دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
محطات ..!!
|
(*)
من هنا تبدأ الحياة .. من (المحطة) .. حيث تتوسط (حاجة عشة) مابين دكان (المكوجي) وبقالة (حاج الأمين) وتتخذ من ظلهما موضعاً لجلستها .. ومستقبلاً لزبائنها ..
قبيل الشروق .. المحطة ذات رائحة وضجيج .. رائحة الزلابية التي تصنعها (حاجة عشة) .. وصوت ضجيج (البصات) التي أدار سائقيها محركاتها صباحاً .. وراحو يضغطون على محرك (الوقود) بغرض تسخينها وتجهيزها لرحلة يوم طويل مضن ..
يبدو المكان كلوحة صامتة على بروازها العريض .. فقط (حاجة عشة) .. و(البصات) التي أفاقت مبكراً ..
وعدة (كراتين) ورقية من تحتها تتململ (أشباح)سكان (المحطة) ..
الآنسة(رابحة) وصحبها ...!!
(*)
يقال أنها أطلت هكذا بليلة ماطرة , .. كانت المحطة خالية أو تكاد .. إلا من بعض مرتاديها المداومين , الذين هم في الأصل سكانها .. فجلهم لا يملك مسكناً .. ولا يعرف الناس أي ريح ألقت به إلى هذا المكان , ..
(رابحة) خرجت فجأة من بين البرق والمطر وصوت السماء المرعدة .. كانت ترتدي ثوباً مزركشاً .. وشعرها مجدول على الطريقة البلدية التي نسميها (مشاطاً) ..
فجأة وجدها الناس تتوسط ساحة (المحطة) وهي تقفز تحت زخات المطر .. وتصيح في هستيريا: (عمر البسير .. دي مالو كدي) .. (عمر البسير .. دي مالو كدي) ..
(*)
برزت إلى الوجود هكذا فجأة دون أن يعرف لها أحد منبعا أو ماضٍ .. ككل الأشياء حين طغت الزحمة على الأمكنة , وضاعت الرحمة ..
فجأة صار الناس يعرفون (رابحة) , .. ويعرفونها بجملتها الشهيرة ورقصتها تلك المصاحبة للجملة التي كانت ترددها على نسق أغنية معروفة :
(عمر البسير .. دي مالو كدي) .. (عمر البسير .. دي مالو كدي)..
كانت ترددها هكذا مقصورة أواخرها .. بلسانها (عجمة) .. تلتهم تلك (العجمة) حرف الشين بلا هوادة .. لكن ملامحها لم تكن تقود إلى جهة من جهات البلد .. فهي تشبه أهل الشمال .. وفيها من أهل الجنوب .. كما أنها لا تختلف كثيراً عن نساء الغرب .. وأظن أنا أنها كانت (هدندوية) من الشرق ..
(رابحة) لقطت ورق , أي جنت وهي عبارة العصر في توصيف فقدان أحدهم لرشده .. (المحطة) كان إسمها : (محطة لقيط الورق) لكثرة (المجانين) الذين يتخذونها مسكناً وليس مرتكزاً فحسب .. وبعد ظهور (رابحة) .. طغى أسمها على الجميع , بل حتى على (لقيط الورق .. فصارت المحطة .. (محطة رابحة) ...!!
(*)
أقلق صوتها منام بعضهم .. فرفعوا رؤوسهم من تحت (أوراق الكرتون) التي يلتحفونها .. وقد بللها المطر .. وحدقوا فيها دونما دهشة .. فهكذا يعلن أحدهم عن نفسه حين (يلقط ورق) أو يفقد رشده .. أو يجن للوهلة الأولى ..
نظروا إليها هكذا .. وتأملوها للحظات ..
ثم أغلقوا زجاج (كرتونهم) تباعاً .. حتى أن المارة لا يستطيعون تمييز أحد .. أوراق الكرتون متناثرة هنا وهناك في فوضى ..
