|
لماذا يسكت دعاة حقوق الإنسان عن مذبحة اللاجئين السودانيين؟!
|
لا زالت تداعيات حادث القاهرة المفجع تتواصل, هذا المقال نشر بموقع ايلاف
د. كاظم المقدادي
أليس غريباً، ومريباً، إن لم يكن مستهجناً ومداناً، أن يهتم حقوقيون وإعلامين عرب ويروجون لأخبار عتاة المجرمين، أمثال صدام حسين وبرزان التكريتي وطه ياسين الجزراوي، وغيرهم، مطلقين التصريحات، وناشرين التقارير المفبركة عن "إنتهاكات" حقوق هؤلاء في معتقلاتهم، كما لو كانوا أناس أسوياء ومظلومين، لا وحوش مفترسة إرتكبت أبشع الجرائم النكراء، ومنها جرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، وأذاقوا شعبهم وجيرانهم الجور والذل والهوان، ناشرين الرعب والموت والدمار، مخلفين مئات المقابر الجماعية، وأكثر من 5 ملايين يتيماً، ونحو مليون أرملة، ومئات اَلاف الثكالى والمفجوعات، عدا المفقودين والمقعدين والعجزة، وغيرهم.. بينما تجاهل أولئك الحقوقيون والأعلاميون، ويتجاهلون، بكل صلافة، مذبحة اللاجئين السودانيين بالمهندسين في القاهرة، التي راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى، بضمنهم أطفال صغار ونساء ومرضى أبرياء، نتيجة للقسوة الشديدة التي تعاملت بها الشرطة المصرية معهم أثناء إجبارهم على إخلاء مخيمهم الإحتجاجي الذي اقاموه على مدى 3 أشهر تقريباً في حديقة بأحد الميادين العامة أمام مكتب المفوضية العليا للأمم المتحدة للاجئين في القاهرة ؟!!..لليوم يتواصل التكتم على الأعداد الحقيقية للقتلى والجرحى، و تمنع زيارة الجرحى بالمستشفيات.المصادر الرسمية تقول أن عدد القتلى 27 فقط، بينما تقول مصادر للاجئين أن القتلى هم 56، ومصادر أخرى(تجمع اللاجئين في كنيسة السكاكيني، في 2/1/ 2006 ) تقول إن عدد القتلى و المفقودين هو 156، من بينهم 70 طفلاً( تبين بعد إسبوعين أن 34 طفلاً من بين قائمة الأطفال المفقودين وجدوا أحياء في السجون دون ذويهم).وحسب مصادر سودانية أخرى ممثلة في القاهرة، فإن عدد القتلى بلغ في 4/ 1 نحو 265 موزعين على المستشفيات الآتية: 180 في مستشفى الجيزة، و 27 في زينهم، و 35 في مستشفى منشبة البكري، و 23 في القصر العيني..
لقد مر شهر كامل والمنظمات العربية " المدافعة" عن حقوق الإنسان تواصل موقفها الغريب والمريب من مذبحة اللاجئين السودانيين في القاهرة، وهي التي وقفت ثلاثة أشهر تتفرج على إعتصامهم، بينما وقف العالم مذهولاً أمام تلك القسوة الوحشية التي تعاملت بها الشرطة المصرية، مسببة قتل وجرح المئات. ولم تتحرك المنظمات المذكورة وظلت ضمائرها في سبات عميق حتى عندما أعلنت نتائج تقارير معاينة جثث القتلى، وبينت أن معظم أسباب وفيات اللاجئين قد نجمت عن العنف وقسوة إستخدام القوة، وبضمنها: كسور وجروح شديدة في الجمجمة، والرقبة، والظهر، ونزيف في المخ، وإختناق، وتمزق الطحال، وتمزق الرئة، وتمزق الكبد والبنكرياس، وهبوط حاد في الدورة الدموية نتيجة لنزيف داخلي، الخ .. ومن بين القتلى أطفال، بضمنهم رضع.وتجاهلت المنظمات الصامتة بأن اللاجئين الضحايا هم من بلد مجاور وشقيق، هو السودان، وافقت الحكومة المصرية على دخولهم أراضيها، وفتحت مصر ذراعيها لهم، وكانوا لحظة الحادث يحتجون ليس ضد الحكومة المصرية، بل ضد مفوضية اللاجئين في القاهرة، التي تتولى المسؤولية الكاملة في تحديد الأشخاص المحتاجين للحماية الدولية من خلال المقابلات التي يجريها موظفوها المسؤولون بمكتبها هناك مع طالبي اللجوء. ومنذ عام 2002 تقوم، وفق إتفاق بينها وبين السلطات المصرية، بإصدار بطاقات هوية مماثلة لملتمسي اللجوء وتستخدم هذه البطاقة كتصريح إقامة مؤقت لحين اتخاذ القرار النهائي في طلبات اللجوء المقدمة منهم. والمعروف ان مصر تؤوي نحو 21 ألف لاجئ من 35 دولة، منهم 15 الف سوداني.
