)(1) سقى الصديق د. منصور خالد عروبتي "كدراً وطيناً" حين أغرقها في مستنقع (المغايرة) مع ثقافات الجنوب وتمييزي بين طروحات دكتور جسون قرنق وواقع (الدينكا) آخذاً عليّ تأثري بالمدرسة "الأنثروبولوجية" التي تفضي للتعامل مع ثقافات القبائل والشعودب دون مستوى الحضارة الأوربية الغربية بمنطق تجاوزته النظريات الحديثة في الثقافة، ومشيراً بالذات إلى العالم الأنثروبولوجي الإنجليزي (إيفانز برتشارد) الذي ألف كثيراً حول قبائل جنوب السودان(2)
    عليّ أن أشرح مجدداً فهمي لعروبتي وقوميتي خارج منطق (المغايرة) و(التركز على الأنا) و(الاستحواذ العصبوي) و(التميز) وكافة هذه المعاني العصابية والاستلابية. ففهمي لعروبتي وقوميتي (مغاير) لا للآخر غير العربي ولكنه مغاير للفهم القومي العربي السائد أيديولوجياً Ideological وليس معرفياً Epistemological. فرؤيتي للعروبة لا تنتمي لهذه التصورية النمطية، بل (تتجاوزها) بعد (استيعابها) باتجاه (إنساني عالمي). إذ أن عروبتي ليست فقط جماع لسان وتاريخ وحضارة ووحدة أرض تمتد ما بين المحيط والخليج. وإنما هي (أيضاً) جماع حضارات وثقافات وأعراق منذ أن استوت العروبة بالدفع الإسلامي وعبر أربعة عشر قرناً لترث بالتفاعل والتدامج (حوض الحضارات التاريخية) منطلقة من (مكامنها) الجنوبية الأولى في (سبأ) و(معين) و(حمير) و(قتبان) و(حضرموت) و(أوسان) ومكامنها الشمالية الأولى من (الثمودية) و(التدمرية) و(النبطية) لتضم في أحشائها (السومرية) و(الآكادية) و(البابلية) و(الآشورية) و(الكلدانية) و(الكنعانية) و(الآرامية) و(الأدومية) وكذلك (الفرعونية) و(القرطاجية)(3)
    ثم إن عروبتي وريثة للكوشية، منذ حضارة (كرمة) وإلى (نبته) و(مروي) ولإسقاطات الممالك المسيحية الثلاث (نوباتيا) و(المقرة) و(علوة)(4) وامتداداً إلى (أكسوم).
    فالإفريقية في (داخلي) لأنها بعد مكوّن لتكويني فلا (مغايرة) معها، ولا (استعلاء) عليها، بل أني قد بدأت كتابي (السودان) بمقارنة بين قصيدة (محمد المهدي المجذوب) في مستوجدته مع (المولد النبوي) بمستوجدة الشاعر الإفريقي الغاني (فرنسيس أرنست باركس). فكلاهما مُسْتّوْحِدٌ لِمسْتحوِذٍ عليهما بروحانية صوفية إفريقية هي (السودانية) بعينها.
    وتماماً كاستحواذ (الثلاثية الماجدية) على حوارها صديقي العزيز الدكتور منصور خالد (عبدالماجد).
    فعروبتي (جماع) حضارات وثقافات وأعراق، تتجاوز بحكم تكوينها، كل شوفينية أو عصبوية أو مغايرة سطحية ذاتية، إلا أن يغاير الكل بعضه، ولكني ميّزت في معرض التصنيف العلمي بين (الحضارة الممتدة) و(الثقافة المحلية) التي لا تتجاوز حدود القبلية وتجربتها المحدودة بمحيطها دون أن يستبطن هذا التمييز تلك الاستعلائية الغربية.
    ثم أن توزيع الحضارات – التي تُقابل بحضارات من مثلها في العالم – قد بات معروفا، فهناك الحضارة الغربية التي تمتد بجذورها إلى الهيلينية ( مع فارق التفكير الفلسفي) وإلى الرومانية والمسيحية، إضافة إلى ما بين سبع أو ثمانية حضارات أخرى، منها الإسلامية والبوذية والكنفوشيوسية واليابانية والهندية والسلافية الأرثودوكسية(5) وقد حدد المؤرخ (أرنولد توينبي ) في مجلداته Study of History إحدى وعشرين حضارة رئيسية في مجرى التاريخ لا يوجد منها في عالمنا المعاصر إلا ست. وهي التي أتينا على ذكرها. وبجانب موسوعة (آرنولد توينبي)(6) هناك موسوعة (قصة الحضارة) التي كتبها (ول وايرل ديورانت)(7) ، وكلاهما يؤكدان ما ذهبنا إليه ويكفي تطبيق نظرية (التحدي والاستجابة) في نشوء الحضارة على ثقافات الجنوب القبلية المحلية ليتضح لدكتور منصور كيفية تمييزنا بين هذه الحالات دون استعلاء. ويهتم الباحثون الآن بدراسة (العلاقة) بين هذه الحضارة ضمن متغيرات الاستراتيجيات الدولية فيما يكثر الحديث عن (صدامها) أو (حواراتها)، كما يتم التمييز بين (الحضارة) و(الثقافة) و(المدنية) وذلك على مستوى التجارب المتقدمة وما تبقى من الحضارات الإحدى والعشرين التي كتب عنها (توينبي). ولم تتطرق كافة هذه المناقشات في إطار الثقافة لما هو (محلي) لأنه ليس (مقارنة متكافئة) ليس بمعنى (الدونية) ولكن بمعنى التخصيص.
    إن الشمال نفسه لا تنطبق عليه كما ذكرت لا مواصفات (الحضارة) ولا مواصفات (الأحادية العروبية). وقد شرحت ذلك في محاضرة لي (بدار الثقافة) في الخرطوم – (19 أغسطس /أب 2001).
    فقبائل الشمال (مختلطة الأعراق) بحيث تندرج في مفهوم (السودانية – بحكم الاختلاط) بأكثر من مفهوم (العروبية القحة)، بل أن هذه العروبة نفسها كما شرحت هي صيغة (جامعة) لمختلف الثقافات والحضارات والأعراق.
    ثم أن الحالة الشمالية، وإن انتسبت لمصر شمالاً أو ما بين المحيط والخليج، لا تنطبق عليها (مواصفات الحضارة) إلا (نسبيا)، فعروبة السودان قد اكتسبت في مرحلة (عصر الانحدار) الذي فَصّله الدكتور (محمد أسعد طلس)8 فسلطنة سنار الصاعدة في (1505م) تزامنت مع نضوب أنفاس الحضارة العربية في الأندلس (1492م) ومع صعود (العسكرية) التركية بفتحها للقسطنطينية (1453م)، أما الجارة الأقرب والتي تمتد إليها وشائجنا (الحضارية) فقد كانت تعيش في ظل الحكم المظلم للمماليك الشراكسة (1382 – 1517م)، ومن قبل ذلك في ظل المماليك البحرية (1250 – 1389م) وما أدراك ما حكم المماليك بحرية كانوا أو شراكسة!.
    فالحضارة العربية تحولت في السودان إلى (ثقافات قبلية) ذات (طابع شفهي) أثرت سلباً في تكوين المثقف السوداني نفسه ولهذا (أدمن الفشل) – إشارة إلى كتاب د. منصور نفسه (النخبة السودانية وإدمان الفشل).
    فحين أتحدث عن الفارق بين ما هو للحضارة وبين ما هو للثقافات التي يطلق عليها (توينبي) تعبير (متعطلة)، فإني لا أعني حالة حضارية عربية متوثبة ومعطاءة في شمال السودان، وإنما أعني (الفارق النسبي، بمعزل عن أي (استعلاء).
    فالشمال السوداني يتقمص حالته الحضارية العربية، (بالإنابة) وليس (بالأصالة)، فهو ليس طرفاً مشاركاً أو متجذراً على أساس (حضاري) – وليس (تاريخي) – من موروث (الأندلس) أو (الأمويين) أو(العباسيين)، وليس لديه ما كان لغيره في (الزيتونة) و(الأزهر) مثلاً.
    ولا أريد أن يتهمني صديقي د. منصور خالد هنا بالتقليل من المستوى الحضاري لأهلي في الشمال، كما اتهمني بالتقليل من قيمة الثقافات الجنوبية، وإنما أردت فقط التأكيد لدكتور منصور ولغيره من المفكرين والمثقفين السودانيين ضرورة استخدام المعايير العملية في التحليل دون تميز ذاتي.