ولا أثر لحياة تحتها .. لكن تحتها حياة وقوم يعيشون بينهم صباحاً .. ويتدثرون بأوراق الكرتون مساءً ..
الآن أنضم لهم قادم جديد .. قد بدأ (لقيط الورق) حديثاً .. (رابحة) ستجد لها مكاناً بينهم .. حسبها أن تهيأ مسكنها , الذي سيكون أحد أركان ساحة المحطة .. وقطعة من الكرتون .. تتغير مع تغير الفصول ...!!
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: محطات ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
ما أن تشرق الشمس , .. حتى تنتفض (أوراق الكرتون) لتصطف في فوضى (منظمة) على جانبي داخل (الخور) .. ويتحول من تحتها إلى شعلة من النشاط .. يتحركون بإتجاهات متعددة .. تقودهم نزعة أكل العيش .. بعضهم يمتهن (تلميع الأحذية) .. وبعضهم يمتهن (النشل) .. وبعضهم يكسب رزقه من (الخطف) .. خطف أي شئ ذا قيمة .. من إمرأة عابرة أو سيارة أبطأ سائقها قليلاً .. أو (دراجة) حملها صاحبها ما لا تطيق ..
إنضمت (رابحة) لهذه القبيلة دون أن يكون لها مهنة بعد لكنها ستجد ما تقتات به حتى تجد تلك المهنة .. فهؤلاء رغم فقرهم .. كرماء .. متكافلون ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محطات ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
(حاجة عشة) .. إمرأة سوداء فاحمة السواد .. تميل قامتها التي تقترب من الأرض إلى القصر .. بدينة متورمة تمشى ببطء وصعوبة .. أرجلها ملتوية ومتورمة , كوجهها الذي عليه ثلاثة (شلوخ عراض) , كأوشام قبيلة (الدناقلة) ..
(حاجة عشة) لها إخوة , لكنهم ليسوا بأخوة .. هي تدعي أنها أختهم لوالدهم وهم ينكرون ذلك ..
يقولون أنها (خادمهم) فقط وإبنة إحدى (سراري) أبيهم .. وأعطاها إسمه ..
كانوا ذوي حسب ونسب ومال .. كانت تحبهم رغم إنكارهم لها ..
تزوجت وأنجبت ومات عنها زوجها .. تعيش وحدها قبيل مجئ (رابحة) هي وأولادها ..
ربطتها صداقة قوية برابحة .. وتغيرت رابحة منذ أنتقلت للعيش معها ..
صارت نظيفة , متزنة .. وبان جمالها ..
(رابحة) صارت محط أنظار رجال (المحطة) .. ومطمعهم ..
أغلبهم كان يوسط (حاجة عشة) للظفر بليلة معها .. (رابحة) لم تكن تقبل أو ترفض ..
(حاجة عشة) كانت ترد إنابة عنها :
(رابحة) دي خلوها في حالا , باقي الزولة دي ما (مرة ) رجال .. هايمة في ملكوت ربها عاوزين بيها شنو ؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محطات ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
بدأت (رابحة) بالتغير كلما أستقر حالها .. بدأ آثار جمالها القديم تتضح معالمها .. ثم أنها صمتت عن صياحها المعتاد .. وبدت أكثر إتزاناً ..
صارت هيئتها لا تمت بصلة إلى (رابحة) التي عرفتها المحطة للوهلة الأولى ..
حتى يقال أن خطاباً كثر .. طلبوا يدها من (حاجة عشة) ..
إلا أنها كانت ترفض .. لا تبرر رفضها ..
تكتفي بأن تهز رأسها وتبتسم ..
سألتها (حاجة عشة) : مالك يا بتي رافضة العرس .. السواقين الإتقدموا ليك ديل فيهم كم واحد كويس ..؟
أجابتها (رابحة) بإيماءة من رأسها تشير إلى الرفض .. لم تعد تحدثها عن الأمر , .. حتى أنكشف المستور ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محطات ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
يومها إزداد ضغط (حاجة عشة) على (رابحة) .. للقبول بأحد الخطاب الذين تقدموا لها ..
