|
أعتراف الدكتور غازي صلاح الدين ؟!
|
اعتراف الدكتور غازى صلاح الدين العتبانى هل تعتذر الإنقاذ للشعب السوداني
اجرت صحيفة الزمان اللندنية حديثا مع الدكتور غازى صلاح الدين العتبانى و نقلته عنها صحيفة سودانايل الإلكترونية بتاريخ 19 يونيو 04 , وكان الحديث بمثابة الاعتراف أو إن شئت التقويم لاداء الحركة الإسلامية أو من يسمون أنفسهم الإسلاميين في السودان , والدكتور غازي من القادة التاريخيين لجماعة الإخوان المسلمين السودانية بمسمياتها وتلونها وتشققها من إخوان مسلمين إلى جبهة ميثاق وإلى جبهة قومية إسلامية وإلى مؤتمر وطني ومؤتمر شعبي والبقية تأتي حسب الظروف والمصلحة كالحرباء تتلون تبعا للمحيط الذي توجد فيه , وهم في كل الأحوال نفس الأشخاص ويحملون نفس الأفكار والمنهجية والأيدلوجية النفعية الانتهازية التي تبيح كل طريقة مهما كانت في سبيل الوصول للغاية وهي هنا إرضاء حب السلطة وإشباع شهوة المال لهم فحسب دون الآخرين الممثلين في الشعب السوداني بل في بقية المسلمين ! والدكتور غازي انفق شبابه وحارب بالسلاح في سبيل معتقده وتسنم وظائف رفيعة منها أمانة المؤتمر الوطني ثم اختلفت به السبيل مع زملائه فاستقال , ولكن ما يهم حقا هو صحوته ورجوعه إلى الحق وهذه فضيلة تسجل له فقد ذكر في إفادته لصحيفة الزمان أن (الحركة الإسلامية دمرت السودان ولم تكسب شيئا وحكومة الإنقاذ ليست وحدها أمام المسئولية ) . يأتي هذا القول أو الاعتراف بعد خمسة عشر عاما حسوما صال وجال فيها الدكتور في حمي الإنقاذ وشارك في جميع أعمالها بل خطاياها في حق السودان وشعب السودان !! وأنا أتحدث هنا من موقع انتمائي لفئة المواطنين الذين كافحوا ضد الاستعمار حتى جاء النصر وارتفع علم الاستقلال خفاقا والحمد لله الذي جعلني أسرع عند المغرم واعف عند المغنم , واستشرفنا المستقبل باشواق مشرئبة إلى العيش الكريم والعدل والكرامة , وان ينهض وطننا الحبيب من وهدة التخلف ومرارة الحرمان , وان يكون لنا شأن بين أمم الأرض , وذكر حميد بين شعوب الدنيا , ولكن , وآسفاه !! تبخر الحلم في الفضاء , وتناثر هباء في الهواء , فان من تولوا أمورنا من حكام مدنيين وعسكريين منذ الاستقلال شغلتهم أمور أخرى من أهمها حرصهم علي البقاء علي كراسي الحكم , خلاف توفير كريم المعيشة وبسط العدل والارتقاء بالوطن ومواطنيهم , .. ثم جاءت كارثة الجبهة بانقلابهم المشؤوم في 30 يونيو 1989 , هذه الآفة التي أحالت نهارنا ليلا , وأمننا خوفا , وما تبقى لنا من كفاية العيش إلى جوع ومتربة , وما تبقى من فضلة في العافية إلى أسقام مهلكة وموت موعود ! بدعوى الجهاد زجوا بالشباب الأيفاع من كراسي الدرس في المدارس وحصولهم للشهادة الثانوية إلى ميدان القتال , وآخرين من الشبان امسكوا بهم قسرا من الشوارع وقذفوا بهم إلى محرقة الحرب , فقضوا نحبهم عند أول اشتباك لهم , وحرقت الإنقاذ حشا كل أم , ورملت كل زوجة , ويتمت كل طفل , والذين دفعوا بهم إلى هذا المصير القابعين في الخرطوم كبرت كروشهم واكتنزت أجسامهم بالشحم وجيوبهم بالمال , ويلوحون بعصيهم عاليا في الهواء شاقين حناجرهم بالتهليل في احتفالات زائفة ! أقول بضمير مستريح أن حقبة الاستعمار التي عايشناها والمستعمرين الذين يسمونهم الكفار , كانت حقبة فيها من العدل ومن الرخاء ومن حقوق الإنسان ما افتقدناه في عهد الجبهة , فلم تكن هناك مجاعات وعوز وكان الفقير يجد كفايته من الطعام , وكان التداوي متاحا مجانا لكل المواطنين , وكان التعليم الجيد موفورا لأبناء الشعب دون تمييز , وكان التوظيف والترقية في وظائف الحكومة بمعيار الكفاءة والجدارة وتكافؤ الفرص للجميع , وكان القضاء مستقلا ولا يعتقل أو يسجن المواطن إلا بحكم قضائي أمام محكمة مدنية ليست استثنائية أو عسكرية وكانت حرية الصحافة والتعبير مكفولة إلى حد بعيد فالصحف تكتب ناقدة , وحرية التنظيم في أحزاب مكفولة , والليالي السياسية تقام , والمظاهرات تنظم , وإن كانت هناك اعتقالات أو محاكمات فإنها كانت تتم في حدود القانون, ولم نسمع بالتعذيب أو بيوت الأشباح الذي ابتكرته حكومة الإنقاذ في ابشع صورة لانتهاك حق الإنسان وإذلاله , ومارست الجبهة هذه الأساليب الوحشية غير الإنسانية مع معارضيها ومع الكثيرين من الأبرياء , وكثير منهم قضوا نحبهم تحت وطأة التعذيب !! انه عار الدهر لهذه الحكومة الظالمة , وهنا يحضرني قول الإمام بن تيميه وهو (إن الله قد ينصر الدولة الكافرة – بعدلها – علي الدولة المسلمة بما يقع فيها من مظالم .) وأيضا المقولة التي صارت دستورا للحكم الرشيد وهي (العدل أساس الملك ) , واحسب أن الدكتور غازي ومن معه من كهول الإنقاذ قد عاشوا هذه الفترة تحت حكم الاستعمار التي أتحدث عنها , وذكر الدكتور غازي إن حكومة الإنقاذ ليست وحدها أمام المسؤولية , وأنا أوافقه في هذا فان الذين يتحملون الأوزار والخطايا مع الإنقاذ الذين تحالفوا معهم من الإخوان المسلمين وشق من أنصار السنة وبعض الطرق الصوفية والمنشقين من الأحزاب الكبيرة , ناهيك عن الإساءة للحكم الإسلامي وتشويه حكم الدين وتضييع الفرصة الشاردة لتبيان حكم شريعة الإسلام الراشد والذي أظهروه للعالم قسوة وظلما واستغلالا , وعدآء غير مبرر مع جيراننا من الدول , وتعاملهم بغل مع مواطني بلدهم من المسلمين وغير المسلمين وكأنهم أعداء الداء !! في حين جعلوا السودان ملجأ وملاذا للإرهابيين في العالم ومنحوا الجنسية السودانية لشذاذ الآفاق والمجرمين المطلوبين من حكوماتهم !!! ومن أسف وأسى لم يكن الشعب السوداني الطيب ليستحق كل هذا القدر من الإذلال والهوان ! فهل يعتذر أهل الإنقاذ عن الأذى الشديد الذي سببوه للسودان وأهل السودان ؟! وهل يشفع الدكتور غازي اعترافه بالاعتذار والندم عن التدمير الذي تسببوا فيه ؟!
هلال زاهر الساداتي – القاهرة [email protected]
................................................... يتبع ...
غازي صلاح الدين مستشار الرئيس السوداني السابق لـ(الزمان) (1-2) الترابي تحول الي عبء علي الحكومة.. وحق تقرير المصير ليس مؤامرة من أحد الحركة الاسلامية دمرت السودان ولم تكسب شيئاً وحكومة الانقاذ ليست وحدها أمام المسؤولية القاهرة: الزمان يبدو أن المفاجآت في السودان لن تتوقف خصوصا إذا ما ظهرت حقائق واضحة عن الوضع الذي أدي إلي هذه الحالة التي يمر بها الشعب السوداني الآن فقد أكد الدكتور غازي صلاح الدين المستشار السياسي الأسبق للرئيس السوداني أن الحركة الإسلامية قد دمرت السودان ولم تكسب شيئا وهي المسؤولة الرئيسة عن الوضع في البلاد مشددا علي ضرورة مشاركة القوي السياسية الأخري في صنع السلام القادم في السودان ومنوها في الوقت نفسه إلي إمكانية تجنب الأخطاء السابقة التي وقعت فيها الإنقاذ باعتبارها تجربة مرت علي التاريخ السياسي السوداني بكل أبعاده، وقال أنني أنوه هنا إلي أن استراتيجية التشقيق التي أتبعتها الحركة الإسلامية يجب أن تتركها الآن لأنها غير مجدية بالمرة ولن تحقق الديمقراطية مالم تنصلح الأحوال السياسية في السودان،فبعد 45 عاما هناك حتي الآن تناقض كبير جدا في صفوف الحركة