    ثم أني حين طرحت الفارق بين تفكير الدكتور جون قرنق (الوحدوي العلماني الديمقراطي) وسودانه (الجديد) من جهة والقاعدة القبلية التي يستند إليها فليس مقصدي كما هو واضح – من (كلية الطرح) وليس تجزئته – أن أصادر حق دكتور قرنق في تفكيره (النخبوي) قياساً إلى أوضاعه القبلية، فكلنا نفكر كنخبة ولا نجسد تفكير من ننتمي إليهم عشائرياً، فمفهومي الذي طرحته عن (قوميتي العربية) لا يجسد مفاهيم (الرباطاب) وهم عشيرتي الذين ساءلني دكتور منصور عن علاقة فكري بهم ليماهي ذلك بعلاقة فكر قرنق بالدينكا، أو علاقة فكر (الصحوة) لدى السيد (الصادق المهدي) بالأنصار، أو علاقة فكر سكرتير الحزب الشيوعي (رد الله غربته) محمد إبراهيم نقد بأهل (القطينة) أو علاقة طرح الأخ (ابراهيم دريج) حول الفدرالية بمملكة (الكيرا) في غرب السودان (كتاب د. منصور – ص 264).
    وفات على صديقي الدكتور منصور أني لم أتخذ من عشيرتي (الرباطاب) قاعدة وأداة تنفيذية، لا سياسياً ولا عسكرياً لتحقيق برنامجي، وكذلك لم يتخذ الأخ (نقد) من أهل القطينة قاعدة له، ولا حتى السيد الصادق المهدي، فخطاب (الصحوة) للصادق هو خطاب فكري يتجاوز الأنصار. أما الدكتور قرنق فإنه قد اتخذ من (الدينكا) قاعدة لبرنامجه تحت مسمى (الحركة الشعبية لتحرير السودان) ولم يستطع أن يمتد بخطابه هذا حتى للنخب من أبناء القبائل الأخرى الذين انشقوا عنه منذ اجتماعاتهم في (الناصر) عام 1991 ثم تعرض بعضهم للاغتيالات في حروب جانبية((فصموئيل قاي توت) قتل في 13 مارس /آذار 1984 على أيدي قوات الحركة الشعبية بالقرب من أدوره، و(أكوت أتيم دي مايان) أغتيل من قبل رجال أمن وليم شول دينق في فنجاك أواخر 1985، والأخير اغتيل من قبل قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان في 5 يوليو 1996 في فنجاك. جوزيف أدوهو قتل على أيدي قوات الحركة الشعبية في 27 مارس 1993 في كنقور ومارتن ماجير قاي، كاتب مسودة (بيان) الحركة الشعبية، قتل في سجنه من قبل قوات الحركة الشعبية عام 1993 في الاستوائية، ووليم نيون يانغ اغتيل وهو يحارب قوات حركة استقلال جنوب السودان في 15 يناير 1996 بالقرب من أيود، أما طون أروك طون فمات على أثر سقوط طائرة حكومية في مدينة الناصر في 12 فبراير 1998. ولم يبق على قيد الحياة من مؤسسي الحركة الشعبية لتحرير السودان سوى العقيد جون قرنق والكوماندور سلفا كير ميارديت. أما الدكتور رياك مشار والدكتور لام أكول والقيادات الأخرى فقد التحقوا بالحركة بعد تِأسيسها بعدة أشهر) – (جون قاي ص17).
    "ولعل القارئ يتذكر جيداً (حروب الفصائل الجنوبية) بين (مجموعة الناصر) بقيادة رياك مشار ولام أكول و(مجموعة توريت) بقيادة جون قرنق بين عامي 1991 – 1994 التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 100 ألف شخص. وربما يتذكر أيضاً الصراع الذي دار داخل (الحركة الشعبية لتحرير السودان – المتحدة) بين قوات موالية لرياك مشار وقوات وليم نيون يانغ وجون لوك جوك بين عامي 1995 – 1996 التي انتهت بمقتل وليم نون بانج أوائل عام 1996. ثم القتال الشرس الذي دار خلال عامي 1998 و1999 بين مؤيدي مشار وقوات فولينو ماتيب نيال الذي انشق عن حركة استقلال جنوب السودان في سبتمبر 1997 وكوّن مع آخرين (حركة جنوب السودان المتحدة) التي تتلقى الدعم السياسي والعسكري من بعض العناصر المناوئة لتوجهات مشار الانفصالية داخل قيادة القوات المسلحة السودانية وفي أوساط الجبهة القومية الإسلامية – المؤتمر الوطني. كما توسعت رقعة التشرذم للفصائل الجنوبية إلى درجة اصطدام مناصري العقيد قرنق مع مؤيدي الجنرال كاربينو كوانين بول في العاصمة الكينية نيروبي بعد أن اتهم كل منهما الآخر بالتدبير لمحاولة اغتيال خصمه وذلك في 15 – 16 نوفمبر 1998. هذا وقد نقلت طائرة خاصة استأجرتها الحكومة الكينية بول إلى مانكلين بولاية بانتيو بجنوب السودان. واستقبله بولينو ماتيب الذي تربطه به علاقة مصاهرة. وظل كاربينو تحت حماية بولينو حتى اغتياله في ظروف غامضة في 10 سبتمبر 1999 أثر الاشتباكات التي حدثت بين قوات بولينو وتلك التي بإمرة نائبه فيتر قاديت يات الذي انشق عنه)- (جون قاي – ص 40/ 41).
    إن خطاب السيد الصادق المهدي في (الصحوة) وخطاب (ابراهيم نقد) في (المادية الجدلية) وخطابي القومي العربي وفق مفهومي لجدلية (الغيب والإنسان والطبيعة) وما سبق ان أوردته من مفاهيم، هذه الخطابات إنما توجه للمجتمع السوداني بتركيز على "قواه الاجتماعية الحديثة والمستنيرة" والتي لا تبلغ نسبتها حتى الآن سوى 17% من تعداد المجتمع، وهي مساحة اجتماعية أوسع سبق للدكتور منصور خالد نفسه أن كان في طليعة من صاغوا الخطاب إليها، بداية من البحث الذي قدمه (للملتقى الفكري العربي) الذي عقد في الخرطوم في الفترة ما بين 15 وإلى 23 مارس (آذار)1970(9) وإلى إصداره لكتاب (حوار مع الصفوة)(10) ثم مقالاته النقدية - إن صح التعبير- (إعادة تقييم نظام نميري) بعنوان (لا خير فينا إن لم نقلها)(11).
    وحين بدأت تخيب آمال دكتور منصور في (الصفوة) عبر ما صدر له من كتابين لاحقين (السودان في النفق المظلم) و(الفجر الكاذب) انتهى يائساً إلى مؤلفه: (النخبة السودانية وإدمان الفشل).
    كنت أشير على صديقي د. منصور ومنذ نقدي لطرحه في خطابه للصفوة و(المقتصر) على الصفوة، ثم عتابه لها (حيث لم ترتق بمجتمعنا المتخلف إلى مدارج الحضارة الواعدة وبذر بذور الثورة الحضارية وغرس الأخلاقيات العصرية) أن يكتشف (أن دينامية التغيير وحيويته الثورية المبدعة ليست كائنة في تخطيطات الصفوة وإنما في أعماق الحركة التاريخية للمجتمع شرط اكتشاف المنظور الحقيقي لقاعدة الثورة في أوضاع التخلف وصراعية الأصالة والحداثة في إطار جدلي معقد)(12).
    كنت أحاول دفع د. منصور لربط دور (الصفوة – النخبة) بالقوى الاجتماعية الحديثة كقاعدة للتغيير، ولكنه آثر الانصراف عن ذلك الاتجاه تحت ضغط ما أحسه أو بالأحرى خبره عن (إدمان النخبة الفشل) فعجم كنانته – وهي غالية علينا – وانحاز إلى حركة قرنق والتي لم تخرج عن قاعدتها (الدينكاوية) التي ذكرتها، وكذلك لم تخرج عن ممارستها الفردية.

    ............................................................................


    إشكالية مفهوم الوسط الكبير بين الأستاذين كمال الجزولي ومنصور خالد
    الحلقة الثالثة
    حوار مع دكتور منصور خالد
    قرنق والإنقاذ وجهان لعملة واحدة
    محمد أبو القاسم حاج حمد

    ليست مشكلتنا مع الدكتور جون قرنق أننا نتعالى عليه بعروبتنا ونهمشه كدينكاوي، فهذا نقيض نهجي وتفكيري ومفهومي الذي أوضحته عن العروبة والمناقض لما هو سائد من أفكار عصبوية.