(رابحة) عادت إلى سابق عهدها .. إرتدت ملابسها الرثة القديمة ..
وأهملت شعرها .. حتى صار متسخاً أغبراً ..
وراحت تتجول بين جنبات (المحطة) تحدث نفسها وتصرخ ..
(حاجة عشة) أشفقت عليها .. وأحست بالذنب ..
عادت بها مساءً .. وجلست بجوارها حتى غلبها النوم ..
ليلتها أيقظهم صوت طرق على الباب .. كانت الساعة قد تجاوزت الثانية صباحاً ..
إستيقظوا فزعين .. وفتحت (حاجة عشة) الباب وقد أطار زائر الليل.. النوم من عينيها ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محطات ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
كان زائر الليل رجل طويل القامة .. رياضي القوام .. صدره يبرز إلى الأمام ..
ويرتدي بزة (عسكرية) تشير إلى رتبة (العريف) .. ما أن رأي وجه (حاجة عشة) يطل من خلف الباب .. حتى بادرها قائلاً دون مقدمات :
الفاتحة .. وفتح يديه في دلالة تدل على أنه جاء ناعياً أحدهم .. ويحمل خبر وفاة أحد أقرباءها ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محطات ..!! (Re: SHIBKA)
|
(*)
صباح الخير ياهند ..
الحكاية دي ليهو كم يوم كده .. وناشدت بكري .. بس يبدو لي مشغول بآلية فض النزاعات
):
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محطات ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
بعد أن أطار النوم من عينيها بخبره المشئؤم .. تلكأ قبل أن يفصح عن من جاء ناعياً له هذا الصباح :
الحقيقة يا(حاجة) عوض إستشهد في الجنوب ..
ردت (حاجة عشة) : عوض منو ياولدي ؟ أحنا ماعندنا زول بالإسم ده ..!!
رد الرجل : ده مش بيت ناس (رابحة) ؟
أجابته : أيوة (رابحة) ساكنة معانا ..
رد الرجل : طيب (عوض) ده ماراجل (رابحة) ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محطات ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
سمعت (رابحة) الخبر من موقعها بالداخل .. وداهمتها الفجيعة كما يسكب أحدهم على رأسك كوباً من الماء البارد ذات صباح مشتي ..
ركضت نحو الباب وهي تندب وتنتحب .. وتشق ثيابها ..
(حاجة عشة) لم تستطع السيطرة عليها ولم تجرؤ على مواساتها .. كما أنها أيضاً كانت لا تزال تحت وقع المفاجأة ..
(رابحة) متزوجة ..!!
ولا تعلم بذلك إلا حين وفاة زوجها .. خرجت (رابحة) ..
ولم تعد .. حقاً لم تعد ..
بحثوا عنها في كل مكان .. ولكن ..
لا أثر لها ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محطات ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
بحثوا عنها كثيراً .. عبثاً .. لم يجدوا لها أثر .. تركتهم هكذا فجأة كما خرجت لهم يومها .. فجأة من وسط ضجيج الرعد والبرق .. والسماء الممطرة ..
غادرت المكان .. لكنها لازالت به ..
لا زالت موجودة .. سيرتها التي تتردد كل يوم ..
وأسمها الذي علق بالمحطة .. (محطة رابحة) ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محطات ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
بحثوا عنها كثيراً .. عبثاً .. لم يجدوا لها أثر .. تركتهم هكذا فجأة كما خرجت لهم يومها .. فجأة من وسط ضجيج الرعد والبرق .. والسماء الممطرة ..
غادرت المكان .. لكنها لازالت به ..
لا زالت موجودة .. سيرتها التي تتردد كل يوم ..
وأسمها الذي علق بالمحطة .. (محطة رابحة) ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
|