وقد بدأت الأزمة الأخيرة بإعتصام اللاجئين السودانيين في 29 أيلول/ سبتمبر الماضي، إثر رفض المفوضية العليا للاجئين طلبات اللجوء التي تقدم بها غالبية هؤلاء السودانيين، معتبرة انهم يرغبون في الهجرة الى الغرب للبحث عن عمل وليسوا لاجئين فروا من نزاعات في السودان، بينما وجدت فيما بعد بأن قسماً منهم يستحق وضع لاجئ. ويبدو أن الرفض تم بضغط الاتحاد الاوروبي الذي يريد احتواء الهجرة إليه على الدول الواقعة جنوب المتوسط مثل مصر والمغرب لاتخاذ اجراءات ضد المهاجرين غير الشرعيين.. وإنتهى الإعتصام دموياً بمقتل وجرح المئات منهم في 30 كانون الأول/ ديسمبر، وتتحمل مفوضية اللاجئين المسئولية عن المجزرة لتواطئها على معاناة اللاجئين حتى وصلت الأزمة إلى هذا الحد، كما تخلت عن مسئوليتها الأدبية والقانونية عندما بدأت المجزرة بالفعل، وكانت تتفرج.على أن مسؤولية المجزرة التي أرتكبت بحق اللاجئين تتحملها الحكومة المصرية وحدها، لتعامل أجهزتها القمعية مع المعتصمين على نحو فض، منتهكة إلتزاماتها بموجب إتفاقية اللاجئين للعام 1951، التي وقعت عليها عام 1981، والتي تلزمها بتوفير الحماية للآجئين على أراضيها، وتمنعها من ترحيلهم قسرياً، أو إعادتهم الى موطنهم الأصلي.وهي ملزمة بتنفيذ القوانين الدولية لحقوق الإنسان، من ضمنها اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي تمنع جعل اي شخص عرضة لخطر التعذيب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.هذا فضلاً عن عدم وجود ضرورة لإستخدام القسوة وبالشدة التي حصلت لحل الأزمة.ومن المشكوك فيه أن الأجهزة الأمنية قامت بفض الإعتصام بهذه الدرجة من العنف والقمع الهمجي من دون علم الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس السوداني عمر البشير ورئيسي حكومتيهما ووزيري خارجيتيهما.
حيال هذا، أعتبر الامين العام للامم المتحدة كوفي انان ان مقتل اللاجئين السودانيين في القاهرة مأساة رهيبة لا يمكن تبريرها على الاطلاق.وعبر المفوض الاعلى للامم المتحدة للاجئين انطونيو غويتيرس عن صدمته الشديدة لمقتلهم، معتبرا انه لم يكن هناك مبرر لمثل هذا العنف.ودانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الاميركية العنف الوحشي للشرطة المصرية، وطالبت الرئيس حسني مبارك بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة. من جهتها، دعت "منظمة العفو الدولية" الحكومة المصرية الى إجراء تحقيق شامل ومستقل ومحايد في حوداث قتل اللاجئين السودانيين على أيدي الشرطة المصرية في 30 كانون الأول/ ديسمبر 2005، بالإضافة إلى إصابة عشرات آخرين بجروح، وضرورة اجراء التحقيق بمشاركة خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وأعضاء مستقلين من منظمات حقوق الإنسان المصرية. وطالبت السلطات المصرية بدعوة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والإعدام التعسفي وبإجراءات مقتضبة إلى المشاركة في هذا التحقيق.
وشرعت جماعات سودانية بأمريكا وأوروبا برفع دعاوى قضائية ضد الحكومة المصرية بتهمة ارتكاب جرائم إنسانية في حق اللاجئين السودانيين ومخالفتها لكافة القوانين والمعاهدات الدولية بشأن اللجوء السياسي والإنساني وسوف توجه الاتهامات إلي رئيس الحكومة د. أحمد نظيف واللواء حبيب العادلي وزير الداخلية لمسئوليتهم المباشرة عما جري في ميدان المهندسين ضد اللاجئين السودانيين.وقبل أيام أرسلت 12 منظمة حقوقية مصرية رسالة إلى لويز أربور- مفوضة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة طالبت فيها بإرسال فريق دولي لتقصي الحقائق بشأن الإخلاء القسري للمعتصمين السودانيين على أيدي قوات الأمن المصرية في القاهرة ما أدى إلى مقتل العشرات منهم. ودعت المنظمات أربور إلى إرسال مهمة تقصي حقائق إلى القاهرة للتحقيق في الاستخدام المفرط للقوة وغيره من الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن..والتحقيق في أداء المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة في القاهرة. وذكرت المنظمات في رسالتها إن الحكومة المصرية لم تنجح خلال السنوات الماضية في إجراء تحقيق مستقل ونزيه بشأن انتهاكات قوات الأمن المصرية الخطيرة على الرغم من التوثيق الجيد لتلك الانتهاكات.
من جهتهم، ناشد اللاجئون السودانيين بالقاهرة وزارة الصحة المصرية، ونقابة الأطباء المصريين، واتحاد الأطباء العرب، إصدار تصريح لهم بزيارة جرحاهم بالمستشفيات المصرية، حيث منعت السلطات المصرية زيارة الجرحى من قبل ذويهم من اللاجئين، بعد أن كان يسمح بزيارة الأقارب من الدرجة الأولي، وأكدت استغاثة اللاجئين أن زيارة اللاجئ لأخيه أو لزوجته أو لابنه المصاب حق طبيعي بعد ما تعرضوا له علي أيدي قوات الشرطة المصرية.