    إنما المشكلة أن الدكتور قرنق إذ يطرح برنامجاً وحدوياً وديمقراطياً وعلمانياً لسودان جديد، فإنه لا يخاطب قط القوى الاجتماعية الحديثة في (كل) السودان والمعنية بهذه الطروحات حول (سودان جديد) بحكم تطورها، إذن لاختلف حوارنا مع قرنق ولاختلفت نظرتنا إليه وإلى حركته، ويبقى السجال بينه وبيننا مفتوحاً في القضايا الخلافية.
    غير أن الدكتور قرنق (يؤشر يسارا ويذهب يميناً) إذ ينطلق من قاعدته القبلية ويترسم في نهجه ممارسات غير ديمقراطية تجاه النخب الجنوبية نفسها كما أورد الأستاذ (جون قاي نوت يوه).
    ثم يوظف قرنق (واجهات شمالية) ليؤكد على (وحدويته) كغطاء لمواجهته مع الآخرين من (نخب الجنوب) الذين يدمغهم بالانفصالية. فهؤلاء كالدكتور رياك مشار وإن كانت قد تعززت لديهم هذه النزعة الانفصالية تحت ضغط ممارسات (الهيمنة الشمالية) والإنقاذ وأعلنوا عن (حركة استقلال جنوب السودان) إلا أنهم عادوا لتوقيع اتفاقات سلام في الخرطوم مع حركة الإنقاذ في 21 أبريل (نيسان) 1997 وجعلوا من بند (تقرير المصير) مقدمة لوحدة (طوعية) ضمن مواصفات دستورية تضمن عدم هيمنة الشمال على الجنوب. ثم أخطأت الإنقاذ عبر سياساتها المزدوجة (كعادتها) فدفعت بهم مرة أخرى إلى (الغابة) وحمل السلاح، فقد اضطروا دكتور "رياك مشار" لتقديم استقالته من منصبه مساعداً للرئيس ورئيساً لمجلس الجنوب في 31 يناير (كانون ثاني) 2001 ثم أعلن في نيروبي (كينيا) عن توحيد قواته مع قوات قرنق في 8 يناير ((كانون ثاني) 2002. وكان دكتور مشار قد "لوّح" باستقالته في 15 أغسطس (أب) 1999 علّه يدفعهم لمناقشته، ولكنهم تمسكوا بحكمة القرود الهندية الثلاثة (لا أرى – لا أسمع – لا أتكلم).
    بل إن ما تبقى من القادة الجنوبيين الذين وقعوا على تلك الاتفاقات وعلى رأسهم وزير النقل الصديق الدكتور (لام أكول) الذي وقع اتفاقية "فشودة" للسلام في 20 سبتمبر (أيلول) 1997 قد ضاقوا ذرعا بتهميش (الإنقاذ) لهم حيث وجه (23) قيادياً من بينهم أيضاً نائب الرئيس السابق (جورج كونغور) مذكرة احتجاج إلى الرئيس عمر البشير الذي يرأس في الوقت ذات حزب المؤتمر الوطني الحاكم ينتقدون فيها (تهميشهم وعدم استشارتهم في شؤون الجنوب في ما يتصل بتعيين رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية ووزراء المجلس وحكام الولايات وتشكيل الحكومات الولائية) وذلك بتاريخ 27 أكتوبر (تشرين أول) 2001.
    وذكر هؤلاء البشير بأنهم أيدوه في صراعه مع الأمين العام السابق للحزب الحاكم الدكتور حسن الترابي، لكنهم لاحظوا في المذكرة بعد الانشقاق الذي حصل داخل الحزب وبخروج الأمين العام (الترابي) ومن معه وتكوينهم المؤتمر الشعبي، تغير الوضع تماماً، "إذ بدأنا نلاحظ الاستهداف الواضح لعناصر منبر الجنوب التي وقفت معكم بصلابة من اليوم الأول للصراع واعتبرت أن أول الأدلة على ذلك إعفاء نائب الرئيس السابق جورج كونقور من منصبه".
    وأوضحت المذكرة أن تصريحات البشير ونائبه الأول علي عثمان محمد طه الأخيرة يفهم منها التراجع عن اتفاقيتي الخرطوم وفشودة الذين وقعتهما الحكومة مع فصائل جنوبية في العام 1997، والتنصل عن حق تقرير المصير للجنوب التي نصت عليه الاتفاقات، الأمر الذي يهز الثقة في صدقية الحكومة والتزامها بالمواثيق والعهود.
    واتهمت المذكرة الحزب الحاكم بأنه تحول إلى كيان ضيق، وبدأ يتباعد عن المبادئ والأساسيات التي قام عليها، وبرز اتجاه لتجاوز الآخرين ومحاولة تيار معين لتضييق الحزب. ورأت أن هذه التدابير تتم من دون أن تكون هناك شفافية في أداء أجهزة المؤتمر ودعت الرئيس إلى التدخل لإعادة الأمور إلى نصابها(1)
    ثم ينتهي المطاف بالصديق الدكتور لام أكول لتقديم استقالته من وزارة المواصلات وخروجه من تحالفه مع تنظيم الحكومة (المؤتمر الوطني) ليشكل مع اثنين آخرين من الوزراء الذين طردوا من منصبيهما أيضاً حزباً جديداً باسم "حزب العدالة" والإشارة إلى "مكي على بلايل" و"أمين بناني" ومن قبل هؤلاء كان قد استقال صديقي القائد "تعبان قاي" وزير الدولة للمواصلات في 6 ديسمبر (كانون أول) 2000 وكان آخر لقاء لي به في ندوة أقامها "مركز عبدالمجيد إمام" في أم درمان لتخليد ذكرى ثورة أكتوبر (تشرين أول) الشعبية – تاريخ الندوة 20 / 10 / 2000 وقد كان "محبطاً" تماماً. قد أسفت علي التحاق (لام أكول) بما يسمونه الغابة و تماما كما أسفت علي التحاق (تعبان قاي)
    إن خلافات قرنق مع نخب الجنوب لا تجيّر لمصلحة (وحدويته) كما يدافع دكتور منصور، فوحدوية قرنق – وهو فعلاً وحدوّي – تقترن بالدكتاتورية والأفريقانية على حساب الديمقراطية والانفتاح الحضاري على الغير (العربي) تماماً كوحدوية (الإنقاذ) الأحادية التي تريد الهيمنة على الشمال والجنوب معاً، وتريد تعريب الجنوب وأسلمته قسرياً فالإنقاذ وقرنق وجهان لعملة واحدة، ولكل منهما اتجاهه النقيض في موازاة الآخر، ثم لا يجب أن ندمغ تلك "النخب بالانفصالية" فنغطي على حقيقة الصراع بينهم وبين قرنق، فهو صراع نابع من افتقار قرنق للديمقراطية وللمؤسسية في تنظيم الحركة الشعبية بأكثر مما هو صراع بين وحدوية قرنق وانفصالية الآخرين.

    قرنق ولواء السودان الجديد:
    لم يكتف قرنق في تكتيكاته باستقطاب (واجهات شمالية) كما ذكرت بل مضى لتأسيس (لواء السودان الجديد) ليتواصل به مع قوى الشمال الذي ابتدأ بتحديد ملامحه السياسية والفكرية العامة عبر أولى إصداراته(2) والتي تتضمن (برنامج العمل).
    قد قرأت بتركيز شديد ما ورد في (مسارات جديدة) وذلك أثناء إقامتي في (أسمرا) وأدركت المعضلة الكبرى بوجه قرنق الذي أصبح شمالياً، والمعضلة الأكبر بوجه الصديق (ياسر عرمان) الذي أصبح جنوبياً وكمثله الصديق الآخر (محمد سعيد بازرعة)، فما أتوا عليه جميعاً في مقالاتهم يحتاج إلى (تفكيك تاريخي واجتماعي وسياسي) فأنا كمثلهم من أنصار (السودان الجديد) ولكن ليس بطريقتهم، إذ لا أمرر المصطلحات عفوا، ولا أعالج قضية الهوية والفوارق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية (بعقدة الذنب) التي يُراد افتعالها بمنطق تهميش الشمال للجنوب أو أبناء الغرب والشرق. ويكاد ينصفني الدكتور منصور خالد في كتابه (جنوب السودان في المخيلة العربية) لو كان كتبه بالطريقة التي حَقق بها (المجيديات) فأنا أنتمي للمجيّديات وليس للمخيّلة.