الإسلامية وقد لجأت بهم الظروف إلي إجراء مزايدات علي أدوارهم وأفكارهم التي طرحوها بالسابق، والان فشل النموذج الإسلامي في السودان أثر بالفعل علي الحركة الإسلامية في العالم. وفي حديثه الخاص لنا أكد أن المرحلة القادمة تتطلب كثير من الحذر الواضح منوها الجميع إلي تحمل مسؤوليتهم الكاملة في العمل لأجل الوحدة في السودان إلي جانب قضايا كثيرة وفي ما يلي نص الحوار: * دكتور غازي هل تعدّ هذا الاتفاق هو لصالح المشروع الحضاري أم ضده، وهل غامرت الإنقاذ بفرضه علي ارض الواقع؟ ــ أولا احب أن أصحح الصور الخاطئة عن التصور فالإسلاميين لا يمانعون بالانفصال وكنت أقول واجدد بان السلام العادل إذا تحقق فانه لا مانع منه مطلقا وإذا كان المشروع القادم لأي عملية إصلاح فانه لا بد من أن يستوعب القوي الأخري وينهي كل أنواع القصور في المسألة القائمة الآن ومن خلال التصور المفروض حاليا ولذلك أقول أن المرحلة القادمة هي اخطر المراحل في تاريخ مسيرة السلام في السودان لأنها مرحلة التطبيق والتي نستطيع أن نحقق من خلالها سلاما عادلا وشاملا في كل المحاور وأنا لا احب الحديث بعصبية عن المشروع الحضاري لانه لا يتم وفقا للتصور الذي نحمله نحن والإنقاذ كانت تجربة قامت في السودان وليست حالة نهائية فهي بطبيعتها عملية نقل من وضع حرج إلي وضع افضل فنحن الآن في مرحلة افضل من المراحل السابقة وما حققناه في الفترة الماضية وما سوف يتحقق هو يعتبر في سبيل هذه التجربة ولكن أوافق علي مبادئ السلام وعمق التجربة. * ولكن التحول الديمقراطي كان أحد الأدوات السياسية في الإنقاذ وإلا فكيف تفسر الذي يحدث الآن فقد كان من الممكن جدا أن يحدث ذلك قبل سنوات طوال؟ ــ أولا الاعتقاد بان التحول الديمقراطي هو أداة سياسية من أدوات الإنقاذ تعتبر صورة خاطئة وأنا لا أضع نفسي في موضع مواجهة مع التحول الديمقراطي الذي يحدث فأنا احب أن أري التحول الديمقراطي وباعتبار انه مرحلة واليه لتكريس الحرية الاجتماعية ومن خلال نضال يحقق مشروعية أطول وبالتالي هي مرحلة تحدي واضحة فيمكن أن اخسر الجولة القادمة كتجربة ويمكن أن اكسبها واعتقد انه حتي الآن هناك قناعة لدي القوي السياسية بالاتفاق علي حزب وطني جامع يجعل الحزب الحاكم هو الأداة الرئيسية ولذلك لا أستطيع أن اتنبا بما يكون عليه الحال في المستقبل ولكن افلاح الطرفين في تأسيس حكومة قاعدة وطنية تمثل الشعب وكل القوي سيكون هو الأفضل. * يقال أن الإنقاذ تآمرت علي وحدة السودان ولكن هل تراها ستنكفئ علي الذات بعد الاتفاق؟ ــ تحقيق الوحدة يأتي في افلاح الحكومة القادمة في السودان ولن تكون حكومة الإنقاذ وحدها ولكن هناك أطراف عديدة وستكون هنالك تحالفات رئيسية وستقع مسؤولية علي كل الحركة السياسية وليست الإنقاذ وحدها وحتي القوي الخارجية من الغير مشاركة في الحكومة ستكون مسئولة بدورها في ملف الوحدة، وبالتالي فإن الحديث عن حق تقرير المصير باعتباره مؤامرة كبري أرجو أن يعدل هذا المفهوم لأنه يسئ للمرحلة القادمة ولابد أن نتحدث ونخاطب الأخوة الجنوبيين بلغة مفهومة لأن تقرير المصير هذا أمر يخصهم وهو حق لهم، وعلي كل حال فإن المسؤولية تقع علي الجميع وليس الإنقاذ وحدها وبعد النظر هو المطلوب، والحركة السياسية السودانية الشمالية أو الجنوبية وإجراءاتها في تحقيق الوحدة هو رهين بمقدرتها علي توظيف كل إمكانياتها لتحقيق الوحدة، ولابد أن تعيد تشكيل الوضع والبرنامج السياسي لأنها تعتبر مسائل ضرورية للمرحلة القادمة. * منذ استقالتك والأسئلة عن الأسباب لا تتوقف فلماذا استقلت وما الذي رأيته في مسيرة التفاوض حتم عليك اتخاذ خطوة كهذه، وكيف تري النهج الحكومي في التفاوض الآن، وما التحديات التي ستواجه اتفاق السلام القادم،فمن خلال تجربتك في المستشارية ما أعقد مراحل التفاوض التي مرت بكم؟ ــ هي المرحلة السابقة لتوقيع اتفاق مشاكوس، تلك الفترة تطلبت إكمال الانتقال من حالة القتال إلي حالة التفاوض، من ذهنية الحرب إلي ذهنية السلام، وهو ما استدعي مجهودا كبيرا علي الساحة الداخلية، أي داخل معسكر الحكومة، بموازاة عمل ضخم داخل معسكر المعارضين لها بشتي اتجاهاتهم وأهدافهم، وأيضا بموازاة عمل مركب في المجموعة الإقليمية والدولية التي طرحت نفسها وسيطا. مجهود كهذا يشبه إلي حد ما اختبار التوازن بالسير علي حبل مشدود علي ارتفاع شاهق. أو دعني أشبهه لك بعملية نقل مدينة من موقع إلي موقع. تصور الجهد الذي ينتظرك ابتداء من التعامل مع المواقف المتباينة من فكرة الانتقال نفسها، ومتطلبات الإرضاء لكل صاحب حق في المدينة، ثم اختيار الموقع الجديد بما يرضي الجميع، ثم الجهد الفني الهندسي لعملية الانتقال،كما أن المساهمة الأميركية تمثلت بصورة أساسية في إعطاء الإشارة لمن يدعمون الحرب بأن المباراة انتهت وهذا الموقف ترجم نفسه إلي اتفاقات عملية تجاوزت كثيرا من المطالب التعجيزية السابقة. * هنالك أحاديث تروج بأن سبب الاستقالة هو إحساسك بأن رفع التفاوض (لمستوي النائب الأول علي عثمان طه ورئيس الحركة الشعبية العقيد جون قرنق) انتقص من دورك في العملية السلمية، كأنك تأسي علي مجد شخصي عبر إنجاز مشروع للسلام ضاع منك كيف تقرأ هذا الرأي؟ ــ لو كان حرصي هو علي المجد الشخصي لما تقدمت باستقالة في اللحظة الأخيرة، لحظة الكاميرات والصخب الإعلامي، ولحرصت علي البقاء في المسرح بأي ثمن ولأطول فترة انتظارا لتصفيق الجماهير،ذلك لم يكن قط في حساباتي رغم أن المرء مجبول علي حب الثناء غريزة ولو لم يأت هو بالفعل الذي يستحق عليه الثناء.وأنت تعلم أن أدب الاستقالات ليس شائعا في عالمنا هذا، وأرجو في ضوء هذه الحقيقة أن يعيد أي صاحب ظن سيئ النظر في ظنه. * نعود بك مرة أخري إلي جولات التفاوض التي كنت تقودها مع الحركة في كينيا ونسألك ما هو دور الوسيط الأمريكي وماذا أضاف للتفاوض وماذا أخذ منه؟ ــ الموقف من قبول الدور الأمريكي استند إلي منطق بسيط، وهو أن الولايات المتحدة كانت السند الرئيس للحرب، إما عبر مؤسساتها الرسمية أو شبه الرسمية أو الأهلية، بل وصلت حدا من العدوانية أن قصفتنا بالصواريخ كما يعلم جميع الناس،فلما أبدت رغبتها في رعاية جهود السلام رأينا أن ذلك ربما فرض عليها موقفا أخلاقيا يجعلها أقل انحيازا ولو ظاهريا، ولا أقول أكثر حيادا، لأنها لم تكن ولن تكون محايدة في هذه المعركة ومسئوليها أنفسهم لا يزعمون أنهم محايدون في هذا الشأن، لكن شيئا من سكون الهوس بعداء السودان أتاح فرصة تاريخية جديدة كان لا بد من اقتناصها،والمساهمة الأميركية تمثلت بصورة أساسية في إعطاء الإشارة لمن يدعمون الحرب بأن المباراة انتهت ولا بد من مغادرة الميدان،هذا الموقف الجديد ترجم نفسه عبر المفاوضات إلي استعداد غير مسبوق للتفاوض الجدي، ثم إلي اتفاقات عملية تجاوزت كثيرا من المطالب التعجيزية في السابق،بعض الناس يتصور مساهمة الولايات المتحدة بأن تطرح قائمة مطالب علي الطاولة ثم تخرج مسدسا وتضعه علي رأس من تطلب توقيعه علي تلك المطالب، ومن الواضح تأثير صورة الكاوبوي علي هذا المشهد، لكن الوضع ليس هكذا ومسالك الضغوط في السياسة