الى هذا، وإتماماً " لمعالجة " الحكومة المصرية للأزمة، قررت طرد اللاجئين السودانيين من أراضيها. وأعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في القاهرة أنها أجرت مقابلات مع أغلبية السودانيين الذين تريد مصر طردهم باعتبارهم مهاجرين بشكل غير مشروع. في حين حثت الأمم المتحدة السلطات المصرية على عدم ترحيل اي من المحتجزين نظرا لعدم الاستقرار في بلادهم، وقالت قبل أيام ان 14 من بين 183 سودانيا محتجزاً يستحقون وضع لاجئ. وكانت الشرطة المصرية قد احتجزت اكثر من 600 سودانياً من بين المعتصمين، أطلقت سراح 440، من بينهم 190 إمرأة وطفل، بعد أن تعرضوا الى التعذيب. وأنهى فريق من الخبراء القانونيين من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة مقابلات استغرق كل منها ثلاث ساعات مع كل فرد من المحتجزين السودانيين الباقين البالغ عددهم 183 للوفاء بمهلة وضعتها مصر لتحديد وضعهم بحلول يوم الخميس الماضي.وقالت ماري هيلين فيرني المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة في جنيف بأن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة أبلغت الحكومة المصرية بأن 14 من المحتجزين اتضح انهم اشخاص يمكن القلق عليهم ويتعين اطلاق سراحهم فورا.ويعني هذا ان معايير الاشخاص الفارين من العنف او الاضطهاد تنطبق عليهم مما يمنحهم الحق في الحصول على وضع لاجئ ومن ثم تسري عليهم الحماية الدولية بموجب اتفاقية اللاجئين لعام 1951.واضافت ان 34 اخرين وصلوا جميعا في الاونة الاخيرة لم يتم بعد تقرير مصيرهم نهائياً فيما إذا يستحقون أو لا وضع لاجئ، لكن يحق لهم تقديم استئناف خلال خمسة أيام.وقالت المتحدثة ان الوكالة كررت توصياتها التي رفعتها في وقت سابق لاسباب انسانية بعدم ترحيل اي من السودانيين المحتجزين في مصر في هذه المرحلة.واضافت: نشير الى الموقف غير المستقر الاخذ في التطور في السودان من تفرقة بين افراد الاسرة الواحدة والنزوح الذي يحدث حاليا والصعوبة التي يواجهها كل المحتجزين السودانيين في اعقاب الاحداث الماساوية التي وقعت مؤخرا في القاهرة.علماً بأن منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة دانت الحكومة السودانية بسبب معلومات عن ممارسة الإرهاب والتعذيب واحتجاز السجناء في ظروف مريعة وشن هجمات على المدنيين، كما جاء في تقرير للمنظمة قدمه محققون تحدثوا إلى شهود عيان وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، أفادوا بأن أجهزة الأمن والاستخبارات العسكرية والشرطة تمارس التعذيب ضد المشتبه بهم بشكل روتيني، فيما يثير غياب ضمانات نزاهة المحكمة وظروف الاعتقال غير الإنسانية القلق الشديد ("رويترز"، "أ.ف.ب")..
المؤسف ان الضمير العربي لم يتحرك طوال 3 اشهر، ووقفت معظم منظمات المجتمع المدني بمصر موقفا سلبيا من معاناة اللاجئين السودانيين، بما في ذلك المنظمات المعنية بالدعم الانساني والعون الطبي. ولم يقدم أي حزب أو حركة سياسية بمصر دعماً حقيقياً للاجئين، وكانت هناك محاولة من البعض للقيام بمظاهرة إستفزازية بجوار مكان اعتصام اللاجئين، تزامنت مع حملة مسعورة، مشبوهه، ومخزية لأبواق النظام ووسائل الإعلام التابعة له ضد اللاجئين السودانيين المعتصمين. ولم يكن موقف الحركات والشخصيات السودانية بالقاهرة فاعلا، ولم يستثمروا علاقاتهم بالجانب المصري كما ينبغي.وحتى بعد أن أرتكبت المجزرة واصل الإعلام العربي الرسمي، ومنظمات المجتمع المدني، وحتى المنظمات العربية المدافعة عن حقوق الإنسان، موقف التفرج، ولم تتصد لأكاذيب الحكومة المصرية والإعلام المصري الموالي لها، الذي سعى لتبرير الجلاد وتحميل مسؤولية الجريمة النكراء على الضحايا، وهي خبير في مثل هذه الأساليب الخبيثة .. فهل سيتحرك الإعلام الحر، والضمائر الحية، المصرية، والسودانية، والعربية، بموقف تضامني مشرف لنصرة قضية اللاجئين السودانيين، يتلافى المواقف السلبية الراهنة ؟ّ
كاتب المقال ناشط في حقوق الإنسان
|
|
|
|
|
|