    إن أمام قرنق أن يكون جنوبياً فيكون ما بيننا وبينه خيار الوحدة الكنفدرالية، ومن حقه أن يكون شمالياً فيكون خياره (برنامج السودان الجديد) دون (جنوبه للشمال) ومن غير أن يلعب على الحبلين مستغلاً توجهات النظام السلبية في الشمال من جهة ومجاراة بعض القيادات الشمالية له دون وعي استراتيجي وحضاري من جهة أخرى.
    إذا اختار قرنق طريق (السودان الجديد) حتى في إطار ما عبر عنه (برنامج العمل) المنشور في (مسارات) فسيجد حتماً الآذان الصاغية، وربما في الشمال بأكثر من الجنوب، فمستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والفكري في شمال السودان يقارب روح (برنامج العمل) بأكثر من قاعدة قرنق نفسها في الجنوب. ويمكن أن تؤدي مناقشة برنامج العمل في الشمال إلى توضيح معالمه وإزالة (شوائبه) التي تضع عرب الشمال موضع (البيض) في مواجهة (السود) فيما كان من تمييز عنصري في جنوب إفريقيا.
    يعلم أخي منصور أني مسلم ضد "الدولة الثيوقراطية" وأطرح "حاكمية الكتاب" بأفق معرفي إبستمولوجي ضد ما تمثله "سيد قطب و"أبوالأعلى المودودي" للحاكمية الألهية أو "حاكمية الاستخلاف" وذلك مضمون محاضرتي في جامعة أم درمان الأهلية" بتاريخ 28 يونيو / حزيران 2000(3).
    ويعلم أني ضد "اللاهوت" الذي يعجن الدين في مستنقع الأيديولوجيا بفكرها الماضوي السائد. ويعلم أشياء كثيرة أخرى.
    فذلك كله لا يجعلني خصماً شمالياً متعصباً للجنوب والجنوبيين، غير أني لا أكيل بمكيالين، فنقدي العنيف لحركة قرنق في الجنوب يتسق تماماً مع نقدي الأعنف للقوى الطائفية والحزبية في الشمال، وللإنقاذ بصفة خاصة وللذين يمارسون "الأحادية والفردية على وجه الخصوص داخل هذا الإنقاذ(4)
    شعارات قرنق التحديثية
    وتبني الأثنيات غير العربية
    قد تمدد قرنق إلى خارج الحدود الإدارية للجنوب تبعاً لترسيمات عام الاستقلال 1956 لمديريات السودان، وتجاوز مرحلة أن يطالب بضم مناطق "شمالية" إلى التحرك فيها عملياً واستدراج تفويض فعلي بتمثيلها في مفاوضات "مشاكوس" ثم نيفاشا وأي مفاوضات أخرى مع حكومة "الإنقاذ" وهي منطقة "جبال النوبا" و"الانقسنا"" وكذلك "أبيي".
    بداية لا اعتراض لدي أن يمثل قرنق السودان كله فمن حقه كسوداني أن يمثلنا جميعاً، ولكن "كل الاعتراض" أن يتخذ قرنق من العلاقات التي يقيمها بهذه المناطق الثلاث مدخلاً لعزلها عن الشمال وتأليبها عليه وذلك ضمن "مزاوجته" غير الموضوعية حين يطابق بين أوضاع المناطق المهمشة (جغرافيا) وتكوينها الأثني (عنصرياً).
    فالدكتور جون قرنق – وإن طرح الكنفدرالية عام 1999 – إلا أنه لا يريدها كنفدرالية (جنوبية)، وإنما (مناصفة) بين كيانين في سودان واحد، ولهذا ضم إلى خارطة الجنوب إقليمي (النوبة) و(الإنقسنا) الشماليين، وعلة أن ينادي في المستقبل بضم أرجاء أخرى . مثل دارفور و شرق السودان .
    بذلك خرج قرنق عن (قضية الجنوب) ليجعل منها قضية (سودانية شاملة)، ولهذا خرجت عليه – في المقابل – قيادات جنوبية فعالة منذ انشقاق (الناصر) للحركة عام 1991 تريد الارتباط بحيثيات القضية الجنوبية حصراً، وعلى رأسهم الدكتوران (رياك مشار) و(لام أكول)، إضافة إلى عوامل أخرى أتت عبر انتقادهم لممارسات الحركة غير الديمقراطية والافتقار إلى المؤسسية.
    كذلك فإن الدكتور جون قرنق، ومن خلال (كنفدرالية المناصفة) التي حققها فعلا في نيفاشا وليس (كنفدرالية الجنوب) – و هذا هو الفرق بين طرحي الكونفدرالي و طرحه - إنما يريد أن ينطلق منها نحو (سودان جديد) حيث يستوعب النصف الآخر في الشمال، وبالتدرج التعبوي والسياسي والتحالفات ذات الطابع الأثني مع المجموعات (غير العربية) في الشمال، ومن بينها (الفور) و(النوبا) في الغرب و(البجا) و(النوبة) في أقصى الشمال والشرق، وربما قبائل أخرى، وكذلك مع الذين يكونون قد ضاقوا ذرعاً بنظام الإنقاذ.
    فكنفدرالية قرنق غير المعلنة . التي أكدتها نيفاشا تحمل في أحشائها الكثير من عدم المصداقية، وهذا أمر لم تستوعبه مقترحات أمريكا أو فرانسيس دينغ. ظناً منهم أن موافقة قرنق علي اقتسام السلطة والثروة تسهل الوصول إلى الحل بإدراج المناطق الشمالية ضمن خارطته.
    ولعلهم قد تأسوا في ذلك بالجدال الذي ثار حول تبعية نفس هذه المناطق للشمال أم للجنوب في مباحثات أديس أبابا عام 1972، (حيث طالب المفاوضون الجنوبيون وقتها بضم منطقة (أبيي) في جنوب كردفان التي يقطنها (دينكا نجوك) وبعض أجزاء مديرية النيل الأزرق التي تقع في الشمال الشرقي لمنطقة أعالي النيل الإدراية ويقطنها (البرون) وقد كانت بالفعل جزءاً من مديرية (أعالي) النيل حتى عام 1951 قبل الاستقلال، وكذلك منطقة (حفرة النحاس) جنوب دارفور. وكانت حفرة النحاس قد ضمت إلى دارفور عام 1961 (عندما رأت الحكومة المركزية أنها تحتوي على كميات ضخمة من النحاس واليورانيوم، وخشيت أن يقوي بقاؤها في بحر الغزال الاتجاهات الانفصالية في الجنوب. أما منطقة البرون فقد ضمت إلى النيل الأزرق قبل الاستقلال، لأن الوصول إليها من أعالي النيل كان عسيراً، وأبيي كانت جزءا من جنوب كردفان منذ فترة أطول من هذه قبل الاستقلال، وكان من الميسور إعادتها إلى بحر الغزال في عام 1951 لولا معارضة زعيمها الناظر دينق ماجوك (لأسباب شخصية) فيما افترضه (آبيل آلير).
    وكان معظم أعضاء وفد الحكومة يود الحفاظ على الوضع القائم في هذه المناطق بدعوى أن وفد الحركة لم يكن مفوضاً للتحدث نيابة عن قوم ليسوا هم جزءاً من الحركة ولا علاقة لهم بحرب الأنيانبا. وفي نهاية المطاف أمكن حل المشكلة بالوصول إلى تسوية هي أن تظل حدود الجنوب مع الشمال كما كانت قائمة في أول يناير 1956 عند إعلان الاستقلال، مع استفتاء أهل كل منطقة في المديريات الشمالية يريدون الانضمام إلى الإدارة الجنوبية"(5)
    فما يطالب به قرنق جغرافيا يستند إلى سوابق تاريخية، والذين يريدون إلزامه بالحدود الإدارية لعام 1956 كما هو موضح في خارطة عام 1956 إنما يحتجون بسوابق تاريخية وحضارية أيضاً، وبرفض زعيم الدينكا في منطقة (أيبي) ضم منطقته للجنوب.
    كذلك فإن سابقة فصل منطقة حفرة النحاس من مديريات جنوب السودان وإلحاقها بمديرية دارفور الشمالية عام 1961، نظراً لثرواتها المعدنية، تماثل إلحاق مناطق النفط في الجنوب بالولايات الشمالية.