العالمية أقل ظهورا وأكثر فاعلية، وليس عيبا في حق بلد أن تمارس عليه الضغوط، لأنه ما من بلد إلا وتمارس عليه الضغوط في تصاريف السياسة الدولية، كبيرا كان أم صغيرا قويا أم ضعيفا، الصين تمارس عليها الضغوط، وكذلك روسيا، بل فرنسا الحليف الغربي تمارس عليها الضغوط، العبرة هي بمدي قوتك ومرونتك في التعامل مع الضغوط،كما في رياضة الملاكمة هناك قاعدة تقول "در مع الضربات" بحيث إذا وجهت ضربة إلي رأسك تديره في اتجاه الضربة ليكون وقعها أخف، وبعد ذلك يمكنك أن تستقيم لترد الضربة حسب ما تراه متاحا، فليس العيب في أن توجه لك الضربات، بل ذلك هو منطق المباراة في الأساس، العيب هو في ألا تحسن التعامل مع الضربات فتسقط إما ضعفا أو معاندة غبية تمنعك الدوران مع الضربة. المدافعة في الحياة السياسية فيها كثير من أوجه الشبه مع هذا. * ولماذا اعترضت علي المفاوضات مع قرنق؟ ــ اعتراضاتي ليست متعلقة باتفاق بعينه ولكنها متعلقة بما رأيت أنه اختلال في المنهج..لأن خلل المنهج سيؤدي لزوما إلي خلل النتائج وهو ما ينبغي تجنبه في قضية حساسة تتعلق بمستقبل أمة. * كيف ذلك؟ ــ أولا الجنوبيون أخذوا بالفعل أكثر مما يستحقون فأنا عندما وقعت الاتفاق مع سيلف كير كانت حدود الجنوب هي المعترف بها في استقلال السودان في 1956 ولكن الآن تغير هذا الأمر كثيرا جدا وأوكد لك أن قرنق وبعد أن وقع الترتيبات الأمنية قد كسب الاتفاق بالكامل لأن هذه النقطة تحديدا غيرت الواقع السوداني من جميع جهاته ولا داعي لأن أشرح لك كيف ذلك لأننا بذلك قد ندخل الجميع في دائرة من الفوضي إذا اخترقنا الخطوط الحمراء وتجاوزناها خصوصا أن هناك سلام وليد في السودان،وعموما فان دارفور وجبال النوبة تعتبر أكبر مكسب لقرنق وليس تحالفه مع القوي الشمالية.
....................................................................
غازي صلاح الدين مستشار الرئيس السوداني السابق لـ(الزمان) (2-2) قرنق كسب المفاوضات في الأمن والنوبة وهناك من فاوض كبائع بطيخ القاهـرة: الزمان عدّ الدكتور غازي صلاح الدين المستشار السياسي الأسبق للرئيس السوداني ان حركة قرنق كسبت في مفاوضات السلام في الاتفاق الأمني وجبال النوبة، مشددا علي ضرورة مشاركة القوي السياسية الأخري في صنع السلام القادم في السودان ومنوها في الوقت نفسه إلي إمكانية تجنب الأخطاء السابقة التي وقعت فيها الإنقاذ باعتبارها تجربة مرت علي التاريخ السياسي السوداني بكل أبعاده، وقال أنني أنوه هنا إلي أن استراتيجية التشقيق التي أتبعتها الحركة الإسلامية يجب أن تتركها الآن لأنها غير مجدية بالمرة ولن تحقق الديمقراطية مالم تنصلح الأحوال السياسية في السودان، فبعد 45 عاما هناك حتي الآن تناقض كبير جدا في صفوف الحركة الإسلامية وقد لجأت بهم الظروف إلي إجراء مزايدات علي أدوارهم وأفكارهم التي طرحوها بالسابق، والان فشل النموذج الإسلامي في السودان أثر بالفعل علي الحركة الإسلامية في العالم. وفي حديثه الخاص لـ(الزمان) أكد أن المرحلة القادمة تتطلب كثيراً من الحذر الواضح منوها الجميع إلي تحمل مسؤوليتهم الكاملة في العمل لأجل الوحدة في السودان إلي جانب قضايا كثيرة وفي ما يلي الجزء الثاني والأخير من الحوار: * ولماذا اعترضت علي المفاوضات مع قرنق؟ ــ اعتراضاتي ليست متعلقة باتفاق بعينه ولكنها متعلقة بما رأيت أنه اختلال في المنهج..لأن خلل المنهج سيؤدي لزوما إلي خلل النتائج وهو ما ينبغي تجنبه في قضية حساسة تتعلق بمستقبل أمة. * كيف ذلك؟ ــ أولا الجنوبيون أخذوا بالفعل أكثر مما يستحقون فأنا عندما وقعت الاتفاق مع سيلف كير كانت حدود الجنوب هي المعترف بها في استقلال السودان في 1956 ولكن الآن تغير هذا الأمر كثيرا جدا، وأوكد لك أن قرنق وبعد أن وقع الترتيبات الأمنية قد كسب الاتفاق بالكامل لأن هذه النقطة تحديدا غيرت الواقع السوداني من جميع جهاته ولا داعي لأن أشرح لك كيف ذلك لأننا بذلك قد ندخل الجميع في دائرة من الفوضي إذا اخترقنا الخطوط الحمراء وتجاوزناها خصوصا أن هناك سلام وليد في السودان، وعموما فان دارفور وجبال النوبة تعد أكبر مكسب لقرنق وليس تحالفه مع القوي الشمالية. * إذن ما المهددات الأساسية للعملية السلمية بعد التوقيع؟ ــ هذا سؤال تطول الإجابة عليه، وقد ظل رأيي أنه ينبغي دراسته بصورة متعمقة إذا أردنا حماية السلام واستدامته. لكن هناك مهددات عديدة يمكن تلخيصها في كل عمليات التكيف والانتقال من مناخ إلي مناخ ومن بيئة سياسية إلي أخري. وعمليات التكيف في الكائنات المعنوية كالدول والمجتمعات مثلما في الكائنات الطبيعية كالنبات والحيوان محوطة بكثير من المزالق، في مرحلة السلام سينشأ واقع سياسي يتسم بحيوية ومدافعة ذات وتيرة عالية قد لا تكون كل القوي السياسية مهيأة للتعامل معها، بما في ذلك الحكومة والحركة،وستكون هناك مصاعب قانونية تتعلق بتفسيرات بعض نصوص الاتفاقية مهما اجتهدنا في توضيحها الآن، ستكون هناك تحولات اقتصادية موجبة لكنها قد تعمق في البداية التفاوت في الثروة بين الأفراد والأماكن كالأقاليم الطرفية،سيكون هناك إقبال خارجي علي السودان ومعه أهداف ورغبات وأجنده جديدة،ه ذه التحديات التي تبدو مخيفة هي بلا أدني مقارنة أفضل من خيار الحرب، والناتج منها لو أحسنا التعامل معه سيكون خيرا والقاعدة التي ينبغي أن نتذكرها هي أن البلوي تكون أحيانا بالشر وتارة بالخير، والواجب في كلتا الحالتين أن يستجيب المرء بصورة سليمة ليضمن النجاح في الاختبار. *ولكن ما مصدر تحفظاتك علي اتفاق الترتيبات الأمنية؟ ــ لقد أوضحت بصورة جلية أنني عازف عن الخوض تفصيلا في هذه المسائل، لأن واجبي نحو وطني يحتم علي في هذه اللحظة الحرجة ألا أفعل فعلا يضر بالسلام، في المستقبل متسع لتوضيح المواقف ولست متعجلا للتبريرات، إنني من المؤمنين بقول زهير إنه "مهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفي علي الناس تعلم. أي أن الحق سيصرح حتما عن نفسه وإن لم تحرص أنت علي قوله بلسانك،لقد أوضحت من قبل أن اعتراضاتي ليست متعلقة باتفاق بعينه ولكنها متعلقة بما رأيت أنه اختلال في المنهج الذي حرصت علي بنائه من خلال مسيرة السلام المعقدة، وهو ما أراه مسألة جوهرية ومبدئية. لأن خلل المنهج سيؤدي لزوما إلي خلل النتائج، وهو ما ينبغي تجنبه في قضية حساسة تتعلق بمستقبل أمة،ومع ذلك لا أشتط في الانتصار لنفسي وإنما أتمسك بموقف السلف الصالح أن (رأيي صواب يحتمل الخطأ)، ومهما كان الأمر فلن أتخلي عن دعم مسيرة السلام لأن في ذلك خير الناس. * وكيف تقيم أبرز تكتيكات التفاوض المتبعة بين الطرفين؟ ــ في غالب الأحيان كان التفاوض يمضي عبر نقاش رفيع وحجج مسبوكة، أحيانا بالطبع كان الانحدار إلي تكتيكات بائعي البطيخ، وأظنك تدري ما أرمي إليه، لكنه لم يكن كثيرا، علي كل حال هناك نزعة فطرية عند بعض الناس لهذا التكتيك عندما يبلغون درجة الإعياء. * ما التنازلات المطلوبة من الحركة الإسلامية لإنجاح الشراكة مع الحركة الشعبية؟ ــ ليس التفاوض هو نيابة عن الحركة الإسلامية، التفاوض من الجانب الحكومي أخذ في الاعتبار مصالح جميع السودانيين أفرادا وجماعات، شماليين وجنوبيين، مسلمين ومسيحيين، طلبا لسلام عادل ومستدام لا يخصم من حق أي فئة. لهذه الأسباب رفضنا وثيقة ناكورو، لأنها بدت منحة تحفيزية للمؤتمر الوطني علي حساب مصالح جوهرية للوطن كله، وصحيح أننا نأتي من خلفية الحركة الإسلامية ونحمل رؤيتها، لكننا وجدنا أنفسنا في هذه المفاوضات وكلاء عن بقية المواطنين، والأمانة تستوجب أن تقوم الشراكة مع الحركة علي أسس تحفظ مصالح هؤلاء المواطنين جميعا. * وماذا عن الأعداء المحتملين للسلام القادم؟ ــ هذا من ضمن مهددات السلام التي تحدثنا عنها سابقا، هناك مهددات من تلقاء الظروف التي ستنشأ من واقع السلام، كما أن هناك أفرادا سيتضررون من السلام، أو علي الأقل سيبدو لهم أنهم متضررون. واجبنا هو تطمينهم وتسكيتهم أو منعهم من تخريب السلام، علي كل حال فإن خوفي من الإخفاق في التعامل مع واردات السلام وتحدياته هو أكثر من خوفي من المهددات التي تأتي من أفراد أو مجموعات أو شلل. * من خلال تجربتك التفاوضية هل تري الحركة الشعبية أقرب إلي الوحدة؟ ــ علي مستوي قيادتهم أظنهم أقرب إلي الوحدة أما علي المستوي العام فأنا أري خلاف ذلك. * لماذا تراجع الدور المصري في عملية السلام؟ ــ أعتقد أن ذلك مرتبط بمجمل الترتيبات الغربية في منطقتنا، وأظنهم يحذرون من دور مصري متوغل في أفريقيا، وهذا للقارئ المدقق في التاريخ داء قديم. * قلتم أن الدور المصري يجب أن يكون علي مستوي الحزب وليس الأفراد ولكن كيف تنظرون له في وسط هذا الخضم الواسع في السودان؟ ــ مصر أولا قوة لا يمكن تجاوزها ومهما حاولت بعض القوي أن تتجاوزها وهي لذلك تملك رصيدا علي الصعيد السياسي والثقافي والاجتماعي واحتمالات المستقبل أيضا وبالتالي هي متأخرة مما يحدث في السودان ولكن لها رصيدها الذاخر في السودان وهي مطالبة بأن تعيد قراءة الخريطة الجديدة للسودان والتحولات التي حدثت فيه ومطالبة بقراءة التحولات الواردة من تطبيق اتفاقية السلام حتي تستطيع أن تدير سياسة تفرز هذا الحدث وتقويه وتحاول أن تكثف من وجودها ولذلك أقول بان قراءة الخارطة السياسية ربما يستدعي مصر بان تطول منهجها في التعاون مع كل القوي السياسية بدعم الوحدة الوطنية والتحول الديمقراطي في السودان إلي جانب العدالة في الساحة السياسية السودانية وهي التي ستحقق الوحدة لو أنها طبقتها علي ارض الواقع بصورة مقنعة وهنالك مبادئ أخري ومن الضروري لمصر أن تلعب دورا محوريا في الفترة القادمة من خلال إعادة قراءة الخريطة السودانية. * وكيف تعمل مصر للوحدة في السودان؟ ــ هناك مجالات عدة يجب أن تعمل فيها مصر وهي الأعمار ووضع اللاجئين وهي مسائل مهمة وليست الوحيدة ولكن الذي يحرك الشعوب في نضالها هي الأفكار وليست القضايا المادية وليس التصور المادي لأنه يؤدي إلي إحساس معكوس وبالتالي يصعب المسألة وهذا يعني أن مشروعات الأعمار التي تنبع من مصر لا بد وان تطبق علي ارض الواقع وعلي رؤية سياسية خالصة من جميع جوانبها وضمان تطبيق الاتفاق لأنه سيملأ الوجدان الجنوبي ويهيئه لاستقبال الوحدة. * أبعاد أزمة المخلوع الترابي فاقت كل الحدود وقائمة الاتهامات والإجراءات ضده تطول الآن فهل هو سياسي ضار بالسودان أم هو نافع له فحتي أبناؤه أهالوا عليه التراب، فهل يخرج الدكتور غازي عن صمته ليعبر عن رأيه في هذا الموضوع، ونحتاج منكم لشهادة حتي نفهم هذا الشخص؟ ــ أنا وصلت إلي حالة في الحركة السياسية ويمكن لي أن أقول إنها أدت بي إلي ضعف الوضوح والمصداقية، ويصعب عليّ أن أنادي بشعار نبيل وبناء وخلاق للوحدة الوطنية وأن أمارس عقيدتي القديمة علي الساحة السودانية والحركة الإسلامية، وبالتالي فإن كل ما ذكرته أنت يحرجني ولا أريد أن أعلق عليه مباشرة ولكن أقول لك أن هناك كم هائل من السياسيين في السودان كالصادق المهدي والميرغني والترابي لا يقل عنهم مكانة، وفي اعتقادي بأن أجواء الحركة السياسية تتجاوز الضغائن الشخصية تجاه شخص أو أخر، وما سعيت إليه عند لقائي بالترابي سعيت إلي مثله مع الصادق المهدي، ومع قوي أخري، إذن فالقضية واضحة، والواقع السياسي الآن هش جداً ويمكن لشخص أو مجموعة أشخاص أن يلعبوا دور المخرب، فإذا كان الترابي قد استطاع تحقيق أكبر قدر من التوافق الداخلي بغض النظر عن موقعه وسياساته نجد أنه نافع وهناك من يقول خلاف ذلك، ولكن أن يكون هو المؤثر العقلي في المعادلة هذا غير صحيح كلياً لأنه أصبح الآن خارج النص السياسي في السودان، والترابي الآن نسيت كل أفعاله وهو الآن تحول إلي عبء سياسي واضح يقع علي كاهل حكومة الإنقاذ وأنا استغرب أن الحكومة لماذا تدخل نفسها في هذا العبء، وهو لم يعد بإمكانه فعل شئ ولن يخلق جناح بعوضه لأنه بالفعل محاصر، ولا يجد أي دعم، وأنا استغرب لماذا ينسبون إليه التهم الخارقة بأنه يستطيع أن يفعل شيء، فهو لن يفعل أي شيء، ويجب أن نتواضع قليلاً، وأنه يجب علي الحكومة إطلاق سراحه لأنه لم يعد بمقدوره فعل شيء. * ولكنك كنت معه بقلبك ووجدانك؟ ــ غير صحيح ولكنه كان يقول لي أنتم مع الحكومة بجيوبكم ومعي بقلوبكم، فأنا كنت من أكثر الناس الناقدين له ولما حدثت الانشقاقات كان موقفي واضح لأنني واضح، وقلت حديثي الواضح بأني مؤمن بأن الحرب لن تجدي، فأنا أسعي نحو الانتصار بينما الآخرون للخروج بأقل خسائر، وهناك من يدخلها بمنطق (عليّ وعلي أعدائي)، وهناك من يريد أن يقطع أنفه ليغيظ وجهه، فأنا أريد النصر، والنظرية قائمة علي الوفرة فبقدر ما كان هناك سعة صدر فإنه يمكن تطبيق رؤية جديدة وبالتالي ستظهر فرص جديدة، وهذا في حالة تواجدك إلي جوار الآخرين وتواجدهم إلي جوارك ولكن إذا كان الإنسان ضيق النظر فإننا نري العالم مجرد فرص محدودة، ولابد من الوضوح وترك المكايدات السياسية لأن المبادئ واضحة ويجب أن يتعلمها الناس لأن هذا الوقت هو وقتها، وقد أوضحتها لحسن الترابي من قبل لأنني كنت بعيداً بالفعل عن سياساتهم. * وهل ستواصل الاتصالات بالمؤتمر الشعبي وحسن الترابي؟ ليس لدي اتصالات محددة مع المؤتمر الشعبي أو مع الشيخ الترابي تخصيصا بمعني مبادرة تحمل عروضا ومطالب، ولست حتي من المتعجلين إلي وحدة الحركة الإسلامية الآن،ولقد أوضحت لفظا وأثبت عملا من خلال مسيرة التفاوض وتداعيات جهود الوفاق الوطني إيماني بضرورة تثبيت الوحدة الوطنية، لأن ذلك من الشروط الجوهرية لإقامة السلام واستدامته، ولهذا ظلت اتصالاتي ودعوتي قائمة مع كل القوي السياسية والاجتماعية ليسهموا في تحقيق ذلك، وفي آخر جولة شاركت فيها بالسابق دعوت تلك القوي للمشاركة معي في الجولة التفاوضية وشاركني وفد من قرابة الخمسين شخصية وطنية، وكانت تجربة ناجحة وتمرينا مهما لتحديات السلام القادمة، هذا الإيمان لن يفارقني، وأرجو ألا يفارقني، لأنه مقتضي الدين وحسن الخلق وواجب المواطنة الصالحة، وأيما اتصالات تؤدي إلي الأهداف التي ذكرتها ستظل قائمة بيني وبين جميع السودانيين، ولا أري في هذه المسألة مبررا لغضب أحد.
..................................... شكرا للاخ ابوساري علي ارساله للموضوع عبر البريد الاكتروني ...
|
|
|
|
|
|