    أما على مستوى (نظام الإنقاذ) فإن التعقيد قائم ومماثل بالرغم من التصريحات التي تظهر (حسن النية) وتبطن غير ذلك. فنفط الجنوب بالنسبة للإنقاذ مسألة مصيرية تتعلق باستمراريته . ونهجه للاستحواذ على نفط الجنوب (دون جنوبيين إذا أمكن) مماثل لنهج نميري حين وقع نظامه الاتفاق مع شركة (شيفرون) الأمريكية بتاريخ 23 نوفمبر (تشرين ثاني) 1974 (516 ألف2) ومع شركة (توتال) الفرنسية بتاريخ 5 نوفمبر (تشرين ثاني) 1980 (158118 ك2) ثم مُيّزت مناطق النفط إدارياً بترسيم خاص ألحقها بالشمال (ولاية الوحدة – بانتيو) كما رُكّبت معامل التكرير باتجاه الشمال خارج الجنوب.
    هذا النفط الجنوبي يحول دون قبول حكومات الشمال كافة وحكومة الإنقاذ خاصة بكنفدرالية الجنوب ووفق الحدود الإدارية لعام 1956 والتي تضع مناطق النفط ضمن دائرة الجنوب . كما طرحت أنا و ليس الجنوبيين وليس قرنق فمقترحاتي تضع النفط كله بتصرف الجنوبيين في حين يساوم الإنقاذ قرنق بمنحه ثلث السودان مقابل اقتسام السلطة والنفط معه .
    وهكذا هناك ما هو (مشترك) بين الدكتور وحكومة الإنقاذ بالنسبة لمسألة الترسيم الحدودي، فإذا يعمد قرنق لمد خارطته إلى شمال السودان، يعمد الإنقاذ لاقتسام نفط الجنوب معه .
    فكلاهما، الإنقاذ وقرنق، ولأسباب مختلفة – يحولان دون الوصول إلى تسوية حقيقية إذ يأمل الإنقاذ أن يلعب مع أمريكا بنفس الأوراق التي لعب بها نميري، بمعنى أن تغري الخرطوم شركات النفط الأمريكية للحصول على حصتها في نفط الجنوب مقابل هيمنة قرنق علي ثلث السودان و مشاركته في الثلثين . ثم تتم المراهنة على أن تلعب مصالح الشركات النفطية الأمريكية دورها في تقرير مصير جنوب السودان على نحو لن يكون إلا سلبياً ومدمراً بالطريقة التي وردت في كتابي (آبيل آلير)(6) و(جون قاي نوت يوه)(7). إنها لعبة خطرة بالنسبة للشمال و الجنوب علي حد سواء .

    اختراق قرنق لجبال النوبا:
    قبل أن ترتب الولايات المتحدة الأمريكية مفاوضات "مشاكوس" في يوليو 2002 لتسوية أوضاع الجنوب على نحو "ثنائي" بين نظام الانقاذ وحركة قرنق كانت قد رتبت مباحثات مماثلة وكذلك ثنائية أخرى بين الجانبين في بلدة "بورغنستوك" في سويسرا وانتهت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار وتسوية مستقبل المنطقة بتاريخ 19 يناير (كانون ثاني) 2002.
    المنطقة المذكورة لا تقع في جنوب السودان ولكنها في الوسط الجنوبي من غرب السودان وتعرف بمنطقة جبال النوبا، وهي المنطقة التي تشملها خارطة قرنق في "كنفدرالية المناصفة" بوصفها منطقة "مهمشة" وبالتالي "غير عربية". فكل ما هو "غير عربي" مهمش، وكل ما هو عربي "غير مهمش".
    كان اتفاق جبال النوبا في سويسرا "أول عربون" تقدمه حكومة الانقاذ للمبعوث الأمرييكي الرئاسي السناتور السابق "جون دان فورث" والذي احتفل باسناد هذه المهمة السودانية إليه بوصفه مبعوثاً للسلام في حديقة البيض الأبيض بتاريخ 6 سبتمبر (أيلول) 2001 وقبل أحداث تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر بخمسة أيام، فباشر مهمته في السودان في نوفمبر (تشرين ثاني) من نفس العام، وجاءت أولى الثمرات بعد شهرين فقط في سويسرا.
    بذلك اكتسب قرنق شرعيتين – بذات الوقت، الأولى شرعية "التفاوض" عن جبال النوبا، والثانية شرعية "الثنائية" مع نظام الانقاذ دون غيره.
    ولم يكتسب هذه الشرعية من الانقاذ فقط، بل كان قد اكتسبها بموجب قرارات مؤتمر المعارضة السودانية في "أسمرا" (التجمع الوطني الديمقراطي) والمنعقد في الفترة ما بين 15 وإلى 23 يونيو / حزيران 1995. والتي شملت المنطقتين الأخريتين وهما "الانقسنا – الفونج" و"آبيي" .
    قد وقعت كبريات الأحزاب السودانية المعارضة على تلك القرارات التي تعطي خصوصية "الاستفتاء" و"حق تقرير المصير" لا للجنوب فقط ولكن للمناطق الثلاثة أيضاً (النوبا/ الأنقسنا/ آبيي) والذين أعنيهم هم "حزب الأمة- المهدي" و"الحزب الاتحادي الديمقراطي – الميرغني" إلى جانب "الحركة الشعبية لتحرير السودان –قرنق" ونقابات وأحزاب أخرى.
    ثم جاء "الإنقاذ" ومضى لأبعد مما هو "نظري" بتوقيعه "العملي" على الاتفاق مع حركة قنرق حول "جبال النوبا" في سويسرا. وبمستوى "ثنائي" استبعدت منه أطراف التجمع المعارض تماماً كما استبعدت لاحقاً في مفاوضات "مشاكوس" ثم نيفاشا غير أن الحجة عليها قائمة بالنسبة لوضع هذه المناطق الثلاث بموجب ما أجمعت عليه كمعارضة في قراراتها بأسمرا، ثم لحقها نظام الانقاذ نفسه بما أبرمه في سويسرا ثم في كينيا، ولكن مع حركة قرنق فقط.
    ثم في اليوم الأول لعيد الفطر المبارك ( 1 شوال 1423هـ) الموافق 5 ديسمبر (كانون أول) 2002 أفطر الصائمون في السودان على قرارات المؤتمر الاستشاري "لجبال النوبا" والذي عُقد لمدة ثلاثة أيام بإشراف الدكتور جون قرنق قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان وذلك في القطاع الجغرافي من جبال النوبة والتي تبلغ عدتها تسعاً وتسعين جبلاً وذلك بموجب اتفاق سويسرا والذي وقعه عن حركة قرنق قائد عملياتها في هذا القطاع (عبدالعزيز الحلو) فيما وقعه عن الإنقاذ وكيل وزارة الخارجية (مطرف صديق نميري)، ومن يومها سرى "وقف إطلاق" النار بينهما.
    أصدر المؤتمرون قرارات تنص على "حق تقرير المصير" لمنطقة جبال النوبا، وبحيثيات دستورية مماثلة لتلك التي ستطبق في جنوب السودان بعد الاتفاق المنتظر وبرعاية أمريكية أيضاً في "مشاكوس" أو "واشنطن".
    ولتأمين "شرعية" هذه القرارات "وشعبيتها" تم توحيد الأحزاب الأربعة الرئيسية في جبال النوبا، وهي "الحزب القومي الحر" و"الحزب السوداني الحر" و"الحزب القومي السوداني – القيادة الجماعية" و"اتحاد جبال النوبا" في حزب جديد "جامع" أطلقوا عليه "الحزب القومي السوداني المتحد" وتولى رئاسته الأسقف السوداني لجبال النوبة الأب "فيليب عباس غبوش". فأين شمال السودان من كل هذا ؟!.


    ملحق
    نصوص دكتور منصور خالد
    من كتاب : جنوب السودان في المخيلة العربية –
    الصفحات من 329 / 333 و 363 / 367.
    استرعى انتباهنا مؤخراً أيضاً قيام حزب سوداني شاملي جديد (حسم) يتبنى أطروحة الكونفدرالية بحسبانها الحل الأمثل لأزمات سوداننا المارد المارض. التكييف النظري لهذه الأطروحة جاء في مقال طويل للأستاذ الباحث محمد أبوالقاسم حاج حمد وهو رجل أعرض في العلم وبلغ الغاية في البحث والاستقصاء، إلا أنا ظللنا دوماً معه على خلاف حول هوية السودان الثقافية. دعوة أبي القاسم للكونفدرالية هي دعوة حق لا يريد بها باطلا، ولكن سبيبته إليها هي ما لا نستسيغ. قال: إن علاقات الشمال والجنوب علاقات استراتيجية محضة فرضتها الخديوية المصرية "في عهد اسماعيل"، وأن "مشروع قرنق غير قابل للتحقيق عملياً لأن الشمال مهيأ لفصل الجنوب عوضاً عن فقدان هويته وهي هوية اكتسبها عبر قرون ولم يشارك الجنوب في تفاعلاتها الحضارية والثقافية والدينية. فارتباط الجنوب بالشمال هو محض ارتباط إداري نتج عن التوسع المصري الجيوبوليتيكي باتجاه منابع النيل ". أضاف المحقق أن "الدعوة للسودان العلماني الموحد لا علاقة لها بقبائل الدينكا" وإنما "تجسد طموحات الدكتور قرنق بالذات".
    لقد ظلت حكومات الشمال تخوض حرباً ضد الجنوب منذ الاستقلال بهدف الحفاظ على وحدة القطر وفق الانموذج الشمالي الثقافي والسياسي. على ذلك الموقف ظلت حكومات الشمال لابثة بالرغم من أطروحات الجنوبيين حول قواعد الوحدة السليمة بين شقي القطر والتي رفضت الواحدة تلو الأخرى: الفيدريشن في مطلع الاستقلال، الحكم الذاتي عقب مؤتمر المائدة المستديرة. وكأن تلك النظرة النفقية (Tunnel Vision) لا تكفي، إذ زادتها حكومات الشمال بابتلاء آخر هو تديين السياسة. هذه الحكومات جميعها كانت تدرك طبيعة العلاقة بين الشمال والجنوب، أهي عضوية أم إدارية؟ وكانت تدرك – عند سعيها لتعريب الجنوب وأسلمته – إن كان للجنوب دور أو مكان في التفاعل الحضاري والثقافي لشمال السودان أو لم يكن له دور. لهذا فإن القول بأن "الشمال مهيأ لفصل الجنوب عوضاً عن فقدان هويته" فيه تبسيط للأمور. التفسير الصحيح لحديث المحقق هو أنه الآن وقد جاءت الحركة بطرح يتناقض مع المنظور الآحادي للهوية السودانية، وفشلت كل محاولات النخب الحاكمة في الشمال لفرض تلك النظرة الآحادية، فمن الخير أن يقع طلاق.
    ولكن هل صحيح أن هذا هو رأي أهل الشمال؟ الذي يقول هذا يغفل تاريخاً طويلاً منذ اتفاق أديس أباب (1972) مروراً بقرارات أسمرا (1995) عبورا بكوكا دام (1986) ومبادرة السلام السوداني (198 . قيادات الشمال التي صاغت هذه الاتفاقات والعهود لم تر في أي منها فقدانا للهوية بل تأكيدا للوحدة مع التنوع، والتنوع لا يتسق مع النظرة الأحادية للشخصية السودانية. السبيبة التي يتوسل بها الأستاذ محمد أبوالقاسم ظاهرة بدأت مع هذا النظام الذي افترض للسودان هوية لا يقبلها أهل الشمال أنفسهم دعك عن أهل الجنوب، ولا نحسب أن الأستاذ المدقق ذو صلة – بعيدة كانت أم قريبة – بتلك المنظومة الفكرية التي تتنكر لواقع السودان.
    لم يحالف الكاتب التوفيق أيضاً عند ما قال إن الدعوة للسودان العلماني الموحد لا علاقة لها بقبائل الدينكا وإنما تجسد طموحات الدكتور قرنق، فما معنى الزج بقبائل الدينكا في الأمر. فقد ظللنا مثلا ندعو منذ السبعينات لاحترام الوحدة مع التعدد، هذا فكر لم نستلهمه مما أورثناه أهلنا العمراب، أو هو رأي يعبر عن طموحات أهله الرباطاب كما يتخيلونها بأنفسهم. قرنق لا ينظر لنفسه ولا يريد الآخرين أن ينظروا له باعتباره "دينكاوي" جنوبي، لا لأن تلك صفة يتمنى أن يخلعها عن نفسه، ولكن لأن الرؤية التي يسعى لاشاعتها نظرة تتجاوز القبيلة والاقليم شمالا وجنوبا، شرقا وغربا. لهذا هو حقيقي بأن يتعامل معه محاجوه كصاحب رؤية وفكر دون اعتبار لمنبته.
    ليس صحيحاً أيضاً أن الحرب التي تقودها الحركة الشعبية اليوم تصدر من نفس المنطلقات التي اندفع منها ساترنينو وأقرى جادين مثلا؛ يقول الأستاذ المحقق أن الشمال سئم حرب الجنوب التي اشتعلت "مرة بحجة عدم التكافؤ، ومرة بحجة التمايز الديني والأثني، ومرة بحجة وجود أنظمة عسكرية ديكتاتورية مع أن جون قرنق نفسه كان طرفا في محادثات أديس أبابا" (الحياة 15 / 6 / 1999). هذا عرض للنتائج يغفل الدوافع، وتخليط بين أمور فيها المتشابه وغير المتشابه. أي قراءة فاحصة لكل واحدة من حروب الجنوب تهدى القارئ إلى أس المشكل. حرب الجنوب الأولى غذاها بفكرها أناس لا يبتغون وحدة بين شقي القطر (أقرى جادين مثلاً) لأن رأيهم مع رأي أبي القاسم، في حين وقف زعماء جنوبيون راشدون يدعون للرباط الفيدرالي فكان نصيبهم السجن (ستانسلاوس بياساما). وجاء على السودان عهد عسكري، من بعد، ظن أن سبيله الوحيد للحفاظ على وحدة القطر هو الأسلمة القسرية، وذهب غير مأسوف عليه. تلاه عهد بدأ في حل المشكل بأسلوب عقلاني وعقد لذلك المؤتمرات وأقر المواثيق (حكومة أكتوبر وما بعدها). عن تنفيذ تلك المواثيق عجزت حكومة الشمال، فاندلعت الحرب. من أوار تلك الحرب لم يسلم حتى كبار قومهم من نصراء الوحدة بين الجنوبيين ومنهم من قضي عليه غيلة (وليام دينق) دون أن يصيب أهله قودا أو قصاصا. وللمرة الأولى بدأ الحديث عن دستور إسلامي في الستينات فما كان من الجنوبيين إلا أن رفعوا شعار العلمانية. أعقب ذلك العهد المايوي واتفاقه الذي حقق سلاماً لعشر سنوات ثم نقضه صانعه فكانت الحرب. هذا هوالتاريخ؛ فيه الحق وفيه الباطل؛ وفيه الفعل ورد الفعل.
    القراءة العابرة لهذا التأريخ تبين أن المشكل مشكل سياسي توفرت مشروعات محددة لتجاوزه إلا أن الأنظمة الحاكمة في الشمال تخاذلت عن تطبيقها. لطبيعة هذا المشكل فظن القاضي توفيق قطران في تقريره عقب أحداث الجنوب قبيل الاستقلال، إذ جاء في تقريره: "هناك أدلة كافية تؤكد أن المشكلة الحقيقية سياسية وليست دينية. فالمسيحيون والروحانيون شاركوا جميعاً في الأحداث كما شارك فيها وقاد الدعاية المناهضة للشمال مسلمون جنوبيون".
    ظلم المحقق قرنق أيضاً عندما قال إنه كان طرفا في اتفاق أديس أبابا. هذا تقرير لا علاقة له بالحقيقة. فالرجل لم يشارك في تلك المفاوضات، وكان له رأي في نتائجها أوردناه في الجزء الأول من هذا الكتاب. "أجندة قرنق، حسب رأي الكاتب، هي احتواء "الشمال كله وجنوبته على أساس "أفريقاني" بالتحالف مع الاثنيات غير العربية في الشمال في إطار علماني. هذا هو مضمون سودانه الجديد. فلما غالبه الانقاذ باسلوبه المعروف "جهادا" وتعبئة لجأ إلى الكونفدرالية "(الحياة 17 / 6/ 1999). لولا معرفتنا الحقة بالناقد لحسبنا أن في موقفه إعجاب خفي بسياسة الجبهة الجهادية. نعرف عنه غير هذا، كما نعرف حرصه على التدقيق. القليل من التدقيق كان سيقوده إلى أن طرح الكونفدرالية ما كان ليبرز إلى الوجود لولا رفض النظام الوحدة القائمة على مبدأ الفصل بين الدين والسياسة والتعددية الحزبية، فأطروحات اقتسام السلطة ظلت مبسوطة للحركة منذ أغسطس 1989. ترى ما الذي كانت ستصنعه جموع العلمانيين والعروبيين والقوميين والوحدويين والديموقراطيين في الشمال لو قبل قرنق تلك القسمة في أديس أبابا (أغسطس 1989)، وفي نيروبي (ديسمبر 1989)، وفي كل ما تلاهما من اجتماعات في أبوجا ونيروبي تحت مظلة الايقاد؟

    ............................................................. يتبع عنوان جديد ..


    حاج حمد : أنا ضد هيمنة الأثنيات وضد تفكك الوسط ولهذا ضد نيفاشا ومع كونفدرالية للجنوب وفيدرالية للغرب .
    سودانيز اون لاين
    6/11 8:40pm
    بسم الله الرحمن الرحيم
    محمد أبوالقاسم حاج حمد – لبنان – الشويفات – جوّال 727833 / 009613
    منزل: 433519 / 009615 – ص . ب: 30062
    الإمارات العربية المتحدة – جوّال 7212219 / 0097150
    السودان (246165 00249912)
    (00249912287860)
    Email: [email protected]
    المفكر السوداني والخبير الاستراتيجي (محمد أبو القاسم حاج حمد) في لقاء ينشر غدا السبت (الصحافة) السودانية – مانشيت الصفحة الأولي .
    حاج حمد : أنا ضد هيمنة الأثنيات وضد تفكك الوسط ولهذا ضد نيفاشا ومع كونفدرالية للجنوب وفيدرالية للغرب .
    * تبدو (غامضا) في كثير مما تطرح حول السودان , ففي حوارك الأخير مع صحيفة (ألوان) رفضت تسوية نيفاشا واعتبرتها اختراقا جنوبيا لمركزية الوسط (5/6/2004م) . كما أنه في تصريحك الأخير للصحافة والبيان الإماراتية (29/5/2004م) – العدد (3951) قلت أن نيفاشا هي (حصان طروادة) واستمر نقدك للإنقاذ فماذا تريد فعلا ؟ !
    أولا : أريد ربط الجنوب بمصيره الجيوبوليتيكي الخاص به منذ قرن وربع القرن . وذلك في إطار كنفدرالي يرتبط مع الشمال بدولة وطنية واحدة , ذات سيادة واحدة , وبنظامين , وبينهما حدود عام 1956 الادارية , وبمعزل عن المناطق الثلاث المطروحة حاليا والتي تشكل اختراقا لجيوبوليتيك الشمال ومركزيته التاريخية والجغرافية والسياسية.
    وليس الأمر جديدا ومرتبطا بنيفاشا او مشاكوس , فقد طرحته بمحاضرتي بالإمارات العربية المتحدة , ونشرته جريدة (الخليج ) بتاريخ 16/12/1986م (كيف يفكر الجنوبيون السودانيون ؟) ثم محاضرتي في الامارات ونشرتها (الخليج) ايضا (السودان : مفهوم الوطن وجذور الانتماء القومي) بتاريخ 16/4/1987م ثم (حرب الجنوب ومعادلات الشخصية السودانية ) بتاريخ 14/6/1987م وكذلك نشرت في (جريدة الخليج) . وعمقت طرحي للكنفدرالية وفق حدود 1956م في مقالي بصحيفة (الحياة ) بعنوان : (خيار الوحدة الكنفدرالية بين شمال السودان وجنوبه) بتاريخ 26/5/1999م العدد (13227) وحين اعترض البعض باعتبار ان الكنفدرالية هي محض انفصال وضحت الامر في (الصحافي الدولي) بتاريخ 17/7/2000م العدد (230) بعنوان : (محاورة حول كنفدرالية الجنوب السوداني) ثم أوضحت وفصلت مجددا في جريدة (الصحافة) العدد (369 بتاريخ 6/9/2003م بعنوان (نظامان في دولة واحدة – تركيب طبيعي للكيان السوداني) وتطرقت للعديد من الشروحات والتوضيحات في مجلدي : (السودان : المأزق التاريخي وآفاق المستقبل) – الطبعة الثانية 1996م .
    فما حدث في نيفاشا هو خروج علي جيوبوليتيك الجنوب الجغرافي والسياسي والثقافي واختراق لجيوبوليتيك الشمال والوسط وهذا أمر رفضته وارفضه منذ تحذيري من قبول الانقاذ مباحثات سويسرا لتسوية اوضاع جبال النوبة , حيث من هناك كان الاختراق الاول الذي تلته الاختراقات الاخري .
    ثانيا : إدانتي للانقاذ في هذه المسألة الوطنية المصيرية تتكافأ مع إدانتي الموجهة لكبريات الاحزاب السودانية بالذات حين أقرت في مؤتمر أسمرا في يونيو 1995م بالتفاوض علي المناطق الثلاث مع حركة قرنق الجنوبية وهي (جبال النوبة والأنقسنا وآبيي ) , فكلهم مدانون الانقاذ وحزب الأمة , والاتحادي الديمقراطي , والتوابع الحزبية والسياسية الاخري .
    ثالثا : بالنسبة للغرب السوداني فقد وضعت سياسة متكاملة من (40) صفحة في مركز الدراسات الاستراتيجية في الخرطوم حيث كان يديره الاخ الدكتور بهاء الدين حنفي وذلك بتاريخ 30/5/1998م بعنوان (الصراعات الاقليمية والقبلية في السودان) وضعت فيها جدولا لصراعات الغرب القبلية والأثنية منذ عام 1932م وإلي عام 1998م وفصلت طبيعة مشاكل الغرب وخصوصيته الجيوبوليتيكة ايضا , ثم اوضحت في سلسلة محاضراتي الأخيرة (في منبر الصحافة) خلال الشهر المنصرم (ابريل) ضرورة ربط الغرب الكبير (دارفور وكردفان) ب (فدرالية) ذات صلاحيات واسعة ومحبذا طرح الاخوين احمد إبراهيم دريج وبروفيسور (شريف حرير) للعلاقة الفدرالية – وليس كنفدرالية الجنوب – بين الغرب ومركزية الوسط النيلي . وقد نشرت دراستي وقتها في صحيفة (الخليج) بالشارقة وآخر عباراتها : (سيتحول الغرب إلي جنوب آخر ما لم نتدارك الوضع) وذلك في مايو 1998م أي قبل ست سنوات بالتحديد .
    رابعا : بالنسبة لمركزية الوسط التاريخي بشماله وكذلك شرقه والتفاعل ببعضهما منذ دولة (نبتة750ق.م-540ق.م) ودولة ( مروي 540ق.م – 350م) ثم الممالك المسيحية الثلاث التي استمرت الف سنة (نوباتيا والمقرة وعلوة) وممالك البجا القبلية ثم السلطنة الزرقاء وحلف (الفونج) في النيل الازرق و(العبدلاب) في الشمال و(الحداراب) في الشرق منذ 1505 م والي عام 1821م وما ثبتت به اركان هذه المركزية منذ الاحتلال الخديوي/ التركي (1821- 1885) , والاحتلال الثنائي البريطاني / المصري (1899 – 1956م) .
    كل ذلك يجعل للشمال والوسط والشرق خصوصية غير خصوصية الغرب والجنوب , وجيوبوليتيكا مختلفا , لهذا أكدت علي وحدة هذا الاطار المركزي ( الشمال والوسط والشرق) فهى منظومة تجمع ما بين ساحل البحر الاحمر والنيل , بخلاف غيرها ولها مركزيتها ويمكن توثيق تاريخها الموحد منذ (نقش عيزانا) عام 350م , وهو أول ملك مسيحي في (اكسوم) , وهي منطقة تم فيها تفاعل ثقافي وحتي عرقي .
    لهذا لا تتقبل خصائص هذا الوسط أي نوع من الاختراقات . فإذا اراد قرنق (الانتماء) لهذه الكتلة التاريخية المركزية كما قال في محاضرته في امريكا قبل عام ونصف فمرحبا به كوطني سوداني ديمقراطي وله أن يكون رئيسا لنا جميعا . أما إذا أراد تفكيك هذا الوسط التاريخي وإرث (2750 عاما) علي أسس عنصرية فهذا هو المستحيل بعينه .
    خامسا : لم أدعو يوما لتفكيك الانقاذ أو إسقاطه لأن في ذلك تفكيك لمركزية الوسط (دون وجود بديل) ولكني دعوت وادعو لإعادة تصحيح لمواقف الإنقاذ (منهجيا) في الفكر والعقيدة , و(استراتيجيا) في السياسة والحكم , أي طلبت (إنقلاب) الإنقاذ علي نفسه وليس تفكيكه لأني أعلم أن مخاطر التفكيك دون بديل ليس علي الإنقاذ ولكن علي مركزية الوسط ولهذا كشفت انقلابا عسكريا كان وشيك الحدوث في عام 1993م والشاهدان علي ذلك دكتور حسن الترابي والاستاذ أحمد سليمان حين كان سفيرنا في واشنطن وكنت وقتها معارضا للإنقاذ وما زلت . عير أن الإنقاذ قد بدأ يساوم علي هذه المركزية لاهداف (ذاتية) وليست (موضوعية) وما حدث في نيفاشا دليل علي ذلك , في وقت يعلن فيه (قرنق) بوضوح وصراحة مخططه لاتخاذ المفاوضات وسيلة لتفكيك السودان (القديم) واستبداله بسودان جديد لا يقوم علي الوحدة الوطنية الديمقراطية ولكن علي (تحالف الاثنيات) غير العربية وبما يماثل ما يرد في (الكتب السوداء) التي أصدرها الموالون للترابي في حركة العدالة والمساواة في الغرب وبتوجهات عنصرية واضحة . وقد عالجت جذور هذا الفكر العنصري في جنوب السودان وغربه في محاضرتي الاخيرة في أبوظبي بعنوان (آفاق السلام في السودان – دراسة ميدانية وتحليلية ) في (المجمع الثقافي) بتاريخ 4/4/2004م . و قد نشرتها (الصحافة) متسلسلة بعد ذلك .
    كما إنتقدت هذه المواقف العنصرية التي تدعي بهتانا وزورا تهميش الوسط للاطراف في مقالتي المنشورة بصحيفة (البيان) في دبي و(الوسط) في البحرين و(الصحافي) في الخرطوم بتاريخ 1 مايوز 2004 وبعنوان (حروب الاطراف ودعاوي التهميش في السودان) .
    أقول بصراحة أنني قد رددت الصاع صاعين لمن كتبوا الكتب السوداء في الغرب , ولمن بعثوا تحالف الأثنيات العنصرية في الجنوب فلا مساومة علي مركزية الوسط ووحدته مع الشرق . أما بالنسبة لأبناء (البجة) في الشرق فهذا مساق آخر ستكشف عنه الأيام القادمة بإذن الله . فالشرق (توأم) النيل والوسط منذ خمسة آلاف عام ولكن ساسة الوسط مجرد كتبة ومحاسبين ولا يدركون ذلك . وأكبر تنمية قادمة ستكون في شرق السودان حيث يتم الربط بين القرن الافريقي ودول البحر الاحمر في الضفة الشرقية منه عبر الشرق بالذات .
    سادسا : لا يقصد بتفكيك الانقاذ القضاء علي الفساد و السلبيات فقط و لكن يقصد تفكيك مركزية الوسط تحت طائلة أهداف عنصرية ودعاوي التهميش وخلافه . فهم يضربون مركزية الوسط من أضعف حلقاتها .. أي الإنقاذ وممارساته .
    ولكن الاخطر أنهم يهدفون لاسقاط (الخيار الاسلامي) من خلال أضعف حلقاته (التنظيرية) و (التطبيقية) ايضا . وهي الإنقاذ كذلك . فهنالك تحالف (أفريقاني) مع التوجهات (الليبرالية) و (العلمانية) ومع (العولمة) لضرب الاسلام (أصلا) من خلال أضعف حلقاته كممارسات (الانقاذ) كما هي ممارسات (بن لادن) وممارسات (الاصولية الاتباعية التقليدية) التي تحاول إحداث الفوضي الآن في السعودية .
    في مقابل ذلك أتمسك بالإنقاذ مع معرفتي لسلبياته علي أمل الإصلاح منهجيا واستراتيجيا , واتمسك بمركزية الوسط , مع معرفتي لسلبيات الحاكمين , عسكرا وأحزابا منذ عام 1954م , واتمسك بالخيار الاسلامي رغم إدراكي للتطبيقات (الجاهلية) . أتمسك بكل ذلك كثوابت وأصول ولهذا فإن معركتي مع الإنقاذ وفي داخل الإنقاذ قاسية جدا , وكذلك معركتي داخل مركزية الوسط وفي مركزية الوسط قاسية جدا .
    · ما رأيك في كيان الشمال ؟
    ما أدعو إليه هو الحفاظ علي (مركزية) الوسط ضمن رؤية وطنية ديمقراطية ذات منحني استراتيجي ومنهجي وشاملة لكل السودان , بكنفدرالية الجنوب وفدرالية الغرب , فالحفاظ علي مركزية الوسط ليست دعوة (جهوية) أو (إنفصالية معاكسة برد الفعل) إنها حفاظ علي خصائص الوسط وخصوصيته في الإطار الوطني السوداني الشامل , غربا وجنوبا حتي لا يستمر الآخرون في (دعاوي التهميش) من جهة ولا تفكك مركزية الوسط من جهة أخري .
    اما الذين طرحوا (كيان الشمال ) أو (منبر السلام) أو غير ذلك , فإنهم مساقون برد الفعل العفوي ويؤججون لعنصرية مضادة في الشمال دون وعي منهم , في حين أن هذا الوسط الشمالي المركزي هو (ضمانة وجود السودان كله) وضمانة تطوره المستقبلي , هذا إذا فهمنا الأمر فهما منهجيا واستراتيجيا , فإذا تم تفكيك هذا الوسط المركزي تم تفكيك السودان كله , فتوجهي للحفاظ علي مركزية الوسط ليس اثنيا ولا عنصريا .. ولا من قبيل التعالي الثقافي العروبي , فثقافة السودانيين العربية مازالت ثقافة (شفهية هشة) ولم تؤسس مركزا (حضاريا) كما في دمشق أو القاهرة أو بغداد أو قرطبة , كما أن التركيب لا زال (قبليا) من الزاوية الاجتماعية وقيمها العرفية المفارقة لقيم الاسلام نفسه .
    أنا أدرك سلبيات الوسط المركزي تماما وبأكثر من الذين يكتبون ضد الوسط في الغرب أو الجنوب . ولكني مدرك أيضا لخصائصه الجيوبوليتيكية ودوره الاستراتيجي في تكوين السودان الاشمل ولا أقبل التضحية بذلك , سواء تمت بضعف الإنقاذ الذي لم يعد يجسد صلابة الوسط عبر ثلاثة آلاف عام من التاريخ , أو تمت (بقوة) الجنوب والغرب المستمدة من البندقية والعنصرية معا , فالغرب والجنوب تركتان موروثتان في جغرافية السودان السياسية عن مصر منذ فترة الخديوي إسماعيل (1870) . ولم يملك الوسط المركزي الكفاءة الحضارية والاقتصادية والإدارية للحفاظ عليها بفهم وطني ديموقراطي حضاري , فما أطرحه هو مجرد الحفاظ علي مركزية الوسط وليس استعداء علي الآخرين , كما أني أرفض استعداء الآخرين عليه بمنطق التهميش الوهمي لتفكيكه .
    · هل رفضك لنيفاشا يعني الاستمرار في خيار الحرب ؟
    قطعا , كلا فأنا أرفض نيفاشا التي تستهدف تفكيك الوسط , كما أرفض تماما الحرب التي تستنزف الشمال والجنوب معا , كما أن رفضي هو رفض (لحرب أهلية قادمة) متي أوغل قرنق في بعث العنصريات في الشمال وكذلك في الغرب بدعاوي (حلف المهمشين) , وقتها سيتم استدعاء بيت الشعر الجاهلي لعمرو بن كلثوم :
    ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
    فيحدث هنا ما يحدث في العراق ولو تحت قبضة قوات حفظ السلام الدولية والإقليمية , فهل أدركت القوي الدولية ضمن حساباتها كيف ابتعثت قوي (الفالوجا) و (المثلث السني) ؟! أو الجنوب العراقي الشيعي ؟! .
    إن مقترحي للكنفدرالية هو (أول إعلان لوقف الحرب) في الجنوب وقبل نيفاشا وقبل مشاكوس . وحتي أني نصحت تحقيقا لتلك الكنفدرالية بسحب المدنيين الشماليين ثم الجيش , بل وقلت أن كل نفط الجنوب يجب التضحية به , وتسليمه خالصا للجنوبيين مقابل وقف الحرب والكنفدرالية , فالقضية ليست قضية نفط . ولكن قضية ممارسة تجنب البلاد كلها (الاستنزاف) البشري قبل النفطي , فأين انتهي نفط العراق بعد حربه مع إيران ثم حربه في الكويت ؟! .
    إن نفط الجنوب سيبعث ثورات أخري في الجنوب ضد الشمال مهما كانت بروتوكولات تقسيم الثروة . ومن الأفضل ترك النفط كله لهم , فالحفاظ علي مركزية الوسط ووحدته أهم من نفط الجنوب.
    فإذا توقف الفساد في الشمال فلسنا في حاجة لنفط الجنوب أو جنوب كردفان , بل أن النفط بوضعه الحالي سيعزز الفساد نفسه .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de